واشنطن تصعّد ضد طهران بعد «يأسها» من إمكانية إقناعها بتغيير سلوكها

حراك يقطع الطريق على إيران ويلزم إسرائيل الاعتراف بـ«دولة فلسطينية»

القصف الأميركي الأخير على بغداد الذي استهدف قياديين من الميليشيات المدعومة من طهران (آ ب)
القصف الأميركي الأخير على بغداد الذي استهدف قياديين من الميليشيات المدعومة من طهران (آ ب)
TT

واشنطن تصعّد ضد طهران بعد «يأسها» من إمكانية إقناعها بتغيير سلوكها

القصف الأميركي الأخير على بغداد الذي استهدف قياديين من الميليشيات المدعومة من طهران (آ ب)
القصف الأميركي الأخير على بغداد الذي استهدف قياديين من الميليشيات المدعومة من طهران (آ ب)

مع تزايد الكلام عن اتجاه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للاعتراف بـ«دولة فلسطينية»، بدا أن حراكاً دبلوماسياً تساهم فيه دول عدة، على رأسها بريطانيا، في طريقه للتحول إلى دينامية مختلفة تسهم بتغيير أولويات «اتفاق أوسلو»، الذي كان يحيل هذا الاعتراف إلى نهاية العملية التفاوضية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومع استمرار المفاوضات لإطلاق الرهائن بين إسرائيل و«حماس» والتوصل إلى هدنة مديدة، تزايد الأمل بقرب الإعلان عن وقف إطلاق النار، بما ينهي الحرب في غزة. وفي الوقت عينه، عدّت الضربات غير المسبوقة بشدتها، التي وجهتها الولايات المتحدة إلى ميليشيات طهران، تغيراً مهماً في سياسات واشنطن تجاه القيادة الإيرانية، ما قد يؤشر إلى أن السماح لها بمواصلة التنصل من مسؤوليتها عن «التخريب» الذي تمارسه عبر ميليشياتها في المنطقة، في طريقه ليصبح أكثر كلفة وصعوبة عليها. فهل اقترب الإعلان عن وقف لإطلاق النار في غزة، بما يمهد لخطوة الاعتراف بـ«دولة فلسطينية»، على الرغم من كل الأسئلة حول تفاصيلها، من الحدود مروراً بالشكل، وصولاً إلى السلطة التي ستحكمها، ومَن سيعيد بناء قطاع غزة الذي بات «منطقة غير قابلة للحياة»، وفق الأمم المتحدة؟

أمن البحر الأحمر ... وكيفية التعامل مع الحوثيين (آف ب)

نشرت صحيفة الـ«نيويورك تايمز» الأميركية مقالة للصحافي توماس فريدمان عن «استراتيجية جديدة» من 3 مسارات، سماها كاتبها «عقيدة بايدن»، لمعالجة الحرب المتعددة الجبهات التي تشمل غزة وإيران وإسرائيل والمنطقة.

على المسار الأول، سيكون اتخاذ موقف قوي وحازم تجاه إيران، بما في ذلك الانتقام العسكري القوي من وكلائها وعملائها في المنطقة، رداً على الهجمات التي تُشَن على القوات الأميركية.

وعلى المسار الثاني ستكون هناك مبادرة دبلوماسية أميركية غير مسبوقة للترويج لـ«دولة فلسطينية الآن» تكون منزوعة السلاح، إذ يتشاور مسؤولو إدارة بايدن مع خبراء داخل الحكومة الأميركية وخارجها، حول الأشكال المختلفة التي قد يتخذها هذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وعلى المسار الثالث، بناء تحالف أمني أميركي إقليمي موسّع إلى حد كبير، إذا تبنّت الحكومة الإسرائيلية عملية دبلوماسية تؤدي إلى دولة فلسطينية بقيادة سلطة فلسطينية متغيرة. ويرى فريدمان أنه إذا تمكّنت الإدارة من جمع تطبيق هذه المسارات الثلاثة معاً، وهو أمر ضخم، فإن «عقيدة بايدن» يمكن أن تصبح أكبر إعادة تنظيم استراتيجي في المنطقة منذ «معاهدة كامب ديفيد» عام 1979.

