محطات في تاريخ الخلافات الإسرائيلية ـــ الأميركية

شارون كان يقول: «نحن نحكم في واشنطن»

اجتماع لحكومة شارون... ويبدو فيها نتنياهو في أقصى يمين الصورة (غيتي)
اجتماع لحكومة شارون... ويبدو فيها نتنياهو في أقصى يمين الصورة (غيتي)
TT

محطات في تاريخ الخلافات الإسرائيلية ـــ الأميركية

اجتماع لحكومة شارون... ويبدو فيها نتنياهو في أقصى يمين الصورة (غيتي)
اجتماع لحكومة شارون... ويبدو فيها نتنياهو في أقصى يمين الصورة (غيتي)

شهد تاريخ العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية عديداً من حالات التوتر، التي بلغت حدوداً أكبر من الخلاف الحالي الناجم عن اجتياح رفح. إلا أن الحليفين عرفا دائماً «التنازل» لحلّ الإشكال. وغالباً ما كان هذا «المتنازل» هو الجانب الإسرائيلي. ومع أن بعض المراقبين عدّوا قرار الرئيس جو بايدن تجميد إرسال واحدة من شحنات الأسلحة والذخيرة إلى إسرائيل «زلزالاً سياسياً»، فإن مصادر في الجانبين تكلمت عن أنه - كالعادة - تُبذل جهود وراء الكواليس لتصحيح العلاقات بشكل فوري «كي لا يجني قادة حماس، ومن ورائهم قادة إيران وحزب الله، ربحاً سياسياً ومعنوياً». ويتضح من مسح للعلاقات بين البلدين عبر 76 سنة لإسرائيل انفجار خلافات عدة، لكن 14 منها بلغت حد الأزمة، كما هي الحال اليوم.

آثار استهداف المدمرة "ي إس إس ليبرتي" (صور سلاح البحرية الأميركي)

وقع أول خلاف كبير بين تل أبيب وواشنطن عام 1949، عندما سيطرت إسرائيل على أراضٍ مصرية بعد أشهر طويلة من وقف إطلاق النار. وحينذاك، سُوّيّ الخلافُ عندما وافقت حكومة إسرائيل برئاسة دافيد بن غوريون على الدخول في «مفاوضات رودس» لترسيم حدود وقف إطلاق النار - عبر إنشاء ما عُرف بـ«الخط الأخضر» - وهي التي أصبحت حدود إسرائيل غير الرسمية، قبل «حرب يونيو (حزيران) 1967».

ثم وقع الخلاف الثاني الكبير عام 1957، في أعقاب «حرب السويس» التي وقعت عام 1956 وعُرفت في حينه باسم «العدوان الثلاثي» على مصر. وفي حينه أطلقت إسرائيل عمليات لتثبيت احتلالها لسيناء وقطاع غزة، وبدأت تخطط للاستيطان اليهودي هناك. لكن الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور طالبها بالانسحاب فوراً، وهدد بقطع المساعدات الاقتصادية (إذ لم تكن هناك مساعدات عسكرية ذات شأن)، وفعلاً، انسحب بن غوريون وتجنب الصدام.

ديمونة... و«ليبرتي

»خلال الفترة بين 1960 و1964، نشبت أزمة على خلفية بناء المفاعل النووي الإسرائيلي في منطقة ديمونة (شمال صحراء النقب وجنوب شرقي مدينة بئر السبع) بمساعدة فرنسية. فقد فوجئت الولايات المتحدة بهذا المشروع، وطالبت إسرائيل بإخضاعه للرقابة الدولية أو الأميركية. لكن إسرائيل لم تتراجع هذه المرة، وتمسّكت برفضها أمام الرئيس آيزنهاور، ثم أمام خلفه الرئيس جون كيندي، الذي اتخذ موقفاً سلبياً أشد من حكومة إسرائيل. ثم جاء الرئيس ليندون جونسون (الذي تولّى الرئاسة إثر اغتيال كيندي) 1963، ليبدأ في إحداث انعطاف في العلاقات. وحقاً، عام 1964، وافقت إسرائيل على رقابة جزئية وسطحية ووافق جونسون على إنهاء الأزمة. وهكذا استمر عمل المفاعل النووي.حرب 1967... والسفينة «ليبرتي»

ثم في عام 1967، وقعت أزمة جديدة بين واشنطن وتل أبيب عندما أقدمت طائرات وسفن حربية إسرائيلية على قصف قطعة بحرية حربية أميركية يوم 8 يونيو 1967، وهو اليوم الثالث في «حرب يونيو».

