هل ينتصر التغير المناخي على إريدو العراقية... أقدم مدن العالم؟

آثار في مدينة إريدو العراقية
آثار في مدينة إريدو العراقية
TT

هل ينتصر التغير المناخي على إريدو العراقية... أقدم مدن العالم؟

آثار في مدينة إريدو العراقية
آثار في مدينة إريدو العراقية

جدران صخرية صامتة مضى عليها آلاف السنين، تحكي تاريخا ثريا من التحضر والتمدن والتدين والتوجه نحو إيجاد سبل للعيش... إنها مدينة إريدو التي تكشف آثارها عمق وتقدم الحضارات العراقية القديمة، لكنها اليوم تواجه تحديا مناخيا يهدد وجودها.

يقدر عمر مدينة إريدو الأثرية بنحو خمسة آلاف عام قبل الميلاد

وتعتبر مدينة إريدو واحدة من تلك المدن الكبيرة التي يصنفها المختصون في مجال الآثار بأنها أقدم المدن الأثرية المتحضرة في العالم. وتقع غرب محافظة ذي قار في جنوب العراق، وتقف أطلالها على تل يُسمَّى اليوم (تل أبو شهرين)، وهي منطقة غنية بالمواقع الأثرية، كما تبعد بنحو 12 كيلومترا عن مدينة أور التاريخية التي كانت عاصمة للدولة السومرية عام 2100 قبل الميلاد، والتي شهدت الصلاة الإبراهيمية الموحدة بحضور البابا فرنسيس في عام 2021.

ويقدر مدير مفتشية آثار ذي قار، شامل الرميض، في حديث لـ(وكالة أنباء العالم العربي) عمر مدينة إريدو الأثرية بنحو خمسة آلاف عام قبل الميلاد. وهي تقع على مساحة 20 كيلومترا مربعا ويعود ظهور تاريخها إلى ما بعد عصر العبيد، أي ما قبل تاريخ بلاد الرافدين، وخلال الفترة من عام 6500 إلى 5400 عام قبل الميلاد.

مدينة إريدو العراقية غنية بالقطع الأثرية (وكالة أنباء العالم العربي)

ولفت الرميض إلى أن عمليات التنقيب عن المدينة بدأت عام 1916 على يد أحد علماء الآثار البريطانيين، واستمرت حتى عام 1935، ثم استأنف عالم الآثار فؤاد صفر العمل بها واكتشف فيها معابد وقصورا ومقابر.

وأضاف «هذه المدينة كانت تضم زقورة تضاهي زقورة مدينة أور بحجمها، وتصنف واحدة من أكبر الزقورات في العراق». والزقورة نمط من أنماط بناء المعابد المُدرَّجة اشتهرت به بلاد الرافدين.

سميت هذه المدينة الأثرية (جنة عدن) نظرا لموقعها الجغرافي على رأس الخليج، وقال عنها الرميض إنها كانت «مدينة دينية علمية بامتياز جذبت علماء وكهنة، إضافة إلى أنها تضم مساحات زراعية كبيرة، لذا تصنف أيضا بأنها مدينة اقتصادية».

تعد إريدو مدينة دينية علمية بامتياز جذبت علماء وكهنة (وكالة أنباء العالم العربي)

وتشير كتب التاريخ إلى أنها في عام 646 قبل الميلاد استنفدت خيراتها لكثرة سكانها، فانتقل بعضهم نحو مدينة الوركاء الأثرية في محافظة المثنى.

عمليات النبش

تعرض موقع إريدو، كبقية المواقع الأثرية، لعمليات نبش عشوائي خلال الفترة التي امتدت من عام 2003 حتى 2006، خاصة من قبل البدو الرحل كما يقول الرميض، بحثا عن الأحجار الكريمة، ومن قبل تجار الآثار. ويقول إن هذه العمليات انتهت من خلال تخصيص حارس أمني يقع منزله بالقرب من الموقع بالإضافة إلى الجولات التي تنظمها شرطة الآثار بين فترة وأخرى.

ويضيف أنه يجري حاليا بناء سياج خرساني يكون له باب واحد، وبلغت نسبة إنجازه 50%. ويتابع قائلا «عمليات النبش من قبل تجار الآثار تكون في المواقع شمال الناصرية، إذ إن إريدو تقع باتجاه الصحراء وموقعها بعيد إذا ما قورنت ببقية المواقع الشمالية».

