أندريه بيلوسوف... خبير اقتصادي ناجح يتربّع على مقعد وزير الدفاع في روسيا

«رجل المرحلة» الذي اختاره بوتين لإعادة تأهيل الجيش وضمان النصر في أوكرانيا

يمكن القول إن أندريه بيلوسوف «مهندس سياسات التطوير ومواجهة العقوبات» والمخطِّط الأبرز للسياسات الاقتصادية الروسية
يمكن القول إن أندريه بيلوسوف «مهندس سياسات التطوير ومواجهة العقوبات» والمخطِّط الأبرز للسياسات الاقتصادية الروسية
TT

أندريه بيلوسوف... خبير اقتصادي ناجح يتربّع على مقعد وزير الدفاع في روسيا

يمكن القول إن أندريه بيلوسوف «مهندس سياسات التطوير ومواجهة العقوبات» والمخطِّط الأبرز للسياسات الاقتصادية الروسية
يمكن القول إن أندريه بيلوسوف «مهندس سياسات التطوير ومواجهة العقوبات» والمخطِّط الأبرز للسياسات الاقتصادية الروسية

العنوان الرئيسي الذي لفت الأنظار في المناقلات والتعيينات التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فور تسلمه رسمياً مهام ولايته الرئاسية الخامسة، لم يكن إقالة سيرغي شويغو وزير دفاعه لسنوات طويلة وصديقه المقرب، بل تعيين أندريه بيلوسوف رجل الاقتصاد الذي عمل لسنوات طويلة بصمت، بعيداً عن الأضواء، حتى إن كثيرين من الروس لا يكادون يعرفون على وجه الدقة طبيعة المهام الكبرى التي كُلّف بتنفيذها في مرحلة تُعد الأصعب في تاريخ روسيا المعاصر. وهكذا انهالت التعليقات، من كل صوب وحدب، وسارع مسؤولون ووسائل إعلام بارزة لإطلاق وصفات جاهزة، لتفسير قرار وضع الخبير الاقتصادي على مقعد وزير الدفاع. بعضهم رأى في القرار دليلاً على «يأس» فلاديمير بوتين، وفق واشنطن. في حين انبرى محللون لتكرار مقولة إن إسناد الكرملين وزارة الدفاع إلى رجل «لم يلبس قط البدلة العسكرية» يضع علامات استفهام كبرى حول قدرته على قيادة الجيش في ظروف معركة مصيرية بالنسبة إلى روسيا.

خلافاً للتكهنات الكثيرة خارج الحدود، وبعيداً عن مصنع القرار الروسي، بدا الكرملين واثقاً من خياراته الأخيرة، ومقتنعاً بأن من شأن اختيار أندريه بيلوسوف لقيادة وزارة الدفاع «إعادة تشغيل» القطاعات الصناعية والاقتصادية كلها في إطار «اقتصاد الحرب» وتحت شعار توجيه مقدرات البلاد لـ«خدمة المعركة».

ولكن مَن بيلوسوف؟ ولماذا حظيَ بثقة بوتين الواسعة، وبات بين الأسماء البارزة على لوائح العقوبات الغربية؟ وفي التساؤلات أيضاً: ماذا سيفعل خبير الاقتصاد الذي فضَّل طويلاً أن يعمل بصمت خلف الأضواء، في منصب وزير الدفاع الروسي؟

خبير ابن خبير

كان أندريه بيلوسوف، وهو نجل خبير اقتصادي سوفياتي بارز، يعمل في الأوساط الأكاديمية قبل ضمه إلى الحكومة عام 1999، واستمر في مناصب اقتصادية، منها وزير التنمية الاقتصادية، والمستشار الاقتصادي لبوتين، حتى شغل عام 2020 منصب النائب الأول لرئيس الوزراء، في مرحلة صعبة للغاية خلال مواجهة تداعيات تفشي «كوفيد - 19» على المجتمع والاقتصاد. وطوال تلك الفترة، دعا بيلوسوف باستمرار إلى دور قوي للدولة في الاقتصاد، وإلى تحفيز نموها عبر الاستثمارات، وأسعار الفائدة المنخفضة، والسياسات المالية والائتمانية الناعمة.

