هل ينجح حراك الجامعات في تغيير موقف أميركا من إسرائيل؟

الجمهوريون والديمقراطيون أمام أزمة التوفيق بين الحريات وكبح التظاهر

كوفيات وأعلام فلسطينية يرفعها الطلاب المحتجون في قلب حرم جامعة كولمبيا بنيويورك (غيتي)
كوفيات وأعلام فلسطينية يرفعها الطلاب المحتجون في قلب حرم جامعة كولمبيا بنيويورك (غيتي)
TT

هل ينجح حراك الجامعات في تغيير موقف أميركا من إسرائيل؟

كوفيات وأعلام فلسطينية يرفعها الطلاب المحتجون في قلب حرم جامعة كولمبيا بنيويورك (غيتي)
كوفيات وأعلام فلسطينية يرفعها الطلاب المحتجون في قلب حرم جامعة كولمبيا بنيويورك (غيتي)

يُجمع عدد من المراقبين والمحللين على القول إن حركة الناشطين لدعم الحقوق الفلسطينية في الولايات المتحدة وخصوصاً في جامعاتها ليست أمراً جديداً أو طارئاً فهي تمتد لعقود شهد خلالها الموقف من إسرائيل تغيراً لم تعهده من قبلُ الجامعات الأميركية والرأي العام الأميركي عموماً. ويتفق هؤلاء على أن هذا التغيير ارتبط خلال السنوات الأخيرة بالصعود المتزايد للمجموعات اليسارية الشابة ونشاط حركات الدفاع عن الحريات التي اخترقت النسيج الاجتماعي ولا سيما في أوساط الأقليات بما فيها اليهود أنفسهم والسود واللاتينيون (الهسبانيكيون) والعرب والمسلمون. بيد أن هجوم «حماس» يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي والحرب التي شنتها إسرائيل بعده على قطاع غزة فرضا حضوراً متجدداً لهذه القضية بالنسبة للكثير من الطلاب. وعلى مدى الأشهر السبعة الماضية اندلعت الاحتجاجات الطلابية حيث كانت أخبار الحرب ومشاهدها غالباً ما تكون هي الحافز لاشتداد وتيرتها أو تراجعها. ومع امتداد الاحتجاجات من جامعة إلى أخرى ومن الساحل الشرقي للولايات المتحدة مروراً بوسطها ووصولاً إلى ساحلها الغربي تجاوزت الاعتقالات أكثر من ألف ومائتي طالب وكذلك ازدادت الضغوط على قادة الجامعات والأساتذة والخريجين والعائلات ناهيك من المشرّعين الأميركيين و«المؤسسة» السياسية الأميركية والإدارة نفسها. إلا أن الطلاب المحتجّين ومناصريهم من الأكاديميين ما زالوا مُصرين على تحقيق أبرز مطلبين لهم وهما وقف الحرب ووقف الاستثمارات الجامعية مع إسرائيل

حتى اللحظة، ليس ثمة ما يشير إلى أن حركة الاحتجاج في الجامعات الأميركية على وشك الانحسار، على الرغم من تفكيك مخيمات الاعتصامات في عدد من الجامعات، والاشتباكات التي بدا بعضها مشبوهاً بين المؤيدين لإسرائيل والفلسطينيين. إلا أن الاحتجاجات غير الطلابية - رغم ضآلتها مقارنة بتحركات الطلاب - لم تعد تتصدر عناوين الأخبار، وهذا، مع احتجاجات خارج الأحداث السياسية التي سبقت الانتخابات، إذ توقفت حركة المرور على الجسور والطرق الرئيسة في مدن كسان فرنسيسكو ونيويورك. أما في شيكاغو وسياتل فقد أغلق المتظاهرون مداخل المطارات الدولية، وسار الصحافيون في العاصمة واشنطن بين المتظاهرين خارج حفل عشاء جمعية مراسلي البيت الأبيض، يوم السبت الماضي.

جدير بالذكر أنه مع بدء شهر مايو (أيار)، وإنهاء غالبية الطلاب سنتهم الدراسية، تبدأ غالبية الجامعات الأميركية تحضيراتها لحفلات التخرج السنوية. ومن الناحية العملية، ما كان ممكناً أن تشهد الاحتجاجات، التي اندلعت في الربع الأخير من شهر أبريل (نيسان) الماضي، هذا الزخم لو لم يُنهِ الطلاب امتحانات آخر العام. لكن مع بدء العطلة الصيفية، وعودة الطلاب إلى منازلهم، تُطرح التساؤلات عن مصير الاحتجاجات، وعمّا إذا كانت ستستمر بزخمها الحالي، وأيضاً تُطرح تساؤلات عن التداعيات السياسية المتوقعة في السباق الانتخابي المحموم، وعمّا إذا كان بإمكانها النجاح في تغيير البوصلة تجاه إسرائيل، أو في التحول إلى «حركة سياسية» تكسر هيمنة «ثنائية» الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

