«لندنستان»... قصة الجدل البريطاني حول «الحوار مع المتشددين»

وثائق تكشف عما ساد أروقة الحكومة البريطانية من تباين في شأن التعامل مع مسألة الإسلاميين في بداية تسعينات القرن الماضي (1من 3)

عمر بكري يلقي كلمة في مؤتمر لجماعة إسلامية متشددة... وبجواره أبو حمزة المصري (غيتي)
عمر بكري يلقي كلمة في مؤتمر لجماعة إسلامية متشددة... وبجواره أبو حمزة المصري (غيتي)
TT

«لندنستان»... قصة الجدل البريطاني حول «الحوار مع المتشددين»

عمر بكري يلقي كلمة في مؤتمر لجماعة إسلامية متشددة... وبجواره أبو حمزة المصري (غيتي)
عمر بكري يلقي كلمة في مؤتمر لجماعة إسلامية متشددة... وبجواره أبو حمزة المصري (غيتي)

مثّل هذان الرجلان في الصورة (أعلاه)، وعلى مدى سنوات، رمزاً لتحوّل العاصمة البريطانية إلى معقل للمتشددين الإسلاميين في تسعينات القرن الماضي. يقضي الأول، أبو حمزة المصري (يمين الصورة)، حكماً بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة بعد إدانته بالإرهاب.

أما الآخر، السوري عمر بكري، فسجن بدوره لسنوات في لبنان بتهم إرهاب أيضاً (خرج من السجن في مارس / آذار الماضي). ولكن قبل أن يجد هذان الرجلان نفسيهما وراء القضبان، شكّلا، مع آخرين، لنحو عقدين من الزمن تقريباً، وجهاً لما يسميه منتقدون «لندنستان». وفي حين أن هناك من سيجادل بأن هذه الصفة ليست صحيحة تماماً وبأن لندن هي في الواقع تجربة بريطانية ناجحة للتعايش بين الديانات والثقافات المختلفة، فإن ما يبدو مؤكداً في الحقيقة هو أن العاصمة البريطانية تحوّلت منذ تسعينات القرن الماضي إلى ساحة ينشط فيها خليط واسع من مؤيدي تيارات الإسلام السياسي والجماعات التي تُطلق على نفسها وصف «الجهادية» لكنها مصنّفة إرهابية أو متشددة من قِبل الكثير من الحكومات، بدايةً في العالم العربي ولاحقاً في الدول الغربية نفسها.

ولكن كيف تحوّلت لندن إلى «لندنستان»؟ هل كانت الحكومة البريطانية واعية لهذا التحوّل نحو التشدد الذي يتم على أراضيها؟ هل كانت تستضيف الإسلاميين لاستخدامهم «ورقة» في تعاملاتها مع قضايا الشرق الأوسط، كما يعتقد بعضهم؟ أم أنها لم تعرف بمدى خطورة «ضيوفها» المتشددين سوى في وقت متأخر وبعدما تجذّر هؤلاء على أرضها وبدأوا ينخرطون في عمليات عنف وإرهاب في بلدانهم الأصلية وفي البلدان الغربية أيضاً؟

تسلّط «الشرق الأوسط» الضوء على هذه القضية من خلال نشرها سلسلة وثائق حكومية بريطانية كانت مصنفة سرية وباتت متاحة في الأرشيف الوطني بلندن. تكشف هذه الوثائق عن أن جدلاً داخلياً ساد أروقة الحكومة البريطانية في شأن التعامل مع مسألة الإسلاميين في بداية تسعينات القرن الماضي. دعا تيار في الحكومة إلى الحوار معهم، بما في ذلك مع المتشددين منهم، على أساس أن التحدث معهم يمكن أن يحل أي إشكالية بين الطرفين، خصوصاً أنه «ليس هناك تضارب ضروري بين المصالح الغربية والإسلام»، بحسب ما جادل أنصار هذا الرأي.

في المقابل، كان هناك تيار آخر ينتقد هذا المنطق ويعدّ أن هناك محاولة متعمدة من بعض المسؤولين البريطانيين لمحو الفوارق الموجودة مع الإسلاميين المتشددين، ويشير إلى ضرورة أخذ مثالَي السودان وإيران في الحسبان عند التعامل مع تيارات الإسلام السياسي، في إشارة إلى أن وصول الإسلاميين للسلطة سيعني رفضهم التخلي عنها لاحقاً، مثلما فعل نظام الرئيس عمر البشير بعد استيلائه على السلطة بانقلاب عسكري في الخرطوم عام 1989، وكما فعل من قبل الإسلاميون الإيرانيون بقيادة آية الله الخميني بعد إطاحتهم نظام الشاه في طهران عام 1979.