وُلد أندريه بيلوسوف عام 1959 في موسكو لعائلة الاقتصادي ريم ألكساندروفيتش بيلوسوف، وعالمة الكيمياء الإشعاعية أليسا بافلوفنا بيلوسوفا. وكان الأب خبيراً اقتصادياً مرموقاً يُعد -وفقاً لتقارير- «مؤسس» المدرسة العلمية السوفياتية في مجال التسعير والإدارة، وكان أحد المشاركين في إعداد «إصلاحات كوسيغين»، نسبةً إلى رئيس الوزراء السوفياتي أليكسي كوسيغين الذي قاد مرحلة من التغييرات الاقتصادية هدفت إلى توسيع اللامركزية في تبني القرارات الاقتصادية. أما الأم فكانت عالمة في مجال الكيمياء الإشعاعية، ودرّست لسنوات طويلة كيمياء العناصر النادرة.

تميُّز أكاديمي وبحثي

في هذا الوسط الأكاديمي العلمي شبّ الابن أندريه، مما ترك انعكاسات مهمة على كل مراحل حياته العملية لاحقاً، لجهة الرصانة في أداء عمله والاهتمام بكل التفاصيل، فضلاً عن روح الابتكار في نشاطه المهني.

وبعد التخرّج في المدرسة الثانية للفيزياء والرياضيات، التحق أندريه بكلية الاقتصاد في جامعة موسكو الحكومية، وتخرّج فيها بمرتبة الشرف عام 1981 متخصصاً بـ«التحكم الآلي الاقتصادي». وهناك برزت مواهبه باكراً جداً، ففي أثناء دراسته، بدأ التعاون مع مجموعة من الاقتصاديين البارزين تحت قيادة ألكسندر أنشيشكين، الذي كان في 1977 - 1981 رئيساً لقسم تخطيط الاقتصاد الوطني لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في كلية الاقتصاد بجامعة موسكو الحكومية.

ولاحقاً، عمل بيلوسوف في «معهد الاقتصاد وتوقّع التقدم العلمي والتكنولوجي» التابع لأكاديمية العلوم في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، الذي أُسس عام 1986 على أساس عديد من الأقسام العلمية لمعهد الاقتصاد المركزي، وفيه شغل على التوالي مناصب باحث مبتدئ، فباحث، فباحث كبير. ولقد تركّزت أولوياته البحثية على رصد اتجاهات الاقتصاد الكلي، فضلاً عن التضخّم والأزمة الهيكلية في الاقتصادات على النمط السوفياتي. وبهذا المعنى أدرك باكراً مشكلات الاقتصاد الاشتراكي، لكنه في الوقت ذاته، ظل مؤمناً بنظريات سيطرة الدولة على المقدرات الاقتصادية والتشغيلية.

عام 1991 المفصليّ

كان عام 1991 حاسماً لبيلوسوف كما كان حاسماً لمصير البلاد كلها. وحينذاك عُيّن رئيساً لمختبر التحليل وتوقُّع عمليات الاقتصاد الكلي في معهد الاقتصاد والتكنولوجيا التابع لأكاديمية العلوم، وسرعان ما أصبح عضواً في المجموعة التحليلية لجمعية السياسة الخارجية التي شُكلت في نوفمبر (تشرين الثاني) 1991، وعُرفت باسم «مجموعة بيسميرتنيخ»، (على اسم مؤسسها وزير خارجية اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية السابق ألكسندر بيسميرتنيخ).

في تلك المرحلة كان الاتحاد السوفياتي قد لفظ أنفاسه الأخيرة. لكن الرجل واصل مساره بشكل ثابت، وأسس عام 2000 «مركز الدراسات والتوقّع (أو الرصد)» الذي لعب أدواراً مهمة في المرحلة اللاحقة، رشّحته بقوة ليغدو أحد أبرز رجال الاقتصاد في عهد بوتين. إذ أعدَّ تقريراً بالغ الأهمية عام 2005 حول «الاتجاهات طويلة المدى في الاقتصاد الروسي: سيناريوهات التنمية الاقتصادية لروسيا حتى عام 2020». وتوقّع التقرير حدوث الأزمة الاقتصادية عام 2008، كما أشار إلى احتمال حدوث ركود اقتصادي في 2011 - 2012 وفشل نظام الإدارة العامة. وكلها توقّعات جسّدتها التطوّرات اللاحقة.

