صواريخ «العمق الروسي» تتحدّى «خطوط بوتين الحمراء»

«الصقور» يدفعون لمواجهة حاسمة... و«الكرملين» يتريث في خياراته

بوتين (رويترز)
بوتين (رويترز)
TT

صواريخ «العمق الروسي» تتحدّى «خطوط بوتين الحمراء»

بوتين (رويترز)
بوتين (رويترز)

هل يقترب العالم من حافة المواجهة الكبرى؟ سؤال تردّد كثيراً، خلال الأيام الأخيرة، بعدما وجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحذيراً عُدَّ الأقوى في لهجته للغرب. لم يتردّد الكرملين في إعلان «نفاد صبر» روسيا، وهو يتكلم عن «القرار الغربي» الذي «طُبخ» خلف أبواب مغلقة، وينتظر اللحظة المناسبة لإعلانه رسمياً. ولقد بدت موسكو واثقة، الأسبوع الفائت، بأن حلف شمال الأطلسي «ناتو» منح عملياً كييف «الضوء الأخضر» لاستهداف العمق الروسي باستخدام صواريخ أميركية وبريطانية الصنع، حتى لو يُذكَر ذلك علناً. ومع أن الكلام الروسي عن «انخراط مباشر» للغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، تكرَّر كثيراً خلال الأشهر الماضية، فإن الجديد هنا تمثَّل في عنصرين: أولهما إطلاق بوتين تهديداً مباشراً بأن المواجهة ستكون مباشرة مع الغرب، هذه المرة، وثانيهما اشتعال المنصات الإعلامية الروسية بتصريحات نارية أطلقها «صقور الحرب» الذين لوّحوا طويلاً بأنه حان وقت «المواجهة الحاسمة» مع الغرب. وهكذا، وقف ديمتري مدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، مهدّداً بـ«محو أوروبا»، وقال إن صبر روسيا «قارب على النفاد» ملوِّحاً بقدرات نووية قادرة على «صَهر» مدن أوروبية. هذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها مدفيديف باستخدام السلاح النووي. وهي عبارات كرَّرها مسؤولون آخرون؛ بينهم سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية والخبير الأبرز في روسيا بشؤون الأمن الاستراتيجي والعلاقات مع واشنطن، الذي تخلّى عن حذره الدبلوماسي المعتاد، وهدّد بـ«رد وحشي» لموسكو إذا سمح الغرب لكييف باستهداف العمق الروسي بصواريخه.

صورة من التوغل الأوكراني في كورسك (رويترز)

اللهجة الحادة من جانب «الصقور» في موسكو عكست حقاً اقتراب الكرملين من تبنّي خيارات حازمة في حال جرى تجاوز آخر «الخطوط الحمراء» التي حدّدها سيد الكرملين.

خلال العام الأخير، بالتوازي مع نجاح موسكو في توسيع سيطرتها بمناطق الدونباس، واجهت موسكو اختراقات واسعة أسقطت عدداً من «خطوطها الحمراء» التي وضعت في وقت سابق. وبالتالي، غدا استهداف المنشآت العسكرية ومراكز البنى التحتية ومستودعات الطاقة في القرم ومناطق عدة أخرى تنتهك «الأراضي الروسية»، وفقاً للتعريف الروسي للحدود، حدثاً يكاد يكون يومياً. كذلك حمل التوسع باستخدام المُسيّرات، ووصولها إلى مناطق بعيدة عن الحدود داخل العمق الروسي، انتهاكاً جديداً رسم ملامح جديدة لقواعد الاشتباك.

في هذه الأثناء، نفّذ الغرب وعوده بمواصلة إمداد أوكرانيا بتقنيات عسكرية متطوّرة، متجاهلاً كل تحذيرات الكرملين في هذا الإطار. وكان الأبرز توغّل كورسك، في أغسطس (آب) الماضي، ومنظرُ تجوّل الدبابات الألمانية والآليات الأميركية والبريطانية داخل الأراضي الروسية، للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، كان مُوجعاً جداً للروس.

ستولتنبرغ (روينرز)

«ضوء أخضر» يهزّ «الخطوط الحمراء»

لقد اختبر الغرب بقسوة، عبر تلك التطورات، مستوى «الصبر الاستراتيجي» لبوتين، وردّات فعله على الانتهاكات المتكررة للخطوط الحمراء التي وضعها لنفسه.

وأخيراً، جاء الكلام عن إعطاء كييف «الضوء الأخضر» لضرب مواقع في العمق الروسي بصواريخ «أطلسية» ليضع الكرملين أمام حسابات صعبة وهو يواجه اختراقاً محتملاً لآخِر «خطوطه الحمراء».

