فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

3 مرشحين و24 مليون ناخب معظمهم من الشباب و856 ألفاً في الخارج

الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
TT

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى الشوارع كل يوم جمعة للمطالبة بالتغيير الجذري للنظام. سيصوت الناخبون لأحد المرشحين الثلاثة، وهم: الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبّون، والمرشح المعارض يوسف أوشيش من حزب «جبهة القوى الاشتراكية»، وهو أقدم حزب معارض في الجزائر، أسّسه حسين آيت أحمد، أحد زعماء الثورة الجزائرية، وهو ذو توجه علماني، إضافة إلى المرشح عبد العالي حساني شريف، وهو رئيس «حزب مجتمع السلم» الإسلامي المعروف بـ«حمس» الذي يعّد من أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، وهو ذو توجه «إخواني» محافظ. ووفق الأرقام التي قدّمتها السلطة الجزائرية المستقلة للانتخابات، التي تتولى عملية الإشراف على سير العملية الانتخابية، تصل الكتلة التصويتية للجزائريين في الداخل إلى 42 مليون ناخب، معظمهم من الشباب. أما في الخارج فيقدر عددهم بـ865 ألفاً و490 ناخباً، 45 في المائة نساء و55 في المائة رجال، بينما بلغت نسبة الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة 15.43 في المائة. ويشمل العدد الإجمالي للجان الانتخابية في الخارج 117 لجنة، موزعة كالتالي: 18 لجنة في فرنسا، و30 لجنة في باقي الدول الأوروبية، و22 لجنة في الدول العربية، و21 في الدول الأفريقية، و26 في كل من آسيا وأميركا.

مع كل استحقاق انتخابي تنظمه الجزائر، تطفو إلى السطح عبارة «الكتلة الصامتة»، أو مشكلة المشاركة الضعيفة التي أخذت حيّزاً مهمّاً لدى المرشحين، إذ يدعو الجميع هذه الفئة إلى المشاركة في الانتخابات والذهاب إلى صناديق الاقتراع. وكانت انتخابات 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019 قد سجلّت نسبة مشاركة قدّرت بـ39.93 في المائة ، في حين بلغت في رئاسيات 2014 نحو 51.7 في المائة.

النائب البرلماني علي محمد ربيج كان قد قال في تصريح صحافي أخيراً إن «الكتلة الصامتة التي تُعد بالملايين تقرّر في كل مرة بصورة إرادية أو غير إرادية ألا تشارك في العملية الانتخابية». وأردف أن «هذه الكتلة براغماتية نفعية، وربما تشارك وفق مجموعة من الشروط»، مشيراً إلى أنها تتساءل عند كل استحقاق حول قدرة الانتخابات على تغيير الحياة اليومية للمواطن، وتحسين ظروفه المعيشية، وما إذا كانت العملية الانتخابية محسومة مسبقاً أم لا، وغيرها من الأسئلة التي تطرحها هذه الكتلة الصامتة في كل مرة. وتابع من ثم: «لذا حرص كل من المرشحين الثلاثة في حملاتهم الانتخابية على استقطاب هذه الشريحة ببرامج تعبّر عن تطلعاتهم، فكانت الأولوية للملفات الاجتماعية والاقتصادية لإيقاظ هذه الفئة».

تبّون: دعم سياسي ... وحظوظ أوفر

يُعد الرئيس الحالي عبد المجيد تبّون، الذي كان قد فاز بولاية رئاسية أولى عام 2019 خلفاً للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، المرشح الأوفر حظاً. وكان تبّون قد أعلن في مارس (آذار) الماضي عن إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة في 7 سبتمبر (أيلول) أي قبل 3 أشهر من موعدها المقرّر مسبقاً. ورغم انتمائه لحزب «جبهة التحرير الوطني»، فإنه يترشح اليوم بصفته «مستقلاً»، وذلك حسب تصريحاته: «نزولاً عند رغبة أحزاب سياسية ومنظمات وطنية مختلفة».