ولكن، لعل من المفارقات هنا أن الرجل الذي يحظى حالياً بثقة مطلقة من جانب بوتين، عمل لسنوات طويلة بمنح مالية من جانب الولايات المتحدة؛ إذ تلقى بيلوسوف منحاً من «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية». والمفارقة الأهم، أن الذين يحصلون على هذه المنحة اليوم يُدرجون فوراً على لائحة «العملاء الأجانب» ويُحظر تعيينهم في مناصب حكومية.

في عام 2004، نشر بيلوسوف بأموال أميركية تقريراً بعنوان: «تنمية الاقتصاد الروسي على المدى المتوسط: تحليل التهديدات»، محللاً حالة الدفاع عن روسيا. وفي العام التالي، عُيّن مديراً لمشروع «شروط تحقيق المزايا التنافسية للاقتصاد الروسي (النهج الهيكلي الكلي)» الذي أُطلق أيضاً بأموال أميركية.

بيد أن تلك المرحلة من حياته لم تؤثر في مسيرته السياسية. فعام 1999 أصبح عضواً في مجلس إدارة وزارة الاقتصاد، وعمل مستشاراً لعدد من رؤساء الحكومة الروسية: يفغيني بريماكوف، وسيرغي ستيباشين، وميخائيل كاسيانوف، وميخائيل فرادكوف.

في الخدمة العامة

دخل بيلوسوف الخدمة العامة، رسمياً عام 2006، وتولّى منصب نائب وزير التنمية الاقتصادية. وفي هذا المنصب أشرف على كتلة الاقتصاد الكلي، بما في ذلك قضايا تحسين مناخ الاستثمار، وتنفيذ البرامج المستهدفة الفيدرالية، والأنشطة الاستثمارية لـ«مصرف التجارة الدولي» أكبر مصرف حكومي في البلاد. وتحت قيادته طُوّر عام 2020 مفهوم التنمية الاجتماعية والاقتصادية طويلة المدى.

لكنَّ النقلة الرئيسية في الجهاز الحكومي لبيلوسوف جاءت عام 2008، عندما عيّنه بوتين (رئيس الوزراء آنذاك) مديراً لدائرة الاقتصاد والمالية التابع لمجلس الوزراء. وفي تلك الفترة بين 2008 و2012، التي أمضاها بوتين رئيساً للوزراء قبل عودته رئيساً إلى الكرملين، بدأ العمل المباشر مع بيلوسوف، الذي حظي بثقة كبرى من بوتين وصار من الدائرة المقربة إليه، وغدا مع النائب الأول لرئيس الوزراء إيغور شوفالوف، ووزيرة التنمية الاقتصادية إلفيرا نابيولينا، المسؤولين عن صياغة الأجندة الاقتصادية للحكومة. وبالإضافة إلى ذلك، صار مسؤولاً عن القضايا المتعلقة بإعداد الميزانية والاستثمار العام وتحسين مناخ الاستثمار. وبمشاركته، أُسّست وكالة المبادرات الاستراتيجية وأُطلقت ما تسمى «المبادرة الوطنية لريادة الأعمال» على أساسها، هادفةً إلى تحسين ظروف ممارسة الأعمال التجارية في روسيا.

وزيراً للتنمية الاقتصادية

وبعدها، فور عودة بوتين إلى الكرملين عام 2012، عيّن بيلوسوف وزيراً للتنمية الاقتصادية، ثم مساعداً للرئيس الروسي للشؤون الاقتصادية. قبل أن يغدو عام 2020 نائباً أول لرئيس الوزراء ومسؤولاً مباشراً عن القطاع الاقتصادي في الحكومة. ومن هذا المنصب واجه الرجل تفشي «كوفيد - 19»، وأظهر براعةً في تقليص الأضرار على الاقتصاد، كما واجه لاحقاً تداعيات رُزم العقوبات التي انهالت على روسيا بعد قرار إطلاق الحرب في أوكرانيا في 2022.

