انتخابات منغوليا وانعكاساتها مع «جاريها العملاقين»... الصين وروسيا

فيها أكبر عدد من النساء البرلمانيات في آسيا

 رئيس الوزراء المنغولي في لقاء آخر مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (تشينخوا)
رئيس الوزراء المنغولي في لقاء آخر مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (تشينخوا)
TT

انتخابات منغوليا وانعكاساتها مع «جاريها العملاقين»... الصين وروسيا

 رئيس الوزراء المنغولي في لقاء آخر مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (تشينخوا)
رئيس الوزراء المنغولي في لقاء آخر مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (تشينخوا)

كان الفساد القضية الأبرز في الانتخابات المنغولية، ولقد سبق أن شهدت العاصمة أولان باتار احتجاجات كبيرة في ديسمبر (كانون الأول) 2022؛ إثر الكشف عن فساد وصفقات جانبية في شركة مملوكة للدولة تزوّد العملاء الصناعيين الصينيين بالفحم.

للعلم، السياسة في منغوليا تجري في إطار ديمقراطية تمثيلية شبه رئاسية متعددة الأحزاب. إذ تضطلع الحكومة بالسلطة التنفيذية التي يرأسها رئيس الوزراء، أما رئيس الجمهورية فهو رأس الدولة، لكنه يملك سلطة محدودة على السلطة التنفيذية للحكومة، كحال معظم الديمقراطيات في معظم أوروبا. وبينما السلطة التشريعية تتمثّل بالبرلمان، تستقل السلطة القضائية بعملها عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.

السياسة الخارجية منذ إنشاء الدولة المنغولية الحديثة كانت سياستها الخارجية في الغالب تمليها العلاقات الدبلوماسية بين «جاريها العملاقين» الاتحاد السوفياتي والصين. وإبان الانقسام العقائدي بين موسكو وبكين، من الستينات إلى أواخر الثمانينات، اختارت منغوليا جانب موسكو ضد بكين، وكانت الحليف الأكثر موثوقية لدى الاتحاد السوفياتي في آسيا.

وفي ورقة بحثية بعنوان «أفضل صديق للسوفيات في آسيا: البُعد المنغولي للانقسام الصيني السوفياتي (2003)»، كتب المؤرخ الروسي البريطاني سيرغي رادتشينكو: «اتخذ المنغوليون إزاء بكين موقفاً عميقاً ومتجذراً من اللاثقة، مربوطاً بالإرث الاستعماري للصين في منغوليا والتاريخ الطويل للمواجهة الصينية المنغولية». لكن العلاقات الثنائية شهدت دفئاً خلال ثمانينات القرن الماضي، واليوم أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لمنغوليا.

أما الكاتب الصحافي الهندي فيناكات أنانث فيقول «منغوليا كانت على مدى السنوات الثلاثين الماضية ناجحة إلى حد ما في اعتماد سياسة خارجية مستقلة تتحرك عبر تأثيرات الجارتين روسيا والصين. وفي الوقت نفسه، أبقت أيضاً على شراكات ثنائية استراتيجية مع روسيا والصين، للحفاظ على علاقات ودية ومتوازنة وتجنّب استفزاز جيرانها الأقوياء. واليوم تعود أهميتها المتزايدة - سيما في نظر الصين وروسيا - إلى الموارد الطبيعية التي تمتلكها. وبالفعل، زادت الضغوط المتزايدة التي مارستها الصين بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ورغبتها في تنويع شركائها الاقتصاديين من أهمية منغوليا».العلاقات الروسية المنغوليةطوال القرن العشرين، كان النفوذ الروسي والسوفياتي على منغوليا عاملاً مهيمناً على تنميتها الوطنية، وسط تنافس الصينيين والروس على السيطرة على الأراضي الحدودية المنغولية. وما يذكر أن منغوليا غدت أول دولة شيوعية في آسيا، وثاني دولة شيوعية في العالم بعد روسيا، إثر استقلالها عن الصين عام 1921 بمساعدة روسيا وتشكيل حكومة شعبية عام 1924 تحت اسم «جمهورية منغوليا الشعبية». وعلى الأثر صارت منغوليا حليفاً وثيقاً لموسكو.

