محطات في تاريخ الخلافات الإسرائيلية ـــ الأميركية

شارون كان يقول: «نحن نحكم في واشنطن»

اجتماع لحكومة شارون... ويبدو فيها نتنياهو في أقصى يمين الصورة (غيتي)
اجتماع لحكومة شارون... ويبدو فيها نتنياهو في أقصى يمين الصورة (غيتي)
TT

محطات في تاريخ الخلافات الإسرائيلية ـــ الأميركية

اجتماع لحكومة شارون... ويبدو فيها نتنياهو في أقصى يمين الصورة (غيتي)
اجتماع لحكومة شارون... ويبدو فيها نتنياهو في أقصى يمين الصورة (غيتي)

شهد تاريخ العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية عديداً من حالات التوتر، التي بلغت حدوداً أكبر من الخلاف الحالي الناجم عن اجتياح رفح. إلا أن الحليفين عرفا دائماً «التنازل» لحلّ الإشكال. وغالباً ما كان هذا «المتنازل» هو الجانب الإسرائيلي. ومع أن بعض المراقبين عدّوا قرار الرئيس جو بايدن تجميد إرسال واحدة من شحنات الأسلحة والذخيرة إلى إسرائيل «زلزالاً سياسياً»، فإن مصادر في الجانبين تكلمت عن أنه - كالعادة - تُبذل جهود وراء الكواليس لتصحيح العلاقات بشكل فوري «كي لا يجني قادة حماس، ومن ورائهم قادة إيران وحزب الله، ربحاً سياسياً ومعنوياً». ويتضح من مسح للعلاقات بين البلدين عبر 76 سنة لإسرائيل انفجار خلافات عدة، لكن 14 منها بلغت حد الأزمة، كما هي الحال اليوم.

آثار استهداف المدمرة "ي إس إس ليبرتي" (صور سلاح البحرية الأميركي)

وقع أول خلاف كبير بين تل أبيب وواشنطن عام 1949، عندما سيطرت إسرائيل على أراضٍ مصرية بعد أشهر طويلة من وقف إطلاق النار. وحينذاك، سُوّيّ الخلافُ عندما وافقت حكومة إسرائيل برئاسة دافيد بن غوريون على الدخول في «مفاوضات رودس» لترسيم حدود وقف إطلاق النار - عبر إنشاء ما عُرف بـ«الخط الأخضر» - وهي التي أصبحت حدود إسرائيل غير الرسمية، قبل «حرب يونيو (حزيران) 1967».

ثم وقع الخلاف الثاني الكبير عام 1957، في أعقاب «حرب السويس» التي وقعت عام 1956 وعُرفت في حينه باسم «العدوان الثلاثي» على مصر. وفي حينه أطلقت إسرائيل عمليات لتثبيت احتلالها لسيناء وقطاع غزة، وبدأت تخطط للاستيطان اليهودي هناك. لكن الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور طالبها بالانسحاب فوراً، وهدد بقطع المساعدات الاقتصادية (إذ لم تكن هناك مساعدات عسكرية ذات شأن)، وفعلاً، انسحب بن غوريون وتجنب الصدام.

ديمونة... و«ليبرتي

»خلال الفترة بين 1960 و1964، نشبت أزمة على خلفية بناء المفاعل النووي الإسرائيلي في منطقة ديمونة (شمال صحراء النقب وجنوب شرقي مدينة بئر السبع) بمساعدة فرنسية. فقد فوجئت الولايات المتحدة بهذا المشروع، وطالبت إسرائيل بإخضاعه للرقابة الدولية أو الأميركية. لكن إسرائيل لم تتراجع هذه المرة، وتمسّكت برفضها أمام الرئيس آيزنهاور، ثم أمام خلفه الرئيس جون كيندي، الذي اتخذ موقفاً سلبياً أشد من حكومة إسرائيل. ثم جاء الرئيس ليندون جونسون (الذي تولّى الرئاسة إثر اغتيال كيندي) 1963، ليبدأ في إحداث انعطاف في العلاقات. وحقاً، عام 1964، وافقت إسرائيل على رقابة جزئية وسطحية ووافق جونسون على إنهاء الأزمة. وهكذا استمر عمل المفاعل النووي.حرب 1967... والسفينة «ليبرتي»

ثم في عام 1967، وقعت أزمة جديدة بين واشنطن وتل أبيب عندما أقدمت طائرات وسفن حربية إسرائيلية على قصف قطعة بحرية حربية أميركية يوم 8 يونيو 1967، وهو اليوم الثالث في «حرب يونيو».