وبناءً عليه، يمكن القول إن أندريه بيلوسوف «مهندس سياسات التطوير ومواجهة العقوبات» والمخطِّط الأبرز للسياسات الاقتصادية. فقد تعامل مع مشكلات السوق وعدّل التدابير لدعم الشركات الروسية في ظروف الحصار. وساهم في تحسين مناخ الاستثمار وتقليص تداعيات العقوبات، خصوصاً من خلال برامج أطلقها بشأن حماية وتشجيع الاستثمار في الظروف الراهنة، لا سيما على صعيد الضرائب والرسوم الجمركية وتعويض تكاليف أضرار البنى التحتية.

أيضاً، يُعد بيلوسوف مُطلق مشاريع تعديل مسار سلاسل التوريد، وقد أسهم في «طرح» الهيكل اللوجيستي الجديد، وبناء ممرّات نقل لإعادة توجيه التجارة الخارجية لروسيا ومنها وآليات التعامل مع أسواق جديدة.

وكان أحد مشاريع بيلوسوف الأخيرة، بصفته النائب الأول لرئيس الحكومة، بلوَرة استراتيجية «السيادة التكنولوجية» القائمة على ضمان تنمية الاقتصاد الروسي في المجالات الرئيسية، بالاعتماد على موارده العلمية والتكنولوجية الخاصة. وتحديداً، أعدَّ مفهوماً للتطور التكنولوجي في الاتحاد الروسي ينصّ على تقليص الفجوة بين العلم والإنتاج في إطار مشاريع الابتكار الكبيرة بمشاركة الدولة، وتطوير آليات لدعم الابتكار في الاتحاد الروسي -في مفهوم التقنيات الحيوية (المطلوبة الآن) والتقنيات الشاملة (تقنيات المستقبل الواعدة).

ماذا سيفعل الآن في وزارة الدفاع؟

يرى البعض أن أهمية تعيين بيلوسوف وزيراً للدفاع تكمن في ضرورة التعامل مع متطلبات تسخير موارد الدولة الروسية لخدمة الجبهة، وفي الوقت ذاته تحاشي إهمال القطاعات الأخرى التي تؤثر بشكل مباشر على الجبهة الداخلية. فالدولة تستثمر حالياً موارد هائلة في الصناعة العسكرية وفي بعض قطاعات الصناعة المدنية المرتبطة بها والضرورية جداً لسد الفجوات الحاصلة بسبب العقوبات. وبالتالي، طبيعي أن تتمثل الاستراتيجية العسكرية للسلطات الروسية في تقليص الخسائر على كل المستويات. وكذلك يجب إيلاء أقصى قدر من الاهتمام للخدمات اللوجيستية، مع المحافظة على أعلى درجة ممكنة من الشفافية وخفض مخاطر الفساد في الظروف الراهنة... وهو أمر برع فيه بيلوسوف.

اليوم يقول خبراء إن التكليف أشبه بعملية «إعادة تشغيل» السلطة التنفيذية برمّتها. وقد يكون تعليق ديمتري بيسكوف، الناطق باسم الكرملين، الأكثر وضوحاً ودقة عندما قال: «في ساحة المعركة، الفائز الآن هو الطرف الأكثر انفتاحاً على الابتكار والتنفيذ الأكثر كفاءة».

لشرح هذه الفكرة قال بيسكوف: «موازنة وزارة الدفاع والكتلة الأمنية كانت في الآونة الأخيرة في حدود 3 في المائة، ثم ارتفعت إلى 3.4 في المائة. وفي الآونة الأخيرة وصلت إلى 6.7 في المائة. وليس خافياً أن وزارة الدفاع مسؤولة عن تقديم جميع الطلبات للصناعة. وهذا ليس رقماً حاسماً بعد، فهو ماضٍ باتجاه تصاعدي (...) لأسباب جيوسياسية معروفة. إننا نقترب تدريجياً من الوضع الذي كان عليه في منتصف ثمانينات القرن الماضي، عندما كانت حصة الإنفاق على الكتلة الأمنية العسكرية أكثر من 7 في المائة. هذا مهم للغاية، ويتطلّب موقفاً خاصاً لجهة ضرورات الدمج بين متطلبات اقتصاد كتلة القطاع العسكري مع اقتصاد البلاد ككل».

