كوريا الجنوبية: فوز المعارضة بالبرلمان يعزّز فرص لي عام 2027

خسارة الرئيس وحزبه السيطرة على «الجمعية الوطنية» قد لا تعني الكثير خارجياً

طابور الناخبين خلال الانتخابات الأخيرة (رويترز)
طابور الناخبين خلال الانتخابات الأخيرة (رويترز)
TT

كوريا الجنوبية: فوز المعارضة بالبرلمان يعزّز فرص لي عام 2027

طابور الناخبين خلال الانتخابات الأخيرة (رويترز)
طابور الناخبين خلال الانتخابات الأخيرة (رويترز)

عانى المشهد السياسي بكوريا الجنوبية حالة من الجمود السياسي، بعدما وجه الناخبون صفعة للرئيس يون سوك يول، مع تعرّض حزبه، حزب «سلطة الشعب»، المحافظ لهزيمة كارثية في الانتخابات البرلمانية، الأسبوع الماضي. إذ أحرز الحزب «الديمقراطي الليبرالي»، القوة المعارضة الرئيسية والقوى الأصغر المتحالفة معه، فوزاً ساحقاً بحصوله على 189 مقعداً في الجمعية الوطنية (البرلمان) المؤلفة من 300 مقعد، في حين حصل الحزب الحاكم بزعامة يون على 108 مقاعد فقط. وفق الأرقام المعلنة، أدلى حوالي 29.66 مليون شخص، أو 67 في المائة من الناخبين بأصواتهم، ما يمثل أعلى نسبة مشاركة في انتخابات الجمعية الوطنية منذ عام 1992. وما يستحق الذكر أنه منذ استعادة الديمقراطية في كوريا الجنوبية عام 1987، لم يحصل أي رئيس على نسبة رضا شعبي منخفضة عن أدائه على امتداد فترة طويلة مثلما حدث مع يون - التي تراوحت بين 35 في المائة و40 في المائة منذ مايو 2022 - بأول سنتين من رئاسته.

تجري إدارة الشأن السياسي في كوريا الجنوبية في إطار جمهورية ديمقراطية تمثيلية رئاسية، حيث يمثل الرئيس رأس الدولة، وتقوم الدولة على نظام متعدد الأحزاب. ولضمان الفصل بين السلطات، يتألف كيان الدولة من ثلاث سلطات: تشريعية وتنفيذية وقضائية. وتتولى الحكومة السلطة التنفيذية، بينما تتشارك الحكومة والجمعية الوطنية (البرلمان) في السلطة التشريعية. ومنذ عام 1948، خضع الدستور لخمس مراجعات أساسية، كل منها تدشن جمهورية جديدة. وبدأت «الجمهورية السادسة» الحالية مع آخر تعديل دستوري كبير دخل حيز التنفيذ عام 1988، وبموجب الدستور يتولى الرئيس منصبه لولاية واحدة فقط مدتها خمس سنوات. أما مدة ولاية البرلمان فتبلغ أربع سنوات.

اختبار حقيقي ليون

جاءت الانتخابات التي شهدت منافسة حامية الوطيس بمثابة اختبار حقيقي لشعبية يون (63 سنة)، مع بلوغه منتصف فترة ولايته الممتدة لخمس سنوات. وعدّ بعض المحللين الانتخابات الأخيرة بمثابة استفتاء على شعبيته التي تضررت في خضم أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة وسلسلة من الفضائح السياسية.

الواقع أنه منذ وصول يون إلى سدة الرئاسة بأغلبية ضئيلة بلغت 0.8 في المائة فقط عام 2022، جابه قيوداً من قبل الهيئة التشريعية التي يسيطر عليها «الحزب الديمقراطي». ولقد نال في المعركة الرئاسية يون خلال مارس (آذار) 2022 48.56 في المائة من الأصوات، مقابل 47.83 في المائة لمنافسه من «الحزب الديمقراطي».

ومن ناحية ثانية، لا يحق ليون التجديد، بل من المقرر أن يغادر منصبه عام 2027، بعدما تحوّل إلى «بطة عرجاء» على صعيد السياسة الداخلية طوال فترة رئاسته. ولكن مع ذلك، ظل محظوظاً لأن المعارضة لم تفز بغالبية ساحقة تبلغ مائتي مقعد، ما كان سيتيح لها تجاوز «حق النقض» الذي يتمتع به الرئيس، أو تعديل الدستور، أو حتى عزله.

