هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

ترمب لا يزال محفزاً قوياً لقاعدته الأشدّ ولاءً لكنها قد لا تكفي لفوزه

لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)
لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)
TT

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)
لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً في الانتخابات. هكذا خسر دونالد ترمب أمام هيلاري كلينتون عام 2016، وخسر جورج بوش الإبن أمام جون كيري عام 2004، لكنهما مع ذلك فازا بالبيت الأبيض. وقد يحتاج الأمر لعدة أسابيع لمعرفة تأثير نتائج مناظرة مساء الثلاثاء، بين نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق ترمب، على الناخبين «المتردّدين». لكن مع ذلك، أشارت النتائج الأولية إلى أن هاريس ربما تكون نجحت في تقديم رسالة أعمق بكثير من مجرّد كونها «منافسة جدّية» لترمب، تسعى إلى تقديم «أوراق اعتمادها» للناخبين بسرعة قياسية.

وسط عجز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عن وقف تحدّي كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالي، مساء الثلاثاء، تمكنت الأخيرة من تكرار الخطاب الذي ألقته في مؤتمر الحزب الديمقراطي، الشهر الماضي. وفيه قالت إنها تمثل «جيلاً» جديداً في السياسة الأميركية، آتياً «إلى واشنطن» من أصول سياسية واجتماعية وثقافية وعِرقية وعُمرية، يعكس التغيير الديمغرافي الكبير الذي تشهده الولايات المتحدة، بدأت تداعياته بانتخاب باراك أوباما أول رئيس من غير البِيض.

ولعلَّ انضمام المغنية الأميركية الشهيرة، تايلور سويفت، التي أُثيرَ حولها كثير من «قصص المؤامرات»، بما فيها الكلام عن «مخطّط» تورّط به «البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)» لدعم هاريس، عبر منصة «إنستغرام» التي يتابعها فيها أكثر من 280 مليون شخص، يعكس هذا الجيل، الذي تُراهن عليه المرشحة الديمقراطية لإحداث التغيير.

سويفت كتبت أنها ستُصوّت لهاريس؛ «لأنها تُناضل من أجل حقوق وقضايا أعتقد أنها بحاجة لمحاربٍ يدافع عنها». وأضافت: «أعتقد أنها شخصية واثقة من نفسها وزعيمة موهوبة، وسيكون بإمكاننا أن نحقق كثيراً في هذه البلاد، إذا كان الزعيم الذي يقودنا هادئاً وليس فوضوياً». وجاء رد ترمب عليها سريعاً بأنه «لم يكن من المعجبين بتايلور سويفت... إنها شخص ليبرالي جداً، ويبدو أنها تؤيد دائماً المرشح الديمقراطي، وستدفع، على الأرجح، ثمن ذلك في السوق».

«تحييد» ترمب

منذ اللحظات الأولى للمناظرة، توجهت هاريس إلى منصة ترمب، وأجبرته على مصافحتها، فارضةً شروطها في إدارة الحوار، الذي سيحكم سلوكها من الآن وحتى يوم الانتخابات، بعد أقل من ثمانية أسابيع.

ومع محاولة هاريس أن تبدو نشيطة ومُفعمة برؤية مستقبلية إيجابية، فهي نجحت عملياً في «تحييده» وتجريده من أسلحته الهجومية، ومنعته من إهانتها بأسلوبه المعروف. لا، بل تمكنت من تأكيد الرسالة التي أرادت، من خلالها، مع عشرات النساء «العاملات» في مؤتمر الحزب الديمقراطي، القول للأميركيين: «إنه لاستعادةِ التوازن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي اختلّ في أميركا، يجب أن نعيد بناء الطبقة الوسطى، التي تَراجع دورها ووزنها لمصلحة فاحشي الغنى والفقراء».

وفي المقابل، وقف ترمب محدّقاً وصارخاً بصوت عالٍ، منتقداً وضع أميركا، واصفاً إياها بأنها «دولة فاشلة». ومع تكراره خطاباته وشعاراته المعروفة، بدا أنه «خارج لعبته»، التي كان يعتقد أنه سيتمكن من مواصلتها في المناظرة معها، فأُصيبَ بالذهول من اللكمات التي تلقّاها من هاريس، من دون أن يتمكن من توجيه سوى قليل منها في المقابل.

