قراءة في توجّه تونس شرقاً نحو الصين وآسيا

تغيير «الحلفاء» من دون التمرّد على «الأصدقاء»

الرئيس التونسي قيس سعيّد مع مسنضيفه الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين - رويترز
الرئيس التونسي قيس سعيّد مع مسنضيفه الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين - رويترز
TT

قراءة في توجّه تونس شرقاً نحو الصين وآسيا

الرئيس التونسي قيس سعيّد مع مسنضيفه الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين - رويترز
الرئيس التونسي قيس سعيّد مع مسنضيفه الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين - رويترز

أعربت مصادر غربية خلال الأسابيع القليلة الماضية عن انشغالها «بتوجّه تونس شرقاً»، خصوصاً نحو الصين وروسيا وآسيا. وأثارت المصادر نفسها علامات استفهام حول امتناع الرئيس التونسي قيس سعيّد عن تلبية دعوة وُجِّهت له للمشارَكة في أشغال اليوم الثاني من قمة «مجموعة الدول السبع»، التي نُظّمت في إيطاليا، وحضرها كذلك «ضيوف شرف»، بينهم رؤساء الجزائر وموريتانيا وتركيا والبرازيل ودولة الإمارات العربية المتحدة. وللعلم، سعيّد كلّف رئيس حكومته أحمد الحشّاني تعويضه، في خطوة انتقدتها أوساط إعلامية وسياسية غربية، لا سيما أنها جاءت بعد أول زيارة رسمية قام بها الرئيس التونسي إلى بكين في مرحلة تعدّدت فيها «المؤشرات» على توجّه تونس بنسق أسرع نحو الصين وروسيا اللتين ازداد دوراهما في الجزائر وليبيا وعدد من الدول الأفريقية.

فسّرت مصادر دبلوماسية أوروبية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» التوجّه المتزايد للسلطات التونسية نحو آسيا بأنه «رسالة احتجاج وتحذير لباريس وواشنطن وبقية العواصم الغربية»؛ بسبب امتناعها عن تقديم ما تحتاجه تونس من «دعم مالي» لاقتصادها المأزوم. وتابعت المصادر أن ثمة عنصراً آخر يمكن أن يفسّر «توجّه تونس شرقاً» هو الرد العملي «على انتقادات العواصم الغربية» للحكومة التونسية تحت يافطة «حقوق الإنسان».

مقابل ذلك، أعلنت قيادات عليا في بكين وموسكو، وأيضاً في بعض دول المشرق العربي الإسلامي، دعماً سياسياً «غير مشروط للسلطات التونسية في الخطوات التي قامت بها منذ قرارات 25 يوليو (تموز) 2021، التي تطوّرت إلى حلّ البرلمان السابق، والحكومة، ومؤسّسات منتخبة عدة.

في هذه الأثناء، كشف آخر الإحصاءات الرسمية التونسية أن كلاً من الصين وروسيا وتركيا والجزائر ضاعفت خلال العامين الماضيين مبادلاتها التجارية مع تونس، وأصبحت في المرتبة الأولى في قطاعات كثيرة.

هذا الأمر يطرح تساؤلات عمّا تعنيه هذه التطورات في علاقات تونس الخارجية... وهل تؤشر لـ«مسار جديد» هدفه تنويع الشركاء عالمياً، أم هي نوع من «التمرد» على «الشركاء التقليديين» في أوروبا الغربية والولايات المتحدة تمهيداً لانخراط في «محاور دولية جديدة» بقيادة بكين وموسكو، أم تراها مجرد «ورقة ضغط ذكية» على الشركاء الغربيين التقليديين، خصوصاً في باريس وبرلين وواشنطن؛ كي توقف انتقاداتها للسلطات التونسية بسبب «ملفات الحريات»؟

احترام السيادة الوطنية

وزير الخارجية التونسي نبيل عمّار ألقى أخيراً محاضرةً في الجامعة التونسية تكلمّ فيها عن زيارة الرئيس سعيّد إلى الصين، وعن «فتح آفاق جديدة أمام الدبلوماسية التونسية». وممّا قاله عمّار بوضوح أن تونس ستقيم علاقاتها مع شركائها في العالم وفق مقاييس عدة، من بينها «احترام سيادتها الوطنية، والإحجام عن التدّخل في سياستها الداخلية».