في ذلك اليوم كانت المدمّرة الأميركية «يو إس إس ليبرتي» تبحر على بعد 13 ميلاً بحرياً قبالة العريش خارج المياه الإقليمية المصريّة بشمال شبه جزيرة سيناء. وأدى القصف الإسرائيلي إلى مقتل 34 من البحارة و171 إصابة.

الجاسوس جوناثان بولارد (رويترز)

حرب أكتوبر

عام 1973، في الأيام الأخيرة من «حرب أكتوبر (تشرين الأول)»، اخترقت إسرائيل خطوط قوات الهجوم المصرية - التي كانت قد حرّرت قسماً كبيراً من غرب سيناء - وتحقق لإسرائيل ذلك بعدما قدّمت الولايات المتحدة دعماً غير مسبوق للجيش الإسرائيلي بلغ حد إرسال طائرات حربية أميركية دخلت إلى المعركة وقادها طيارون أميركيون.

يومذاك، طوّقت القوات الإسرائيلية، المدعومة أميركياً، «الجيش الثالث» المصري وفرضت عليه حصاراً. وعندما طلب الرئيس ريتشارد نيكسون من إسرائيل فك الحصار وبدء مفاوضات لفك الاشتباك، رفضت رئيسة الحكومة الإسرائيلية غولدا مائير، الانصياع في البداية وهددت واشنطن بقطع الدعمَين السياسي والعسكري. إلا أنها تراجعت لاحقاً، وفكت الحصار وبدأت المفاوضات.

ثم في مطلع عام 1975 طلب الرئيس جيرالد فورد من رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، تحويل «اتفاق فصل القوات» مع مصر إلى «اتفاق لوقف النار»، ويومها وافق رابين بشرط أن توافق مصر على إنهاء حالة الحرب. لكن الرئيس المصري أنور السادات اشترط لإنهاء حالة الحرب انسحاباً إسرائيلياً من كامل أراضي سيناء. وعلى الأثر أجرى هنري كيسنجر (وزير الخارجية الأميركي) سلسلة جولات مكّوكية. ولما فشل حمّل تل أبيب مسؤولية الفشل، وبدأت واشنطن تعاقب إسرائيل. إذ أعلن الرئيس فورد عن «إعادة تقييم العلاقات الأميركية - الإسرائيلية»، وقرّر تجميد التوقيع على صفقات أسلحة جديدة، بل، وباشر مسؤولون أميركيون رسميون عقد لقاءات مع ممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية... ولم تعد الإدارة الأميركية تنسّق مع إسرائيل التحضير لمؤتمر جنيف للسلام في الشرق الأوسط (لم ينعقد بالتالي).

ولقد استمرت هذه الحال، حتى رضخ رابين. وفي أغسطس (آب) استأنف كيسنجر جولاته المكّوكية لأسبوعين، وأسفرت عن اتفاق جديد بين مصر إسرائيل، يؤكد أن البلدين يحرصان على تسوية الصراع بالطرق السلمية. وانسحبت إسرائيل إلى خط العريش - رأس محمد.

المصاحة التاريخية في كامب ديفيد بين السادات وبيغن برعاية كارتر (غيتي)

«كامب ديفيد»

في عام 1978، بدأ الرئيس جيمي كارتر محاولاته للسلام بين مصر وإسرائيل. إلا أنه قبل «مؤتمر كامب ديفيد» اصطدم برفض إسرائيلي مطلبين مصريَّين: الأول إنشاء مكتب ارتباط مصري في قطاع غزة تمهيداً لإنهاء الاحتلال. والثاني بدء مشروع استخراج النفط مقابل سيناء.

عندها حضر كارتر إلى القدس واجتمع بالحكومة الإسرائيلية، وراح يهدّد: «لقد وعدت السادات بأن توافقوا ولن أسمح لكم بتخييب أملي»... بيد أن هذا الضغط لم ينجح. وفي كامب ديفيد جدّد كارتر تهديده لرئيس الحكومة الإسرائيلي مناحم بيغن بـ«إعادة النظر في العلاقات بين البلدين». ومع أن الخلافات طويت إثر نجاح المؤتمر، ذكر باحثون أن كارتر «تكلم مع قادة إسرائيل بعدائية وفوقية واضحة»... و«أنه لو فشلت المفاوضات لكانت فعلاً بداية أزمة تاريخية». ولقد نُشرت اقتباسات من بيغن بلغت حد اعتبار كارتر «معادياً للسامية»، واقتباسات من كارتر تعدّ بيغن «كذاباً محترفاً ومتغطرساً».

