«حزب ترمب الجمهوري»... جديد الأولويات ومتعدد الأعراق

الرئيس ترمب وزوجته ميلانيا وجي دي فانس وزوجته أوشا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)
الرئيس ترمب وزوجته ميلانيا وجي دي فانس وزوجته أوشا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)
TT

«حزب ترمب الجمهوري»... جديد الأولويات ومتعدد الأعراق

الرئيس ترمب وزوجته ميلانيا وجي دي فانس وزوجته أوشا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)
الرئيس ترمب وزوجته ميلانيا وجي دي فانس وزوجته أوشا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)

> أورين كاس، المستشار الاقتصادي السابق لحملة المرشح الجمهوري الرئاسي السابق السيناتور ميت رومني الرئاسية، توقّع في سنوات سابقة «نشوء تيار محافظ متعدّد الأعراق منسجم مع الطبقة العاملة كأساس لحزب جمهوري فعلي، يمكن أن يحقق غالبية حاكمة دائمة». لكنه قال بالأمس إن ما سمعه مجتمع الأعمال في وول ستريت، في مؤتمر الحزب «ينبغي أن يُشعرهم بالفزع والقلق العميقين».

وحقاً، يرى مراقبون ومحللون أن ما يجري اليوم من تغييرات على بنية الحزب الجمهوري الأميركي وخطابه، هو نتيجة تلاقي التغيّرات الاقتصادية والديموغرافية والثقافية، بما في ذلك الحركة العمالية الصاعدة حديثاً، التي يجد الحزب الجمهوري نفسه منجذباً إليها بشكل متزايد، على الأقل اسمياً. وهذا التطوّر، خاصة، أدى إلى تسريع مغازلته لها، من خلال محاولته تجديد نفسه عبر خطاب شعبوي. وهنا يعلق النائب الجمهوري اليميني جيم جوردان موضحاً: «أعتقد أن الرئيس ترمب جعل حزبنا كما كان ينبغي أن يكون عليه دائماً... حزب شعبوي متجذّر في المبادئ المحافظة».

في وضع كهذا، كان جي دي فانس هو الخيار الأكثر تميّزاً الذي يمكن أن يتخذه ترمب، من أجل الدفع بخطابه السياسي ومحاولته توسيع «الترامبية» السياسية على المدى الطويل. وحقاً، بعد ما يقرب من تسع سنوات، تحول ترمب إلى الوجه الوحيد للسياسة الجمهورية والزعيم بلا منازع لحركة «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى».

ومن جهة ثانية، مع اختيار ترمب لفانس، بدا أنه يدفع به ليكون طليعة القيادة السياسية الجديدة والشابة للحزب الجمهوري، رافعاً إياه إلى مكانة بارزة على المستوى الوطني في حركة سياسية كانت تختمر على اليمين منذ عدة سنوات.

تسمية فانس لنيابة الرئيس خلال فعاليات المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الأميركي في ميلووكي (سي إن إن)

ومع تعريف نفسه بأنه عضو في «يمين ما بعد الليبرالية»، بات فانس أول مرشح جمهوري لمثل هذا المنصب الرفيع، يعلن انتماءه لهذا التيار الجديد. وفي حين يشترك أتباع «ما بعد الليبرالية» في الاهتمام ببناء مجتمعات قوية، وبسياسات اقتصادية حمائية قد تساعد في كسب تأييد البيئات العمالية التي مزّقها نقل وظائف التصنيع إلى الخارج، فإنهم يضيفون أيضاً ثقلاً فلسفياً إلى هجوم ترمب على «الدولة العميقة». وفي ظل القيد الدستوري الذي يمنع أي شخص من تولي الرئاسة الأميركية أكثر من فترتين، فرضت هذه الفترة القصيرة أهمية إضافية إلى مسألة ما سيأتي بعد ذلك بالنسبة لـ«الترامبية»، الحركة التي ارتبطت بترمب الذي نجح في تحويل الحزب الجمهوري بشكل كامل. وبالتالي، من المنطقي، أن جي دي فانس، ابن الـ39 سنة، سيكون على الفور المرشح الأوفر حظاً للسباق الرئاسي الجهوري لعام 2028، وقد لا يترك البيت الأبيض إلّا في عام 2037، إذا فاز مرتين بالرئاسة.

