سوزي وايلز... رئيسة موظفي البيت الأبيض و«مفتاح» الوصول إلى الرئيس ومنفذة أجندته

«الزعيمة الجديدة في عالم ترمب»

قالت عن الحرب الروسية ـ الأوكرانية: «لا أعرف إن كان سيحدث إحراز بعض التقدم خلال الأسبوعين المقبلين أم لا. لكن لا أحد كان ليُحاول ذلك سوى دونالد ترمب»
قالت عن الحرب الروسية ـ الأوكرانية: «لا أعرف إن كان سيحدث إحراز بعض التقدم خلال الأسبوعين المقبلين أم لا. لكن لا أحد كان ليُحاول ذلك سوى دونالد ترمب»
TT

سوزي وايلز... رئيسة موظفي البيت الأبيض و«مفتاح» الوصول إلى الرئيس ومنفذة أجندته

قالت عن الحرب الروسية ـ الأوكرانية: «لا أعرف إن كان سيحدث إحراز بعض التقدم خلال الأسبوعين المقبلين أم لا. لكن لا أحد كان ليُحاول ذلك سوى دونالد ترمب»
قالت عن الحرب الروسية ـ الأوكرانية: «لا أعرف إن كان سيحدث إحراز بعض التقدم خلال الأسبوعين المقبلين أم لا. لكن لا أحد كان ليُحاول ذلك سوى دونالد ترمب»

صفات عدة أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على سوزي وايلز، التي دخلت التاريخ بعدما عيّنها أول امرأة تتولى منصب رئيس موظفي البيت الأبيض. منها تلقيبها بـ«طفلة الجليد» بعدما قال عنها إنها «صارمة وذكية وخلاّقة وتحظى بإعجاب الجميع واحترامهم». كيف لا وهي التي يُنسب إليها الفضل في إدارة حملة انتخابية «منضبطة» و«احترافية» ساعدت ترمب على تحقيق فوز ساحق في المجمع الانتخابي، وربما فوزه بالتصويت الشعبي أيضاً عام 2024. لذا لم يأت اختياره لوايلز مفاجئاً بعدما اكتسبت احترام الرئيس واهتمامه، وأثبتت قدرة على المساعدة في التحكم في انفعالات ترمب، إلى حد ما، بطريقة قلّما تمكّن غيرها من تحقيقه.

ولدت سوزان وايلز (سوزان سمرال، قبل الزواج) يوم 14 مايو (أيار) 1957 في ولاية نيوجيرسي، ونشأت في سادل ريفر، وهي واحدة من ثلاثة أبناء لكاثي سمرال وبات سمرال، لاعب كرة القدم الأميركية الشهير والمذيع الرياضي الناجح.

تخرجت وايلز في أكاديمية «الملائكة المقدسة» عام 1975، ثم في جامعة ماريلاند - كوليدج بارك بالضواحي الشمالية للعاصمة الأميركية واشنطن، ببكالوريوس آداب في اللغة الإنجليزية. وكانت لفترة غير قصيرة متزوّجة من لاني وايلز، وهو مستشار ومسؤول حملات جمهوري، وانتقلت معه إلى بونتي فيدرا بيتش، إحدى ضواحي جاكسونفيل بولاية فلوريدا عام 1985، إلا أنهما انفصلا عام 2017، ولديها ابنتان.

وايلز مُقلّة في ظهورها الإعلامي، وكادت حتى في يوم تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني) أن تتراجع عن إلقاء كلمتها عندما طلب منها ترمب ذلك، واكتفت ببضع كلمات مفضلة ظهوراً بسيطاً خلف الكواليس يمكن أن يكون فعالاً أكثر، في وظيفة تعد واحدةً من أكثر الوظائف الحكومية تطلّباً وحساسية وتعقيداً على الإطلاق.

تقييم أول 100 يوم من عهد ترمب

مع هذا، بعد أول 100 يوم من عهده الثاني، تولّت وايلز تقديم تقييم شامل لإنجازاته في مقابلة صحافية نادرة، واصفة إياها بأنها كانت «نجاحاً باهراً... ولكن لا يزال هناك المزيد مما يجب القيام به».