هاريس لطيّ الصفحة

استطلاعات الرأي السابقة للمناظرة كانت تشير إلى أن ما يقرب من ثلث الناخبين «يريدون معرفة المزيد» عن هاريس. ولقد بدا أن رفضها الخضوع لضغوط الجمهوريين وانتقاداتهم إياها بسبب امتناعها عن عقد مؤتمرات صحافية مفتوحة، كان مقصوداً لمنع ترمب من الحصول على «داتا» من المعلومات عنها يستطيع استخدامها في مهاجمتها، بعدما أصبحت مرشحة الحزب الديمقراطي.

ومقابل نجاح هاريس في تقديم أداء موجّه؛ ليس فقط لتوسيع ائتلافها من الأقليات، بل النساء والفئات الطموحة لتغيير وضعها الاجتماعي، فشل ترمب في تقديم خطاب مماثل. وبدلاً من أن تردّ هاريس على الضغوط «للتعريف عن نفسها» بشكل أكبر أمام الناخبين، من خلال تحديد مواقفها بشأن السياسات، اختارت الرد عبر تقديم نفسها بصفتها سياسية قوية نشطت بلا هوادة في مهاجمة ترمب.

وهكذا لعبت دور المدَّعي العام منذ بداية المناظرة إلى نهايتها، ولا سيما عندما دعت «إلى طي صفحة ترمب»، ووصفته بأنه تهديد لمستقبل البلاد إذا عاد إلى المكتب البيضاوي، وصوّرته على أنه مهووس بنفسه، وليس بالأشخاص الذين يسعى لخدمتهم.

كذلك قدمت تفاصيل عن إداناته الجنائية، ولوائح الاتهام الموجّهة إليه، حتى إنها استهزأت بشأن أحجام الحشود في مهرجاناته الانتخابية، وصولاً إلى «الانتقادات» التي «سمعتها» من القادة الأجانب والعسكريين، الذين قالت إنهم وصفوه بأنه «عار». وبدا أداؤها مهيمناً ومباشراً وثابتاً لمستوى لم يعهده ترمب من قبلُ في حياته السياسية.

قاعدة ترمب هي الأساس

في المقابل، وبدلاً من أن يبذل ترمب جهداً لتوسيع قاعدته الانتخابية، فإنه حافظ على خطابه وتصوّراته الموجّهة لقاعدته الأكثر ولاءً، ما أدى إلى تآكل قدرته على مخاطبة الناخبين الأكثر اعتدالاً، وبالأخص إحجامه عن توضيح نياته تجاه الناخبين الأساسيين في الولايات المتأرجحة الذين سيقرّرون نتيجة الانتخابات. ثم إن الرئيس السابق بدا، في كثير من الأحيان، أنه يتمنى لو كان لا يزال يناقش مُنافسه السابق، الرئيس جو بايدن. وفي تفسيرها ارتباك ترمب، خاطبته هاريس قائلة: «أنت لا تترشح ضد جو بايدن، أنت تتنافس ضدي».

لقد كان طبيعياً أن يشعر الديمقراطيون بالارتياح من أداء مرشحتهم، مقابل تقليل الجمهوريين من أهمية «فشل» أداء زعيمهم. ومع ذلك، فإنه من السابق لأوانه القول ما إذا كان أداء هاريس القوي سيُترجَم إلى زخم جديد. لذا اكتفي الديمقراطيون بالقول إنها حسّنت فرصها، وسط استطلاعات رأي فورية أجْرتها وسائل إعلام رئيسة كبرى، تشير إلى احتمال أن يكون عدد الناخبين في الولايات المتأرجحة، الذين قد يقرّرون نتيجة الانتخابات المقبلة، وقاموا بتغيير رأيهم، قد وصل إلى 200 ألف شخص.