أزمة سياسية ودستورية

في أي حال، احتجاجات اليوم تحولت إلى أزمة سياسية ودستورية، إذ تواجه إدارات الجامعات العامة (الحكومية)، مثل جامعة كاليفورنيا - لوس أنجليس تحدّيات قانونية تُلزمها باحترام «التعديل الأول للدستور الأميركي» الذي يضمن حرية التعبير، أكثر من تلك التي تواجهها الجامعات الخاصة العريقة كجامعة كولمبيا وجامعة ييل.

وفي حين دافع الجمهوريون، وروّجوا لقانون حرية التعبير في الحُرم الجامعية العامة، وسط شكاوى من أن ما يُسمى «ثقافة الإلغاء» قد «استولت على التعليم العالي» وأصبحت «معادية» لوجهات نظرهم المحافظة، فإنهم يواجهون الآن مع الديمقراطيين معضلة التوفيق بين حرية التعبير وكبح التظاهرات التي «خرجت عن السيطرة». وبالفعل، تصاعدت مطالباتهم للجامعات بمراجعة وتحديث قواعد التعبير الخاصة بها، بحلول هذا الصيف؛ لمعالجة الحوادث الموصوفة بأنها «معادية للسامية»، والتأكد من أن المنظمات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين تواجه «الانضباط» بسبب انتهاك تلك السياسات.

ومن جهتها، انتظمت الطبقة السياسية الأميركية وممثلوها من كلا الحزبين في إطلاق المواقف التي تدعو إلى وضع حد لاحتجاجات الطلاب، من كبير الجمهوريين في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل، إلى زعيم الغالبية الديمقراطية السيناتور تشاك شومر، وصولاً إلى مطالبة رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون بنشر «الحرس الوطني»، إذا لزم الأمر، وهو ما دعا البعض إلى القول إن حركات الاعتراض التي شهدتها الولايات المتحدة، سواءً على قضايا السياسات الخارجية أم الداخلية، لا تزال عاجزة عن زحزحة سيطرة قبضة النظام الذي أظهر، ولا يزال، قدرة كبيرة على امتصاص «الصدمات» التي يتعرّض لها.

لكن قوة النظام هذه تستند أيضاً إلى رأي عام لا يزال ينظر إلى الأزمة الحالية بقدر من اللامبالاة. وعلى الرغم من الدعم الكبير الذي نراه في صفوف الشباب للقضية الفلسطينية، أظهر استطلاعٌ أجرته جامعة هارفارد عن القضايا التي تهم الشباب، في ربيع هذا العام، أن الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 29 سنة، يميلون إلى اعتبار التضخم والهجرة، من بين معظم القضايا الرئيسة الأخرى، أكثر أهمية من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. ورغم ذلك يفضل الشباب «دعم سياسات جديدة»، ووقفاً دائماً لإطلاق النار في غزة بنسبة 5 إلى 1.

السيناتور تشاك شومر (رويترز)

من فيتنام إلى غزة

في سياق موازٍ، تعيد الاحتجاجات الطلابية ضد الحرب في غزة إلى الأذهان موجات من المظاهرات العارمة التي شهدتها الولايات المتحدة في الماضي. ولعل أهمها الاعتراض على حرب فيتنام، ودعم حركة الحقوق المدنية التي أسهمت بإنهاء التمييز ضد الأميركيين السود، ومناهضة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ثم لاحقاً، التحركات الأحدث التي شهدتها الجامعات فيما عُرف بحركة «احتلال وول ستريت» ضد المصارف والشركات العملاقة عام 2008، إلى حركة الاعتراض على مشروع خط نفط داكوتا، ووقوف طلاب الجامعات عام 2016 مع أبناء القبائل الأميركية الأصليين أصحاب الأرض التي تضامن فيها معهم نشطاء مدافعون عن البيئة، إلى حركات النساء «مي تو (أنا أيضاً)»، وتظاهراتها الضخمة التي نُظمت ضد الرئيس السابق دونالد ترمب بعد يوم واحد من تنصيبه عام 2017، ووصولاً إلى تحركات ما سمي «حياة السود مهمة» ضد عنف الشرطة وسياسات ترمب عام 2020، التي امتدت إلى الشارع الأميركي بعد مقتل الرجل الأسود جورج فلويد.