خيارات بوتين

كان لافتاً أن الكرملين، رغم تحذير بوتين الصارم، لم يبادر إلى التلويح بتحركات حازمة، بل علّق الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف على التصريحات النارية التي أطلقها عدد من المقرّبين للرئيس الروسي، بالإشارة إلى أن بوتين «يتلقّى توصيات من عدد من الخبراء البارزين، لكنه يعتمد التروّي في اتخاذ قراراته النهائية».

ويبدو أن هذه العبارات فُهِمت في الغرب بشكل متسرّع، إذ جاءت تصريحات ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لـ«ناتو»، في مقابلة مع صحيفة «التايمز» البريطانية، لتزيد الغضب عند الروس، فقد قال المسؤول الأطلسي إن «السماح لكييف بشن ضربات صاروخية بعيدة المدى في عمق روسيا لن يكسر خطاً أحمر فيؤدي إلى التصعيد». وأردف أنه يدعم الدول - ومنها بريطانيا وفرنسا - التي دعت إلى إعطاء كييف الإذن باستخدام الصواريخ الطويلة المدى.

على الفور، جدّد الكرملين تحذيره، ورأى بيسكوف أن رغبة قيادة كتلة «ناتو» في تجاهل كلمات بوتين حول عواقب الهجمات التي تشنها الأسلحة الغربية على روسيا «أمر خطير للغاية واستفزازي»، واتهم الحلف بأنه ينطلق من «رغبة متفاخرة بألّا تأخذ تصريحات الرئيس الروسي على مَحمل الجِد... وهذه خطوة قصيرة النظر وغير مهنية، على الإطلاق».

وهكذا، بين تحذيرات بوتين و«ثقة» الغرب بأن روسيا لن تستطيع القيام بخطوات فعالة لمواجهة الاستحقاق الخطير، يدرس الكرملين الخيارات المُتاحة للردّ، وسط ازدياد كلام داخل روسيا عن احتمال اللجوء إلى أسلحة غير تقليدية إذا ما تعرّضت روسيا، فعلياً، لهجمات من شأنها أن تهدد سيادتها وسلامة أراضيها.

للتوضيح، فإن هذه العبارة تحديداً «تهديد السيادة وسلامة الأراضي» هي التي تحدد شرط استخدام كل القدرات الروسية التقليدية وغير التقليدية، وفقاً لاستراتيجية الأمن القومي لروسيا.

صواريخ «ناتو» ولكن... هل تشكل الصواريخ خطراً جدياً؟

هذا السؤال يبرز بشكل واسع حالياً في تحليلات الخبراء الروس والغربيين. والكلام يدور بالدرجة الأولى حول نظاميْ «أتاكامز» الأميركي، و«ستورم شادو» البريطاني - الفرنسي، إذ يصل مدى الصاروخين إلى نحو 300 كيلومتر، في أحسن الأحوال. وهذا المدى لا يسمح بتهديد الجزء الأعظم من المناطق الروسية، بل يضع في دائرة الخطر فقط مساحة محددة على طول الحدود لا تصل حتى إلى العاصمة موسكو.

بهذا المعنى، ستكون منطقة القرم كلها ومحيط مدن كورسك وبيلغورود وروستوف وبعض المدن المهمة الأخرى في مرمى نيران كييف، وهي أصلاً تقع في المرمى حالياً، مع فارق القوة التدميرية للصواريخ الغربية. والنقطة الأبرز هنا تتمثل في القدرة المباشرة على استهداف منشآت حساسة للغاية، بينها مراكز «القيادة والسيطرة» في روستوف، مثلاً، التي منها تُدار العمليات الحربية في أوكرانيا.

إلا أن الأهم بالنسبة إلى الكرملين أن التغاضي عن تطوّر من هذا النوع سيشجع الغرب على مزيد من الانتهاكات اللاحقة، وربما تطوير قدرات أوكرانيا على ضرب مواقع أكثر حساسية لموسكو.

والحال أن أوكرانيا نجحت حقاً في توجيه ضربات مُوجعة إلى مناطق حساسة باستخدام مُسيّرات طُوّرت وزيد مداها لتتجاوز في بعض الحالات 700 أو 800 كيلومتر، لذا فإن التهديد مع الصواريخ الغربية يغدو أكبر، وفقاً للخبراء.

النقطة الثانية المهمة هنا هي المقصود بعبارة «العمق الروسي». فعندما تطلب أوكرانيا من الغرب العون في استهداف مناطق في الداخل الروسي، يظهر على الفور تباين لدى الأوساط الغربية بين السماح بتوجيه ضربات «إلى مناطق أوكرانية محتلة»، أو مناطق «ينطلق منها الخطر على الأراضي الأوكرانية»، دون الإشارة بشكل مباشر إلى استهداف المدن الكبرى والمواقع الحساسة للغاية والبعيدة عن خطوط التَّماس، وفق الفهم الأوكراني القائم على توفير معادلة «ردع متكافئ». والمعنى المقصود أن استهداف المدن الأوكرانية ومنشآت البنى التحتية في مدن بعيدة عن خطوط التَّماس يجب أن يقابله «وصول نيران المعارك إلى المدن الروسية».

