«بريكس»... عملاق اقتصادي يواجه تحدّيات كبرى

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخلفه أعلام الدول الأعضاء في مجموعو "بريكس" (آ فب/غيتي)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخلفه أعلام الدول الأعضاء في مجموعو "بريكس" (آ فب/غيتي)
TT

«بريكس»... عملاق اقتصادي يواجه تحدّيات كبرى

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخلفه أعلام الدول الأعضاء في مجموعو "بريكس" (آ فب/غيتي)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخلفه أعلام الدول الأعضاء في مجموعو "بريكس" (آ فب/غيتي)

> مما لا شك فيه أن مجموعة «بريكس»، التي تعقد قمتها هذا العام للمرة السادسة عشرة بصيغتها الموسّعة، تحوّلت إلى كتلة اقتصادية عملاقة، وبالأخص مع انضمام خمسة بلدان خلال العام الماضي إلى الدول الخمس المؤسسة للمجموعة؛ أي: روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.

مع التوسيع باتت المجموعة تشغل أكثر من ثلث مساحة الأرض، ويسكن بلدانها 45 في المائة من سكان العالم، وهي توفر أكثر من 40 في المائة من إجمالي إنتاج النفط في العالم، ونحو ربع الصادرات العالمية من السلع.

ووفقاً للتوقعات، فإنه بحلول عام 2028 سيبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول «بريكس» ما يعادل 37 في المائة من القوة الشرائية في الإجمالي العالمي، في حين أن ما لدى «مجموعة السبع» سينخفض إلى 27 في المائة.

ومن ثم، دفع كل هذا خبراء في الغرب إلى عقد مقارنات مع حلف شمال الأطلسي (ناتو)، أو مع إطار أممي يشبه الأمم المتحدة، ووصف المجموعة بأنها كتلة بديلة عن التكتلات الغربية، لكن هذا المدخل في الحقيقة ليس دقيقاً؛ إذ على الرغم من عناصر القوة التي يوفرها حضور هذه المجموعة في تكتل اقتصادي لديه تطلعات مشتركة، فإن نقاط الضعف تبدو ماثلة في التباينات الصينية - الهندية التي ظهرت غير مرة، وكذلك في الخلافات بين الأعضاء حول قضايا إقليمية مهمة مثل الخلاف المصري - الإثيوبي، والتباينات العربية - الإيرانية.

ويضيف هذا الواقع تساؤلات حول قدرة المجموعة على مواجهة التحدّيات الداخلية، وحول جدوى المضي لاحقاً في مسار توسيع المجموعة، وما إذا كان ذلك سيشكّل رافعة جديدة لنشاطها... أم سيكون عنصر عرقلة إضافياً لاتخاذ القرارات المشتركة ومجالات تعزيز دورها ومكانتها في النظام الاقتصادي العالمي.

يضاف إلى ما سبق، أن ثمة عناصر ضعف تتضح ملامحها أكثر فأكثر مع مسار توسيع المجموعة وتشابك مصالح الدول المنضوية فيها أو تضاربها في حالات عدة. وهنا يمكن التوقف أمام تباين أولويات البلدان المنضوية في المجموعة. وهذا واقع برز بوضوح لدى التعامل مع الملفات الساخنة على الصعيدين الإقليمي والدولي؛ إذ إنه على الرغم من أن المجموعة تبدو موحّدة التوجهات في التعامل مع مسألة القطبية الدولية وآليات اتخاذ القرار العالمي، فهي التزمت الحياد عملياً في حرب أوكرانيا، حيث لم تحصل موسكو على دعم واضح لسياساتها. وأيضاً في ملف الحرب الدائرة على غزة، فاتت المجموعة فرصة ذهبية لتكريس شعار دورها المعلن في بناء عالم جديد.

أيضاً، بجانب التباينات السياسية الداخلية، فإن إحدى الشكاوى الرئيسية التي برزت هي «غياب» قواعد مشتركة بين جميع البلدان، الأمر الذي يؤدي إلى شكوك في تبني سياسات اقتصادية شاملة، أو اتخاذ خطوات لعمل مشترك ومنسجم حيال الأزمات الإقليمية والدولية. والدليل أنه طوال تاريخ المجموعة، قيل غير مرة إنها «وُلدت ميتة».

كذلك تراكمت الشكوك حول استدامة صيغة «بريكس»؛ لأنه رغم الخلافات الظاهرة لغالبية بلدان المجموعة مع الولايات المتحدة، مثلاً، فإن لدول التكتل (باستثناء روسيا) تجارة نشطة للغاية معها، وتظل الولايات المتحدة إحدى محطات تجارتها الأساسية، بل برز مستوى تأثير واشنطن في عمل المجموعة عبر قرار الأرجنتين الانسحاب في وقت سابق من المجموعة واتجاهها نحو تعزيز التعاون مع واشنطن. وفي هذا السياق، تزداد المخاوف من أن واشنطن تحاول تفكيك «بريكس» من خلال زيادة الضغط على الهند والبرازيل.