وحقاً، أعلن أبرز الأحزاب السياسية في الجزائر، ومنها «جبهة التحرير الوطني» و«جبهة المستقبل» و«التجمع الوطني الديمقراطي» و«صوت الشعب» و«حركة البناء الوطني»، خلال يونيو (حزيران) الفائت، دعمها ترشيح الرئيس تبّون لولاية رئاسية ثانية. إذ أكد رئيس «جبهة المستقبل» فاتح بوطبيق في تجمع نظّم بقاعة الأطلس بالعاصمة أن «المرشح» عبد المجيد تبّون يعّد رجل «المرحلة المقبلة»، معتبراً أن برنامجه الانتخابي يحمل نظرة شاملة للتكفل بمختلف انشغالات المواطن. أما رئيس «حركة البناء الوطني» عبد القادر بن قرينة فوصف تبّون بأنه يملك «نظرة استشرافية تسمح بالتوزيع العادل للثروات وخلق أقطاب اقتصادية في جميع ربوع الوطن». إلا أن دعم «جبهة التحرير الوطني» يبقى العنصر الأهم، ذلك أنها تاريخياً «القوة السياسية الأولى في البلاد»، ثم إن «جبهة التحرير» تحظى بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، وهو 98 مقعداً.

ثم إنه، فضلاً عن هذا الدعم الحزبي، يتمتع تبّون بتأييد مؤسسة الجيش، إذ تميزت علاقته برئيس الأركان الحالي السعيد شنقريحة بكثير من الاستقرار، وثمة إشارات متعددة إلى أن مؤسسة الجيش تراه مناسباً للاستمرار في المنصب، خصوصاً بعد مقال نشرته مجلة «الجيش» بداية هذا العام، تحدث عن «الإنجازات التي تجسّدت إلى الآن، وصواب نهج الرئيس الإصلاحي».

مسيرة سياسية حافلة

ولد الرئيس عبد المجيد تبّون في ولاية النعامة، الواقعة بشمال غربي الجزائر، يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1945 لعائلة محافظة، وكان والده الحاج أحمد تبّون إماماً وعضواً في جمعية العلماء المسلمين.

تخرّج الشاب عبد المجيد في المدرسة الوطنية للإدارة عام 1969، متخصصاً في الاقتصاد والشؤون المالية. وشغل على الإثر عدة وظائف سامية في المؤسسات الإدارية للدولة. وواصل مسيرته المهنية ليصار إلى ترقيته في منصب الأمين العام، ثم عُيّن والياً في عدة محافظات. وفي عام 1991، التحق تبّون بحكومة سيد أحمد غزالي كوزير منتدب مكلّف بالجماعات المحلية. ثم في عام 1999 شغل منصب وزير الاتصال والثقافة، وفي عام 2001 منصب وزير السكن والعمران إلى 2002.

بعدها، عاد تبّون في 2012 ليشغل من جديد منصب وزير السكن والعمران، وفي 2017 جرى تعيينه وزيراً أول ثم رئيساً للجمهورية في الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر 2019 بنسبة 58.13 في المائة.

برنامج من أجل «جزائر جديدة»

يخوض الرئيس تبّون الانتخابات اليوم ببرنامج طموح يحمل شعار «الجزائر الجديدة»، مؤكداً على أنه يريد استكمال العمل الذي بدأه عام 2019. على الصعيد الاقتصادي، وعد الرئيس بمحاربة الفساد والقضاء على ما يطلق عليه عملية «تضخيم الفواتير» التي استنزفت الأموال الجزائرية بالعملة الصعبة. وفي برنامج وثائقي بثّه التلفزيون الجزائري بعنوان «الجزائر الجديدة... الرؤية والتجسيد»، جرى إبراز الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي عرفتها البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة، أهمها الشروع في سياسة جديدة لتشجيع الاستثمار من أجل «تنويع المداخيل والتقليل من التبعية للمحروقات». وللعلم، يعتمد اقتصاد الجزائر على صادرات الغاز، وكانت البلاد قد استفادت من الغزو الروسي لأوكرانيا لتجديد العلاقات مع الدول الأوروبية في مجال إمدادات الطاقة، وأثمرت الخطوة أن أصبحت «واحدة من 4 دول فقط في العالم، تجاوزت العتبة من تصنيف الدخل المتوسط الأدنى إلى المتوسط الأعلى»، وفقاً لأحدث تقرير سنوي لتصنيف الدخل من البنك الدولي. وعلى ضوء المعلومات التي تفيد بأن سعر الغاز الطبيعي قد قفز 4 أضعاف ما كان عليه قبل بداية الحرب في أوكرانيا.

ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، وضع الرئيس تبّون ما سُمّي بـ«قانون الاستثمار الجديد» الذي تضّمن تسهيلات كبيرة للمستثمرين الوطنيين والأجانب، ووضع منصة رقمية للمستثمر، كما أعلِن عن تسجيل «أزيد من 7 آلاف مشروع استثماري جديد لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار». وتوقف المصدر نفسه أيضاً عند أهم المشاريع الاستثمارية الكبرى التي أطلقتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، كمركّب بلارة للحديد والصلب بولاية جيجل (شرق الجزائر)، الذي يتربع على مساحة تقدر بـ216 هكتاراً، ومجمّع توسيالي - الجزائر للحديد والصلب، وهو استثمار اقتصادي ناتج عن شراكة استراتيجية جزائرية تركية، ومنجم الحديد بغار جبيلات (جنوب الجزائر) الذي يعّد أكبر استثمار منجمي بالجزائر منذ الاستقلال، إضافة إلى مشروع خطوط السكك الحديدية، التي ستربط مدن الجنوب بعضها ببعض، وأخرى مع دول الجوار كتونس وموريتانيا.

ولقد وعد الرئيس الجزائري أيضاً بمواصلة سياسة الدعم الاجتماعي التي تشمل مختلف الفئات، وأهمها البرامج السكنية لذوي الدخل الضعيف، إلى جانب رفع المنح الموجهة للمرأة الماكثة بالبيت وذوي الاحتياجات الخاصة والمتقاعدين وأجور الموظفين، وذلك بعد الإعلان عن خلق نحو 450 ألف منصب شغل لاستيعاب مشكلة البطالة، التي تصل إلى 12 في المائة، حسب الأرقام التي نشرتها منظمة العمل الدولية.

في المجال السياسي

أما في المجال السياسي، فقد اهتم الرئيس تبّون بتكثيف التعاون الدولي، فزار روسيا وتركيا والبرتغال والصين ودولاً عديدة. وأكّد على موقف الجزائر في مناصرة القضايا العادلة، كالقضية الفلسطينية التي يعدّها الرئيس الجزائري «القضية المقدسة». ودبلوماسياً، اتسمت الفترة الأخيرة ببعض الأزمات والتوترات، مع الإشارة إلى أن الرئيس الجزائري حاول إعادة هيكلة العلاقات الدبلوماسية والتاريخية بين فرنسا والجزائر، غير أن العلاقة بين البلدين تعكرت من جديد، إلى درجة أن هناك تساؤلات بشأن جدوى الزيارة التي كان من المفروض أن يقوم بها إلى باريس في الخريف المقبل، في حال فاز بالانتخابات الرئاسية.