وفي حين أن معظم الرؤساء المعاصرين حدّدوا حاجز الـ100 يوم معياراً للنجاح المبكر، رأت وايلز أن المقياس الأفضل هو أداء الإدارة في الأشهر الستة المقبلة. واستشهدت بـ142 أمراً تنفيذياً وقّعها ترمب منذ أدائه اليمين، و«حملته الناجحة» على الهجرة غير الشرعية، و«عمله على تأمين الاستثمار الأجنبي» في الولايات المتحدة و«الصفقات التجارية» مع أكبر الشركاء الاقتصاديين لأميركا.

يزعم البعض أن وايلز، بصفتها «مفتاح» الوصول إلى ترمب وعقله وأجندته، هي التي لعبت دوراً كبيراً في إنجاح زيارته إلى المملكة العربية السعودية، بما فيها الترتيبات «الهادئة» و«الصامتة» التي أدت إلى «الاختراقات» الاقتصادية والسياسية التي شهدتها زيارته.

أيضاً، ناقشت وايلز في مقابلتها الصحافية في 29 أبريل (نيسان) الماضي الاقتصاد، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، وفي غزة، والميزانية، والضرائب والرسوم التجارية. وقالت: «أرى مسؤوليتي هي التأكد من حصوله على معلومات نزيهة وحقيقة كاملة. ومهما كان عدد الأشخاص اللازمين للوصول إلى ذلك، وأياً كانوا - طبعاً في حدود المعقول - فإننا نشجع ذلك بالفعل». وأردفت أن ترمب سيركز على جذب الاستثمارات المتبادلة للولايات المتحدة خلال زيارته الخليجية، متحدثة عن علاقات ترمب الراسخة مع قادة دولها، وقالت «العلاقات راسخة للغاية».

وعن الحرب الروسية في أوكرانيا، قالت وايلز إنه بينما يأمل ترمب في تسوية سريعة، قد لا يكون ذلك قابلاً للتحقيق. مُضيفةً: «لا أعرف إن كان ذلك سيحدث أم لا. أعني، قد نتمكن من إحراز بعض التقدم خلال الأسبوعين المقبلين، لكن لا أحد كان ليُحاول ذلك سوى دونالد ترمب. لا أحد كان ليُقنع هؤلاء الناس بالجلوس على طاولة المفاوضات سواه. وإذا أرادوا مواصلة قتل الناس، وهو أمرٌ مُشين، كما تعلمون، فهو لا يستطيع إيقافه».

وعن غزة، قالت إنها لم تُفاجأ إطلاقاً عندما أعلن ترمب أن الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة المُمزق بالحرب. وأضافت: «قال لي أحدهم إنني بدَوت مُتفاجئة. لكن لا، لقد كان يتحدث عن ذلك... لم أُفاجأ إطلاقاً، وهو يعتقد أنها يجب أن تكون منطقة حرية، منطقة سلام، ونحن الوحيدون القادرون على تحقيق ذلك. ولذا كان يعني ذلك، ولا يزال يعنيه».

«الدولة العميقة» الجديدة

وفيما أكدت على أن ترمب سيركز جهوده من الآن فصاعداً على حث الكونغرس على إقرار سلسلة واسعة من وعود حملته الانتخابية - بما في ذلك إنهاء الضرائب على الإكراميات والعمل الإضافي ومزايا الضمان الاجتماعي، والحفاظ على الوحدة بين الأغلبية الجمهورية الضئيلة في مجلسي النواب والشيوخ، توقعت أن يحتفظ ترمب بجميع وزراء حكومته خلال السنة الأولى من ولايته، الأمر الذي عدّه البعض إشارة إلى «الدولة العميقة» الجديدة التي يقوم ترمب ببنائها، وقد تكون وايلز على رأس الطاقم الذي سيقود جهوده، مستفيداً من دروس ولايته الأولى والتغييرات التي أجراها على بنية الحزب الجمهوري.

عندما انضمت وايلز إلى حملة ترمب للبيت الأبيض عام 2016 رئيسة مشاركة في حملته بولاية فلوريدا، واجهت تشككاً من بعض الجمهوريين. لكنها أوضحت لصحيفة «تامبا باي تايمز» آنذاك أنها شعرت أن أياً من الجمهوريين الآخرين المترشحين للبيت الأبيض لا يمثل التغيير الذي تحتاجه واشنطن. وقالت وايلز: «لا أريد أن يستمر هذا الوضع. أعتقد أنه سيضرّ جمهوريتنا بشكل خطير، ومَن مِن بين هذه المجموعة غير ترمب يملك الشجاعة لتغيير ما رأيته يحدث على مر السنين؟».

