أمادو با... «مفتش الضرائب» الخارج من تحت عباءة ماكي سال

مرشح الائتلاف الحاكم لرئاسة السنغال

امادو با
امادو با
TT

أمادو با... «مفتش الضرائب» الخارج من تحت عباءة ماكي سال

امادو با
امادو با

يؤمن أمادو با، رجل المال و«مفتش الضرائب» السابق الخارج من تحت «عباءة ماكي سال» أن الهدف الوحيد لبرنامجه هو تحقيق «الرخاء للجميع». وهو يقول ويكرر في جولاته الانتخابية، إنه «يعتزم تسريع التحول الهيكلي للاقتصاد، وتعزيز النمو لبناء اقتصاد تنافسي وشامل ومرن يخلق فرص عمل لائقة»، واعداً بـ«خلق أكثر من مليون فرصة عمل بحلول عام 2028».

لقد جاء ترشيح با، للمنافسة على مقعد الحكم في 9 سبتمبر (أيلول) من العالم الماضي، بعد مرور سنة على تعيينه رئيسا للوزراء. وخلال ساعات من إعلان سال ترشيحه، كتب با رسالة نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، تقول «أتقبل بمسؤولية وتواضع الاختيار الذي اتُّخذ». والواقع أن با، السياسي والخبير الاقتصادي الاشتراكي، المرشح الأوفر حظا في الانتخابات المقبلة رغم قصر حملته الانتخابية التي تسارعت خطاها عقب إعفائه من منصبه كرئيس للوزراء في 6 مارس (آذار) الماضي. وهو يسعى من واقع خبرته العملية إلى تنفيذ رؤيته الطويلة المدى للسنغال.

خبرة مالية واسعةولد أمادو با يوم 17 مايو (أيار) 1961 في العاصمة السنغالية داكار، وحصل على البكالوريا الفنية عام 1980، ثم درس الاقتصاد في جامعة «الشيخ أنتا ديوب» في داكار، وبعدها حصل على درجة الماجستير في العلوم الاقتصادية.

وفي سن الـ27، تخرّج في المدرسة الوطنية للإدارة (ENAM)، وهو حاصل أيضاً على الدبلوم العالي في المحاسبة، وسبق له تدريس المحاسبة لعدة سنوات في «المدرسة الوطنية للإدارة» منذ عام 1992، وكذلك عمل في التدريس والتدريب أيضا خلال الفترة ما بين عامي 1995 و2000، في مركز غرب أفريقيا للتدريب والدراسات المصرفية، التابع للبنك المركزي لدول غرب أفريقيا.

با رجل عملي ميداني معروف في عالم الاقتصاد، بدأ مسيرته المهنية من مدينة ديوربل عام 1989 بوظيفة مفتش ضرائب متدرب. وبعدها عيّن في وظيفة كبير مفتشي القطاع الأول لضريبة القيمة المضافة في المديرية العامة للضرائب بالعاصمة.

ثم تولى بعد ذلك مهام مفوض مراقب التأمين في إدارة التأمين بين عامي 1992 و1994، فمفتش مدقق في قسم التدقيق الضريبي والتحقيقات حتى عام 2002. ولقد ساعد با في إصلاح النظام الضريبي السنغالي، ما أدى إلى زيادة إيرادات الدولة وتمويل مشاريع التنمية المختلفة.

لاحقاً، استمرت المسيرة صعوداً، فرقي با إلى منصب المدير العام للضرائب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2006، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى 2 سبتمبر (أيلول) 2013، حيث عين وزيراً للاقتصاد والمالية في السنغال.

وواقع الأمر، أن فترة عمل با وزيراً للاقتصاد، التي امتدّت 6 سنوات حتى عام 2019، تميزت بالإدارة الصارمة للمالية العامة، الأمر الذي أدى إلى خفض الدين الوطني، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي للبلاد.

خلال تلك الفترة ذهب با إلى فرنسا مرتين عامي 2014 و2018، ووقف أمام «نادي باريس» مدافعا عن خطط الحكومة السنغالية وبرنامجها الاقتصادي، وكذلك برنامج الحوكمة للنظام الحالي، وهو «إطار مرجعي جديد يهدف إلى قيادة السنغال نحو النمو بحلول عام 2035»، واستطاع أن يحصل على عدَّة وعود بالتمويل والاستثمارات. وهنا، يقال إن شعبية با المتزايدة في تلك الفترة كانت سببا في تركه وزارة الاقتصاد، ليتولّى حقيبة الخارجية من 2019 إلى نهاية 2020. ورغم قصر فترة عمله على رأس وزارة الخارجية، فإن البعض يرى أنه «بنى علاقات متينة مع عدة دول وعزّز مكانة السنغال على الساحة الدولية».