وفي الواقع، بدأ هذا الجدل بين المسؤولين البريطانيين على خلفية النزاع الأهلي الذي بدأ في الجزائر عقب إلغاء الجيش، في يناير (كانون الثاني) 1992، انتخابات كان الإسلاميون على وشك الفوز بها. فقد لاحظ البريطانيون أن مناصرين لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، الحزب الذي حظرته السلطات الجزائرية عقب إلغاء الانتخابات، بدأوا يطلبون تأشيرات للمجيء إلى المملكة المتحدة، قبل طلبهم اللجوء السياسي على الأرجح، وهو أمر لم تعرف سفارة المملكة المتحدة في الجزائر طريقة التعامل معه، فطلبت الحصول على تعليمات من وزارة الخارجية في لندن. وكان لافتاً أن رد الخارجية أشار إلى أن وزير الداخلية البريطاني فقط هو من يستطيع منع أشخاص معينين من الدخول إلى المملكة المتحدة، وإلى أن أي حظر يجب أن يشمل أشخاصاً بأسمائهم وليس منظمات؛ إذ إن «جبهة الإنقاذ» كانت آنذاك محظورة فقط في الجزائر وليس في بريطانيا. كما كشفت المداولات البريطانية الداخلية عن أن حكومة لندن أبلغت السفارة في الجزائر بأنه ممنوع عليها أن تشارك الأوروبيين في معلومات مستقاة من طلبات التأشيرة (الفيزا) التي يتقدم مناصرو «الإنقاذ» للحصول عليها، لكنها سمحت بإبلاغ الأوروبيين فقط بأن شخصاً ما رُفض أو قُبل، وبشرط ألا تكون المعلومة المقدمة للدول الأوروبية عن هذا الشخص (وهل هو من إسلاميي «جبهة الإنقاذ» أم لا) مستقاة من أوراق طلب التأشيرة التي قدّمها.

شعار «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» في الجزائر

إشكالية التأشيرات... إسلاميو «جبهة الإنقاذ»

كان موضوع التأشيرات محور مراسلات بين الخارجية البريطانية والسفارة في الجزائر. ففي ديسمبر (كانون الأول) 1992، كتب د. آي. ليوتي، المسؤول بقسم الهجرة والتأشيرات، إلى كريستوفر باتيسكوم، سفير المملكة المتحدة في الجزائر (من عام 1990 إلى 1994) يرد فيها على برقية وجّهها الأخير إلى قسم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا بالخارجية البريطانية بعنوان «طلبات التأشيرة لناشطي الجبهة الإسلامية للإنقاذ» (مؤرخة بتاريخ 8 نوفمبر/تشرين الثاني). قال ليوتي في رسالته إلى السفير:

1- لقد أكد المستشارون القانونيون أننا، من منطلق (مبدأ) الخصوصية، ممنوعون أن نكشف عن معلومات واردة في طلبات الحصول على التأشيرة. ولكن، لن يكون هناك اعتراض على أن تبلغ زملاءك في المجموعة الأوروبية (التي تحوّلت لاحقاً إلى الاتحاد الأوروبي)، على سبيل المثال، أن ناشطاً معروفاً في الجبهة الإسلامية للإنقاذ تقدم بطلب تأشيرة للمملكة المتحدة، وأن تخبرهم بنتيجة هذا الطلب. (أفترض هنا أن معلوماتنا عن أن مقدّم الطلب هو ناشط في الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم تأت من طلب التأشيرة نفسه).

2- قد يبدو لزملائك في المجموعة الأوروبية أننا نضع عراقيل بطريقة غير ضرورية لأننا لا نستطيع أن ننضم إلى حظر (أوروبي) شامل على إصدار تأشيرات لأعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ. ولكن القرارات في خصوص استبعاد أفراد من القدوم إلى المملكة المتحدة على أساس أن مجيئهم لا يخدم الصالح العام (الفقرة 86 من قوانين الهجرة) لا يمكن أن تؤخذ سوى بالنسبة إلى أشخاص محددة أسماؤهم (سلفاً). وهذه القرارات تؤخذ دائماً من وزير الداخلية شخصياً. ليس هناك بند في القواعد يتعلق بحظر تام على منظمات.

3- إذا تلقيت طلب تأشيرة زيارة من ناشط معروف في الجبهة الإسلامية للإنقاذ وتعتقد أنه/أنها سيطلب اللجوء بعد وصوله إلى المملكة المتحدة، فيجب رفض الطلب بموجب القواعد المعتمدة (كونه ليس زائراً حقيقياً). وإذا تلقيت طلبات تأشيرة من ناشطين يمكن أن يسبب وجودهم هنا ضرراً خطيراً للعلاقات الثنائية (مع الجزائر)، رجاء عدم التردد في إحالتهم إلى قسم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا وقسم الهجرة واللجوء في وزارة الخارجية

التوقيع: د. آي. ليوتي

الأصولية الإسلامية وانعكاستها على السياسة البريطانية (الشرق الأوسط)

«الأصولية الإسلامية وتداعياتها على السياسة البريطانية»

الجدل حول موضوع التأشيرات فتح باباً لجدل أكبر عن حدود التعامل مع الإسلاميين وأطيافهم، رصدته الوثائق التي سجلت مكاتبات بين مسؤولين بريطانيين، تعقيباً على خلاصات ورشة عمل تناولت الموضوع، لكن لم تتضح تفاصيل عقدها من الوثائق.

