«دير القمر» وجهة سياحية شهيرة في منطقة الشوف اللبنانية

تزدان بمعالم أثرية وقصور تاريخية وساحات تراثية

قصر المير يوسف شهاب بلدية «دير القمر» حالياً (dek trail رودي شعيا)
قصر المير يوسف شهاب بلدية «دير القمر» حالياً (dek trail رودي شعيا)
TT

«دير القمر» وجهة سياحية شهيرة في منطقة الشوف اللبنانية

قصر المير يوسف شهاب بلدية «دير القمر» حالياً (dek trail رودي شعيا)
قصر المير يوسف شهاب بلدية «دير القمر» حالياً (dek trail رودي شعيا)

تقع بلدة «دير القمر» على مسافة 45 كيلومتراً من العاصمة بيروت. مكانتها المهمة في منطقة الشوف الجبلية تعود لموقعها التاريخي عبر الزمن، فهي شكَّلت عاصمة للأمراء المعنيين، وأُدرجت عام 1945 على لائحة التراث العالمي.

تزدحم هذه البلدة بمعالم أثرية وقصور تاريخية وساحات تراثية. وكانت مقر الإقامة الصيفي للأمراء المعنيين في لبنان. كما أنها تجمع الحداثة في مقاهيها ومراكز التسلية فيها. أما مطاعمها وبيوت الضيافة فتوفر لروادها إقامة مريحة في بيوت تراثية تم تجديدها. وتشتهر بلقمتها الشهية التي تشمل إلى جانب الأطباق اللبنانية العريقة أخرى غربية.

وحسب عالم الآثار الدكتور حارث البستاني، ابن البلدة، فإن «دير القمر» تطوي محطات تاريخية كثيرة. وكما ذكر لـ«الشرق الأوسط» فهي تجمع المشهد اللبناني الحقيقي من كنائس وجوامع وتحكي معالمها بجدرانها وأحجارها روايات لا تنتهي عن تاريخ لبنان أيام الأمراء الشهابيين والمعنيين. وتعد القيصرية (تشكل جزءاً من قصر فخر الدين الثاني) وهي اليوم مقر للمركز الثقافي الفرنسي في لبنان، نموذجاً حياً لتلك الحقبة.

معالم تاريخية رُمِّمت

فندق «دير الأمراء»

يعد فندق ومطعم «دير الأمراء» من المباني التي أُعيد ترميمها منذ مدة زمنية غير طويلة. فقد شيّده في عام 1827 الأمير بشير الشهابي. واختاره مقراً لشاعره الخاص بطرس كرامي الذي كان يُكنّ له احتراماً شديداً. وبعد أن تحول إلى مدرسة لفترة اصبح واحداً من ممتلكات مطرانية الروم الكاثوليك وأُهمل تماماً، فلفت انتباه منذر البستاني الذي قرر أن يستأجره من المطرانية ويحوله إلى فندق ومطعم بعد أن أعاد ترميمه. وهو يتألف من نحو 20 غرفة منامة ومطعم يقدم أطيب المأكولات اللبنانية.

طرقات «دير القمر» العتيقة (dek trail رودي شعيا)

ساحة «دير القمر» المعروفة بالـ«ميدان»

عندما تزور بلدة «دير القمر» أول موقع يطالعك فيها يعجّ بالزوار والسياح الأجانب هو «الميدان». ويُعرف اليوم بـ«ساحة داني شمعون» ابن الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون أحد رجالات البلدة المعروفين. شهدت هذه الساحة في عصر الأمراء المعنيين مبارزات ومباريات فروسية كثيرة، وتتوسطها بركة مياه مستديرة الشكل يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، وقربها تقع «المنشية» على مدخل البلدة والتي يعود تاريخها إلى نحو 150 عاماً، وتشكل حديقة عامة مفتوحة أمام زوار البلدة حيث يستطيعون تمضية ساعات جميلة في رحابها.