بدلاً من أن يبذل ترمب جهداً لتوسيع قاعدته الانتخابية... فإنه حافظ على خطابه الموجّه لقاعدته

قوة ترمب... ملفا الاقتصاد والهجرة

غير أن عدداً كبيراً من المعلّقين أشار إلى أن خسارة ترمب المفترضة للمناظرة لم تُفقده «الأفضلية» التي لا يزال يتمتع بها منذ فترة طويلة في أهم قضيتين في الانتخابات: الاقتصاد والهجرة.

ومع استمرار انتظار كثير من الناخبين تحقيق الوعود بانتعاش اقتصادي - الذي لن يأتي خلال الأسابيع الثمانية المقبلة - من غير المؤكَّد أن تُشكّل المناظرة عاملاً حاسماً في تغيير اتجاهات تصويتهم. ومن ناحية ثانية، وإنْ بدت رسائل ترمب «الشعبوية» المتشائمة بشأن الهجرة والجريمة مُبالَغاً فيها، فإنها أثبتت فاعليتها في بلدٍ يعيش انقساماً عميقاً تَغذَّى من انهيار كثير من شبكات الأمان الاجتماعية نتيجة اتساع الهوة بين طبقات المجتمع الأميركي، والتغييرات البنيوية التي أصابت الإنتاج الاقتصادي. وعليه، يحذّر خبراء من أن بعض الأحداث غير المتوقعة، داخلياً وخارجياً، قد تسهم، خلال الشهرين المقبلين، في ترجيح كفة أحد المتنافسين على مُنافسه.

وحقاً، تَعِد الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية بأن تكون مثيرة للجدل، مثل المناظرة التي استمرت 90 دقيقة بين ترمب وهاريس. إذ أظهرت استطلاعات الرأي غياب «الزعيم» الواضح لشعب متوتر حائر. ورغم تمكن هاريس من التصدّي لصدامية شخصية ترمب و«ذكوريته» - على الأقل جزئياً بأدائها القوي والثابت - ففي سباق متقارب... لا يستطيع أي من المرشحين تحمّل العثرات أو الأخطاء.

وبالفعل، حذّر عدد من الجمهوريين من أن استخفاف ترمب بهاريس جعله يُقبِل على مناظرة لم يتوقعها. وكان سبق له أن استخفَّ بها شخصياً، وشكَّك في ذكائها وهويتها. وعندما حُوصر في المناقشة، استخدم قضية الهجرة لشنّ الهجوم المضاد، لكنه كرر أيضاً كثيراً من الادعاءات غير المثبَتة... التي لم تُسعفه كثيراً.

سباق متقارب رغم كل شيء

تكراراً، استراتيجية ترمب كانت تهدف، إلى حد ما، إلى جذب قاعدته المُوالية فقط، التي يراهن على أنها هي كل ما سيحتاج إليه للفوز في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وحتماً، كانت تلك القاعدة راضية عن هجماته المتواصلة على سِجلّيْ بايدن وهاريس، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد والهجرة والسياسة الخارجية. لكن مع منافسة شديدة بينهما، بدت هاريس، بجاذبيتها التي فتحت صفحة جديدة، أكثر اهتماماً منه بتوسيع دعمها بما يكفي لتجاوزه في نوفمبر.

ومع هذا، لا بد من القول إنه على الرغم من كل الاضطرابات والتغييرات التي جرت، الشهرين الماضيين، وكل ما قاله ترمب وفعله، بما في ذلك إدانته بارتكاب جريمة، وهجماته الشخصية على هاريس، لا تزال استطلاعات الرأي تشير إلى أن انتخابات عام 2024 متقاربة بشكل شديد، وكأنها نزالٌ أخير في معركة بين «جيلين» ستُغيّر؛ ليس فقط مستقبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بل أميركا نفسها.

قبل المناظرة، ركز معظم التعليقات على ما يتوجب على هاريس فعله، والأخطار التي تهددها إذا كان أداؤها ضعيفاً. بَيْد أنها بعد العرض المشجِّع الذي قدمته، ستحاول، الآن، الحفاظ على الزخم الذي حققته في الأسابيع المقبلة.