وفي أبريل 2021، وصفت بأنها «الزعيمة الجديدة في عالم ترمب»، وبأنها ستمارس سلطة على مدير حملة 2020 السابق بيل ستيبين ومساعده الرئيسي جاستن كلارك. وبعدما تولت رئاسة لجنة العمل السياسي «أنقذوا أميركا»، غطت الرسوم القانونية للعديد من موظفي ترمب الحاليين والسابقين المتورطين في إجراءات قانونية ضد الرئيس السابق.

أبعدت والتز وانتقدت ماسك

حتى الآن، لا تزال تركيبة إدارة ترمب صامدة، على الرغم من «الانتكاسة» التي تعرّض لها مستشاره للأمن القومي، مايك والتز، الذي يعتقد على نطاق واسع أن وايلز لعبت دوراً رئيساً في إقصائه من منصبه، وإن بقي في الإدارة. والسبب ليس فقط قضية تسريبات ما يعرف بـ«سيغنال غيت» عن الحملة الجوية ضد الحوثيين في اليمن، بل بسبب تصادم «أجندته» مع الرئيس ومحاولته عقد «ترتيبات» سياسية، في إشارة إلى اتصالاته برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول إيران، من دون أن تمر عبر وايلز ولا تحظى بموافقتها.

أيضاً ذكرت وسائل إعلام أميركية أن وايلز كانت على خلاف مع إيلون ماسك الذي يتولى الإشراف على دائرة الكفاءة الحكومية (دوج). وإنها، وفقاً لمصادر مقربة من البيت الأبيض، استاءت من إهمال استشارتها، عندما أرسل بريداً إلكترونياً إلى الموظفين الفيدراليين، طالباً منهم سرد خمسة أشياء أنجزوها في أسبوع واحد وإلا سيُطردون.

وعندما سُئلت عن علاقة الإدارة بالصحافة، قالت وايلز إنها لا تعتقد أن صحافيي البيت الأبيض يخشون مخالفة الرئيس أو احتمال إلغاء اعتمادهم. وأوضحت: «لم يُستبعد من القائمة سوى شخص واحد من أصل 400 صحافي معتمد. لذا، إذا كان هناك عامل خوف، فأرى أنه لا أساس له من الصحة». وتابعت: «أعتقد، على مستوى ما، بينما ثمة العديد من الآراء حول أجندة الرئيس وما نفعله وما استند إليه في حملته الانتخابية، وربما لا يتفق الجميع على ذلك، فإنني أعتقد أنهم يُقدّرون الشفافية والحضور، لا سيما بعد إدارة بايدن».

شخصية جمهورية ثابتة

حقاً، بدت شخصية وايلز لافتةً في دفاعها عن ترمب، بعدما قالت في مقابلة سابقة إنها «لا ترحب بالذين يريدون العمل منفردين أو أن يكونوا نجوماً... وأنا وفريقي لن نتسامح مع الغيبة، أو التكهنات غير اللائقة، أو الدراما»، ما جعل الجمهوريين أكثر تحمساً واطمئناناً لها من تجاربه السابقة مع الذين تولّوا منصبها.

أيضاً كانت وايلز شخصيةً ثابتةً على المسرح السياسي في فلوريدا لعقود قبل أن تُساعد كلاً من ترمب ورون دي سانتيس في الفوز بحملات انتخابية. ويُنسب إليها الفضل في إنقاذ حملة دي سانتيس عندما كان نائباً مغموراً في الكونغرس بطلب من ترمب، لمنصب الحاكم عام 2018. لكن انفصالها عنه لاحقاً، دفع دي سانتيس إلى إقناع فريق ترمب بطردها قبل حملته لعام 2020.