تواجه المدينة عمليات النبش من قبل تجار الآثار (وكالة أنباء العالم العربي)

ويمتلك العراق عددا من الزقورات، تلك المعابد المُدرَّجة التي بناها السومريون والبابليون في العراق وسوريا وإيران، من أشهرها عالميا زقورة أور قرب مدينة الناصرية التي تقع على بعد 342 كيلومترا جنوبي بغداد). ومن الزقورات الشهيرة أيضا زقورة عقرقوف قرب بغداد.

وعملت بعثة تنقيب آثار إيطالية في الموقع لثلاثة مواسم وتوقفت. وكان أبرز اكتشافات البعثة الجدار الخارجي المبني من الحجر والذي يظهر أنه تم جلبه من الوركاء وكركوك.

وكان رئيس البعثة التنقيبية الدولية في مدينة إريدو البروفيسور فرانكو دي أغستينو قد أعلن اكتشاف أول مستوطنة بشرية في جنوب العراق تعود لعصر العبيد، وذلك ضمن الموسم التنقيبي الرابع في الموقع. وقال إن العثور على مقبرة بجانب المستوطنة كشف عن جانب من معتقدات قدماء العراقيين حول مرحلة ما بعد الموت.

كانت المدينة مركزا لصناعة النسيج من الملابس والكتان وورش العمل

وقال المنقب الآثاري عامر عبد الرزاق في حديث لـ(وكالة أنباء العالم العربي) إن مدينة إريدو «تضمنت عنصر التخطيط العمراني المتحضر، وكانت مقرا لعبادة إلهة الماء، وواحدة من المدن الزراعية، ويضاف إلى ذلك أنها مدينة استشفاء لكثرة المختصين فيها بمجال الطب والجراحة».

لائحة التراث العالمي

أُدرجت مدينة إريدو على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للتراث العالمي عام 2016 مع مدينة أور الأثرية.

ومدينة إريدو إحدى أقدم الأطلال الأثرية في وادي الرافدين؛ إذ تأسست سنة 5400 تقريبا قبل الميلاد، واعتقد العراقيون القدماء أنها بنيت بيد الآلهة لتكون مسكنا للإله إنكي، أحد أهم الآلهة في الأساطير السومرية.

وفي بحث علمي قدمه الباحث الآثاري أباذر الزيدي، ظهر بحسب نتائج التنقيبات في هذه المدينة وجود أقدم سلالة حاكمة من سلالات ما قبل الطوفان، مما يشير إلى أن المدينة كانت من أعظم مدن جنوب العراق في عصور ما قبل التاريخ. ويشير البحث إلى أنها كانت واحدة من أقدم أماكن الاستيطان البشري في السهل الرسوبي، ومركزا لصناعة النسيج من الملابس والكتان وورش العمل.

كانت المدينة مركزا لصناعة النسيج من الملابس والكتان وورش العمل

ويقول عالم الآثار في المفتشية عقيل المنصراوي: «مدينة إريدو عُرفت بوجود المعابد الدينية، كما وُجدت داخلها أنواع كثيرة من القرابين المقدمة للآلهة آنذاك من التمور وعظام السمك وغيرها الكثير، كما أنها ضمت خمسة معابد».

لكن المنصراوي يشير إلى أن التغيرات المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار وقلة الغطاء النباتي، أثرت بشكل واضح في هذا الموقع وجعلت من التربة ناعمة وهشة. ويقول «يسهم الغطاء النباتي في تثبيت التربة. وإريدو تقع على خط التصحر في جنوب العراق وتتأثر بفعل عوامل التعرية».

أخطار التغير المناخي

يشير المختصون في المجال الجيمورفولوجي أو علم شكل الأرض، إلى أن هذه المدينة الأثرية تواجه واحدة من أنشط عمليات التعرية، إذ تؤثر ظروف المناخ السائد من ارتفاع درجات الحرارة وسقوط الأمطار على أسطح وجدران المباني القديمة، مما يؤدي بها إلى التفكك والتشقق والتصدع وتحطم ذرات الصخور.

وبسبب العوامل المناخية يواجه المنقبون صعوبة في فهم المعلومات المكتشفة من آثار إريدو لأنها تعرضت للتعرية والتفكك.

غير أن باحث الآثار أمير دوشي يكشف عن استخدام تقنية حديثة لاستخراج المعلومات بشكل أسرع وأدق، وهي تقنية الذكاء الاصطناعي، إذ يتم إدخال البيانات والمعلومات الموجودة على القطع الأثرية من رموز سومرية وفي غضون أقل من دقيقة واحدة تظهر النتائج والعبارات المكتوبة.