الوثيقة الأولى التي سجلت هذا الجدل كانت برقية من السفير باتيسكوم إلى مارك إيليوت، نائب وكيل وزارة الخارجية (عمل لاحقاً سفيراً في إسرائيل والنرويج)، بتاريخ 3 نوفمبر، جاء فيها:

رسالتكم المؤرخة في 9 أكتوبر (تشرين الأول): الأصولية الإسلامية وتداعياتها على السياسة البريطانية

1- شكراً لكم لإرسالكم نسخة من رسالتكم في 9 أكتوبر إلى ميغ روثويل ولدعوتكم إلى تلقي تعليقات عليها. أعتذر مسبقاً لخوضي محاولة ثانية في هذه المسألة، ولكن آمل أن أكون معذوراً بما أن الأصولية كان لها هذا التأثير المؤلم على الجزائر على مدى السنوات الأربع الماضية.

2- يبدو لي أن علينا أن نكون حذرين جداً في خصوص المصطلحات وماذا نعني بها. الإسلامي والإسلاموي (الذي أضعه مرادفاً للأصولي) يبدوان متشابهين كثيراً ولكنّ هناك فارقاً كبيراً جداً بينهما، وهذا الفارق حقاً هو ما تدور حوله هذه المشكلة. ورقة قسم الأبحاث والتحليل تقرّ بوجود هذا الفارق، لكنه يبدو كمن يحاول محوه من خلال وصفاته، مثلاً عندما يقول إنه ليس هناك تضارب ضروري بين التطلعات الأوروبية والإسلامية (الفقرة 8) وبحديثه عن كيفية التعامل مع الأقليات المسلمة في أوروبا (الفقرة 6). وعن الدول المسلمة إلى جنوبنا وشرقنا (الفقرة 8). لست واثقاً كلياً من أنك لا تفعل الشيء نفسه في الفقرة 2 من رسالتك عندما تتحدث عن الترويج للتفاهم المتبادل والتعايش سوياً والمساهمة في تنمية الاقتصاد وأسواق الصادرات. على الأقل، في هذا الجزء من العالم الإسلاميون ليسوا في السلطة بعد وليس لديهم أسواق صادرات.

من الوثائق البريطانية بخصوص الأصولية وانعكاستها على السياسة البريطانية (الشرق الأوسط)

3- قد يبدو هذا كمن يتصيّد الأخطاء، لكن النقطة التي أثيرها بالغة الأهمية. طمس الفوارق يهدد بطمس أحكامنا ويساهم في الوصول إلى خلاصة يبدو أنني ألحظها في رسالتكم وفي ورقة قسم الأبحاث والتحليل بأنه ليس هناك شيء خبيث أو معادٍ لنا في الأصولية لا يمكن أن يشفيه حديث طيب مع الأصوليين. يبدو لي هذا الأمر تساهلاً خطيراً. على المرء أن ينظر فقط إلى إيران والسودان ليرى ماذا يحصل عندما تأتي أنظمة إسلاموية إلى السلطة. ربما لا يمكننا أن نوقف تقدم الأصولية، وحيث تستحكم فإن علينا بلا شك أن نتعايش معها كما نتعايش مع قوى أخرى غير مرحب بها حول العالم. ولكن لا يجب أن نقوم بأي شيء من أجل الدفع بها إلى الأمام، بل علينا حقاً أن نقوم بكل ما يمكننا أن نقوم به من أجل وقف تقدمها من خلال تشجيع الأنظمة الإسلامية على تبني سياسات ديمقراطية وليبرالية ستجلب لها تأييداً شعبياً وتقلل من الدعم للإسلاميين، وإلى الدرجة التي يمكننا أن نقوم بها، علينا أن ندعمهم بمساعدات مالية أكبر.

التوقيع: كريستوفر باتيسكوم قسم الأبحاث والتحليل...

أبو حمزة المصري يؤم المصلين أمام أحد مساجد لندن (غيتي)

الإسلام السياسي

وكانت برقية السفير باتيسكوم، المؤرخة في 3 نوفمبر، محور رد مطول من باسيل إيستوود، مدير قسم الأبحاث والتحليل بوزارة الخارجية. فقد كتب الأخير إلى مارك إيليوت، المسؤول في وزارة الخارجية، رسالة من ورقتين بتاريخ 9 نوفمبر تحت عنوان:

«الإسلام السياسي - برقية السيد باتيسكوم في 3 نوفمبر». وجاء في رسالة إيستوود:

1- السيد باتيسكوم يؤنبنا على عدم تعريفنا لمصطلحاتنا. إنني أقرّ بذنبي: لقد سعيت عمداً إلى تجنب بدء ورشة عملنا بدرس في التعريفات لأنني شعرت بأن ذلك سيعني أن البداية ستغرق في حذلقة لغوية (نقاش لغوي عميق). غالبية المتحدثين وأنا معهم سعينا إلى تجنب استخدام مصطلح «الأصولية الإسلامية» الذي يأتي منه معظم المشاكل (بما في ذلك برقية السيد باتيسكوم).