في ذلك اليوم كانت المدمّرة الأميركية «يو إس إس ليبرتي» تبحر على بعد 13 ميلاً بحرياً قبالة العريش خارج المياه الإقليمية المصريّة بشمال شبه جزيرة سيناء. وأدى القصف الإسرائيلي إلى مقتل 34 من البحارة و171 إصابة.

الجاسوس جوناثان بولارد (رويترز)

حرب أكتوبر

عام 1973، في الأيام الأخيرة من «حرب أكتوبر (تشرين الأول)»، اخترقت إسرائيل خطوط قوات الهجوم المصرية - التي كانت قد حرّرت قسماً كبيراً من غرب سيناء - وتحقق لإسرائيل ذلك بعدما قدّمت الولايات المتحدة دعماً غير مسبوق للجيش الإسرائيلي بلغ حد إرسال طائرات حربية أميركية دخلت إلى المعركة وقادها طيارون أميركيون.

يومذاك، طوّقت القوات الإسرائيلية، المدعومة أميركياً، «الجيش الثالث» المصري وفرضت عليه حصاراً. وعندما طلب الرئيس ريتشارد نيكسون من إسرائيل فك الحصار وبدء مفاوضات لفك الاشتباك، رفضت رئيسة الحكومة الإسرائيلية غولدا مائير، الانصياع في البداية وهددت واشنطن بقطع الدعمَين السياسي والعسكري. إلا أنها تراجعت لاحقاً، وفكت الحصار وبدأت المفاوضات.

ثم في مطلع عام 1975 طلب الرئيس جيرالد فورد من رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، تحويل «اتفاق فصل القوات» مع مصر إلى «اتفاق لوقف النار»، ويومها وافق رابين بشرط أن توافق مصر على إنهاء حالة الحرب. لكن الرئيس المصري أنور السادات اشترط لإنهاء حالة الحرب انسحاباً إسرائيلياً من كامل أراضي سيناء. وعلى الأثر أجرى هنري كيسنجر (وزير الخارجية الأميركي) سلسلة جولات مكّوكية. ولما فشل حمّل تل أبيب مسؤولية الفشل، وبدأت واشنطن تعاقب إسرائيل. إذ أعلن الرئيس فورد عن «إعادة تقييم العلاقات الأميركية - الإسرائيلية»، وقرّر تجميد التوقيع على صفقات أسلحة جديدة، بل، وباشر مسؤولون أميركيون رسميون عقد لقاءات مع ممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية... ولم تعد الإدارة الأميركية تنسّق مع إسرائيل التحضير لمؤتمر جنيف للسلام في الشرق الأوسط (لم ينعقد بالتالي).

ولقد استمرت هذه الحال، حتى رضخ رابين. وفي أغسطس (آب) استأنف كيسنجر جولاته المكّوكية لأسبوعين، وأسفرت عن اتفاق جديد بين مصر إسرائيل، يؤكد أن البلدين يحرصان على تسوية الصراع بالطرق السلمية. وانسحبت إسرائيل إلى خط العريش - رأس محمد.

المصاحة التاريخية في كامب ديفيد بين السادات وبيغن برعاية كارتر (غيتي)

«كامب ديفيد»

في عام 1978، بدأ الرئيس جيمي كارتر محاولاته للسلام بين مصر وإسرائيل. إلا أنه قبل «مؤتمر كامب ديفيد» اصطدم برفض إسرائيلي مطلبين مصريَّين: الأول إنشاء مكتب ارتباط مصري في قطاع غزة تمهيداً لإنهاء الاحتلال. والثاني بدء مشروع استخراج النفط مقابل سيناء.

