انتخابات منغوليا وانعكاساتها مع «جاريها العملاقين»... الصين وروسيا

فيها أكبر عدد من النساء البرلمانيات في آسيا

 رئيس الوزراء المنغولي في لقاء آخر مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (تشينخوا)
رئيس الوزراء المنغولي في لقاء آخر مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (تشينخوا)
TT

انتخابات منغوليا وانعكاساتها مع «جاريها العملاقين»... الصين وروسيا

 رئيس الوزراء المنغولي في لقاء آخر مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (تشينخوا)
رئيس الوزراء المنغولي في لقاء آخر مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (تشينخوا)

كان الفساد القضية الأبرز في الانتخابات المنغولية، ولقد سبق أن شهدت العاصمة أولان باتار احتجاجات كبيرة في ديسمبر (كانون الأول) 2022؛ إثر الكشف عن فساد وصفقات جانبية في شركة مملوكة للدولة تزوّد العملاء الصناعيين الصينيين بالفحم.

للعلم، السياسة في منغوليا تجري في إطار ديمقراطية تمثيلية شبه رئاسية متعددة الأحزاب. إذ تضطلع الحكومة بالسلطة التنفيذية التي يرأسها رئيس الوزراء، أما رئيس الجمهورية فهو رأس الدولة، لكنه يملك سلطة محدودة على السلطة التنفيذية للحكومة، كحال معظم الديمقراطيات في معظم أوروبا. وبينما السلطة التشريعية تتمثّل بالبرلمان، تستقل السلطة القضائية بعملها عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.

السياسة الخارجية منذ إنشاء الدولة المنغولية الحديثة كانت سياستها الخارجية في الغالب تمليها العلاقات الدبلوماسية بين «جاريها العملاقين» الاتحاد السوفياتي والصين. وإبان الانقسام العقائدي بين موسكو وبكين، من الستينات إلى أواخر الثمانينات، اختارت منغوليا جانب موسكو ضد بكين، وكانت الحليف الأكثر موثوقية لدى الاتحاد السوفياتي في آسيا.

وفي ورقة بحثية بعنوان «أفضل صديق للسوفيات في آسيا: البُعد المنغولي للانقسام الصيني السوفياتي (2003)»، كتب المؤرخ الروسي البريطاني سيرغي رادتشينكو: «اتخذ المنغوليون إزاء بكين موقفاً عميقاً ومتجذراً من اللاثقة، مربوطاً بالإرث الاستعماري للصين في منغوليا والتاريخ الطويل للمواجهة الصينية المنغولية». لكن العلاقات الثنائية شهدت دفئاً خلال ثمانينات القرن الماضي، واليوم أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لمنغوليا.

أما الكاتب الصحافي الهندي فيناكات أنانث فيقول «منغوليا كانت على مدى السنوات الثلاثين الماضية ناجحة إلى حد ما في اعتماد سياسة خارجية مستقلة تتحرك عبر تأثيرات الجارتين روسيا والصين. وفي الوقت نفسه، أبقت أيضاً على شراكات ثنائية استراتيجية مع روسيا والصين، للحفاظ على علاقات ودية ومتوازنة وتجنّب استفزاز جيرانها الأقوياء. واليوم تعود أهميتها المتزايدة - سيما في نظر الصين وروسيا - إلى الموارد الطبيعية التي تمتلكها. وبالفعل، زادت الضغوط المتزايدة التي مارستها الصين بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ورغبتها في تنويع شركائها الاقتصاديين من أهمية منغوليا».العلاقات الروسية المنغوليةطوال القرن العشرين، كان النفوذ الروسي والسوفياتي على منغوليا عاملاً مهيمناً على تنميتها الوطنية، وسط تنافس الصينيين والروس على السيطرة على الأراضي الحدودية المنغولية. وما يذكر أن منغوليا غدت أول دولة شيوعية في آسيا، وثاني دولة شيوعية في العالم بعد روسيا، إثر استقلالها عن الصين عام 1921 بمساعدة روسيا وتشكيل حكومة شعبية عام 1924 تحت اسم «جمهورية منغوليا الشعبية». وعلى الأثر صارت منغوليا حليفاً وثيقاً لموسكو.