ولاحقاً، وقفت غالبية اليهود الأميركيين ضد إعادة انتخاب كارتر لفترة رئاسية ثانية - إذ هبط تصويت اليهود له من 71 في المائة عام 1976 إلى 45 في المائة عام 1980 -. إلا أن الرئيس رونالد ريغان الذي حظي عام 1980 بتأييد الغالبية اليهودية، وبشكل خاص حكومة بيغن، دخل في صدامات عدة مع إسرائيل. ذلك أنه، عام 1981 قرّر ريغان إبرام صفقة لبيع طائرات «آواكس» للمملكة العربية السعودية، واعترضت إسرائيل بحجة أن الصفقة تمس بأمنها، وجنّدت عدداً من «اللوبيات» لمحاربتها، ومع أنها أغضبت ريغان، فإن ضغوطها فشلت... ونُفّذت الصفقة.

وعام 1981 أيضاً، دمّرت إسرائيل المفاعل النووي العراقي قرب بغداد، من دون التنسيق مع واشنطن. ومجدداً غضب ريغان وقرّر تجميد قرار تسليم إسرائيل طائرات «إف 16». وفقط بعد 6 أشهر حصل تفاهم بينهما أعاد تسليم أول دفعة من الطائرات.

لكن ريغان عاد فاضطر إلى تجميد القسم الثاني من صفقة الطائرات عام 1982، عندما رفض بيغن خطة السلام التي اقترحها لتسوية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. فقد تضمّنت الخطة الانسحاب الإسرائيلي من معظم الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وإنشاء كيان فلسطيني مستقل فيها. لكن غضب ريغن استغرق 3 أشهر، وطوى خطته وأعاد التفاهم مع بيغن.

الجاسوس بولارد

عام 1985 نشبت أزمة جديدة في العلاقات عندما أُلقي القبض على جوناثان بولارد، وهو محلل استخبارات مدني في القوات البحرية الأميركية، بتهمة التجسس واستغلال منصبه لتسريب معلومات لصالح إسرائيل. ولقد تنازل بولارد عن الحق في المحاكمة مقابل القيود المفروضة على الحكم، وأقرّ بأنه مذنب، فأدين لكونه جاسوساً لحساب إسرائيل، ثم حُكم عليه بالسجن مدى الحياة في عام 1986، بينما نفت إسرائيل حتى عام 1998 أن يكون بولارد جاسوساً لحسابها.

مشروعات شمير الاستيطانية

عام 1991 كان «بطل تأزم العلاقات» رئيس الوزراء إسحق شمير، الذي عُدّ أسوأ رئيس حكومة في التاريخ الإسرائيلي (بعد بنيامين نتنياهو). إذ أعلن شمير مشروعات عدة لتوسيع الاستيطان وقت التحضير لـ«مؤتمر مدريد للسلام»، ما أثار غضب الرئيس جورج بوش «الأب». لكن شمير استرضاه، بأن حضر بنفسه المؤتمر الذي عُقد على مستوى وزراء الخارجية، وكان برفقته نتنياهو، الذي كان نائباً لوزير الخارجية وناطقاً بلسان الوفد الإسرائيلي.

مع هذا، ضُبِط شمير وهو يروي لمسؤولين أنه إنما وافق على خوض مسار مدريد كي يماطل في المفاوضات إلى أبد الآبدين. عندها فقط أدركت واشنطن أن شمير يجهض المشروع، فقرّر بوش سلسلة عقوبات أقساها القرار بإلغاء الضمانات الأميركية لإسرائيل بقيمة 10 مليارات دولار. وأحدث هذا القرار «زلزالاً» في إسرائيل يُعزى إليه سقوط شمير في الانتخابات اللاحقة وانتخاب إسحق رابين مكانه.

