علاقات واشنطن بأميركا اللاتينية «ترتّبها» حساباتها الآيديولوجية والمالية

يرى البعض أن مكافحة المخدّرات حجةً لمهاجمة فنزويلا وكولومبيا

لقاء الرئيسين ترمب وميلاي الأخير (السفارة الأميركية في بوينس آيرس)
لقاء الرئيسين ترمب وميلاي الأخير (السفارة الأميركية في بوينس آيرس)
TT

علاقات واشنطن بأميركا اللاتينية «ترتّبها» حساباتها الآيديولوجية والمالية

لقاء الرئيسين ترمب وميلاي الأخير (السفارة الأميركية في بوينس آيرس)
لقاء الرئيسين ترمب وميلاي الأخير (السفارة الأميركية في بوينس آيرس)

أعلنت الولايات المتحدة بلسان وزير الحرب بيت هيغسيت، يوم الثلاثاء قبل الفائت، أن قواتها المسلحة نفّذت 3 عمليات هجومية شرق المحيط الهادئ ضد 4 زوارق ادّعى انها كانت تحمل كميات ضخمة من المخدِّرات، وأن 14 عنصراً من طواقمها قتلوا في تلك العمليات «كانوا ينتمون إلى منظمات إرهابية معروفة» إلا أنه لم يذكر أسماءها ولم يكشف عن أي معلومات تؤكد ضلوعها في تهريب المخدرات. وفي نهاية الأسبوع قبل الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنها أدرجت على قائمة الأشخاص المُعاقبين «لعلاقتهم» بتجارة المخدرات، المعروفة باسم «قائمة كلينتون»، أسماء كل من الرئيس الكولومبي غوستافو بترو، وزوجته فيرونيكا ألكوسير، ونجله البكر نيكولاس، ووزير الداخلية آرماندو بينيدتّي. وكان بترو قد أعلن قبل ذلك أنه تقدّم بشكوى لدى القضاء الأميركي ضد الرئيس دونالد ترمب الذي وصفه بـ«المجرم»، وبأنه من زعماء تجارة المخدرات. في المقابل، كان الرئيس الأميركي يعلن قبيل الانتخابات العامة الأرجنتينية - التي فاز فيها الرئيس خافيير ميلاي بفارق ملحوظ ومفاجئ على خصومه - عن مساعدة مالية للأرجنتين بمقدار 40 مليار دولار، في حين تعاني العائلات الفقيرة في الولايات المتحدة من خفض غير مسبوق في الخدمات الصحية والاجتماعية.

أعلنت الولايات المتحدة أخيراً عن خطوة جديدة تصعيدية في حملتها العسكرية ضد ما تصفه بـ«تجارة المخدرات في القارة الأميركية»، إذ قرّرت إرسال أحدث حاملة للطائرات وأكبرها في أسطولها البحري «جيرالد فورد»، والسفن الحربية المواكبة لها، إلى منطقة البحر الكاريبي، وكانت قد سبقتها إلى هناك 8 سفن حربية أميركية منذ أغسطس (آب) الفائت.

جاء ذلك الإعلان بعد الهجوم العاشر الذي شنّته القطع البحرية الحربية الأميركية في المياه الدولية ضد زورق، قتل فيه 6 أشخاص، وأصيب آخرون بجراح، وزعمت واشنطن يومذاك أنه تابع لإحدى منظمات الاتجار بالمخدرات. وتفيد المعلومات المستقاة من وزارة الحرب الأميركية «البنتاغون» بأن القوات البحرية المنتشرة في المنطقة تضمّ، بجانب حاملة الطائرات والطاقم المواكب لها، غواصة ومقاتلات من طراز «إف 35» المتطورة، وأكثر من 2000 عنصر، تابعين لمشاة البحرية «المارينز».

قرع طبول الحرب بحجة مكافحة المخدِّرات

إضافة إلى ما سبق، هدّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه يعتزم شنّ حملة برّية لملاحقة منظمات الاتجار بالمخدرات، التي يعتبرها عدواً في نزاع مسلّح مع بلاده. وكانت واشنطن قد سرّبت إلى وسائل إعلام أن ترمب ينوي مهاجمة مرافق إنتاج الكوكايين وطرق الإمدادات داخل فنزويلا.

أيضاً، وجّه ترمب اتهامات مباشرة إلى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، واصفاً إياه بواحد من زعماء تجارة المخدِّرات، بينما كان شون بارنيل، الناطق بلسان وزارة الحرب الأميركية، يعلن أن وجود حاملة الطائرات «جيرالد فورد» في المنطقة «سيعزّز القدرات الأميركية لرصد ومراقبة وتفكيك العملاء والأنشطة غير المشروعة التي تشكّل خطراً على رفاه الوطن الأميركي». ومع أن بارنيل لم يكشف عن موعد وصول حاملة الطائرات إلى الكاريبي، فإنها كانت قد شوهدت مطلع الأسبوع قبل الفائت، وهي تعبر مضيق جبل طارق من البحر المتوسط باتجاه المحيط الأطلسي، وعلى متنها نحو 5 آلاف جندي.

واشنطن تبذل جهداً ملحوظاً ومثيراً للجدل لدعم الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلاي

من جهة ثانية، وبعدما كان الرئيس ترمب قد أعلن أخيراً أنه أعطى الضوء الأخضر إلى وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) لشنّ «عمليات سرّية» داخل فنزويلا، كتب وزير الحرب الأميركي هيغسيت، على منصة «إكس» مهدّداً: «إذا كنتَ مهرّباً للمخدِّرات في منطقتنا، فسنعاملك كما عاملنا تنظيم (القاعدة) من قبل. سنلاحقك في النهار والليل، ونتعقّب شبكاتك، ونرصد أعوانك ونقتلك». وللعام، أسفرت العمليات التي نفّذتها البحرية الأميركية حتى الآن في منطقة الكاريبي عن مقتل ما يزيد عن 50 شخصاً.

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (آ ب)

مادورو: واشنطن تخطط لإسقاط الشرعية

في هذه الأثناء، ندّد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بما أسماه «المخطّط الأميركي لإسقاط النظام الشرعي» في بلاده، وأردف قائلاً إن زمن اللجوء الى «وكالة الاستخبارات المركزية» لقلب أنظمة الحكم في أميركا اللاتينية قد ولّى. وتابع مادورو أن حكومته (اليسارية) «تنظر بقلق شديد» إلى استخدام الاستخبارات الأميركية ضد فنزويلا، وإلى «السياسة العدوانية التي تنتهجها واشنطن بهدف تغيير النظام عن طريق المناورات التخريبية والقوة». ثم ذكر أنه كلّف البعثة الفنزويلية الدائمة لدى الأمم المتحدة تقديم شكوى أمام مجلس الأمن الدولي للمطالبة بمساءلة الإدارة الأميركية، واتخاذ تدابير عاجلة تحول دون التصعيد العسكري في منطقة الكاريبي.

