الحكومة الجديدة: أبرز الوزراء احتفظوا بمواقعهم... والنساء غائبات عن الحقائب المهمّة

أوديا -كاستيرا (آ ف ب)
أوديا -كاستيرا (آ ف ب)
TT

الحكومة الجديدة: أبرز الوزراء احتفظوا بمواقعهم... والنساء غائبات عن الحقائب المهمّة

أوديا -كاستيرا (آ ف ب)
أوديا -كاستيرا (آ ف ب)

حافظت الحكومة الفرنسية الجديدة على العديد من أعضائها السابقين، كجيرالد دارمانان، الذي صدر قرار بتجديد مهامه وزيراً للداخلية، كما احتفظ وزير الدفاع والجيوش سيباستيان لوكورنو، بمنصبه، إضافة لوزير الاقتصاد برونو لومير، وإريك دوبون - موريتي في وزارة العدل.

وفي المقابل، بعد رحيل كاترين كولونا عن وزارة الخارجية لم تبق أي امرأة على رأس المناصب العليا في حكومة غابرييل أتّال، على الرغم من التزام الرئيس إيمانويل ماكرون بالمساواة بين الجنسين. وهنا أبرز أعضاء الحكومة الجدد:

أميلي أوديا كاستيرا

وزيرة التربية والتعليم، من مواليد 9 أبريل (نيسان) 1978، وهي حاصلة على شهادة في الحقوق والإدارة من المدرسة العليا للإدارة (إينا) ومعهد «سيانس بو». بعد تخرّجها عملت في وزارة المالية، ثم التحقت بالقطاع الخاص؛ حيث عملت بمجموعتي «أكسا» و«كارفور».

كذلك شغلت أوديا - كاستيرا منصب وزيرة الرياضة في حكومة بورن، وكانت تصريحاتها إثر «حادثة استاد دو فرنس» قد أثارت كثيراً من الانتقاد، عندما حملت جماهير نادي ليفربول الإنجليزي مسؤولية ما حدث من مشكلات في نهائي دوري أبطال أوروبا، ما جعل مسؤولي النادي يطالبونها بتقديم اعتذارات.

هذا، ومنذ 2021 ترأس أميلي أوديا - كاستيرا الاتحاد الفرنسي لكرة المضرب (التنس) وهي محترفة وبطلة سابقة في هذه الرياضة. وبعد تسلم مهامها الجديدة على رأس وزارة التربية والتعليم بأيام قليلة أثارت الوزيرة الجديدة غضب نقابات المعلمين والأساتذة بسبب تصريح صحافي قالت فيه إن أطفالها مسجلّون في القطاع الخاص «بسبب غياب الأساتذة المتكرّر في القطاع العام».

داتي (غيتي)

رشيدة داتي

وزيرة الثقافة الجديدة من مواليد 27 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1965، وهي من أصول جزائرية مغربية.

داتي خريجة المدرسة العليا للتجارة وجامعة بونتيون - أساس (حقوق) في باريس، وهي وجه معروف في المشهد السياسي الفرنسي، وكانت مقرّبة من الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي حين كانت الناطقة الرسمية خلال حملته الانتخابية الناجحة، وكذلك كلّفها ساركوزي الإشراف على وزارة العدل في 2006. كانت داتي نائبة أوروبية ما بين 2009 و2019 وعمدة للدائرة السابعة في باريس منذ 2008. وأعلنت مؤخراً عن ترشحها لمنافسة عمدة باريس الاشتراكية آن هيدالغو على كرسي العمودية في باريس. بجانب ذلك، وُجهت لها تهمة فساد في إطار تحقيق بشأن خدماتها الاستشارية لكارلوس غصن، المدير التنفيذي السابق لتحالف رينو - نيسان، حين كانت نائبة في البرلمان الأوروبي.

سيجورني (آ ف ب)

ستيفان سيجورني

وزير الخارجية الجديد من مواليد 26 مارس (آذار) 1985، وهو حاصل على شهادة في القانون من جامعة بواتييه.