ولكن، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 ونهاية «الحرب الباردة»، فجأة تراجع النفوذ السوفياتي. ولاحقاً، خرجت أولان باتار على الخط التقليدي المتمثل في الاعتماد على الروس في بناء علاقات مع الصين، أقله في المجال الاقتصادي والتجاري. وكان الأمر كذلك، لأنه في السنوات الأولى من فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي، وقعت روسيا في أزمات سياسية واقتصادية عميقة جعلتها منشغلة بإصلاح مشاكلها.زيارة بوتينشاراد سوني، الأستاذ في جامعة «جواهر لال نهرو» في العاصمة الهندية نيودلهي، والخبير في الشؤون المنغولية، يرى أن «الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتخذ مواقف إيجابية تجاه منغوليا في السنوات الأخيرة، وأدرك كلا البلدين أن التعاون القائم على حسن الجوار بينهما ضروري لإبعاد الصينيين عن ممارسة أي دور مهيمن في منغوليا. وبدأت ممارسة إحياء العلاقات بين الجانبين عملياً عندما زار بوتين منغوليا عام 2000، وكانت الزيارة الأولى لزعيم روسي منذ زيارة الرئيس ليونيد بريجينيف عام 1974. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، طغت الديون الضخمة التي كانت مستحقة لروسيا على منغوليا من الحقبة السوفياتية على العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية لمنغوليا إلى حد ما. وألغت الحكومة الروسية 98 في المائة من هذه الديون، التي كانت تُقدر قيمتها في السابق بـ11 مليار دولار أميركي». وتابع سوني «يمكن تصوّر التقارب في العلاقات الروسية المنغولية من حقيقة أن منغوليا قد أحجمت مراراً وتكراراً عن إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا».العلاقات مع الصين

في المقابل، وسط الوضع الحالي للعلاقات الصينية الروسية أضعف إلى حد كبير الدور الذي تلعبه أولان باتار في السياسات الأمنية للصين وروسيا، مع أن الصين لا تزال تعتبر منغوليا دولة ذات أهمية جيوسياسية. فالحدود البرّية الصينية المنغولية هي الأطول بالنسبة للصين. وعليه، فالحفاظ على علاقات ثنائية طيبة يُعد قضية أساسية تتعلّق بالأمن والاستقرار في شمال الصين، خصوصاً شينجيانغ (سنكيانغ) ومنغوليا الداخلية، بجانب مقاطعات شمال شرقي الصين.

جدير بالذكر أنه في عام 1946 بعد استقلال منغوليا عن الصين، اعترفت القيادة الصينية بمنغوليا، وبادلتها أولان باتار عام 1949.

ثم إن منغوليا والصين وقّعتا «معاهدة الصداقة والمساعدة المتبادلة» عام 1960، وأعاد البلدان ترسيم الحدود الطويلة بينهما ودياً. لكن النزاع الآيديولوجي بين موسكو وبكين أدى إلى توتر علاقات منغوليا مع الصين. وتصاعدت حدة التوتر خلال السبعينات. واتهمت منغوليا الصين بالسعي لضم أراضيها، وردت الصين، خلال احتفالاتها بالذكرى السنوية الثمانمائة لتأسيسها، بانتقاد السوفيات على «احتلال» منغوليا عبر نشرهم قوات ومعدات عسكرية هناك.

في أبريل (نيسان) 1978 دعت بكين إلى الانسحاب السوفياتي من منغوليا، وسرعان ما زار رئيس الوزراء المنغولي يومجاغين تسيدينبال وحدة من الجيش السوفياتي المتمركزة في منغوليا؛ «لشكرها على حماية البلاد من التهديد الصيني». وباشرت منغوليا، في أوائل عام 1979، بطرد المهاجرين الصينيين متهمة إياهم بممارسة «مؤامرات توسعية»؛ ما أدى إلى تفاقم العلاقات بين البلدين. ولم تخف حدة التوتر بشكل كبير إلا منتصف الثمانينات عندما اتخذ القادة السوفيات والمنغوليون خطوات لتطبيع العلاقات مع الصين. فعلاً عادت العلاقات الدبلوماسية بين منغوليا والصين عام 1986.تطوّرات السنوات الأخيرةعزّزت منغوليا والصين علاقاتهما خلال السنوات الأخيرة عبر مبادرات مختلفة. وتعمل الدولتان اليوم في مشاريع منها خط أنابيب الطاقة «سيبيريا 2»، ومشاريع أخرى لتوليد الطاقة والإنتاج الصناعي وتنمية «الطاقة الخضراء».