نحن نسيطر على أميركا

بعدها، في ظل حكم أرئيل شارون، أيضاً بدأت العلاقات بشكل سلبي، لكنها تحسّنت بعد قبوله بالانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية وفق خطة الانفصال. ومن الدلائل على الخلافات، روى المؤرخ توم سيجف أنه، يوم 3 أكتوبر 2001، دعا شارون المجلس الوزاريّ - الأمنيّ المُصغّر في حكومته إلى اجتماع لتدارس الدعوة الأميركيّة لإسرائيل بوقف إطلاق النار في الضفّة الغربيّة المُحتلّة. وخلال النقاش اعترض شمعون بيريس، على اتخاذ أي إجراء يستفزّ الحلفاء في واشنطن، إلا أن شارون ردّ عليه «لا تقلق يا عزيزي بشأن الضغط الأميركيّ، نحن الشعب اليهوديّ نُسيطر على أميركا، والأميركيون يعرفون ذلك. القدس: نظير مجلي

نتنياهو (آ ف ب/غيتي)

عهد بنيامين نتنياهو... شهد أسوأ فترات عاشتها العلاقات

يبقى أن أسوأ فترة مرَّت فيها علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل هي فترة - أو فترات - حكم بنيامين نتنياهو. والواقع أنه من أول أيام انتخاب نتنياهو لرئاسة الوزراء، في أول مرة، بعد اغتيال إسحق رابين، وهو يخوض معارك ابتزازية متتالية مع الإدارات الأميركية. وبدأ ذلك المسلسل عام 1996، عندما انتخب وحاول التلاعب في تنفيذ «اتفاقيات أوسلو». وللعلم، في تلك الفترة كان نتنياهو يتصرف كرئيس حكومة قوي، لم تكن قد أُعدت ضده لوائح اتهام بالفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشى، ولم يكن يخشى كما هو اليوم الحكم عليه بالسجن. فقبل بدء محاكمته (عام 2020)، كان نتنياهو شخصية مختلفة. لقد تطاول نتنياهو على واشنطن، وأخذ صوته يرتفع ويشتد بالتدريج، لكن الأميركيين في عام 1996 أوقفوه عند حده، وأخذوا يُسمِعونه تهديدات بوقف المساعدات، فألقى خطاباً قال فيه إنه ينوي التنازل عن هذه المساعدات، وإن وضع إسرائيل الاقتصادي جيد ولا تحتاج إليها. بيد أن الرئيس بيل كلينتون ردَّ عليه بإرسال وفد رفيع ليفاوض على إنهاء هذه المساعدات... ووصل الوفد فعلاً، فتراجع نتنياهو. مع هذا أصر الأميركيون على إلغاء المساعدات المالية، وتحوّلت المساعدات إلى عسكرية. وهكذا عاد نتنياهو وسار بتنفيذ قسم من «اتفاقيات أوسلو»، خصوصاً بعد «حرب النفق» تحت المسجد الأقصى، في سبتمبر (أيلول) 1997، التي استمرت 3 أيام، وقُتِل فيها 100 جندي فلسطيني و17 جندياً إسرائيلياً. وحينذاك دعا كلينتون كلاً من نتنياهو والرئيس ياسر عرفات إلى واشنطن، بمشاركة الملك حسين، وجرى التوقيع على «اتفاقية الخليل» (انسحبت إسرائيل من مساحة 85 في المائة من مدينة الخليل)، ولاحقاً انسحبت من 13 في المائة من الضفة الغربية. في عام 2010، تفجر خلاف جديد في عهد نتنياهو، إذ بدا يخطط لشن حرب على إيران ووقفت واشنطن ضده. لكن نتنياهو خاض معركة خاسرة من البداية لأن جميع قادة أجهزة الأمن الإسرائيلية عارضوه (الجيش والموساد وأمان والشاباك). واكتشف عندها وجود مفاوضات سرية بين واشنطن وطهران لتوقيع «الاتفاق النووي». وعندها راح يحارب «الاتفاق» سياسياً، ودخل في صدام مباشر مع الرئيس باراك أوباما، لدرجة التدخل في انتخابات الرئاسة لإسقاط أوباما. كذلك ألقى خطاباً ضد «الاتفاق النووي» في الكونغرس عام 2015 من دون ترتيب مع البيت الأبيض. وتعمق الخلاف لدرجة أن أوباما لم يستخدم «الفيتو» في قرار مجلس الأمن الدولي ضد الاستيطان. ولكن عندما فاز دونالد ترمب بالحكم، ازدهرت العلاقات الثنائية، وحقق نتنياهو إنجازات لسياسة اليمين، كالاعتراف بضم الجولان السوري لإسرائيل، وإعلان «صفقة القرن»، ومعاقبة رفض الفلسطينيين لها بالاعتراف بضم القدس لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وإغلاق القنصلية الأميركية التي تخدم الفلسطينيين، وإغلاق مكاتب منظمة التحرير في واشنطن. ومع سقوط ترمب، عادت العلاقات إلى التوتر، بسبب إجهاض نتنياهو كل المحاولات للعودة إلى المسار السياسي. هذه المرة، وقف الرئيس جو بايدن ضد نتنياهو، بسبب خطته الانقلابية على منظومة الحكم، ورفض استقبال نتنياهو في البيت الأبيض، بل ودعم علناً حملة الاحتجاج ضد الحكومة وخطتها الانقلابية. وبحسب قادة حملة الاحتجاج، فإن تلك «المعركة» اقتربت من نهايتها، وكادت تسقط حكم نتنياهو، لولا هجوم «حماس»، في أكتوبر (تشرين الأول). هنا حاول بايدن إظهار الدعم المطلق لإسرائيل رغم خلافاته مع نتنياهو، قائلاً إنه يفرق بين حكومة إسرائيل وشعب إسرائيل. وظل الدعم مطلقاً، رغم أن الرد الإسرائيلي على هجوم «حماس» كان مرعباً، واستخدمت فيه أدوات تدمير وقتل وحشية، غالبيتها من صنع أميركي. وأيضاً حضر بايدن لإسرائيل ليعلن مدى انتمائه إلى الصهيونية، ونظم جسراً جوياً وآخر بحرياً شمل 130 شحنة أسلحة وذخيرة، وبينها أسلحة تُستخدم للمرة الأولى. وقدم دعماً بقيمة 14.3 مليار دولار ليصبح مجموع ما قدمته واشنطن لإسرائيل منذ قيامها نحو 170 مليار دولار، بجانب منح إسرائيل غطاءً سياسياً وإعلامياً واستخبارياً وقضائياً. لكن نتنياهو ووزراءه من اليمين المتطرف لم يرضوا ولم يشبعوا. ولم يتردد بعضهم في اتهام بايدن وأركان فريقه بدعم وتشجيع «حماس». واليوم، يقود نتنياهو حملة للتصوير إسرائيل «وحيدة بلا أصدقاء»... لكنه قادر على قيادتها في معركة الاعتماد على الذات، أي من دون واشنطن.