من جهة ثانية، حسب تقرير لموقع «أكسيوس»، طلب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من مساعديه «طرح خيارات بشأن إمكانية اعتراف أميركي ودولي بدولة فلسطينية منزوعة السلاح»، ما يفتح الباب أمام إعادة المضي في التطبيع بين إسرائيل والدول العربية. وهذا ما أوضحه، الثلاثاء الماضي، جون كيربي، الناطق باسم مجلس الأمن القومي، عندما ادعى أن إدارة بايدن «تلقت رداً إيجابياً يفيد باستعداد السعودية وإسرائيل لمواصلة المناقشات الخاصة بتطبيع العلاقات بينهما». وعدّ ذلك استجابة لاستعداد واشنطن للاعتراف بدولة فلسطينية، قد يكون بحثه الوزير بلينكن خلال جولته الخامسة إلى المنطقة.

ويشير الموقع، إلى «وجود ثلاثة خيارات ممكنة أمام واشنطن؛ هي: الاعتراف بدولة فلسطين بشكل ثنائي، أو الإحجام عن عرقلة تصويت مجلس الأمن على قبول فلسطين عضواً دائماً في الأمم المتحدة، أو تشجيع دول أخرى على الاعتراف بفلسطين».

التطبيع مقابل «الدولة الفلسطينية»

غير أن المملكة العربية السعودية شدّدت الأربعاء الماضي، على أن أي تطبيع مع إسرائيل مشروط بالاعتراف بدولة فلسطين، سواءً من قبل واشنطن أو تل أبيب. وأبلغت الرياض موقفها للإدارة الأميركية، وجوهره أنه لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتحقق الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وليس الاعتراف بدولة «حكم ذاتي». وهو ما عُدّ رداً أيضاً على رفض إيران القبول بـ«حل الدولتين»، ما يضعها في حالة مساواة مع رفض إسرائيل الاعتراف بهذا الحل، رغم اختلاف أهدافهما.

ريتشارد غولدبيرغ، كبير الباحثين في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات» في واشنطن، المحسوبة على الجمهوريين والقريبة من إسرائيل، يرى أن التطبيع السعودي الإسرائيلي «لا يزال يحمل القدرة على إحداث تغيير جذري في الأساسيات في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي». وأردف خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» قائلاً: «لقد علمتنا اتفاقيات إبراهيم أن السلام العربي الإسرائيلي أمرٌ لا مفر منه. أما بالنسبة للفلسطينيين، فإن السلطة الفلسطينية تجاوزت حد الانهيار. وستكون ثمة حاجة إلى حملة ضغط هادئة، ولكن قوية، من جانب الدول العربية لفرض إصلاحات كبيرة في رام الله، (في إشارة إلى السلطة الفلسطينية) كي يتبلور طريق قابل للتطبيق لتحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني»!

غير أن التحليلات أعلاه، عن «إعادة التفكير» الجارية في واشنطن، تشير من جهة إلى تغير في تعاملها مع تهديدات طهران ومساعيها لإخراج القوات الأميركية من المنطقة... والتصدي لترهيب الحلفاء عبر وكلائها، ومن جهة أخرى إلى الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو للقبول بحل الدولتين وبناء سلطة فلسطينية برعاية عربية وإقليمية.

«التغير الأميركي»... هل هو حقيقي؟

مع هذا، يعتقد البعض أنه لا يوجد تغيير حقيقي في «الستاتس كو» (الوضع الراهن) القائم، سواءً بالنسبة إلى إيران أو إلى أهداف الحرب في غزة والعملية السياسية التي يجري الترويج لها.

وهنا يقول غولدبيرغ: «نحن نشهد السياسة نفسها فيما يتعلق بالدور الإيراني... فما يجري هو تكثيف للهجمات على الميليشيات العربية ولكن بلا أي ضغط على إيران. بل على العكس من ذلك، فإننا نشهد مواصلة واشنطن تخفيف العقوبات عن طهران، وتأكيدات متكرّرة من إدارة بايدن أن إيران ليست هدفاً». ومن ثم، يرى الباحث الأميركي «وجود سياسة واضحة تتمثل في الإحجام عن أي شيء من شأنه إثارة أزمة نووية محتملة... حتى لو أدت هذه السياسة إلى زيادة الإرهاب في المنطقة».