وايلز لم تدع «الإهانة» تمر مرور الكرام، واستغلت معرفتها الوثيقة بدي سانتيس لإضعاف حملته عندما ترشح ضد ترمب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري عام 2024. وبعدما وصفت تجربتها معه بأنها «أكبر غلطة سياسية» اقترفتها، نشرت تغريدة نادرة لها على «إكس» في اليوم الذي أنهى فيه حملته الرئاسية، شامتةً «مع السلامة!».

من جهة ثانية، قبل التحاقها بحملة ترمب، عملت وايلز لعقود في حملات محلية ووطنية، منها لمجموعات الضغط في القطاع الخاص، مع شركات كـ«جنرال موتورز» و«بالارد بارتنرز» و«ميركوري» العملاقة التي تضم قائمة عملائها «سبيس إكس»، و«إيه تي آند تي». وكشف تقرير لمنظمة «المواطن العام» التي أسسها الناشط رالف نادر، أن وايلز كانت تعمل كجماعة ضغط مسجلة لـ42 عميلاً مختلفاً بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 وأبريل 2024.

عملت مع كل الجمهوريين

بالإضافة إلى عمل وايلز مع النائب والمرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس جاك كيمب في نيويورك، كانت مسؤولة عن «جدوَلة» اجتماعات الرئيس السابق رونالد ريغان، وعملت في وزارة العمل في عهده. ومنذ ذلك الحين، عملت مع جمهوريين من مختلف التوجّهات الآيديولوجية. وشغلت منصب نائب مدير العمليات في حملة جورج بوش «الأب» عام 1988، وكانت رئيسة مشاركة للمجلس الاستشاري للسيناتور ميت رومني في فلوريدا إبّان حملته الرئاسية عام 2012.

وبعدما عينها ترمب رئيسة موظفي البيت الأبيض، وصفها حاكم فلوريدا السابق جيب بوش - الذي نافس ترمب على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة عام 2016 - بأنها «خيار رائع» لهذا المنصب.

يرى كثيرون أن القاسم المشترك في حملة ترمب عام 2016، ووصوله إلى البيت الأبيض، وحملته الخاسرة عام 2020، كان الفوضى التي اتسمت بالصراعات الداخلية المُفرطة، والطعن في الظهر، والتسريبات، والشخصيات المثيرة للجدل التي تصدرت عناوين الصحف لأسباب عدة.

ولكن عام 2021 مع وصول ترمب إلى الحضيض السياسي، بعد خسارته إعادة انتخابه، ودعم بعض الجمهوريين بعد اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني)، دخلت وايلز المشهد. وحقاً قلبت الأمور وأشرفت على عودته إلى البيت الأبيض.

كبحت جماح ترمب

مُحترفو الحملات الانتخابية من كلا الحزبين وصفوا حملة ترمب 2024 بـ«الاحترافية للغاية» على الرغم من ميوله إلى تبنّي الفوضى. لكن وايلز نجحت في كبح جماحه، مُتدخلة أحياناً لإعادته إلى مساره الصحيح، وتخفيف حدة خطابه حول خسارة انتخابات 2020، وحثّت مؤيديه على التصويت عبر البريد. ولقد وصفها كريس لاسيفيتا، الذي كان مديراً مشاركاً للحملة مع ويلز: «تتمتع وايلز بقدرة فائقة على إدارة عدة أمور مهمة في آنٍ واحد، ما يجعلها، من وجهة نظر إدارية، الخيار الأمثل». وأضاف: «التنظيم مهم جداً... فإذا لم ننتبه للأمور الصغيرة، ستغفل الأمور الكبيرة».


مقالات ذات صلة

السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟

حصاد الأسبوع 
لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)

السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟

أثار تطور الأوضاع السياسية في السودان مخاوف واسعة، أولاً من خطوة تحالف «تأسيس» المؤيد لـ«قوات الدعم السريع» بإعلان هيكله القيادي، وقرب تشكيله «حكومة» في مناطق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
حصاد الأسبوع جاء إلى السلطة معتمداً على إرث من محاربة الفقر والاستعمار والاستغلال ومعالجة المشاكل الاجتماعية والسياسية

يويري موسيفيني... طامح لولاية سابعة بعد أربعة عقود من الحكم

متعهداً بـ«تنمية اقتصاد بلاده»، أعلن رئيس أوغندا يويري موسيفيني، البالغ من العمر 81 سنة، اعتزامه الترشح لولاية رئاسية سابعة، مستكملاً مسيرة بلغت نحو أربعة عقود