وهنا علّق السفير منذر الظريف، مدير عام المعهد الدبلوماسي سابقاً، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إن «الصين شريك مميّز لتونس منذ أن كانت أول دولة اعترفت باستقلال تونس عن فرنسا عام 1956». وأردف موضحاً أنه سبق لبكين أن موّلت مشاريع زراعية وصحية وتجارية ضخمة في تونس، وهي راهناً تعدّ لإبرام صفقات مهمة في قطاعات الجسور والطرقات والبنية الأساسية والتعليم والدفاع والأمن.

«نظام دولي جديد»

وحقاً، يلاحظ أن كلمات الرئيس قيس سعيّد في العاصمة الصينية، وأيضاً في تونس والجزائر تضمّنت دعوات مباشرة إلى بناء «نظام دولي جديد». ومشيراً هنا إلى أن تونس عزّزت أخيراً شراكتها الاقتصادية مع الجزائر، التي تتعرّض بدورها إلى انتقادات فرنسية وأوروبية وغربية؛ بسبب مضاعفة مبادلاتها واستثماراتها المشتركة مع الصين وروسيا وتركيا وقطر على حساب علاقاتها التقليدية مع فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي.

كذلك دخلت تونس في «حلف ثلاثي مؤقت»، مع الجزائر وليبيا، كان قد أُعلن في أعقاب «القمة المغاربية المصغّرة» التي عُقدت قبل أسابيع في تونس، واختُتمت ببيان ختامي تكلّم عن «رفض التدخل الأجنبي في قضايا دول المنطقة»، بما فيها الأزمة الليبية، والنزاعات في أفريقيا.

«التموضع» التحالفي

وبالفعل، أثارت نتائج تلك «القمة المغاربية الثلاثية» انتقادات فرنسية وغربية جديدة لتونس والجزائر وحلفائهما في ليبيا. وأجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدها مباشرة مكالمةً هاتفيةً مع نظيره التونسي، فسّرها المراقبون بكونها «رسالة تطمينات» سياسية واضحة تحثّ تونس والجزائر على تحاشي الخروج من «الفضاء الفرنكوفوني والأوروبي المتوسطي».

وفي المقابل، صدرت أخيراً في كل من بكين وموسكو وطهران والجزائر انتقادات عديدة لما عدّته هذه العواصم «محاولة انتهاك للسيادة الوطنية التونسية» و«تدخلاً أجنبياً في شؤون البلاد»، وبالأخص، بعد البيانات الأوروبية والغربية الرسمية والحملات الصحافية على السلطات التونسية؛ بسبب ملفات الحريات وحقوق الإنسان».

القمة الفرنكوفونية المنعقدة عام 2022 في جزيرة جربة التونسية - رويترز

المواقف داخلياً

أما على الصعيد الداخلي، فقد دعّم زهير حمدي الأمين العام لحزب «التيار الشعبي»، وزهير المغزاوي الأمين العام لحزب «الشعب القومي»، ومعهما قياديون من حزب «مسار 25 يوليو»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» توجّه السلطات التونسية شرقاً وانفتاحها أكثر على الصين وروسيا وبقية الدول الآسيوية. ومن ناحية ثانية، رحّب هؤلاء أيضاً بقرار وزارة الخارجية التونسي أخيراً إلغاء تأشيرات الدخول بالنسبة للسياح الإيرانيين والعراقيين.

... وخارجياً

ولكن في سياق التطورات السريعة في علاقات تونس الخارجية مع «المحور الصيني – الروسي - الآسيوي» شنّ عددٌ من أبرز وسائل الإعلام الفرنسية والغربية حملة انتقادات جديدة للسلطات التونسية. وأبرزت مواقع تلفزيونية وصحافية قريبة من حكومة باريس تقارير جديدة عن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي لافروف قبل أشهر إلى تونس والمنطقة، وأسفرت عن إعلان «ترفيع» الشراكة بين البلدين، والاتفاق على تبادل الزيارات بين الرئيسين فلاديمير بوتين وقيس سعيّد.