يوسف اوشيش (الإذاعة الجزائرية)

يوسف أوشيش.. الوجه الشاب في الانتخابات

يوسف أوشيش يعدّ الوجه الشاب في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، إذ ولد يوم 29 يناير (كانون الثاني) 1983 في بوغني، بمنطقة القبائل شمال الجزائر، وفيها درس حتى حصوله على البكالوريا عام 2003. وفي العام نفسه التحق بجامعة الجزائر حيث تابع دراسته على مستوى كلية العلوم السياسية، وحصل منها على شهادة في العلوم السياسية، تخصّص العلاقات الدولية. في الجامعة، تميّز أوشيش بالتزامه النقابي والسياسي. وبعد التخرج عمل صحافياً خلال الفترة من 2008 إلى 2012 وانخرط في صفوف حزب «جبهة القوى الاشتراكية» قبل تجاوز سن الـ19 سنة. وسياسياً، مارس عدة مسؤوليات داخل الحزب، حيث شغل منصب رئيس «المجلس الشعبي الولائي» بولاية تيزي وزو في 2017، وكان آنذالك أصغر رئيس في هذا الجهاز السياسي. وضع أوشيش برنامجه السياسي تحت شعار «رؤية الغد»، معلناً في لقاء صحافي مع جريدة «لكسبرسيون» أن ترشحه جاء من «أجل فرض نظرة جديدة وإصلاح الوضع العام، سواء أكان سياسياً أم مؤسساتياً»، وهو يدافع عن منهج الاشتراكية، والنظام شبه الرئاسي ذي التوجه البرلماني. ثم إنه التزم في حال فوزه بتقديم منحة للنساء الماكثات في البيت، ورفع الحد الأدنى للأجور، إضافة إلى إعادة النظر في اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.

 

عبد العالي حساني شريف (الإذاعة الجزائرية)

عبد العالي حساني شريف... عودة التيار الإسلامي

بعد سنوات من الغياب عن الانتخابات الرئاسية، قرر «حزب مجتمع السلم» (حمس) خوض غمار الرئاسيات، ورشح عبد العالي حساني شريف ممثلاً له، تحت شعار «فرصة». وللعلم، «حزب مجتمع السلم» يعدّ حالياً أكبر تنظيم إسلامي سياسي في الجزائر، كما يعدّ أكبر قوة معارضة داخل البرلمان (المجلس الشعبي الوطني)، إذ يملك 65 مقعداً من أصل 407.ولد عبد العالي حساني شريف عام 1966 بولاية المسيلة، بجنوب شرقي الجزائر. وزاول دراسات في الهندسة، وكان مسؤولاً في التنظيم والرقمنة داخل المؤسسة الحزبية، قبل أن يرأسها عام 2023. اقتصادياً، يدافع مرشح التيار الإسلامي عن السوق الحرة، وتأسيس ما يسميه «بالصرافة الإسلامية» مع فتح بنوك إسلامية في جميع مناطق الوطن. ويرتكز برنامجه الاقتصادي على المنافسة والمبادرات الحرة، مع حماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وسياسياً، يؤيد إصلاحاً دستورياً وقانونياً لبيئة الحكم، إضافة إلى دعم إصلاح مؤسساتي يعمق دولة الحق والقانون. ولقد وعد حساني في حال فوزه بكرسي الحكم، بمراجعة التقسيم الإداري، بهدف إنعاش التنمية بالمناطق الشاسعة. وهو يرى أن الهدف من إعادة التقسيم الإداري يتمثل في تعمير المساحات الشاسعة غير المأهولة، وتحقيق التنمية فيها، مع إعطاء الفرصة للمنتخبين لطرح مبادراتهم، لينتقل بذلك التخطيط التنموي من المركزية إلى المحلية. أيضاً يرى حساني أن جهود السلطات لمحاربة الفساد غير كافية. وانتقد معالجة البطالة، معتبراً أن الحكومات المتعاقبة لم تستطع بسبب القرارات الظرفية، وانعدام الرؤية الاستراتيجية المتكاملة، لذلك يقدم برنامجه «نظرة جديدة» للملف. كذلك، تعهد بتوسيع البنية التحتية لتجارة العبور الدولي، مع ترقية التبادلات التجارية المغاربية والأفريقية، وبعث المنطقة العربية للتبادل الحر. وفي جانب العلاقات الدوليّة، يمنح برنامج حساني شريف الأفضلية لتحسين العلاقات مع دول الجوار ومعالجة الخلافات وتقليص أثرها.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».