قراءة في توجّه تونس شرقاً نحو الصين وآسيا

تغيير «الحلفاء» من دون التمرّد على «الأصدقاء»

الرئيس التونسي قيس سعيّد مع مسنضيفه الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين - رويترز
الرئيس التونسي قيس سعيّد مع مسنضيفه الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين - رويترز
TT

قراءة في توجّه تونس شرقاً نحو الصين وآسيا

الرئيس التونسي قيس سعيّد مع مسنضيفه الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين - رويترز
الرئيس التونسي قيس سعيّد مع مسنضيفه الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين - رويترز

أعربت مصادر غربية خلال الأسابيع القليلة الماضية عن انشغالها «بتوجّه تونس شرقاً»، خصوصاً نحو الصين وروسيا وآسيا. وأثارت المصادر نفسها علامات استفهام حول امتناع الرئيس التونسي قيس سعيّد عن تلبية دعوة وُجِّهت له للمشارَكة في أشغال اليوم الثاني من قمة «مجموعة الدول السبع»، التي نُظّمت في إيطاليا، وحضرها كذلك «ضيوف شرف»، بينهم رؤساء الجزائر وموريتانيا وتركيا والبرازيل ودولة الإمارات العربية المتحدة. وللعلم، سعيّد كلّف رئيس حكومته أحمد الحشّاني تعويضه، في خطوة انتقدتها أوساط إعلامية وسياسية غربية، لا سيما أنها جاءت بعد أول زيارة رسمية قام بها الرئيس التونسي إلى بكين في مرحلة تعدّدت فيها «المؤشرات» على توجّه تونس بنسق أسرع نحو الصين وروسيا اللتين ازداد دوراهما في الجزائر وليبيا وعدد من الدول الأفريقية.

فسّرت مصادر دبلوماسية أوروبية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» التوجّه المتزايد للسلطات التونسية نحو آسيا بأنه «رسالة احتجاج وتحذير لباريس وواشنطن وبقية العواصم الغربية»؛ بسبب امتناعها عن تقديم ما تحتاجه تونس من «دعم مالي» لاقتصادها المأزوم. وتابعت المصادر أن ثمة عنصراً آخر يمكن أن يفسّر «توجّه تونس شرقاً» هو الرد العملي «على انتقادات العواصم الغربية» للحكومة التونسية تحت يافطة «حقوق الإنسان».

مقابل ذلك، أعلنت قيادات عليا في بكين وموسكو، وأيضاً في بعض دول المشرق العربي الإسلامي، دعماً سياسياً «غير مشروط للسلطات التونسية في الخطوات التي قامت بها منذ قرارات 25 يوليو (تموز) 2021، التي تطوّرت إلى حلّ البرلمان السابق، والحكومة، ومؤسّسات منتخبة عدة.

في هذه الأثناء، كشف آخر الإحصاءات الرسمية التونسية أن كلاً من الصين وروسيا وتركيا والجزائر ضاعفت خلال العامين الماضيين مبادلاتها التجارية مع تونس، وأصبحت في المرتبة الأولى في قطاعات كثيرة.

هذا الأمر يطرح تساؤلات عمّا تعنيه هذه التطورات في علاقات تونس الخارجية... وهل تؤشر لـ«مسار جديد» هدفه تنويع الشركاء عالمياً، أم هي نوع من «التمرد» على «الشركاء التقليديين» في أوروبا الغربية والولايات المتحدة تمهيداً لانخراط في «محاور دولية جديدة» بقيادة بكين وموسكو، أم تراها مجرد «ورقة ضغط ذكية» على الشركاء الغربيين التقليديين، خصوصاً في باريس وبرلين وواشنطن؛ كي توقف انتقاداتها للسلطات التونسية بسبب «ملفات الحريات»؟

احترام السيادة الوطنية

وزير الخارجية التونسي نبيل عمّار ألقى أخيراً محاضرةً في الجامعة التونسية تكلمّ فيها عن زيارة الرئيس سعيّد إلى الصين، وعن «فتح آفاق جديدة أمام الدبلوماسية التونسية». وممّا قاله عمّار بوضوح أن تونس ستقيم علاقاتها مع شركائها في العالم وفق مقاييس عدة، من بينها «احترام سيادتها الوطنية، والإحجام عن التدّخل في سياستها الداخلية».