في أي حال، فإن نتائج الانتخابات ستحافظ على الديناميكية الأساسية ذاتها التي كانت قائمة قبل الانتخابات. أي أن قوى المعارضة يمكن أن تواصل عرقلة برنامج سياسات يون، الذي أمضى سنتين من الفترة الرئاسية البالغة مدتها خمس سنوات. وما يذكر أنه عندما تولّى يون منصبه في مايو (أيار) 2022، ورث برلماناً منقسماً، بسبب حصول الحزب الديمقراطي المعارض على الغالبية وكانت النتيجة حالة من الجمود التشريعي. والآن بعد الهزيمة الأخير، يصبح يون أول رئيس كوري جنوبي يواجه برلماناً معادياً له طوال فترة ولايته التي تنتهي في مايو 2027.

سكاند تايال، سفير الهند السابق لدى كوريا الجنوبية، علّق على الوضع الراهن بقوله: «أساساً تفسّر هذه الانتخابات بوصفها استفتاء على الإدارة الحالية. وتبعاً لمدى نجاح أحزاب المعارضة في العمل معاً لإبقاء أجندة الرئيس يون تحت السيطرة، من المحتمل أن تتقيد قدرة الإدارة الحالية على المضي قدماً في أجندتها الإصلاحية. ولكن لا يعني هذا بالضرورة أن الرئيس غدا عاجزاً سياسياً خلال الفترة المتبقية من ولايته. بل لقد حقق بعض النجاح في إقرار تشريعات مهمة عبر الجمعية الوطنية خلال العام الماضي، عندما كان يحظى بعدد أقل بكثير من أصوات الحزب الحاكم داخل البرلمان. وأياً كان المسؤول، سيتعيّن على يون التوصل إلى طريقة للعمل مع المعارضة إذا كان يرغب في تمرير المزيد من عناصر أجندته السياسية. وبخلاف ذلك، قد لا يتمكن من تحقيق الكثير في السنوات الثلاث المقبلة».

هنا، يعتقد مراقبون أن بون قد يمضي قدماً في تنفيذ أجندته من جانب واحد، معتمداً على حق النقض والأوامر الرئاسية. وحقاً، سبق له استخدام حق النقض لرفض مشاريع القوانين التي لا تتفق مع إدارته وسياسة حزبه.

لقد استخدم الرئيس «حق النقض»، حتى الآن، ضد تسعة مشاريع قوانين ـ وهو الأكبر من أي رئيس منذ عزّزت كوريا الجنوبية ديمقراطيتها عام 1987، إذ أصدر أوامر تنفيذية، واستخدم «حق النقض» ضد مشاريع قوانين أقرها البرلمان بينها مشروع يدعو إلى إجراء تحقيق خاص في مزاعم الفساد المحيطة بزوجته كيم كيون هي (51 سنة).

لي جاي ميونغ... زعيم المعارضة المنتصر (آ ب)

أين أخطأ الرئيس؟

من ناحية ثانية، تراجعت معدلات الدعم الشعبي للرئيس والحزب الحاكم بشكل خاص، على مدار الأشهر التي سبقت الانتخابات، وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانكماش الاقتصاد واشتعال أزمة طبية على امتداد فترة طويلة. وللعلم، دخلت المستشفيات الكبرى في حالة طوارئ منذ أواخر فبراير(شباط) الماضي، وترك الأطباء الشباب وظائفهم بسبب خطة الحكومة لزيادة معدلات الالتحاق بكليات الطب.

كذلك، تعرّض يون لانتقادات بسبب فضائح تتعلق بعائلته، واتهمه منتقدوه بتقويض حرية التعبير. فقد جابه يون مأزقاً كبيراً بعدما تسببت فضيحة تتعلق بزوجته في حالة من الفوضى. وفي حينه واجهت كيون هي، سيدة كوريا الجنوبية الأولى، اتهامات بقبول هدية ثمينة جداً من القس الأميركي ـ الكوري، أبراهام تشوي، ما يشكل خرقاً لقانون مكافحة الرشوة... وتفجّرت القضية على منصة عامة، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عندما بثت قناة خاصة على «يوتيوب» مقطع فيديو سجّله القسّ سراً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن في كوريا الجنوبية قانوناً صارماً للغاية لمكافحة الرشوة. وهو لا يجيز قبول هدايا بقيمة 750 دولاراً أميركياً دفعة واحدة، أو 2200 دولار أميركي سنوياً.

