بداية متعثرة لحكومة بايرو... ومطالبات باستقالة ماكرون

رئيس الوزراء الفرنسي يراهن على اليمين المتطرف لإنقاذه من السقوط

حكومة بايرو (رويترز)
حكومة بايرو (رويترز)
TT

بداية متعثرة لحكومة بايرو... ومطالبات باستقالة ماكرون

حكومة بايرو (رويترز)
حكومة بايرو (رويترز)

دخلت فرنسا منذ قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حلّ الجمعية الوطنية (البرلمان) يوم 9 يونيو (حزيران) 2024 في أزمة سياسية غير مسبوقة، حيث أفضى غياب الغالبية البرلمانية وهشاشة التحالفات إلى سقوط حكومة ميشال بارنييه بعد اقتراع لحجب الثقة بعد 3 أشهر فقط من تشكيلها. على أن الوضع لا يبدو أحسن حالاً بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة فرنسوا بايرو، فعلى الرغم من تقديم الإعلام الفرنسي لشخصية رئيس الوزراء على أنه «رجل المصالحة» و«الوحيد القادر على تحقيق الوفاق الوطني والسياسي المحنّك الذي يتكلّم إلى جميع الفصائل السياسية»، فإن خطواته الأولى بدت متعثرة. وبعد سلسلة مشاورات مع المعارضة، فشل بايرو في توسيع القاعدة السياسية التي يستطيع الارتكاز عليها لدعم أداء حكومته، وبالأخص في اتجاه اليسار، كذلك أثار موجة كبيرة من الانتقادات بسبب هفوات سياسية ارتكبها منذ اللحظات الأولى لتعيينه، ففي أول مساءلة له أمام البرلمان واجه رئيس الحكومة الجديد غضب نواب المعارضة الذين هاجموه بشّدة بسبب قراره الالتحاق جواً باجتماع المجلس البلدي لمدينة بو - التي يشغل فيها منصب العمدة - بدل الانضمام إلى خلية الأزمة لمتابعة تطور الأوضاع في جزيرة مايوت بعد الإعصار المدمر الذي ضرب الجزيرة الواقعة بجنوب غربي المحيط الهندي.

على الرغم من وعود الانفتاح التي لوّح بها رئيس الوزراء الفرنسي الجديد فرنسوا بايرو، حين أعلن أنه سيعمل على تشكيل فريق حكومي متماسك ومنفتح - قدر الإمكان - يتكوّن من شخصيات قادرة على تجنُّب الرقابة، فإن واقع الحسابات السياسية جعل رئيس الوزراء يتجنّب المفاجآت، ويشكل حكومة يمينية من شخصيات سياسية معروفة لدى الفرنسيين... واضعاً نصب عينيه نهجاً واحداً هو إرضاء اليمين المتطرّف لتفادي السقوط.

لقد أعاد بايرو تعيين ما يقرب من 19 وزيراً ووزير منتدب من الحكومة السابقة من أصل 35، بينهم وزير الداخلية برونو ريتايو المعروف بمواقفه اليمينية الصارمة. وهو صاحب مشروع قانون جديد للهجرة يهدف إلى تقليص عدد المهاجرين، وتنفيذ أوامر مغادرة الأراضي الفرنسية، وقطع المساعدات الطبية على المهاجرين غير الشرعيين.

كذلك أبقى بايرو على وزير الخارجية جان نويل بارو في حقيبة الخارجية، وسباستيان لوكورنو في وزارة الجيوش (الدفاع)، ورشيدة داتي في الثقافة. وهذا، إضافة لأنياس بانيه روناشيه وزيرة التحول البيئي والصيد البحري، التي كانت قد شغلت مهام وزارية سابقة في حكومة إليزابيث بورن، ثم إن الحكومة ضمت أيضاً اليمينية كاترين فوتران على رأس حقيبة العمل والشؤون الاجتماعية... وكانت التحقت بفريق ماكرون في 2022.

ومن جهة ثانية، أعاد رئيس الوزراء الجديد إلى الواجهة أسماءً معروفة من المقرّبين للرئيس ماكرون، كوزير الداخلية السابق جيرالد دارمانان الذي كُلِّف بحقيبة العدالة، وهو شخصية جدلية بسبب تعرّضه لملاحقات قضائية بتهم التحرش والاغتصاب، ومواقفه المعادية للمهاجرين.

