فندق «بالميرا»... ذاكرة بعلبك العابق بالذكريات وعطر فيروز ونينا سيمون

بناه المهندس اليوناني ميكماليس باركلي عام 1872

ملحق فندق بالميرا الذي تطبعه العصرنة والحداثة (صفحة فيسبوك الخاصة بفندق بالميرا)
ملحق فندق بالميرا الذي تطبعه العصرنة والحداثة (صفحة فيسبوك الخاصة بفندق بالميرا)
TT

فندق «بالميرا»... ذاكرة بعلبك العابق بالذكريات وعطر فيروز ونينا سيمون

ملحق فندق بالميرا الذي تطبعه العصرنة والحداثة (صفحة فيسبوك الخاصة بفندق بالميرا)
ملحق فندق بالميرا الذي تطبعه العصرنة والحداثة (صفحة فيسبوك الخاصة بفندق بالميرا)

إذا ما قصدت مدينة بعلبك، وزُرت قلعتها الأثرية، فلا بد أن يأتي من يشير لك إلى فندق «بالميرا» الواقع في مقابلها، فهو يشكل مَعلماً أثرياً مرت عليه شخصيات سياسية وفنية، فلا يمكن أن تزور القلعة من دون أن تلقي نظرة على «بالميرا» الواقف أبداً شاهداً على تاريخ لبنان الذهبي.

أبقى أصحاب الفندق من آل الحسيني على معالم هذا المكان كما هو من دون خدش هويته. غرفه الـ27 لا تزال مفروشة بالأثاث نفسه الذي غمرها منذ افتتاحه، أما الملحق، الذي استُحدث فيه مؤخراً، ويضم 5 غرف جديدة، فجرى تصميمه ليتماشى مع المبنى القديم ولكنه يحمل بصمات الحداثة.

تختصر ريما الحسيني، زوجة صاحب الفندق علي الحسيني، والمشرفة عليه، لـ«الشرق الأوسط»: «إنه ذاكرة بعلبك». شهد أهم محطات الفن والفرح فيها على مدى مساحته المحاطة بالحدائق، وهو، مع الوقت، تحوَّل إلى متحف صغير؛ لما يحتوي عليه من قِطع أثرية ولوحات فنية نادرة بريشة أجانب ولبنانيين.

أوان من النحاس قديمة (صفحة فيسبوك الخاصة بفندق بالميرا)

تصميم هندسي بورجوازي

شُيّد الفندق على يد المهندس اليوناني ميمكاليس باركلي في عام 1872 على أرض تزيد مساحتها عن 200 متر مربع. يقع عند مدخل بعلبك الجنوبي، وجرى تخطيط البناء بحيث يطل بواجهته الأساسية على الأطلال الرومانية. أما اسمه فيعود إلى التمثال النصفي لزنوبيا، أحضره معه باركلي من تدمر أثناء رحلته. ولا يزال هذا التمثال موجوداً في القاعة الرئيسية بالفندق.

يتألف فندق بالميرا من طابقين جرى بناؤهما على الطراز البورجوازي الرائج في تلك الحقبة، ويحيط به سور من الأعمدة الدائرية والقضبان الحديدية، وبجانبه حديقة مزروعة بعدة أشجار معمرة، كما يزدان بقطع أثرية من تيجان وأعمدة، وتماثيل نصفية من الحقبة الرومانية، أما حديقته فتتوسطها نافورة مياه مبنية من الحجر الصخري على الطراز القديم.

أحد أركان فندق بالميرا (صفحة فيسبوك الخاصة بفندق بالميرا)

«بالميرا» صفحة تاريخ ذهبية

ما إن تطأ قدماك أرض الفندق حتى تشعر بنسمة هواء من التاريخ تلمس مُحياك. تتوغل فيه لتستكشف صفحاته، بدءاً من مدخل يتكون من ثلاث قناطر. حيطان مزخرفة وشبابيك وشُرفات تطل منها على لبنان العراقة. تتوقف عند بهوه الفسيح، محاولاً أن تحصى أعداد وأسماء رسامين كثيرين تركوا لوحاتهم في غماره.