مقالات ذات صلة

هيمنة اليمين الكاملة مأزق قد يُبكي الإسرائيليين لأجيال

حصاد الأسبوع دمار غزة (إ.ب.أ)

هيمنة اليمين الكاملة مأزق قد يُبكي الإسرائيليين لأجيال

عندما دخل حزب «المعسكر الرسمي» بقيادة بيني غانتس، إلى الائتلاف الحكومي الإسرائيلي يوم 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أي بعد 4 أيام من هجوم «حماس» على المواقع

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020

إليز ستيفانيك... هل تكون مرشحة ترمب لمنصب نائب الرئيس الأميركي إثر جنوحها لليمين المتشدد؟

مع اقتراب موعد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الأميركي، منتصف الشهر المقبل، لتثبيت ترشيح دونالد ترمب لخوض الانتخابات الرئاسية، تزايدت التكهنات والترشيحات

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع كمالا هاريس (آ ب)

ستيفانيك الطموحة تراجعت عن مواقفها المعتدلة لأجل طموحاتها السياسية

مواقف النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك من إسرائيل، ولا سيما بعد «هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)» عزّزت تحوّلها إلى شخصية مفضّلة عند الرئيس السابق دونالد ترمب، غير

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع ميناء تشابهار الإيراني محور التلاقي الهندي - الإيراني (كيهان لندن)

أبعاد جيوسياسية لميناء تشابَهار والاتفاق الهندي ـ الإيراني

بمواجهة الخوف من التعرض لعقوبات أميركية، وبعد سنوات من المفاوضات والانتكاسات، وقّعت الهند، أخيراً، اتفاقية طويلة الأمد مع إيران بخصوص تشغيل وإدارة ميناء

براكريتي غوبتا (يودلهي)
حصاد الأسبوع مناصرو اليمين الألماني المتطرف ... يحتفلون (رويترز)

تحدّيات جدّية لاستمرار «المشروع الأوروبي» بعد انتخابات 2024

لأول مرة منذ تأسيس المشروع الأوروبي أواخر خمسينات القرن الماضي يرى الناظر إلى الساحة الأوروبية أن كل شيء قد تبدّل، أو هو على أعتاب تغيير عميق. لم يحصل أبداً أن