بل ذهبت تقارير جديدة، نشرتها وسائل إعلام رسمية فرنسية، تلفزيونية ومكتوبة، حد نشر «إشاعات» عن فتح مطارات تونسية لقوات روسية نظامية وغير نظامية بينها ميليشيا «فاغنر»، بيد أن سفارة تونس في باريس كذّبت هذه «الإشاعات». وعدّ محسوبون على قصر قرطاج الرئاسي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الحملة الإعلامية على السلطات التونسية جزء من ضغوط خارجية؛ رداً على رفض الرئيس سعيّد الانصياع لـ«الشروط المجحفة» لصندوق النقد والبنك الدوليَّين.

ويذكر، هنا، أن سعيّد برّر موقفه الرافض بحرصه على ألا تشهد تونس اضطرابات أمنية واجتماعية خطيرة شبيهة بما وقع خلال المواجهات الدامية مع النقابات العمالية والعاطلين عن العمل والفقراء في عهدَي الرئيسَين الأسبقَين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

السفارة الفرنسية تتحرك

في أي حال، وفي تزامن مثير للانتباه مع تكثيف اجتماعات الرئيس التونسي ووزير خارجيته مع مسؤولين صينيين وروس وجزائريين وليبيين وإيرانيين وكوريين، ودعواته إلى «نظام عالمي جديد»، كثّفت السفارة الفرنسية في تونس تحركاتها ميدانياً وإعلامياً.

كذلك، نظّم المركز الثقافي التابع للسفارة معرضاً، بالاشتراك مع سفارة فلسطين في تونس و«معهد العالم العربي» بباريس، حول ما يقدمه الفن الفلسطيني والتراث الفلسطيني للعالم بحضور سفير فلسطين في تونس هائل الفاهوم. وجاء هذا التحرك بعد أشهر من المظاهرات أمام مقرَي السفارتَين الفرنسية والأميركية رُفعت فيها شعارات تتهم فرنسا بـ«المشارَكة في العدوان على غزة»، وتطالب بغلق السفارات والمصالح الفرنسية والغربية بتونس... والتوجه نحو الصين وآسيا.

هذه الشعارات والمظاهرات ذكّرت المراقبين الغربيين في تونس بتحركات مماثلة تشهدها منذ مدة دول الساحل والصحراء الكبرى، وكذلك بعض المناطق في ليبيا بـ«دعم من روسيا والصين، وميليشيا فاغنر الروسية غير النظامية».

ومن جانب آخر، أدلت السفيرة الفرنسية آن جيجين، بتصريح لقناة تونسية بالتزامن مع زيارة سعيّد إلى الصين، قالت فيه إن «فرنسا تظل الشريك الاقتصادي الأول لتونس» وإنها «المستثمر الصناعي الأجنبي الأول عام 2023». وأوضحت أن من بين 3800 شركة أجنبية مُستثمِرة في تونس فإن 1560 فرنسية، ومن ثم، أعلنت أن التجارة بين فرنسا وتونس تحقق فائضاً سنوياً مهماً بحجم يفوق مليارَي يورو لصالح تونس؟

نعم... ولكن

ولكن عدداً من أعضاء البرلمان التونسي الحالي، بينهم قادة الأحزاب والمنظمات التونسية اليسارية والقومية المساندة للرئيس سعيّد وللسلطات، يواصلون الضغط إعلامياً وسياسياً على السلطات كي «تتوجّه نحو الصين وبلدان آسيا». ولقد نظّم آلاف من النقابيين اليساريين والنشطاء في «التنسيقية التونسية لمساندة فلسطين»، قبل فترة قصيرة، مظاهرات جديدة أمام سفارات عدة تطالب بـ«قطع العلاقات مع عواصم الدول المشارِكة في حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني» بينها فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا. غير أن البعض يقلل من قيمة هذه المظاهرات ويتهمها بـ«الظرفية»، رغم القرار الذي اتخذته طهران بإلغاء تأشيرة الدخول على المسافرين من 28 دولة بينها تونس. وجاء تفاعل تونس مع هذا القرار بإلغاء مقابل، وغير مسبوق، لشرط التأشيرة بالنسبة للسياح الإيرانيين والعراقيين.

عبد الله العبيدي، الدبلوماسي التونسي السابق في ألمانيا، قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إنه لا يوافق على «تضخيم» التقارب بين تونس والصين وروسيا ودول آسيا.

