سايمون هاريس... أصغر زعيم في تاريخ آيرلندا...أحد الثلاثي الأوروبي الداعم لقيام دولة فلسطين

سياسي بالفطرة... ومتعاطف مع المظلومين وذوي الحاجات الخاصة

في عام 2011 انتُخب هاريس وهو لا يزال في الرابعة والعشرين من العمر نائباً في البرلمان، وكان يومذاك أصغر النواب سناً
في عام 2011 انتُخب هاريس وهو لا يزال في الرابعة والعشرين من العمر نائباً في البرلمان، وكان يومذاك أصغر النواب سناً
TT

سايمون هاريس... أصغر زعيم في تاريخ آيرلندا...أحد الثلاثي الأوروبي الداعم لقيام دولة فلسطين

في عام 2011 انتُخب هاريس وهو لا يزال في الرابعة والعشرين من العمر نائباً في البرلمان، وكان يومذاك أصغر النواب سناً
في عام 2011 انتُخب هاريس وهو لا يزال في الرابعة والعشرين من العمر نائباً في البرلمان، وكان يومذاك أصغر النواب سناً

طرح الإعلان «الثلاثي» من حكومات النرويج وإسبانيا وجمهورية آيرلندا عن قرارها كل على حدة بالاعتراف رسمياً بدولة فلسطين علامات استفهام في الأوساط السياسية الداعمة لإسرائيل والمناوئة للقضية الفلسطينية إلا أنه حظي بترحيب واسع في الضفة المقابلة والواقع أن هذا الموقف جاء مبنياً على سلسلة مواقف اعتراضية اتخذتها تباعاً بصورة تصعيدية الدول الأوروبية الثلاث منذ حوّلت «حكومة الحرب» الإسرائيلية «الردّ» على عملية «طوفان الأقصى» التي شنّتها حركة «حماس» على غلاف قطاع غزة إلى حرب تهجير وتدمير مفتوحة راح ضحيتها أكثر من 35 ألف قتيل ومئات ألوف المصابين ناهيك من تحويل مدن القطاع ومؤسساته إلى أنقاض

في ما يخصّ مواقف جمهورية آيرلندا من حرب تهجير قطاع غزة، صدر أول موقف من رئيس الحكومة السابق الدكتور ليو فارادكار في ديسمبر (كانون الأول) الماضي خلال قمة الاتحاد الأوروبي، عندما طالب زملاءه القادة الأوروبيين بتبني موقف حازم باتجاه فرض وقف حرب غزة.

وأضاف فارادكار أن الاتحاد «فقد صدقيته بسبب عجزه عن أخذ موقف أكثر قوة وحدّة» إزاء ما يحدث في غزة. وغمز من قناة «ازدواجية المعايير»، قبل أن تتضامن آيرلندا مع إسبانيا وبلجيكا ومالطا في المطالبة بمناقشة جدية للأمر في ظل تفاقم الوضع الإنساني في القطاع.

بعد ذلك، في مارس (آذار) الماضي، صعّد فارادكار مواقفه في مستهل جولته الأميركية، عندما قال: «إن قتل أعداد هائلة من أطفال غزة سيقضّ مضاجع العالم إذا ظل صامتاً في وجه العقاب الجماعي المستمر الذي تمارسه إسرائيل». واستنكر بشدة في كلمة له بمدينة بوسطن قائلاً: «حياة الطفل هي أكبر النعم على الإطلاق. الطفولة يجب أن تكون نعمة. لكن اليوم في غزة بالنسبة لكثيرين نراها حكم إعدام ونقمة». ثم كرّر مواقفه المطالبة بوقف كامل وفوري للحرب بعد أيام قليلة خلال لقائه بالرئيس جو بايدن في البيت الأبيض.

إلا أن فارادكار استقال من منصبه خلال فترة قصيرة من عودته إلى بلاده لـ«أسباب خاصة» أثير حولها لغط. وعلى الإثر، انتخب حزب «فين غايل» الحاكم النائب والوزير الشاب سايمون هاريس خلفاً له في قيادة الحزب ورئاسة الحكومة.

هاريس (37 سنة) قُيض له بالأمس أن يكمِل ما مهّد له سلفه، وأن يكون الزعيم الآيرلندي الذي يعلن اعترف بلاده رسمياً بدولة فلسطين.

من هو هاريس؟

ولد سايمون هاريس يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1986 في بلدة غرايستونز، وهي منتجع على الساحل الشرقي للجزيرة الآيرلندية، في مقاطعة ويكلو، الواقعة إلى الجنوب من العاصمة دبلن. وبهذه المقاطعة ارتبطت حياته السياسية منذ شقّ طريقه في عالم السياسة عام 2009.

سايمون هو الابن الأكبر بين 3 أولاد (صبيان وبنت) لعائلة بارت وماري هاريس. ولقد تلقى تعليمه في إحدى مدارس غرايستونز الثانوية، وفيها لمع في التمثيل، وأعد مسرحية وهو ابن 13 سنة. وحين بدأ شغفه بالسياسة في سن الـ15 سنة، تواءم هذا الشغف مع تعاطفه مع ذوي الحاجات الخاصة عندما أسس رابطة تهدف لمساعدة أهالي الأطفال المُعانين من إعاقتي التوحّد ونقص التركيز، وللعلم فإن شقيقه هو ممّن يعانون من التوحّد. وكذلك كان من اهتمامات تلك الرابطة التواصل مع الشخصيات السياسة ودفعها إلى دعم هؤلاء المعانين والمحرومين وتأمين تعليم الأطفال منهم.