كذلك مع انسحاب بايدن، تحوّلت هاريس من مرشحة بديلة إلى مرشحة ديمقراطية رائدة بين ليلةٍ وضحاها، مستفيدة من موجة الحماسة التي سبقت مؤتمر الحزب، في شيكاغو، الشهر الماضي، وتخلَّلته وتَلَتْه.

بالنسبة للديمقراطيين، فإن مجرد عودتهم إلى السباق جاءت بمثابة دفعة معنوية. وبعدما كانوا يخشون من عجز بايدن عن الفوز في الانتخابات، حرّكت هاريس استطلاعات الرأي بأربع إلى خمس نقاط في جميع ولايات الصراع الرئيسة، وفقاً لاستطلاعات رأي عدة. وبعكس بايدن، أعادت هاريس توحيد الديمقراطيين حول ترشيحها لتُعيد السباق الرئاسي، على الأقل، إلى معركة تنافسية عنيفة بعدما بدا أن ترمب في طريقه إلى فوز محتّم. وبالفعل، قالت، للصحافيين في قاعة مراقبة المناظرة، إن «اليوم كان يوماً جيداً»، إلا أنها حذّرت من سباق «متقارب جداً... وما زلنا الطرف المستضعَف في هذا السباق».

أخيراً، في انتخابات متقاربة الأنفاس للغاية، يرى خبراء الانتخابات أن كل شيء مهم، المناقشات، والرسائل، والإعلانات، والحماس، وأين ومتى يقوم المرشحون بحملاتهم. ومع قول هاريس إنها «المستضعَفة»، وبالنظر إلى المفاجأة التي حققها ترمب عام 2016، من المحتمل أن يكون تحذيرها هذا هو الموقف الصحيح الذي يجب اتخاذه، فهي جاءت إلى المناظرة لإثبات شيء ما، وفعلت ذلك، لكنها لا تستطيع أن تتوقف، ولا يوجد ثمة هامش للخطأ.

 

الولايات السبع المتأرجحة هي الأكثر قسوة في التشدد لحسم السباق الرئاسي

يُنظَر إلى الديمقراطيين على أنهم يتمتعون بقدرات ميدانية قوية لحضّ الناخبين على التصويت، كما أثبتوا ذلك في الانتخابات النصفية عام 2022، عندما كان أداؤهم أفضل بكثير مما أشارت إليه استطلاعات الرأي والتوقعات. لكن الوقع قد يختلف بوجود ترمب على بطاقة الاقتراع، إذ أثبت أنه مُحفّز قوي للقاعدة الجمهورية، حتى في غياب البنية التحتية الضرورية لحملته في كل ولاية على حدة. ومع إدراك الديمقراطيين أن عليهم العمل لدفع ناخبيهم إلى مراكز الاقتراع، فهم يشعرون بالقلق من أن أنصار ترمب الغاضبين والقلِقين لا يحتاجون للتحفيز.ومع بقاء أقل من ثمانية أسابيع على الانتخابات، تبدو المنافسة شديدة الحرارة إحصائياً على الصعيد الوطني. والأهم من ذلك أن ولايات الصراع السبع التي ستقرر النتيجة: ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن ونورث كارولينا وجورجيا ونيفادا وأريزونا، تبدو أيضاً أكثر قسوة، استناداً إلى متوسطات استطلاعات الرأي، التي أجرتها أربع مؤسسات هي: «الواشنطن بوست»، و«النيويورك تايمز»، و«الريل كلير بوليتيكس»، و«538».إذ ارتفع معدل هاريس نقطتين مئويتين في ميشيغان، وتعادلت بنقطة مئوية مع ترمب في جورجيا وأريزونا. وتُظهر بنسلفانيا، التي يرى عدد من المحللين أنها مفتاح الانتخابات، أن هاريس تتقدم بفارق نقطة أو نقطتين مئويتين. أما الولاية الوحيدة التي يتقدم فيها أحد المرشحين بأكثر من نقطتين مئويتين فهي ولاية ويسكونسن، حيث تتمتع هاريس بفارق ثلاث نقاط مئوية في المتوسط. ومع هذا، ففي أربعة من الانتخابات الستة الماضية في ويسكونسن - بما في ذلك عاما 2020 و2016 - كان هامش الفائز نقطة مئوية أو أقل، ما يشير إلى وجود منافسة حامية الوطيس هناك.تقدّم الانتخابات الماضية للديمقراطيين تحذيرات تفرض عليهم التوقف أمام نتائجها، إذ تقدَّم ترمب، في استطلاعات الرأي خلال عامي 2016 و2020، لكنه ربح الأولى، وخسر الثانية. وفي ساحات الصراع الشمالية الثلاث، قلّلت استطلاعات الرأي، قبل الانتخابات، من دعم ترمب النهائي بثلاث نقاط في ميشيغان، وثلاث نقاط في بنسلفانيا، وخمس نقاط في ويسكونسن. وفي الوقت نفسه، تُظهر متوسطات موقع «الريل كلير بوليتيكس»، أن دعم ترمب يتقدّم، هذا العام، مقارنة بما كان عليه قبل أربع سنوات.


