تايي أتسكي سيلاسي... دبلوماسي مخضرم عضد موقف إثيوبيا دولياً في أزمة التيغراي

إضاءة على شخصية رئيس الجمهورية الجديد

 تايي أتسكي سيلاسي
تايي أتسكي سيلاسي
TT

تايي أتسكي سيلاسي... دبلوماسي مخضرم عضد موقف إثيوبيا دولياً في أزمة التيغراي

 تايي أتسكي سيلاسي
تايي أتسكي سيلاسي

منصب رئيس الجمهورية في إثيوبيا شرفي، لا يتمتع شاغله بأي صلاحيات تنفيذية، وفقاً للدستور، الذي يعدّه رمزاً لوحدة الدولة وسيادتها. لكن مع ذلك، يرى مراقبون ومحلّلون أن خبرات تايي أتسكي سيلاسي، التي تمتد لما يزيد على 4 عقود في العلاقات الدولية، وتوافقه مع آبي أحمد رئيس الوزراء و«رجل إثيوبيا» القوي، من المزايا التي تؤهله للعب دور مؤثر في المشهد السياسي، لا سيما في مجالات حلِّ النزاعات الداخلية وتحقيق الوحدة الوطنية. وهذا، دون شك، تَوقُّع مبرّر لدى النظر إلى دوره في تعضيد موقف بلاده في الأمم المتحدة خلال أزمة إقليم التيغراي، ودعوته أخيراً لحوار مع مصر بشأن ملف «سد النهضة» المعقّد.

مسيرة دبلوماسية

وُلد تايي أتسكي سيلاسي يوم 13 يناير (كانون الثاني) 1956 في بلدة ديبارك، الواقعة في منطقة شمال غُندر بإقليم الأمهرة، الذي يُعَدَّ القلب السياسي والتاريخي لإثيوبيا، ويضم أبرز المجموعات العرقية النافذة في البلاد. وتلقَّى تعليمه العالي متخصصاً بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتخرَّج في جامعة أديس أبابا، ثم تابع دراسته الأكاديمية بالحصول على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة لانكستر البريطانية.

خدم تايي أتسكي سيلاسي بلاده في عدد من المحافل الدولية بصفته دبلوماسياً، وبدأ مسيرته العملية فور تخرجه بالعمل في وزارة الخارجية الإثيوبية، إذ شغل مناصب عدة من بينها مستشار إدارة أوروبا الغربية، ثم أصبح رئيساً لتلك الإدارة. وشملت أولى مهامه الدبلوماسية العمل في سفارتَي بلاده في استوكهولم وواشنطن.

كذلك، عمل تايي قنصلاً عاماً لإثيوبيا في مدينة لوس أنجليس بالولايات المتحدة، ثم مديراً لشؤون أوروبا والأميركتين. وشغل منصب سفير فوق العادة في سفارة إثيوبيا لدى مصر في الفترة ما بين عامَي 2017 و2018، وهو المنصب الذي يجعل البعض يتوقَّع منه لعب دور بارز في الفترة المقبلة، لا سيما مع ظل النزاع بين القاهرة وأديس أبابا بشأن «سد النهضة».

بعد ذلك، وفي عام 2018 مثَّل الرجل إثيوبيا في الأمم المتحدة بصفته ممثلها الدائم في نيويورك، إبّان فترة من أكثر الفترات اضطراباً في تاريخ إثيوبيا، وحينذاك لعب دوراً محورياً في الرد على الانتقادات الدولية لأديس أبابا خلال الصراع في إقليم التيغراي.

في عام 2023، عمل رئيس الجمهورية الجديد (68 سنة) مستشاراً للسياسة الخارجية لرئيس الوزراء آبي أحمد، ما قرّبه أكثر من دوائر الحكم والسلطة. وبالفعل، خلال الأشهر الأخيرة، وتحديداً منذ فبراير (شباط) الماضي، أدار تايي ملف السياسة والعلاقات الخارجية لبلاده بصفته وزيراً للخارجيّة، وبرز اسمه عبر تصريحات إعلامية في مختلف الملفات، قبل أن ينتخبه البرلمان رئيساً لإثيوبيا خلفاً لسهلي ورق زودي التي غدت عام 2018 أول امرأة تتولى هذا المنصب.

