جهود الأردن لإغاثة قطاع غزة في مرمى «القصف» والتشكيك

حملات خارجية «موجّهة» بتهمة إطالة أمد الحصار البرّي

مواد إغاثية منقولة جواً (الشرق الأوسط)
مواد إغاثية منقولة جواً (الشرق الأوسط)
TT

جهود الأردن لإغاثة قطاع غزة في مرمى «القصف» والتشكيك

مواد إغاثية منقولة جواً (الشرق الأوسط)
مواد إغاثية منقولة جواً (الشرق الأوسط)

لم يشفع للأردن تحرّكه المبكّر ومواقفه السياسية والدبلوماسية والإغاثية الحثيثة لمواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وخلّف للآن حصيلة غير مسبوقة من الضحايا في تاريخ الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، لتواجه هذه التحركات والجهود بحملات «موجّهة» عبر وسائل التواصل الاجتماعي «مشككة» بسلامة نية الدوافع وراء مد جسر جوي إغاثي، دشّنه سلاح الجو الأردني الملكي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لكسر الحصار عن القطاع. التشكيك لم يقتصر على جهود مد الجسر الجوي الذي دفع بدول عربية وأجنبية للمشاركة فيه، بل شملت حملات «التشكيك والشيطنة»، مختلف المواقف الدبلوماسية والسياسية، رغم المحاولات الرسمية الكبيرة لإعادة مسار القضية الفلسطينية السلمي. ولم يكن ظهور زوجة العاهل الأردني، الملكة رانيا العبد الله، في مقابلة ثالثة لها قبل أيام عبر شبكة «سي إن إن» CNN، من قلب قاعدة الملك عبد الله الجوية التي تُعدّ مركزاً لانطلاق عمليات الإنزال الجوية للمساعدات إلى غزة، سوى محطة جديدة للمشككين، حيث تحدثت الملكة بصراحة عن أولوية وقف إطلاق النار، وأن عمليات الإنزال «هي إجراءات يائسة لمعالجة الوضع البائس» في القطاع الذي يضربه الموت جوعاً.

العاهل الأردني عبدالله الثاني يشرف على عمليات إنزال الإغاثة (الشرق الأوسط)

تدرك السلطات الأردنية الحاجة المضاعفة إلى تكثيف الجهود الإغاثية للقطاع لإنقاذ أكثر من 2.5 مليون مواطن غزّي يتعرضون لحرب الجوع والقنابل، وسط تمسك مسؤوليها بتقديم المتاح على الأرض للقطاع وعبر مختلف الوسائل براً وجواً. وبعيداً عن استعراض المواقف، تصرّ عمّان على كسر حصار غزة، وإضعاف التعنت اليميني المتطرف الحاكم في تل أبيب، على ما أفادت مصادر محلية علّقت على «رمزية ما يفعله الأردن، رغم محدوديته».

وحقاً، حمل الأردن الرسمي خلال أشهر الحرب الخمسة على عاتقه مسؤولية البحث عن ثغرات لإيصال المساعدات الإغاثية إلى غزة. وكسر الحصار الجوي على القطاع بطائرات محمّلة بالأدوية والغذاء التي أنزلها بالمظلات، لتقف إلى جانب هذه الجهود دول عربية وأوروبية، قبل أن تلتحق الولايات المتحدة بسلاسل التزويد بالإغاثة عبر إنزالات جوية؛ معلنة يأسها من القدرة في تحقيق وقف فوري للنار، بحسب ما يرى مراقبون.

وفي سياق ما تسعى له عمّان، نقلت مصادر مطلعة إلى «الشرق الأوسط» عن اجتماعات برئاسة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وحجم انفعاله من إحباط جميع محاولات إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، و«خيبة أمله» من ضعف جهود واشنطن في الضغط على حكومة الحرب الإسرائيلية، سواء لجهة الوقف الفوري لإطلاق النار، أو لصالح ضمان وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة، بشكل مستدام.