2- للتعويض عن هذا النقص، يمكن للمرء ربما أن يقوم بهذا التفريق داخل الطائفة الإسلامية الواسعة:

أ‌- العلمانيون: هم أولئك الذين يعترفون ويؤكدون على هويتهم الإسلامية، لكنهم يعتقدون في شكل إيجابي أن الإسلام من الأفضل أن يبقى خارج السياسة.

ب‌- المؤمنون لكنهم غير المسيّسين: هم أولئك الذين يكونون متدينين ويؤمنون نظرياً بتطبيق التعاليم الإسلامية على تنظيم المجتمع، لكنهم جوهرياً غير مسيسين.

ت‌- المتدينون المسيّسون لكنهم غير عنيفين: هم أولئك الذين يكون لديهم توجّه سياسي ويكونون متدينين، لكنهم يؤمنون بمسار تطوري والذين يسعون إلى تغيير الاتجاه السياسي للدول التي يعيشون فيها بوسائل غير عنيفة. الرجاء الانتباه إلى أن معظم من هم في هذه المجموعة سيكون لديهم صعوبات، من منطلق فقهي، بافتراض أنهم متى ما وصلوا إلى السلطة بوسائل ديمقراطية أو سلمية فإنهم يمكن أن يتخلوا عنها.

ث‌- الثوريون: هم أولئك الذين يدافعون عن استخدام العنف والثورة لتحقيق قيام نظام إسلامي في المجتمع. ربما في هذه الفئة يجب أن يُدرج «الأصوليون الإسلاميون»، على رغم أن المصطلح مفتوح على تفسيرات عدة، كلها من منطلق شخصي وكثير منها ينمّ عن ازدراء.

3- ناقشنا في ورشة العمل كل هذه الفئات. «الإسلام السياسي» يشملها جميعها، بما في ذلك، على سبيل المثال، المواقف الإسلامية التي تجد أنظمة علمانية نفسها مضطرة إلى تبنيها تجاه المسألة البوسنية مثلاً (أي أنه على هذا المستوى باتت – أي قضية البوسنة - اتجاهاً سائداً في الدبلوماسية الدولية). إن مصطلح «الإسلاميين» يمكن أن يشمل أشخاصاً من الفئات (ب وت وث).

بعض أتباع أبو حمزة المصري خلال صلاة أمام مسجد في شمال لندن في سبتمبر 2004 (أ.ف.ب / غيتي)

4- أعتقد أن ورشة العمل التي عقدناها خرجت بشعور أن:

- أولاً، أن هناك صعوداً عاماً للحماسة الإسلامية.

- ثانياً، أنه ليس هناك تضارب ضروري بين المصالح الغربية والإسلام.

- ثالثاً، أن الفئة (ث) ما زالت أقلية قليلة.

- رابعاً، أنه إذا لم يلعب الغرب أوراقه بذكاء فإننا نخاطر بدفع الأعداد الأكبر بكثير من الفئتين (ب وت) إلى الفئة (ث).

5- لم ألحظ في ورشة العمل اتجاهاً للمجادلة بأنه «ليس هناك أي شيء خطأ في الفئة ث لا يمكن لحوار جيد (أو لحديث طيب) أن يجد له حلاً» (بحسب ما جاء في الفقرة 3 من برقية السيد باتيسكوم). إنني أعتذر إذا كان غياب تعريف المصطلحات في ملاحظاتي ترك القرّاء بهذا الانطباع.

التوقيع: باسيل إيستوود

جدل بريطاني داخل في شأن التعامل مع الأصوليين (الشرق الأوسط)

«اختلافات مهمة في المصطلحات»

«اعتذار» باسيل إيستوود، مدير قسم الأبحاث والتحليل بوزارة الخارجية، جاء في ضوء مراسلات بين السفير باتيسكوم في الجزائر ووزارة الخارجية في لندن، بخصوص الإسلام السياسي والتعامل مع المتشددين. ففي 10 نوفمبر 1992، كتب مارك إيليوت في برقية إلى السفير البريطاني في الجزائر قائلاً:

عزيزي كريستوفر،

الأصولية الإسلامية

1- شكراً جزيلاً لمراسلتكم المؤرخة في 3 نوفمبر. إنني أتفهم في شكل كامل وأتعاطف إلى حد كبير مع النقاط التي أثرتها، وسنأخذها في الحسبان.