رئاسة الحكومة

تولى أمادو با رئاسة الحكومة السنغالية في سبتمبر (أيلول) 2022، بعدما أعاد الرئيس ماكي سال هذا المنصب خلال ديسمبر (كانون الأول) 2021. ويذكر أن المنصب كان قد ألغي في أبريل (نيسان) 2019، عقب انتخابات تشريعية متوترة، خسر فيها حزب سال الحاكم غالبيته الكبيرة في البرلمان. وعلى الأثر، عزز با موقعه وحضوره في المناصب الحكومية، وأصبح شخصية سياسية بارزة، يراه من يعملون تحت إدارته «مديراً متمكناً وخبيراً في السياسات الاقتصادية». وحقاً، يبدو الرجل هادئ الطباع، يخفي جسده الضخم في بدلات أنيقة، وتعطيه النظارات مظهر الأكاديمي أو رجل الدولة التكنوقراط، بحسب مراقبين.

مناصروه ومحبوه يتفقون على اعتباره «سياسياً بارعاً»، صقل مهاراته كزعيم اشتراكي في ظل نظام الرئيس الأسبق عبده ضيوف خلال الفترة ما بين عامي 1980 و2000، وكانت له مسيرة مهنية في أعلى المستويات الحكومية. إلا أن البعض يتساءل عما إذا كان سيتمكن من التخلص من بدلته التكنوقراطية. وفي تقرير نشرته صحيفة «لوبزيرفاتور»، أخيرا، قالت إن «با ليس جيد التواصل، لأنه تكنوقراطي أكثر من اللازم». وأضافت أنه رغم «مهارته الاقتصادية يفتقر إلى الخبرة كقائد سياسي للحزب، ما قد يشكل قصوراً في حملته الانتخابية».

دعم ماكي ساللكن با، في المقابل يحظى بدعم كبير من الرئيس سال، الذي وعد ببذل قصارى جهده لدعم الغالبية وتحقيق النجاح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. إذ قال سال، في بيان إعلان ترشيح با إن «معايير الاختيار استهدفت مهارات مهنية ومهنة متنوعة... قرارنا كان مدفوعاً بصفات التواضع والاستماع للقيادة. وبهذه الروح اخترنا أمادو با».

الأمر نفسه أكده، وفي اليوم ذاته، رئيس الوزراء السنغالي السابق مصطفى نياسي بقوله، «بعد مشاورات واسعة النطاق، وهي مهمة كانت معقدة وصعبة... بما في ذلك النظر في إجراء انتخابات تمهيدية رفضها المرشحون المهتمون والقادة في الائتلاف، اعتمدنا اختياراً توافقياً وجماعياً».

وبالنسبة لبا نفسه، رغم إدراكه أنه لم يكن مرشحاً بالإجماع عن الائتلاف الحاكم، فإنه يبدو أنه واثق من قدرته على حسم المعركة الانتخابية في الجولة الأولى من الاقتراع. ولذا بدأ على الفور في حشد المؤيدين، وقال في أحد خطاباته «أناشد رفاق الدرب الشعبي الثوري والائتلاف الحاكم والمؤيدين وجميع السنغاليين الذين يؤمنون بقيم الجمهورية، أن يتّحدوا من أجل مواصلة وتسريع مسيرة بلادنا نحو التقدم». وضمن هذا السياق، يرى مراقبون أن كون با تكنوقراطياً يؤمن له شبكة كبيرة من العلاقات قد تكون مفيدة لائتلاف «بينو بوك ياكار» الحاكم. ومن الممكن أن تؤدي قدرته على حشد الدعم السياسي والاقتصادي إلى تعزيز تماسك التحالف وتوسيع قاعدته الانتخابية.

تحت عباءة سال

في المقابل، أثار إعلان ترشيح با ضجة عند الغالبية، إذ عارض البعض تأييده على أساس أنه إضافة إلى الحزب في اللحظة الأخيرة، بحسب تقرير نشره موقع «أفريكا ريبورت»، خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. لكن با نفسه لا يبدو قلقاً... بل يقول «هناك الكثير من القضايا المُلحّة التي تحتّم علينا تجنيب بلادنا الدخول في حملات سياسية تستغرق وقتاً طويلاً».