انتخابه رئيساً

وحقاً، أعلن رئيس البرلمان الإثيوبي تاغيس شافو، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، «انتخاب تايي أتسكي سيلاسي رئيساً جديداً لجمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية، مع امتناع 5 نواب فقط عن التصويت». وأدى الرئيس المنتخب اليمين الدستورية بحضور رئيس الوزراء آبي أحمد، قبل أن تسلمه الرئيسة المنتهية ولايتها الدستور.

تايي أتسكي سيلاسي... دبلوماسي مخضرم

عضد موقف إثيوبيا دولياً في أزمة التيغراي، ودعم هذه التكهنات منشور «مُبهم» للرئيسة المنتهية ولايتها عبر حسابها على «إكس»، أشارت فيه إلى «التزامها الصمت طوال سنة كاملة». وقد نقلت الـ«بي بي سي الأمهرية» (خدمة هيئة الإذاعة البريطانية باللغة الأمهرية) عن مصادر قريبة من زودي قولها إنها «لم تكن سعيدة... بل كانت تنتظر بفارغ الصبر نهاية فترة ولايتها».

انتقادات للرئيسة السابقة

ويشار إلى أن المرأة التي ترأست إثيوبيا بعد أشهر من تولي آبي أحمد رئاسة الوزراء، وجّهت خلال فترة رئاستها دعوات عدة للسلام في جميع أنحاء البلاد، بيد أنها تعرّضت لانتقادات بحجة أنها «لم تتكلّم أكثر عن العنف القائم على النوع الاجتماعي طوال الحرب التي استمرّت سنتين في التيغراي».

مقابل ذلك، في خطابه الأول بصفته رئيساً منتخباً، دعا تايي إلى بناء «سلام شامل مستدام»، والحفاظ على النظام الدستوري، و«سيادة القانون». وقال: «إن عملية الحوار الوطني في إثيوبيا تظهر التزام البلاد بضمان السلام في جميع الجوانب».

ثم عبر استغلال خبراته الدبلوماسية، أشار الرئيس الجديد إلى «بذل جهود لتعزيز علاقات بلاده مع دول الجوار لزيادة المصالح الوطنية»، متعهداً بـ«الاهتمام بالعمل ذي المنفعة المتبادلة فيما يتعلق بالسلام والأمن والقضايا الاقتصادية من خلال التعاون الإقليمي». وأيضاً، أكد أن بلاده «ستواصل تعزيز جهودها لتحقيق رغبتها في التطور والنمو معاً في المنطقة».

أوضاع القرن الأفريقي

لم يغفل تايي أتسكي سيلاسي في خطابه ذاك منطقة القرن الأفريقي، التي شهدت توتراً في الفترة الأخيرة، وتكلّم عمّا وصفها بـ«دبلوماسية إثيوبية مفتوحة ومتسقة لإحلال السلام في القرن الأفريقي... بما في ذلك حل الصراع في السودان». وذهب أبعد، متعهداً بأن «تلعب أديس أبابا دوراً مهماً في ضمان السلام والأمن في القرن الأفريقي». وأردف قائلاً: «سنعمل على زيادة نفوذ إثيوبيا وتأثيرها الإيجابي في (منظمة) بريكس، وسنعزز التعاون مع الاتحاد الأفريقي والمؤسسات الدولية».

هذه التصريحات شجَّعت المراقبين على اعتبار انتخابه «فصلاً جديداً في تاريخ البلاد»، وبالأخص، في ظل ما تواجهه إثيوبيا من انقسامات داخلية وتحدّيات اقتصادية وصراعات سياسية مع دول الجوار.