هذا، وفي حين اتخذت بعض الاحتجاجات منحى دموياً في بعض الأحيان، حيث غالباً ما تتدخل الشرطة وتفض الاعتصامات والتحركات بالقوة، كما جرى في عام 1970، حين قُتل 4 طلاب في جامعة كنت ستايت بولاية أوهايو، تتكرّر، اليوم، الاعتداءات والاعتقالات على الطلاب، والكادر التعليمي، والنشطاء، وغيرهم.

بين جنوب أفريقيا وإسرائيل

من ناحية أخرى، مقابل الدعوات التي تطالب بوقف الاستثمارات الجامعية والتعاون مع إسرائيل، يحذّر البعض من أن الرهان على تكرار حركة المقاطعة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، قد لا يكون رهاناً جيداً. وكتب جيمس ماكينتوش، في صحيفة «وول ستريت جورنال» مقالة رأي مطوّلة، قائلاً ما معناه إن حملة سحب الاستثمارات، إلى جانب مطالبة الطلاب بقطع العلاقات الأكاديمية مع الجامعات الإسرائيلية، لا يمكن أن تنجح إلا من خلال عزل إسرائيل ثقافياً، وليس من الناحية المالية، وأن فرصتها الوحيدة لتحقيق نتائج هي أن تدفع الإسرائيليين إلى العزلة، ونتيجةً لهذه العزلة ومعاملتهم على أنهم أشرار، قد يدفعون حكومتهم إلى تغيير اتجاهها.

وأضاف ماكينتوش أن حركة مقاطعة جنوب أفريقيا استمرت لعقود من الزمن، وشملت المستهلكين في المقام الأول لا المستثمرين، وكان لها آثار مالية خطيرة على صادرات البلاد. وتابع أن الشركات الأكثر أهمية للجيش الإسرائيلي، أو لإنتاج الوقود الأحفوري، الذي صدرت في السابق دعوات لسحب الاستثمارات الجامعية منها، تنتمي إلى الحكومات أو تدعمها. وبالتالي، حتى لو نجحت عملية سحب الاستثمارات بطريقة أو بأخرى في شركات أخرى، فإنها لن تنجح هنا، إذ إن إسرائيل تتلقى دعماً عسكرياً أميركياً كبيراً بتمويل من الحكومة، (كان آخره توقيع بايدن على أكبر حزمة مساعدات أقرّها الكونغرس لإسرائيل بقيمة 26 مليار دولار)، وهكذا سيتواصل تدفق الأسلحة عليها، بغض النظر عما يفعله مستثمرو القطاع الخاص، ولن يتمكن من إيقافها سوى الكونغرس أو البيت الأبيض.

السيناتور ميتش ماكونيل (رويترز)

لماذا فشلت الحراكات بالتحول لكيانات سياسية؟

أمر آخر يستحق التساؤل هو لماذا فشلت التحركات الاعتراضية والاحتجاجية - حتى تلك التي تمكنت من ترك تأثيرات عميقة على المجتمع والمشهد السياسي الأميركي، كإقرار قوانين الحقوق المدنية - في التحول إلى كيانات سياسية ناشطة مستمرة؟

قد يُعد تبوء الفئات الشابة الطلابية قيادة تلك التحركات أمراً مفهوماً في المجتمعات كافة، وهو ما حصل في عدد من البلدان على امتداد العقود الحديثة الأخيرة. غير أن نجاحها في إحداث التغيير ما كان ممكناً لو لم تنضمَّ إليها فئات اجتماعية صاحبة مصلحة فعلية في إحداث هذا التغيير. وفي الولايات المتحدة، مثلاً، لم تستطع احتجاجات الطلاب المطلبية التحول إلى إنجازات إلّا بعد توسعها لإشراك قوى اجتماعية أخرى، وتحويل مطالبهم معها إلى مصالح مشتركة، وهو بالضبط ما جرى خصوصاً في سنوات الحراك الاجتماعي الكبير للمطالبة بالحقوق المدنية، فقد كان لافتاً أن حراك الطلاب غالباً ما ينتهي إلى تفرقهم وتشتت قياداتهم؛ لأن الحيوية التي يتمتع بها الشباب و«ثوريتهم» فقط لا تكفيان لإحداث التغيير السياسي.