وكما هو متوقع، سرعان ما احتلت هذه القصة عناوين الصحف الوطنية، وأضرت بشعبية الرئيس. ثم إنه بسبب رد فعل الضعيف من الرئيس تجاه فضائح زوجته، تراجعت شعبيته، وخاصة عندما سحق مشروع قانون يسعى إلى إجراء تحقيق خاص حول تورّط زوجته كيم في قضية أخرى تتعلق بتلاعب مزعوم في أسعار الأسهم.

نقاد سياسيون يرون أن الاستقطاب المتزايد بين الرجال والنساء داخل المجتمع الكوري كان بمثابة «خط صدع» في السياسة الكورية، وكان الرئيس يون يعد أن الحركة النسوية «تمادت كثيراً». وإبّان حملته الرئاسية، قدّم اقتراحاً مثيراً للجدل لإلغاء «وزارة المساواة بين النوعين وشؤون الأسرة»، بحجة أن «التمييز البنيوي ضد المرأة ما عاد موجوداً».

وحسب الدكتور لاخفيندر سينغ، مدير دراسات السلام والأمن في معهد آسيا بالعاصمة الكورية سيول، فإن موقف يون تجاه القضايا الجنسانية أفقده تأييد النساء، مع أنه أكسبه في المقابل أصوات الشباب في الانتخابات الرئاسية. هذا، وحذر الكثير من الناشطات الكوريات من أن الرئيس وحزبه يدمران سنوات من التقدم في مجال حقوق المرأة، وبدا أن الكوريات عبرن عن هذه المخاوف بتصويتهن الكثيف في الانتخابات بكثافة لصالح المعارضة وأحزاب أخرى. وعليه، ربما يجد يون صعوبة الآن في إلغاء «وزارة المساواة بين النوعين».

«تراجع الدعم الشعبي للرئيس وحزبه على مدار الأشهر التي سبقت الانتخابات»

«التقدمي» لي... زعيم المعارضة

في المقابل، بفضل تصدّر حزب المعارضة الأساسي في كوريا الجنوبية الانتخابات الأخيرة، صار زعيمه لي جاي ميونغ من أبرز المرشحين للرئاسة عام 2027. ويُعد هذا تحوّلاً مهماً لسياسي خسر السباق الرئاسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2022 أمام منافسه اللدود بالفارق الأقل في تاريخ البلاد، مع أنه آنذاك كان متهماً بمجموعة متنوعة من تهم الرشوة والإخلال بالواجب.

لي، الذي كان عاملاً في مصنع، قبل أن يصبح محامياً في مجال الحقوق المدنية، دخل المعترك السياسي منذ أكثر من 15 سنة بوصفه ناشطاً في المعسكر التقدمي. وتولّى لي منصب حاكم مقاطعة غيونغي، القريبة من سيول، عام 2018. ومن ثم سعى أن تغدو كوريا أول دولة في آسيا تنضم إلى المعسكر التقدمي العالمي، وضغط من أجل إقرار الدخل الأساسي الشامل. ولكن في الوقت ذاته، يعدُّ لي من أكثر الشخصيات السياسية استقطاباً في البلاد، ذلك أنه يتمتع بقاعدة متحمّسة من المؤيدين اليساريين... وتعاديه كتلة كبيرة من المعارضين في المعسكر المحافظ.

الرئيس يون سوك يول يدلي بصوته (رويترز)

عودة إلى الأضواء

رغم علامات الاستفهامومثل غريمه الرئيس بون، خيّمت على حياة لي سحابة فضائح على المستوى الشخصي، وخضع لتحقيق في مضاربات على أراض في مدينة سيونغنام، التي كان عمدة لها. فقد وجهت إليه النيابة في مارس 2023 اتهامات بالفساد زعمت فيها تلقيه رشى تتعلق بخطة تطوير عقاري تقدر قيمتها 1.5 مليار دولار عندما كان عمدة سيونغنام. غير أن لي نفى ارتكاب أي مخالفات، ووصف الإجراءات القانونية ضده بأنها ذات دوافع سياسية. كذلك تعافى لي، الذي تعرّض للطعن في رقبته خلال يناير (كانون الثاني) على يد رجل تظاهر بأنه من مؤيديه، من خسارته في انتخابات 2022 الرئاسية ليقود «الحزب الديمقراطي»، متعهداً «بمعاقبة» يون عبر صناديق الاقتراع.