أيضاً، من خلفيات انتقاد البعض لترشيحه، كون با «يشكّل استمراراً للسياسة الاقتصادية التي ينتهجها سال». حتى إن الرئيس السنغالي قال، في بيان إعلان الترشيح إن «با سيكون شخصية موحدة داخل حزبه والائتلاف، وسيضمن استمرارية السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية».

كذلك، بينما ترى قوى المعارضة أن «كل ما سيفعله با هو إدامة سياسة سال في التعامل مع الموارد العامة للدولة... التي لم تكن موفقة»، وفق «أفريكا ريبورت»، فإن ثمة من يعد عمله مع سال لسنوات طويلة «منبعاً للثقة». وفي حفل أقامه با في ديسمبر الماضي، وضم مجموعة من أنصاره، قالت إحدى الحاضرات، التي سافرت لحضور الحدث من مباو في ضواحي داكار، لإذاعة فرنسا الدولية «كان أمادو با مع رئيس الجمهورية لفترة طويلة جداً... وبالتالي، لدي ثقة به». والمعنى ذاته كرره آخر بقوله «إنه رجل يعرف كيف يمارس السياسة. إنه مثقف. وهو يعرف ما يفعله. ولهذا السبب نحن هنا من أجله».

وعود وتحديات

من جانب آخر، بينما يحفل تاريخ با المهني بإنجازات طيبة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، فإن خصومه السياسيين يوجّهون له تهم التربح من وظيفته، الأمر الذي يحتم عليه مواجهة هذه الصورة النمطية السلبية التي رسمها له معارضوه حول «الموظف المدني الملياردير». وما يذكر في هذا الصدد، أن با لم يصمت إزاء تهم خصومه وانتقاداتهم، بل رد عليها مشدداً على أنه أنجز مهمته كرئيس للوزراء، وكان دائما في خدمة الرئيس، متابعاً «الشيء المهم هو أن تكون فعالاً، وليس أن تظهر للجميع ما تفعله أو لا تفعله».

أيضاً، يظهر بوضوح أن في رأس ما يهمه أن يكون «المرشح الموحِّد من أجل سنغال مستقرة ومزدهرة وآمنة». وهو يروي أنه منذ دخل سلك الخدمة العامة كان «خادماً للدولة» في مجالات الضرائب والمالية العامة والشؤون الحكومية والاقتصاد والدبلوماسية». ثم يضيف «لقد فهمت ضرورة إعطاء الأولوية لتوقع المشاكل، واحترام كرامة الإنسان، وحرمة العمل المنجز، والحفاظ على الموارد العامة، والتوزيع العادل للثروة، وتنمية الإنسان دون تمييز».

انتخابات في ظل التوترات السياسية

في أي حال، يأتي ترشيح أمادو با للانتخابات الرئاسية في ظل توترات سياسية داخلية. فمنذ عام 2021 اهتزت السنغال تحت ضغط الاضطرابات السياسية والقضائية التي أدت إلى استقطاب المجتمع. وأدت المظاهرات وقضايا الفساد إلى اشتباكات بين متظاهرين والسلطة، ما يضع على با عبء تخفيف هذه التوترات، وتعزيز الحوار السياسي، كعنصر حاسم في حملته الانتخابية.

كذلك خارج حدود السنغال، تنتشر التهديدات الإرهابية في عدد من البلدان المجاورة، والسنغال ليست بعيدة عن هذه المخاوف. ولهذا السبب غدت مسألة الأمن القومي قضية مركزية في الانتخابات الرئاسية، وهو ما يحتم على با العمل على ضمان استقرار وأمن البلاد. وحالياً، يعتزم المرشح الرئاسي، بالفعل، التركيز على «الثروة البشرية» لتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود في مواجهة مخاطر الكوارث.

وهو يعد، في برنامجه الانتخابي، حال فوزه بالرئاسة، بالعمل على «تحقيق الاستقرار والأمن معتمداً ممارسات الحكم الرشيد»، التي يقول إنها «تساهم في فعالية وكفاءة السياسات العامة».