وهنا علّق السفير منذر الظريف، مدير عام المعهد الدبلوماسي سابقاً، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إن «الصين شريك مميّز لتونس منذ أن كانت أول دولة اعترفت باستقلال تونس عن فرنسا عام 1956». وأردف موضحاً أنه سبق لبكين أن موّلت مشاريع زراعية وصحية وتجارية ضخمة في تونس، وهي راهناً تعدّ لإبرام صفقات مهمة في قطاعات الجسور والطرقات والبنية الأساسية والتعليم والدفاع والأمن.

«نظام دولي جديد»

وحقاً، يلاحظ أن كلمات الرئيس قيس سعيّد في العاصمة الصينية، وأيضاً في تونس والجزائر تضمّنت دعوات مباشرة إلى بناء «نظام دولي جديد». ومشيراً هنا إلى أن تونس عزّزت أخيراً شراكتها الاقتصادية مع الجزائر، التي تتعرّض بدورها إلى انتقادات فرنسية وأوروبية وغربية؛ بسبب مضاعفة مبادلاتها واستثماراتها المشتركة مع الصين وروسيا وتركيا وقطر على حساب علاقاتها التقليدية مع فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي.

كذلك دخلت تونس في «حلف ثلاثي مؤقت»، مع الجزائر وليبيا، كان قد أُعلن في أعقاب «القمة المغاربية المصغّرة» التي عُقدت قبل أسابيع في تونس، واختُتمت ببيان ختامي تكلّم عن «رفض التدخل الأجنبي في قضايا دول المنطقة»، بما فيها الأزمة الليبية، والنزاعات في أفريقيا.

«التموضع» التحالفي

وبالفعل، أثارت نتائج تلك «القمة المغاربية الثلاثية» انتقادات فرنسية وغربية جديدة لتونس والجزائر وحلفائهما في ليبيا. وأجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدها مباشرة مكالمةً هاتفيةً مع نظيره التونسي، فسّرها المراقبون بكونها «رسالة تطمينات» سياسية واضحة تحثّ تونس والجزائر على تحاشي الخروج من «الفضاء الفرنكوفوني والأوروبي المتوسطي».

وفي المقابل، صدرت أخيراً في كل من بكين وموسكو وطهران والجزائر انتقادات عديدة لما عدّته هذه العواصم «محاولة انتهاك للسيادة الوطنية التونسية» و«تدخلاً أجنبياً في شؤون البلاد»، وبالأخص، بعد البيانات الأوروبية والغربية الرسمية والحملات الصحافية على السلطات التونسية؛ بسبب ملفات الحريات وحقوق الإنسان».

القمة الفرنكوفونية المنعقدة عام 2022 في جزيرة جربة التونسية - رويترز

المواقف داخلياً

أما على الصعيد الداخلي، فقد دعّم زهير حمدي الأمين العام لحزب «التيار الشعبي»، وزهير المغزاوي الأمين العام لحزب «الشعب القومي»، ومعهما قياديون من حزب «مسار 25 يوليو»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» توجّه السلطات التونسية شرقاً وانفتاحها أكثر على الصين وروسيا وبقية الدول الآسيوية. ومن ناحية ثانية، رحّب هؤلاء أيضاً بقرار وزارة الخارجية التونسي أخيراً إلغاء تأشيرات الدخول بالنسبة للسياح الإيرانيين والعراقيين.

... وخارجياً

ولكن في سياق التطورات السريعة في علاقات تونس الخارجية مع «المحور الصيني – الروسي - الآسيوي» شنّ عددٌ من أبرز وسائل الإعلام الفرنسية والغربية حملة انتقادات جديدة للسلطات التونسية. وأبرزت مواقع تلفزيونية وصحافية قريبة من حكومة باريس تقارير جديدة عن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي لافروف قبل أشهر إلى تونس والمنطقة، وأسفرت عن إعلان «ترفيع» الشراكة بين البلدين، والاتفاق على تبادل الزيارات بين الرئيسين فلاديمير بوتين وقيس سعيّد.

بل ذهبت تقارير جديدة، نشرتها وسائل إعلام رسمية فرنسية، تلفزيونية ومكتوبة، حد نشر «إشاعات» عن فتح مطارات تونسية لقوات روسية نظامية وغير نظامية بينها ميليشيا «فاغنر»، بيد أن سفارة تونس في باريس كذّبت هذه «الإشاعات». وعدّ محسوبون على قصر قرطاج الرئاسي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الحملة الإعلامية على السلطات التونسية جزء من ضغوط خارجية؛ رداً على رفض الرئيس سعيّد الانصياع لـ«الشروط المجحفة» لصندوق النقد والبنك الدوليَّين.