من فيتنام إلى غزة... لماذا فشلت الاحتجاجات الشعبية

في كسر ثنائية الحزبين المهيمنة؟

كلمات تحذيرية

الكاتب والصحافي سيرج شميمان كتب، في مقالة بصحيفة «نيويورك تايمز»، أن الناظر في تحرّكات جامعات أميركا يرى تكراراً للأحداث الطلابية عام 1968، لكن مع فارق أساسي هو أن الانقسامات الطلابية تتجه لتكون انقسامات شخصية وقبيحة في كثير من الأحيان، بين الطلاب اليهود والطلاب العرب أو المسلمين، أو أي شخص يُنظر إليه على أنه يقف على الجانب «الخاطئ» من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. ولقد أدى هذا الوضع إلى دفع الاحتجاجات بشكل مباشر إلى سياسة الاستقطاب السائدة في البلاد، حيث يصوّرها السياسيون والنقاد، وخصوصاً من اليمين، على أنها مظاهر خطيرة «لمعاداة السامية»، و«اليقظة»، ويطالبون بإنهائها وحضّ إدارات الجامعات على استدعاء الشرطة للقيام بذلك تماماً.

وما يُذكر أنه في عام 1972، نجح الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون في استمالة «الأغلبية الصامتة» من قدامى المحاربين، التي وقفت ضد «الغوغاء» التي اجتاحت البلاد، على خلفية الحرب في فيتنام، وفاز بغالبية 60 في المائة بانتخابات ذلك العام. واليوم يُخشى أن تنجح الهجمة التي تتعرّض لها احتجاجات الطلاب لـ«شيطنة» مطالباتهم بسياسات جديدة تجاه إسرائيل والفلسطينيين، إذا ما سيطر الجناح الذي يعتقد أن شعار «من البحر إلى النهر» صالح لاستقطاب الرأي العام الأميركي. وكانت وسائل الإعلام الأميركية، بما فيها تلك المحسوبة على الليبراليين، قد نشرت، في الآونة الأخيرة، تقارير عن رفع شعارات وأعلام «حماس» و«حزب الله»، المصنّفين على لائحة الإرهاب الأميركية، والأقنعة والكوفيات، التي اختفت، إلى حد كبير، من الحياة الأميركية، بعد سنتين من تفشي وباء «كوفيد»، كسمة مميزة لثقافة «الاحتجاج اليسارية المتضخمة» في أميركا، ما يشير إلى «الخطورة» التي قد يتعرض لها الحراك الطلابي ومستقبله، في حال سيطرة هذا الجناح عليه.

 

مبنى قاعة هاميلتون الشهير (آ ب)

 