أكثر من هذا، رغم تمسك با حتى الآن بشعار «مرشح الاستمرارية»، فإنه يؤكد على «ضرورة إحداث تغيير حقيقي والانفصال عن الماضي، مع الحفاظ على مكتسبات الوطن والحفاظ على قيمه وتراثه». ولذان في بيانه الانتخابي، وعد بأن 63.5 في المائة من سياسة الإصلاح ستركز على تطوير البنية الأساسية وخدمات الطاقة، والزراعة، والصناعة، والبنية الأساسية والخدمات الخاصة بالنقل البري.

ووفقا له، فإن تكلفة مشاريع وبرامج الإصلاح التي يعتزم تنفيذها حتى عام 2028 تقدر بـ27.182 مليار فرنك أفريقي، منها 14.511 مليار للقطاع العام (الدولار بـ599 فرنك أفريقي). رغم أنه لم يكن مرشحاً بالإجماع عن الائتلاف الحاكم

يبدو أمادو با واثقاً من قدرته على حسم المعركة الانتخابية

في الجولة الأولى من الاقتراع


مقالات ذات صلة

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

حصاد الأسبوع كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

هل نجح انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من سباق الرئاسة في تجنيب الديمقراطيين هزيمة... كانت تتجمع نُذُرها حتى من قبل «مناظرته الكارثية» مع منافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب بكثير؟ الإجابة عن هذا السؤال، لا يختصرها الإجماع السريع الذي توافقت عليه تيارات الحزب لدعم كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالية. ذلك أن الصعوبات التي يواجهها الديمقراطيون، والأزمات التي لم يتمكنوا بعد من ابتكار الحلول لها، أكبر من أن يحتويها استعاضتهم عن مرشح مسنّ ضعيف وغير ملهم، بمرشحة شابة ملوّنة. ولكن مع ذلك، يبدو أن الديمقراطيين مقتنعون الآن بأنه باتت لديهم الفرصة لإعادة تصوير السباق على أنه تكرار لهزيمة مرشح «مهووس بالغرور والانتقام»، في حين يعيد خصومهم الجمهوريون تشكيل سياسات حزبهم، وفق أجندة قد تغير وجهه ووجهة أميركا، التي عدّها البعض، «دعوة للعودة إلى الوراء».

حصاد الأسبوع ديفيد لامي

ديفيد لامي... وجه الدبلوماسية البريطانية الجديد يواجه قضايا عالمية شائكة

انتهت 14 سنة من حكم حزب المحافظين باتجاه بريطانيا يساراً مع تحقيق حزب العمال تحت زعامة السير كير ستارمر فوزاً ساحقاً منحه غالبية ضخمة بلغت 172 مقعداً. وفي حين توقف المحللون طويلاً عند حقيقة أن هذا الفوز الساحق لم يأت نتيجة زيادة كبرى في نسبة التأييد عما حصل عليه العمال في الانتخابات السابقة قبل 4 سنوات، بل بسبب انهيار الأحزاب والقوى المنافسة للحزب في عموم المناطق البريطانية التي كان يسعى إلى كسبها. وحقاً أدى تحدّي حزب الإصلاح الانعزالي اليميني المناوئ للهجرة وللتكامل الأوروبي إلى قضمه نسبة عالية وقاتلة من أصوات المحافظين ما أدى إلى انهيارهم في معاقلهم التقليدية. كذلك انهار الحزب القومي الأسكوتلندي في أسكوتلندا، وكانت الحصيلة إعادة العمال هيمنتهم عليها. ومن جهة ثانية، بينما كانت القضايا الداخلية - والاقتصادية بالذات - في اهتمامات الناخبين، فإن أنظار المتابعين الدوليين اتجهت إلى معالم السياسة الخارجية للحكومة العمالية الجديدة، أما الوجه الجديد الذي سيقود الدبلوماسية البريطانية للسنوات القليلة المقبلة فهو وزير الخارجية الجديد ديفيد لامي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع جيريمي كوربن (رويترز)

سنوات المحافظين الـ14 الأخيرة غيّرت الكثير في بريطانيا

> شهدت السنوات الـ14 الأخيرة تغيّرات مهمة على مشهد الساحة السياسية البريطانية أثّرت في كيميائها داخلياً وبدلت الكثير من الأولويات والمقاربات لمعظم القضايا .