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
حصاد الأسبوع عيدي آمين  آ ب

«لؤلؤة أفريقيا»... أوغندا أمام تحديات سياسية واقتصادية

في شرق القارة الأفريقية تقع أوغندا، التي تُعرَف بـ«لؤلؤة أفريقيا». وهي دولة غير ساحلية، لكنها تزخر بالغابات المطيرة والبحيرات والتنوع البيئي والحيوي. كذلك،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع لولا خلال قمة العشرين في ريو دي جانيرو (إيبا - ايفي)

«لولا» يضطر إلى التخلي عن حلم قيادة البرازيل نحو دور عالمي

عندما وقف لويس إينياسيو لولا دا سيلفا «لولا» أمام القاضي، وهو على أبواب الثمانين من عمره، يدافع عن براءته من التهم التي كانت موجهة إليه إبّان عهد الرئيس

حصاد الأسبوع آثار القصف الإسرائيلي على طهران (رويترز)

الصين وإيران وإسرائيل... لعبة التوازن في شرقٍ يتغير

تعود العلاقات بين الصين وإيران إلى آلاف السنين حين كانت «طريق الحرير» القديمة الرابط الحيوي بين حضارتين عظميين. في عمق التاريخ هذا، لم تكن تلك الطرق مجرد مسارات

وارف قميحة ( بيروت)

السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟


لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
TT

السودان... دولة بنظامين أم دولتان بلا نظام؟


لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)
لاجئون من الخرطوم وجدوا ملاذاً في كردفان (أ.ف.ب)

أثار تطور الأوضاع السياسية في السودان مخاوف واسعة، أولاً من خطوة تحالف «تأسيس» المؤيد لـ«قوات الدعم السريع» بإعلان هيكله القيادي، وقرب تشكيله «حكومة» في مناطق سيطرتها، وثانياً من تعثّر تشكيل الحكومة التي يرعاها الجيش - وتتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة - من تقطيع أوصال السودان وتجزئته. معارضون وموالون للطرفين أبدوا قلقهم العميق على وحدة البلاد، وحذّروا من احتمالات ولادة دولة داخل دولة، أو تجزئة البلاد إلى دولتين، كسابقة انفصال جنوب السودان، وولادة دولة جديدة في الإقليم السوداني. وأثار هؤلاء أسئلة عن تنازع «الشرعية» بين الحكومتين «غير الشرعيتين»، وتعميق حالة الانقسام السياسي والاجتماعي التي ولدتها الحرب في السودان. في نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، أعلن «تحالف السودان التأسيسي» - اختصاراً «تأسيس» - يوم الثلاثاء الماضي تشكيل هيئته القيادية برئاسة قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي»، ونائبه رئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال» عبد العزيز آدم الحلو، وهي خطوة وصفت بأنها تمهيد لاقتراب تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع».

تكوَّن تحالف «تأسيس» خلال فبراير (شباط) الماضي في العاصمة الكينية، نيروبي، من «قوات الدعم السريع»، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال»، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان - المجلس الانتقالي»، و«تجمّع قوى تحرير السودان»، وهي حركات مسلحة في دارفور وجنوب كردفان، إلى جانب قوى وأحزاب سياسية على رأسها «حزب الأمة القومي» برئاسة فضل الله برمة ناصر، و»الحزب الاتحادي الديمقراطي»، تيار محمد الحسن الميرغني.

«حكومة السلام والوحدة»

ووقَّع أعضاء هذا التحالف على إعلان سياسي ودستور انتقالي. وقالوا إنهم سيشكلون حكومة تحمل اسم «حكومة السلام والوحدة» وتنطلق من مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وتتجه للسيطرة على كل السودان. إلا أن تشكيل «الحكومة» تعثّر أو تأخر كثيراً، إذ بعد إعلان الهيئة القيادية للتحالف وتصريحات مسؤولين فيه، توقَّع مراقبون كثر أن يكون تشكيل تلك الحكومة وشيكاً.