وحقاً بين 1990 و2019، استثمرت الصين ما مجموعه 5.4 مليار دولار في منغوليا، وهو ما يمثّل 19 في المائة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في منغوليا، مع أن التعاون المتزايد يجلب معه عدداً من الصعوبات.

وبين أكثر القضايا حساسية بين الجانبين اعتراف أولان باتار بالدالاي لاما وغيره من القادة البوذيين التيبتيين. وكانت سلطة بكين قد تأثرت عندما أعلن القادة الدينيون في منغوليا رسمياً إعادة تجسيد «جيبتسوندامبا خوتوغتو العاشر»، وهو رأس البوذية التيبتية في منغوليا؛ الأمر الذي هدّد بزجّ منغوليا بشكل أعمق في اللعبة السياسية بين الصين والدالاي لاما. وكانت بكين حذرت أولان باتار من عواقب وخيمة إذا ما اقترب «جيبتسوندامبا خوتوغتو» الجديد من الدالاي لاما.

وهنا يوضح السفير الهندي السابق موهان لال تريفيدي، الذي خدم في منغوليا، أن «زيارات الدالاي لاما إلى منغوليا كانت دائماً مصدر ضغط على العلاقات مع الصين، خاصة أن بكين وأولان باتار تنظران إليه من زاويتين مختلفتين. فالدين السائد في منغوليا شكل من أشكال البوذية ذي صلة بالبوذية التيبتية، بينما تعتبر بكين الدالاي لاما مصدر تهديد انفصالي. وبالفعل فرضت بكين رسوماً جمركية على الصادرات المنغولية (90 في المائة منها موجهة إلى الصين) إبان الزيارة الأخيرة للدالاي لاما عام 2016، ولم تُوجه له أي دعوة للزيارة منذ ذلك الحين...».

هذا، وتكافح منغوليا لتسديد ديونها، ولقد مددت اتفاقية تبادل العملات مع الصين حتى عام 2025. أما الرصيد المتبقي من هذه المبادلة فهو 15 مليار يوان (2 مليار دولار أميركي). ثم إن اقتصاد منغوليا لا يزال يعتمد بشكل مفرط على الأسواق والاستثمارات والبنية التحتية الصينية. وتحتفظ الصين بنسبة 91.5 في المائة من إجمالي صادرات منغوليا، وجاءت نسبة 62.3 في المائة من إجمالي عائدات التصدير من صادرات الفحم وحدها. وفي الأمد القريب، ستواجه منغوليا صعوبات في اجتذاب المستثمرين الأجانب، نظراً لضعفها أمام الصدمات الجيوسياسية، والأعباء التنظيمية المرتفعة، والبنية التحتية المتخلفة.سياسة «الجار الثالث»في المقابل، على الرغم من التحديات السياسية والاقتصادية، أظهرت منغوليا مرونة حافظت معها على سياسة خارجية مستقلة، وتغلّبت على التأثيرات الخارجية من القوى الكبرى كالصين وروسيا، مع تعزيزها العلاقات مع دول كالولايات المتحدة وفرنسا وبولندا واليابان وكوريا الجنوبية، التي هي دول في منافسة جيوسياسية مباشرة مع «جارتي»... روسيا والصين.

وفي هذا السياق، زار منغوليا عدد من القادة العالميين البارزين عام 2023، بينهم البابا فرنسيس (أصبح أول بابا يزور البلاد) ورئيسا فرنسا وبولندا. كذلك زار رئيس وزراء منغوليا الولايات المتحدة، واستضافت وزارة خارجيتها اجتماعاً لوزيرات الخارجية النساء في أولان باتار. وعام 2023، أيضاً، عزّزت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية شراكتيهما الاستراتيجيتين مع منغوليا، ودشنتا آلية حوار ثلاثية مع التركيز على المعادن الحيوية. وبدأت الشركات الفرنسية مفاوضات لتطوير منجم لليورانيوم في منغوليا، بهدف التصدير إلى السوق الصينية.