2- ربما ستودّ أن تطلع على ورقة باسيل ايستوود (المحضر المؤرخ في 9 نوفمبر، نسخة منه مرفقة بهذه الرسالة). لا أعتقد أن هناك في الحقيقة الكثير من الجدل بيننا، ولكن لا ضير من إبراز هذه الاختلافات المهمة في المصطلحات.

التوقيع: مارك ايليوت

«جبهة الإنقاذ» تطلب لقاء مع الحكومة البريطانية

نقاش في «الخارجية» حول استقبال قيادي في حزب مصنّف إرهابياً بالجزائر

الوثيقة المتعلقة بأنور هدام وطلب اللقاء مع الحكومة البريطانية

في ظل هذا الجدل حول الإسلام السياسي، تكشف وثائق الحكومة البريطانية عن نقاش حول عقد لقاء مع قيادي إسلامي جزائري فرّ من بلاده عقب إلغاء الانتخابات وبات أحد ممثلي «جبهة الإنقاذ» في المنفى. والجدل حول مثل هذا اللقاء الذي تم بطلب من أنور هدام، أحد النواب المنتخبين عن «جبهة الإنقاذ» في الدورة الأولى الملغاة من الانتخابات التشريعية عام 1992، هو أن هذا الحزب الإسلامي بات محظوراً في الجزائر بحجة تورطه في الإرهاب، ومثل هذا اللقاء بين ممثل لحزب «إرهابي» والحكومة البريطانية يمكن أن يسبب أزمة مع الحكومة الجزائرية التي كانت تأخذ على بريطانيا استضافتها الإسلاميين المتشددين وفتح أبوابها أمامهم.
في رسالة مؤرخة بتاريخ 12 أكتوبر 1992، كتب أف. جي. مارتن، من دائرة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية، رسالة إلى «السيد ريتشموند» المسؤول في القسم ذاته، مشيراً إلى تلقيه طلباً بعقد لقاء مع أنور هدام أحد المسؤولين البارزين في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ». جاء في الرسالة:
«الجبهة الإسلامية للإنقاذ»
1- تلقيت اليوم اتصالاً من كارولين داتون من المجلس الإسلامي (رقم الهاتف...) تطلب مني أن تعرف هل بإمكان أنور هدام أن يزورني. شرحت لها أنها اتصلت بي في وقت غير ملائم وأنني سأتصل بها لاحقاً. وصفت السيد هدام بأنه «رئيس البعثة البرلمانية لـ(جبهة الإنقاذ) في أوروبا وأميركا».
2- انتُخب السيد هدام نائباً عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ عن دائرة تلمسان في 26 ديسمبر. وبحسب تقرير صحافي أخير، رفض خرق القانون واللجوء إلى العنف، لكنه يتفهم لماذا اختار بعض أتباع الجبهة الإسلامية للإنقاذ اللجوء إلى الخيار الأخير (العنف). وهكذا يبدو السيد هدام ينتمي إلى الفرع المعتدل في الجبهة الإسلامية للإنقاذ. في رسالة بتاريخ 11 أبريل (نيسان)، وصف السيد بلومفيلد (القائم بالأعمال في الجزائر) السيد هدام بأنه المتحدث باسم الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الخارج، وبأن مقرّه فرنسا. أعتقد أن السيد هدام زار المملكة المتحدة في أبريل. (لديه تأشيرة تسمح بدخول متعدد للولايات المتحدة ويُعتقد أنه سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية وكندا في وقت سابق من هذه السنة).
3- الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بالطبع، تم حظرها من السلطات الجزائرية في الربيع. وتبعاً لذلك؛ السفارة حُرمت من الوصول إلى ما بقي من قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ. سيكون هناك، تبعاً لذلك، مبرر للقاء السيد هدام، خصوصاً كوننا دعونا في السابق إلى أن يعاود النظام (الجزائري) الحوار السياسي مع المعتدلين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
4- (الفقرة الرابعة ما زالت الرقابة البريطانية تمنع نشرها)
5- السيد هدام موجود في لندن كل هذا الأسبوع».
وعلى الورقة نفسها، تم الرد من السيد ريتشموند (السير ديفيد ريتشموند لاحقاً، وقد عمل في مناصب كثيرة من دول عربية وفي وزارة الخارجية، قبل الانتقال للعمل سفيراً لدى الاتحاد الأوروبي ولاحقاً إلى القطاع الخاص). كتب ريتشموند بخط يده قائلاً: إن «إحدى الخلاصات الأولية للعمل الذي قمنا به عن الإسلام السياسي هو أن علينا أن نقيم حواراً مع الإسلاميين، لكن لا يمكننا أن نتجاهل «أكس» (إشارة رمزية إلى شخص لم يذكر اسمه). وبما أن هذا هو أول اتصال، أتساءل عما إذا لم يكن من الأفضل أن نبدأ بالسيد شيبمان (أحد المسؤولين في وزارة الخارجية) ونرى ماذا سيحصل. علينا أن نشدد (أمام هدام) على (ضرورة) معارضة العنف».