ورجّح العبيدي تمسّك السلطات التونسية «بثوابت الدبلوماسية التونسية الكلاسيكية لأسباب موضوعية»، من بينها أن أكثر من 70 في المائة من شراكات تونس الاقتصادية الخارجية، تجارة واستثماراً وسياحة، لا تزال مع أوروبا وأميركا وبقية الدول الغربية. وتابع أن «الانفتاح أكثر على الأصدقاء لا يكون على حساب الشراكة الاستراتيجية مع الحلفاء». ومن ثم، توقّع العبيدي أن تكون «السلطات التونسية بصدد استخدام ذكي لورقة الضغط» على شركائها الأوروبيين والأميركيين، بهدف حثهم على تقديم ما تحتاجه من دعم مالي، وتحذيرهم من سيناريو «اقترابها أكثر من بكين وموسكو وطهران والدول الآسيوية».

وفي حين قال الوزير السابق خالد شوكات في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن الدبلوماسية التونسية انخرطت رسمياً في مسار «تنويع الشركاء» والانفتاح أكثر على الصين وبلدان آسيا، بما فيها «مجموعة شنغهاي» التي أُسست قبل 15 سنة بزعامة الصين، وتطوّرت إلى «تكتل تضم أسواقه نحو ثُلث سكان الكرة الأرضية»، فإن معظم المؤشرات ترجّح انتصار «الواقعية» على «المغامرات»، خصوصاً في مرحلة تتأهب فيها البلاد لتنظيم دورة جديدة من الانتخابات الرئاسية. على الرغم

من كل شيء... مراقبون يتوقّعون انتصار «الواقعية» على «المغامرات»

أضواء على التجارة التونسية مع الصين وروسيا

> أعلنت مصادر غربية وتونسية أن عجز الميزان التجاري سنوياً بين تونس وكل من الصين وروسيا ارتفع عام 2023 إلى أكثر من 15 مليار دينار تونسي، أي نحو 5 مليارات دولار أميركي، بينما قُدّر العجز مع الجزائر وتركيا بنحو 8 مليارات دينار تونسي، أي بأكثر من ملياري دولار ونصف.في المقابل تورد الإحصائيات الجديدة لـ«معهد الإحصاء الحكومي» التونسي أن تونس حققت فائضاً تجارياً مع فرنسا وبلدان الاتحاد الأوروبي، بفضل صادرات المؤسسات الصناعية التونسية المشتركة. وهذه الصادرات «تحتل المرتبة الأولى بين موارد الدولة التونسية من العملات الأجنبية قبل السياحة وتحويلات نحو مليوني تونسي مهاجر غالبيتهم في أوروبا»، حسب تصريح الخبير غازي معلى لـ«الشرق الأوسط». وما يستحق الإشارة السفيرة الفرنسية لدى تونس آن جيجين ذكرت أن «المجلس الأعلى للتعاون والشراكة التونسية الفرنسية» سيعقد قريباً.هذا، ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الرئيس التونسي قيس سعيّد لحضور «القمة السنوية للبلدان الفرنكوفونية» في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في باريس، وكانت القمة الأخيرة قد عقدت في جزيرة جربة التونسية. ومن المقرّر أن يحضر سعيّد هذه القمة لتسليم الرئاسة إلى الرئيس الفرنسي، وهذا رغم مؤشرات تراجع الدور العالمي لماكرون وحلفائه الأوروبيين بعد «زلزال» فوز اليمين المتطرف في الانتخابات.بالتوازي، كشف السفير السابق أحمد بن مصطفى عن تراجع إقبال السياح الروس على تونس من نحو 700 ألف سائح إلى بضعة مئات بسبب «حرب أوكرانيا» والحصار الدولي المفروض على روسيا. وهذا الواقع، يقرأه رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية لـ«الشرق الأوسط»، بأن الإحصائيات الرسمية تبرّر مواصلة الرهان على فرنسا والشركاء الأوروبيين.


مقالات ذات صلة

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة جوية لمدينة هرجيسا (من منصة أكس)

«أرض الصومال»... إقليم «استراتيجي» يبحث عن هدف صعب

بين ليلة وضحاها، غزا إقليم «أرض الصومال» - «الصومال البريطاني» سابقاً - عناوين الأخبار، ودقّ ذاكرة المتابعين، إثر إعلان توقيعه مذكرة تفاهم تمنح إثيوبيا منفذاً

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.