حصاد الأسبوع الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)

تونس... على أبواب انتخاباتها الرئاسية الجديدة

تعيش تونس هذه المدة أجواء ما قبل الانتخابات الرئاسية الثالثة منذ إطاحة حكم الرئيس زين العابدين بن علي في يناير (كانون الثاني) 2011. إذ أعلنت السلطات و«الهيئة العليا للانتخابات» عن انطلاق العملية الانتخابية رسمياً يوم 14 يوليو (تموز) الحالي. ومن المقرر الكشف عن القائمة النهائية للمرشحين المقبولين في آخر الأسبوع الأول من أغسطس (آب) المقبل، في حين تنطلق الحملات الانتخابية الرسمية خلال سبتمبر (أيلول) تأهباً ليوم الاقتراع العام وهو 6 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. بيد أن هذه الانتخابات تنظم في «مناخ استثنائي جداً» وفق معظم المراقبين، وسط استفحال مظاهر أزمة اقتصادية اجتماعية سياسية أثرت في خطب غالبية المرشحين والسياسيين وأولوياتهم. وبالتالي، تكثر التساؤلات حول مدى انعكاس الملفات الاقتصادية الاجتماعية «الحارقة» على العملية الانتخابية الجديدة وعلى المشهد السياسي... وهل سيستفيد من هذه الملفات ممثلو المعارضة والنقابات أم الرئيس قيس سعيّد، الذي أعلن رسمياً ترشحه لدورة ثانية، وعاد إلى اتهام «المتآمرين على الأمن القومي للبلاد» بتأزيم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وقطع الكهرباء والماء ومواد الاستهلاك عن المواطنين لأسباب سياسية وانتخابية أو «خدمة لأجندات أجنبية».

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)

روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

مطلع الشهر الماضي ذهب الأوروبيون إلى صناديق الاقتراع لتجديد عضوية البرلمان الأوروبي، فيما أجمعت الآراء على وصفها بأنها أهمّ انتخابات في تاريخ الاتحاد،

شوقي الريّس (بروكسل)

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
TT

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثمة انزياح الجمهوريين إلى سياسات انعزالية خارجياً وحمائية اقتصادية داخلياً، معطوفة على سياسات اجتماعية يمينية متشددة، قد يكون من الصعب إقناع بعض الشارع بخطورتها. وفي المقابل، ما لم يقدم الديمقراطيون حلولاً للمشاكل التي أبعدت ولا تزال تبعد، شريحة واسعة من أبناء الطبقة العاملة إلى التصويت مرتين لمصلحة دونالد ترمب، فإنهم سيفقدون السيطرة على حملتهم.

الأمر لا يقتصر على أفراد الطبقة العاملة البيضاء الذين غادروا الحزب الديمقراطي بأعداد كبيرة خلال العقود الأخيرة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن ترمب يُعد لاجتذاب الناخبين السود واللاتينيين من الطبقة العاملة بنسب تاريخية محتملة. ومع اعتناق ترمب ومرشحه لمنصب نائب الرئيس، جي دي فانس، لسنوات، سياسات «شعبوية» فإنهما سعيا أيضاً إلى استخدام حتى بعض الانتقادات «التقدمية» للسوق الحرة، ولو كانا سيخدمان الأثرياء في نهاية المطاف.

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

ولاغتنام هذه الفرصة، قد يفكر الديمقراطيون في قراءة كيف تمكّن حزبهم من التعافي من الأزمات الخطيرة في ماضيهم. ومعلوم أنه في حين كانت الانتخابات الماضية تدور حول السياسات، وليس التدهور الذهني للمرشحين والتشكيك بقدرتهم على الفوز، كما كان الحال مع بايدن في هذه الانتخابات، فإنهم لم ينجحوا إلا عندما قدّموا أجندة اقتصادية، تروّج لرأسمالية أكثر أخلاقية وأقل ضراوة وقسوة.

توحد حول «أجندة تقدمية»يقول مايكل كوزين، أستاذ التاريخ في جامعة جورجتاون، إنه منذ القرن التاسع عشر، لم ينجح الديمقراطيون في قلب هزائمهم، إلّا بعد توحيد صفوفهم خلف أجندة، قدمت مساراً مختلفاً لمعالجة الأزمات، من «الكساد الكبير» إلى التصدي للعنصرية، وكسر الخطاب الشعبوي - الذي هدف إلى كسب تأييد المزارعين وعمال المناجم - ومن ثم طرحوا حلولاً بشأن العمل والضمانات الاجتماعية والصحية والمال.