ولعل المصادر ذاتها، أوضحت لـ«الشرق الأوسط» مسوّغات عدم شمول الأردن بزيارة الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، في زيارته السادسة والأخيرة إلى الشرق الأوسط قبل نحو شهر. وتحدثت المصادر أيضاً، عن لهجة رسمية حادة استخدمها عبد الله الثاني خلال لقاءاته مع قيادات أميركية رفيعة المستوى في زيارته الأخيرة إلى واشنطن، وحديثه مع قيادات في الكونغرس، حيث قال أحدهم عن ما صرّح به الملك عبد الله إنه «يتحدث بكلام لا نريد سماعه، لكنه يصارحنا في حديثه عن الواقع كما هو».

حملات تشكيك وإساءة

ولكن، على الرغم، توالي الجهود الأردنية على صعيد تقديم المساعدات العاجلة والفورية للمدنيين في قطاع غزة، قوبلت الجهود بحملات «تشكيك وإساءة» أطلقت عبر منصات التواصل الاجتماعي. وكان منها اتهامات ومزاعم ضد الأردن عن سعيه «لخلق مبررات للاحتلال الإسرائيلي بإدامة الحرب»، وإيصال مساعدات لا تكفي للقطاع».

وتشير عمليات الرصد من جهات مختلفة، إلى أن هذه الحملات «منظمة صادرة من حسابات خارج الأردن». لكنها باتت «مقلقة ومثيرة للفتن» - بحسب مصادر أردنية - من شأنها «إشاعة البلبلة» والتأثير على الجبهة الداخلية في ظل وجود أكثر من مليونَي لاجئ فلسطيني يقيمون في البلاد؛ الأمر الذي «يعدّ» مصلحة إسرائيلية ترى في إيقاف الجهود الدبلوماسية الأردنية هدفاً استراتيجياً، وتخفيفاً من حملات التحريض ضدها.

في المقابل، تتمسك القيادة الأردنية باستمرار هذه الجهود في ظل انعدام وسائل الحياة في قطاع غزة، في وقت تعرّي هذه الجهود «سوأة الاحتلال وهمجيته» المغرق في عمليات التجويع الممنهج والقتل البطيء بالتزامن مع عمليات القصف والاغتيالات للمدنيين العزّل.

الملكة رانيا على شاشة "السي إن إن" ("السي إن إن")

حسابات وهمية إسرائيلية

!وفي هذا الصدد، تحدثت هنا مصادر متطابقة لـ«الشرق الأوسط»، بأن حسابات «وهمية بمرجعية إسرائيلية» تخوض معركة إثارة الفتنة، وثمة حسابات أخرى «بمرجعية إيرانية» تؤدي الدور عينه. هذا يعني تقاطع مصالح العدوين (إسرائيل وإيران) في استهداف استقرار المملكة، وتسلّل الفوضى التي تعيد ترتيب أولويات مراكز القرار محلياً، والتركيز فقط على الملفات الداخلية، حيث «تستفيد طهران من (تكذيب) الموقف الرسمي الأردني أمام الشارع»، كما تستفيد تل أبيب من «تخفيف حدة هجوم عمّان الدبلوماسي»، وفقاً للمصادر. إلا أن «تحييد الثابت في العلاقة بين عمّان وتل أبيب من بوابة التنسيق الأمني الوثيق بينها» غير ممكن وفقاً للمصادر أيضاً، لتظل متمسكة بموقفها من قطع الاتصال سياسياً مع حكومة اليمين المتطرف.

وحقاً، لدى الجهات المسؤولة الأردنية اطلاع واسع على مصادر الحملات الإلكترونية ضدها، لكنها «تتغاضى مرحلياً» عن تسمية الأطراف التي ترعاها بحسب ما علمت «الشرق الأوسط». بيد أنها في الوقت ذاته، بحسب مراقبين، لا تواجه هذه الحملات بشكل فاعل ومؤثر، في حين يقرّ مسؤولون أردنيون «بضعف» ردود الفعل في مواجهة الحملات المنظمة للتغريدات والمنشورات المسممة الآتية من منصات التواصل الاجتماعي. وهي تزعم وتروّج «لتناقض المواقف الأردنية»، بحجة استمرار تصدير البضائع التجارية عبر الحدود البرية من الأردن إلى إسرائيل، عبر تجار أردنيين أو شركات أخرى، محمّلة الحكومة الأردنية مسؤوليتها عن ذلك.

