الأزمة مع المكسيك... تتفاعل سياسياً وقضائياً

لوبيز اوبرادو (رويترز)
لوبيز اوبرادو (رويترز)
TT

الأزمة مع المكسيك... تتفاعل سياسياً وقضائياً

لوبيز اوبرادو (رويترز)
لوبيز اوبرادو (رويترز)

> مطلع أبريل (نيسان) الماضي أقدمت فرقة تابعة لوحدات الشرطة الخاصة في الإكوادور على اقتحام مقر السفارة المكسيكية في العاصمة كيتو. وهناك ألقت القبض على نائب الرئيس الأسبق خورخي غلاس، الذي كان لجأ إليها بعد صدور حكم مبرم بسجنه لضلوعه في فضيحة فساد مالي واسعة إبان ولاية الرئيس الأسبق رافايل كورّيا... المطلوب هو أيضاً من العدالة، والموجود حالياً في بلجيكا.

الرئيس المكسيكي خوسيه مانويل أوبرادور كان قد منح غلاس، الذي يحمل أيضاً الجنسية الألمانية، حق اللجوء السياسي قبل ساعات قليلة من اقتحام السفارة وإلقاء القبض عليه. وبعد عملية الاقتحام سارعت الحكومة المكسيكية إلى اتهام الإكوادور بانتهاك المعاهدات والمواثيق الدولية. وأعلنت من ثم رفع شكوى أمام محكمة العدل في لاهاي، وتقديم مشروع قرار في مجلس الأمن لفرض عقوبات على الإكوادور وتعليق عضويتها في الأمم المتحدة.

غلاس (رويترز)

على الأثر، ردّ رئيس الإكوادور دانيال نوبوا، من جهته، بالقول إنه ليس نادماً إطلاقاً على إصداره الأمر باقتحام السفارة... قبل أن يدعو الرئيس المكسيكي إلى تناول المقبّلات والتحاور.

نوبوا شدد على أنه اتخذ «القرار الصائب»، متهماً بعض الحكومات باستخدام سفاراتها كواجهة لمنح اللجوء السياسي، بينما هي وسيلة لإفلات المجرمين من العقاب. وأكد أنه «اضطر لاتخاذ القرار» بعد معرفته بوجود خطة وشيكة لفرار غلاس. ثم إن نوبوا قال إن المعاهدات الدولية، مثل «معاهدة فيينا حول الحصانة الدبلوماسية» و«معاهدة كاراكاس حول اللجوء السياسي»، تحتاج إلى تعديل، لأنه من غير المقبول أن تمنح الدول اللجوء السياسي إلى الذين يخضعون لأحكام قضائية «لكون ذلك يشكل تدخلاً في سيادة الدول وأنظمتها القضائية».

ولكن، وبعدما رفعت المكسيك شكواها إلى «محكمة العدل الدولية»، مدعومة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا، أعلنت أنها ستقدم اقتراحاً بطرد الإكوادور من الأمم المتحدة إذا ثبت أنها انتهكت الميثاق التأسيسي للمنظمة الدولية. ثم دعا الرئيس المكسيكي إلى فرض عقوبات صارمة على الإكوادور كي لا يتكرر مثل هذا الانتهاك للقانون الدولي، مؤكداً المضي في طلب طردها من الأمم المتحدة في حال رفض الاعتذار والتعهد بألا يتكرر ما حصل. وشدد الرئيس لوبيز أوبرادور على أهمية اللجوء السياسي وحق الدول في منحه وفقاً لأحكام القانون الدولي «لأن المضطهدين لأسباب سياسية يستحقون الدعم والحماية، وهذا من ركائز السياسة الخارجية للمكسيك».

كورّيا (رويترز)

أيضاً دعت المكسيك إلى عقد اجتماع استثنائي لـ«منظمة البلدان الأميركية»، حيث حصلت على إدانة شديدة ضد الإكوادور بغالبية ساحقة من الأعضاء، ودعم شبه كامل من دول أميركا اللاتينية والكاريبي، باستثناء السلفادور التي امتنعت عن التصويت. غير أن نوبوا رد على التصعيد المكسيكي برفع شكوى أمام «محكمة العدل الدولية» ضد لوبيز أوبرادور بتهمة «التدخل في الشؤون الداخلية» لبلاده عند منحه اللجوء السياسي إلى غلاس، الذي يراكم عدة أحكام مبرمة بتهم الفساد، وكان على وشك أن يَصدر حكم آخر بحقه عندما لجأ إلى سفارة المكسيك. وراهناً تطلب السلطة الإكوادورية، في شكواها إلى «محكمة العدل الدولية» إدانة الرئيس المكسيكي بتهمة انتهاك مبدأ امتناع التدخل في الشؤون الداخلية للدول عندما أدلى بتصريحات تشكك في شرعية الانتخابات الرئاسية التي فاز بها نوبوا العام الماضي.

الواقع، أن مانويل لوبيز أوبرادور كان قد أدلى في أحد مؤتمراته الصحافية اليومية بتصريحات أوحى فيها بأن نوبوا فاز في الانتخابات بفضل اغتيال أحد المرشحين على يد إحدى المنظمات الإجرامية، عندما كانت مرشحة «الثورة المدنية» متقدمة بعشر نقاط على نوبوا في استطلاعات الرأي. وتجدر الإشارة، إلى أن غلاس ينتمي إلى حزب «الثورة المدنية» الذي يتزعمه الرئيس الأسبق رافايل كورّيا الذي تربطه علاقة شخصية وسياسية وطيدة بالرئيس المكسيكي، وينتمي كلاهما إلى معسكر اليسار في أميركا اللاتينية.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.