في الجهة الأخرى، تعثّر أيضاً تشكيل الحكومة التي يرعاها الجيش. وبعدما أصدر عبد الفتاح البرهان، رئيس «مجلس السيادة» الانتقالي وقائد الجيش، مرسوماً عيّن بموجبه الموظف الأممي السابق كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء، واجهت درويش تعقيدات عدة أبرزها الخلافات على تسنم كراسي الوزارة، لا سيما مع حلفاء الجيش في «القوات المشتركة» الدارفورية التي تقاتل إلى جانبه «الدعم السريع».

والحال أن لدى كل من «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، و«حركة العدل والمساواة» السودانية بقيادة جبريل إبراهيم، إصراراً على الاحتفاظ بوزارتَي المالية والمعادن، بلغ حد تلميح بعض قياداتهما لفض الشراكة مع الجيش، بل وقد تصل الأمور حد «التحالف مع قوات الدعم السريع».

في هذه الأثناء، لا تعترف القوى المدنية الرافضة لاستمرار الحرب في تحالف «صمود» على الأقل، بشرعية أي من الحكومتين المزمعتين. إذ ترى أن الحكومة التي يرعاها الجيش «ثمرة انقلاب عسكري» ضد حكومة «الثورة» بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، كما لا ترى في حكومة التحالف الموعودة، سوى خطوة تهدد وحدة البلاد وسيادتها.

البرهان (آ ف ب

مناطق السيطرة

راهناً، يتوزَّع كل من الجيش و«قوات الدعم السريع» السيطرة على السودان. فالحكومة الموالية للجيش تسيطر على ولايات الوسط والشرق والشمال (سنار، ومعظم النيل الأزرق، ومعظم جنوب كردفان، والقضارف، وكَسَلا، والبحر الأحمر، ونهر النيل، والشمالية)، وتتقاسم مع «قوات الدعم السريع» السيطرة على شمال كردفان.

أما «قوات الدعم السريع» فتسيطر على ولايات دارفور الخمس (جنوب، وغرب، وشرق، ووسط، وشمال دارفور)، باستثناء الفاشر. وثمة جيوب تسيطر عليها «حركة تحرير السودان» بقيادة عبد الواحد النور. وأجزاء تسيطر عليها «القوات المشتركة»، وولاية غرب كردفان، باستثناء مدينة بابنوسة، وأجزاء واسعة من ولاية شمال كردفان، والأجزاء الشمالية من جنوب كردفان، وبعض المناطق في جنوبها تسيطر عليها «الحركة الشعبية».

دولة أم دولتان؟

مراراً، أكد قادة «قوات الدعم السريع» أن الهدف من خطوتها «سد الفراغ الإداري في مناطق سيطرتها»، وأن «الدعم السريع يعمل على توحيد البلاد وتحريرها» من سيطرة خصومه الإسلاميين، وفي الوقت ذاته لا يعترف بحكومة الجيش. لكن الخطوة (تشكيل حكومة) أثارت قلقاً كبيراً على المستويين المحلي والدولي، خشية إعادة تجربة انفصال جنوب السودان، كحد أعلى، أو على الأقل الانتقال إلى حكومتين في دولة واحدة.

بما يخصه، الجيش بحكم تحالفه مع «القوات المشتركة»، وهي حركات دارفورية مسلحة، لا يمكنه الكلام عن فصل دارفور والأقاليم الغربية، لكن بعض حلفائه الإسلاميين، لا يخفون رغبتهم في التخلص من الغرب أسوة بما فعلوه مع جنوب السودان. وفي الوقت نفسه يغض الجيش الطرف عن تحرك مجموعات محسوبة على شمال ووسط البلاد، تدعو علانية لفكرة فصل غرب السودان عن وسطه وشماله، تحت ذرائع التمايز التاريخي والثقافي، وهي كالذرائع التي أدت لانفصال جنوب السودان.

وحقاً، حذّر المبعوث الأميركي السابق إلى السودان، توم بيريلليو، من دعوات التقسيم التي بدأ صوتها يرتفع، وما قد تؤدي إليه من كوارث، فقال: «تقسيم السودان قد يزّج العالم في عقود من الحرب». وحذَّر من إنشاء حكومات موازية تؤدي إلى ازدياد الاستقطاب، وتعجِّل في تشظي البلاد إلى دويلات متناحرة.