مُدافع شرس عن الحكومة

لقد دافع تايي بقوة عن موقف حكومته إبّان الصراع بين قوات الحكومة الاتحادية من جهة، ومقاتلي «الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي»، من جهة أخرى.

وأيضاً قال، أمام مجلس الأمن الدولي في منتصف عام 2021، وكان حينذاك سفيراً لبلاده لدى الأمم المتحدة، إن «طريقنا إلى الحوار والحل السياسي لن تكون مباشرة أو سهلة»، مضيفاً: «نركز في الوقت الحالي على كبح جبهة تحرير التيغراي، وعلى عمليات الإنقاذ، والوصول إلى مواطنينا الذين يعانون بشدة». وتحدّى الأمم المتحدة عندما أعلن رفض أديس أبابا أن يبحث المجلس النزاع في التيغراي، متذرّعاً بأنه «شأن داخليّ».

كذلك انتقد تايي تقارير الأمم المتحدة التي تحدَّثت عن «مجاعة تهدد الإقليم»، قائلاً: «نحن نختلف بشكل قاطع مع تقييم المنظمة الدولية بشأن المجاعة»، وإن الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية «لم تجمع هذه البيانات بطريقة شفافة وشاملة». وأضاف أن أديس أبابا «أتاحت الوصول إلى التيغراي من دون قيود، وهي ممتنة لوصول المساعدات الإنسانية الدولية، إلا أن الوضع في الإقليم لا يستدعي اهتمام مجلس الأمن».

وهنا، يشار إلى أن رئيس الوزراء آبي أحمد، كان قد أمر بشنّ هجوم عسكري واسع على إقليم التيغراي (شمال إثيوبيا) لنزع سلاح قادة «الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي»، الحزب الحاكم في الإقليم، في حين أدّت أعمال العنف إلى قتل آلاف المدنيين وإجبار أكثر من مليونَي شخص على ترك منازلهم.

قضية «سد النهضة»

ملف آخر برز فيه اسم الرئيس الجديد أخيراً، لا سيما أنه سبق له شغل منصب وزير الخارجية، إذ بدأ يلعب دوراً لافتاً في أزمة «سد النهضة» الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وتخشى مصر أن يؤثر في حصتها من المياه.

والمعروف أن هذه الأزمة ما زالت تراوح في مكانها بعد عقد من المفاوضات التي انتهت دون نتيجة، وقد دفعت مصر للجوء لمجلس الأمن الدولي غير مرة.

في أغسطس (آب) الماضي، دعا تايي أتسكي سيلاسي، الذي كان وقتها وزيراً للخارجيّة الإثيوبية، مصر إلى «تجاوز الخلافات». وأعلن أن «أبواب بلاده مفتوحة للحوار والتفاوض معها؛ لإنهاء ملف الخلافات بشأن سد النهضة».

الدعوة هذه جاءت بعد تفاقم الخلافات مع الصومال على خلفية توقيع أديس أبابا «مذكرة تفاهم» مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، خلال يناير الماضي، وتعترف بموجبها أديس أبابا باستقلال الإقليم مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

هذه الاتفاقية رفضها الصومال ودول عربية عدة. وأعلنت مصر دعمها للصومال، وأرسلت مساعدات عسكرية لمقديشو، كما أنها تعتزم المشارَكة في قوات حفظ السلام في الصومال.

وعلى غرار دعوة تايي للحوار مع مصر بشأن أزمة «سد النهضة»، فإنه استخدم نهجاً مماثلاً حيال الأزمة مع الصومال عبر تشديده على أن «الخلافات يجب أن تحل عبر المفاوضات». لكن خطابه حمل، في الوقت ذاته، إشارات عدائية تجاه القاهرة عبر مطالبته بـ«الإحجام عن الاستعانة بقوى خارجية لتهديد أمن بلاده».

والحال، أن إثيوبيا عدّت تقديم مصر مساعدات عسكرية للصومال أمراً «يرقى إلى مستوى تدخل خارجي»، بحسب بيان لوزارة الخارجية في أغسطس الماضي.