وتؤكد مصادر مطلعة، أن كل المحاولات «لن تعرقل الجهد الأردني عما يقوم به تجاه الأشقاء»، حيث يتركز «الهجوم المنظم»، وفق تأكيدات رسمية لـ«الشرق الأوسط»، بالحسابات الخارجية وأخرى داخلية في منصتَي التواصل الاجتماعي الأشهر «فيسبوك» و«إكس». وتتزامن هذه الحملات مع مسيرات تُنظم كل يوم جمعة، تطالب بوقف خطوط التجارة مع دولة الاحتلال، على الرغم من تأكيد وزراء عاملين بأن التجارة مع إسرائيل مرتبطة بعقود مع تجار أردنيين، وليس مع الحكومة، وأن مطالب المسيرات يجب أن توجه للتجار وليس للدولة.

الحركة الإسلامية... وبرزت احتجاجات عدة تطالب الحكومة الأردنية بـ«إغلاق «الجسر البري» - وفق تسمية نشطاء وقوى إسلامية - ونظّمت «الحركة الإسلامية» في الأردن وقفات واحتجاجات في مناطق مختلفة من المملكة منددة بالسياسة الرسمية. وأعلنت «الحركة» تنظيم حراك يومي عقب صلاة العشاء في ساحة الجامع الكالوتي، بمنطقة الرابية العمانية، حيث يقع مقر السفارة الإسرائيلية.

وبحسب مصادر أردنية مطلعّة، فإن «الحركة الإسلامية» التي «تشاغب» على الموقف الرسمي، «تبالغ بمديح حلفاء لها لم يقدّموا أي فعل حقيقي لصالح وقف الحرب على غزة سوى الاستعراض»، في حين «أوقفت» السلطات الأردنية عدداً من النشطاء، وفقاً لتقرير لمنظمة العفو الدولية صدر الشهر الماضي؛ بسبب دعواتهم إلى تنفيذ احتجاجات عامة أو إضرابات أو بسبب مواقف منددة بالاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل.

"حسابات وهمية بمرجعيات إسرائيلية وإيرانية تخوض معركة إثارة الفتنة"

جهود إغاثية...أرقام وإحصاءات

مدّ الأردن منذ بداية العدوان على غزة جسوراً جوية وبرية. وكانت أول طائرة تابعة لسلاح الجو الملكي كسرت الحصار في 6 نوفمبر الماضي، واستطاعت إنزال مواد إغاثية عاجلة للمستشفى الميداني العسكري الأردني في شمال غزة.

تلك الطائرة حملت معها دلالة عسكرية استثنائية، عندما قادها رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الطيار يوسف الحنيطي، وقد وُصفت تلك الرحلة حينها «بالمغامرة الخطرة». وتبع ذلك إنزال جوي على كنيسة القديس بروفوريس عشية عيد الميلاد المجيد.

وقبل أن تصبح طائرات الإغاثة مهمة أردنية يومية، وخبراً دائماً على شاشات التلفزيونات، كان قد شارك في تنفيذ الإنزالات الإغاثية على غزة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، رغم مخالفة ذلك ضمانات استقرار النظام السياسي وأمنه على حساب رحلة محفوفة بالمخاطر، على الرغم من إبلاغ الجانب الإسرائيلي بالأمر. وكذلك شاركت الأميرة سلمى بنت عبد الله الثاني في واحدة من تلك الرحلات، ليحمل ولي العهد الأردني الأمير الحسين مستلزمات المستشفى العسكري الثاني في غزة وفي منطقة خان يونس، ويطير بها إلى مطار العريش مشرفاً على إدخال معدات المستشفى عبر معبر رفح.

لقد دفعت خطوة الملك الأردني، في إنزال المواد الطبية على المستشفى العسكري الأردني بشمال غزة في بداية الحرب على تطوير هذا الجهد، لتصبح عمليات إنزال المساعدات الإنسانية والإغاثية بالمظلات، مشهداً يومياً. وهذا رغم تعقيدات المهمة من النواحي العسكرية والأمنية، حيث عكفت القوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي) وسلاح الجو على فتح الباب أمام الطواقم الصحفية بمرافقة طواقمها في عمليات الإنزال للتوثيق، ونقل وقائع وتحديات عمليات الإنزال من شمال القطاع إلى جنوبه، وعلى ارتفاعات متباينة.