هذا، وكان وزير الخارجية الفنزويلي، إيفان خيل بينتو، قد صرّح في حديث خاص مع «الشرق الأوسط» أخيراً، بأن بلاده وجّهت رسالة واضحة إلى واشنطن، مفادها: «إنهم - أي الأميركيين - سيواجهون ردّاً غير محسوب في حال شنّهم هجوماً عسكرياً ضد فنزويلا». وأردف أن بلاده «جاهزة منذ سنوات لأي نوع من الاعتداءات... وخلال الأشهر الأخيرة عزّزنا التجهيزات الدفاعية، ونشرنا الميليشيا البوليفارية المسلحة في مناطق عديدة لصدّ أي هجوم».

الآثار الملموسة لحرب واشنطن الاقتصادية

غير أن تصريحات المسؤولين الفنزويليين لا تخفي التداعيات الاقتصادية للحملة التي تشنّها الإدارة الأميركية ضد نظام مادورو، ناهيك من الضغوط السياسية والنفسية التي يتعرّض لها هذا النظام اليساري.

ومع أن الرئيس الفنزويلي أكّد، في ظهوره مطلع الأسبوع أمام مواطنيه، أن إجمالي الناتج المحلي قد ازداد منذ بداية السنة الجارية بنسبة 7 في المائة - وهي تقديرات تبنّتها المنظمات الاقتصادية الإقليمية - توقّع بيان صادر هذا الأربعاء عن «صندوق النقد الدولي» أن النمو الاقتصادي في فنزويلا لن يتجاوز واحداً في المائة هذا العام، وأن نسبة التضخّم قد تصل إلى 270 في المائة، بل يدّعي خبراء أنها قد تتجاوز 400 في المائة.

وهنا، تجدر الإشارة إلى أن التراجع الاقتصادي الذي تشهده فنزويلا منذ سنوات، مشفوعاً باضطرابات سياسية واجتماعية مستمرة، أدّى إلى انكماش اقتصادها إلى ما يعادل 30 في المائة من حجمه التاريخي، عندما كانت خامس قوة اقتصادية في أميركا اللاتينية، بعد البرازيل والمكسيك والأرجنتين وكولومبيا.

أضف إلى ذلك أن فنزويلا، بمواجهة حرب اقتصادية أميركية ضروس عليها، تواجه اليوم أيضاً خطر انسداد السُّبل أمامها للحصول على قروض من المصارف الدولية، ما يحرمها من فرص الاستثمار اللازمة لإنعاش اقتصادها.

الرئيس الكولومبي غوستافو بترو (آ ب)

بين عداء كولومبيا... ودعم الأرجنتين

من جهة ثانية، مقابل التصعيد الأميركي ضد فنزويلا، الذي يندرج في سياق السياسات التي نهجتها الإدارات السابقة... لكن بمزيد من الشدة والتهديد بالتدخل العسكري المباشر، تصعّد إدارة الرئيس ترمب أيضاً ضد كولومبيا التي كانت تعتبر حليفاً تاريخياً لواشنطن. ومقابل ذلك، تبذل الولايات المتحدة جهداً ملحوظاً ومثيراً للجدل - حتى في أوساط الغالبية الجمهورية - لدعم الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير ميلاي، الذي يعتنق جميع مبادئ دونالد ترمب، بل يزايد عليها.

إذ قرر ترمب أخيراً، كما هو معروف، منح الأرجنتين، الغارقة في بحر من الديون، تبدو عاجزة عن سدادها، مساعدة بمقدار 40 مليار دولار. وبطبيعة الحال، طرح هذا القرار تساؤلات في الأوساط السياسية والاقتصادية الأميركية حول دوافع هذه الخطوة وجدواها. والمثير في الأمر أنها تأتي في حين تواصل إدارة ترمب خفض المساعدات الاجتماعية والخدمات الصحية للمواطنين الأميركيين.

أيضاً، ما يجدر ذكره أن الرئيس ترمب سئل أخيراً لدى استقباله نظيره الأرجنتيني في البيت الأبيض، عن «دوافع» هذا القرار، وكيف سيعود بالفائدة على «المصالح الأميركية» التي جعل الدفاع عنها عنوان ولايته، فأجاب: «بكل بساطة، إننا نساهم في ترسيخ فلسفة عظيمة في بلد عظيم». وأضاف وزير الخزانة الأميركي، من جانبه: «الأرجنتين حليف بالغ الأهمية»، مؤكداً أن دوافع القرار «سياسية بحتة»، ولا علاقة لها البتة بالحسابات الاقتصادية.

بالتوازي، مع أن خافيير ميلاي يفاخر بأنه «التوأم الآيديولوجي» للرئيس ترمب، فقد كان هو السبّاق في إطلاق حملة التقشّف القصوى. إذ طرح برنامجه تحت عنوان «إعلان الحرب على التبذير الحكومي»، لكن انتهى به الأمر إلى تفريغ الخدمات العامة من مضمونها... من غير أن يقدّم أي حل للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الأرجنتين، والتي كان فشل الحكومات السابق في معالجتها باب وصول ميلاي إلى الرئاسة.

بالمناسبة، الرئيس ترمب كان قد أعلن بوضوح عشية الانتخابات العامة الأرجنتينية، التي أجريت يوم الأحد قبل الماضي وفاز فيها ميلاي، أن استمرار تيار الأخير السياسي اليميني مرهون ببقاء ميلاي في السلطة. وذهب إلى حدّ التحذير بأن واشنطن «لن تضيّع الوقت» إذا فشل التحالف اليميني الحاكم الذي يقوده ميلاي.