مقالات ذات صلة

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع  تأتي رئاسة تراوري في فترةٍ تواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة

إبراهيم تراوري... رئيس بوركينا فاسو وقائد حربها الشرسة ضد «الإرهاب»

رغم تعهّد النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، بألا يبقى في السلطة، فإنه مدّد فترة الحكم الانتقالي خمس سنوات إضافية، راهناً إجراء الانتخابات التي كان من

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع بليز كومباووري (أ.ف.ب)

بوركينا فاسو... 9 سنوات من مواجهة «الجماعات المسلحة»

لم تعرف بوركينا فاسو (أعالي الفولتا) استقراراً سياسياً لعقود طويلة، فمنذ استقلالها عن فرنسا عام 1960 شهدت تسعة انقلابات عسكرية؛ كان آخِرها الانقلاب الذي قاده

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)

كمال المدّوري... رئيس حكومة تونس الجديد أكاديمي مستقل أولويته «الأمن الاجتماعي»

عندما اختاره الرئيس سعيّد وزيراً للشؤون الاجتماعية، ثم رئيساً للحكومة يوم 7 أغسطس، أخذ في الحساب خلفيته الإدارية وخبرته الطويلة في الملفات النقابية والسياسية
عندما اختاره الرئيس سعيّد وزيراً للشؤون الاجتماعية، ثم رئيساً للحكومة يوم 7 أغسطس، أخذ في الحساب خلفيته الإدارية وخبرته الطويلة في الملفات النقابية والسياسية
TT

كمال المدّوري... رئيس حكومة تونس الجديد أكاديمي مستقل أولويته «الأمن الاجتماعي»

عندما اختاره الرئيس سعيّد وزيراً للشؤون الاجتماعية، ثم رئيساً للحكومة يوم 7 أغسطس، أخذ في الحساب خلفيته الإدارية وخبرته الطويلة في الملفات النقابية والسياسية
عندما اختاره الرئيس سعيّد وزيراً للشؤون الاجتماعية، ثم رئيساً للحكومة يوم 7 أغسطس، أخذ في الحساب خلفيته الإدارية وخبرته الطويلة في الملفات النقابية والسياسية

فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيّد المراقبين السياسيين داخل البلاد وخارجها، الذين كانوا يتابعون «مستجدات ملفات الانتخابات الرئاسية»، فأعلن قبل أسابيع من الموعد الانتخابي عن تغيير حكومي واسع، وتعيين البروفسور كمال المدّوري، وهو شخصية أكاديمية وإدارية وسياسية مستقلة، على رأس الحكومة الجديدة خلفاً للمستشار القانوني المخضرم أحمد الحشّاني الذي مرت سنة واحدة على تعيينه رئيساً للوزراء. المدّوري ليس غريباً عن قصر رئاسة الحكومة، إذ سبق له أن تولى منصب مستشار قبل تعيينه في مايو (أيار) الماضي وزيراً للشؤون الاجتماعية تتويجاً لمسيرة أكثر من 20 سنة على رأس عدد من المؤسسات الحكومية المكلفة بملفات «الأمن الاجتماعي». والواضح أن الرئيس التونسي عبر تعيينه «صديق النقابيين» والخبير الدولي في التفاوض على رأس الحكومة، استبق محطة 6 أكتوبر (تشرين الأول) الانتخابية التي يريد أن يعبر بها إلى «الدورة الرئاسية الثانية»، وسط تزايد مخاوف المعارضة والنقابات من تسارع «تدهور أوضاع الاجتماعية للطبقات الشعبية بسبب نسب التضخم والبطالة والفقر المرتفعة».