ومن الساحة تتوجه إلى قاعة العمود التي تشكل امتداداً لها، وتُعرف بهذا الاسم لهندستها القائمة على عمود حجري. كانت هذه القاعة مركزاً لحاكمية الأمير بشير الشهابي.

سرايا الشهابيين

كانت السرايا في الماضي مركزاً لإقامة الأمير بشير الثاني قبل أن ينتقل للسكن في بلدة بيت الدين المجاورة. وهي عبارة عن بناء قديم يتميّز بفناء مستطيل واسع وتُعرف بقصر المير يوسف شهاب. وقد أُقيمت بساحته حفلات ومهرجانات كثيرة. وتم أيضاً عليها تصوير مقاطع أفلام وفيديوكليبات إعلانية. وتتميّز السرايا بتصميمها الشرقي وبوابتها الضخمة المزينة بزخرف وخطوط ونقوش حجرية، وحالياً تُعرف بقصر «دير القمر البلدي» ويحلو لزوار البلدة الوقوف على مداخلها، والتقاط صور تذكارية على درجها.

جولات سياحية سيراً على الأقدام

تحضر في بلدة «دير القمر» متعة التجول بين أزقتها وشوارعها القديمة الضيقة والمرصوصة بأحجار صخرية. وتنظَّم رحلات خاصة للاطلاع عليها وعلى نحو 21 معلماً أثرياً وتاريخياً خلالها. وإذا ما رغب السائح في أن يقوم بها فما عليه سوى الاتصال ببلدية «دير القمر» لتؤمِّن له الدليل السياحي المطلوب. ويقول رودريغ شعيا صاحب (Deq trail) التي تنظم رحلات مماثلة في «دير القمر» لـ«الشرق الأوسط»: « تملك (دير القمر) 32 معلماً تاريخياً ولكن نستطيع التعرف إلى 21 منها خلال ممارسة رياضة المشي. ومن يرغب في إكمال جولته لأماكن أبعد يستطيع أن يستأجر حافلة أو سيارة لذلك».

أماكن عليك زيارتها في «دير القمر»

كثيرة هي الأماكن التي في استطاعتك اكتشافها في أثناء جولتك في «دير القمر». واخترنا لك 3 منها:

جامع الأمير فخر الدين الأول في «دير القمر» (dek trail رودي شعيا)

- جامع الأمير فخر الدين المعني الأول

بُني هذا الجامع في عام 1493 وعُرف باسم الأمير فخر الدين المعني الأول بعد أن رممه في القرن السادس عشر. يتميز المسجد بهندسته البسيطة والتقليدية، فهو يتألف من قاعة صلاة مربعة الشكل مسقوفة بعقد مصلّب ومئذنة مثمّنة الأضلاع.

- كنيسة سيدة التل

تعد هذه الكنيسة وجهة لجميع الطوائف في منطقة الشوف. وكانت المكان الذي يحب ارتياده بشكل دائم الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون. يعود بناؤه إلى أيام الأمير بشير الشهابي الثاني. وقد تم ذلك على أنقاض معبد فينيقي قديم، مكرّس للإلهة عشتروت.

- متحف ماري باز

أنشئ هذا المتحف للشمع على يد سمير باز. ويروي تاريخ لبنان منذ عام 1512 من خلال تماثيل من الشمع لشخصيات تاريخية. ويقع المتحف داخل قصر الأمير فخر الدين المعني الثاني. ويحتوي القصر تماثيل 80 شخصية سياسية وتاريخية وأدبية وفنية على مر تاريخ لبنان من عام 1512 حتى اليوم.

وفي أوائل 1996 بدأ العمل فيه مع عشرة نحاتين فرنسيين لصنع تماثيل لشخصيات لبنانية معروفة. واستخدموا في صناعتها «الفيبر غلاس» والشمع. ويضم تماثيل من الشمع للأمير فخر الدين المعني والشاعر الفرنسي لامارتين، وكذلك أخرى لسياسيين راحلين أمثال كمال جنبلاط وكميل شمعون ورفيق الحريري وإلياس الهراوي، ولفنانين كصباح وماجدة الرومي ووديع الصافي. ويتألف من مستوى واحد للسكن، وطابق آخر حول دار داخلية أرضيتها رخامية.