في غضون ذلك، تشكّك الأقلية الديمقراطية في الكونغرس الأميركي، ومعها بعض الأصوات الجمهورية، في شرعية المساعدة المالية التي منحها ترمب لحليفه الأرجنتيني. وهذا، من منطلق أن «استخدام المال العام بهدف التأثير في انتخابات أجنبية»، ولا سيما أن الإدارة الحالية لا تكفّ عن فرض خفض جذري للمساعدات الخارجية المخصصة لبرامج إنمائية وصحية تنقذ أرواح الملايين في أنحاء العالم. كذلك، ثمة شكوك عميقة في قدرة الأرجنتين على سداد هذا القرض الذي يخضع للمساءلة في الكونغرس، وبخاصة أن وزارة الخزانة الأميركية لم تعلن عن أي ضمانات أو شروط لاسترداده.

ولعل، ما يزيد التساؤلات والشكوك حول هذه الخطوة، أن ترمب قال صراحةً بعد الإعلان عن نتيجة الانتخابات الأرجنتينية: «لقد ربحنا مالاً كثيراً». وهو ما يؤكد صحة التقارير المالية التي كشفت أن عدداً من صناديق الاستثمار الكبرى في الولايات المتحدة هي التي حقّقت أرباحاً طائلة بفضل تعاملها بالسندات الأرجنتينية.

حقائق

الوجود العسكري الأميركي في الكاريبي

في انتشار حربي إقليمي غير مألوف، باشرت الولايات المتحدة، مطالع شهر أغسطس (آب) الفائت، إرسال قِطع من أسطولها البحري إلى منطقة البحر الكاريبي، شملت أسراباً من الطائرات المقاتِلة ووحدات من «المارينز» (مشاة البحرية). وحول هذا الأمر قالت واشنطن إن الهدف من وجودها «محاربة عصابات المخدِّرات» التي تنشط في تلك المنطقة وتُغرق السوق الأميركية بها.

بين القطع البحرية التي توجد حالياً في المنطقة التابعة للقيادة الجنوبية في الجيش الأميركي طرّادات ومدمّرات وسفن هجومية برّمائية وغواصة. وينتظر أن تنضم إليها في الأيام المقبلة حاملة الطائرات «جيرالد فورد» المزوّدة بوقود نووي، وهي الأكبر والأحدث في الأساطيل الأميركية، تُرافقها مجموعة من سفن الدعم والإمداد والمواكبة. يضاف إلى كل هذا عدد غير معروف من الهليكوبترات والمقاتِلات المتطورة وما يزيد عن 4500 عنصر من مشاة البحرية، وخمسة آلاف جندي يُشكلون طاقم حاملة الطائرات.

هذا الانتشار الحربي الذي أمر به الرئيس الأميركي دونالد ترمب لا سابقة له في العقود المنصرمة، ولا يُذكر مثيل له سوى في عام 1989 عندما غزت الولايات المتحدة جزيرة غرينادا. وتفيد معلومات صحافية، نقلاً عن خبراء عسكريين، بأن التشكيلة البحرية الأميركية الموجودة حالياً قبالة السواحل الفنزويلية تضم قطعاً حربية مخصّصة لعمليات إنزال بري واسعة.

أما المسؤولون الأميركيون فيكرّرون في تصريحاتهم القول إن «الهدف من هذا الحشد البحري هو محاربة عصابات تهريب المخدرات وتفكيك شبكاتها بحراً وبراً». لكن الناطقة بلسان البيت الأبيض كانت قد صرّحت، في بداية هذا الانتشار، بأن «الرئيس ترمب كان واضحاً عندما قال إنه عازم على استخدام كل الموارد التي في متناوله لوقف دخول المخدرات الولايات المتحدة وإحالة المسؤولين عن ذلك إلى القضاء...»، لكنها أضافت أن «موقف الحكومة الأميركية من النظام الفنزويلي هو أن نيكولاس مادورو ليس رئيساً شرعياً». ولقد ردّ مادورو يومها على ذلك بقوله: «لن نسمح لأي إمبراطورية بأن تمسّ أرض فنزويلا المقدسة»، مؤكداً أن بلاده تملك الأسلحة اللازمة لصدّ أي عدوان.

جدير بالذكر أن «جيرالد فورد» هي أكبر سفينة حربية في التاريخ، إذ يبلغ طولها 336 متراً، ويزيد وزنها عن مائة ألف طن. ومن الدفاعات المجهزة بها 75 طائرة مقاتِلة، من بينها طائرات «إف - 18 إيه» التي لا تملك منها سوى القوات المسلحة الأميركية. أي أنه بوصول هذه الحاملة إلى الكاريبي سيكون للأسطول الأميركي الموجود هناك أكثر من مجموع المقاتِلات التي يملكها سلاح الجو الفنزويلي، ومعظمها روسية الصنع من طراز «سوخوي - سو 30»، أو أميركية من طراز «إف - 16».



مقالات ذات صلة

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

حصاد الأسبوع الدمار في غزة (أ ب)

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع كاثلين هيكس (آب)

كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

يمثّل صعود إميل مايكل إلى منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة تحولاً واضحاً في طبيعة القيادة التكنولوجية داخل «البنتاغون»، مقارنةً بكل من مايكل غريفين وهايدي

«الشرق الأوسط» (اشنطن)
حصاد الأسبوع العلم السويدي يخفق وسط الشرطة والمدنيين (د ب آ)

السويد... عقد من الترحيب ينتهي بقيود صارمة على الهجرة

في مشهد سياسي أوروبي متحول، تقف السويد اليوم شاهدة على أحد أكثر التحولات الجذرية في سياسات الهجرة واللجوء. فالبلد الذي فتح أبواب الهجرة لأكثر من 160 ألف طالب

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع علم "المجلس النوردي" (المجلس النوردي)

تحذيرات في أوساط الاقتصاديين والحقوقيين

> يحتفي الائتلاف الحاكم في السويد بما يعتبره «إنجازاً» في تراجع أعداد طالبي اللجوء، بعدما سجل عام 2024 أدنى مستوى له منذ عام 1985، بواقع 6250 طلباً فقط.


كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)
TT

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن)»، كما قال الناطق بلسان الجيش. وخلال الشرح المتحمس عن هذه الزيارة، سمح الناطق لنفسه بأن يقول إنهم جاؤوا لكي يتعلموا منه العديد من العمليات الحربية. وقال إن بين هذه الجيوش حضر مندوبون من كل من الجيوش؛ الأميركي والألماني والهندي والكندي والتشيكي والبولندي، وغيرها. وعرض عدة مجالات، قال إن جيشه أبدع فيها واستحدث طرقاً حربية سيصار إلى تدريسها في الكليات الحربية في العالم، خصوصاً المعركة ضد الأنفاق والتدمير ومسح الأبنية في قطاع غزة وتخريب الحقول الزراعية والسيطرة التامة على سماء إيران والاغتيال الجماعي لقادة «حماس» و«حزب الله» وقيادة سلاح الجو الإيرانية وعملية تفجير أجهزة النداء واللاسلكي في لبنان لقادة «حزب الله» (البيجر والوكي توكي) وغيرها.