عندها حضر كارتر إلى القدس واجتمع بالحكومة الإسرائيلية، وراح يهدّد: «لقد وعدت السادات بأن توافقوا ولن أسمح لكم بتخييب أملي»... بيد أن هذا الضغط لم ينجح. وفي كامب ديفيد جدّد كارتر تهديده لرئيس الحكومة الإسرائيلي مناحم بيغن بـ«إعادة النظر في العلاقات بين البلدين». ومع أن الخلافات طويت إثر نجاح المؤتمر، ذكر باحثون أن كارتر «تكلم مع قادة إسرائيل بعدائية وفوقية واضحة»... و«أنه لو فشلت المفاوضات لكانت فعلاً بداية أزمة تاريخية». ولقد نُشرت اقتباسات من بيغن بلغت حد اعتبار كارتر «معادياً للسامية»، واقتباسات من كارتر تعدّ بيغن «كذاباً محترفاً ومتغطرساً».

ولاحقاً، وقفت غالبية اليهود الأميركيين ضد إعادة انتخاب كارتر لفترة رئاسية ثانية - إذ هبط تصويت اليهود له من 71 في المائة عام 1976 إلى 45 في المائة عام 1980 -. إلا أن الرئيس رونالد ريغان الذي حظي عام 1980 بتأييد الغالبية اليهودية، وبشكل خاص حكومة بيغن، دخل في صدامات عدة مع إسرائيل. ذلك أنه، عام 1981 قرّر ريغان إبرام صفقة لبيع طائرات «آواكس» للمملكة العربية السعودية، واعترضت إسرائيل بحجة أن الصفقة تمس بأمنها، وجنّدت عدداً من «اللوبيات» لمحاربتها، ومع أنها أغضبت ريغان، فإن ضغوطها فشلت... ونُفّذت الصفقة.

وعام 1981 أيضاً، دمّرت إسرائيل المفاعل النووي العراقي قرب بغداد، من دون التنسيق مع واشنطن. ومجدداً غضب ريغان وقرّر تجميد قرار تسليم إسرائيل طائرات «إف 16». وفقط بعد 6 أشهر حصل تفاهم بينهما أعاد تسليم أول دفعة من الطائرات.

لكن ريغان عاد فاضطر إلى تجميد القسم الثاني من صفقة الطائرات عام 1982، عندما رفض بيغن خطة السلام التي اقترحها لتسوية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. فقد تضمّنت الخطة الانسحاب الإسرائيلي من معظم الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وإنشاء كيان فلسطيني مستقل فيها. لكن غضب ريغن استغرق 3 أشهر، وطوى خطته وأعاد التفاهم مع بيغن.

الجاسوس بولارد

عام 1985 نشبت أزمة جديدة في العلاقات عندما أُلقي القبض على جوناثان بولارد، وهو محلل استخبارات مدني في القوات البحرية الأميركية، بتهمة التجسس واستغلال منصبه لتسريب معلومات لصالح إسرائيل. ولقد تنازل بولارد عن الحق في المحاكمة مقابل القيود المفروضة على الحكم، وأقرّ بأنه مذنب، فأدين لكونه جاسوساً لحساب إسرائيل، ثم حُكم عليه بالسجن مدى الحياة في عام 1986، بينما نفت إسرائيل حتى عام 1998 أن يكون بولارد جاسوساً لحسابها.

مشروعات شمير الاستيطانية

عام 1991 كان «بطل تأزم العلاقات» رئيس الوزراء إسحق شمير، الذي عُدّ أسوأ رئيس حكومة في التاريخ الإسرائيلي (بعد بنيامين نتنياهو). إذ أعلن شمير مشروعات عدة لتوسيع الاستيطان وقت التحضير لـ«مؤتمر مدريد للسلام»، ما أثار غضب الرئيس جورج بوش «الأب». لكن شمير استرضاه، بأن حضر بنفسه المؤتمر الذي عُقد على مستوى وزراء الخارجية، وكان برفقته نتنياهو، الذي كان نائباً لوزير الخارجية وناطقاً بلسان الوفد الإسرائيلي.