أخيراً، هناك الخلافات الداخلية في «بريكس»، خصوصاً حيال مسألة المزيد من التوسيع، وحيال تبنّي بعض الخطوات السريعة للتكامل الاقتصادي التي تعرقل بدورها تبنّي سياسات مشتركة فعالة. وعموماً، يرى خبراء ومراقبون متابعون أن قرارات «بريكس» السابقة كانت تأتي نتيجة توافقات داخلية صعبة، في حين أن المجموعة تواجه تعقيدات أكبر في آليات اتخاذ قرارات مشتركة.


مقالات ذات صلة

ما خيارات واشنطن في ظل تصاعد نظام متعدد الأقطاب؟

الولايات المتحدة​ مجموعة «بريكس بلس» تحظى بدعم واسع في العالم متعدد الأقطاب الناشئ اليوم (أ.ف.ب)

ما خيارات واشنطن في ظل تصاعد نظام متعدد الأقطاب؟

مع ازدياد التحديات العالمية وتعقيداتها، من التغير المناخي إلى الأزمات الجيوسياسية، تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة واقع جديد يتسم بتعدد الأقطاب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية ممثل السياسة الخارجية والأمنية جوزيب بوريل ومفوض شؤون التوسعة أوليفر فارهيلي في مؤتمر صحافي في بروكسل (من حساب الأخير في «إكس»)

الاتحاد الأوروبي قلق لتراجع تركيا ديمقراطياً

عبّر الاتحاد الأوروبي عن مخاوفه بشأن تراجع المعايير الديمقراطية وسيادة القانون واستقلال القضاء والحقوق الأساسية في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا غوتيريش يصافح بوتين

«بريكس» تختتم قمتها بفتح أبواب التوسع

أنهت قمة مجموعة «بريكس» أعمالها، في قازان بجنوب روسيا، أمس (الخميس)، بفتح أبواب التوسع، وسط مداخلات هيمنت عليها الدعوات للسلام وإصلاح النظام الدولي.

رائد جبر (موسكو)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث في قمة «بريكس» (د.ب.أ)

بوتين: مستقبل العلاقة مع واشنطن رهن بموقفها بعد الانتخابات

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، إنّ مستقبل العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة رهن بما ستكون عليه مواقف واشنطن بعد انتخابات البيت الأبيض.

«الشرق الأوسط»
تحليل إخباري صورة تذكارية لقادة «بريكس» يظهر فيها السيسي بجوار آبي أحمد (الرئاسة المصرية)

تحليل إخباري كيف يؤثر الحضور المصري - الإثيوبي في «بريكس» على نزاع «سد النهضة»؟

رغم أن «بريكس» هو تجمع لتكامل قدرات وإمكانات الدول المنخرطة فيه، لكن ذلك لم يمنع ظهور إشارات على عمق الخلاف المصري - الإثيوبي خلال القمة التي استضافتها روسيا.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

 زارا فاغنكنيشت (رويترز)
زارا فاغنكنيشت (رويترز)
TT

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

 زارا فاغنكنيشت (رويترز)
زارا فاغنكنيشت (رويترز)

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في المائة مقابل 33 في المائة للديمقراطيين المسيحيين، و15 في المائة للاشتراكيين، و11 في المائة لحزب «الخضر».

لكن اللافت أن الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي لا يحظى حتى الآن بنسبة كافية لدخوله البرلمان الفيدرالي، فتأييده يقف عند 4 في المائة فقط، علماً بأن القانون يشترط الـ5 في المائة حداً أدنى لدخول البرلمان. كذلك سقط حزب «دي لينكا» اليساري المتشدد دون عتبة الـ5 في المائة، إذ يسجل حالياً نسبة تأييد لا تزيد على 3 في المائة بعد انقسامه، وتأسيس زارا فاغنكنيشت حزبها الشعبوي الخاص، الذي لا يبدو أيضاً -حسب الاستطلاعات- أنه سيحصل على نسبة أعلى من 4 في المائة. بالتالي، إذا صدقت هذه الاستطلاعات، فإن أربعة أحزاب فقط ستدخل البرلمان المقبل من أصل سبعة ممثَّلة فيه اليوم. وسيقلص هذا الاحتمال الخليط المحتمل للمشاركة في الحكومة الائتلافية القادمة، بسبب رفض كل الأحزاب التحالف مع حزب «البديل لألمانيا» رغم النسبة المرتفعة من الأصوات التي يحظى بها. وعليه، قد يُضطر الديمقراطيون المسيحيون إلى الدخول في ائتلاف مع الاشتراكيين و«الخضر» مع أنهم يفضلون أصلاً التحالف مع الليبراليين الأقرب إليهم آيديولوجياً.