وحقاً، يكرّر المسؤولون الأميركيون، وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن، التأكيد على «أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب مع إيران»، رداً على الهجمات المميتة الأخيرة التي استهدفت القوات الأميركية في الأردن. إلا أن حجم الضربات الأخيرة واستمرارها وشدّتها، فضلاً عن مداها، الذي شمل العراق وسوريا واليمن، رأى فيها العديد من المراقبين رسالة واضحة تنم عن «يأس» إدارة بايدن من إمكانية إقناع طهران بتغيير سلوكها، رغم نَسْبها إلى «أسباب انتخابية»، يسعى من خلالها بايدن إلى تحسين صورته «المنحازة» إلى إسرائيل، و«تهاونه» مع سلوك طهران وطموحاتها.

«السعودية تشترط دولة فلسطينية مستقلة، للتطبيع مع إسرائيل»

حذر إيران... وارتباك ساحاتها

في المقابل، فإن رد فعل طهران «الحذر» على هذا «التغير» الأميركي عكس تخوفاً حقيقياً، لا يمكن تجاهله، من إمكانية تعرّضها لهجوم مباشر عالي التكلفة بالنسبة لها. وظهر ذلك من خلال سحبها مستشاريها من كل من العراق وسوريا، وتشديدها على «استقلالية» ميليشياتها.

كذلك مع استبعاد طهران من المفاوضات الجارية، سواءً حول تبادل الرهائن بين إسرائيل و«حماس»، أو مستقبل الأراضي الفلسطينية، رأى متابعون أن دورها بات «تخريب» التسويات، في ظل خسارتها «ورقة» قطاع غزة، والفلسطينيين عموماً، على أمل الحصول على تنازلات من واشنطن.

ولكن، بالتوازي مع حرص إدارة بايدن على تحاشي توسيع الصراع في المنطقة، تواصل السلطات الإيرانية توتير الجبهات في مواجهة استبعادها بوصفها طرفاً لم تعترف واشنطن بأي دور له في المرحلة المقبلة. وهي لا تزال تمتنع عن تقديم أي «صفقة»، سواءً عبر رفع العقوبات عنها، أو حسم مصير ملفها النووي، أو الاعتراف بنفوذها في المنطقة، أو إشراكها في أي ترتيبات دولية وإقليمية بعد انتهاء الحرب في غزة.

كل هذا عمّق، بحسب عدد من المتابعين، ارتباك «الساحات» التي تسيطر عليها طهران، من العراق إلى سوريا واليمن، مروراً بلبنان. وكشفت الهجمات الأميركية المستمرة في العراق، ليس فقط عن «أزمة» بين مكوّناته السياسية والطائفية والمناطقية على خلفية المطالبة بانسحاب القوات الأميركية، بل أيضاً عن مخاوف طهران، من عجزها عن إدارته إذا حصل هذا الانسحاب.

وفضلاً عن أن المطالبة بانسحاب القوات الأميركية، تُعدّ خيار حكومة تسيطر عليها الفصائل الموالية لإيران لا خيار جميع المكوّنات العراقية، فهي تُعد أيضاً اختباراً لطهران التي يجب أن تحسم ما إذا كانت قادرة على ملء الفراغ بكل جوانبه وتعقيداته... وجاهزة له.

وللعلم، واشنطن كانت قد أوضحت أن انسحابها لن يكون «بلا ثمن»، مع ما يعنيه هذا من ضغط سيقع على الحكومة العراقية لتبرير ازدواجية التشكيلات العسكرية فيه، فضلاً عن الضغط الاقتصادي والمالي الذي بدأته مبكراً واشنطن عبر فرضها عقوبات وحصاراً مالياً على عدة بنوك عراقية، مُتهمة بتبييض الأموال لمصلحة إيران ومساعدتها في التهرّب من العقوبات.