دور الإسلاميين

بدأ المحلل السياسي محمد لطيف حواراً مع «الشرق الأوسط» بسؤال: «لماذا الحرب»؟ وأردف: «بصفتي مراقباً أقول إن الدلائل كلها تؤكد أن الحرب اندلعت من أجل استعادة الإسلاميين السلطة... وخطوة تحالف (تأسيس) وإن زعم العكس، لن تتعدى كونها أداة ضغط على الجيش وحلفائه للعودة إلى منصة التفاوض».

لطيف استبعد أن يسفر الضغط عن إعادة الجيش إلى مائدة التفاوض، مضيفاً: «من التجربة التاريخية، فإن التيار المسيطر على المشهد ليس حريصاً على وحدة البلاد، وليس منزعجاً من تشظيها». وتابع: «سمعنا أصواتاً كثيرة جداً تتكلم عن ضرورة ذهاب دارفور، لأن قوات الدعم السريع بحسب تصورهم تمثل دارفور. ولذا لا تشكل خطوة الدعم السريع ضغطاً على خصومه، بل سترضي بعض غلاتهم».

وما إن كانت الجهود التي أعلنتها إدارة الرئيس ترمب وحلفاؤه أخيراً قادرة على دفع الطرفين إلى مائدة الحوار، قال لطيف: «هذا يتوقف على قدرتهم على التأثير على قيادة الجيش تحديداً».

مؤتمر في واشنطن

من جهة أخرى، وفي تطور جديد، أعلن مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، تنظيم مؤتمر على المستوى الوزاري في واشنطن قريباً؛ لبحث الأزمة في السودان، يشارك فيه وزراء خارجية كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر، بالإضافة إلى وزير الخارجية الأميركي.

وأكد بولس وفق صحيفة «سودان تربيون»، أن هدف المؤتمر إحياء المبادرة الرباعية التي تسعى لإيجاد حل سلمي للنزاع الدائر في السودان.

هنا، أوضح لطيف أن العالم ينتظر من قيادة الجيش أن تنفصل عن التيارات الرئيسة الداعمة لها، وعلى رأسها تيار «الإسلاميين» الذين يقفون حجر عثرة أمام أي تفاوض لوقف الحرب. وأضاف: «إذا نجح أي طرف في إبعادهم، فيمكن تحقيق الهدف النهائي، والعودة لطاولة التفاوض».

وحول تصريحات قائد «الدعم السريع» الأخيرة عن الرفض للعودة إلى التفاوض، قال لطيف إنها «شكل من أشكال المناورة... لكن الإشكال الأكبر أن المعركة أصبحت بين (الدعم السريع) والحركة الإسلامية، فإذا نجح العالم في فصل أو تحجيم العلاقة بين الجيش بصفته قوة رسمية، وحلفائه السياسيين، فيمكن العودة لمنصة التفاوض».

تحذير... وتشديد على وحدة السودان

من جهته، حذّر محمد الفكي محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة السابق الذي أطيح به بانقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، من تشكيل حكومة في بورتسودان، وقال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً: «من باب المسؤولية الوطنية، يجب وقف تشكيل الحكومة، وبدء عملية سياسية تحفظ وحدة السودان». ثم حذَّر سليمان من احتمالات مواجهة بين أطراف تحالف «بورتسودان»، وناشد قائد الجيش البرهان إيقاف تشكيل الحكومة؛ لأن «تشكيل حكومة في ظل الانقسام الحالي ينذر بتفتيت البلاد».

وفق الفكي لا علاقة للصراع الدائر في بورتسودان بما تسمى «حرب الكرامة»، لأن الأخيرة «حرب سافرة على السلطة... والدليل على ذلك أن نسبة 25 في المائة من كراسي الوزارة الجاري التنافس عليها محصورة بوزارات بعينها». ثم أوضح أن الهدف من تشكيل حكومة في بورتسودان، وتكليف كامل إدريس رئيساً لها، لم يتحقق، و«الحكومة التي يتجه لتشكيلها ستكون مصيبة» وقد تؤدي إلى فض التحالف، وتابع: «الوضع أكثر تعقيداً. قد نجد أنفسنا في دولتين، إذا استمر الانقسام، ولن ينتهي في حدوده، وسينتهي بتفكك البلاد».