إذاً، مهمة أندريه بيلوسوف، كاقتصادي متخصّص ورؤيوي استراتيجي، هي بناء أساس اقتصادي وبنية تحتية للجيش للقتال على المستوى التكنولوجي المناسب، وإحلال نظم جديدة توازن بين المتطلبات العسكرية في المرحلة الراهنة لخدمة الجبهة مع حاجات القطاعات الاقتصادية والصناعية في البلاد.

ولذا كان بدهياً أن يُجمل بيلوسوف، في أثناء عرض ترشيحه لتولي وزارة الدفاع في مجلس الفيدرالية (الشيوخ)، المهمة الرئيسية التي كُلّف بها في «تحقيق النصر في ساحة المعركة في أوكرانيا بأقل قدر من الخسائر في القوات». فضلاً عن التركيز «على حاجة القطاع العسكري إلى مزيد من الكفاءة والابتكار لتحقيق أهدافه».

وباختصار، يبدو من تعيين بيلوسوف أن بوتين يريد سيطرة أوثق على الإنفاق الدفاعي القياسي في روسيا، وإطلاق عملية إصلاح واسعة تقود إلى تعزيز قدرات البلاد الصناعية في مرحلة الحرب وما بعدها. يمكن القول إن أندريه بيلوسوف «مهندس سياسات التطوير ومواجهة العقوبات» والمخطِّط الأبرز للسياسات الاقتصادية الروسية


مقالات ذات صلة

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع  تأتي رئاسة تراوري في فترةٍ تواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة

إبراهيم تراوري... رئيس بوركينا فاسو وقائد حربها الشرسة ضد «الإرهاب»

رغم تعهّد النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، بألا يبقى في السلطة، فإنه مدّد فترة الحكم الانتقالي خمس سنوات إضافية، راهناً إجراء الانتخابات التي كان من

فتحية الدخاخني (القاهرة)

ألينا حبّة محامية ترمب ومستشارة حملته الأولى ... هل ستساهم في جَسر هوّته مع الناخبات؟

ألينا حبّة
ألينا حبّة
TT

ألينا حبّة محامية ترمب ومستشارة حملته الأولى ... هل ستساهم في جَسر هوّته مع الناخبات؟

ألينا حبّة
ألينا حبّة

منذ قرّر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب منتصف عام 2015 الترشّح للمرة الأولى في سباق الرئاسة الأميركية، كان يؤخذ عليه تعامله مع النساء، ولم يتوانَ عن توجيه النقد لهنّ، وبالأخص، اللاتي اتهمنه بالاعتداء الجنسي. ورغم محاولات ترمب تصوير الاتهامات التي وُجّهت وتوجّه إليه، بأنها «اضطهاد سياسي»، لم يستطع التخلي عن أسلوبه الخاص في تقريع منافسيه، حتى ولو أفقده ذلك ميزات لا يزال الناخبون الأميركيون - ولا سيما قاعدته الشعبية - يرون أنها قد تكون كافية لتمكينه من العودة إلى البيت الأبيض. وهو بدلاً من التطرق إلى المواضيع التي يقول الناخبون إنهم يهتمون بها كثيراً، فإنه غالباً ما كان - ولا يزال - يتورّط في مواجهات بدت خياراً استراتيجياً، وسط خوضه سباقاً محتدماً مع نائبة الرئيس كمالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، ويواجه ما يمكن أن يكون فجوة تاريخية مع النساء، وسط سعيه لجذب الناخبات في نوفمبر (تشرين الثاني).

مع تسلّم كمالا هاريس لواء ترشيح الحزب الديمقراطي، وقولها إنها عملت في وقت ما في سلسلة «ماكدونالد» للوجبات السريعة، ثم إعلانها أنها تخاطب النساء مع جيل من أقرانها جئن من بيئات اجتماعية وسياسية «متواضعة»، بدأ السباق على كسب أصوات الناخبات، وكأنه مواجهة مع فئة أخرى من النساء... يسعى ترمب من خلالهن إلى تغيير الصورة النمطية التي وسمت علاقته بهنّ.