أما عن سوريا، فإنها بدأت تشهد حراكاً جدياً في أجهزتها الأمنية وسط تكاثر الكلام عن «تململ» في صفوفها من السيطرة الإيرانية. ولقد نظر متابعون إلى المواجهات والاعتقالات التي نفذتها تلك الأجهزة لميليشيات مدعومة من إيران بعدّها تغييراً في «نظرة» دمشق لمستقبل علاقتها بطهران، وبخاصة بعدما ظهر حجم الانكشاف الأمني... جراء الهجمات الإسرائيلية المتتالية، وعمليات الاغتيال التي طالت «مستشارين» إيرانيين كباراً. بل، وترافق هذا مع كلام عن اعتراضات روسية متنامية على دور ميليشيات إيران في سوريا، وتأثيرها على دور موسكو المستقبلي في هذا البلد، بعدما لمست استقواء طهران بمأزقها في حربها المستمرة في أوكرانيا.

بلينكن مع نتنياهو... التشاور مستمر (رويترز)

تغيير الموقف من الحوثيين هو الأكبر

إلا أن التغيير الأكبر قد يكون الموقف الأميركي من ميليشيا الحوثيين في اليمن، حيث سيسري قرار إعادة تصنيفهم «منظمة إرهابية»، يوم 16 من الشهر الحالي. ومع تحميل الحوثيين وإيران المسؤولية عن «عسكرة البحر الأحمر»، وفق تصريحات تيم ليندركينغ، المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، لـ«الشرق الأوسط»، يخاطر الحوثيون بتدمير قدراتهم العسكرية، ما قد يضعف، ليس فقط قدرة طهران على استخدامهم، بل وقدرة هذه الميليشيات نفسها على إمساكها بالمناطق التي تسيطر عليها، والإطاحة بالعملية السياسية لوضع حد للحرب في اليمن. فحسب ليندركينغ «إيران تشكل تهديداً كبيراً»، واصفاً إمداد الحوثيين بالمال والسلاح لمهاجمة السفن بأنه «ملائم للغاية لأجندة إيران» التي تتصرف من أجل «زعزعة الاستقرار»، وسلوكها ليس «سلوك عضو في المجتمع الدولي».

هذا، ومع تصاعد الأضرار من الهجمات التي يشنها الحوثيون في البحر الأحمر «نصرة لغزة»، توسعت لائحة المتضررين أيضاً، وعلى رأسهم الصين. ومع أن بكين لا تزال تحاول الاستفادة من تلك الضربات للنيل من هيبة الولايات المتحدة في المنطقة، فإن «حرب غزة» وتداعياتها، كشفت عن عجز دولي غير مسبوق في التأثير على مجريات الأحداث في الشرق الأوسط، من الصين إلى روسيا ودول «البريكس»، وغيرها من الداعين لبناء نظام دولي جديد.

وسواءً كان ذلك نتيجة للحرب الأوكرانية، أو لأزمات الصين البنيوية المتصاعدة - من إفلاس شركة إيفرغرين العقارية العملاقة... إلى تراجع نموها الاقتصادي وعجزها عن الحصول على التقنيات المتقدمة من الولايات المتحدة - يبدو أن الميل لوقف «التخريب» الإيراني في البحر الأحمر، هو الذي قد يفرض على طهران إعادة حساباتها.

الخطة القطرية ــ المصرية ــ الأميركية... «المتعثرة»