مع هذا، ضُبِط شمير وهو يروي لمسؤولين أنه إنما وافق على خوض مسار مدريد كي يماطل في المفاوضات إلى أبد الآبدين. عندها فقط أدركت واشنطن أن شمير يجهض المشروع، فقرّر بوش سلسلة عقوبات أقساها القرار بإلغاء الضمانات الأميركية لإسرائيل بقيمة 10 مليارات دولار. وأحدث هذا القرار «زلزالاً» في إسرائيل يُعزى إليه سقوط شمير في الانتخابات اللاحقة وانتخاب إسحق رابين مكانه.

نحن نسيطر على أميركا

بعدها، في ظل حكم أرئيل شارون، أيضاً بدأت العلاقات بشكل سلبي، لكنها تحسّنت بعد قبوله بالانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية وفق خطة الانفصال. ومن الدلائل على الخلافات، روى المؤرخ توم سيجف أنه، يوم 3 أكتوبر 2001، دعا شارون المجلس الوزاريّ - الأمنيّ المُصغّر في حكومته إلى اجتماع لتدارس الدعوة الأميركيّة لإسرائيل بوقف إطلاق النار في الضفّة الغربيّة المُحتلّة. وخلال النقاش اعترض شمعون بيريس، على اتخاذ أي إجراء يستفزّ الحلفاء في واشنطن، إلا أن شارون ردّ عليه «لا تقلق يا عزيزي بشأن الضغط الأميركيّ، نحن الشعب اليهوديّ نُسيطر على أميركا، والأميركيون يعرفون ذلك. القدس: نظير مجلي

نتنياهو (آ ف ب/غيتي)