«بيت القمر» للضيافة

تطول لائحة بيوت الضيافة والمطاعم المنتشرة في بلدة «دير القمر». ونذكر منها على سبيل المثال «منتجع الباشا» ومطعم «الكوارة» و«كاونتري غايت» و«بيت الجبل» و«دير الأمراء» و«ديوان الفرح» وغيرها.

«دير القمر» حيث تحلو الجلسات لتناول الطعام والمنامة (dek trail رودي شعيا)

ومن بيوت الضيافة التي تتضمنها البلدة «بيت القمر».

ويقع في حي الكروم الواقع على تلّة مشرفة في البلدة. ويُعرف بمعالمه الطبيعية المتمثّلة بمساحات شاسعة من الحدائق الغنّاء بالزهور والأشجار. وفي مطعمه تتوزّع الطاولات والكراسي لجلسات مستقلّة. يتألف مبنى «بيت القمر» من ثلاثة طوابق استُوحيت هندستها من العمارة اللبنانية القديمة، وجُهّزت غرفها بأثاث القرية البسيط والأنيق معاً، والمطعّم بأدوات حديثة لتقضي وقتاً عنوانه الاسترخاء لا ينقصك فيه أي وسيلة من وسائل الراحة.

وفي الطابق الأول من مبنى «بيت القمر» يقع مطعم «طاولة» التابع لسوق الطيّب، الشهير بتقديمه الأطباق اللبنانية بمكوّنات طبيعية مائة في المائة. فهذا المطعم الذي يتلاءم تماماً مع مفهوم بيت الضيافة هذا، والمرتكز على الطبيعة وحدها، يقدّم لك أكلات لبنانية صحية ومغذية حُضّرت بأيادي ربّات منزل ذوّاقة في هذا المجال.


مقالات ذات صلة

سويسرا تفتتح أشد عربات التلفريك انحداراً في العالم

يوميات الشرق افتتاح تلفريك جديد في جبال الألب (إ.ب.أ)

سويسرا تفتتح أشد عربات التلفريك انحداراً في العالم

افتُتح تلفريك جديد مذهل في جبال الألب البرنية السويسرية. ينقل تلفريك «شيلثورن» الركاب إلى مطعم دوار على قمة الجبل اشتهر في فيلم جيمس بوند.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق سياح يتجولون في أحد شوارع طوكيو (إ.ب.أ)

33 مليون زائر هذا العام... وجهة شهيرة تحطم رقماً قياسياً في عدد السياح

يسافر الزوار من كل حدب وصوب إلى اليابان، مما أدى إلى تحطيم البلاد لرقم قياسي جديد في قطاع السياحة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
سفر وسياحة البترون وجبيل وزغرتا... تتألق وتلبس حلة الأعياد

البترون وجبيل وزغرتا... تتألق وتلبس حلة الأعياد

في مناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة، تتنافس بلدات ومدن لبنانية على اجتذاب الزوّار. مدينتا جبيل والبترون كما زغرتا تشكّل وجهات سياحية داخلية محببة.

فيفيان حداد (بيروت)
سفر وسياحة أسواق العيد في فرانكفورت (غيتي)

أسواق العيد الخمسة الأكثر روعة في أوروبا

مع اقتراب عيد الميلاد، قد يكون من السهل الوقوع في أحلام اليقظة حول عطلة شتوية مستوحاة مباشرة من السينما: عطلة تتميز بالطقس الثلجي المثالي، والشوكولاته الساخنة

مادلين فيتزجيرالد (نيويورك)
سفر وسياحة فندق ذا لانغهام جاكارتا (الشرق الأوسط)

أفكار لإقامة تليق بأعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

اكتشفْ سحر موسم الأعياد في فندق إنيالا هاربور هاوس بمالطا

«الشرق الأوسط» (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».