وأيضاً أعاد رئيسة الوزراء السابقة إليزابيث بورن، التي أوكل إليها حقيبة التربية والتعليم العالي. وبورن شخصية سياسية لاقت معارضة واسعة بعدما لجأت إلى إقرار قوانينها من خلال المادة 49.3 من الدستور، وبالأخص قانون المعاشات الذي يعارضه الغالبية الساحقة من الفرنسيين، كما أنها فور تسلُّمها المهام الوزارية أثارت بورن الاستياء من جديد حين أقّرت بأنها قبلت المنصب، لكنها ليست خبيرة في قطاع التربية.

وأخيراً، لمنصب وزير أقاليم ما وراء البحار، عّين بايرو رئيس الوزراء الأسبق إيمانويل فالس، الذي كان ترأس الحكومة في عهد الرئيس السابق الاشتراكي فرنسوا هولاند عام 2016، إلا أنه ترك عائلته السياسية، والتحق بحزب ماكرون عام 2017 أملاً في منصب وزاري.

استقبال بارد للحكومة الجديدة

الواقع أن المعارضة السياسية ووسائل الإعلام استقبلت تركيبة الحكومة الجديدة بكثير من الانتقاد وردود الأفعال السلبية؛ إذ وصفها موقع «ميديا بارت» المستّقل بـ«حكومة الموتى الأحياء (الزومبي)»، مضيفًا أن رئيس الوزراء الجديد «عاد إلينا بعد 10 أيام من تعيينه بحكومة مكوَّنة من شخصيات ماضيها غير مشرق» سبق أن تقلّدت مسؤوليات سياسية من دون أن تترك أثراً إيجابياً. ولفت المنتقدون إلى أن بايرو احتفظ بنصف أعضاء حكومة ميشال بارنييه رغم تعرُّضها لحجب الثقة، أما النصف الآخر فهو مكوَّن من شخصيات سياسية قديمة عادت إلى الواجهة بإيعاز ومباركة من اليمين المتطرف أمثال بروتو ريتايو. وتحت عنوان «حكومة بايرو: التكرار والبُعد عن وعود الانفتاح»، علّقت صحيفة «لوموند» على تركيبة الحكومة الجديدة بالقول: «لقد اختار رئيس الوزراء فرنسوا بايرو اللّجوء إلى شخصيات سياسية من الغالبية السابقة، وهي القاعدة المحدودة نفسها التي اعتمدها سابقاً ميشال بارنييه، وهذا لن يحمي الحكومة من السقوط». ومن جانبها، رأت صحيفة «لو فيغارو» أن حكومة بايرو «تعبّر عن فشل المصالحة الوطنية، فأداء بايرو لن يكون أحسن من أداء بارنييه؛ لأنه اكتفى بإتلاف الوسط واليمين، مستعيناً بشخصيات سياسية من الماضي».

المعارضة السياسية ووسائل

الإعلام استقبلت تركيبة الحكومة

الجديدة بالكثير من الانتقاد

حجب الثقة وارد

في هذا الإطار، يبدو أن رئيس الحكومة الجديد كان متفائلاً أكثر مما ينبغي حين أعلن عشية تسلُّم مهامه في قصر ماتينيون (قصر الحكومة) يوم 23 ديسمبر (كانون الأول) أنه «على يقين» بأن حكومته لن تتعرض لاقتراع حجب الثقة؛ لأن ما يلاحظه مراقبو الشأن الفرنسي يشير إلى العكس، ولا أحد أصبح يسأل هل سيكون حجباً للثقة، بل متى سيكون؟

وأول من عاد للتلويح بهذا السلاح هو الحزب الاشتراكي الذي كان قد وجّه إشارات إيجابية إلى رئيس الوزراء بإمكانية «منح الثقة» مقابل تقديم بعض التنازلات فيما يخص ملف المعاشات، لكن المباحثات لم تسفر عن شيء بعدما رفض بايرو مطالب الاشتراكيين، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين عيَّن في حكومته الجديدة غالبية من الشخصيات ذات التوجه اليميني. وعلى الرغم من وجود أسماء محسوبة «تاريخياً» على اليسار فهي حقاً لا تمثله في شيء، بما أنها شخصيات منشّقة كإيمانويل فالس، الذي تخلى عن الحزب الاشتراكي للالتحاق بالتيار الماكروني، أو فرنسوا رابسين الذي ترك الحزب منذ سنوات.