يأتي قرار الرئيس قيس سعيّد تعيين البروفسور كمال المدّوري رئيساً جديداً للحكومة بمثابة «سحب البساط» من تحت معارضيه النقابيين والسياسيين، الذين تضاعفت انتقاداتهم مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، وتزايد الكلام عن تدهور القدرة الشرائية للعمال والمتقاعدين والفقراء، رغم القرارات الرئاسية الجديدة، ومنها ترفيع جرايات التقاعد ورواتب قطاع من الأجراء.

وبدا واضحاً وجود إرادة سياسية للتأكيد على أن القرارات المركزية للدولة، بما فيها تلك المتعلقة بالأمن الاجتماعي ومستقبل الاقتصاد «تصنع في قصر الرئاسة» في قرطاج ، بصرف النظر عن مآلات انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

مستقل من «حزب الإدارة»

لقد نوّه عدد ممّن عملوا مع المدّوري طوال السنوات العشرين الماضية، في المؤسسات الحكومية والإدارية للدولة، بخبرته في تسيير مفاوضات الحكومة مع نقابات العمال ورجال الأعمال داخلياً، وأيضاً نجاحاته الدولية عبر دوره في مفاوضات تونس مع المفوضية الأوروبية حول «سياسة الجوار الأوروبية» و«وضعية الشريك المميّز».

وفي حين كانت البعثات الأوروبية والدولية المفاوضة في بروكسل وبرشلونة وجنيف تدفع تونس ودول جنوب البحر الأبيض المتوسط - كما هو مألوف - نحو «تحرير» الاقتصاد بتقليص العمالة، وتخفيف «الأعباء الاجتماعية للدولة»، و«خفض نسبة الرواتب في ميزانية الدولة»، صمد المدّوري ومعه الفريق الحكومي التونسي في وجه هذا الدفع. بل مارس هو ورفاقه دفعاً مضاداً ضاغطاً على «الشركاء الأوروبيين» والمؤسسات الدولية من أجل إبعاد تونس عن تجرّع مرارة الاقتطاعات الخدمية المرتجلة والمؤلمة شعبياً التي قد تفجّر اضطرابات أمنية اجتماعية سياسية وأعمال عنف، كالأحداث الدامية والمواجهات التي عرفتها تونس مطلع عامي 1978 و1984، ثم منذ 2010 - 2011.

هذا الرصيد كان على يبدو أحد أسباب اختيار رئيس الدولة لهذا الأكاديمي والإداري المجرّب لترؤّس الحكومة. وبالمناسبة، كان المدّروي أحد طلبة سعيّد في كلية الحقوق والعلوم القانونية والسياسية والاجتماعية، قبل أن ينضم إلى «حزب الإدارة»، أي إلى صفّ «كبار الموظفين في جهاز الدولة» الذين ليست لديهم انتماءات حزبية أو سياسية، بل تميّزوا باستقلاليتهم وحيادهم وولائهم «للوظيفة الحكومية» بصرف النظر عن الحاكم.

ابن «الجهات المهمشة»

من جهة ثانياً، بخلاف معظم رؤساء الحكومات منذ 1955، فإن المدّوري من مواليد «الجهات الزراعية المهمّشة»، وتحديداً مدينة تبرسق الجبلية الصغيرة، الواقعة على مسافة 100 كيلومتر جنوب غربي العاصمة تونس، والغنية بمياهها العذبة ومزارعها الجميلة.