يتألف مدخل الفندق من ثلاث قناطر مرتكزة على أعمدة مزخرفة. ومن شبابيكه وشرفاته تطل على قلعة بعلبك الرومانية، وهو ما دفع كثيرين للإقامة فيه ضمن تجربة فريدة يعبرون فيها الزمن. مرّ فندق بالميرا بعدة مراحل إعمارية، وكان يتألف، منذ البداية، من طابق واحد، حيث قام مالك الفندق اليوناني ميكماليس باركلي بعرضه للمزاد. وبعد وفاته في الحرب العالمية الأولى، قام بشرائه خبير الآثار اللبناني ميخائيل ألوف بـ1400 عثملية ذهب. قام بترميمه، وأضاف طابقاً ثانياً، وقام بتوسعته حتى أصبح يتألف من 27 غرفة، وصالة كبيرة، ومدخل، ومطعم.

أما الملحق الذي بُني له مؤخراً فيتألف من 5 غرف، وجرى إطلاق أسماء محددة على كل منها؛ تكريماً للشخصيات التي أقامت به.

ومن الفنانين التشكيليين، الذين تركوا لوحاتهم فيه، عمر الأنسي، وأمين الباشا، وجان كوكتو؛ فهذا الأخير له مجموعة من رسوماته هناك كان قد تركها في الفندق، على أثر إقامته فيه لمدة طويلة في الستينات.

التمثال النصفي للملكة زنوبيا (صفحة فيسبوك الخاصة بفندق بالميرا)

شخصيات مرت على «بالميرا»

كثيرة هي الأسماء التي اتخذت من «بالميرا» محطة أساسية لها أثناء زيارتها مدينة الشمس بعلبك. ومن بين تلك الشخصيات وديع الصافي، ونصري شمس الدين، ومارسيل خليفة، وصباح، والأخوان الرحباني. ومن الشخصيات التاريخية التي زارته الجنرال غورو في عام 1920، والقيصر الألماني وليام الثاني عام 1889، فمهد وقتها الطريق إلى بعثات أثرية لاستكشاف بعلبك التاريخ. وبين فريد الأطرش، وأم كلثوم، ودريد لحام، إلى فيتزجرلد وأرغون لا بد من التوقف عند فيروز، ونينا سيمون.

فالأولى كانت تنزل في هذا الصرح السياحي، في كل مرة أحيت فيها مهرجانات بعلبك. وكانت غرفتها المفضلة تحمل رقم 26. وتطل على قلعة بعلبك، ويسودها الهدوء والسكينة، لكنها اختارت الإقامة في ملحق الفندق على أثر تجديده وتحديثه. وفي عام 2006 مكثت هناك نحو أسبوعين متتاليين. واليوم تعرف الغرفة التي نزلت فيها باسمها «غرفة فيروز». وتعلق ريما الحسيني، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كانت مميزة بإطلالتها وبجلساتها وهدوئها، لم تكن يوماً متطلبة، أو تعطي أي ملاحظة لموظفي الفندق. معرفتي بها كانت بمثابة هدية تلقيتها في بقعة من لبنان الجميل».

ومن زوار هذا الفندق أيضاً الممثلة الفرنسية فاني أردان، وهي كانت تمضي ساعات طويلة تحت شجرة التوت في حديقة الفندق، أما نينا سيمون فكانت مغرَمة بالطبيعة، وتمضي معظم وقتها مساءً تحت سماء بعلبك المضاءة بالنجوم.

السجل الذهبي للفندق يتألف من جزأين؛ الأول من عام 1889 إلى 1907، والثاني من 1907 إلى اليوم. وسجل في هذا الكتاب كل من زار الفندق، حيث كتب زواره مشاعرهم عن بعلبك والفندق من صفحات أصبحت تاريخية، ولأهمية الكتاب تُرجم إلى عدة لغات.