مقالات ذات صلة

الجزائر وموريتانيا تتفقان على إطلاق «آلية تنسيق» بالحدود

شمال افريقيا من اجتماع خبراء الأمن الجزائريين والموريتانيين لبحث الأوضاع بالحدود (وزارة الداخلية الجزائرية)

الجزائر وموريتانيا تتفقان على إطلاق «آلية تنسيق» بالحدود

أكدت الجزائر وموريتانيا عزمهما على تعزيز التعاون الثنائي، خصوصاً في المجال الأمني، وذلك خلال أعمال «الدورة الثانية للجنة الأمنية المشتركة بين البلدين».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان خلال لقائه الوزير ماورو فييرا في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (واس)

وزيرا خارجية السعودية والبرازيل يناقشان القضايا ذات الاهتمام المشترك

ناقش الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع نظيره البرازيلي ماورو فييرا، الاثنين، القضايا ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان والوزير ديفيد لامي (الخارجية السعودية)

وزيرا خارجية السعودية وبريطانيا يبحثان مستجدات المنطقة

بحث الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، مع نظيره البريطاني ديفيد لامي، المستجدات في المنطقة والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تكنولوجيا شعار «غوغل» على إحدى منشآت الأبحاث التابعة للشركة في ماونتن فيو بكاليفورنيا (رويترز)

«غوغل» تطلق «فيو 3» لتوليد الفيديوهات بالذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

أعلنت شركة «غوغل»، اليوم، عن إطلاق نموذجها الأحدث «فيو 3» لتوليد الفيديوهات بالذكاء الاصطناعي عبر منصة «جيمي».

«الشرق الأوسط» (دبي)
يوميات الشرق أول بودكاست سياسي ناطق بالعربية من إنتاج صحافيين عرب يقيمون في الولايات المتحدة (الشرق الأوسط)

بودكاست «الشرق» يقرّب أخبار أميركا من الجمهور العربي

أطلقت «الشرق بودكاست» من قلب العاصمة الأميركية برنامجها الجديد «أميركا بلهجتنا»، بوصفه أول بودكاست سياسي ناطق بالعربية من إنتاج صحافيين عرب يقيمون في أميركا.

«الشرق الأوسط» (الرياض - دبي)

كيف استوعب الحَرمان الشريفان في رمضان 122 مليون زائر ومعتمر؟

أرقام مليونية شهدها المسجد الحرام تُعد نتيجة عمل دؤوب واهتمام بالغ استمر عشرات السنين (واس)
أرقام مليونية شهدها المسجد الحرام تُعد نتيجة عمل دؤوب واهتمام بالغ استمر عشرات السنين (واس)
TT

كيف استوعب الحَرمان الشريفان في رمضان 122 مليون زائر ومعتمر؟

أرقام مليونية شهدها المسجد الحرام تُعد نتيجة عمل دؤوب واهتمام بالغ استمر عشرات السنين (واس)
أرقام مليونية شهدها المسجد الحرام تُعد نتيجة عمل دؤوب واهتمام بالغ استمر عشرات السنين (واس)

مع النجاح الكبير لموسم رمضان عام 2025 (1446هـ)، والقدرة على استيعاب الحَرمين الشريفين أكثر من 122 مليوناً من المعتمرين والزوار، يجدر التساؤل عن أسرار هذا التميز، وخلفيات هذا التفرد، ولا سيما أن الأرقام المليونية التي شهدها المسجد الحرام تُعد نتيجة عمل دؤوب واهتمام بالغ استمر عشرات السنين.

منذ عهد الملك عبد العزيز وحتى اليوم، استشعر قادة السعودية مسؤوليتهم الكبرى بصفتهم أمناء على مَهبط الوحي ومهد الرسالة النبوية، وجعلوا خدمة الحَرمين أولوية لكل منهم، وكان لكل ملكٍ مساهمته وبصمته التي سيُخلدها التاريخ.

لخَّص ذلك الملك سلمان بقوله: «لقب خادم الحَرمين الشريفين شرف كبير، ومسؤولية عظيمة»، وهم في ذلك يسيرون على نهج والدهم الملك عبد العزيز، الذي قال: «نحن آل سعود لسنا ملوكاً ولكننا أصحاب رسالة».

هذه الرسالة هي التي تعمّق مفهومها في نفوس ملوك السعودية، ومنحتهم دوراً خاصاً وملأت صدورهم قناعة وأهّلتهم لقيادة العالم الإسلامي.

قادة السعودية كان لكل منهم بصمته في خدمة الحَرمين الشريفين التي سيُخلدها التاريخ (واس)

مطلع القرن

فور ضم الملك عبد العزيز مكة المكرمة، في الربع الأول من القرن العشرين، وتحديداً عام 1924 (1343هـ)، جعل خدمة المسجد الحرام على رأس أولوياته، وأمر بترميم وإصلاح كل ما يقتضي إصلاحه في الحَرم، وذلك رغم شُح موارد الدولة.