وبالنسبة للعلاقات مع واشنطن بالذات، زار رئيس وزراء منغوليا لوفسان نامسراي أويون-إردين وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وأجرى مباحثات رسمية، ووقّعت منغوليا والولايات المتحدة مذكرة تفاهم بشأن إدارة وتطوير الموارد المعدنية. وفي السنوات الأخيرة، تطرّقت القيادة المنغولية مراراً لـ«القيم الأميركية المشتركة، من حيث حقوق الإنسان، وتنمية الحرية»، مؤكدة أن الولايات المتحدة ليست جارتها الثالثة الاستراتيجية فحسب، بل أيضاً «النجم القطبي المرشد في رحلة منغوليا صوب الديمقراطية».

الموقع الحيوي الحساسواستطراداً، في بيان له قال السياسي والصحافي المنغولي إلبغدورغ تساخيا، الذي شغل منصب رئيس منغوليا من عام 2009 إلى عام 2017 «إن موقعنا استراتيجي، لأن منغوليا تقع على العمود الفقري للصين، في حين تضرب الجزء السفلي من روسيا».

أيضاً، قال ميندي جارغالسيخان، عميد الأبحاث في معهد الدراسات الاستراتيجية في منغوليا، في مقال له «لقد أظهرت منغوليا المرونة في إطار سياستها الخارجية المستقلة، والديمقراطية، والاقتصاد. لكن السياسات المحلية التنافسية والسياسات الاقتصادية الشعوبية غير الفعالة من المرجح أن تشكل التحدي الأكبر. وفي حين لا تتورّط منغوليا غالباً بصورة مباشرة في الصراعات الدولية، فإنها تتأثر بها. ويتعيّن على أولان باتار أن تستجيب لهذا التحديات عبر تحقيق التوازن بين العلاقات الإقليمية والدولية في حين تُحافظ على الديمقراطية والاستقرار والنمو الاقتصادي».

إبان الانقسام العقائدي بين موسكو وبكين، من الستينات إلى أواخر الثمانينات، اختارت منغوليا جانب موسكو ضد بكين، وكانت الحليف الأكثر موثوقية لدى الاتحاد السوفياتي في آسيا

منغوليا... جغرافيا وتاريخ وسياسة وموارد

> منغوليا دولة غير ساحلية في شمال شرق آسيا، تهيمن عليها السهوب شبه الصحراوية القليلة السكان. وتحدّها روسيا من الشمال والصين من الجنوب. ونحو 40 في المائة من قوة العمل في البلاد من البدو الرحل، الذين يرعون الماشية في المراعي الواسعة. * العاصمة وأكبر مدن البلاد، أولان باتار، يقطنها نحو نصف سكان البلاد البالغ عددهم 3.4 مليون نسمة. * امتدت الإمبراطورية المنغولية في كل الاتجاهات أيام البطل الوطني جنكيز خان، وحكم نسله الصين لما يقرب من قرن من الزمان تحت اسم سلالة يوان. * في القرن العشرين، حصلت منغوليا على مساعدة من الاتحاد السوفياتي في سعيها للاستقلال عن الصين. * تاريخياً، من النادر تحوّل دولة من الاشتراكية إلى ديمقراطية انتخابية كاملة. لكن منغوليا نجحت عام 1990 في التخلي عن نظام الحزب الواحد (الشيوعي) الذي استمر 70 سنة على النمط السوفياتي لصالح التغييرات السياسية والاقتصادية والانتخابات المتعددة الأحزاب. من الناحية الجيوسياسية، كانت منغوليا لقرون كثيرة كياناً يُعتبر على نطاق واسع «عازلاً» بين روسيا والصين. إلا أنها اليوم تتمتع بقدر عظيم من الأهمية الاقتصادية العالمية بعدما أصبحت تمتلك مواد خام ذات أهمية استراتيجية مثل اليورانيوم. * احتياطي منغوليا من اليورانيوم يصل إلى نحو 62 ألف طن؛ ما يجعلها من بين أكبر 15 دولة من حيث الاحتياطي، لكنها لا تمتلك محطة للطاقة النووية ولا أسلحة نووية. وكانت روسيا هي أول دولة توقّع اتفاقاً مع منغوليا حول العمليات المشتركة لتخصيب اليورانيوم. * الانتخابات البرلمانية هذا العام كانت واحدة من أهم الانتخابات في تاريخ منغوليا الحديث. إذ منذ اعتماد الدستور الديمقراطي لمنغوليا عام 1992، كان البرلمان (يضم 76 عضواً) يهيمن عليه معظم الوقت حزبان سياسيان رئيسيان «الحزب الديمقراطي» و«حزب الشعب المنغولي». لكن في الصيف الماضي، أجري تغييران دستوريان مهمان؛ إذ زيدت مقاعد البرلمان من 76 مقعداً إلى 126 مقعداً، مع شغل 78 مقعداً من خلال الانتخابات المباشرة و48 مقعداً عبر التمثيل النسبي. * ضم البرلمان الجديد ممثلين عن عدد من الأحزاب، وللمرة الأولى انتُخبت 32 نائبة، أي 25 في المائة من العدد الإجمالي للأعضاء، وهذه أعلى نسبة من النساء في برلمانات آسيا.