آثار في مدينة إريدو العراقية

ويقول دوشي لـ(وكالة أنباء العالم العربي): «في الفترات الماضية كانت تستغرق عملية الكشف عن المعلومات سنة أو أكثر». وطالب بتعميم طريقة الذكاء الاصطناعي في جميع البعثات التنقيبية العراقية للإسراع بالوصول لنتائج المكتشفات الأثرية.

ويلفت إلى أن عمليات التنقيب التي أجراها عالم الآثار فؤاد صقر في نهاية أربعينات القرن الماضي كشفت عن وجود 180 مقبرة أثرية في المدينة.

وعادت بعثات التنقيب الدولية بقوة إلى جنوب العراق في مارس (آذار) 2022، واكتشف فريق يضم علماء فرنسيين وإيطاليين بالتعاون مع مختصين عراقيين بعض الآثار النادرة لأطلال مدينة إريدو.


مقالات ذات صلة

اتفاقية بين «الخطوط الحديدية السعودية» و«ألستوم» الفرنسية لرفع جاهزية «قطارات الشرق»

الاقتصاد جانب من توقيع الاتفاقية خلال «المعرض والمؤتمر السعودي للخطوط الحديدية»... (سار)

اتفاقية بين «الخطوط الحديدية السعودية» و«ألستوم» الفرنسية لرفع جاهزية «قطارات الشرق»

وقّعت «الخطوط الحديدية السعودية (سار)»، الخميس، عقداً مع شركة «ألستوم ترانسبورت إس إيه» الفرنسية، لرفع مستوى جاهزية أسطول قطارات «شبكة الشرق».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق طائرة تابعة لشركة «بوينغ» (رويترز)

ما السر وراء شكل نوافذ الطائرات الدائري؟

قد يبدو السبب وراء شكل نوافذ الطائرات الدائري عادياً وغير استثنائي، ولكن هناك في الواقع قصة ترتبط بأحداث أليمة وراء تصميمها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد نائب الرئيس للتسويق في «طيران الرياض» أسامة النويصر (الشرق الأوسط)

«طيران الرياض»: 132 طائرة إجمالي طلبياتنا من «بوينغ» و«إيرباص»

قال نائب الرئيس للتسويق في «طيران الرياض» أسامة النويصر لـ«الشرق الأوسط» إن إجمالي عدد طلبيات الطائرات وصل إلى 132 طائرة.

عبير حمدي (الرياض)
يوميات الشرق اللافتة التي وضعها مطار دنيدن (سي إن إن)

مطار نيوزيلندي يثير الجدل... ويضع حداً زمنياً لـ«عناق الوداع»

أثار مطار دنيدن في نيوزيلندا الجدل حول العالم بعدما فرض «حداً أقصى» لـ«عناق الوداع»؛ حيث وضع لافتة جديدة تفرض حداً أقصى يبلغ 3 دقائق على العناق بمنطقة الإنزال.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

ما أجمل المباني السياحية في بريطانيا؟

«قصر باكنغهام»... (إنستغرام)
«قصر باكنغهام»... (إنستغرام)
TT

ما أجمل المباني السياحية في بريطانيا؟

«قصر باكنغهام»... (إنستغرام)
«قصر باكنغهام»... (إنستغرام)

أجرى باحثون استطلاعاً للرأي على مستوى البلاد لاكتشاف أجمل المباني وأبرزها في جميع أنحاء المملكة المتحدة، حيث جاء كل من: «كاتدرائية القديس بول» (بنسبة 21 في المائة)، و«كاتدرائية يورك» (بنسبة 18 في المائة)، و«دير وستمنستر آبي» (بنسبة 16 في المائة)، و«قصر وارويك» (بنسبة 13 في المائة)، جميعها ضمن القائمة النهائية.

مع ذلك جاء «قصر باكنغهام» في المركز الأول، حيث حصل على 24 في المائة من الأصوات. ويمكن تتبع أصوله، التي تعود إلى عام 1703، عندما كان مسكناً لدوق باكنغهام، وكان يُشار إليه باسم «باكنغهام هاوس».

وفي عام 1837، أصبح القصر البارز المقر الرسمي لحاكم المملكة المتحدة في لندن، وهو اليوم المقر الإداري للملك، ويجذب أكثر من مليون زائر سنوياً.