ويذكر، هنا، أن سعيّد برّر موقفه الرافض بحرصه على ألا تشهد تونس اضطرابات أمنية واجتماعية خطيرة شبيهة بما وقع خلال المواجهات الدامية مع النقابات العمالية والعاطلين عن العمل والفقراء في عهدَي الرئيسَين الأسبقَين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

السفارة الفرنسية تتحرك

في أي حال، وفي تزامن مثير للانتباه مع تكثيف اجتماعات الرئيس التونسي ووزير خارجيته مع مسؤولين صينيين وروس وجزائريين وليبيين وإيرانيين وكوريين، ودعواته إلى «نظام عالمي جديد»، كثّفت السفارة الفرنسية في تونس تحركاتها ميدانياً وإعلامياً.

كذلك، نظّم المركز الثقافي التابع للسفارة معرضاً، بالاشتراك مع سفارة فلسطين في تونس و«معهد العالم العربي» بباريس، حول ما يقدمه الفن الفلسطيني والتراث الفلسطيني للعالم بحضور سفير فلسطين في تونس هائل الفاهوم. وجاء هذا التحرك بعد أشهر من المظاهرات أمام مقرَي السفارتَين الفرنسية والأميركية رُفعت فيها شعارات تتهم فرنسا بـ«المشارَكة في العدوان على غزة»، وتطالب بغلق السفارات والمصالح الفرنسية والغربية بتونس... والتوجه نحو الصين وآسيا.

هذه الشعارات والمظاهرات ذكّرت المراقبين الغربيين في تونس بتحركات مماثلة تشهدها منذ مدة دول الساحل والصحراء الكبرى، وكذلك بعض المناطق في ليبيا بـ«دعم من روسيا والصين، وميليشيا فاغنر الروسية غير النظامية».

ومن جانب آخر، أدلت السفيرة الفرنسية آن جيجين، بتصريح لقناة تونسية بالتزامن مع زيارة سعيّد إلى الصين، قالت فيه إن «فرنسا تظل الشريك الاقتصادي الأول لتونس» وإنها «المستثمر الصناعي الأجنبي الأول عام 2023». وأوضحت أن من بين 3800 شركة أجنبية مُستثمِرة في تونس فإن 1560 فرنسية، ومن ثم، أعلنت أن التجارة بين فرنسا وتونس تحقق فائضاً سنوياً مهماً بحجم يفوق مليارَي يورو لصالح تونس؟

نعم... ولكن

ولكن عدداً من أعضاء البرلمان التونسي الحالي، بينهم قادة الأحزاب والمنظمات التونسية اليسارية والقومية المساندة للرئيس سعيّد وللسلطات، يواصلون الضغط إعلامياً وسياسياً على السلطات كي «تتوجّه نحو الصين وبلدان آسيا». ولقد نظّم آلاف من النقابيين اليساريين والنشطاء في «التنسيقية التونسية لمساندة فلسطين»، قبل فترة قصيرة، مظاهرات جديدة أمام سفارات عدة تطالب بـ«قطع العلاقات مع عواصم الدول المشارِكة في حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني» بينها فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا. غير أن البعض يقلل من قيمة هذه المظاهرات ويتهمها بـ«الظرفية»، رغم القرار الذي اتخذته طهران بإلغاء تأشيرة الدخول على المسافرين من 28 دولة بينها تونس. وجاء تفاعل تونس مع هذا القرار بإلغاء مقابل، وغير مسبوق، لشرط التأشيرة بالنسبة للسياح الإيرانيين والعراقيين.

عبد الله العبيدي، الدبلوماسي التونسي السابق في ألمانيا، قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إنه لا يوافق على «تضخيم» التقارب بين تونس والصين وروسيا ودول آسيا.

ورجّح العبيدي تمسّك السلطات التونسية «بثوابت الدبلوماسية التونسية الكلاسيكية لأسباب موضوعية»، من بينها أن أكثر من 70 في المائة من شراكات تونس الاقتصادية الخارجية، تجارة واستثماراً وسياحة، لا تزال مع أوروبا وأميركا وبقية الدول الغربية. وتابع أن «الانفتاح أكثر على الأصدقاء لا يكون على حساب الشراكة الاستراتيجية مع الحلفاء». ومن ثم، توقّع العبيدي أن تكون «السلطات التونسية بصدد استخدام ذكي لورقة الضغط» على شركائها الأوروبيين والأميركيين، بهدف حثهم على تقديم ما تحتاجه من دعم مالي، وتحذيرهم من سيناريو «اقترابها أكثر من بكين وموسكو وطهران والدول الآسيوية».