لأول وهلة، يُحسب أن الرسالة - أعلاه - موجهة إلى العالم، لكن من يتابع الأوضاع في إسرائيل خلال العقدين الأخيرين، يدرك أن هذا النشر هو جزء من الحرب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي على «الجبهة الثامنة».

إنها الحرب التي تعدّ الأكثر إيلاماً للجيش، لأن «العدو» فيها للجيش الإسرائيلي هو الحكومة واليمين العقائدي الذي يقودها.

يخوض اليمين هذه الحرب منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم عام 2009، وفي حينه حاول فرض حرب على إيران، لكن قادة الجيش وسائر الأجهزة الأمنية اعترضوا. فغضب، وراح يحاربهم، في البداية بهدوء وسريّة، لكن الحرب غدت علنية شيئاً فشيئاً. وكان فيها مسؤولون في الحكومة وباحثون وخبراء يهاجمون الجيش ويتهمونه بالتبذير، والجنرالات ينشرون المقالات التي تظهر الحكومة فاشلة وفاسدة.

أيضاً لعبت الشرطة والنيابة والمحكمة دوراً نشيطاً في كشف تورّط نتنياهو في قضايا فساد... وقدمته إلى المحاكمة. فاستعرت المعركة لتتحوّل إلى «حرب شاملة» بين الطرفين، ما جعل اللواء المتقاعد إسحاق بريك، عضو رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، يقول، في مقال نشرته صحيفة «معاريف» يوم 8 يونيو (حزيران) 2025: «لدينا قيادة فقدت البوصلة، في الحكومة وفي الجيش». ويضيف: «السياسة الحمقاء المتغطرسة التي يتبعانها، ستشجع أعداءنا على الاستعداد لحرب أخرى ضدنا، وكل هذا بسبب جماعة فقدت طريقها وعقلنتها وحكمتها».

نتنياهو وسموترتش (رويترز)

سموتريتش... والميزانية

أحد أبرز السياسيين في هذه الحرب هو بتسلئيل سموتريتش، الذي مع تشكيل الحكومة أصر على تولي حقيبة وزارة المالية وحقيبة أخرى هي وزير ثانٍ في وزارة الدفاع. وسموتريتش هو الممثل المباشر لليمين العقائدي. لديه أجندة واضحة لمنع قيام دولة فلسطينية وتهجير الفلسطينيين. ومنذ تسلمه مهامه، يخوض حرباً علنية على الجيش بلغت حد رفض العديد من طلبات زيادة الميزانية العسكرية. ثم إنه يتهم قادة الجيش بالتبذير وصرف رواتب عالية، وقام بنشر قائمة الرواتب لنحو 50 قائداً أساسياً، فاتضح أنهم يقبضون رواتب أعلى من رئيس الحكومة ورئيس الدولة.

وفي الأسابيع الأخيرة، عندما قرر الجيش رفع عدد جنود الاحتياط الدائم من 6 إلى 60 ألف جندي، سنة 2026، وطلب تمويلاً من المالية (كل جندي يكلف الجيش 300 دولار في اليوم ومعدل الخدمة لكل جندي يصل إلى شهرين في السنة المقبلة، وهذا البند وحده يكلف مليار دولار)، رفض سموتريتش، قائلاً إن على الجيش إيجاد التمويل من تقليص مصاريفه الأخرى. ووفق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن قادة الجيش «يشعرون بالمهانة وهم يستجدون وزير المالية»، علماً بأنه على صعيد شخصي يبدو صبيانياً، ومن الناحية الجماهيرية يفقد الجمهور الذي انتخبه، إذ تشير الاستطلاعات إلى أنه سيسقط إذا أجريت الانتخابات اليوم.

للعلم، سموتريتش هذا حاقد على الجيش. فعام 2005، عندما كان في الخامسة والعشرين من العمر، بينما عمل الجيش على إخلاء مستوطنات قطاع غزة، جاء سموتريتش مع ألوف المستوطنين لمحاربة الإخلاء. ويومذاك، بطش به الجنود وجرّوه على الأرض عندما اعتقلوه. وهو جزء من الحركة التي قامت في حينه لمنع تشكيل حكومة في إسرائيل تقرّر إخلاء مستوطنات في الضفة الغربية مثلما حصل في غزة. وهو يستذكر هذه الحادثة تقريباً في كل خطاب سياسي له، منذ ذلك الحين. ويعدّ رأس حربة في معركة اليمين لتحجيم مكانة الجيش ونفوذه في البلاد.

انتقاد المهنية العسكرية

في إطار هذه المعركة، تشهد وسائل الإعلام الإسرائيلية موجة نشر ضخمة تنتقد الجيش وتظهره فاشلاً مهنياً. ويجنّد اليمين لهذا الغرض مجموعة كبيرة من الجنرالات السابقين، قسم منهم يكتب في معاهد الأبحاث التابعة لليمين، وقسم آخر ينشر مقالاته في وسائل الإعلام المستقلة، فضلاً عن الإذاعة والتلفزيون والشبكات الاجتماعية.

وأدناه نماذج من هذه المعركة:

العميد أورن سولومون، الذي عيّن رئيساً للجان التحقيق الداخلي في الجيش حول إخفاقات 7 أكتوبر (تشرين الأول) كشف في تقرير للقناة «14» عن أن قيادة الجيش «تتستر على الحقائق وليس صحيحاً الانطباع بأنها أول من تحمل المسؤولية». بل «أخفت الفشل الحقيقي لكونها اتبعت تكتيكاً حربياً خاطئاً منذ البداية... وبدلاً من أن تأمر سلاح الجو بقصف عناصر حماس في أثناء مهاجمتهم البلدات الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر 2023، فتشلّ حركتهم وتوقف تقدّمهم، قرّرت شنّ عملية انتقامية لاغتيال قادتها وتدمير مقراتها في شتى أنحاء غزة. وبذا فشلت في حماية مئات من الإسرائيليين الذين قتلتهم حماس ومئات المخطوفين».