أوليفييه فور، الناطق الرسمي باسم الحزب الاشتراكي، أعرب عن استيائه، وهدّد بإسقاط الحكومة معلقاً «السيد بايرو لم يحترم ولا شرطاً من شروط اتفاقية عدم الحجب إنها حكومة من اليمين، بل من اليمين المتّشدد... وبعد اليوم لا يوجد لدينا سبب يمنعنا من إسقاطها». أما رئيس كتلة النواب الاشتراكيين، بوريس فالو، فكتب على منصة «إكس» ما يلي: «إنها ليست حكومة... إنها تحريض...». وكان لحزب الخضر الموقف نفسه، حين أعلنت زعيمته مارين توندولييه: «المفروض حين تتعرض حكومة للفشل، فإن العقل يملي علينا ألا نعيد الكرّة، لكن السيد بايرو أخذ الشخصيات نفسها، وأعاد تدويرها، ولهذا فهو يقترب يوماً بعد يوم من حجب الثقة».

في قبضة أنياب اليمين المتطرف

من جانب آخر، إذا كان فرنسوا بايرو قد اتخذ منعطف اليمين غير آبهٍ بتهديدات ائتلاف اليسار من الاشتراكين والخضر و«فرنسا الأبية»، فلأنه يُعمل على مساندة حزب اليمين المتطرف «التجمع الوطني» لإنقاذه من السقوط المرتقب؛ ذلك أنه أضافة إلى المؤشرات الإيجابية التي وُجهت له عبر إعلان رئيس «التجمع» جوردان بارديلا أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، تَبَيَّنَ أن تعيين أعضاء الحكومة الجديدة جرى باستشارة وموافقة من اليمين المتطرف.

ففي بيان نشره على «إكس» كشف كزافييه برتران، أحد كوادر حزب اليمين الجمهوري ووزير العمل السابق في حكومة نيكولا ساركوزي، أن بايرو عرض عليه منصب وزير للعدالة قبل أن يتراجع عن قراره بسبب معارضة مارين لوبان التي بينها وبين برتران خصومة قديمة. برتران أيضاً كشف عما دار بينه وبين رئيس الوزراء، مضيفاً أنه عرض عليه منصباً آخر هو وزير الزراعة، لكنه رفض لأنه لا يتشرف بالمشاركة في حكومة تعمل تحت سيطرة اليمين المتطرف. وبالتالي، إذا كانت هذه الحادثة تكشف عن مدى سيطرة اليمين المتطرف على توجهات الحكومة، فان البعض يتكلّم الآن عن «الفخ» الذي أوقع فيه بايرو نفسه؛ لأن الحسابات السياسية غير مضمونة العواقب، والسبب أن مارين لوبان شاركت مع ائتلاف اليسار في اقتراع حجب الثقة عن الحكومة السابقة رغم الضمانات التي قدمتها لبارنييه، وقد تعيد الكرّة مع بايرو. والدليل تصريحاتها الأخيرة على «إكس» بمناسبة احتفالات نهاية السنة، حيث توقعت أن يختار الشعب الفرنسي «في غضون أشهر قليلة طريقاً جديداً هو طريق الطفرة والانتعاش».

هذا الكلام فُسِّر على أنه توقع من زعيمة اليمين المتطرف سقوط الحكومة الجديدة، وإمكانية مشاركتها في السباق الرئاسي الذي تحلُم به منذ سنوات. وفعلاً، هذا ما صرّحت به لصحيفة «لو باريزيان» في حوار نُشر أخيراً قالت فيه إنها تستعد «لانتخابات رئاسية مبكرة، كإجراء احترازي، نظراً لهشاشة إيمانويل ماكرون». وعلى هذا رد المحلّل السياسي لويس دو غاكنال في مداخلة لقناة «سي نيوز» الإخبارية شارحاً أنه «من مصلحة لوبان إضعاف المؤسسات، لأن ذلك قد يعني استقالة الرئيس (ماكرون) وتنظيم انتخابات مبكرة مع إمكانية ترشحها الآن قبل أن تمنعها الأجندة القضائية. وفي حالة الفوز، فإنها ستتخلص من الملاحقات القضائية ومن تهم الاختلاس».