يُعد سيجورني مقرّباً من الرئيس ماكرون، إذ كان مستشاراً له إبان فترة توليه وزارة الاقتصاد في 2014، ثم عمل مستشاراً سياسياً وقانونياً خلال حملته الانتخابية الرئاسية لعام 2017.

شخصية سيجورني غير معروفة جيداً لدى الفرنسيين، والسبب اضطلاعه بمهام نائب أوروبي منذ 2019 في كل من بروكسل وستراسبورغ، بيد أنه لفت انتباه وسائل الإعلام بعد كشف علاقته مع رفيق حياته السابق غبريال أتّال. هذا، ونقلت تقارير كثيرة أن وصول سيجورني، المبتدئ في مجال الدبلوماسية، إلى الوزارة المرموقة لن يكون مطمئناً للمكلفين بعدة ملفات في الإليزيه، وبالأخص، بعدما فقدت فرنسا نفوذها في مناطق هيمنتها السابقة بأفريقيا، وظهور أزمات دبلوماسية بين الجزائر وباريس، والرباط وباريس، إضافة للموقف الفرنسي من الحرب بين فلسطين وإسرائيل والوضع في أوكرانيا.

فوتران (آ ف ب)

كاترين فوتران

وزيرة العمل والصّحة من مواليد 26 يوليو (تموز) 1960. وهي حاصلة على شهادة في القانون التجاري من جامعة رينيه ديكارت بباريس. بدأت نشاطها السياسي في كتلة اليمين الجمهوري وزيرة في عهد الرئيس جاك شيراك من 2004 إلى 2007، ثم نائبة إلى 2017. ومنذ عام 2017 تشرف كاترين فوتران على مؤسسة المشروعات العمرانية في منطقة رنس Reims الكبرى، وهي مسقط رأسها.



الاتحاد الأوروبي أمام تحدي بناء استراتيجية دفاعية جديدة

مقر حلف شمال الأطلسي «ناتو» في بروكسل (آ ب)
مقر حلف شمال الأطلسي «ناتو» في بروكسل (آ ب)
TT

الاتحاد الأوروبي أمام تحدي بناء استراتيجية دفاعية جديدة

مقر حلف شمال الأطلسي «ناتو» في بروكسل (آ ب)
مقر حلف شمال الأطلسي «ناتو» في بروكسل (آ ب)

في خضم تصاعد غير مسبوق للتوترات الجيوسياسية وتزايد المخاوف الأمنية، تجد القارة الأوروبية نفسها أمام تحدٍ وجودي يفرض عليها إعادة تعريف أسس منظومتها الدفاعية. فبعد سنوات من الاعتماد على مظلّة حلف شمال الأطلسي (ناتو) والدعم الأميركي، دفعت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتكررة حول إمكانية انسحاب الولايات المتحدة من الحلف، القادة الأوروبيين إلى استشعار الخطر الداهم. هذه التهديدات لم تعُد مجرد مناورات دبلوماسية، بل تحولت هاجساً استراتيجياً يدفع العواصم الأوروبية نحو سباق محموم لضمان أمنها القومي والجماعي، في مسعى حثيث نحو استقلالية دفاعية طال انتظارها.

منذ تأسيس حلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 1949، لعبت الولايات المتحدة دور القائد الفعلي للحلف، ليس فقط من خلال المساهمة المالية والعسكرية الضخمة، بل من خلال توفير المظلة النووية والقيادة الاستراتيجية.

على مدى عقود، تحمَّلت واشنطن نحو 70 في المائة من إجمالي الإنفاق الدفاعي للحلف؛ ما جعلها القوة المهيمنة في صنع القرارات الأمنية الأوروبية. وحقاً، إبان الحرب الباردة، كانت المساهمة الأميركية واضحة وحاسمة؛ إذ نشرت واشنطن مئات الآلاف من جنودها في أوروبا، وأنشأت قواعد عسكرية استراتيجية في كل من ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، ووفّرت أنظمة دفاع صاروخي متطورة.