وبما يخص حياة هاريس الأسرية، فإنه متزوّج من كوفه ويد، وهي ممرضة في قسم أمراض القلب، ولديهما صبي وبنت. وعلى الصعيد الشخصي، فإنه يعاني من «مرض كرون» (الالتهاب المزمن في الجهاز الهضمي).

التعليم... والانطلاقة السياسية

أما بالنسبة لدراسته الجامعية، فإنه بدأ في تخصص الصحافة والأدب الفرنسي في معهد دبلن للتكنولوجيا، غير أنه لم يتابع، بل غادر الدراسة في السنة الثانية، ليركّز مسيرته على السياسة. وبالفعل، في انتخابات عام 2002، نشط سايمون هاريس ضمن صفوف حزب «فيانا فويل» (قومي على يمين الوسط)، إلا أنه انتقل خلال سنة واحدة إلى حزب «فيني غايل» (يمين ليبرالي) وانتخب في تنظيمه الشبابي.

وفي حزبه الجديد، بدأ عام 2008 رحلته مساعداً لزميلته الوزيرة المستقبلية فرانسيس فيتزجيرالد عندما كانت عضواً في مجلس الشيوخ (أحد مجلسي البرلمان). وفي العام التالي، خلال الانتخابات المحلية، انتخب عضواً في المجلس المحلي لمقاطعة ويكلو، وكان لافتاً أنه حصل على أعلى نسبة تأييد بين كل أعضاء المجالس المنتخبة على امتداد آيرلندا، كما انتخب عضواً في بلدية غرايستونز.

من البرلمان إلى الوزارة

عام 2011، انتخب هاريس، وهو لا يزال في الرابعة والعشرين من العمر نائباً في مجلس النواب الآيرلندي عن ويكلو... وكان يومذاك أصغر نواب البرلمان سناً. وفي مجلس النواب صقل خبراته عبر شغله مهاماً في بعض اللجان البرلمانية المتخصصة، ومنها الاقتصاد والصحة.

وفي عام 2014، خطا هاريس خطوة كبيرة أخرى عندما عيّن وزير دولة في وزارة المالية. وتسارع الصعود عندما رقّي عام 2016، في أعقاب تشكيل حزب «فيني غايل» حكومة أقلية، ليصبح وزيراً للصحة، ولاحقاً، مع تشكيل الحكومة الائتلافية عام 2020 انتقل من وزارة الصحة ليتولى وزارة التعليم الإضافي والعالي والبحث والابتكار والعلوم. ومن ثم تولى أيضاً بصفة مؤقتة حقيبة وزارة العدل بين ديسمبر 2022 ويونيو (حزيران) 2023 عندما حصلت زميلته الوزيرة هيلين ماكينتي على إجازة أمومة.

رئيساً في سن الـ37

وأخيراً، بعد الاستقالة المفاجئة لفارادكار يوم 20 مارس الماضي، دُعي حزبه «فيني غايل»، وفق التدابير المألوفة والمتبعة لانتخاب زعيم جديد، مع العلم أن الزعيم المستقيل تعهّد بالتخلي عن رئاسة الحكومة فور انتخاب خلف له على قمة الحزب. وفي اليوم التالي، فتح باب الترشيح إلا أنه بحلول بعد ظهر ذلك اليوم كان أكثر من نصف عدد أعضاء الكتلة البرلمانية للحزب قد أعلنوا تأييدهم لاختيار سايمون هاريس، وأبعد كل وزراء الحزب أنفسهم عن المنافسة. وهكذا صار هاريس المرشح الوحيد، وبالتالي الزعيم الفعلي بالتزكية، يوم 24 مارس الذي كان قد حُدد كمهلة أخيرة لقبول الترشيحات، خلال اجتماع رسمي للقيادة الحزبية في اليوم ذاته، عقد بمدينة آثلون بشمال وسط البلاد. ومن ثم يوم 9 أبريل (نيسان) بعد عطلة عيد الفصح الماضي، عيّن رسمياً بصفته زعيم الحزب الحاكم رئيساً جديداً للحكومة وهو لا يزال في السابعة والثلاثين من العمر... وبذا بات رئيس الحكومة الأصغر سناً في تاريخ البلاد.

حزب «فيني غايل» في سطور

> حزب «فيني غايل» (أي العشيرة أو الأمة الآيرلندية) حزب يميني ليبرالي مسيحي التوجهات، يمتلك اليوم ثالث أكبر عدد من المقاعد داخل مجلس النواب الآيرلندي وأكبر تمثيل نيابي آيرلندي في البرلمان الأوروبي.