مقالات ذات صلة

أعنف ضربات إسرائيلية وغربية ضد الحوثيين

المشرق العربي دخان أسود يتصاعد بعد ضربات جوية على صنعاء يوم الجمعة (أ.ب)

أعنف ضربات إسرائيلية وغربية ضد الحوثيين

تلقت الجماعة الحوثية، أمس، موجة هي الأعنف من الضربات الجوية الإسرائيلية والغربية المنسقة، مستهدفة محطة كهرباء ومواقع عسكرية في صنعاء وعمران وميناءين في الحديدة،

علي ربيع (عدن)
المشرق العربي رئيس الجمهورية جوزيف عون أثناء اجتماعه مع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في بيروت أمس (أ.ف.ب)

انطلاقة سريعة للعهد اللبناني الجديد

انطلق عهد الرئيس اللبناني جوزيف عون سريعاً، صباح أمس، حيث باشر مهامه بإعلان موعد قريب للاستشارات النيابية التي يختار من خلالها النواب اسم الرئيس المُكلف بتشكيل

«الشرق الأوسط» ( بيروت)
المشرق العربي قوات أمن سورية في ساحة الأمويين بدمشق يوم 8 يناير الحالي (أ.ف.ب)

دمشق... انتقادات لـ«ممارسات ثأرية»

تثير ممارسات ثأرية تستهدف أشخاصاً متهمين بالعمل لمصلحة النظام السوري السابق، انتقادات من جانب حقوقيين يطالبون بوضع حد للانتقامات الفردية.

سعاد جروس (دمشق) كفاح زبون ( رام الله)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ومحاميه خلال حضور المحاكمة عن بُعد من فلوريدا (أ.ب)

ترمب «مدان» في قضية «أموال الصمت» دون عقوبة

تجرّع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الجمعة، الكأس المرة التي حاول تجنّبها طويلاً، إذ نطق القاضي في نيويورك خوان ميرشان، بحكم يُكرّسه أول رئيس يدخل البيت

علي بردى (واشنطن)
أميركا اللاتينية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يصل إلى مقر الجمعية الوطنية لحضور حفل تنصيبه (أ.ف.ب)

تنصيب مادورو... ومكافأة أميركية أكبر مقابل معلومات لمحاكمته

وسط تنديدات دولية، أدى نيكولاس مادورو، أمس، اليمين الدستورية رئيساً لفنزويلا لولاية ثالثة.

«الشرق الأوسط» ( كراكاس - لندن)

جون ماهاما... «العائد» إلى الحكم في غانا يراوغ التحديات

خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً
خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً
TT

جون ماهاما... «العائد» إلى الحكم في غانا يراوغ التحديات

خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً
خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً

في أسرة سياسية بغرب أفريقيا، تفتحت عيناه للمرة الأولى، وخبر السياسة منذ نعومة أظافره، وتعلّمها إبّان دراسته وعمله أستاذاً للتاريخ، لكن مسيرته تعرّضت لهزة في منتصف عمره، حينما سلك المنفى طريقاً للنجاة. إنه جون ماهاما، الذي لم يجد في المنفى عنوانه، فعاد إلى بلده غانا بعد سنوات من التعليم، وصعد إلى السلطة خلال 28 سنة، من برلماني لوزير، فنائب رئيس ثم رئيس، وبعد مغادرته المنصب، عاد تحت ضغوط اقتصادية رئيساً لفترة ثانية. ماهاما رئيس حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» (يسار الوسط) المعارض، فاز بانتخابات الرئاسة في 7 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، على مرشح الحزب الحاكم محمودو باووميا، ليعود إلى قصر الحكم في ولاية ثانية على رأس البلد الأفريقي الغني بالذهب والكاكاو، والذي كان تحت قيادة كوامي نكروما «رائد» الحركة الاستقلالية في «أفريقيا السمراء» عن الاستعمار الأوروبي.

وُلد جون دراماني ماهاما يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1958 في بلدة دامونغو بمنطقة بولي في النصف الشمالي من غانا، آنذاك، وهو ينتمي إلى شعب الغونجا. أما والده، إيمانويل أداما ماهاما، فكان مزارعاً ميسوراً وعضواً في البرلمان عن دائرة غرب غونجا، وشخصية مقربة من الزعيم التاريخي الاستقلالي كوامي نكروما.