وذكر سولومون أيضاً في التقرير، أنه طلب لقاء رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي والحالي إيال زامير لعرض استنتاجاته، لكنهما تهرّبا من لقائه. ومن ثم راحا يحرّضان عليه، لدرجة أنه قرّر إخفاء تقاريره والوثائق التي اعتمدها بهدف الحفاظ عليها في حال جرى له أي سوء. ورداً على سؤال طرحه عليه صحافي معروف بقربه من نتنياهو: «هل تخشى على حياتك؟ هل تعتقد أن هناك مَن قد يقتلك بسبب هذا التحقيق؟». فأجاب «نعم».

من جهة ثانية، تطرّ ق الصحافي والمؤرخ اليميني عكيفا بيغمان، صاحب كتاب «كيف حوّل نتنياهو إسرائيل إلى إمبراطورية»، كشف في موقع «ميدا» (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025)، عن نتائج تحقيق أجري في لجنة فرعية سريّة للجنة الخارجية البرلمانية، خلال الشهرين الماضيين، تفيد بأن هناك «خللاً بنيوياً» في عملية تأهيل الضباط في الجيش الإسرائيلي. وممّا جاء في تقريره أن الضباط لا يتلقّون تدريبات عسكرية لأكثر من يومين في الأسبوع، بينما يتمتعون بـ«امتيازات دلال لا تلائم جيشاً مقاتلاً»، وأنه في كثير من دورات التعليم التي يمرّون بها ثمة ازدواجية وتناقضات لأن هذه الدورات لا تدار بشكل مهني.

زامير (الجيش الإسرائيلي)

مرحلة بنيامين نتنياهو...استخفاف بالجنرالات وطعن بهم علناً وفي الخفاء

عدوانية متزايدة في عدة اتجاهات

الصحافة الإسرائيلية، أيضاً، تنشر باستمرار تصريحات لوزراء يهاجمون بها قادة الجيش ويهينونهم في جلسات «الكابنيت» (مجلس الوزراء المصغّر)، الذي يقود الحرب، بينما كان نتنياهو صامتاً. ولكن، في يناير (كانون الثاني) 2025 تجرأ وأوقف الجلسة التي هاجم فيها الوزيران إيتمار بن غفير وميري ريجف رئيس الأركان هاليفي، على قراره تشكيل لجان تحقيق داخلية حول أداء الجيش.

وفي شهر مايو (أيار) تعرّض زامير لـ«بهدلة» مماثلة، لكنه ردّ على الهجوم بكلمات قاسية ونابية، ما جعل نتنياهو يلفت نظره ويوقفه عن الكلام في جلسة الحكومة. وحقاً، زامير نفسه لم يسلم من الانتقادات. وعندما اقترح صرف النظر عن إعادة احتلال غزة في نهاية الصيف، اتهمه غلاة اليمين بالتراجع عن وعوده في «تغيير نهج الجيش القتالي وجعله جيشاً هجومياً أكثر». وقالوا إن «الدولة العميقة الليبرالية تمكنت من السيطرة عليه وتدجينه».

في هذه الأثناء، هناك ما تشهده الضفة الغربية من اعتداءات. وهنا لا نقصد الاعتداءات الإرهابية على الفلسطينيين، بل الاعتداءات اليهودية على اليهود، التي تتصاعد باستمرار وفيها يهتف «شبيبة التلال» الاستيطانية لجنود وضباط الجيش الإسرائيلي «يهود نازيون».

أيضاً، أحد كبار الجنرالات، وكان مسؤولاً عسكرياً يعمل في وظيفة رفيعة في الضفة الغربية، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» (7 نوفمبر 2025)، يقول: «يبدو لي الوصف (فتيان التلال) أو (شبيبة التلال)، رومانسياً بعض الشيء، كما لو كانوا رعاة غنم يعملون في الزراعة، لكن هذا ليس ما نتكلّم عنه هنا. هؤلاء فتيان يحتاجون إلى رعاية مؤسّسات الرعاية الاجتماعية وسلطة الوالدين والتعليم. إنهم يتصرّفون كما لو كانوا في الغرب (الأميركي) المتوحش. ليس لديهم قانون ولا قاضٍ. يتجوّلون بقمصان كُتب عليها (شعب إسرائيل نعم ودولة إسرائيل لا)».

وتابع الجنرال: «إنهم لا يعترفون بالمؤسسات، وهم معادون تماماً للصهيونية، ويرسمون شعارات صهيونازية على الجدران، ويتلقون دعماً من بعض وسائل الإعلام القطاعية. لقد بنوا ماكينة عمل محكمة وحقيقية. يمكنك أن ترى فتىً في الثالثة عشرة من عمره يقود سيارة مشطوبة، وهو لا يملك حتى رخصة قيادة؛ بينما يُشعل فتيان آخرون النار في المركبات. ما عاد هؤلاء يكتفون بالاعتداءات على الفلسطينيين، بل أضحوا يعتدون بعنف وكراهية حاقدة على جنودنا وضباطنا، حتى ونحن نحميهم. وكذلك يعتدون على المواطنين اليهود، وليس فقط اليساريين منهم الذين يأتون إلى هنا للتضامن مع الفلسطينيين، بل يعتدون على مستوطنين ممّن كانوا ذات يوم شبيبة تلال لأنهم لا يوافقون اليوم على أساليبهم. وأنا لا أتكلم عن اعتداء واحد أو اثنين. لقد شكا عشرات المستوطنين الذين يتعرضون للاعتداءات منهم. ومن ثمّ، شعوري أن عدوهم الأول هو الجيش».

الرد لا يقل حدة

في المقابل، نجد أن الجيش أيضاً يملك جهاز دعاية يهاجم الحكومة بقوة شديدة ولديه مجموعة كبيرة من الكتّاب والناطقين باسمه، الذين يحذّرون من تبعات سياسة الحكومة وممارساتها، ويرون أنها «تُضعِف الجيش وتشجع العدو على تكرار الهجمات الشبيهة بهجمة حماس في 7 أكتوبر». كذلك ينتقد هؤلاء الحكومة بشكل لاذع على «فشلها المهني»، ويحمّلونها، رئيساً ووزراء، مسؤولية أساسية عن إخفاقات 7 أكتوبر، ويقولون إنها أدارت الحرب بشكل سيئ وفرضت على الجيش «إطالة الحرب لأغراض بعيدة عن الحسابات الأمنية والاستراتيجية، هدفها سياسي وحزبي للبقاء في الحكم». «وحقاً، الأمر الجوهري الذي يهاجمونها عليه هو: أنها لم تعرف كيف تستثمر المكاسب العسكرية التي وفّرها لها الجيش في مكاسب سياسية».