وفي حين قال الوزير السابق خالد شوكات في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن الدبلوماسية التونسية انخرطت رسمياً في مسار «تنويع الشركاء» والانفتاح أكثر على الصين وبلدان آسيا، بما فيها «مجموعة شنغهاي» التي أُسست قبل 15 سنة بزعامة الصين، وتطوّرت إلى «تكتل تضم أسواقه نحو ثُلث سكان الكرة الأرضية»، فإن معظم المؤشرات ترجّح انتصار «الواقعية» على «المغامرات»، خصوصاً في مرحلة تتأهب فيها البلاد لتنظيم دورة جديدة من الانتخابات الرئاسية. على الرغم

من كل شيء... مراقبون يتوقّعون انتصار «الواقعية» على «المغامرات»

أضواء على التجارة التونسية مع الصين وروسيا

> أعلنت مصادر غربية وتونسية أن عجز الميزان التجاري سنوياً بين تونس وكل من الصين وروسيا ارتفع عام 2023 إلى أكثر من 15 مليار دينار تونسي، أي نحو 5 مليارات دولار أميركي، بينما قُدّر العجز مع الجزائر وتركيا بنحو 8 مليارات دينار تونسي، أي بأكثر من ملياري دولار ونصف.في المقابل تورد الإحصائيات الجديدة لـ«معهد الإحصاء الحكومي» التونسي أن تونس حققت فائضاً تجارياً مع فرنسا وبلدان الاتحاد الأوروبي، بفضل صادرات المؤسسات الصناعية التونسية المشتركة. وهذه الصادرات «تحتل المرتبة الأولى بين موارد الدولة التونسية من العملات الأجنبية قبل السياحة وتحويلات نحو مليوني تونسي مهاجر غالبيتهم في أوروبا»، حسب تصريح الخبير غازي معلى لـ«الشرق الأوسط». وما يستحق الإشارة السفيرة الفرنسية لدى تونس آن جيجين ذكرت أن «المجلس الأعلى للتعاون والشراكة التونسية الفرنسية» سيعقد قريباً.هذا، ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الرئيس التونسي قيس سعيّد لحضور «القمة السنوية للبلدان الفرنكوفونية» في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في باريس، وكانت القمة الأخيرة قد عقدت في جزيرة جربة التونسية. ومن المقرّر أن يحضر سعيّد هذه القمة لتسليم الرئاسة إلى الرئيس الفرنسي، وهذا رغم مؤشرات تراجع الدور العالمي لماكرون وحلفائه الأوروبيين بعد «زلزال» فوز اليمين المتطرف في الانتخابات.بالتوازي، كشف السفير السابق أحمد بن مصطفى عن تراجع إقبال السياح الروس على تونس من نحو 700 ألف سائح إلى بضعة مئات بسبب «حرب أوكرانيا» والحصار الدولي المفروض على روسيا. وهذا الواقع، يقرأه رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية لـ«الشرق الأوسط»، بأن الإحصائيات الرسمية تبرّر مواصلة الرهان على فرنسا والشركاء الأوروبيين.


مقالات ذات صلة

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

حصاد الأسبوع تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات...

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة…

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)
تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)
TT

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)
تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات البرلمان المحلي. واصطف الناخبون في طوابير طويلة، خارج مراكز الاقتراع، للإدلاء بأصواتهم. وأفادت لجنة الانتخابات الهندية بأن نسبة المشاركة في التصويت تجاوزت 61 في المائة، ما يشكل أعلى نسبة منذ 35 سنة. ويذكر أن الصراع في كشمير، الذي يعود بجذوره إلى تقسيم الهند وباكستان عام 1947، مستعر منذ أكثر من سبعة عقود. ولذا بدا مشهد طابور المقترعين عَصياً على التصديق، بالنظر إلى تاريخ منطقة كشمير الطبيعية العنيف لأكثر عن ثلاثة عقود. ويُذكر أن كلاً من الهند وباكستان تدعي أحقيتها بالسيادة الكاملة على كشمير الطبيعية، إلا أن كلاً منهما تسيطر على جزء من الإقليم، في عداء مستحكم زاد عمره على 75 سنة شهد توتراً ومجابهات عسكرية بين الجارتين النوويتين، منذ استقلالهما عن الحكم الاستعماري البريطاني عام 1947.