ولكن، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 ونهاية «الحرب الباردة»، فجأة تراجع النفوذ السوفياتي. ولاحقاً، خرجت أولان باتار على الخط التقليدي المتمثل في الاعتماد على الروس في بناء علاقات مع الصين، أقله في المجال الاقتصادي والتجاري. وكان الأمر كذلك، لأنه في السنوات الأولى من فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي، وقعت روسيا في أزمات سياسية واقتصادية عميقة جعلتها منشغلة بإصلاح مشاكلها.زيارة بوتينشاراد سوني، الأستاذ في جامعة «جواهر لال نهرو» في العاصمة الهندية نيودلهي، والخبير في الشؤون المنغولية، يرى أن «الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتخذ مواقف إيجابية تجاه منغوليا في السنوات الأخيرة، وأدرك كلا البلدين أن التعاون القائم على حسن الجوار بينهما ضروري لإبعاد الصينيين عن ممارسة أي دور مهيمن في منغوليا. وبدأت ممارسة إحياء العلاقات بين الجانبين عملياً عندما زار بوتين منغوليا عام 2000، وكانت الزيارة الأولى لزعيم روسي منذ زيارة الرئيس ليونيد بريجينيف عام 1974. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، طغت الديون الضخمة التي كانت مستحقة لروسيا على منغوليا من الحقبة السوفياتية على العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية لمنغوليا إلى حد ما. وألغت الحكومة الروسية 98 في المائة من هذه الديون، التي كانت تُقدر قيمتها في السابق بـ11 مليار دولار أميركي». وتابع سوني «يمكن تصوّر التقارب في العلاقات الروسية المنغولية من حقيقة أن منغوليا قد أحجمت مراراً وتكراراً عن إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا».العلاقات مع الصين

في المقابل، وسط الوضع الحالي للعلاقات الصينية الروسية أضعف إلى حد كبير الدور الذي تلعبه أولان باتار في السياسات الأمنية للصين وروسيا، مع أن الصين لا تزال تعتبر منغوليا دولة ذات أهمية جيوسياسية. فالحدود البرّية الصينية المنغولية هي الأطول بالنسبة للصين. وعليه، فالحفاظ على علاقات ثنائية طيبة يُعد قضية أساسية تتعلّق بالأمن والاستقرار في شمال الصين، خصوصاً شينجيانغ (سنكيانغ) ومنغوليا الداخلية، بجانب مقاطعات شمال شرقي الصين.

جدير بالذكر أنه في عام 1946 بعد استقلال منغوليا عن الصين، اعترفت القيادة الصينية بمنغوليا، وبادلتها أولان باتار عام 1949.

ثم إن منغوليا والصين وقّعتا «معاهدة الصداقة والمساعدة المتبادلة» عام 1960، وأعاد البلدان ترسيم الحدود الطويلة بينهما ودياً. لكن النزاع الآيديولوجي بين موسكو وبكين أدى إلى توتر علاقات منغوليا مع الصين. وتصاعدت حدة التوتر خلال السبعينات. واتهمت منغوليا الصين بالسعي لضم أراضيها، وردت الصين، خلال احتفالاتها بالذكرى السنوية الثمانمائة لتأسيسها، بانتقاد السوفيات على «احتلال» منغوليا عبر نشرهم قوات ومعدات عسكرية هناك.