من ناحية ثانية، ما كان اهتمام تايي أتسكي سيلاسي بملف «سد النهضة» مرتبطاً بشغله حقيبة الخارجية، لكنه كان محوراً من محاور كلمته الأولى أمام البرلمان عقب أدائه اليمين الدستورية رئيساً لإثيوبيا. وهو في أي حال أكد «اكتمال بناء السد وجولته الخامسة من الملء»، وتابع: «السد يمثل معلماً رئيسياً في رحلة التنمية في البلاد». ختاماً، لكون تايي دبلوماسياً محترفاً ومحنكاً، فهو يشدد باستمرار على أهمية دور إثيوبيا في تحقيق السلام والأمن الإقليميَّين، ويعوّل مراقبون على خبرته سفيراً سابقاً لدى مصر، وممثلاً لبلاده لدى الأمم المتحدة «لتعزيز مصالح أديس أبابا على الساحة الدولية». غير أنهم يتساءلون، في الوقت عينه، عمّا إذا كان سيتجاوز صلاحيات منصبه الشرفية، ويسهم في الحل العملي للنزاعات الداخلية والإقليمية، عبر التزام شعارات الوحدة والحوار، وفي خضم تحديات عدة تواجهها بلاده اقتصادياً وسياسياً. يتولى تايي رئاسة إثيوبيا بعد فترة سادت فيها تكهنات عدة بشأن خلاف

بين رئيسة الجمهورية سهلي ورق زودي ورئيس الحكومة آبي أحمد


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس
TT

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس

راهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قدرة وزير دفاعه الجديد يسرائيل كاتس، الذي يصفه بـ«البلدوزر»، في تحقيق ما يراه «انتصاراً حاسماً» في غزة، واستعادة المحتجزين في قطاع غزة، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وذلك بعد أشهر من صراع نتنياهو الشخصي مع الوزير السابق يوآف غالانت، انتهى إلى إقالة الأخير. ما يلفت اهتمام المراقبين أن كاتس، الذي هو الحليف الأقرب لنتنياهو في معسكر «الصقور» الليكودي، لا يتمتع برصيد خبرة عسكرية سابقة، ولكن عليه أن يكمل حرباً مستمرة ضد حركة «حماس»، للرد على هجومها في 7 أكتوبر، الذي تسبب في مقتل 1206 أشخاص وأسر 251 شخصاً، لا يزال 97 منهم محتجزين في غزة، ويقول الجيش إن 34 منهم ماتوا.

لم يشغل يسرائيل كاتس أي منصب قيادي كبير في الجيش الإسرائيلي، بعكس سلفه يوآف غالانت، الذي كان جنرالاً قبل أن يصبح وزيراً للدفاع في 2022. إلا أن بنيامين نتنياهو أظهر ثقة في خبرته الواسعة وقيادته، قائلاً إنه «مجهز جيداً لقيادة الجهود الدفاعية خلال هذه الفترة الحرجة»، وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت».

في المقابل، حرص وزير الدفاع الإسرائيلي المعيّن في تصريحات أولية على إظهار الولاء لأهداف نتنياهو التي لم يعد يثق في إدارة غالانت للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان.

وفق هذا التقدير، جاءت أول تصريحات كاتس لتعطي الأولوية لإعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة و«تدمير» حركة «حماس» الفلسطينية، و«حزب الله» اللبناني.

خلفية شخصية

لا تتوفر تفاصيل كثيرة عن نشأة وزير الدفاع الجديد، بيد أن المتداول إعلامياً هو أنه وُلد عام 1955 في مدينة عسقلان الساحلية، بإسرائيل لوالدين من منطقة ماراموريش في رومانيا، هما مئير كاتس ومالكا نيدويتش. وهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، ثم نال دبلوم الدراسات العليا من الجامعة نفسها.

