وزراء دفاع الكرملين... من قصف البرلمان إلى شبهات الفساد

شويغو (رويترز)
شويغو (رويترز)
TT

وزراء دفاع الكرملين... من قصف البرلمان إلى شبهات الفساد

شويغو (رويترز)
شويغو (رويترز)

> كان العقيد الجنرال قسطنطين، أول وزير دفاع لروسيا في مرحلة الانتقال من العهد السوفياتي إلى الدولة الجديدة. ولقد وصل إلى منصبه بفضل ولائه للتيار «الديمقراطي» الذي قاد الانقلاب على الحكم السوفياتي. إذ كان يشغل منصب نائب رئيس الأركان عندما وقع انقلاب أغسطس (آب) 1991 ضد ميخائيل غورباتشوف الذي مهّد للإعلان الرسمي لنهاية الاتحاد السوفياتي. وبسبب دعم كوبيتس المطلق لبوريس يلتسين عُيّن وزيراً للدفاع في جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية. وشغل هذا المنصب لمدة 19 يوماً، ثم في 9 سبتمبر (أيلول) 1991 أُلغي المنصب.

بين 1992 و1996 تولى الجنرال بافيل غراتشيف منصب وزير الدفاع، وبرز اسمه بقوة في العام التالي إبّان أزمة البرلمان الذي رفض الانصياع لأوامر يلتسين فأمر الأخير الجيش بقصف رمز الديمقراطية الجديدة لروسيا بالدبابات. لكنَّ هذا لم يكن وحده أبرز «إنجازات» غراتشيف، بل قاد في شتاء 1994 - 1995 العمليات العسكرية للجيش الروسي في الشيشان التي أعلنت انفصالها عن الدولة الروسية. ويومذاك اتهم غراتشيف بارتكاب انتهاكات واسعة، مما دفع يلتسين عام 1996 للخضوع لضغوط غربية بعزله عن منصبه في 2016.

في يونيو (حزيران) 1996، نفّذ واجبات وزير الدفاع مؤقتاً رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، جنرال الجيش ميخائيل كوليسنيكوف. وفي يوليو (تموز) من العام نفسه، أصبح الجنرال إيغور روديونوف وزيراً للدفاع، واقترح تعيينه أمين مجلس الأمن ومساعد الرئيس للأمن القومي ألكسندر ليبيد، الذي كان على خلاف مع غراتشيف. ولكن في ديسمبر (كانون الأول) 1996، فُصل روديونوف من الخدمة العسكرية لدى بلوغه سن التقاعد، لكنه احتفظ بمنصب رئيس الإدارة العسكرية لستة أشهر أخرى. وفي مايو (أيار) 1997 أُعفي من منصبه بسبب تعثر الإصلاح العسكري.

بعدها عُيّن وزيراً للدفاع الجنرال إيغور سيرغييف، الذي شغل سابقاً منصب قائد قوات الصواريخ الاستراتيجية. ومعه أُطلقت عملية واسعة لتقليص عديد الجيش وإجراء تغييرات واسعة في المؤسسة العسكرية، أسفرت حتى عام 2000 عن انخفاض عديد القوات المسلحة من 2.341 مليون إلى 1.2 مليون شخص. ومنذ صيف عام 1999 قاد سيرغييف، بصفته وزيراً للدفاع، الحرب الشيشانية الثانية التي حملت اسم «عملية مكافحة الإرهاب في شمال القوقاز» وظل في منصبه حتى عام 2001.

سيرغي إيفانوف أصبح أول وزير دفاع يعيّنه فلاديمير بوتين، بعد تسلمه قيادة روسيا. وكان نقله عام 2001 من وكالات الاستخبارات الأجنبية ومجلس الأمن، ليتولى الوزارة، وليشغل بين و2007 أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء والمشرف الأول على صناعات الدفاع.

ثم عيَّن بوتين أناتولي سيرديوكوف وزيراً للدفاع مع أنه لم يسبق للأخير شغل مناصب عليا في الأجهزة الأمنية والعسكرية. ولذا بات أول مدني يتولى الوزارة، قبل بيلوسوف بسنوات. كما أنه، مثل بيلوسوف، جاء من خلفية اقتصادية، إذ كان رئيساً لدائرة الضرائب قبل توليه المنصب. وفي عهد سيرديوكوف خفّض عديد الجيش إلى أقل من 800 ألف عسكري، وأُجريت تغييرات جذرية في الهيكل التنظيمي والوظيفي للمؤسسة العسكرية. إذ أُغلقت عشرات المدارس العسكرية، وقُلّص عدد المعسكرات من 7500 إلى 200، وفي المقابل بدأت عملية إعادة تسلح واسعة وعملية تحديث للجيش الروسي وفّرت موازنات ضخمة أسالت لعاب موظف الضرائب السابق، الذي انزلق إلى عمليات فساد واسعة أسفرت عن طرده من منصبه وملاحقته قضائياً في عام 2012 بعد اتهامه بسرقات واختلاسات كبرى في مؤسسة «أبورون سيرفيس» التابعة للوزارة.

على الأثر اضطر بوتين للاعتماد على صديقه المقرب سيرغي شويغو، الحاكم السابق لمنطقة موسكو ثم وزير الطوارئ. وإبان تولي شويغو منصب وزير الدفاع، ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم (2014)، وشاركت في عمليات عسكرية في سوريا (منذ 2015)، وأطلقت «عملية عسكرية خاصة» في أوكرانيا (2022). لكنّ شبهات الفساد ظلت تحوم حول وزارة الدفاع في عهده، واعتُقل عدد من كبار المسؤولين فيها بينهم نائب الوزير تيمور إيفانوف.

أيضاً شهد عهد شويغو أسوأ اختبار داخلي في البلاد بعد تمرد مجموعة «فاغنر» منتصف العام الماضي، بسبب خلافات رئيسها يفغيني بريغوجين، مع شويغو واتهامه على الملأ بالفساد، وبأنه لا يلبّي في منصبه احتياجات الحرب المصيرية في أوكرانيا.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.