لذا ترى موسكو أن إعطاء الغرب «الضوء الأخضر» يعني الانخراط بشكل مباشر في الحرب. وهذا أمر أوضحه بوتين بعبارة إن «الناتو لا يناقش فحسب إمكانية استخدام القوات المسلّحة الأوكرانية أسلحة غربية بعيدة المدى، بل يناقش المشاركة المباشرة في الصراع». وبالنسبة له، فإن أوكرانيا تضرب، بالفعل، الأراضي الروسية بطائرات دون طيار ووسائل أخرى. لكن عندما يتعلّق الأمر باستخدام أسلحة غربية عالية الدقة وبعيدة المدى، «ينبغي أن يكون مفهوماً أن مثل هذه العمليات تجري بمشاركة أفراد عسكريين من دول التحالف، ذلك أنهم وحدهم يمكنهم المشاركة في مهام إطلاق أنظمة الصواريخ وتوجيهها».

تغيير جوهر الصراع

في ضوء ما سبق، يرى الكرملين أن الحرب الأوكرانية قد تكون مُقبلة على تغيير مباشر في جوهر الصراع، وأيضاً في رقعته الجغرافية. وهو يقول بوضوح إن موسكو ستتخذ قراراتها «بناء على التهديدات التي تظهر أمامها».

هذه العبارة بالغة الوضوح لجهة أن موسكو سترى أي البلدان ستعطي «الضوء الأخضر» لأوكرانيا، وستُقْدم على تزويدها بالمُعدات اللازمة لذلك، وأيضاً البلدان التي ستُؤمّن التسهيلات اللوجستية المطلوبة لوصول هذه الإمدادات وتشغيلها على الأراضي الأوكرانية. وفي هذا السياق، لا تُخفي موسكو أنها تدرس خيارات الرد بناءً على تلك المعطيات، ومن هنا جاء التلويح الروسي بأن «ساحة الصراع قد تنتقل إلى أوروبا بشكل مباشر».

إن الخيارات التي يضعها الكرملين لا تستثني، بطبيعة الحال، الردّ النووي في حال دعت الحاجة القصوى لذلك. ولا بد من التذكير بأن بوتين كان قد أمر، خلال الصيف، بإجراء تدريبات غير مسبوقة على السلاح النووي التكتيكي. وشملت التدريبات عدة مراحل تعكس مستوى الجدية والتأهب، بينها عمليات نقل الرؤوس النووية، وتخزينها في مناطق قريبة من خطوط التَّماس المفترضة، ثم تفجير رؤوس نووية تكتيكية؛ أي محدودة الحجم... بما يكفي - مثلاً - لتدمير مدينة صغيرة.

طبعاً، تلك التدريبات استهدفت عدوّاً وهمياً أو افتراضياً. لكن اللافت، خلال اليومين الماضيين، أن قيادة هذا السلاح وجّهت رسالة علنية إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة «أي بوتين» تؤكد أنها باتت على أعلى درجات التأهب والاستعداد.

وإذا كانت هذه الرسالة لا تعكس، بالضرورة، تأهباً من جانب الكرملين لاستخدام السلاح النووي بشكل مباشر، فهي - بلا شك - تدخل ضمن الضغوط الروسية على الغرب، وإظهار مستوى الجدية لدى الكرملين للتعامل مع أي تطوّر منتظَر.