عهد بنيامين نتنياهو... شهد أسوأ فترات عاشتها العلاقات

يبقى أن أسوأ فترة مرَّت فيها علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل هي فترة - أو فترات - حكم بنيامين نتنياهو. والواقع أنه من أول أيام انتخاب نتنياهو لرئاسة الوزراء، في أول مرة، بعد اغتيال إسحق رابين، وهو يخوض معارك ابتزازية متتالية مع الإدارات الأميركية. وبدأ ذلك المسلسل عام 1996، عندما انتخب وحاول التلاعب في تنفيذ «اتفاقيات أوسلو». وللعلم، في تلك الفترة كان نتنياهو يتصرف كرئيس حكومة قوي، لم تكن قد أُعدت ضده لوائح اتهام بالفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشى، ولم يكن يخشى كما هو اليوم الحكم عليه بالسجن. فقبل بدء محاكمته (عام 2020)، كان نتنياهو شخصية مختلفة. لقد تطاول نتنياهو على واشنطن، وأخذ صوته يرتفع ويشتد بالتدريج، لكن الأميركيين في عام 1996 أوقفوه عند حده، وأخذوا يُسمِعونه تهديدات بوقف المساعدات، فألقى خطاباً قال فيه إنه ينوي التنازل عن هذه المساعدات، وإن وضع إسرائيل الاقتصادي جيد ولا تحتاج إليها. بيد أن الرئيس بيل كلينتون ردَّ عليه بإرسال وفد رفيع ليفاوض على إنهاء هذه المساعدات... ووصل الوفد فعلاً، فتراجع نتنياهو. مع هذا أصر الأميركيون على إلغاء المساعدات المالية، وتحوّلت المساعدات إلى عسكرية. وهكذا عاد نتنياهو وسار بتنفيذ قسم من «اتفاقيات أوسلو»، خصوصاً بعد «حرب النفق» تحت المسجد الأقصى، في سبتمبر (أيلول) 1997، التي استمرت 3 أيام، وقُتِل فيها 100 جندي فلسطيني و17 جندياً إسرائيلياً. وحينذاك دعا كلينتون كلاً من نتنياهو والرئيس ياسر عرفات إلى واشنطن، بمشاركة الملك حسين، وجرى التوقيع على «اتفاقية الخليل» (انسحبت إسرائيل من مساحة 85 في المائة من مدينة الخليل)، ولاحقاً انسحبت من 13 في المائة من الضفة الغربية. في عام 2010، تفجر خلاف جديد في عهد نتنياهو، إذ بدا يخطط لشن حرب على إيران ووقفت واشنطن ضده. لكن نتنياهو خاض معركة خاسرة من البداية لأن جميع قادة أجهزة الأمن الإسرائيلية عارضوه (الجيش والموساد وأمان والشاباك). واكتشف عندها وجود مفاوضات سرية بين واشنطن وطهران لتوقيع «الاتفاق النووي». وعندها راح يحارب «الاتفاق» سياسياً، ودخل في صدام مباشر مع الرئيس باراك أوباما، لدرجة التدخل في انتخابات الرئاسة لإسقاط أوباما. كذلك ألقى خطاباً ضد «الاتفاق النووي» في الكونغرس عام 2015 من دون ترتيب مع البيت الأبيض. وتعمق الخلاف لدرجة أن أوباما لم يستخدم «الفيتو» في قرار مجلس الأمن الدولي ضد الاستيطان. ولكن عندما فاز دونالد ترمب بالحكم، ازدهرت العلاقات الثنائية، وحقق نتنياهو إنجازات لسياسة اليمين، كالاعتراف بضم الجولان السوري لإسرائيل، وإعلان «صفقة القرن»، ومعاقبة رفض الفلسطينيين لها بالاعتراف بضم القدس لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وإغلاق القنصلية الأميركية التي تخدم الفلسطينيين، وإغلاق مكاتب منظمة التحرير في واشنطن. ومع سقوط ترمب، عادت العلاقات إلى التوتر، بسبب إجهاض نتنياهو كل المحاولات للعودة إلى المسار السياسي. هذه المرة، وقف الرئيس جو بايدن ضد نتنياهو، بسبب خطته الانقلابية على منظومة الحكم، ورفض استقبال نتنياهو في البيت الأبيض، بل ودعم علناً حملة الاحتجاج ضد الحكومة وخطتها الانقلابية. وبحسب قادة حملة الاحتجاج، فإن تلك «المعركة» اقتربت من نهايتها، وكادت تسقط حكم نتنياهو، لولا هجوم «حماس»، في أكتوبر (تشرين الأول). هنا حاول بايدن إظهار الدعم المطلق لإسرائيل رغم خلافاته مع نتنياهو، قائلاً إنه يفرق بين حكومة إسرائيل وشعب إسرائيل. وظل الدعم مطلقاً، رغم أن الرد الإسرائيلي على هجوم «حماس» كان مرعباً، واستخدمت فيه أدوات تدمير وقتل وحشية، غالبيتها من صنع أميركي. وأيضاً حضر بايدن لإسرائيل ليعلن مدى انتمائه إلى الصهيونية، ونظم جسراً جوياً وآخر بحرياً شمل 130 شحنة أسلحة وذخيرة، وبينها أسلحة تُستخدم للمرة الأولى. وقدم دعماً بقيمة 14.3 مليار دولار ليصبح مجموع ما قدمته واشنطن لإسرائيل منذ قيامها نحو 170 مليار دولار، بجانب منح إسرائيل غطاءً سياسياً وإعلامياً واستخبارياً وقضائياً. لكن نتنياهو ووزراءه من اليمين المتطرف لم يرضوا ولم يشبعوا. ولم يتردد بعضهم في اتهام بايدن وأركان فريقه بدعم وتشجيع «حماس». واليوم، يقود نتنياهو حملة للتصوير إسرائيل «وحيدة بلا أصدقاء»... لكنه قادر على قيادتها في معركة الاعتماد على الذات، أي من دون واشنطن.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».