شوقي الريّس (بروكسل)

إليز ستيفانيك... هل تكون مرشحة ترمب لمنصب نائب الرئيس الأميركي إثر جنوحها لليمين المتشدد؟

عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020
عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020
TT

إليز ستيفانيك... هل تكون مرشحة ترمب لمنصب نائب الرئيس الأميركي إثر جنوحها لليمين المتشدد؟

عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020
عارضت بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019 المتصلة بـ«فضيحة» أوكرانيا ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020

مع اقتراب موعد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الأميركي، منتصف الشهر المقبل، لتثبيت ترشيح دونالد ترمب لخوض الانتخابات الرئاسية، تزايدت التكهنات والترشيحات عن هوية «نائب الرئيس» الذي سيُدرج اسمه على بطاقات الاقتراع الخريف المقبل. وبينما ينتقد العديد من المراقبين «تأخر» ترمب في تسمية نائبه العتيد، على الرغم من انسحاب كل منافسيه الجمهوريين من السباق منذ مارس (آذار) الماضي، يرى آخرون أنه تأخير «طبيعي» بالنظر إلى شخصيته و«شروطه» التي تقوم على «الولاء» الكامل. ثم أنه بعدما نجح في السيطرة على قاعدة الحزب، وأزاح معارضيه «المعتدلين» في قيادته، استبعد في الوقت نفسه كل الشخصيات المحتملة؛ لضمان ألا تتكرر تجربته «المريرة» مع نائبه السابق مايك بنس، الذي رفض الموافقة على طلبه لإنكار فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اتجهت الأنظار نحو إليز ستيفانيك، النائبة الجمهورية عن ولاية نيويورك، التي وصفها الرئيس السابق دونالد ترمب بـ«القاتلة» (من منطلق الإعجاب بها)، بعدما صعدت أسهمها بشكل كبير إثر استجوابها ثلاثة رؤساء جامعات كبرى في جلسة استماع بالكونغرس بتهمة «معاداة السامية» في الحرم الجامعي؛ وذلك على خلفية الاحتجاجات الطلابية التي اندلعت نصرة للفلسطينيين بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة. وبالفعل، أدّت جلسات الاستجواب إلى استقالة ليز ماغيل، رئيسة جامعة بنسلفانيا، وكلودين غاي رئيسة جامعة هارفارد.

ولقد حظي الدور الذي لعبته ستيفانيك في جلسة الاستجواب، بتأييد واسع من «اللوبي الإسرائيلي – الأميركي»، ومن إسرائيل ذاتها. وبدلاً من إبداء رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو امتنانه لإدارة بايدن على «الخدمات» الكبيرة التي أسدتها لإسرائيل إبان هذه الحرب، اختار نتنياهو الاحتفاء بستيفانيك ومنحها شرفاً استثنائياً بإلقاء خطاب أمام الكنيست. وفي الكنيست انتقدت النائبة الجمهورية الرئيس الأميركي بشدة، وأثنت على ترمب مع أنه «ليس لها أي موقف في السياسة الخارجية على الإطلاق»، فكانت «الشخص الذي يذل نفسه ليصبح نائباً لترمب»، بحسب صحيفة «النيويورك تايمز».

بطاقة شخصية

وُلدت إليز ماري ستيفانيك في مدينة ألباني، عاصمة ولاية نيويورك، يوم 2 يوليو (تموز) 1984. وهي تدّعي أن والدها كينيث من أصل تشيكي، ووالدتها ميلاني من أصل إيطالي. لكن سجلات الأنساب تظهر أن عائلة والدها جاءت من إقليم غاليسيا الذي يتوزع بين جنوب شرقي بولندا وغربي أوكرانيا.

تزوجت ستيفانيك يوم 19 أغسطس (آب) 2017، من ماثيو ماندا، الذي يعمل في مجال التسويق والاتصالات. وفي ديسمبر 2018، انتقلت وزوجها إلى شويلرفيل، بالقرب من ساراتوغا سبرينغز بشمال شرقي ولاية نيويورك، حيث أنجبا عام 2021 طفلاً واحداً هو صموئيل ألبرتون. واعتباراً من عام 2022، يعمل زوجها مديراً للشؤون العامة في المؤسسة الوطنية لرياضة الرماية، وهي جمعية تجارية لمصنعي الأسلحة النارية.