3 خيارات لموسكو للرّد على التحديات

بينها فتح جبهات جديدة

قبل أن تنزلق الأمور على الجبهة الروسية - الأوكرانية نحو استخدام السلاح غير التقليدي، وفقاً لرغبات معسكر «الصقور» الروسي، الداعي إلى حسم المواجهة سريعاً، تبرز أمام «الكرملين»، وفقاً لخبراء، رزمة من الخيارات الأخرى التي يبدو أنها قد تُبلور المراحل الأولى من التعامل الروسي مع التهديدات الجديدة. خبراء عسكريون يشيرون، اليوم، إلى ثلاثة مستويات من الرد الروسي المحتمل، يمكن أن تكون مترافقة ومتزامنة، أو يُنتقى بعضها تدريجياً. غير أنها جميعاً لا تستثني مواصلة ضغط الكثافة النارية على كل الجغرافيا الأوكرانية، مع تركيز أساسي على مواقع تجمُّع الأسلحة والخبراء الأجانب ومنشآت الطاقة والإمدادات المختلفة. المستوى الأول يتمثل في تنشيط استهداف الناقلات الغربية التي تحمل الإمدادات إلى أوكرانيا. وهذا يعني استهداف السفن والطائرات وغيرها من الناقلات على الأراضي الأوكرانية، وفي أجواء أوكرانيا ومياهها الإقليمية، خلال المرحلة الأولى. وربما لاحقاً إذا دعت الحاجة إلى استهدافها في مناطق عدة أخرى. والمستوى الثاني يقوم على توجيه ضربات محددة إلى «مناطق انطلاق الخطر». والمقصود هنا مناطق في محيط أوكرانيا تُستخدم لتخزين ونقل المُعدات الغربية إلى كييف، أو قد تُستخدم بصورة مباشرة محطاتِ انطلاق لبعض الهجمات. ووفق خبراء عسكريين، فإن هذا المستوى من الرد محفوف بمخاطر الانزلاق نحو مواجهة مباشرة مع «ناتو»، لكنهم يدافعون عن هذا الخيار بالإشارة إلى أن الضربات الروسية يجب أن تكون محددة ودقيقة، وأن تكون ذرائعها واضحة أيضاً. وهنا لا بد من التذكير بالسجال الذي أثاره الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عندما دعا الغرب أخيراً إلى المساعدة المباشرة في أنظمة الحماية الجوية لأوكرانيا؛ بمعنى أن ينخرط الغرب في تشكيل مظلة جوية تحمي أجواء بلاده. وهذا قد يتطلب إطلاق دفاعات جوية من مناطق مجاورة لأوكرانيا، مثل بولندا ورومانيا. وهنا، لا تُخفي بولندا - مثلاً - تأييدها خطوات من هذا النوع، ولقد برَّرت موقفها بالقول إن عليها «التصدي لصواريخ روسية قد تخترق الأجواء الأوكرانية، وتسقط على أراضي بولندا». لكن مثل هذا المدخل يوفر لموسكو الذرائع الكافية لتبنّي أحد خيارات الرد على التهديد المتصاعد، وفقاً لوجهة نظرها. أخيراً، المستوى الثالث للرد الروسي يقوم على نقل التهديد بتسليح خصوم واشنطن، إلى دائرة التنفيذ العملي، وكان بوتين قد لوَّح بذلك الخيار قبل أشهر. وراهناً يرى خبراء أن موسكو تستطيع مساعدة خصوم واشنطن، وحليفاتها على إيقاع ضربات مُوجعة بالولايات المتحدة في مناطق عدة من العالم. وفي هذا الإطار، يرى بعض الخبراء أن مناطق، مثل سوريا والعراق، قد تشهد تصعيداً قوياً ضد مصالح واشنطن، فضلاً عن مناطق أخرى عدة.


مقالات ذات صلة

كييف تتهم موسكو بقصف سفينة تركية في البحر الأسود بواسطة مسيّرة

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لندن (إ.ب.أ)

كييف تتهم موسكو بقصف سفينة تركية في البحر الأسود بواسطة مسيّرة

اتهمت أوكرانيا روسيا بأنها قصفت السبت بواسطة مسيّرة سفينة شحن تركية في البحر الأسود على متنها 11 مواطناً تركياً، وذلك غداة ضربة جوية روسية

«الشرق الأوسط» «الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا صورة جماعية في البيت الأبيض تضم الرئيسين دونالد ترمب وفولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين 18 أغسطس 2025 بمناسبة محادثات حول أوكرانيا (رويترز) play-circle

برلين تستضيف مفاوضات سلام متوترة على وقع تصعيد روسي كبير

من المقرر أن يلتقي المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وزعماء أوروبيين في برلين

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لندن (إ.ب.أ)

زيلينسكي: بدء سريان عقوبات ضد نحو 700 سفينة «تستخدمها روسيا لتمويل الحرب»

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم (السبت) بدء سريان العقوبات التي فرضتها بلاده ضد نحو 700 سفينة تقول إن روسيا تستخدمها لتمويل الحرب.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال تجمع في ماونت بوكونو بولاية بنسلفانيا 9 ديسمبر (د.ب.أ)

استراتيجية ترمب للأمن القومي تهدد تحالفات واشنطن التاريخية

يتناقض رفض الرئيس دونالد ترمب الانخراط في «حروب أبدية» مع التصعيد الكبير الذي يمارسه على فنزويلا عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.

رنا أبتر (واشنطن)
أوروبا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التقى نظيره الروسي في تركمانستان... 12 ديسمبر (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بوتين ترحيبه بجهود ترمب لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا

أبلغ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين يترحيبه بالحوار الذي يقوده الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام مع أوكرانيا

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.