اجتماعياً، فإن كاتس الذي يقيم في مستوطنة «موشاف كفار أحيم» متزوج ولديه ولدان، ويجيد العمل في الزراعة، وفق موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية.

التحق كاتس بالجيش عام 1973، لكن الملاحظ أن علاقته مع المؤسسة العسكرية توقفت عند عام 1977؛ إذ خدم في صفوف قوات المظلات قبل هذا التاريخ بـ4 سنوات، ثم تطوّع في لواء المظليين وتدرّج في المناصب العسكرية ليصبح ضابط مشاه في عام 1976، قبل أن يترك الخدمة عام 1977.

مع مسيرته السياسية

على الصعيد السياسي، كان تيار الصقور المتشددين هو الاختيار المبكر لكاتس؛ إذ التحق بحزب الليكود اليميني الذي يرأسه نتنياهو، كما أن الصدفة قادته إلى عضوية الكنيست منذ عام 1998 بديلاً لإيهود أولمرت، وبالفعل عمل كاتس في عدد من لجانه، قبل أن يشغل مناصب وزارية عدة خلال العقدين الماضيين، منها وزير الزراعة، والنقل، والمخابرات، والمالية والطاقة.

بدأ مسار كاتس الوزاري مع الوزارات السيادية في عام 2019؛ إذ دشن ولايته الأولى وزيراً للخارجية، وشغل في الوقت نفسه منصب وزير الاستخبارات، كما شغل منصب وزير المالية وأدار السياسة الاقتصادية إبّان جائحة «كوفيد - 19» التي ضربت العالم.

متطرف استيطاني...في وزارة الخارجية

ووفق تسوية سياسية لتداول المناصب، جرى تعيين كاتس وزيراً للطاقة والبنية التحتية في يناير (كانون الثاني) 2023، ليتبادل المنصب مع وزير الخارجية إيلي كوهين، ومن ثم يبدأ كاتس بعد سنة واحدة فترة ولايته الثانية وزيراً للخارجية.

ما يُذكر هنا أن رؤية كاتس المتطرفة حيال «حرب غزة،» - التي لا يستبعد محللون أن تنعكس على أدائه العسكري - تنطلق من القول إن إسرائيل «كانت في ذروة الحرب العالمية الثالثة ضد إيران». وهو يتمسك في الوقت ذاته «بالتأكيد على أولوية إعادة المحتجزين لدى (حماس) في غزة»، وفق تصريحات أطلقها عبر منصة «إكس» في يناير الماضي.

وفي الحقيقة، عُرف كاتس بشخصيته الصدامية منذ وقت مبكّر، حين أُوقف عن رئاسة الاتحاد في الجامعة لمدة سنة في مارس (آذار) 1981، إثر مشاركته في أنشطة عنيفة احتجاجاً على وجود طلاب أراضي 48 بالحرم الجامعي. وفي مارس 2007 لاحقته تهم الاحتيال وخيانة الأمانة، بعدما أقدم على تعيينات في وزارة الزراعة بُنيت على محاباة سياسية وعائلية.

انعكس السلوك العدواني هذا - حسب مراقبين - على نهج كاتس الدبلوماسي مع الفاعلين الدوليين؛ إذ أثار أزمة دبلوماسية بعد وقت قصير من تعيينه لأول مرة وزيراً للخارجية، عندما قال إن البولنديين «يرضعون معاداة السامية».

غوتيريش وبلينكن

وكان مفاجئاً، إعلانه وبصفته وزيراً للخارجية، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «شخص غير مرغوب» فيه بسبب امتناع غوتيريش عن التنديد بالهجوم الصاروخي الإيراني في أكتوبر (تشرين الأول).

وأيضاً، في الشهر عينه، صدرت أوامر كاتس القاطعة لمسؤولين في وزارة الخارجية «ببدء إجراءات قانونية ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدما حظرت باريس مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض تجاري بحري عسكري».