مقالات ذات صلة

موسكو وبكين تردّان على قمة الأطلسي في واشنطن بمناورات عسكرية مشتركة

أوروبا بوتين مع شي... الصين لن تحضر مؤتمر السلام في سويسرا (رويترز)

موسكو وبكين تردّان على قمة الأطلسي في واشنطن بمناورات عسكرية مشتركة

رفضت بكين التحذيرات اليابانية والأطلسية ووصفتها بأنها «غير مسؤولة واستفزازية» بعد ساعات على الإعلان عن مناورات مشتركة مع موسكو.

«الشرق الأوسط» (موسكو) «الشرق الأوسط» (بكين)
العالم سفينة روسية تدخل ميناء تشانجيانغ وسط المناورة البحرية الصينية- الروسية المشتركة لعام 2024 (رويترز)

سفينتان حربيتان روسيتان في الصين لإجراء مناورات مشتركة

أعلنت وزارة الدفاع الروسية، السبت، أن سفينتين حربيتين روسيتين وصلتا إلى مدينة تشانجيانغ الساحلية جنوب الصين؛ للمشاركة في مناورات بحرية مشتركة.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق حملة في بداية العطلة الصيفية المدرسية لإبعاد المحتويات المضرة عن عيون الصغار في الصين (رويترز)

الصين تعزز القيود لحماية الأطفال من المحتويات الإلكترونية «الخطرة»

أعلنت الصين إطلاق حملة إلكترونية ضد تطبيقات مشاركة الفيديو وشبكات التواصل الاجتماعي التي توزع محتوى خطراً للأطفال.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا علما الصين وتايوان (رويترز)

تأهب في تايوان بعد رصد تجارب صاروخية في شمال الصين

أفادت وزارة الدفاع التايوانية، اليوم السبت، بأنها تراقب «موجات» من التجارب الصاروخية التي تُجرى في منطقة منغوليا الداخلية في أقصى شمال الصين.

«الشرق الأوسط» (تايبه)
الاقتصاد سفينة حاويات عملاقة تقترب من دخول المرفأ في شينغداو بمقاطعة شاندونغ شرق الصين (أ.ب)

فائض تجاري صيني قياسي يلامس 100 مليار دولار

بلغ الفائض التجاري للصين 99.05 مليار دولار في يونيو (حزيران) الماضي، وهو أعلى مستوى في السجلات التي تعود إلى عام 1981.

«الشرق الأوسط» (بكين)

ضبابية الانتخابات تُدخِل فرنسا في نفق مظلم

الرئيس ماكرون خلال استضافته في مجمع قصر الإليزيه حفلاً موسيقياً... بعيداً عن هموم الانتخابات (آ ف ب/غيتي)
الرئيس ماكرون خلال استضافته في مجمع قصر الإليزيه حفلاً موسيقياً... بعيداً عن هموم الانتخابات (آ ف ب/غيتي)
TT

ضبابية الانتخابات تُدخِل فرنسا في نفق مظلم

الرئيس ماكرون خلال استضافته في مجمع قصر الإليزيه حفلاً موسيقياً... بعيداً عن هموم الانتخابات (آ ف ب/غيتي)
الرئيس ماكرون خلال استضافته في مجمع قصر الإليزيه حفلاً موسيقياً... بعيداً عن هموم الانتخابات (آ ف ب/غيتي)

لا يخفى على أحد مصدر القلق في العاصمة الألمانية برلين من النتائج المحتملة للانتخابات النيابية الفرنسية. فأولاً، هناك الثقل الذي تمثله فرنسا باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي. وثانياً، فرنسا هي عضو الاتحاد الأوروبي الدائم الوحيد في مجلس الأمن الدولي المتمتع بحق النقض (الفيتو). وثالثاً لأنها تمتلك وحدها القوة النووية.