هذا الحضور العسكري الكثيف ما كان مجرد التزام دفاعي، بل كان أداة لضمان النفوذ الأميركي في القارة الأوروبية. إذ تشير الإحصائيات إلى أن الولايات المتحدة تنفق سنوياً نحو 750 مليار دولار على الدفاع، أي ما يمثل 3.5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، مقارنة بمتوسط 1.6 في المائة للدول الأوروبية الأعضاء في «ناتو». وبالتالي، منح هذا التفاوت الصارخ في الإنفاق واشنطن نفوذاً هائلاً في تحديد أولويات الحلف واستراتيجياته. بيد أن الأمر لا يقتصر على الأرقام المطلقة. ذلك أن الولايات المتحدة تساهم بنحو 22 في المائة من الميزانية التشغيلية لـ«ناتو»، بينما تغطي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا مجتمعة نحو 35 في المائة فقط؛ ما جعل هذا التوزيع غير المتكافئ للأعباء المالية محور انتقادات مستمرة من الإدارات الأميركية المتعاقبة.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع مارك روته أمين عام «ناتو» (آ ب)

من الحماية إلى المطالبة

منذ تولي دونالد ترمب سدّة الحكم في واشنطن فإنه لم يتأخر في توجيه سهام النقد لحلفائه الأوروبيين، متهماً إياهم بالتقاعس عن الوفاء بالتزاماتهم المالية تجاه «ناتو»، والاعتماد المفرط على الحماية الأميركية، بل والتطفل عليها، وفق تعبيره الصريح خلال حملته الانتخابية لعام 2024.

ثم مع عودته إلى البيت الأبيض، تصاعدت لهجته بشكل لافت، مطالباً الأوروبيين برفع إنفاقهم الدفاعي إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو سقف غير مسبوق يتجاوز حتى الإنفاق الأميركي نفسه. ولعل أبرز ما قاله ترمب في هذا السياق كان خلال تجمّع انتخابي في ولاية أوهايو تساءل فيه: «لماذا ندافع عن بلدان لا تدفع ما عليها؟ إذا لم يدفعوا، فليحموا أنفسهم!». وبدت هذه العبارة إعلاناً غير مباشر «لانقلاب» في عقيدة الأمن الأطلسي.

مطالب ترمب، وإن بدت مبالَغاً فيها، أثارت قلقاً عميقاً في العواصم الأوروبية، خاصةً في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا وازدياد التهديدات الروسية؛ الأمر الذي أعاد إلى الواجهة السؤال القديم: هل تستطيع أوروبا أن تحمي نفسها بنفسها؟

لعل أبرز دليل على هذا التحوّل كان كلام كبار المسؤولين الأوروبيين الذي يدعم «الاستقلالية الاستراتيجية». وفي لقاءات ومؤتمرات صحافية، غدت هذه العبارة تتصدر الأجندات السياسية لتشكل محور النقاشات حول مستقبل الأمن الأوروبي. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال في حوار مع صحيفة الـ«فاينانشال تايمز»: «إن المبادرة التي اتخذها الرئيس ترمب وقراره بفصل أوروبا عن المظلة الأميركية، يمثلان صدمة كهربائية إيجابية تدفع الاتحاد الأوروبي إلى تسريع تحوله نحو مزيد من الاستقلالية الاستراتيجية... ما يقوله ترمب لأوروبا هو عليكم تحمل العبء بأنفسكم وأنا أقول فلنتحمل المسؤولية».

اللهجة نفسها اعتمدها المستشار الألماني أولاف شولتس بقوله خلال زيارته لباريس يوم 22 يناير (كانون الثاني) 2025: «واضح أن رئاسة ترمب ستكون تحدياً تجب مواجهته، أوروبا لن تتراجع ولن تختبئ، بل ستكون شريكاً بنّاءً واثقاً من نفسه».

