كوت ديفوار... تركيبة عرقية معقدة

فيليكس هوفويت بوانيي (غيتي)
فيليكس هوفويت بوانيي (غيتي)
TT

كوت ديفوار... تركيبة عرقية معقدة

فيليكس هوفويت بوانيي (غيتي)
فيليكس هوفويت بوانيي (غيتي)

> منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، لم تشهد كوت ديفوار فترات استقرار سياسي طويلة، باستثناء الفترة التي حكم فيها رئيسها الأول ومؤسسها فيليكس هوفويت بوانيي، التي استمرّت من الاستقلال وحتى رحيله نهاية عام 1991.

ربما كان الانقسام العرقي والديني واللغوي سبباً في الاضطراب السياسي، إذ يتكلم سكان كوت ديفوار، البالغ عددهم 29 مليون نسمة، نحو 72 لغة محلية، إضافة إلى اللغة الفرنسية، اللغة الرسمية للبلاد. ويوجد في البلاد أكثر من 60 قومية وعرقية، يمكن جمعها في سبع جماعات رئيسة على أساس الثقافة المشتركة والخصائص التاريخية، كما تقسم أحياناً إلى أربعة أقاليم ثقافية رئيسة؛ هي مجموعة الشعوب (أو القبائل) الغرب أطلسية وأبرزها الأكان، والشعوب الشرق أطلسية وأهمها الكرو، وفي الشمال والوسط شعوب الديولا وألماندي الشماليون والماندي الجنوبيون. وكانت قبائل الكوا منتشرة في جميع أرجاء البلاد، قبل أن تدفعها القبائل الشمالية الآتية من بوركينا فاسو ومالي إلى الجنوب، حيث توطن معظمها مناطق البحيرات الجنوبية، وبقي جزء آخر في وسط البلاد.

الحسن واتارا (رويترز)

في الغرب سكنت قبائل البيتي والغيري والغريبو، بينما سكنت قبائل الغور بشمال البلاد، وتوزعت الكولانغو في جميع أرجاء البلاد. وتتقاطع التقسيمات القبلية مع الدينية، إذ يدين نحو 40 في المائة من السكان بالإسلام، ونحو 30 في المائة بالمسيحية، في حين يعتنق الباقي معتقدات أخرى. ويعيش معظم المسلمين في الشمال، والمسيحيون في الشرق والغرب والجنوب. كما يسكن البلاد عدد من المهاجرين من دول أفريقية مجاورة مثل مالي وبوركينا فاسو، ومن لبنان وفرنسا يقدر عددهم بنحو 3 ملايين مهاجر ومقيم، لا سيما أن البلاد جاذبة للاستثمارات.

لقد خلق وجود المهاجرين «أزمة هوية» في ظل امتداد عائلات كثير من السكان إلى دول أخرى، ومن بينهم الرئيس الحالي الحسن واتارا الذي ترجع أصوله إلى بوركينا فاسو. ومن ثم، انعكست مشكلة الهوية على المشهد السياسي للبلاد، إذ دعم الشعب والقبائل ذات الغالبية المسلمة الرئيس المسلم وتارا وحزب «تجمع الجمهوريين»، كما دعمت الشعوب والقبائل ذات الغالبية المسيحية «الحزب الديمقراطي لكوت ديفوار»، والرئيس الأسبق هنري كونان بدييه، ودعمت قبيلة البيتي - المسـيحية في غالبيتهـا - حزب الرئيس السابق لوران غباغبو، ما «عقد من الأزمة الوطنية والإثنية في البلاد»، بحسب الدكتور محمد عبد النبي في تقرير نشره موقع «قراءات أفريقية» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

منظر لمدينة أبيدجان (رويترز)

أيضاً، ونظراً لموقع كوت ديفوار الاستراتيجي، وسهولة اختراق حدودها، في ظل ضعف مؤسسات الدولة الرسمية وفترات الاضطراب السياسي، انتشرت أنشطة «غير مشروعة»، مثل تهريب الأسلحة وتجارة المخدرات، ما «عزَّز بالتالي انعدام الأمن والاستقرار وعقَّد من مشكلة الحكم المركزي والمحلي على حد سواء»، وفق قراءات أفريقية.

وما يذكر أنه إبان خلال فترة حكم بوانيي، شبه الديكتاتورية، شهدت البلاد استقراراً سياسياً وازدهاراً، مدفوعاً باستقطاب مواردها الطبيعية مثل البن والكاكاو للاستثمارات الغربية. ولقد أعد بوانيي، اثنين لخلافته، هما هنري كونان بدييه، وزير ماليته ورئيس البرلمان المنحدر من قبيلة البولي، والحسن واتارا، الاقتصادي الذي عمل نائباً لرئيس صندوق النقد الدولي قبل أن يصبح رئيساً للحكومة، بحسب تقرير لمركز الإمارات للسياسات.

ولكن بعد وفاة بوانيي عام 1993 انغمست البلاد في الصراع الطويل على السلطة، الذي انتهى بالانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال روبير غيي عام 1999، وأطاح بحكومة كونان بيدييه. ثم تجدد الصراع في انتخابات عام 2000 بين غيي، ومنافسه الذي فاز بالرئاسة لوران غباغبو، وتكرر الصراع نفسه مرة أخرى في انتخابات عام 2010، بين غباغبو والرئيس واتارا.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.