لكن البارز في «مشوار» وزير الدفاع الجديد مع حقيبة الخارجية، هو أنه لم يكن ضمن الشخصيات البارزة في المباحثات الإسرائيلية - الأميركية خلال 11 زيارة أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023؛ إذ لم يعقد بلينكن سوى اجتماعات قليلة مع كاتس.

ومن ناحية ثانية، يلاحظ محللون مشاريع سياسية مثيرة للجدل والغضب العربي تبناها كاتس؛ إذ إنه صاحِب «خطة» زيادة عدد المستوطنين في مرتفعات الجولان بشكل كبير، التي قدّمها للكنيست في يناير 2004. وكذلك كان كاتس قد لوّح بالاستقالة من الحكومة احتجاجاً على خطة رئيس الوزراء السابق آرييل شارون للانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد في مارس 2004.

لا لافتات عربية

من بين المواقف الأخرى لوزير الدفاع الجديد التي رصدتها تقارير إعلامية عربية، هي قرار تغيير لافتات الطرق الموجودة بحيث تكون جميع الأسماء التي تظهر عليها بالعبرية، خلال فترة عمله وزيراً للمواصلات في حكومة نتنياهو عام 2009، وبعدها بـ7 سنوات حثّ على «استخدام عمليات التصفية المدنية المستهدفة أو الاغتيالات» ضد قادة الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل «حركة بي دي إس».

وبالتوازي، لا يخفي مراقبون فلسطينيون وعرب مخاوفهم من إحياء مشروع قديم جديد سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية»، وأعاد الحديث عنه بعد توليه حقيبة الخارجية في يناير الماضي. وتعود التفاصيل الأولى لهذا المشروع إلى عام 2011. ووفق مقطع فيديو نشره كاتس عندما طرح الفكرة آنذاك، فإن الجزيرة يفترض أن تقام على بعد 4.5 كيلومتر قبالة سواحل قطاع غزة، وستكون بطول 4 كيلومترات وعرض كيلومترين، وبمساحة تصل إلى 5400 دونم (الدونم 1000 متر مربع). وهي ستضم، حسب المخطط الإسرائيلي، ميناءً للسفر ونقل البضائع، ومخازن، ومحطة تحلية مياه، ومحطات للكهرباء والغاز، ومراكز لوجيستية.

فيما يخص الإجراءات الأمنية، يوضح الفيديو أن إسرائيل ستبقى مسيطرة على محيط الجزيرة، وعلى إجراءات الأمن والتفتيش في موانئها، بينما ستتولى قوة شرطة دولية مسؤولية الأمن على الجزيرة وعلى نقطة تفتيش ستقام على الجسر الذي سيربط قطاع غزة بالجزيرة، بالإضافة إلى إنشاء جسر متحرك يمكن تفكيكه بحيث يقطع التواصل بين الجزيرة وقطاع غزة.

 

 

لا يخفي مراقبون فلسطينيون مخاوفهم من إحياء مشروع قديم سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية» قبالة ساحل غزة

تهجير غزة... وغيرها

الخطير أن هذا المقترح حظي آنذاك بتأييد نتنياهو ودعم قادة في أجهزة الأمن الإسرائيلية؛ ما يطرح تساؤلات متابعين حول سيناريوهات التمهيد لهذا المشروع مع وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد بالمضي قدماً فيما يوصف بـ«مخطط تهجير الفلسطينيين»، لكن إلى البحر هذه المرة.

وإلى جانب رفضه وقف الحرب على غزة، يُعرف يسرائيل كاتس بتأييده لتوسيع السيطرة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، ودعمه القوي للاستيطان، ورفضه حل الدولتين. فهو يفضّل إنشاء كيان فلسطيني مستقل يرتبط مدنياً وسياسياً بالأردن، ويدعو إلى ربط قطاع غزة بمصر، ويبدو كاتس أكثر تشدداً من نتنياهو في بعض المواقف، مثل رفض إخلاء المستوطنات، الذي «سيؤدي إلى تحوّل المستوطنين لاجئين»، وفق صحيفة «إسرائيل هيوم».