إحصائياً، تفيد أرقام العمليات البرية والجوية في إيصال المساعدات إلى أهالي قطاع غزة عبر سلاح الجو الملكي، بأن 44 إنزالاً جوياً أردنياً بالمساعدات نُفّذ حتى يوم الخميس الماضي على قطاع غزة، ونُفذ 59 إنزالاً جوياً بالتعاون مع دول صديقة وشقيقة، وفق بيان صدر عن القوات المسلحة الأردنية. في حين أن 472 شاحنة دخلت إلى غزة آتية من الأردن عبر جسر كرم أبو سالم البري محملة بمواد إغاثية يبلغ وزنها (4812 طناً)، بدعم من الأردن ومؤسسات إغاثة دولية ودول صديقة وشقيقة.

مقال غاضب لمستشار الملك السابق

وأمام هذه الجهود، وتكرار «حملات التشكيك والافتراء» هذه كما تصفه مراكز القرار الرسمي، كتب فهد الخيطان، الخارج لتوه من موقعه مديراً لإعلام القصر ومستشاراً لمطبخ القرار، مقالاً رد فيه بغضب على حملات «التشكيك والتشويه». إذ كتب: «القول إن في هذا الأسلوب من إيصال المساعدات تواطؤاً مع الحصار الإسرائيلي على القطاع فهو ضرب من الجنون... إن الطائرات التي تلقي المساعدات من السماء تفضح جرائم الاحتلال أمام العالم وتظهر وجهه الوحشي وهو يحاصر شعباً بأكمله، وتشكل وسيلة للضغط عليه وعلى داعميه للتوقف عن حرب الإبادة التي يرتكبها».

وكشف الخيطان في مقالته، التي نشرها في يومية «الغد» عن كواليس قرار الأردن في تنفيذ الإنزالات الجوية، موضحاً أن الأردن «لجأ للضغط عبر كل القنوات الدبلوماسية والإعلامية لفتح طريق بري للشاحنات من أراضيه عبر المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل مع قطاع غزة، وتمكن فعلاً من إدخال عدد من الشاحنات». وأردف: «إن حكومة الاحتلال عادت وأغلقت هذه النافذة إمعاناً منها في حصار أهلنا في غزة وتجويعهم لدفعهم إلى هجرة القطاع، ورداً لئيماً على موقف الأردن المتصاعد ضد العدوان الوحشي».

وذكر الخيطان أن الملك عبد الله الثاني اتخذ «قراره بالبدء بإنزال شحنات الدعم الطبي للمستشفى الميداني الأردني في شمال غزة، حيث كانت المعارك على أشدها هناك». وشدّد بحكم موقعه السابق الذي غادره نهاية العام الماضي على «أن الملك اتخذ قراره كما قلت ولم يطلب إذناً من أحد وطلب من المسؤولين المعنيين إبلاغ الجانبين الإسرائيلي والأميركي بذلك، وكان له ما أراد».

ثم أضاف أن إنزال شحنات الدواء للمستشفى الأردني بنجاح «هي التي دفعت بالملك للعمل على توسيع التجربة لتشمل إنزال المساعدات الغذائية والطبية جواً لأهلنا في غزة. لم يكن هذا النهج بديلاً عن نقل المساعدات برا للقطاع، وهي بالتأكيد الطريقة الأنجع، لكن حين سُدت الطرق في وجهنا كان لا بد أن نتمسك بهذا الخيار الوحيد والمتاح».

أقلام صحافية بمواجهةشيطنة التواصل الاجتماعي

وفي إطار محاولات الرد على جانب من الحملات الإلكترونية المموّلة من الخارج، والتي تلقى رواجاً في الداخل، سارعت أقلام صحافية للدفاع عن الموقف الرسمي ولمناقشة الأزمة من حيث الأسباب والنتائج. وكان من أبرز ما كُتب كمدخل لمناقشة النتائج ما كتبه الصحافي مالك العثامنة في يومية «الغد»، عن الإنزالات «لم يكن الأردن يبحث عن بطولات استعراضية، ولا كانت تلك الإنزالات موجهة للاستهلاك المحلي، لكنها كانت رسائل مثقلة بالرمزية تبحث عن (مرسل إليهم) وصناديق بريد غربية مقفلة بسبب تراكم (المواقف المسبقة) والتضليل الإسرائيلي». وتابع: «وسائل التواصل صارت قطيعاً من أحصنة طروادة الخشبية بيننا، وفي جوفها ما يريب ويجعلنا نتلمس ونتحسس».