في العشرينات من القرن الماضي، دارت أزمة الديمقراطيين حول قضايا الثقافة والعِرق بدلاً من تحديد من فاز ومن خسر فيما كان آنذاك اقتصاداً مزدهراً. ولقد تطلب الأمر أسوأ كساد في تاريخ البلاد، لإعطاء الديمقراطيين الفرصة لوضع هذه الاختلافات وراء ظهورهم. وعام 1932، تحت قيادة فرانكلين روزفلت، فازوا بغالبية كبيرة في الكونغرس وأنشأوا أكبر توسع في السلطات المحلية للحكومة الفيدرالية في تاريخ الولايات المتحدة.

وبعدها، في عام 1968، بدا أن انسحاب ليندون جونسون من السباق أشبه بانسحاب جو بايدن هذا العام... إذ كان الرجلان يخطّطان للترشح لإعادة الانتخاب، لكن المعارضة الشرسة داخل حزبهما أثنتهما عن ذلك. واليوم، كما حصل سابقاً، أخذ نائب الرئيس مكانه على رأس القائمة. غير أن معارضة عودة جونسون كانت بسبب أكثر أهمية بكثير من القلق بشأن أداء الرئيس في مناظرة، أو على قدراته الجسدية والمعرفية التي قسا عليها الزمن. كان الخلاف يومذاك حول «حرب فيتنام» يقسم الديمقراطيين، والأميركيين عموماً، وهو ما أدى إلى خسارتهم أمام الجمهوريين وفوز المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون.

اصطفاف التيار التقدمياليوم، باستثناء الحرب في غزة، وانتقاد التيار التقدمي لإسرائيل، فإن الديمقراطيين متّحدون بشكل ملحوظ حول القضايا التي ركّز عليها بايدن في حملته الانتخابية. وبدا أن تمسك هذا التيار به والاصطفاف اليوم وراء نائبته كامالا هاريس، دليل على إجماع على أن «خطر» إدارة ترمب أخرى قد طغى على استيائه منهما. وفي غياب أي استثناءات تقريباً، يتفق ممثلوهم مع أعضاء الحزب في مجلسي الشيوخ والنواب، على تشجيع العمال على تشكيل النقابات ويريدون القيام باستثمارات جادة في مجال الطاقة المتجددة، ويؤيدون بالإجماع زيادة الضرائب على الأغنياء وتسليح أوكرانيا.

بيد أن تغير موقف «التيار التقدمي» بشأن هاريس - التي لطالما تعرضت للانتقادات منه - يعكس إلى حد كبير الديناميكيات السياسية المتغيرة داخل الحزب الديمقراطي نفسه. وحقاً، منذ التراجع المطّرد لدور اليساري المخضرم بيرني ساندرز وتحوّله إلى شيء من الماضي، وكون النجوم التقدميين مثل النائبة ألكساندريا أوكازيو كورتيز، ما زالوا أصغر من أن يتمكنوا من الترشح للرئاسة، لا يوجد بديل واضح عند هذا التيار. وأيضاً، مع تهميش أولويات «التقدميين» التشريعية السابقة كالتعليم الجامعي المجاني والرعاية الصحية الشاملة، واستمرار تعثر القضايا الحالية كالحرب في غزة من دون نهاية واضحة، تقلصت فرص «تيارهم» في لعب دور أكبر داخل الحزب.

ولكن إذا أعطى انسحاب بايدن الديمقراطيين فرصة لإحياء حظوظهم فيما بدا لفترة وكأنه سباق خاسر، فإنه قد لا يفعل ذلك الكثير لمعالجة الأزمة الأعمق التي واجهوها منذ أعاد ترمب تشكيل الحزب الجمهوري.

الديمقراطيون تجنّبوا الانقسامفإجماع الديمقراطيين على الدفع بكامالا هاريس خياراً لا بد منه، قد يكون جنبهم على الأقل خطر الانقسام. ورغم كونها خطيبة مفوهة، على خلفيتها بوصفها مدعية عامة وسيناتوراً سابقاً عن كاليفورنيا - كبرى الولايات الأميركية وأهمها - يظل العديد من الأميركيين ينظرون إليها على أنها «ليبرالية» و«تقدمية» تهتم بشدة بالحقوق الإنجابية والتنوع العرقي. وهم أيضاً يأخذون عليها أنها لم تظهر، حتى الآن على الأقل، قدرتها على التواصل بالقوة نفسها مع ناخبي الطبقة العاملة الذين يعتقدون أن لا الحزب الديمقراطي ولا الحكومة أظهرا الاهتمام نفسه بمشاكلهم الاقتصادية... وخوفهم من أن حياة أطفالهم قد تتعرض للخطر.