يحب واحد من كل عشرة (10 في المائة) زيارة مبنى «ذا شارد» في لندن، الذي بُني في عام 2009، بينما يرى 10 في المائة آخرون أن المناطق البيئية لمشروع «إيدن» (10 في المائة) تمثل إضافة رائعة لأفق مقاطعة كورنوول.

برج «بلاكبول» شمال انجلترا (إنستغرام)

كذلك تتضمن القائمة «جناح برايتون الملكي» (9 في المائة)، الذي بُني عام 1787 على طراز المعمار الهندي الـ«ساراكينوسي»، إلى جانب «ذا رويال كريسنت» (الهلال الملكي) بمدينة باث (9 في المائة)، الذي يضم صفاً من 30 منزلاً مرتبة على شكل هلال كامل، وبرج «بلاكبول» الشهير (7 في المائة)، الذي يستقبل أكثر من 650 ألف زائر سنوياً، وقلعة «كارنارفون» (7 في المائة)، التي شيدها إدوارد الأول عام 1283.

وتجمع القائمة التي تضم 30 مبنى، والتي أعدتها مجموعة الفنادق الرائدة «ليوناردو هوتلز يو كي آند آيرلاند»، بين التصاميم الحديثة والتاريخية، ومنها محطة «كينغ كروس ستيشن»، التي جُددت وطُورت بين عامي 2006 و2013، وساحة «غريت كورت» المغطاة التي جُددت مؤخراً داخل المتحف البريطاني، جنباً إلى جنب مع قلعة «هايكلير» في مقاطعة هامبشاير، التي ذاع صيتها بفضل مسلسل «داونتون آبي».

ليس من المستغرب أن يتفق ثلثا المستطلعة آراؤهم (67 في المائة) على أن المملكة المتحدة لديها بعض أجمل المباني في العالم، حيث يعترف 71 في المائة بأنهم أحياناً ما ينسون جمال البلاد.

ويعتقد 6 من كل 10 (60 في المائة) أن هناك كثيراً من الأماكن الجديرة بالزيارة والمناظر الجديرة بالمشاهدة في المملكة المتحدة، بما في ذلك المناظر الخلابة (46 في المائة)، والتراث المذهل والتاريخ الرائع (33 في المائة).

«ذا رويال كريسنت» في مدينة باث (إنستغرام)

وقالت سوزان كانون، مديرة التسويق في شركة «ليوناردو هوتلز يو كي آند آيرلاند» البريطانية، التي أعدت الدراسة: «من الواضح أن المملكة المتحدة تضم كثيراً من المباني الرائعة؛ سواء الجديدة والقديمة. ومن الرائع أن يعدّها كثير من البريطانيين أماكن جميلة لقضاء الإجازات في الداخل. بالنسبة إلى أولئك الذين يخططون للاستمتاع بإجازة داخل البلاد، فلن تكون هناك حاجة إلى كثير من البحث، حيث تنتشر فنادقنا الـ49 في جميع أنحاء المملكة المتحدة بمواقع مثالية في مراكز المدن، وعلى مسافة قريبة من بعض المباني المفضلة لدى البريطانيين والمعالم الشهيرة البارزة، مما يجعلها المكان المثالي للذين يبحثون عن تجربة لا تُنسى حقاً. ويمكن للضيوف أيضاً توفير 15 في المائة من النفقات عند تمديد إقامتهم لثلاثة أيام أو أكثر حتى يوليو (تموز) 2025».

مبنى «ذا شارد» شرق لندن (إنستغرام)

كذلك كشف الاستطلاع عن أن «أكثر من نصفنا (65 في المائة) يخططون لقضاء إجازة داخل المملكة المتحدة خلال العام الحالي، حيث يقضي المواطن البريطاني العادي 4 إجازات في المملكة المتحدة، و74 في المائة يقضون مزيداً من الإجازات في بريطانيا حالياً مقارنة بعددهم منذ 3 سنوات.

وأفاد أكثر من الثلث (35 في المائة) بأنهم «يحبون استكشاف شواطئنا الجميلة، حيث إن التنقل فيها أسهل (34 في المائة)، وأرخص (32 في المائة)، وأقل إجهاداً (30 في المائة)».

بشكل عام، يرى 56 في المائة من المشاركين أن البقاء في المملكة المتحدة أسهل من السفر إلى خارج البلاد.