في أبريل (نيسان) 1978 دعت بكين إلى الانسحاب السوفياتي من منغوليا، وسرعان ما زار رئيس الوزراء المنغولي يومجاغين تسيدينبال وحدة من الجيش السوفياتي المتمركزة في منغوليا؛ «لشكرها على حماية البلاد من التهديد الصيني». وباشرت منغوليا، في أوائل عام 1979، بطرد المهاجرين الصينيين متهمة إياهم بممارسة «مؤامرات توسعية»؛ ما أدى إلى تفاقم العلاقات بين البلدين. ولم تخف حدة التوتر بشكل كبير إلا منتصف الثمانينات عندما اتخذ القادة السوفيات والمنغوليون خطوات لتطبيع العلاقات مع الصين. فعلاً عادت العلاقات الدبلوماسية بين منغوليا والصين عام 1986.تطوّرات السنوات الأخيرةعزّزت منغوليا والصين علاقاتهما خلال السنوات الأخيرة عبر مبادرات مختلفة. وتعمل الدولتان اليوم في مشاريع منها خط أنابيب الطاقة «سيبيريا 2»، ومشاريع أخرى لتوليد الطاقة والإنتاج الصناعي وتنمية «الطاقة الخضراء».

وحقاً بين 1990 و2019، استثمرت الصين ما مجموعه 5.4 مليار دولار في منغوليا، وهو ما يمثّل 19 في المائة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في منغوليا، مع أن التعاون المتزايد يجلب معه عدداً من الصعوبات.

وبين أكثر القضايا حساسية بين الجانبين اعتراف أولان باتار بالدالاي لاما وغيره من القادة البوذيين التيبتيين. وكانت سلطة بكين قد تأثرت عندما أعلن القادة الدينيون في منغوليا رسمياً إعادة تجسيد «جيبتسوندامبا خوتوغتو العاشر»، وهو رأس البوذية التيبتية في منغوليا؛ الأمر الذي هدّد بزجّ منغوليا بشكل أعمق في اللعبة السياسية بين الصين والدالاي لاما. وكانت بكين حذرت أولان باتار من عواقب وخيمة إذا ما اقترب «جيبتسوندامبا خوتوغتو» الجديد من الدالاي لاما.

وهنا يوضح السفير الهندي السابق موهان لال تريفيدي، الذي خدم في منغوليا، أن «زيارات الدالاي لاما إلى منغوليا كانت دائماً مصدر ضغط على العلاقات مع الصين، خاصة أن بكين وأولان باتار تنظران إليه من زاويتين مختلفتين. فالدين السائد في منغوليا شكل من أشكال البوذية ذي صلة بالبوذية التيبتية، بينما تعتبر بكين الدالاي لاما مصدر تهديد انفصالي. وبالفعل فرضت بكين رسوماً جمركية على الصادرات المنغولية (90 في المائة منها موجهة إلى الصين) إبان الزيارة الأخيرة للدالاي لاما عام 2016، ولم تُوجه له أي دعوة للزيارة منذ ذلك الحين...».

هذا، وتكافح منغوليا لتسديد ديونها، ولقد مددت اتفاقية تبادل العملات مع الصين حتى عام 2025. أما الرصيد المتبقي من هذه المبادلة فهو 15 مليار يوان (2 مليار دولار أميركي). ثم إن اقتصاد منغوليا لا يزال يعتمد بشكل مفرط على الأسواق والاستثمارات والبنية التحتية الصينية. وتحتفظ الصين بنسبة 91.5 في المائة من إجمالي صادرات منغوليا، وجاءت نسبة 62.3 في المائة من إجمالي عائدات التصدير من صادرات الفحم وحدها. وفي الأمد القريب، ستواجه منغوليا صعوبات في اجتذاب المستثمرين الأجانب، نظراً لضعفها أمام الصدمات الجيوسياسية، والأعباء التنظيمية المرتفعة، والبنية التحتية المتخلفة.سياسة «الجار الثالث»في المقابل، على الرغم من التحديات السياسية والاقتصادية، أظهرت منغوليا مرونة حافظت معها على سياسة خارجية مستقلة، وتغلّبت على التأثيرات الخارجية من القوى الكبرى كالصين وروسيا، مع تعزيزها العلاقات مع دول كالولايات المتحدة وفرنسا وبولندا واليابان وكوريا الجنوبية، التي هي دول في منافسة جيوسياسية مباشرة مع «جارتي»... روسيا والصين.