جون أمضى السنوات الأولى من حياته مع والدته، أبيبا نابا، في دامونغو، قبل أن ينتقل إلى العاصمة أكرا؛ ليعيش مع والده، الذي غرس فيه شغفاً قوياً بالتعليم. وفي أكرا تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة أشيموتا الأساسية، وانتقل لاحقاً إلى مدرسة غانا الثانوية في مدينة تامالي بشمال البلاد. ثم حصل من جامعة غانا، كبرى جامعات البلاد، على درجة بكالوريوس الآداب في التاريخ عام 1981، وبعد ذلك درّس التاريخ في مدرسة غانا الثانوية. إلا أن الوضعَين السياسي والاقتصادي في غانا أجبراه على الفرار إلى نيجيريا، حيث عاد إلى والده الذي كان يعيش في المنفى.

لاحقاً، عام 1983 عاد جون إلى غانا؛ حيث التحق ببرنامج الدراسات العليا في قسم دراسات الاتصال بجامعة غانا، وتخرج عام 1986، ثم توجه إلى الاتحاد السوفياتي السابق، حيث أكمل دراساته العليا في علم النفس الاجتماعي بمعهد العلوم الاجتماعية المرموق في موسكو عام 1988. وبعد التخرج عاد إلى الوطن، حيث دخل معترك السياسة عام 1996، وانضم إلى حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» (NDC) - حزب اليسار الرئيس في البلاد - ولاحقاً انتُخب لعضوية البرلمان الغاني نائباً عن دائرة بولي - بامبوي لمدة 4 سنوات، وأُعيد انتخابه في انتخابات عامَي 2000 و2004.

الطريق نحو الحكم

خلال هذه الفترة البرلمانية، تولّى جون ماهاما منصب نائب وزير الاتصالات في عام 1997، وشغل منصب وزير الاتصالات بين عامي 1998 و2001. وخلال مرحلة تولّيه وزارة الاتصالات، لعب ماهاما دوراً رئيساً في استقرار وتطوير قطاع الاتصالات في غانا. وصار ناطقاً باسم المعارضة البرلمانية من عام 2001 حتى 2005 قبل أن يترشح نائباً للمرشح الرئاسي جون إيفانز أتا ميلز عام 2008، ويصبح نائباً للرئيس بالفعل في عام 2009.

بعدها، في يوليو (تموز) 2012، خلف ماهاما الرئيسَ أتا ميلز، الذي توفي قبل انتخابه في ديسمبر 2012 رئيساً لولاية ثانية، وبذا دخل التاريخ بصفته أول رئيس يولد بعد إعلان استقلال غانا في 6 مارس (آذار) 1957.

إنجازات

خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة، كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً. ووفق سيرته الذاتية، عام 2012، كان رصيد غانا في «مؤشر الديمقراطية» 6.02، محتلةً المرتبة الـ78 في العالم. ولكن عام 2016 عندما ترك منصبه كان رصيد غانا 6.75، ما وضعها في المرتبة الـ54 على مستوى العالم، ما صنّفها خامس أكثر الدول ديمقراطيةً في أفريقيا.

أيضاً، كان ترتيب غانا بالنسبة للمساواة بين الرجال والنساء في المرتبة الـ71 على مستوى العالم عام 2012، إلا أنها تقدمت تحت رئاسته إلى المرتبة الـ59 عام 2016. وفي السياق ذاته، إبان رئاسة ماهاما، وصل ترتيب غانا على صعيد حرية الصحافة إلى المرتبة الـ26 عام 2016، بعدما سجل ترتيبها في 2021 المرتبة الـ41، وانخفضت معدلات البطالة من 3.6 في المائة عام 2012 إلى 2.3 في المائة عام 2016. وكذلك انخفض مؤشر التفاوت بين البشر من 31.9 في المائة عام 2012 إلى 28.8 في المائة عام 2016، كما انخفض التفاوت في التعليم من 40.9 في المائة عام 2012 إلى 34.9 في المائة عام 2016.

وحقاً، تؤكد السيرة الذاتية لجون ماهاما أن رئاسته الأولى بين من عام 2012 وعام 2016، حملت لغانا «تحوّلاً حقيقياً». إلا أنه مع ذلك خسر الانتخابات الرئاسية أمام منافسه اليميني نانا أكوفو أدو، الذي استمر في الحكم ولايتين متتاليتين، مدة كلٍ منهما 4 سنوات.