فضلاً عما سبق، لطالما شكّل محور برلين - باريس الحاضنة للمشروع الأوروبي الذي جاء لقلب سنوات الحروب بين البلدين. وطيلة العقود المنصرمة، شكّل «الثنائي» الألماني - الفرنسي القاطرة التي دفعته إلى الأمام، وأفضت به لأن يضم راهناً 27 دولة أوروبية ويتأهب لفتح ذراعيه أمام أوكرانيا ومولدوفا، وثمة مجموعة دول أوروبية أخرى تنتظر أن يفتح لها الباب لولوج جنة الاتحاد.

القفز إلى المجهول

هذا ليست المرة الأولى التي قرّر فيها رئيس فرنسي حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة.

الجنرال شارل ديغول، مؤسس «الجمهورية الخامسة»، فعل ذلك مرتين، وسار على دربه الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران، وتبعه خليفته في قصر الإليزيه، جاك شيراك.

إلا أن ثمة فروقاً تجعل الوضع الراهن مختلفاً إلى حد كبير مع ما عرفته فرنسا في السابق. فخلال العقود المنصرمة، كانت الانتخابات تفضي إمّا إلى فوز اليمين التقليدي متحالفاً مع الوسط أو اليسار المسمّى «حكومي» وعَصَبه الحزب الاشتراكي. وعند فوز الأخير بالرئاسة للمرة الأولى في العام 1981، بناءً على «برنامج حُكم مشترك» يضم كل تلاوين اليسار، بما في ذلك الحزب الشيوعي، لم يتردّد ميتران في ضم وزيرين شيوعيين إلى حكومته مع أن فرنسا عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) والعالم غارق وقتها في «الحرب الباردة».

ولكن، رغم ذلك، سارت الأمور بسلاسة وبعيداً عن الهزّات لا في الداخل ولا في الخارج.

بعكس ذلك، أحدث قرار ماكرون زلزالاً سياسياً ستكون له تبعات لعقود على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في فرنسا. واللافت، أن أقرب المقرّبين من ماكرون، مثل رئيس الحكومة غبريال أتال ورئيسة مجلس النواب يائيل براون - بيفيه وشركائه في السلطة ورئيس حكومته السابق أدوار فيليب... كلهم صبّوا جام غضبهم على قراره لأنه «غير مبرّر»، ولأن لا شيء كان يُلزمه بحل البرلمان، وبالأخص، بعد نجاح منقطع النظير لحزب «التجمع الوطني» في الانتخابات الأوروبية حين حصد ضِعفي ما حصل عليه تحالف الأحزاب الثلاثة الداعمة للعهد والحكومة، أي «تجدد» و«الحركة الديمقراطية» و«هورايزون».

زعيم جبهة اليسار جان لوك ميلونشون (آ ف ب)

قرار ماكرون أحدث صدمة عامة. ولذا؛ سعى غير مرة، لشرح دوافعه وإقناع مواطنيه بصوابية قراره من غير أن يفلح. إذ بينت تقارير صحافية أنه اتخذ قراره بعيداً عن أي تشاور ضارباً عرض الحائط بما ينصّ عليه الدستور، الذي يفرض عليه التشاور مع رئيسي مجلسي النواب والشيوخ، مكتفياً بـ«نصائح» مجموعة ضيقة قريبة من المقربين منه.

رهانات ماكرون الخاطئة

لقد بدا واضحاً في الأيام القليلة التي انقضت بعد حل البرلمان، أن «رهانات» الرئيس الفرنسي جاءت خاطئة. ولفهم قراره، تتعين الإشارة إلى أن الانتخابات النيابية (التشريعية) السابقة لم تعط ماكرون سوى أكثرية نسبية في البرلمان، بعكس ما كانت عليه الأمور في ولايته السابقة حين تمتعت حكوماته المتعاقبة بأكثريات فضفاضة صادقت على كل مشاريع القوانين التي قُدّمت إلى البرلمان.