ولسنوات، سعى لي إلى تأكيد التناقض الصارخ بين قصة حياته وقصة يون... ابن الأسرة الثرية. وأثناء ترشحه للرئاسة، نشرت حملته صورتين: إحداهما تظهر الشاب لي وهو يرتدي بدلة غير مناسبة، والثانية يظهر فيها المراهق يون بربطة عنق أنيقة.

أمر آخر لافت، هو أن لي كان قد واجه دعوات داخل حزبه تطالبه بالتنحي، لكنه بعد إنجازه الانتخابي يتوقع أن يتمكن من إسكات المعارضين داخل حزبه. ذلك أنه نجح في جعل «الحزب الديمقراطي» حصناً له، وعزز قبضته على السلطة داخل الحزب، كما احتضن المعتدلين. وحول هذا الجانب كتب شين يول، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميونغجي الكورية، معلقاً على ذلك بقوله: «بهذه النتيجة، أصبح لي أقوى سياسي في البرلمان». إلا أن لي، مع ذلك، ما زال يواجه عقبات وتحديات، على رأسها المحاكمات المستمرة التي يخضع لها، بناءً على اتهامات متعددة - يصر على براءته منها - وُجهت إليه على مدى السنوات الكثيرة الماضية.

عودة إلى الرئيس يون، فإنه أعلن في خطاب تلفزيوني، بعد إقراره بهزيمته: «سأحترم بكل تواضع إرادة الشعب التي جرى التعبير عنها في الانتخابات العامة، وسأعمل على إصلاح شؤون الدولة، وأبذل قصارى جهدي لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد ومعيشة الناس». أما رئيس الوزراء هان داك سو ومجموعة من كبار المساعدين فقد عرضوا أن يتقدموا باستقالاتهم.

وفي اتجاه حلحلة المشاكل المطلبية والمعيشية، تعرّض يون لضغوط كي يتواصل مع زعيم المعارضة لي من أجل إجراء مباحثات غير مسبوقة لمناقشة أزمة إضراب الأطباء المستمر، وسبل تحسين سبل عيش الناس. كان يون قد رفض من قبل عقد أي لقاء مع لي، مبرراً ذلك بالتهم الجنائية الموجهة إلى الأخير، بما في ذلك الفساد المزعوم.


مقالات ذات صلة

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

حصاد الأسبوع تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات...

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة…

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
TT

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة استياء عميق في العديد من الدوائر تجاه إلغاء المادة 370. إلا أنه بدلاً من مقاطعة الانتخابات، دفع القرار الكشميريين إلى التصويت على نحو يتناقض مع الـ30 إلى الـ40 سنة الماضية. في وقت سابق، جرى استغلال مثل هذا الاستياء لدعم النزعة الاستقلالية والتطرف؛ ما أدى إلى صعود تهديدات وتحذيرات من مقاطعة الانتخابات، لكن هذه المرة، لم تسمح الطوابير الطويلة للناخبين بحدوث ذلك. وتبقى الميزة الأهم في هذه الانتخابات، أنها جاءت سلمية تماماً. وتكشف حقيقة خروج حشود من الناس للتصويت كيف أصبح التصويت في حد ذاته عملاً من أعمال المقاومة والتضامن».

وشرح مالك أن «السنوات الست الماضية من الحكم المستمر لنيودلهي دفع شعب جامو وكشمير للشعور بالتهميش السياسي. وأثار تنفيذ الحاكم غير المنتخب بل المعيّن مركزياً للعديد من القوانين مخاوف عامة الناس. إذ يرى أهل جامو وكشمير أن البيروقراطية التي تديرها الحكومة المركزية - حيث يتولى مسؤولون غير محليين المناصب الإدارية العليا - لا تتناسب مع القضايا والحساسيات المحلية».

من جهته، علّق المحلل السياسي مفتي شوكت فاروقي بأن «قرار الحكومة الهندية إجراء انتخابات يبدو ظاهرياً بمثابة خطوة نحو استعادة الوضع الطبيعي في الإقليم. ولكن، من دون معالجة السبب الجذري للصراع في كشمير - الوضع السياسي غير المحلول، وتطلعات الشعب الكشميري، وانعدام الثقة العميق بين الدولة ومواطنيها - فإن هذه الانتخابات لن تعدو مجرد ممارسة سطحية للديمقراطية».