انتفاضات الحُرم الجامعية الأميركية... وتداعياتها المحتملة

صعّدت المجموعات الاحتجاجية تحركاتها حين أعلن الطلاب في جامعة كولمبيا، إحدى أعرق الجامعات الأميركية وأغناها ومهد تلك الاحتجاجات، احتلال قاعة هاميلتون الشهيرة؛ «حتى تلبية مطالبهم»، لكن الشرطة تدخلت وأخرجتهم منها مُزيلة مخيم الاعتصام أيضاً. للعلم، فإن للقاعة التي افتُتحت عام 1907، وتحمل اسم ألكسندر هاميلتون، أول وزير خزانة للولايات المتحدة، تاريخ حافل، إذ احتلها الطلاب عام 1968؛ احتجاجاً على حرب فيتنام، وعام 1972؛ احتجاجاً على قرارات جامعية، ثم في عام 1985، احتلها الطلاب؛ لمطالبة الجامعة بسحب استثماراتها من الشركات التي تتعامل مع دولة جنوب أفريقيا (العنصرية يومذاك)، الأمر الذي تحقّق، في وقت لاحق من ذلك العام، عندما صوّت مجلس الأمناء على بيع جميع أسهم الجامعة في الشركات الأميركية التي تعمل هنا. ومجدداً في عام 1992، احتلت احتجاجاً على قرار إدارة الجامعة تحويلها إلى مسرح ومجمع أبحاث طبي، فيما عُدّ طمساً لتاريخها في الدفاع عن حركة الحقوق المدنية، وخصوصاً أن مالكوم إكس، شريك مارتن لوثر كينغ، اغتيل فيها عام 1965. وفي حين يعتقد البعض أن معارضة الطلاب للحرب في غزة قد لا تنتهي مع بدء العطلة الصيفية، فهم يذكّرون باحتجاجات 1968، ضد حرب فيتنام، حين خطط المنظمون لاحتجاج كبير، أثناء انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في أغسطس (آب)، بمدينة شيكاغو؛ للتصديق على مرشح الحزب الرئاسي في ذلك العام. وكما حدث عام 1968، سينتهي العام الدراسي الحالي قريباً، وسيغادر هؤلاء الطلاب للصيف، ما قد يتيح لهم مزيداً من الوقت والتحضير، لتركيز جهودهم على اجتماع المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، الذي سينظَّم، هذا العام أيضاً، في شيكاغو خلال أغسطس المقبل. وتخطط الجماعات المناهضة للحرب بالفعل لتنظيم احتجاجات كبيرة، في المؤتمر. ونقلت صحيفة «شيكاغو تريبيون» عن ناشطين من شبكة الجالية الفلسطينية الأميركية قولهم إنهم سينظمون مسيرات في هذا المؤتمر الأهم منذ 1968، عندما نظَّم المتظاهرون في حرب فيتنام وحركة تحرير السود مظاهرات حاشدة جرى قمعها بعنف. ووسط الغضب المتزايد إزاء حصيلة القتلى المرتفعة في غزة، خصوصاً بين فئة الشباب الأميركيين، تحاول إدارة بايدن الموازنة بين دعمها لإسرائيل، وتخفيف تأثيره على إعادة انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني)، لكن حملته الانتخابية بدت وكأنها تراهن على انتهاء التظاهرات، وتلاشي المشاعر الملتهبة، واصطفاف الناخبين الديمقراطيين في نهاية المطاف، عندما يقترب يوم الانتخابات، ويصبح الاختيار بين بايدن وترمب أكثر وضوحاً، وهو ما يحذر منه البعض ويعدُّونه مقامرة متهورة. وحقاً، يُظهر استطلاع للرأي، أجرته جامعة كوينيبياك، يوم 24 أبريل (نيسان)، أن 53 في المائة من الديمقراطيين يعارضون إرسال مزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل، لدعم جهودها في الحرب ضد غزة. وفي استطلاع أخير أجراه مركز «بيو» للأبحاث، وجد أن الأميركيين السود أقل ميلاً لدعم معاملة إسرائيل للفلسطينيين، مقارنة بالأميركيين البيض. وبينما تبيَّن أن 38 في المائة من الأميركيين البيض يؤيدون، في الغالب أو كلياً، إسرائيل في الحرب على غزة، فإن 13 في المائة فقط من الأميركيين السود يؤيدون ذلك. ويوم الثلاثاء، أيدت «منظمة الحزب الديمقراطي» في الكليات الأميركية، الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي، ودعت الرئيس بايدن إلى دعم وقف دائم لإطلاق النار في غزة. وفي بيان وافق عليه المجلس التنفيذي للمنظمة بأغلبية 8 أصوات مقابل صوتين، أشاد ديمقراطيو الكليات بالطلاب المحتجّين؛ «لامتلاكهم الوضوح الأخلاقي لرؤية هذه الحرب على حقيقتها: مدمرة وإبادة جماعية وغير عادلة»، وأدانوا مديري الكليات؛ لاستدعاء الشرطة لإلقاء القبض على الطلاب.


مقالات ذات صلة

الرئيس المصري وملك الأردن يؤكدان ضرورة الوقف الفوري للحرب على غزة

العالم العربي خلال لقاء سابق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال قمة في القاهرة 27 ديسمبر 2023 (رويترز)

الرئيس المصري وملك الأردن يؤكدان ضرورة الوقف الفوري للحرب على غزة

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، اليوم الأربعاء، ضرورة الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الولايات المتحدة​ فلسطينيون يبكون أمام جثث أقاربهم الذين قُتلوا في الغارات الإسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بغزة قبل تشييع جنازتهم (د.ب.أ)

بايدن: أميركا تبذل جهداً آخر للتوصل لوقف إطلاق النار في غزة

قال الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم الأربعاء، إن بلاده ستبذل جهداً آخر مع تركيا ومصر وقطر وإسرائيل وآخرين للتوصل لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الخليج رجل يُلوّح بعَلم لبنان بمدينة صيدا في حين يتجه النازحون إلى منازلهم بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

السعودية ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

أعربت وزارة الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة بوقف إطلاق النار في لبنان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (رويترز)

كاتس: إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في غزة هو الهدف الأبرز بعد وقف النار بلبنان

قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن الهدف الأبرز لتل أبيب بعد وقف إطلاق النار في لبنان يتمثل بصفقة جديدة للإفراج عن الرهائن المحتجزين في غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الاقتصاد رجال يسيرون بجوار لوحة إلكترونية في بورصة تل أبيب (رويترز)

ارتفاع سندات إسرائيل ولبنان السيادية بعد وقف إطلاق النار

ارتفعت السندات السيادية الإسرائيلية المقوَّمة بالدولار بنسبة 0.8 سنت، يوم الأربعاء، عقب دخول وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» حيز التنفيذ.

«الشرق الأوسط» (القدس)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.