وهكذا يكتب الجنرال عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسة والاستراتيجية في تل أبيب، يوم 17 نوفمبر 2025: «لقد نجح الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن في توجيه ضربة قاصمة لتحالف الشر في جميع جبهات القتال السبع. في الوقت نفسه، ثمة حاجة إلى استراتيجية لإرساء أمن طويل الأمد. حتى الآن، فشلت الحكومة الإسرائيلية في صياغة سياسة لما بعد (اليوم التالي)، ما أدى إلى خلق فراغ، ملأته الإدارة الأميركية بكل قوتها».

وأردف جلعاد: «من جهة، لهذا الأمر نتائج إيجابية تتمثل في إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء وعملية إعادة الرهائن القتلى، ووقف الحرب في غزة، وتوطيد العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة، واحتمال تحقيق انفراج دبلوماسي مع الدول العربية. ولكن من جهة أخرى، قد يؤدي هذا التطور إلى أضرار جسيمة، مثل نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة بمشاركة دول معادية بقيادة محور تركي - قطري داعم لجماعة الإخوان المسلمين، واستمرار وجود حماس بصيغة جديدة في غزة. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال الإضرار بالتفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، من خلال نقل قدرات عسكرية غير مسبوقة إلى الدول العربية. في الخلفية، تُبذل جهودٌ من إيران وحزب الله لاستعادة القدرات العسكرية المتضررة خلال الحرب. ولكن الأنكى هو أنه على الصعيد الداخلي، تشهد إسرائيل بقيادة الحكومة سلسلةً من العمليات الهدامة التي تُلحق الضرر بالمناعة الوطنية والاجتماعية، التي تشكل ركيزةً أساسيةً من ركائز الأمن القومي الإسرائيلي. ويشمل ذلك استمرار الانقلاب القضائي وإلحاق الضرر بالمؤسسات القضائية، والحرب على وسائل الإعلام في البلاد، والتدخل في أنشطة أجهزة الأمن وإنفاذ القانون، وغيرها».


إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
TT

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في أحد أبرز القرارات المفصلية ضمن إطار سياسة الابتكار العسكري للولايات المتحدة منذ إعادة هيكلة «البنتاغون» (وزارة الحرب الأميركية) عام في 2017. وذلك ليس فقط لأن المنصب يُعدّ رأس الهرم في الهندسة العسكرية والتطوير التكنولوجي، بل لأن مايكل يمثّل نموذجاً جديداً تماماً عن ذلك الذي اعتادت المؤسسة الدفاعية الأميركية تعيينه في هذا الموقع. إذ إن المسؤول الذي يُمسك عملياً بمفاتيح التفوق التكنولوجي الأميركي، من الذكاء الاصطناعي إلى الأنظمة غير المأهولة، ومن الحرب السيبرانية إلى الجيل الثاني من الدفاع الصاروخي، رجل أعمال مهاجر من جذور مصرية قبطية، بنى مسيرته في شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، بدءاً من شركة «تيل مي نيتوورك»، مروراً بـ«كلاوت»، ووصولاً إلى «أوبر»، إحدى أكثر شركات العقد الماضي إثارة للجدل والتأثير في آن واحد.

تعيين إميل مايكل وكيلاً لـ«البنتاغون» للبحث والهندسة لم يكن مجرد مفاجأة، بل كسرٌ لخطٍ طويل من الشخصيات المنتمية تقليدياً إلى عالم الصناعات الدفاعية أو البحث العلمي الأكاديمي. وفي حين يرى البعض أنّ الرئيس دونالد ترمب يكرّر رهانه المألوف على رجال الأعمال - كما فعل في الحكومة الأولى - يعدّ آخرون أنّ ما حدث هو إعادة توجيه جذرية لطبيعة القوة التكنولوجية الأميركية، بحيث تُسلَّم مفاتيح المستقبل لمن يملكون القدرة على «تسريع» الابتكار، وليس فقط تنظيره. وأدناه نبذة عن مسيرة مايكل نحو هذا المنصب، وتكوينه السياسي ومسارة المهني ومنطق تعيينه وتأثير خلفيته القبطية المصرية في شخصيته ودوافعه.

مهاجر في قلب سردية النجاح

ولد إميل مايكل في القاهرة عام 1972 لأسرة قبطية، وهاجر في سن مبكّرة مع عائلته إلى الولايات المتحدة.

وعام 2012 التقى جولي هيرين في لاس فيغاس (ولاية نيفادا)، وتزوجا عام 2018 في حفل أقيم بمدينة ميامي، بولاية فلوريدا.

الانتماء القبطي ليس تفصيلاً هامشياً، بل جزء أساسي في تكوينه السياسي وطريقة تفكيره. وفي شقّ من الهوية القبطية، عند البعض في مصر، ثمة بالهامشية السياسية والبحث عن الحماية عبر «المؤسسات القوية». وهذا انعكس لاحقاً على توجهات مايكل في السياسة الأميركية، وخاصة في علاقة الأقليات بالدولة الحديثة، وقيمة وجود دولة مركزية قادرة على فرض النظام.

وكان مايكل يشير دائماً في مقابلاته القليلة حول خلفيته، إلى أنّ تجربة الهجرة منحته ثقافتين من زاويتين: إيماناً أميركياً تقليدياً بالفرصة الفردية، وحسّاً «واقعياً» في فهم أخطار انهيار الدول وضعف مؤسساتها، وهو أمر لا يمرّ عادة في تكوين المسؤولين الأميركيين الذين يترعرعون داخل «الاستقرار المؤسساتي» الأميركي.

هذه الخلفية تفسّر أيضاً شغفه المبكر بالدفاع الوطني. فمع أنه رجل أعمال تقني، اختار عام 2009 الانضمام إلى برنامج الزمالة في «البيت الأبيض»، والعمل مباشرةً تحت وزير الدفاع روبرت غيتس (الجمهوري) في إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، إبان سنوات الحرب في العراق وأفغانستان. وما لبث رجل الأعمال الشاب الآتي من وادي السيليكون أن وجد نفسه فجأة في قلب العمليات العسكرية واللوجيستية، في مسار غير شائع إطلاقاً.