هكذا، صعدت سارة ساندرز هاكابي، حاكمة ولاية أركنسو والناطقة السابقة باسم البيت الأبيض، ولورا لومر، مناصرة «نظريات المؤامرة» اليمينية المتطرفة، والمحامية ألينا حبّة. والثلاث آتيات من أصول «أرقى» اجتماعياً إلى دائرة الضوء، في مسعى من الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي للحزب الجمهوري، لجَسر الهوة التي يعانيها ترمب مع الناخبات، عبر الدفع بهن إلى مواقع متقدمة في حملته الانتخابية.

قبل نحو 3 أشهر، أعلنت حملة ترمب أن ألينا حبّة، المحامية والناطقة القانونية باسمه، باتت مسؤولة عن دور رئيسي جديد، سيكون محوَرياً في إعادة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض. وراهناً، تعمل حبّة «مستشارة أولى» لحملة إعادة انتخاب ترمب، وهذه ترقية تأتي بعد حصولها على اعتراف وطني بدورها القانوني في فريقه على مدى السنوات القليلة الماضية. وبالتالي، غدت حبّة من العناصر الرئيسية في فريق الرئيس السابق، وقد تلعب دوراً محورياً في حال عودته رئيساً للولايات المتحدة، مرّة أخرى.

إلا أن صعود ألينا حبّة، المحامية الأميركية ذات الأصول العراقية، يسلّط الضوء على كثرة من الأميركيين ذوي الأصول العربية المهاجرة ومسيراتهم، الذين انحازوا إلى الخطاب الشعبوي المناهض للهجرة.

عن ألينا حبّة؟ولدت ألينا سعد حبة عام 1984 في مدينة ساميت بولاية نيوجيرسي، لوالدين من الكاثوليك الكلدانيين الذين فرّوا من العراق في أوائل الثمانينات، أما والدها فهو الدكتور سعد حبّة، الطبيب المتخصص بأمراض الجهاز الهضمي.

تخرّجت ألينا في مدرسة كينت بليس الخاصة في نيوجيرسي عام 2002. ثم التحقت بجامعة ليهاي المرموقة، في ولاية بنسلفانيا، وتخرّجت فيها عام 2005 بدرجة البكالوريوس في العلوم السياسية.

وبعد التخرج، عملت بين عامي 2005 و2007، في صناعة الأزياء وإنتاج الإكسسوارات والتسويق مع شركة «مارك جاكوبس» إحدى العلامات التجارية الرائدة في أميركا. وقالت في تصريح لها، إنها على الرغم من استمتاعها بصناعة الأزياء، قررت مواصلة تعليمها العالي، والالتحاق بكلية الحقوق، لأسباب مالية. وبالفعل، حصلت على إجازة في القانون جامعة وايدنر، القريبة من مدينة فيلادلفيا، عام 2010. ومن ثم، عملت لفترة وجيزة كاتبةً قانونية لدى قاضي المحكمة العليا في نيوجيرسي آنذاك، يوجين كودي الابن، ثم رئيسة للمحكمة المدنية العليا في مقاطعة إسكس بنيوجيرسي، من عام 2010 إلى عام 2011.

بدأت حبّة عملها الخاص محاميةً في نهاية 2011، عندما انضمت مساعدةً في شركة «تومبكن ماغواير»، حتى بداية 2013. وبعدها التحقت بشركة محاماة أسسها زوجها السابق حتى عام 2020، قبل أن تغادرها وتؤسس شركتها الخاصة. ووفقاً لموقعها الإلكتروني، تشغل حبّة حالياً منصب الشريك الإداري لشركة «حبّة مادايو وشركاؤهم» القانونية، وتتمتع بخبرة في التقاضي وتأسيس الشركات، والعقارات التجارية، وقانون الأسرة، وصناعة الخدمات المالية والقضايا المتعلقة بالبناء.