ومن حيث الأسباب، طرح الصحافي ماهر أبو طير، أسئلة قد تذهب لمعالجة الأسباب بالعمق من خلال إجابات صريحة، فهل المشكلة في الأساس «مشكلة الإعلام المحلي وإخفاقاته، وعدم وجود مشروع إعلامي عربي للأردن؟ أم أنها مشكلة المطبخ الإعلامي في الدولة، والتباينات فيه؟ أم أنه مشكلة الشخصنة وغياب المبادرة؟ أم أنها مشكلة الاعتياد، وعدم فهم كُلف الإساءات التي تنهمر علينا، حيث نكتفي كل مرة بالحديث عن المؤامرة، وأولئك الذين يستهدفون الأردن، دون أن نقدم حلاً لوقفهم أيضاً؟ أم أنها مشكلة عمّان السياسية التي لا تريد أن تقف عند كلفة هذه الحملات، ولا تريد تبني أي مشروع؟».

طائرة شحن أردنية تشكل جزءاً من الجسر الجوي (الشرق الأوسط)

«مأكول مذموم» تتسبب في دعوات للتوجه للداخل

> في سياق الرد على حملات «التشكيك والتشويش» بمواقف الأردن الرسمية في مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي خلّف أكثر من (30) ألف شهيد، ومئات آلاف الجرحى وملايين النازحين، خرجت أصوات نخبوية تطالب بالاهتمام بالداخل الأردني، وإعادة ترميم الشرخ الذي أحدثته العواصف الإلكترونية على منصات التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض. والتي وضعت الأردن على خريطة منصات التواصل الاجتماعي في «حرب افتراضية»، لكن ثمة مخاوف من انتقالها واقعياً.النخب السياسية تحدثت عن مفهوم الموقف الرسمي «المأكول والمذموم»، وتساءلت عن استهلاك جميع الأوراق السياسية خلال الحرب على غزة، ولم تُجب عن سؤال: ماذا تبقى لدينا من أدوات في حال تدهورت الأوضاع في الضفة الغربية والقدس؟!وهنا تسرّبت أحاديث عن صالونات سياسية محلية، تقول إن البرنامج الوطني خلال العام الحالي سيشهد انتخابات نيابية، ستجرى وفق أحكام قانون جديد خصص نحو ثلث مقاعد مجلس النواب للأحزاب. وأن هناك أحزاباً تشكلت تحتاج لاختبار مع قواعدها الانتخابية، ومدى جدوى تنفيذ مخرجات لجنة التحديث السياسي بعد تبني الدولة للتعديلات الدستورية الموصى بها وقانوني الانتخاب والأحزاب.وبحسب ما رصدته «الشرق الأوسط» من تلك الحوارات البعيدة عن الإعلام، شهدت تلك الحوارات انقسامات في الرأي وتباينات في التقدير؛ بين ضرورة إجراء الانتخابات بوصفها استحقاقاً دستورياً، وضرورة تأجيلها خوفاً من استحواذ لون سياسي واحد (جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي) على حصص مضاعفة من المقاعد نتيجة استثمارهم حرب غزة على أنها «حملة انتخابية».وأمام الجدل النخبوي، فإن مركز القرار يبدو متأنياً بالإجابة عن المسار الدستوري المتوقع للعام الحالي. ورغم ترجيح إجراء الانتخابات، غير أن تأثيث الخريطة السياسية بقوى حزبية مناظرة للتيار السياسي السائد في البلاد، يحتاج إلى تقييم، كما يحتاج لمساعدة في تجاوز إرث ضعف الثقة بالعمل الحزبي في البلاد. والمخاوف من أن تكون الولادة غير الطبيعية لبعض الأحزاب ستضعف الفكرة برمتها.


مقالات ذات صلة

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.