والحقيقة، كان إلغاء المادة 370 عام 2019، الذي جرّد جامو وكشمير من وضعها الخاص واستقلالها كولاية داخل الاتحاد الهندي، سبباً في تفاقم التوترات. بل تسبّب القرار في انهيار الثقة بين السكان الكشميريين والحكومة الهندية. ونظر كثيرون إلى العملية الانتخابية في ظل الإطار السياسي الحالي، باعتبارها «غير شرعية»؛ لأنها لم تعد تمثل الهوية المميزة للإقليم أو تطلعات أبنائه للحكم الذاتي.

وفي قلب القضية، تكمن الحاجة إلى حل سياسي شامل يعالج تاريخ كشمير الفريد وتطلعاتها ومظالمها. ولا يمكن تحقيق ذلك عبر الانتخابات فقط، بل عبر الحوار الهادف بين الحكومتين الهندية والباكستانية والجهات السياسية المحلية وجماعات المجتمع المدني، بما في ذلك أولئك الذين يدافعون عن فكرة تقرير المصير، ويدعون إلى استقلال كشمير.

وبالانتقال إلى الانتخابات في كشمير، نجد أن حلبة التنافس راهناً تضم الأحزاب الإقليمية الكشميرية، على رأسها «المؤتمر الوطني» و«حزب الشعب الديمقراطي»، والعديد من الاستقلاليين الذين يتنافسون بصفتهم «مستقلين» سعياً إلى استعادة المادة 370 والوضع الخاص لجامو وكشمير. ويتواجه هؤلاء عملياً مع حزب «بهاراتيا جاناتا». وفي تصريح له، قال الرئيس السابق لحكومة الإقليم عمر عبد الله إن كشمير في حاجة إلى «استعادة هويتها» عبر إلغاء الخطوة التي اتخذتها حكومة مودي عام 2019. وفي المقابل، صرح أميت شاه، وزير داخلية مودي، خلال الشهر، بأن وضع الإقليم شبه المستقل «أصبح تاريخاً ولا أحد يستطيع إعادته». وأضاف أنه «لا يمكن للساعة أن تعود إلى وضع 370 عندما كان لدينا دستوران وعَلمان».

في سياق موازٍ، بين القضايا الرئيسية الأخرى في الانتخابات، احتجاز العديد من الشباب الكشميريين في السجون الهندية، وتحديات محلية مثل تفشي المخدرات والبطالة. وتشير تقديرات الحكومة منذ يوليو (تموز)، إلى أن معدل البطالة في كشمير يبلغ 18.3 في المائة، أي أكثر عن ضعف المتوسط الوطني.

وفي هذا الصدد، قال خورشيد أحمد (50 سنة): «هناك الكثير من القضايا التي نواجهها هنا. نحن سعداء لأننا سنرى تغييراً. نريد حكومتنا الإقليمية ونهاية حكم ممثل نيودلهي. قد تفهمنا حكومتنا الإقليمية، لكن لا أحد من الخارج يستطيع ذلك. أنا أدلي بصوتي اليوم لأننا نتعرض للقمع، وقد سُجن الأطفال، ويتعرضون لأفعال غير عادلة. نحن نصوّت اليوم ضد تصرفات مودي في كشمير».

وقال فايز أحمد ماجراي (46 سنة): «كانت السنوات الأربع الماضية صعبة. لقد اتخذت قوات الأمن إجراءات صارمة، والإذلال الذي ألحقه المسؤولون من الخارج بالسكان غرس شعوراً بالعجز. صيغت القوانين المعادية للشعب من دون استشارة السكان المحليين. أنا أصوّت لإنهاء عجزنا. نحن في مرحلة حرجة من التاريخ، والتصويت وسيلتي للتعبير عن رفضي ضد القوى العازمة على تدمير جامو وكشمير مع كل يوم يمرّ».

مع ذلك، يبدو أن بعض مواطني كشمير فقدوا الأمل باستعادة استقلال منطقتهم، مثل سهيل مير - وهو باحث - الذي قال: «لا أعتقد أن المادة 370 ستعود ما لم تحدث أي معجزة»، وتابع أن الأحزاب كانت تقدم وعوداً بشأن استعادة الحكم الذاتي في خضم أجواء «مشحونة سياسياً» للحصول على الأصوات.

في هذه الأثناء، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، دعت سلطات نيودلهي دبلوماسيين أجانب إلى جامو وكشمير لمتابعة الانتخابات. وبالفعل، زار ما يقرب من 20 دبلوماسياً من سفارات مختارة، بينها سفارات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وسنغافورة والفلبين وماليزيا، جامو وكشمير لمراقبة الانتخابات.