وحقاً، خلال السنتين المنصرمتين من ولايته الثانية، كان على حكومة إليزابيث بورن ثم حكومة غبرييل أتال التفاوض والمساومة، أحياناً مع اليمين وأحياناً أخرى مع اليسار و«الخضر»، لتوفير الأكثرية اللازمة. وكان «سيف» سحب الثقة منها دائماً قريباً من عنقها لدرجة أنه كان يمكن أن تسقط في حال توافقت المعارضة يميناً ويساراً على التخلص منها.

ولكن رغم هشاشة الوضع السياسي، انقضت سنتان من عمر العهد واستمرت الحياة السياسية على وتيرتها المعتادة. ومن هنا، فإن المحللين السياسيين اعتبروا بادرة ماكرون «متهوّرة» وقائمة على حسابات غير دقيقة. لا، بل إن كثيرين قارنوا بين ما حصل في ألمانيا، حيث حصل الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على النسبة نفسها التي حصل عليها تحالف أحزاب ماكرون، ومع ذلك، لم ينخرط المستشار أولاف شولتس في مغامرة شبيهة بمغامرة ماكرون رداً على القفزة الانتخابية الكبيرة التي حققها حزب «البديل» اليميني المتطرف. وها هي الحياة السياسية في ألمانيا قد عادت إلى سابق عهدها بانتظار الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

جوردان بارديلا... مرشح اليمين المتطرف لرئاسة الحكومة العتيدة (رويترز)

أزمة نظام

يقول العارفون إن ماكرون راهن - في قراره - على أمرين: الأول، الانقسامات العميقة داخل اليسار الفرنسي بين حزب «فرنسا الأبية» الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون من جهة، وبين المكوّنات الأخرى من جهة ثانية... وتحديداً الحزب الاشتراكي و«الخضر». والآخر، ضَعف اليمين الفرنسي التقليدي ممثلاً بحزب «الجمهوريون» - وريث الديغولية -، واعتباره أن ثمة فرصة لتشكيل «ائتلاف وسطي» يضم الأحزاب الثلاثة الداعمة له تقليدياً، والتي يمكن أن ينضم إليها مرشحون قادمون من اليسار المعتدل ومن اليمين التقليدي.

غير أن الرهانين سقطا: فاليسار نجح خلال زمن قياسي في طي صفحة الخلافات وتشكيل «جبهة شعبية جديدة» مع برنامج انتخابي محدّد. أما اليمين التقليدي، فإن رئيسه أريك سيوتي التحق باليمين المتطرف، في حين رفض أركانه المتبقّون العرض الرئاسي. ثم أن ستيفان سيجورنيه، وزير الخارجية ورئيس حزب ماكرون المسمّى «تجدد»، سارع إلى الإعلان عن أن «الائتلاف الوسطي» سيمتنع عن تقديم منافسين لمرشحي اليمين «الوسطيين» لتسهيل إعادة انتخابهم ولتشجيعهم لاحقاً للتعاون في حكومة قادمة.

خلال الأيام العشرين المنقضية منذ حلّ البرلمان، كانت الدعاية الرئاسية (أي... الرئيس ماكرون نفسه) تركّز على التخويف من وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، وأيضاً على إبراز التناقضات داخل اليسار، وخصوصاً على «التهويل» بسيطرة حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد عليه... فضلاً عن التنديد بزعيمه ميلونشون الذي اتهمته الدعاية الرئاسية بـ«معاداة السامية» بسبب مواقفه من الحرب الإسرائيلية على غزة. وبالفعل، تحوّل هذا الاتهام «لازمة»... تتكرّر إلى ما لا نهاية في التجمعات الانتخابية وعلى شاشات التلفزيون.

أنا... أو «الحرب الأهلية»

وهكذا، رست صورة الوضع السياسي في فرنسا على الصورة التالية: ثمة ثلاث مجموعات سياسية تتقدمها مجموعة اليمين المتطرف - أي «التجمع الوطني» - بزعامة مارين لوبن ورئاسة جوردان بارديلا (مرشح «التجمع» لرئاسة الحكومة) التي ترجّح استطلاعات الرأي المتعاقبة على حصولها على 35 في المائة من الأصوات. المرتبة الثانية تحتلها وفق الاستطلاعات «الجبهة الشعبية الجديدة» (اليسار) التي تتأرجح نسبة أصواتها حول 30 في المائة. أما «الائتلاف الوسطي» فقد عجز عن تخطي عتبة الـ20 في المائة.