جمهوري من هارفارد... إلى ستانفورد

درس إميل مايكل في جامعة هارفارد العريقة، وفيها تولّى رئاسة نادي الجمهوريين. واللافت أنّه فور تسلمه المنصب بادر إلى تحويل اسم النادي إلى «نادي الجرف الأحمر لجمهوريي هارفارد»، في إشارة إلى رغبته في إدخال النساء إلى الهيكل السياسي الطلابي المحافظ. وهو موقف مبكر يعكس قدرة سياسية على قراءة البيئة الاجتماعية ومحاولة توسيع التحالفات، وهي مهارة ستظهر لاحقاً في إدارة الشركات.

بعد هارفارد، تابع دراسته في كلية الحقوق التابعة لجامعة متميزة أخرى هي جامعة ستانفورد، المختبر الفكري الذي أنجب نخبة من روّاد التكنولوجيا.

هناك ازداد تماهيه مع التيار البراغماتي داخل الحزب الجمهوري، الذي يركّز على الاقتصاديات الحديثة والابتكار، وليس فقط على خطاب «القيَم التقليدية». ولعل هذا المزيج، أي يميناً اقتصادياً وابتكاراً تكنولوجياً، كان أساسياً لاحقاً في فهم لماذا رأى ترمب فيه الشخص المناسب لقيادة سباق الحرب التكنولوجية.

المسيرة المهنية

على امتداد 25 سنة، بنى إميل مايكل سمعة استثنائية في عالم الشركات العالية النمو، حيث بدأ مسيرته المهنية مستشاراً استراتيجياً في شركة «كونفيرجينغ» التابعة لشركة «جيميني» للاستشارات. وبعد تخرجه في كلية الحقوق، عمل مايكل مساعداً في مجموعة الخدمات المصرفية الاستثمارية للاتصالات والإعلام والترفيه في «غولدمان ساكس» بنيويورك حتى عام 1999. ثم عمل في مشاريع استشارية للاندماج والاستحواذ العدائي، وفي تمويل الأسهم والديون المصرفية. ومن 1999 حتى 2008 شغل مايكل منصباً تنفيذياً في شركة «تيل مي نتوركس» الناشئة للاتصالات عبر الإنترنت لمدة تسع سنوات. وكانت تلك الشركة رائدة في تقنيات التعرف على الصوت، وبيعت لـ«مايكروسوفت» بـ800 مليون دولار عام 2007.

بعدها، عام 2012، أصبح رئيساً للعمليات وعضواً في مجلس إدارة شركة «كلاوت»، منصة تحليل النفوذ الرقمي (التي سبقت عصر البيانات الضخمة)، ليغادرها عام 2013، للانضمام إلى شركة «أوبر». وحقاً، بيعت «كلاوت» إلى شركة «ليثيوم» مقابل نحو 200 مليون دولار في أوائل عام 2014.

ثم انضم مايكل إلى «أوبر» نائب رئيس أول للأعمال، وكان بمثابة الذراع اليمنى لرئيسها التنفيذي، ترافيس كالانيك، وساعد الشركة على جمع ما يقرب من 20 مليار دولار. وللعلم، كان مايكل لاعباً رئيساً في تطوير جهود «أوبر» في الصين، حيث استثمر ملياري دولار لتصل قيمتها إلى 7 مليارات دولار عام 2016. كذلك عمل على بناء شراكات مع «بايدو» وشركات صينية أخرى. وعام 2016 قاد مايكل عملية دمج «أوبر الصين» مع منافستها المحلية «ديدي تشوكسينغ». وفي 2021، جمعت شركة «ديدي» 4.4 مليار دولار في طرحها العام الأولي.

تقدير قدراته التسويقية

عام 2014 اختير مايكل واحداً من «أكثر الأشخاص إبداعاً في مجال التسويق» وواحداً من «أكثر 100 شخص إبداعاً في مجال الأعمال» من قِبل شركة «فاست».

وفي عام 2017، ساعد مايكل في التفاوض على صفقة مع «ياندكس»، أكبر شركة تكنولوجيا وأشهر محرّك بحث على الإنترنت في روسيا – هي المعروفة باسم «غوغل روسيا» - حيث امتلكت «أوبر» 36.6 في المائة من كيان مشترك لمشاركة الرحلات في روسيا. واستثمرت «أوبر» 225 مليون دولار، واستثمرت «ياندكس» 100 مليون دولار.

رأس المال «المخاطر» يدخل «البنتاغون»

عام 2014، عُيّن إميل مايكل وثمانية آخرون في «مجلس أعمال الدفاع» التابع لـ«البنتاغون». انضمّ الثمانية إلى خمسة عشر عضواً من أعضاء المجلس، الذي أُسس عام 2002 لتقديم استشارات مستقلة بشأن القطاع الخاص. وكان مايكل الوحيد من بين المعيّنين الجدد الذي يتمتع بخبرة في مجال الشركات الناشئة.

وبالفعل، لعبت خلفيته في الاستثمار بشركات الذكاء الاصطناعي، و«البلوك تشين»، واللوجيستيات، والأنظمة الرقمية... وتحديداً، في المجالات التي تُعدّ اليوم قلب المنافسة الاستراتيجية مع الصين، دوراً كبيراً في جعله - في نظر فريق ترمب - «المختبر العملي» لقيادة سباق التكنولوجيا العسكرية، وهو ما أغرى ترمب بوضعه في رأس منظومة الابتكار العسكري.

خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، أعلن ترمب - وكان لا يزال رئيساً منتخباً - عن نيته ترشيح مايكل لمنصب وكيل وزارة الدفاع للأبحاث والهندسة، وأكد مجلس الشيوخ ترشيحه في مايو (أيار) 2025. وفي أغسطس (آب)، أصبح قائماً بأعمال «مدير وحدة الابتكار الدفاعي».

واليوم، يُعد منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة أخطر منصب تكنولوجي في الحكومة الأميركية. فهو الذي يحدّد اتجاهات الاستثمار التكنولوجي، وأولويات «وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة» (داربا)، وبرامج الأسلحة الاستراتيجية، وتوازن القدرة الأميركية مقابل الصين وروسيا.

ولفهم أسباب اختيار ترمب لمايكل، يرى البعض أنه يجب النظر إلى سمات الشخصية مقابل حاجات المرحلة. وفي ظل الحاجة إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»، ويُنظر إليه كمن يستطيع اختصار سنوات من الدورة البيروقراطية في وزارة الحرب.