صراع السلطة بين الجنرالين يفاقم الأزمة الإنسانية وقد يؤدي إلى كوارث

«الإسلاميون» ضد وقف الحرب

في هذه الأثناء، خلال لقاء تلفزيوني، شنّ أمين حسن عمر، القيادي الإسلامي المتشدد والوزير السابق في حكومة الرئيس المعزول عمر البشير، هجوماً عنيفاً على دعاة وقف الحرب. وقال إنهم «ليس شركاء في الوطن بل شركاء للدعم السريع (الجنجويد بحسب عبارته)»، وبعدما وصفهم بـ«أعداء الوطن»، دعا إلى محاكمتهم بوصفهم «شركاء في الحرب وفي تأجيجها». وأضاف: «هم مجموعة الأفراد الذين يكوّنون ما يُعرف بـ(تقدم)، والآن هم في (صمود)... إنهم يمثلون هذا العنوان والظهير الذي استندوا إليه».

عمر شكك أيضاً في إعطاء رئيس الوزراء صلاحيات كاملة، ووصفه بأنه «أمر متوهم... هذه ظروف استثنائية، لن تعالج بالتمسك بالحقوق بل التسويات، لا سيما أنه رئيس وزراء معين». وأردف: «صانع المُلك هو مجلس السيادة، الذي يملك سلطة التعيين، لو لم يتدخل سيكون له نفوذ، وسيظل رئيس الوزراء مقيداً».

"حميدتي" (آف ب - غيتي)

لسنا دعاة انفصال

أما علاء الدين عوض نقد، الناطق الرسمي باسم الهيئة القيادية لتحالف «تأسيس»، فقال إن «أياماً فقط» تفصل بينهم وتشكيل الحكومة في مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وإن تأخير إعلانها يعود إلى دواعٍ أمنية وتنسيق سياسي، إلى جانب جهود يبذلونها مع أطراف إقليمية ودولية.

وحول مكان إقامة الحكومة، أوضح نقد أن أجهزتها ستكون موزّعة الرقعة الجغرافية في المناطق التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» وحلفائها، و«يمكن أن تكون في كاودا - تحت سيطرة الحركة الشعبية بجنوب كردفان، أو نيالا».

أيضاً، نفى نقد بشدة سعي تحالفه «تأسيس» للانفصال عن السودان، قائلاً: «السودان دولة واحدة، ونحن ننشئ حكومة سلام، ليس من غاياتها تقسيم البلاد، بل مناهضة تقسيم السودان، الذي يقوم به الطرف الآخر وحكومة الإسلاميين».

وأوضح نقد أن «حكومته» المُزمعة ستتضمن جهازاً تنفيذياً وبرلماناً وجهازاً قضائياً. وتابع: «نحن مستمرون في تحرير السودان من الإسلاميين المسيطرين، ولن نعمل على تقسيم السودان. مَن يسعى لفصل السودان هو جيش الإسلاميين. نحن لن ننشئ حكومتنا في دارفور، ونترك بقية السودان للجماعات الإسلامية الإرهابية».

وعلّق نقد على الجاري تداوله بأن هدف حكومة «تأسيس» الضغط على الجيش لإجباره على الجلوس على مائدة التفاوض، فقال: «محمد حمدان دقلو، قال لن يعودوا إلى منبر جدة، فكيف سنضغطهم للجلوس على طاولة المفاوضات؟ كل المفاوضات السابقة ذهب إليها (الدعم السريع) وخربها الجيش السوداني، لذلك لا يمكن بعد أكثر من سنتين وخراب للتفاوض، أن نعمل على التفاوض معهم».

وأضاف: «لن نذهب إلى أي تفاوض. نحن نتقدم عسكرياً لنحرر السودان من المؤتمر الوطني الذي يرعى المطلوبين للعدالة الجنائية». واستطرد: «كنا ننادي بالفصل بين الإسلاميين والجيش في بداية الحرب. لكن باستمرارها، اتضح للناس أن الجيش هو جيش الإسلاميين. نحن سنعمل على تكوين جيش جديد من (الدعم السريع)، والحركات المسلحة والجيش الشعبي لتحرير السودان، وما تبقى من الجيش السوداني».