في الحقيقة، لا يُنظر الآن إلى فانس بصفته سياسياً فحسب، بل بصفته مثقّفاً قادراً على صياغة فلسفة حكم، إلى الحد الذي وصفه فيه الحركي والمفكر اليميني ستيف بانون - كبير مستشاري ترمب السابق -، بأنه «كما كان القديس بولس بالنسبة ليسوع المسيح، فإن فانس المتحول المتحمس، سينشر إنجيل الترمبية أبعد من ترمب نفسه».

وبالفعل، يأمل الجمهوريون في أن يؤدي اختيار هذا السياسي العصامي الشاب إلى تعزيز التوجهات الديموغرافية الجديدة للحزب لدى الطبقة العاملة، والشباب، وبخاصة، بعدما روى في كتابه «مرثاة هيلبيلي»، الذي حولته منصة «نيتفليكس» إلى فيلم بالاسم نفسه عام 2020، نشأته الصعبة في المناطق الفقيرة في ولايتي أوهايو وكنتاكي. ومن ثم أصبح كتابه الأكثر مبيعاً والأكثر قراءة تقريباً، حتى من قبل الليبراليين، الذين يسعون إلى فهم كيف أخفق الديمقراطيون في الانتخابات التي خرج فيها الناخبون البيض من الطبقة العاملة بأعداد قياسية لانتخاب ترمب... وهذا ما حصل فعلاً يومذاك، ولا سيما، في ولايات «الصدأ» التي أصبحت متأرجحة، وقد تحسم نتيجة السباق الرئاسي هذا العام.


مقالات ذات صلة

إردوغان «قلق» من تعيينات إدارة ترمب الجديدة

شؤون إقليمية ترمب مستمعاً إلى مرشحه لوزارة الخارجية السيناتور ماركو روبيرو خلال حملته لانتخابات الرئاسة الأميركية (رويترز)

إردوغان «قلق» من تعيينات إدارة ترمب الجديدة

لم يُخفِ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قلق حكومته بشأن بعض الأسماء التي أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ضمها إلى إدارته.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد مارك روان يشارك في حلقة نقاشية في بيفرلي هيلز بكاليفورنيا (رويترز)

مارك روان مرشح جديد بارز لمنصب وزير الخزانة في إدارة ترمب

برز الملياردير مارك روان، صاحب رأس المال الخاص، كأحد أبرز المرشحين لمنصب وزير الخزانة في إدارة دونالد ترمب، وسيلتقي الرئيس المنتخب اليوم (الأربعاء).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

مدعون: يجب تعليق قضية شراء الصمت ضد ترمب

قال ممثلو ادعاء في نيويورك إن القضية التي أدين فيها دونالد ترمب باتهامات جنائية تتعلق بدفع أموال لممثلة أفلام إباحية مقابل شراء صمتها يجب أن تتوقف.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ مرشح الرئيس المنتخب لمنصب وزير الصحة روبرت كيندي يتحدث مع النائب الأميركي السابق مات غايتس الذي رشحه ترمب لمنصب وزير العدل وزوجته جينجر لوكي غايتس في حفل معهد أميركا أولاً للسياسة الذي أقيم بمارالاغو ببالم بيتش بفلوريدا (أ.ف.ب)

ترمب يضغط على مجلس الشيوخ لتمرير تعييناته... رغم الفضائح

دفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب للمصادقة على مرشحيه للمناصب العليا في إدارته المقبلة وبينهم مرشحه لوزارة العدل مات غايتس الذي تلاحقه فضائح أخلاقية

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ القائم بأعمال مدير هيئة الهجرة والجمارك توماس هومان الذي رشحه الرئيس المنتخب دونالد ترمب ليعمل مثل «قيصر حدود» (أ.ب)

ترمب في يومه الأول ينشر الجيش لترحيل المهاجرين جماعياً

جدد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تعهده بأنه سيبدأ اليوم الأول من عهده بعمليات الترحيل الجماعي للمهاجرين غير المسجلين بإعلان حالة الطوارئ ونشر الجيش.

علي بردى (واشنطن)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.