كانت أول انتخابات برلمانية في جامو وكشمير قد أجريت مارس (آذار) ويونيو (حزيران) 1957، ودار التنافس حينذاك على 75 مقعداً، بموجب الدستور الخاص بالإقليم. أما الانتخابات التشريعية الحالية، فتُعدّ الأولى منذ إلغاء حكومة ناريندرا مودي، الهندية اليمينية المتشددة، المادة 370 عام 2019، وخفض الوضع القانوني لما كان ولاية جامو وكشمير – وهو أعلى التقسيمات الإدارية في الهند – إلى مجرد «إقليم اتحادي» ووضعه تحت الحكم المباشر من العاصمة دلهي. ومعروف أن وضع «الولاية» أعطى جامو وكشمير دستورها وقوانينها وخدماتها الإدارية الخاصة... لكن اليمين القوي الهندوسي لا يريد ذلك.

تحوّل عند المقاطعين؟

تفيد جهات محسوبة على حكومة مودي بأن الناخبين الذين قاطعوا الانتخابات طوال السنوات الـ34 الماضية، أظهروا «تحولاً لافتاً» نحو الديمقراطية التشاركية، وتوجّهوا إلى صناديق الاقتراع لخوض تجربة التصويت الأولى لهم، ولم يكن هناك خوف من العنف المسلح أو الإكراه من أي جانب.

وتاريخياً، لطالما كانت مشاركة الناخبين في كشمير ضعيفة بسبب قوة النزعة الاستقلالية. إلا أنه للمرة الأولى منذ 30 سنة، لم تسجل هذه المرة دعوة لمقاطعة الانتخابات من قِبل الاستقلاليين، الذين أقبل بعضهم على الترشح للانتخابات بالوكالة. وبينما بدا التغيير واضحاً للبعض، فإن هذا لا يعني أن الإقليم تحوّل فردوس سلام، وأن القلق تلاشى إلى الأبد؛ إذ لا تزال الأرضية السياسية مضطربة جراء التغييرات الحاسمة التي شهدها العقد الماضي.

في هذا الصدد، علق المحلل السياسي والصحافي الكشميري المخضرم زاهور مالك، قائلاً: «لحسن الحظ، يجري نقل الجدال إلى صناديق الاقتراع وسط مشاركة جماهيرية. وما سيخرج من هذا التفويض يحمل أهم ختم داخل دولة ديمقراطية: إرادة الشعب». وأردف: «تشكل هذه الانتخابات الاختبار الرئيسي للتحولات السياسية بالمنطقة بعد انتهاء الوضع الخاص لجامو وكشمير، وهي ستكون مؤشراً رئيسياً على المزاج السياسي في منطقة شهدت تغييرات جذرية على امتداد العقد الماضي».

الاستقلاليون والانتخابات

كما سبقت الإشارة، لأول مرة، شارك عدد كبير من الاستقلاليين السابقين إلى الانتخابات، بما في ذلك أعضاء سابقون في جماعات محظورة. من بين هذه الشخصيات سرجان أحمد واغاي، وهو رجل دين بارز كانت له مواقف معادية للهند. لكن واغاي يترشح اليوم، من داخل السجن في دائرتين انتخابيتين بوسط كشمير، هما غاندربال وبيرواه.

وهناك أيضاً حافظ محمد سكندر مالك، القيادي المتمرد، الذي كان أول من تقدّم بأوراق ترشحه مرشحاً مستقلاً، مع أنه لا يزال مصفّداً بجهاز تتّبع في رجليه يعمل بتكنولوجيا «جي بي إس». وكان مالك قد اعتقل عام 2019، وجرى احتجازه مرتين بموجب قانون السلامة العامة.

كذلك، سيار أحمد ريشي (42 سنة) زعيم «الجماعة الإسلامية» المحظورة السابق والمرشح المستقل اليوم، الذي كان يروّج لآيديولوجية انفصالية، ارتأى على ما يبدو أن الاقتراع أفضل من الرصاص لمواجهة الظلم، وهو يتولى تنظيم حملته الانتخابية عبر التنقّل والتفاعل مع الناخبين من باب إلى باب. وللعلم، كانت «الجماعة الإسلامية» من مكوّنات «مؤتمر الحريات»، الذي هو مزيج من الأحزاب السياسية الاستقلالية في كشمير، وقد سبق له دعم دعوات مقاطعة الانتخابات بعد عام 1987.