وفي هذا السياق، زار منغوليا عدد من القادة العالميين البارزين عام 2023، بينهم البابا فرنسيس (أصبح أول بابا يزور البلاد) ورئيسا فرنسا وبولندا. كذلك زار رئيس وزراء منغوليا الولايات المتحدة، واستضافت وزارة خارجيتها اجتماعاً لوزيرات الخارجية النساء في أولان باتار. وعام 2023، أيضاً، عزّزت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية شراكتيهما الاستراتيجيتين مع منغوليا، ودشنتا آلية حوار ثلاثية مع التركيز على المعادن الحيوية. وبدأت الشركات الفرنسية مفاوضات لتطوير منجم لليورانيوم في منغوليا، بهدف التصدير إلى السوق الصينية.

وبالنسبة للعلاقات مع واشنطن بالذات، زار رئيس وزراء منغوليا لوفسان نامسراي أويون-إردين وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وأجرى مباحثات رسمية، ووقّعت منغوليا والولايات المتحدة مذكرة تفاهم بشأن إدارة وتطوير الموارد المعدنية. وفي السنوات الأخيرة، تطرّقت القيادة المنغولية مراراً لـ«القيم الأميركية المشتركة، من حيث حقوق الإنسان، وتنمية الحرية»، مؤكدة أن الولايات المتحدة ليست جارتها الثالثة الاستراتيجية فحسب، بل أيضاً «النجم القطبي المرشد في رحلة منغوليا صوب الديمقراطية».

الموقع الحيوي الحساسواستطراداً، في بيان له قال السياسي والصحافي المنغولي إلبغدورغ تساخيا، الذي شغل منصب رئيس منغوليا من عام 2009 إلى عام 2017 «إن موقعنا استراتيجي، لأن منغوليا تقع على العمود الفقري للصين، في حين تضرب الجزء السفلي من روسيا».

أيضاً، قال ميندي جارغالسيخان، عميد الأبحاث في معهد الدراسات الاستراتيجية في منغوليا، في مقال له «لقد أظهرت منغوليا المرونة في إطار سياستها الخارجية المستقلة، والديمقراطية، والاقتصاد. لكن السياسات المحلية التنافسية والسياسات الاقتصادية الشعوبية غير الفعالة من المرجح أن تشكل التحدي الأكبر. وفي حين لا تتورّط منغوليا غالباً بصورة مباشرة في الصراعات الدولية، فإنها تتأثر بها. ويتعيّن على أولان باتار أن تستجيب لهذا التحديات عبر تحقيق التوازن بين العلاقات الإقليمية والدولية في حين تُحافظ على الديمقراطية والاستقرار والنمو الاقتصادي».

إبان الانقسام العقائدي بين موسكو وبكين، من الستينات إلى أواخر الثمانينات، اختارت منغوليا جانب موسكو ضد بكين، وكانت الحليف الأكثر موثوقية لدى الاتحاد السوفياتي في آسيا