واستناداً إلى استطلاعات رأي تشير منذ عدة سنوات إلى أن أغلب الناس يعتقدون أن الولايات المتحدة «تسير على المسار الخطأ»، استخدم جي دي فانس، نائب ترمب، هذه المخاوف التي عرضها في كتابه «مرثية هيلبيلي» لتصعيد الخطاب الشعبوي، الذي عدّه البعض دعوة إلى إعادة عقارب الزمن عبر إحياء الصناعات المنقرضة، بدلاً من الاستثمار في المستقبل.

صعود المظالممع هذا، إذا اكتفت هاريس بالترويج والدفاع عن إنجازاتها وبايدن فقط، فقد تفشل في معالجة هذه المخاوف، وربما تسمح لترمب بالفوز مرة أخرى. الاعتراف باللامساواة بين الجنسين وقبول «الهويات» الجنسية، ونقد الاستعمار والعنصرية وكراهية الأجانب، وصعود حركة حماية البيئة، كلها مظالم وتحديات لشرائح واسعة تعتقد أنها تتعرّض للخطر وتدعو الساسة للعودة إلى الأنماط القديمة دفاعاً عنها. كما أن اضطرابات أخرى لعبت أيضاً دوراً في صعود هذه المظالم، من تغير المناخ والتحديات الاقتصادية التي فرضها، واستمرار التفاوت في الدخل، وموجات المهاجرين إلى أوروبا والولايات المتحدة، والانهيار الاقتصادي عام 2008، وجائحة «كوفيد-19» التي ألحقت أضراراً بالغة بالاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

ومع تصاعد الشكوى من الهجرة والمهاجرين والتغير الديموغرافي والعولمة في كل مكان، يهدّد خطاب «الشعبوية» الجديد الديمقراطيات الليبرالية القديمة. وبدا أن احتضان الناخبين الأميركيين لترمب، يشبه تحول الناخبين الفرنسيين نحو حزب «التجمّع الوطني» اليميني المناهض للمهاجرين بزعامة مارين لوبان، الذي يدّعي أنه يمثل «فرنسا الحقيقية»، ومعه صعود العديد من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وفق الكاتب الأميركي إدواردو بوتر.

فشل ديمقراطي

مع ذلك، فشل الديمقراطيون منذ عهد باراك أوباما في تقديم برنامج سياسي متماسك حول الوجهة التي يريدون أخذ أميركا إليها، والتكلم عن أولئك الذين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم، وهذا، بصرف النظر عن دفاعهم عن مصالح الطبقة الوسطى والتسامح مع الاختلافات الثقافية والتحرك نحو اقتصاد أكثر خضرة.

ومع أن ترشيح كامالا هاريس قد يعطيهم الفرصة للبدء في تغيير تلك الصورة، يظل الخطر كامناً في أنهم قد يعتقدون أن الأزمة الأخيرة التي مروا بها، أمكن حلها بتغيير المرشحين من دون معالجة حالة السخط التي تعصف بالبلاد. وهذا ما بدا من خطابهم الذي عاد للتشديد على أن المهمة الرئيسية هي منع عودة ترمب. فقد التحمت الأصوات الديمقراطية في خطاب شبه موحّد لتصوير الانتخابات على «أنها بين مجرم مُدان لا يهتم إلا بنفسه ويحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بما يخص حقوقنا وبلدنا، ومدعية عامة سابقة ذكية ونائبة رئيس ناجحة تجسد إيمانناً بأن أفضل أيام أميركا لا تزال أمامنا»، على ما كتبته الثلاثاء، هيلاري كلينتون في مقالة رأي في «نيويورك تايمز».

ربما لا حاجة إلى التذكير بأن خسارة كلينتون نفسها للسباق الرئاسي أمام ترمب عام 2016، كان بسبب إحجام ناخبي ولايات ما يعرف بـ«حزام الصدأ» - حيث قاعدة العمال البيض - عن تأييدها، بعدما خسر مرشحهم بيرني ساندرز الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، الذي كان ينظر إليه على أنه مرشح واعد للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، ومنحهم أصواتهم لترمب الذي نجح في مخاطبة هواجسهم.