مطعم الفندق أكلات لبنانية بعلبكية

يشهد فندق بالميرا، اليوم، حركة سياحية ملحوظة، بعد فترة من الشلل شهدها في فترة الجائحة، وهو يخصص لزواره مائدة لبنانية بامتياز تحضِّرها يومياً ربات منازل في بعلبك. وتوضح ريما الحسيني، زوجة صاحب الفندق علي حسين الحسيني، لـ«الشرق الأوسط»: «كل ما يتذوقه زائر فندق بالميرا هو صناعة محلية بمكونات بعلبكية، لقد آثرت أن تطبع مدينة الشمس موائد مطعمنا».

وترى المدير التنفيذي لفندق بالميرا أن الطعام بمثابة لغة تواصل بحد ذاتها، أما الأطباق التي يقدمها فتتضمن مازات لبنانية شهيرة ومعروفة كالتبولة، والبابا غنوج، والفتوش، والحمص بالطحينة، وأطباق اللحوم على أنواعها.

ومن الأطباق البعلبكية، التي تزين مائدة «بالميرا» الصفيحة البعلبكية باللحم، وتلك المحضرة بالبقول. ويُعدّ طبق «كواج» من الأشهر في الفندق، وهو نموذج مشهور عن الأكلات البعلبكية. ويتألف من مجموعة خضر مطبوخة في الفرن. وتتابع ريما الحسيني: «لدينا أيضاً مذاقات مختلفة لأطباق الأرز والكباب الهندي، وهو طبق مشهور عندنا في بعلبك. وكذلك سَلَطة الراهب (تتألف من الباذنجان المشوي المتبّل بالليمون الحامض).

ويقصد الفندق سياحٌ ومقيمين ليتذوقوا خصيصاً طبق «كبة البطاطا» المشهورة به سيدات بعلبك. «هي أطباق نحاول أن نجددها، حسب كل موسم خضر وبقول، فنضفي ثقافة طعام خاصة على مطعم بالميرا».


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

«الصحراء البيضاء» في مصر... متعة المغامرة والتخييم

الصحراء البيضاء متعة المغامرة (أدوب ستوك)
الصحراء البيضاء متعة المغامرة (أدوب ستوك)
TT

«الصحراء البيضاء» في مصر... متعة المغامرة والتخييم

الصحراء البيضاء متعة المغامرة (أدوب ستوك)
الصحراء البيضاء متعة المغامرة (أدوب ستوك)

تعدّ الصحاري من أكثر المغامرات إثارةً في العالم، فبعيداً عن الاعتقاد بأنها مجرد مساحات من الفراغ الشاسع، تكشف هذه الوجهات عن سلاسل جبلية وحياة برية فريدة، وثقافات تقليدية، ومناظر طبيعية خلابة مطلية بألوان نقية متنوعة.

وترتبط مصر في الأذهان بمجموعة من الأماكن الأثرية المتفردة المختلفة، لكنها إلى جانب ذلك تحتضن أمكنة لا مثيل لها، فهي أيضاً موطن «الصحراء البيضاء»، التي تتميز بعجائب جيولوجية تقدم للزائر مغامرةً فريدةً، تشعرك عبر تفاصيلها وكأنك تطأ كوكباً آخر؛ لذلك فهي مثالية للذين يبحثون عن قضاء عطلة لا تسقط من الذاكرة.

اُختيرت «الصحراء البيضاء» من قبل موقع «Trip Advisor» المختص بشؤون «السياحة والسفر»، لتتصدر المركز الأول لأفضل وأغرب 20 موقعاً سياحياً فريداً على مستوى العالم؛ فتلك الصحراء الواقعة في «واحة الفرافرة» بمحافظة الوادي الجديد، على مسافة نحو 500 كيلومتر من القاهرة، من أفضل المقاصد السياحية في مصر.

الصحراء البيضاء متعة المغامرة (الهيئة العامة للاستعلامات)

وتُعدّ الصحراء البيضاء «محمية متنزه وطني» وفقاً لتصنيف الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (LUCN)، وتتلخص خصائصها في أنها من المَعالم الطبيعية المهمة، كما تعدّ مصدر دخل مهماً لأهل الواحات، فضلاً عن كونها تمثل قيمةً تاريخيةً وأثريةً كبيرةً.