منغوليا... جغرافيا وتاريخ وسياسة وموارد

> منغوليا دولة غير ساحلية في شمال شرق آسيا، تهيمن عليها السهوب شبه الصحراوية القليلة السكان. وتحدّها روسيا من الشمال والصين من الجنوب. ونحو 40 في المائة من قوة العمل في البلاد من البدو الرحل، الذين يرعون الماشية في المراعي الواسعة. * العاصمة وأكبر مدن البلاد، أولان باتار، يقطنها نحو نصف سكان البلاد البالغ عددهم 3.4 مليون نسمة. * امتدت الإمبراطورية المنغولية في كل الاتجاهات أيام البطل الوطني جنكيز خان، وحكم نسله الصين لما يقرب من قرن من الزمان تحت اسم سلالة يوان. * في القرن العشرين، حصلت منغوليا على مساعدة من الاتحاد السوفياتي في سعيها للاستقلال عن الصين. * تاريخياً، من النادر تحوّل دولة من الاشتراكية إلى ديمقراطية انتخابية كاملة. لكن منغوليا نجحت عام 1990 في التخلي عن نظام الحزب الواحد (الشيوعي) الذي استمر 70 سنة على النمط السوفياتي لصالح التغييرات السياسية والاقتصادية والانتخابات المتعددة الأحزاب. من الناحية الجيوسياسية، كانت منغوليا لقرون كثيرة كياناً يُعتبر على نطاق واسع «عازلاً» بين روسيا والصين. إلا أنها اليوم تتمتع بقدر عظيم من الأهمية الاقتصادية العالمية بعدما أصبحت تمتلك مواد خام ذات أهمية استراتيجية مثل اليورانيوم. * احتياطي منغوليا من اليورانيوم يصل إلى نحو 62 ألف طن؛ ما يجعلها من بين أكبر 15 دولة من حيث الاحتياطي، لكنها لا تمتلك محطة للطاقة النووية ولا أسلحة نووية. وكانت روسيا هي أول دولة توقّع اتفاقاً مع منغوليا حول العمليات المشتركة لتخصيب اليورانيوم. * الانتخابات البرلمانية هذا العام كانت واحدة من أهم الانتخابات في تاريخ منغوليا الحديث. إذ منذ اعتماد الدستور الديمقراطي لمنغوليا عام 1992، كان البرلمان (يضم 76 عضواً) يهيمن عليه معظم الوقت حزبان سياسيان رئيسيان «الحزب الديمقراطي» و«حزب الشعب المنغولي». لكن في الصيف الماضي، أجري تغييران دستوريان مهمان؛ إذ زيدت مقاعد البرلمان من 76 مقعداً إلى 126 مقعداً، مع شغل 78 مقعداً من خلال الانتخابات المباشرة و48 مقعداً عبر التمثيل النسبي. * ضم البرلمان الجديد ممثلين عن عدد من الأحزاب، وللمرة الأولى انتُخبت 32 نائبة، أي 25 في المائة من العدد الإجمالي للأعضاء، وهذه أعلى نسبة من النساء في برلمانات آسيا.


مقالات ذات صلة

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

العالم القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

قال مسؤول كبير في مجال الأمن الإلكتروني في الولايات المتحدة إن قراصنة إلكترونيين صينيين يتخذون مواطئ قدم في بنية تحتية خاصة بشبكات حيوية أميركية.

الولايات المتحدة​ حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت يتحدث خلال فعالية (رويترز-أرشيفية)

حاكم تكساس الأميركية يأمر أجهزة الولاية بوقف الاستثمار في الصين

أمر حاكم ولاية تكساس الأميركية الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري غريغ أبوت، الأجهزة المعنية بوقف استثمار أموال الولاية في الصين، وبيع هذه الاستثمارات في أقرب فرصة.

«الشرق الأوسط» (أوستن (تكساس))
شؤون إقليمية مدخل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في 3 مارس 2011 (رويترز)

الصين تدعو «الجنائية الدولية» لاتخاذ موقف «موضوعي» بشأن مذكرة توقيف نتنياهو

دعت الصين، اليوم (الجمعة)، المحكمة الجنائية الدولية إلى الحفاظ على «موقف موضوعي وعادل» بعدما أصدرت مذكرة توقيف في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

«الشرق الأوسط» (بكين)
أوروبا لين جيان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية (موقع الخارجية الصينية)

الصين تدعو إلى «الهدوء» بعد توسيع بوتين إمكانية استخدام الأسلحة النووية

دعت الصين، الأربعاء، إلى «الهدوء» و«ضبط النفس»، غداة إصدار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً يوسع إمكانية استخدام الأسلحة النووية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الخليج م. وليد الخريجي ترأس الجانب السعودي في الجولة الثانية من المشاورات السياسية مع «الخارجية الصينية» (واس)

مشاورات سعودية – صينية تعزز التنسيق المشترك

بحثت الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية السعودية والصينية في الرياض، الاثنين، تطوير العلاقات الثنائية، وأهمية تعزيز التنسيق المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».