وفي سياق متّصل، حصلت ألينا حبّة على رخصة لممارسة المحاماة في ولايات نيويورك ونيوجيرسي وكونكيتيكت. وعملت محاميةً رئيسية في ثلاث قضايا، منها دعوى جماعية فيدرالية ضد دار رعاية في نيوجيرسي متهمة بارتكاب العديد من مخالفات الإهمال وانتهاكات الاحتيال على المستهلك. وشغلت أيضاً منصب المستشار العام لشركة تدير مرائب السيارات مملوكة من زوجها الثاني غريغ روبن.

التقرّب من ترمبسياسياً، يرى البعض أن ميول حبّة سرعان ما برزت عبر محاولتها التقرّب من الرئيس السابق. وكانت قد انضمت عام 2019 إلى نادي ترمب الوطني للغولف بيدمينستر في نيوجيرسي، وتعرّفت عليه هناك.

غير أنها لم تتولَ أي عمل قانوني لصالح ترمب عندما عيّنها، خلال سبتمبر (أيلول) 2021، ضمن فريقه القانوني لتحلّ محل العديد من المحامين المعروفين الذين عملوا لدى ترمب لسنوات عديدة، قبل انسحابهم من خدمته، ومنهم مارك كاسويتز، وتشارلز هاردر، وجوانا هندون، ومارك موكاسي، وجاي سيكولو ولورانس روزين.

وبعد فترة وجيزة، رفعت حبّة دعوى قضائية بقيمة 100 مليون دولار نيابةً عن ترمب ضد صحيفة «النيويورك تايمز»، وثلاثة مراسلين للصحيفة، وابنة أخت ترمب، ماري ترمب. إلا أن القاضي ردّ الدعوى. ثم عملت حبّة لصالح ترمب في القضية التي كانت رفعتها سومر زيرفوس ضده عام 2017 بتهمة التشهير. وفي ذلك العام رمى ترمب زيرفوس بـ«الكذب»، بعدما اتهمته بتقبيلها وملامستها من دون موافقتها، عندما كانت متسابقة في برنامجه التلفزيوني الشهير «ذي أبرينتيس».

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021، رفعت حبّة دعوى مضادة ضد زيرفوس؛ بحجة أنها كانت تحاول خنق حق ترمب في حرية التعبير، لكن القضية أوقفت بعدما سحبت زيرفوس دعوتها.

محامية ترمب الأولىوهكذا، حظيت حبّة بثقة ترمب، بعدما ساعدته ومثّلته في دعاوى قضائية عدة، بينها قضية التصريح الكاذب لقيمة أصوله التي طلبت منه البنوك تقديمها سنوياً للتأكد من أن لديه الأموال الكافية لسداد قروضها. واستأنفت دون نجاح أمر محكمة يطلب من ترمب وأبنائه الإدلاء بشهادة تحت القسم حول التقييمات التي وقّعوا عليها عند تقديم تلك الإقرارات. وبعدما استجوبت ليتيشيا جيمس، المدعية العامة لنيويورك، ترمب في أغسطس (آب) 2022، قادت حبّة الدفاع عنه، لينقل عنها لاحقاً إدلاؤها بتعليقات عنصرية ضد جيمس، واصفة إياها بـ«العاهرة السوداء»، وأنها «شخص مريض».

بعدها، في سبتمبر 2022، رفض قاضي المحكمة الجزئية الأميركية دعوى رفعتها حبّة لمصلحة ترمب ضد هيلاري كلينتون وجون بوديستا (الرئيس السابق للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي) وجايك سوليفان (مستشار الأمن القومي الحالي)، وديبي واسرمان شولتز، والعديد من المسؤولين الديمقراطيين، للمطالبة بتعويضات عن أدوارهم المزعومة في التخريب على حملته الرئاسية عام 2016.

وخلص القاضي إلى أن شكوى ترمب لم تكن كافية من جميع النواحي، محتفظاً بالحق في فرض عقوبات على محامي ترمب. وهو ما حصل بعد شهرين، حين فرض غرامات عليهم، من بينهم ألينا حبّة، ومايكل ماديو، وبيتر تيكتين وجيمي آلان ساسون. وفي يناير (كانون الثاني) 2023، أمر القاضي كلاً من ترمب وحبّة وشركتها بدفع 938 ألف دولار تكاليف قانونية لـ31 متهماً، بينهم اللجنة الوطنية الديمقراطية وهيلاري كلينتون ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي. هذا، وكانت حبّة، أحد أعضاء فريق الدفاع عن ترمب في قضية «شراء الصمت» التي رفعتها ضده وربحتها ممثلة أفلام إباحية، وغرّم عليها بقيمة 83.3 مليون دولار.