بيد أن ترجمة هذه النسب إلى مقاعد في البرلمان القادم تبدو بالغة الصعوبة بالنسبة إلى المؤسسات المتخصصة؛ نظراً للنظام الانتخابي القائم على الدائرة الصغرى. إذ تضم فرنسا 577 دائرة انتخابية لكل منها معطياتها الخاصة، لكن المرجح وفق المعطيات المتوافرة حتى اليوم، أن أياً من المجموعات الثلاث لن تحصل على الأكثرية المطلقة في البرلمان القادم (289 نائباً). وبما أنه يصعب توقع تحالف أي مجموعتين من المجموعات الثلاث للحكم معاً، فإن تشكيل حكومة قادرة على حيازة ثقة البرلمان وتمرير القوانين وقيادة البلاد للسنوات الثلاث المتبقية للرئيس ماكرون في الإليزيه، سيكون بمثابة معجزة.

ينص الدستور الفرنسي على أنه لا يحق لرئيس الجمهورية أن يحل البرلمان مرة جديدة إلا بعد مرور سنة على حله للمرة الأولى. وهذا يعني أن ماكرون سيكون مقيد اليدين وعاجزاً عملياً عن إيجاد أكثرية برلمانية مطلقة أو أكثرية نسبية لن يحصل عليها بسبب طغيان اليمين المتطرف و«الجبهة الشعبية الجديدة». وهنا يبدو واضحاً أن فرنسا تسير باتجاه أزمة حقيقية، أبعد من أزمة سياسية. بل هي بالأحرى «أزمة نظام» بسبب الانسداد السياسي المتجهة إليه بسرعة... إلا في حال فوز اليمين المتطرف بالأكثرية المطلقة، وهذا أمر قد يحصل وفق عدد من المحللين.

في رسالة مكتوبة وجهها ماكرون إلى الفرنسيين بداية الأسبوع من خلال الصحافة الإقليمية، فإنه ركّز على أمرين: أحدهما أن برنامج الحكم لليمين المتطرف، ولما يسميه «اليسار المتطرف»، سيشرع الباب أمام فرنسا لولوج أزمات متنوعة. والآخر التأكيد أن لا خلاص لها إلا بتمكين «ائتلاف الوسط» من الحصول على الأكثرية.

بيد أن الرئيس ذهب في اليوم التالي أبعد من ذلك؛ إذ حذر في «بودكاست» من انزلاق فرنسا نحو «الحرب الأهلية» في حال وصل حزب «التجمع الوطني» أو حزب «فرنسا الأبية» (من خلال «الجبهة الشعبية الجديدة») إلى الحكم. فاليمين المتطرف، كما قال، يصنّف المواطنين وفق ديانتهم وأصلهم بينما «فرنسا الأبية» يتبع «نهجاً طوائفياً».

هذا التنبيه استدعى ردود فعل عنيفة اتهمت الرئيس بـ«اللامسؤولية»؛ إذ قال بارديلا إنه «لا يجوز أن يصدر عن رئيس للجمهورية مثل هذا القول»، في حين اتهمه ميلونشون بـ«السعي دوماً لإشعال النار». كذلك، أثار هذا الكلام استغراباً شديداً حتى في صفوف «الماكرونية»؛ إذ اتهمه أحد نوابها بأنه «فقد بوصلته السياسية» وأنه يسعى لإخافة المواطنين المتقدمين في السن لدفعهم للعودة إلى أحضان حزبه.

والواقع، أن استطلاعات الرأي تبيّن أن الانتخابات القادمة ستشكل نوعاً من الاستفتاء على اسم ماكرون الذي أمضى في الحكم، حتى اليوم، سبع سنوات. كما أنها مرجّح أن تفضي الانتخابات إلى مجلس نيابي تحكمه الفوضى بسبب هشاشة السيناريوهات الحكومية التي قد تكون متاحة بناء على نتائج الانتخابات.

...وأخيراً، ثمة أحجية على ماكرون و«ائتلاف الوسط» حلها، وهي تتناول الجولة الانتخابية الثانية يوم الأحد 7 يوليو (تموز)، ومضمون «النصيحة» التي سيقدّمانها لناخبيهما في حال انحصر التنافس بين مرشح يميني متطرف وآخر من «الجبهة الشعبية الجديدة»... وما الذي سيتعين عليهم اختياره «ما بين الكوليرا والطاعون»!