مع «تعثر» الخطة التي قدمها الوسطاء القطريون والمصريون والأميركيون، جدّدت إسرائيل، بلسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، إصرارها على مواصلة حربها ضد «حماس» حتى «تحقيق النصر». وجاء هذا بعدما نشرت وسائل إعلام عدة رد «حماس» الذي اقترحت فيه وقفاً لإطلاق النار من 3 مراحل، كل مرحلة مدتها 45 يوماً على مدى 135 يوماً، وتتضمن تبادلاً للرهائن الإسرائيليين بسجناء فلسطينيين.المرحلة الأولى تقترح «تبادل السجناء الفلسطينيين والإفراج عن بعض الرهائن الإسرائيليين من غير العسكريين، وتسليم المساعدات الإنسانية، والسماح بإعادة بناء المستشفيات ومخيمات اللجوء وخروج القوات البرية الإسرائيلية من المناطق السكنية».وتقترح المرحلة الثانية «إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل عدد معين من السجناء الفلسطينيين، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة».وفي المرحلة الثالثة تطالب «حماس» بإعادة إعمار غزة و«ضمان» الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية، وتبادل الرفات والجثث.إسرائيل -عبر نتنياهو- عدّت شروط «حماس» انسحاب القوات الإسرائيلية نصراً لمحاولات طهران تخريب أي اتفاق لا تشارك فيه، وقد ركز نتنياهو على أن الجيش الإسرائيلي لن يعود من قطاع غزة «حتى تحقيق النصر»، وأنه أمره بمباشرة عملية عسكرية في رفح. غير أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قال مخالفاً، إنه لا يزال هناك «مكان لاتفاق» بين إسرائيل وحركة «حماس». وأردف: «نعتقد أن ذلك يُفسح مكاناً للتوصل إلى اتفاق، ونحن نعمل على ذلك من دون كلل حتى التوصل إليه... على الرغم من وجود أمور من الواضح أنها غير مقبولة في رد (حماس)».من جانب آخر، رغم تحذير بلينكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته من «أفعال تؤجج التوترات»، وأن الأولوية في مدينة رفح هي للمدنيين، لوحظ أنه لم يدعُ إلى وقف تنفيذ العملية فيها. بل كل ما قاله: «إن أي عملية عسكرية تنفّذها إسرائيل يجب أن تأخذ المدنيين في الاعتبار، أولاً وقبل كل شيء!»، مما يشير إلى أن التوصل إلى وقف لإطلاق النار لا يزال بعيد المنال.وهنا، يحذّر غولدبيرغ من الخلط بين التزام إسرائيل بإعادة الرهائن... وقرار إنهاء أي شكل من أشكال سيطرة «حماس» على قطاع غزة. ويضيف أنه «مع استمرار سيطرة (حماس) على رفح وأجزاء من خان يونس، وإفلات يحيى السنوار من القتل أو الأسر، فإن الأهداف العسكرية الإسرائيلية لم تتحقق بعد». لكنه مع هذا يعتقد أن واشنطن ستضغط من أجل إنهاء الحرب، رغم صعوبة موافقة إسرائيل على ذلك.

تدنّي السقف السياسي الفلسطيني

غيث العمري، الباحث بمعهد واشنطن للشرق الأدنى، يعد أن الكلام عن الاعتراف بدولة فلسطينية، وبناء سلطة فلسطينية ذات صدقية وشرعية، تستطيع «في يوم من الأيام» أن تحكم غزة والضفة الغربية بشكل فعّال، «لا يزال مجرد فكرة لم تتبلور بوصف ذلك اقتراحا رسميا، وتواجه الكثير من التحديات». وتابع العمري في حديث سابق مع «الشرق الأوسط»، أن «السلطة الفلسطينية ضعيفة للغاية وفقدت مصداقيتها، بحيث لا يمكنها أن تلعب أي دور في غزة في الوقت الحالي. وبناءً على ذلك، يُعوّل على الدور الدولي لإعادة تأهيلها. ولهذا السبب تحدث الوزير بلينكن عن السلطة الفلسطينية المعاد تنشيطها».غير أن مراقبين يرون أن تدّني السقف السياسي الفلسطيني، الذي يواصل انخفاضه، منذ توقيع «اتفاق أوسلو»، قد يحدّ من شروط نشوء «الدولة الفلسطينية الموعودة» وحدودها وحيثيتها. وحقاً، يعكس هذا «التدني» أيضاً مدى التلاعب الأميركي المترافق الآن مع ما عُد تواطؤاً من قبل واشنطن على تقويض دور الأمم المتحدة. ويأتي هذا التواطؤ ليس فقط انتقاماً من قرار «محكمة العدل الدولية» بعد حكمها بوجود شبهة إبادة جماعية ترتكبها إسرائيل في غزة، بل وتقويض وكالة «الأونروا»، التي يتجاوز دورها تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، عبر إبقاء حق العودة للاجئين الموزّعين في دول الجوار حياً، الأمر الذي تسعى إسرائيل إلى إنهائه.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».