بدأ بعمل الترميمات والإصلاحات اللازمة، وفي ذلك العام كان عدد الحجاج 78593 حاجاً، منهم 3593 حاجاً من الخارج.

وفي عام 1927 (1346هـ) أمر الملك بإجراء عمارة عموم المسجد الحرام داخلياً وخارجياً على نفقته الخاصة، واستمرت الأعمال عاماً كاملاً، وبلغت تكلفتها ما يقارب 2000 جنيه ذهب (7 ملايين ريال).

في عام 1935 (1354هـ) صدر أمر الملك عبد العزيز بتشكيل لجنة لعمارة وإصلاح المسجد الحرام، وعَهِد إليها إجراء الكشف المستمر على عموم ما يَلزم المسجد الحرام من عمارة وإصلاح، وحصر ما يتطلبه ذلك، وبلغت تكلفة تلك الإصلاحات نحو 12 مليون ريال.

تطوير وتحسين الحَرم لم يقتصر على الإعمار والخدمات بل اهتم كذلك بشؤون الإمامة والدروس وإدارته (واس)

استمر اهتمام الملك عبد العزيز بتطوير وتحسين كل ما يتعلق بالمسجد الحرام، إذ لم يقتصر اهتمامه على جوانب الإعمار والخدمات، بل اهتم كذلك بشؤون الإمامة والدروس وإدارة الحَرم، ومن ذلك:

  • توحيد الإمامة، إذ كانت الصلاة، ولقرونٍ خَلَت، تقام في أربعة مقامات نُصبت في صحن الحَرم حسب المذاهب (الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية)، وكل جماعة تصلي خلف إمام المذهب، فألغى هذه المقامات، ومنع تعدد الأئمة، وجمع الناس خلف إمام واحد.
  • عين هيئة علمية للإشراف على التدريس، وأصدر عدة أنظمة لتنظيم التدريس وتحسين أوضاع المدرسين، وأكد التدريس وفق المذاهب الأربعة، وبلغت حلقات التدريس 120 حلقة تُدرس فيها العلوم الدينية وعلوم اللغة والمنطق والآداب؛ بل حتى علم الفلك، وغيرها من العلوم، وبلغات مختلفة. ووصل عدد المدرسين إلى 700 مدرس متنوعي الأعراق والمذاهب، وهو بكل ذلك يعيد الدور العلمي والعالمي للمسجد الحرام كجامعة أولى في العالم الإسلامي.
  • أمر بتشكيل مجلس إدارة الحَرم للإشراف الإداري والخِدمي، وإسناد أعمال العمارة والصيانة لإدارة الأوقاف.

قطاعات عديدة جاء تأسيسها وتطورها مرتبطاً بخدمة الحج والحجيج (واس)

الجانب اللافت أن المُتابع لبناء مؤسسات الدولة في عهد الملك عبد العزيز يجد ارتباط ذلك بخدمة الحَرمين الشريفين، فقطاعات كالصحة والمواصلات والأمن والجوازات والبريد والإعلام والتجارة والاقتصاد والمياه وغيرها جاء تأسيسها وتطورها مرتبطاً بخدمة الحج والحجيج، وكأننا نرى تزامن البناء التنظيمي لمؤسسات الدولة مع ما تُقدمه الدولة السعودية لخدمة ضيوف الرحمن، وهذا من المفارقات التاريخية، التي انعكست بعد ذلك في نصوص الأنظمة والقوانين السعودية، فنصّت المادة 24 من النظام الأساسي للحكم على ما يلي: «تقوم الدولة بإعمار الحَرمين الشريفين وخدمتهما، وتوفر الأمن والرعاية لقاصديهما، بما يمكّن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة».

وهذا مثال فقط، وغيره كثير من النصوص التي وردت في الأنظمة السعودية تؤكد كلها أن علاقة المملكة العربية السعودية بالحَرمين الشريفين ليست في بُعدها الجغرافي أو التاريخي فحسب، بل في الارتباط الوجودي.

الأنظمة السعودية أكدت علاقة المملكة بالحَرمين في بُعدها الجغرافي والتاريخي والارتباط الوجودي (واس)

التوسعة السعودية الأولى

لمّا رأى الملك عبد العزيز ازدياد أعداد الحجاج وازدحام الحَرم، الذي لم تكن تتجاوز مساحته 33 ألف متر مربع، وطاقته القصوى نحو 50 ألف مصلٍّ، أصدر، عام 1949 (1368هـ)، بياناً بعزمه توسعة الحَرمين الشريفين، بدءاً بالمسجد النبوي، وجرى بدء توسعة المسجد النبوي في شهر يوليو (تموز) 1951(شوال عام 1370هـ)، كما بُدئ بوضع التصاميم اللازمة لتوسعة المسجد الحرام.