أما على الصعيد التعليمي، فقد أنهت ستيفانيك تعليمها الثانوي في مدرسة أكاديمية ألباني للبنات، وهي مدرسة خاصة عريقة. ثم التحقت بجامعة هارفارد، حيث تخرّجت بدرجة بكالوريوس في الإدارة العامة عام 2006. وخلال تلك الفترة انتُخبت نائبة لرئيس معهد هارفارد للسياسة في عام 2004، وحصلت من الجامعة على تنويه مشرّف لجائزة القيادة النسائية، وهي جائزة طلابية للقيادة والمساهمة في النهوض بالمرأة. بعد هارفارد، عملت في واشنطن لمدة ست سنوات قبل دخولها عالم السياسة، وحسب قولها فإنها فكّرت لأول مرة بالعمل في الخدمة العامة والسياسة إثر هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وللعلم، ضُمّت ستيفانيك إلى اللجنة الاستشارية العليا في معهد هارفارد للسياسة بعد فترة قصيرة من انتخابها، بيد أنها أقيلت من اللجنة عام 2021 إثر اعتراضها على الأصوات الانتخابية لولاية بنسلفانيا بعد اقتحام مبنى الكابيتول.

البدايات السياسية

في مستهل سجلّ تدرّج إليز ستيفانيك السياسي انضمامها إلى إدارة جورج بوش «الابن»، كموظفة في مجلس السياسة الداخلية، وعملت لاحقاً في مكتب جوشوا بولتن، رئيس أركان البيت الأبيض.

وفي عام 2009، أسّست مدوّنة لتعزيز آراء «النساء المحافظات والجمهوريات»، سمّتها على اسم رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر. وأدارت التحضير لمناظرات الحملة الرئاسية التي خسرها المرشح الرئاسي الجمهوري - يومذاك - ميت رومني ونائبه بول ريان عام 2012، أمام الرئيس باراك أوباما.

وبعد سنتين، في العام 2014، انتُخبت ستيفانيك وهي لا تزال في سن الثلاثين لأول مرة نائباً في مجلس النواب؛ ما جعلها أصغر امرأة تحظى بعضوية الكونغرس في ذلك الوقت، وأول امرأة تشغل مقعدها عن دائرتها في مجلس النواب.

وهنا تجدر الإشارة، إلى أنه عندما انتُخبت ستيفانيك نائبةً كانت تعتبر جمهورية محافظة معتدلة. إلا أنها مع صعود أسهم دونالد ترمب وفوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2016، تحوّلت تدريجياً ولكن بشكل صريح نحو اليمين المتشدد، وانضمت إلى فريقه خلال رئاسته الأولى، وأعادت تصنيف نفسها كواحدة من كبار حلفائه في الكونغرس.

جمهورية ملتزمة

وحقاً، لدى مراجعة مسيرة ستيفانيك فإنها تكشف في بداياتها التزاماً لافتاً بـ«أجندة» الحزب الجمهوري ما قبل «الهيمنة الترمبية»، فهي - على سبيل المثال - عام 2017، ورغم فشل المحاولة، صوّتت ملتزمة بالسياسة الحزبية لإلغاء «قانون الرعاية الصحية» (أوباما كير) من أجل تمرير قانون الرعاية الصحية الأميركية الذي يرعاه الجمهوريون في مجلس النواب.

وفي العام نفسه، عارضت «الأمر التنفيذي» الذي أصدره الرئيس ترمب بفرض حظر مؤقت على السفر والهجرة إلى الولايات المتحدة من مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة، غير أنها رفضت إدانة «سياسة فصل العائلات» التي اتبعتها إدارة ترمب، ونشرت بياناً صحافياً تشيد به، بعدما وقّع ترمب «أمراً تنفيذياً» لتعليق عمليات الفصل واحتجاز العائلات.

ثم في العام 2019، صوّتت ستيفانيك مع 14 جمهورياً وجميع الديمقراطيين في مجلس النواب لتجاوز «حق النقض» الذي استخدمه ترمب على إجراء يلغي إعلان الأخير حالة الطوارئ الوطنية على الحدود الجنوبية. وعارضت التفويضات الفيدرالية الخاصة بلقاح «كوفيد - 19» لأصحاب العمل في القطاع الخاص.