> أسس يوم 8 سبتمبر (أيلول) 1933 من اندماج 3 جماعات نشطت إبان النضال الاستقلالي عن بريطانيا، أيّد أعضاؤها «الاتفاقية الأنجلو آيرلندية» إبان النزاع الأهلي الآيرلندي بين الاستقلاليين المعتدلين والمتشددين، وعدّ هؤلاء أنفسهم مناصرين للزعيم الراحل المعتدل مايكل كولينز الذي اغتاله رافضو «الاتفاقية».

> بعد الاستقلال تناوب الحزب مع حزب «فيانا فويل» الأكثر تشدداً قومياً، والذي انشق مثله، تحت قيادة زعيمه البارز إيمون دي فاليرا، عن حزب «شين فين» أقدم القوى الاستقلالية.

> اضطر للتحالف غير مرة مع حزب العمال الآيرلندي (يسار الوسط) في ائتلافات حكومية ضد «فيانا فويل»، وخرج منهم زعماء بارزون، من أهمهم ليام كوسغريف (ابن وليم توماس كوسغريف أول رئيس للمجلس التنفيذي لدولة آيرلندا الحرة)، وجون كوستيللو، والدكتور غاريث فيتزجيرالد، والدكتور ليو فارادكار، أول رئيس من أصل هندي يتولى السلطة في آيرلندا.


مقالات ذات صلة

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة جوية لمدينة هرجيسا (من منصة أكس)

«أرض الصومال»... إقليم «استراتيجي» يبحث عن هدف صعب

بين ليلة وضحاها، غزا إقليم «أرض الصومال» - «الصومال البريطاني» سابقاً - عناوين الأخبار، ودقّ ذاكرة المتابعين، إثر إعلان توقيعه مذكرة تفاهم تمنح إثيوبيا منفذاً

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
TT

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا، كما أيّد تصدي المملكة العربية السعودية للمتمردين الحوثيين في اليمن.

في المقابل، أدان روبيو هجوم حركة «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على غلاف قطاع غزة، وأعرب بقوة عن دعمه لإسرائيل و«عن حقها في الدفاع عن النفس»، داعياً إلى القضاء التام على «حماس» في القطاع الفلسطيني المحتل.

وعندما سُئل عما إذا كانت هناك طريقة ما لوقف «حماس» من دون التسبّب في خسائر بشرية جسيمة في صفوف مدنيي غزة، قال روبيو - بالحرف - إن إسرائيل لا تستطيع التعايش «مع هؤلاء المتوحشين... يجب القضاء عليهم». وتابع في الاتجاه نفسه ليقول: «إن (حماس) مسؤولة بنسبة 100 في المائة» عن الخسائر البشرية الفلسطينية في غزة.

أما فيما يتعلق بإيران فالمعروف عن روبيو أنه يدعم العقوبات الصارمة وإلغاء الاتفاق النووي معها. وإزاء هذه الخلفية يرى محللون أن اختياره لمنصب وزير الخارجية ربما يعني تطبيقاً أكثر صرامة للعقوبات النفطية على كلّ من إيران وفنزويلا.

ومن جهة ثانية، بصفة ماركو روبيو نائباً لرئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ وعضواً في لجنة العلاقات الخارجية، فإنه يناقش في الكثير من الأحيان التهديدات العسكرية والاقتصادية الأجنبية، ولعل من أبرزها ما تعدّه واشنطن تهديد الصين. وهو يحذّر بشدّة من أن كلاً من الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا تتعاون بشكل متزايد ضد الولايات المتحدة. وسبق له أن قال في خطاب ألقاه خلال مارس (آذار) الماضي: «إنهم جميعاً يشتركون في هدف واحد. إنهم يريدون إضعاف أميركا، وإضعاف تحالفاتنا، وإضعاف مكانتنا وقدراتنا وإرادتنا».

وحول الصين بالذات، فيما يتعلق بالأمن القومي وحقوق الإنسان، فإنه يحذر من الصين. وفي حين يأمل روبيو بنمو اقتصادي أكبر نتيجة للتجارة معها، فإنه يعتقد أن على واشنطن دعم الديمقراطية والحرية والاستقلال الحقيقي لشعب هونغ كونغ.

أما بالنسبة لروسيا، فقد أدان روبيو غزو روسيا لأوكرانيا، خلال فبراير (شباط) 2022، بيد أنه صوّت مع 15 جمهورياً في مجلس الشيوخ ضد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 95 مليار دولار لأوكرانيا وإسرائيل وشركاء آخرين جرى تمريرها في أبريل (نيسان).

ثم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وصف الأوكرانيين بأنهم «شجعان وأقوياء بشكل لا يصدق»، لكنه قال إن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى «طريق مسدود»، و«يجب إنهاؤها» عبر التفاوض لتجنب المزيد من الضحايا، بدلاً من التركيز على استعادة كل الأراضي التي استولت عليها موسكو.

في المقابل، يدعم وزير الخارجية المرشّح الشراكةَ التجارية والتعاون مع الحلفاء عبر المحيط الهادئ، ويدعو إلى تعزيز الوجود العسكري الأميركي في تلك المنطقة، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة «تخاطر بالاستبعاد من التجارة العالمية ما لم تكن أكثر انفتاحاً على التجارة».