لقد كانت توسعة الحَرمين وبناؤهما بالشكل الذي يعكس مكانتهما والطراز الذي يمثل هويتهما ويلائم ما يتطلع إليه قاصدوهما وما يشعر به المسلمون تجاههما، إحدى الأماني الكبرى للملك المؤسِّس، فأمر بتكوين هيئة فنية وهندسية لعمل التصاميم والمخططات اللازمة لهذا المشروع الإسلامي العملاق.

وكان من أهداف التوسعة السعودية، بالإضافة إلى رفع الطاقة الاستيعابية للمَطاف وأماكن الصلاة والمسعى مع دمجه ضمن مباني المسجد الحرام، وضع الحلول الجذرية لمعالجة الأخطار التي كانت تهدد سلامة المسجد وقاصديه كالحرائق والسيول، من خلال استخدام مواد البناء غير القابلة للاشتعال، وأنظمة مكافحة الحريق، وعمل مجاري تصريف السيول، وتوفير الخدمات المتكاملة لراحة قاصديه.

تزامن البناء التنظيمي لمؤسسات الدولة مع ما تُقدمه السعودية لخدمة ضيوف الرحمن (واس)

وافت المنية الملك عبد العزيز قبل الشروع في التوسعة، فاستكملها أبناؤه، وكانت مشروعاً استراتيجياً استغرق نحو ربع قرن، كما كانت توسعة تأسيسية أشرف عليها الملوك: سعود وفيصل وخالد، وتابعها المسؤولون السعوديون على جميع المستويات، وشارك في إنجازها أكثر من 55 ألفاً من الخبراء والمهندسين والفنيين والموظفين والعمال، كما كان نقلة نوعية في تاريخ توسعة وعمارة الحَرم المكي، إذ بلغ إجمالي مساحة مباني التوسعة، إضافة إلى مساحة الميادين المحيطة، نحو 200 ألف متر مربع؛ أي ما يزيد على ستة أضعاف مساحته السابقة، تستوعب في أوقات الذروة ما يصل إلى 400 ألف مصلٍّ، بتكلفة إجمالية بلغت مليار ريال.

استكمال التوسعات

بسبب ازدياد الأعداد، رأى الملك فهد بن عبد العزيز الحاجة إلى توسعة ثانية اكتملت عام 1993 (1413هـ)، وأصبحت مساحة المسجد الحرام مع الساحات والميادين المحيطة نحو 400 ألف متر مربع، وارتفعت الطاقة الاستيعابية إلى نحو 800 ألف مصلٍّ. وبلغت تكاليف مشروع التوسعة السعودية الثانية ما يزيد على 30 مليار ريال.

أمر الملك عبد الله بن عبد العزيز ببدء توسعات جديدة للمسعى والمسجد والمَطاف (التوسعة السعودية الثالثة)، والتي استُكملت في عهد الملك سلمان. وبلغت المساحة الإجمالية للمسجد الحرام وساحاته بعد اكتمالها 750 ألف متر مربع، بإجمالي مسطحات بناء تتجاوز 1.4 مليون متر مربع، وتستوعب ما يصل إلى 2.5 مليون مصلٍّ، كما تستوعب التوسعة 105 آلاف طائف حول الكعبة، و120 ألف ساعٍ بين الصفا والمروة في الساعة الواحدة.

بلغت المساحة الإجمالية للمسجد الحرام وساحاته بعد اكتمالها 750 ألف متر مربع (واس)

أما عن التكاليف الإجمالية لهذه التوسعة، فتجاوزت المبالغ التي قُدّرت لها وكانت نحو 80 مليار دولار (300 مليار ريال)، علماً بأن هذه المبالغ تخص التكاليف المباشرة للتوسعات مع تعويضات نزع العقارات، ولا تشمل تكاليف البنى التحتية والمشروعات التطويرية الأخرى.

لقد أضافت التوسعات السعودية للمسجد الحرام الكثير، وكانت غير مسبوقة؛ ليس في مساحاتها فحسب، بل حتى في عمارتها السعودية الفريدة، وكذلك في أولياتها وخدماتها وأنظمتها المختلفة.

كل هذه التوسعات والخدمات المتفوقة على كل ما سبقها، وبكل زواياها وأبعادها، جعلتها نموذجاً متفرداً ومتميزاً عبر التاريخ، وهو ما مكَّن أكثر من 92 مليوناً قصدوا المسجد الحرام خلال شهر رمضان، وبمعدل يفوق 3 ملايين شخص يومياً، من أداء شعائرهم بكل راحة واطمئنان تحفُّهم رعاية الرحمن ثم العناية غير المسبوقة من قِبل القيادة السعودية التي نذرت نفسها لخدمة الحَرمين الشريفين وقاصديهما، مستحضرة متطلبات هذا الشرف الذي اختصها الله به، ومستشعرة مسؤولياتها في قيادة العالم الإسلامي.