ولكن، بما أن الدستور الغاني يمنع منح الرئيس أكثر من ولايتين، قرّر الرئيس المنتهية ولايته مضطراً التنحّي جانباً وترشيح ودعم نائبه محمودو باووميا، لخوض السباق مع 11 مرشحاً آخر. غير أن ماهاما استطاع هذه المرة - من باب زعامته للمعارضة على مدار سنوات - استغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، ومنها ارتفاع الأسعار والتضخم والبطالة، ليهزم مرشح الحزب الحاكم وينتصر... بعد محاولتين سابقتين باءتا بالفشل.

وهكذا، يوم 9 ديسمبر الماضي، أعلنت مفوضية الانتخابات في غانا، فوز جون ماهاما في الانتخابات الرئاسية، إذ حصل على 56 في المائة من الأصوات، مقارنة بمرشح الحزب الحاكم ونائب الرئيس محمودو باووميا، الذي حصل على 41 في المائة. وأظهرت النتائج أن نسبة المشارَكة في الانتخابات بلغت 60.9 في المائة، انخفاضاً من 79 في المائة في انتخابات 2020.

دور الاضطراب الاقتصادي

لقد أنهت العودة الساحقة لجون ماهاما 8 سنوات في السلطة للحزب الوطني الجديد تمثلت بعهد الرئيس السابق نانا أكوفو أدو، الذي اتسمت ولايته الأخيرة بأسوأ اضطراب اقتصادي عرفته غانا منذ سنوات، وبخطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي وسط تخلفها عن سداد ديونها. وبالفعل، أقرَّ باووميا بالهزيمة في الانتخابات - الرئاسية والتشريعية - وأعلن خلال مؤتمر صحافي، قبل الإعلان الرسمي للنتيجة، أن شعب غانا صوَّت من أجل التغيير، وهو يحترم قراره.

تعهدات غانية

هنا تجدر الإشارة إلى أن الرئيس ماهاما كان قد تعهد في أثناء حملته الانتخابية، «بإعادة ضبط» أوضاع البلاد على مختلف الأصعدة. وقال في خطاب له إن النتائج تحمل «لحظة أمل ووحدة»، لافتاً إلى أن الانتقال من إدارة إلى أخرى يخلق انطباعاً بوجود فراغ في السلطة. ثم ذكر أنه تلقى تقارير عن وقوع هجمات على مكاتب ومنشآت حكومية. وأردف: «مع أنه ليس من الواضح مَن يقف وراء هذه الهجمات، فإنني أدينها بكل وضوح. ولا بد أن تتوقف هذه الأعمال على الفور». وتابع: «بما أن السلطة في الدولة لا تزال في أيدي الإدارة الحالية، فإنني أدعو الرئيس الحالي والأجهزة الأمنية إلى التحرك بشكل حاسم للحد من أعمال الفوضى المستمرة».

ومن ثم، كشف الرئيس المنتخب، في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس»، عن أنه زار الرئيس السابق بناءً على دعوته لبدء عملية الانتقال للسلطة.

تحديات جمة

أخيراً، مع عودة جون ماهاما للرئاسة، تُسلط الأضواء على تحديات ولايته التي كانت تحاط بأزمات أبرزها في قطاع الكهرباء والانقطاعات المتكررة للتيار حينذاك. وفعلاً يتوقع كثيرون أن تنتظره معارك سياسية مع تمسكه بتشريع يحمل قيوداً بشأن التنقيب الأهلي عن الذهب بطريقة غير قانونية، والتوقّف الفوري عن منح أي تراخيص جديدة للمنقّبين، في بلد يصنف أكبر منتج للذهب في أفريقيا، ما يثير مخاوف إثر اعتماد قطاعات واسعة من السكان على ذلك النشاط.واقتصادياً، وعد «بإعادة ضبط» غانا، وإطلاق انتعاش اقتصادي، وإعادة التفاوض على أجزاء من اتفاق صندوق النقد الدولي الذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار. وللعلم، ضم خطاب الفوز، وعداً من ماهاما بإجراء تعديلات وإجراءات «صارمة» لإعادة غانا إلى المسار الصحيح.