هذه المدينة الصغيرة أسّست قبل أكثر من 2000 سنة في عصر «اللوبيين» قرب مدن تاريخية قرطاجنية رومانية ونوميدية شهيرة مثل دقة وباجة والكاف، ناهيك من بلاريجيا، عاصمة «النوميديين»، حسب المؤرخ والمفكر التونسي محمد حسين فنطر. وكان اسمها الأصلي القديم «تبرسوكوم»، أي «سوق الجلود»، باعتبار تلك المنطقة الواقعة شمال غربي تونس غنية فلاحياً، وتنتشر فيها الزراعات الكبرى للحبوب وتربية المواشي. غير أنها صارت مهمشة منذ 70 سنة.

ويبدو أن الرئيس سعيّد - وهو من مواليد تونس العاصمة، لكن أصوله تعود إلى الأرياف الزراعية بمحافظة نابل (100 كيلومتر شرق العاصمة) - أراد باختيار تلميذه السابق توجيه رسالة ردّ اعتبار لأبناء الجهات الفقيرة والمهمّشة. وهي الرسالة ذاتها التي ربما أراد توجيهها عندما عيّن هشام المشيشي ابن بلدة بوسالم، في محافظة جندوبة الحدودية مع الجزائر، وزيراً للداخلية ثم رئيساً للحكومة في 2020 و2021.

«تكنوقراط» وسياسي

في أي حال، منذ الإعلان عن تعيين المدّوري رئيساً للحكومة تفاوتت التقييمات لشخصيته ومؤهلاته. إذ انتقد بعض الساسة والكتّاب، بينهم وزير التربية السابق وعالم الاجتماع سالم الأبيض، تعيين شخصية «غير سياسية» على رأس الحكومة. وقال الأبيض إن تعلّم السياسة «ليس أمراً يسيراً بالنسبة لتكنوقراطي» يخلو رصيده من تجارب مع الأحزاب والحركات السياسية القانونية وغير القانونية وأخرى مع مؤسسات المجتمع المدني.

ولكن، في المقابل، ثمّن آخرون «ثراء تجربة» رئيس الحكومة الجديد، ولا سيما كونه طوال أكثر من 20 سنة من أبرز كوادر الإدارة والدولة الذين تفاوضوا مع قيادات نقابات العمال ورجال الأعمال والمزارعين وهيئات صناديق «الضمان الاجتماعي والتقاعد» التي تهم ملايين الموظفين والمتقاعدين في القطاعين العام والخاص في البلاد. وللعلم، شملت تلك المفاوضات الملفات «السياسية والاجتماعية الحارقة»، بينها القضايا الخلافية التي كانت تتسبب في تنظيم آلاف الإضرابات العمالية وغلق مئات الشركات أو نقل جانب من أنشطتها خارج تونس.

وبناءً عليه، عندما وقع عليه اختيار الرئيس سعيّد يوم 25 مايو (أيار) الماضي وزيراً للشؤون الاجتماعية، ثم يوم 7 أغسطس (آب) رئيساً للحكومة، فإنه لا بد أنه أخذ في الحساب خلفيته الإدارية وخبرته الطويلة في الملفات النقابية والسياسية. ثم إن تعيين المدّوري الآن يؤكد تزايد البُعد السياسي الاستراتيجي لقطاع «الأمن الاجتماعي»، وأيضاً اعتماد «نظام رئاسي مركزي» منذ 2021.

خلفيات أكاديمية وصلات خارجية

أكاديمياً، تخرّج المدّوري أولاً في الجامعة التونسية، وتحديداً في كلية الحقوق والعلوم السياسية والقانونية بتونس، التي كانت مناهجها الأقرب إلى مناهج الجامعات الفرنسية. وفي الوقت نفسه، تابع دراساته العليا في جامعات أوروبية، وحصل على شهادة «دكتوراه الحلقة الثالثة» في قانون المجموعة الأوروبية والعلاقات المغاربية الأوروبية. وأهّلته هذه الشهادة الجامعية الأوروبية لاحقاً للعب دور بارز خلال مفاوضات تونس مع الاتحاد الأوروبي ومع الدول المغاربية حول «المنطقة الحرة الأورو متوسطية» والشراكة الاقتصادية وبرامج «سياسة الجوار».