وفي عهد فتح الأبواب للقطاع الخاص، اتجه ترمب أيضاً خلال ولايته الثانية إلى جعل الابتكار العسكري يعتمد على الصناعة الخاصة لا على مختبرات الدولة فقط، وهو بالضبط ما يجسده مايكل في هذا النهج. وطبعاً، يضاف إلى ما سبق أن خبرته العالمية، ولا سيما مع الصين وروسيا، منحته نظرة دقيقة على نماذج الابتكار لدى الخصوم.

مع هذا، يثير تعيين مايكل في منصبه جدلاً داخل واشنطن. فبعض الأصوات ترى في تعيين رجل أعمال بهذا الانغماس في رأس المال المخاطر، خطوة قد تعمّق نفوذ الشركات على حساب القرارات الدفاعية. ثم إن موقفه الحازم من الصين - بعدما حذر من أنها تهدف إلى «احتكار الذكاء الاصطناعي العسكري» خلال 10 سنوات - قد يدفعه إلى قرارات سريعة وغير تقليدية، بعضها يزعج التيارات التقليدية.

خلفيته ورؤيته لـ«البنتاغون»

من جهة ثانية، مع أن مايكل لا يقدّم نفسه بوصفه «سياسياً هوياتياً»، ورغم أنه شخصية محافظة سياسياً، فإنّ تأثير هويته واضح. ذلك أن خلفيته بصفته قبطياً مهاجراً جعلته، بحسب مقرّبين، أقرب لفهم أهمية «توازن القوة» في المجتمعات الهشّة، ما جعله يؤمن بأن التفوّق العسكري الأميركي هو أحد صمامات استقرار الأقليات حول العالم.

هذا البعد له تأثير ضمني لكن مفهوم في قراره بالدخول إلى قطاع الأمن القومي، وينعكس في دعمه لبرامج الدفاع غير التقليدية، ولتطوير تقنيات يمكن أن تمنع الحروب قبل وقوعها. وعلى عكس كثير من التكنولوجيين الأميركيين الذين يملكون حسّاً «ليبرالياً » تجاه الأمن القومي، ينظر مايكل إلى الجيش كـ«قوة استقرار»، وليس فقط كمجرد مؤسسة عسكرية.

ومن ثمّ، من الآن وحتى 2030، تشير كل المؤشّرات داخل وزارة الحرب إلى أنّ مايكل يخطط لثلاثة محاور حاسمة:

- تفعيل «نظام الابتكار السريع»، عبر تحويل «البنتاغون» إلى بنية مشابهة لشركات التكنولوجيا، في اتخاذ القرارات السريعة، وتجارب متكررة، ونسخ أولية، ثم تصنيع.

- إعادة توجيه وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا) نحو الذكاء الاصطناعي العسكري الكامل، ليس فقط كأداة دعم، بل كمكوّن قتالي مستقل.

- عسكرة البيانات، عبر تطوير أنظمة ميدانية تعتمد على بيانات اللحظة، بما يشبه نموذج «أوبر» في مراقبة الحركة البشرية، لكن في ساحات الحرب.

ولهذا بالضبط، نجده اليوم في رأس الهرم التكنولوجي للولايات المتحدة، في لحظة تتقرر فيها ملامح القرن الأميركي أو نهايته.


كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)
TT

كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)

يمثّل صعود إميل مايكل إلى منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة تحولاً واضحاً في طبيعة القيادة التكنولوجية داخل «البنتاغون»، مقارنةً بكل من مايكل غريفين وهايدي شو وديفيد هوني وكاثلين هيكس، الذين شكّلوا المسار المؤسسي التقليدي خلال العقد والنصف الماضيين.

مايكل غريفين (2018 - 2020) العالم الصاروخي، هو نموذج «العالم الكلاسيكي» داخل المؤسسة الدفاعية الأميركية. فيزيائي صواريخ، ومدير سابق لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، ورجل قائم على المدرسة البحثية الثقيلة.

كان تركيزه على الفضاء، والصواريخ، والأنظمة الفرط صوتية، وتطوير أنظمة الردع الاستراتيجي. والفارق الجوهري بينه وبين مايكل يكمن في الخلفية: غريفين ابن المؤسسات الأكاديمية والعسكرية التقليدية، بينما مايكل آت من شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، ما يجعله أكثر ميلاً للسرعة والمخاطرة وتبني الابتكار التجاري.

هايدي شو (2020 - 2023) سيدة المنظومات الدفاعية، جاءت من خلفية إدارية - تكنولوجية تمتد لعقود داخل «البنتاغون»، مركّزة على الدفاع الصاروخي والسيبراني، ومثّلت «الاستمرارية» أكثر من التغيير، بينما يجسد مايكل «القطيعة» مع الإرث المؤسسي. إذ إنه لا ينتمي لتقاليد «البنتاغون»، بل لثقافة استثمارية عالمية، ما يجعله أقرب إلى مقاربة «الابتكار المفتوح» مع الشركات الناشئة.

ديفيد هوني (2023 - 2025) المهندس البيروقراطي، يُعدّ خبيراً في البيروقراطية الدفاعية، عارفاً بتعقيدات الهياكل الداخلية ودوائر الاستحواذ. وظيفته كانت تحسين الانسيابية لا تغيير الفلسفة. أما مايكل فيقدّم رؤية انقلابية: تسريع القرارات، ونقل تقنيات القطاع الخاص مباشرة إلى ساحة القتال، وتخفيف دور البيروقراطية لصالح دينامية الشركات.

كاثلين هيكس (2021 - 2025) نائبة وزير الدفاع، تعد العقل الاستراتيجي المدني، ومع أنها لم تشغل الموقع نفسه، لكنها قادت بحكم موقعها، الإشراف على ملفات التكنولوجيا والتحوّل الدفاعي.

أيضاً مثلت هيكس المدرسة الاستراتيجية الليبرالية - التقليدية في الأمن القومي، ويمثل مايكل المدرسة المحافظة - التجارية، المتمحورة حول المنافسة مع الصين والتفوق الصناعي.

أخيراً، في حين يمثل الأربعة المذكورون خط الاستمرارية المؤسسية، يأتي إميل مايكل من خط الاختراق التكنولوجي التجاري. فهو أول من جمع بين خبرة وادي السيليكون والعمل المباشر في ساحات الدفاع، ما يجعل تعيينه انتقالاً من «عقود البحوث البطيئة» إلى «سباق الزمن التكنولوجي» في مواجهة الخصوم الدوليين للولايات المتحدة.