وأيضاً التحق القيادي الاستقلالي السابق سليم جيلاني بركب المشاركين بعد 35 سنة من العمل الدؤوب في جبهة الاستقلاليين. وبرّر الرجل تغييره موقفه برغبته «في إنجاز التنمية الاقتصادية لكشمير، وحلّ وضع كشمير داخل الهند... ثم كيف يمكنني أن أنكر حقيقة أنني أحمل جواز سفر هندياً وأستخدم العملة الهندية؟».

سرّ التحول المفاجئ

المحلل السياسي مزمّل مقبول، يرى أن كثيرين ممّن عارضوا لفترة طويلة اندماج كشمير مع الهند غيّروا مواقفهم منذ إلغاء صفة الحكم الذاتي الخاص بالإقليم عام 2019. وبالمثل، قال الصحافي إشفاق سلام، الذي عمل على الأرض في كشمير على مدى العقدين الماضيين: «إن نجاح الزعيم الاستقلالي الشيخ عبد الرشيد، الذي فاز بمقعد في البرلمان أثناء الانتخابات الوطنية في وقت سابق من العام، بينما هو يقبع داخل سجن تيهار في نيودلهي، أعاد ثقة الناس في نزاهة الانتخابات. وجاء نجاحه بمثابة تعبير عن إحباط الناخبين تجاه الأحزاب السياسية القائمة، علاوة على كون ذلك بمثابة تصويت ضد نيودلهي». ويُذكر أن عبد الرشيد خرج من السجن بكفالة مؤقتة، وهو يتولّى حالياً تنظيم حملة قوية لصالح مرشحي حزبه السياسي البالغ عددهم 34 مرشحاً. وقد ألهم العديد من الاستقلاليين للانضمام إلى المعركة؛ ما أدى إلى زيادة المشاركة العامة في المؤتمرات الانتخابية.

انزعاج الأحزاب الرئيسية

من جهة ثانية، أثار العدد الكبير من المرشحين الذين خاضوا هذه الانتخابات من المرتبطين سابقاً بالتيارات الاستقلالية، القلق والشكوك في صفوف أقوى حزبين سياسيين تقليديين في كشمير، أي «المؤتمر الوطني» و«حزب الشعب الديمقراطي».

وفي هذا السياق، تساءل عمر عبد الله، رئيس وزراء جامو وكشمير السابق، الذي تعرّض للهزيمة أمام عبد الرشيد، عن مصدر الأموال التي يحصل عليها هؤلاء المرشحون - الذين صنّفتهم نيودلهي فيما مضى باعتبارهم «مسلحين» - ما مكّنهم من خوض الانتخابات، وأيضاً «السر» وراء التغيير المفاجئ في آرائهم. واتهم عمر هؤلاء بأنهم «فريق مرشحي الاحتياط» لحزب «بهاراتيا جاناتا» اليميني الحاكم بزعامة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

وهنا نشير إلى أنه من الناحية الرسمية ليس لحزب «بهاراتيا جاناتا» (هندوسي قومي متشدد) أي وجود يذكر في إقليم كشمير ذي الغالبية المسلمة. فنظراً لتوقعه الخسارة، لم يدفع الحزب الحاكم في الهند تحت اسمه بأي مرشح في الانتخابات الوطنية بالإقليم في وقت سابق من 2024، وهذا رغم ادعائه أنه عزّز هيكله ورفع عضويته إلى 700 ألف داخل الإقليم، على امتداد العقد الماضي.

أهمية الانتخابات

يقول مراقبون إن انتخابات كشمير هذه ذات أهمية خاصة لأكثر من سبب، أبرزها أنها أول انتخابات تشريعية بعد إلغاء حكومة مودي المادة 370. وبجانب ذلك، يظهر أن لحكومة مودي وحزبه «بهاراتيا جاناتا»، مع هذه الانتخابات ما يشكّل «لحظة حساب». وحقاً، يُعد إلغاء المادة 370، التي منحت وضعاً خاصاً لجامو وكشمير، أخطر خطوة اتخذتها أي حكومة هندية منذ عام 1952. وترى الحكومة الهندية أن تغيير الوضع السابق يساعدها في تشكيل الحكومة بمفردها داخل جامو وكشمير، وأن هذا سيكون كافياً لمحو جميع أخطائها السابق. للمرة الأولى منذ 30 سنة لم تسجل هذه المرة دعوة لمقاطعة الانتخابات من قِبل الاستقلاليين الذين أقبل بعضهم على الترشح للانتخابات بالوكالة