بالتوازي، يُعد الرجل من جيل «المخضرمين» كونه حصل أيضاً على شهادات عُليا من مؤسسات جامعية خاصة بكبار الكوادر السياسية للدولة، بينها شهادة ختم الدراسات بالمرحلة العليا في «المدرسة الوطنية للإدارة» في تونس، وأخرى من معهد الدفاع الوطني. ولقد مكّنته هذه الشهادات والخبرة من التدريس في جامعات إدارية مدنية وأمنية وعسكرية، منها المدرسة العليا لقوات الأمن الداخلي. وأيضاً، ساعدته هذه الخبرة المزدوجة الإدارية السياسية الأمنية العسكرية كي يكون «مفاوضاً دولياً»، بما في ذلك مع مؤسسات «مكتب العمل الدولي» في سويسرا ومكاتب العمل وصناديق التنمية العربية والإقليمية وغيرها من المؤسسات التي تجمع في الوقت عيّنه ممثلي الحكومات ومنظمات رجال الأعمال ونقابات العمال.

وبحكم خصوصية الشراكة بين تونس مع ليبيا والجزائر والمغرب، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً واجتماعياً، ساهم المدّوري مطولاً في المفاوضات مع الشركاء المغاربيين حول ملفات «الأمن الاجتماعي».

مسؤوليات

من جانب آخر، نظراً لما تشكو منه آلاف المؤسسات العمومية والخاصة في تونس منذ عهد الرئيس زين العابدين بن علي من صعوبات مالية وعجز عن تسديد مساهماتها في «الصناديق الاجتماعية»، عيّن كمال المدّوري خلال العقدين الماضيين الماضية ليرأس «الإدارة العامة للضمان الاجتماعي» في وزارة الشؤون الاجتماعية ثم مؤسسات صناديق التقاعد والتأمين على المرض. وكانت مهمته سياسية بامتياز: إبرام اتفاقات بين الحكومة والقطاع الخاص والنقابات وتجنيب البلاد مزيداً من الإضرابات والاضطرابات، ثم إنقاذ الصناديق الاجتماعية من سيناريوهات الإفلاس والعجز عن دفع مستحقاتها لملايين العمال والموظفين والمتقاعدين.

وفعلاً أبرمت الصناديق الاجتماعية والنقابات والحكومة بفضل تلك الجهود، قبل سنوات، اتفاقيات أثمرت «إصلاحات جذرية» تخلّت الدولة بفضلها عن «الحلول السهلة»، وبينها سياسة «التداين من البنوك التونسية» بصفة دورية بهدف تسديد رواتب الموظفين وجرايات المتقاعدين.

صعوبات وأوراق سياسية

في المقابل، لا يختلف اثنان على حجم المخاطر الاقتصادية الاجتماعية والسياسية الأمنية التي ستواجهها الحكومة الجديدة ورئيسها، في مرحلة تعمقت فيها التناقضات بين النقابات والمعارضات والسلطات المركزية، وتوشك أن تزداد عمقاً بعد انتخابات 6 أكتوبر.

ولا شك أن الرئيس سعيّد أدرك ذلك، ولذا أبعد شخصيات «مثيرة للجدل» من قصري قرطاج والقصبة، وغيّر أكثر من ثلثي الفريق الحكومي. وفي المقابل، اختار مزيداً من «التكنوقراط» الذين ليست لهم «صفة آيديولوجية وحزبية»، وطالبهم بالانسجام في الحكومة الجديدة. وبالفعل، أسفر «التعديل الحكومي الأول» الذي أجراه سعيّد ورئيس حكومته الجديد قبل أيام عن إبعاد مزيد من رموز المشهد السياسي والآيديولوجي القديم، وتعيين مزيد من «الخبراء المستقلين» الأكثر انسجاماً مع «دستور 2022»، الذي نصّ على كون مهمة رئيس الحكومة وكامل الفريق الحكومي «مساعدة رئيس الجمهورية» على إنجاز برامجه وسياسته، لا العكس.