فرصة هاريس

اليوم، في ضوء انتزاع هاريس - إلى حد بعيد - بطاقة الترشيح قبل انعقاد مؤتمر الحزب في 19 أغسطس (آب) المقبل، ما يوفر عليها خوض انتخابات تمهيدية جديدة والفوز فيها، فإنها تحظى بفرصة لإعادة تقديم نفسها. وخلال الأيام الأخيرة، تعززت حملتها بفضل زيادة الحماسة والدعم وجمع التبرعات الذي حقق أرقاماً قياسية خلال 48 ساعة، وكل ذلك كان مفقوداً في حملة بايدن وسط مخاوف بشأن عمره وصحته.

لكن الحزب ما زال منقسماً حيال الرد على هجمات الجمهوريين، إذ يشعر البعض بالقلق من أن الغرق في مناقشات حول العنصرية والتمييز الجنسي، يمكن أن يستهلك حملة هاريس لدى انشغالها بمخاطبة جمهور الناخبين الأوسع. ولذا تصاعدت الأصوات الديمقراطية الداعية إلى جسر الهوة إزاء الهجرة والجريمة والتضخم، التي يركز الجمهوريون عليها، بينما يتساءل آخرون، عمّا إذا كان الكلام الصارم عن الإجهاض والضرائب والعنصرية، وغير ذلك من بنود جدول الأعمال التي يسعى الديمقراطيون بشدة إلى إعادتها إلى قمة الأولويات العامة، هو الطريقة الأفضل لخوض السباق ضد ترمب. الديمقراطيون متّحدون اليوم حول القضايا التي ركّز عليها بايدن

 

لطّف الجمهوريون خطابهم المتشدد... بينما يبحث الديمقراطيون عن نائب لهاريس

> لا يخفى، لدى تفحّص المشهد الانتخابي الأميركي، أن الجمهوريين سعوا للاستفادة من مكاسب استطلاعات الرأي مع الأميركيين الذين كانوا مترددين في السابق تجاه دونالد ترمب، وخاصة الناخبين غير البيض. إذ أعادوا تنظيم مؤتمرهم الوطني للتأكيد على «الوحدة»، بعد محاولة الاغتيال التي تعرّض لها ترمب، وتقديمه كرجل دولة وليس محارباً للثقافة والعرق. وتضمن المؤتمر كلمات دحضت الاتهامات بالعنصرية ضد ترمب، إلى جانب عدد من المتكلمين الذين أكدوا على خلفياتهم المهاجرة وعلى أن الجمهوريين مهتمون فقط بأمن الحدود. وبينما يقلّب الديمقراطيون الأسماء لاختيار نائب الرئيس على بطاقة الاقتراع مع كمالا هاريس، برز عدد من الأسماء على رأسهم جوش شابيرو حاكم ولاية بنسلفانيا المتأرجحة. وحظي شابيرو، وهو يهودي أبيض،

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

بالاهتمام كونه حقق فوزاً كبيراً في انتخابات عام 2022، متغلباً على سيناتور يميني متشدد أنكر فوز بايدن في انتخابات عام 2020، ويلقى دعماً كبيراً من الرئيس السابق باراك أوباما. أيضاً، برز السيناتور مارك كيلي (من ولاية أريزونا المتأرجحة أيضاً) الذي عُدّ منافساً محتملاً في مواجهة نائب ترمب، السيناتور جي دي فانس (من ولاية أوهايو). ويقف الرجلان على النقيض في العديد من قضايا السياسة الخارجية، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة مساعدة أوكرانيا. وبدا كيلي مرشحاً مثالياً ضد فانس؛ للموازنة بين الحفاظ على الولايات المتأرجحة، والحفاظ على سياستهم الخارجية. واتهمه بأنه «سيتخلى» عن أوكرانيا لصالح روسيا. وأردف كيلي قائلاً، إنه «أمام ما قد يفعله ترمب وفانس للتخلي عن حليف، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى عالم أكثر خطورة بكثير». ورغم رفضه تأكيد أن يكون من بين المرشحين، قائلاً إن الأمر يتعلق بهاريس، «المدعية العامة التي تتمتع بكل هذه الخبرة، وترمب الرجل المدان بـ34 جناية ولديه خيار بشأن المستقبل، قد يعيدنا إلى الماضي حين كنا أقل أماناً».