أبواب الشهرة والثروة... فُتحتلا شك في أن تعيين ترمب ألينا حبّة محامية له، فتح أمامها أبواب الشهرة والثروة، لتبرز على الساحة العامة باعتبارها، أبرز الناطقين باسمه والمدافعين عنه. وهي الآن مستشارة أولى للجنة العمل السياسي في حركة «ماغا» (لنعيد أميركا عظيمة) الناشطة لدعم إعادة انتخابه، الأمر الذي رفع ثروتها الشخصية؛ إذ تجاوز دخلها السنوي 200 ألف دولار، وحصلت على أكثر من 3.5 مليون دولار مقابل عملها مستشارةً، وفقاً لشبكة «إيه بي سي نيوز».

أيضاً، منذ أصبحت حبّة مساعدة قانونية رئيسة لترمب، انجذبت أكثر فأكثر إلى دائرته، وصارت من الشخصيات التي يتكرر ظهورها في نواديه، بنيوجيرسي وفلوريدا. وفي عيد ميلادها خلال فبراير (شباط)، نشرت صورة لها جالسة إلى جانبه.

وبعد كلمة حبّة في الليلة الأخيرة من مؤتمر الحزب الجمهوري، يوم 15 يوليو (تموز)، وإثر تعرّض ترمب لمحاولة الاغتيال الأولى، قالت لشبكة «فوكس نيوز» عندما سُئلت عن شعورها إزاء الضمادة التي وضعها على أذنه المصابة ودخل قاعة المؤتمر وسط هتافات مؤيديه وتصفيقهم: «أعتقد أن أفضل كلمة لوصف ذلك هي تأثّرت... أعتقد أن أميركا يمكن أن ترى أن الرئيس ترمب مختلف اليوم». وتابعت: «لم أظن قَطّ في حياتي أنني سأعيش ذلك، ناهيك بأن أعيشه وأقول هذا صديقي... كان ذلك صعباً جداً بالنسبة لي. إنه أمرٌ مؤلم، لكنني فخورة به».

صوت ترمب في المستقبلعدّت حبّة ترقيتها إلى «مستشارة أولى» لحملة إعادة انتخاب ترمب بأنها «شرف عظيم»، وتعهّدت بأنها ستوفر لها، كأم، الفرصة لمناقشة القضايا المهمة للنساء في جميع أنحاء البلاد. كما أعلنت استعدادها لمواصلة دورها محاميةً له، في القضايا الجارية التي تشارك فيها، لكنها تخطط أيضاً لأن تصبح الآن «صوتاً للرئيس ترمب» من أجل التكلّم عن مجموعة واسعة من القضايا.

يبقى القول، أن حبّة تصف نفسها، كاثوليكيةً، بأنها «متدينة للغاية»؛ ما يجعل رسالتها المحافظة قريبة من اتجاهات كثيرين من المسيحيين العرب الأميركيين، الذين يعتبرون ترمب ممثلاُ لهم في هذا المجال. وهي، رغم تمكّنها من الحفاظ على خصوصية حياتها العائلية حتى الآن، فقد قالت في نوفمبر الماضي لصحيفة «النيويورك بوست» اليمينية إن لديها ثلاثة أطفال، مراهق يبلغ من العمر 14 سنة، وابن يبلغ من العمر تسع سنوات، وابنة تبلغ سبع سنوات من زوجها الأول ماثيو آيت، الذي تطلقت منه عام 2019. وفي عام 2020 تزوّجت من غريغ روبن، زوجها الثاني، ويعيشون في برناردزفيل بنيوجيرسي. وذكرت وسائل إعلام أميركية أن حبّة تعتبر صديقة مقربة من إريك نجل دونالد ترمب. وظهرت مع كيمبرلي غيلفويل، خطيبة دونالد ترمب «الابن» في العديد من المناسبات.