وإلى جانب ما يقرب من 170 عضواً آخر في الكونغرس، وقّعت ستيفانيك على مذكرة للمحكمة العليا تجادل فيها بأن الكونغرس لم يمنح الحكومة سلطة فرض تفويض باللقاح. لكنها في مارس (آذار) 2021، صوّتت مع جميع الجمهوريين في مجلس النواب، ضد «قانون خطة الإنقاذ» الأميركية لعام 2021، وهو مشروع قانون إغاثة بقيمة 1.9 تريليون دولار من فيروس «كوفيد - 19». وبعدما كانت تدعم قانون «داكا» صوتت عام 2021 ضد قانون «دريم» (الحالمين بالجنسية).

أيضاً، صوّتت ستيفانيك مع ثمانية جمهوريين لمصلحة قانون المساواة وقدّمت مشروع قانون «الإنصاف للجميع»، الذي من شأنه حظر التمييز ضد المثليين، مع تضمين استثناءات للمجموعات الدينية والشركات الصغيرة ذات المؤسسات الدينية. إلا أنها عام 2021، عادت فصوّتت ضد «قانون المساواة»، على الرغم من دعمه التشريع نفسه. وعام 2022، صوّتت مع 47 نائباً جمهورياً لمصلحة قانون احترام الزواج، الذي من شأنه أن يقنّن الحق في زواج المثليين في القانون الفيدرالي.

دعم قوي لترمب

عارضت ستيفانيك بشدة محاول عزل ترمب الأولى عام 2019، المتصلة بـ«فضيحة» ترمب وأوكرانيا، ودعمت محاولاته لإلغاء الانتخابات الرئاسية عام 2020، معترضة على الأصوات الانتخابية في ولاية بنسلفانيا.

وبعد تورّط أنصار ترمب في الهجوم على مبنى الكابيتول عام 2021، وتشكيل مجلس النواب الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون، لجنة للتحقيق في الهجوم، أكدت وقوفها مع ترمب عبر تصويتها وجميع القادة الجمهوريين الآخرين في مجلس النواب ضد إنشاء اللجنة. لكن 35 عضواً جمهورياً صوّتوا مع جميع الديمقراطيين البالغ عددهم 217 عضواً على إنشائها. وبعدما بدأت اللجنة تحقيقاتها في الهجوم، قالت ستيفانيك إن رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، هي المسؤولة عنه.

ستيفانيك بدلاً من تشيني

في مايو (أيار) عام 2021، انتُخبت ستيفانيك رئيسة للمؤتمر الجمهوري بمجلس النواب، بعد إقالة النائبة ليز تشيني بسبب معارضة الأخيرة لترمب، وبذا صارت ثالث أرفع مسؤول جمهوري، على الرغم من سنّها البالغ في ذلك الوقت 37 سنة. وإبّان ظهورها في برنامج إذاعي مع ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السابق لترمب، أكدت ستيفانيك على «حاجة الحزب الجمهوري إلى الالتفاف» حول الرئيس السابق. وحين تحدّى النائب تشيب روي ترشيح ستيفانيك لأخذ منصب تشيني، ندّد ترمب به، وأكد تأييده لها. ومن ثم، في أعقاب فوزها، شكرته قائلة: «الرئيس ترمب هو القائد الذي يتطلع إليه الناخبون الجمهوريون». وهنا علّق جاك كولينز، أستاذ العلوم السياسية في كلية سيينا، بالقول إن تسليمها منصبها الجديد يشير إلى أن قادة الحزب يريدون أن تكون جزءاً من «الجيل المقبل من القادة الجمهوريين».

وبالفعل، بعد أسبوعين فقط من انتخاب ستيفانيك رئيسةً للمؤتمر الجمهوري، ذكرت صحيفة «بوليتيكو»، أنها كانت مسؤولة عن نشر قصص سلبية عن جيم بانكس، الذي كان من المنافسين المحتملين لهذا المنصب، ومساعده باكلي كارلسون، نجل مقدم البرامج الشهير السابق لمحطة «فوكس نيوز»، تاكر كارلسون. وقوبل هذا باستياء من قِبل حلفاء دونالد ترمب «الابن»، الذين أبلغوا ستيفانيك أن هجماتها على ابن كارلسون تجاوزت الحدود. ولكن بعد الانتخابات النيابية عام 2022، أعيد انتخابها رئيسةً للمؤتمر الجمهوري، متغلبة على بايرون دونالدز.