يُغيِّر لك هذا المكان، الذي يشغل مساحة نحو 3 آلاف كيلومتر مربع، مفهومَك التقليدي للصحراء بوصفها «مجرد» مكان من الكثبان الرملية والحرارة المرتفعة؛ فحين تزورها تُفاجأ بأن اللون الأبيض يغطي معظم أرجائها؛ وهو سر تسميتها، تستقبلك تكويناتها الصخرية التي تتخذ شكلا ًسريالياً، بعضها على هيئة أشكال مألوفة مثل عيش الغراب، وبعضها يتمتع بأشكال غير معروفة؛ ما جعلها تشبه المناظر الطبيعية الثلجية.

سيأخذك المكان إلى عصور قديمة، تمتد إلى آلاف السنين، وستتخيل تلك اللحظات التي هبَّت عليها الرياح القوية خلال هذه العصور، وأسهمت في إنشاء هذه التكوينات.

الصحراء البيضاء (الهيئة العامة للاستعلامات)

وأنصحك بمشاهدة هذه التكوينات النحتية عند شروق الشمس أو غروبها خصوصاً، فعندما تضيئها الشمس بظلالٍ ورديةٍ برتقاليةٍ، أو عندما يكتمل القمر، يضفي ذلك على المناظر الطبيعية مظهراً قطبياً وكأنه شبح ضخم، فتشعر بمزيد من أجواء الإثارة والمغامرة.

ستستحوذ الرمال المحيطة بالنتوءات الصخرية على اهتمامك، إذ ستجدها مليئة بالكوارتز، وأنواع مختلفة من البيريت الحديدي الأسود العميق، بالإضافة إلى الحفريات الصغيرة.

على مقربة من هذه التكوينات يوجد جبلان مسطحان يطلق عليهما بعض المرشدين السياحيين اسم «القمتين التوأم»، وهما نقطة رئيسية للمسافرين، وتعدّ هذه المنطقة وجهةً مفضلةً لدى منظمي الرحلات السياحية المحليين، حيث يمكنك الاستمتاع بالمناظر الخلابة من أعلى التلال المتناظرة المحيطة، التي تتخذ جميعها شكل تلال النمل العملاقة.

الصحراء البيضاء (الهيئة العامة للاستعلامات)

بعد ذلك مباشرة، ستجد طريقاً شديد الانحدار؛ وهو الممر الرئيسي الذي يؤدي إلى منخفض الفرافرة، ويمثل نهاية «الصحراء البيضاء»، لكن هذا لا يعني أن رحلتك انتهت؛ فثمة أماكن ونشاطات أخرى يمكن أن تمارسها.

يستطيع عشاق الحياة البرية، أو الاختصاصيون الاستمتاعَ بمشاهدة الحيوانات البرية النادرة المُهدَّدة بالانقراض مثل الغزال الأبيض والكبش الأروي، كما تضم المحمية بعض الأشجار الصحراوية.

لا ينبغي أن تفوتك زيارة جبل الكريستال، وهو في الواقع صخرة كبيرة مكونة بالكامل من الكوارتز، ويقع الجبل بجوار الطريق الرئيسي، ويمكن التعرف عليه بسهولة من خلال الفتحة الكبيرة في منتصفه.

الصحراء البيضاء (أدوب ستوك)

أيضاً لا ينبغي أن تفوّت متعة تأمل السماء ومراقبة النجوم، انغمس في عجائب هذا المكان الرائع ليلاً، فعندما تتحول السماء إلى اللون الوردي ثم أعمق درجات اللون البرتقالي الناري، بعد الغروب، ستتلاشى الأشكال الصخرية، ويحل الصمت في كل مكان، في هذه اللحظة ستجد البدو يدعونك إلى الجلوس حول نار مشتعلة، والاستمتاع بالدجاج المدفون، وكوب الشاي الساخن، في أثناء التخييم بالمكان.