وفي المؤتمر الصحافي الذي نظمته أورسولا فو دير لاين بمناسبة مرور 100 يوم على توليّها رئاسة المفوضية الأوروبية، أقّرت هذه الاخيرة بأن «على أوروبا أن تؤدي واجبها وتتحمل مسؤولية الدفاع عن نفسها من دون الاعتماد على واشنطن. ثمة مطلب متكرر من ترمب... أن نكون حلفاء لا يعني أن يكون هناك اختلال في المسؤوليات أو الأعباء المشتركة».

مبادرات وطنية ... لتعزيز القوة

أمام هذا الواقع الجديد، سارعت الدول الأوروبية، كلاً على حدة، إلى تعزيز قدراتها الدفاعية بشكل غير مسبوق، مع السعي المتزامن لتنسيق الجهود على المستوى القاري.

فرنسا، مثلاً، تواصل بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون، دفع خطتها الطموح للتحديث العسكري بقيمة 413 مليار يورو حتى عام 2030. وتركّز هذه الخطة على تطوير القدرات النووية، والدفاع السيبراني، والصناعات العسكرية المتقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري. أيضاً، تقود باريس مشاريع كبرى مثل الطائرة القتالية الأوروبية المستقبلية «سكاف» (SCAF) والدبابة القتالية الرئيسة الجديدة «إم جي سي إس» (MGCS) بالتعاون مع ألمانيا. وفي خطوة لافتة، أعلنت فرنسا أخيراً خططاً لتعزيز وحدات الدفاع الجوي والصاروخي لديها، وذلك في ضوء الدروس المستفادة من الصراع في أوكرانيا.

أما ألمانيا، فقد خصصت مبلغ 100 مليار يورو لصندوق تحديث الجيش الألماني (البوندسفير)، مع استثمارات كبيرة في أنظمة الدفاع الجوي، بالإضافة إلى التسلح الحديث والمشاركة الفاعلة في المشاريع الأوروبية المشتركة. والملاحظ أن برلين باشرت بالفعل تسريع وتيرة الإنفاق الدفاعي بعد سنوات من التقشف.

من جهة أخرى، اتجهت بولندا ودول البلطيق، التي تشعر بتهديد مباشر من روسيا، إلى إعادة التسلح بشكل مكثف. إذ عقدت بولندا صفقات ضخمة لشراء أنظمة أميركية متطوّرة، بما في ذلك دبابات «أبرامز» وطائرات «إف - 35» وصواريخ «باتريوت»، بالإضافة إلى استثمارها في تعزيز الدفاعات الحدودية والبنية التحتية العسكرية؛ تحسباً لأي طارئ. وفي السياق عينه، تهتم كل من إيطاليا وإسبانيا والدول الإسكندينافية بتحديث قواتها البحرية والجوية، والمشاركة في برامج أوروبية متعددة كالطائرات من دون طيار (Eurodrone) وتطوير القدرات السيبرانية. وأخيراً لا آخراً، تحاول دول أخرى كفنلندا والسويد تسريع عملية اندماجهما في «ناتو» بعد تخلٍ تاريخي عن الحياد، وبالعكس، تبدي دول كالمجر والنمسا تحفظاً عن التضامن الأوروبي الكامل؛ ما يعكس تبايناً في الرؤى داخل الاتحاد.

شراكات أمنية جديدة

في خضم هذه التحوّلات وعلى ضوء توتر العلاقات الأميركية، ظهر تقارب واضح بين الاتحاد الأوروبي وكندا قائم على رؤية مشتركة لأمن متعدد الأطراف. وغدا من مصلحة أوروبا وكندا توحيد صفوفهما لمواجهة التأثير المستمر لسياسات الرئيس ترمب. وفي هذا الإطار، وقّع الطرفان في مايو (أيار) 2025 «خطة العمل الأوروبية - الكندية للتعاون الأمني والدفاعي»، وهي تنصّ على تعزيز التدريبات العسكرية المشتركة، وتطوير نظم مراقبة الساحل الأطلسي، وتنسيق الجهود في مكافحة التهديدات السيبرانية. وقال رئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني خلال مؤتمر أمني مشترك في بروكسل: «نحن شركاء طبيعيون. كندا تؤمن بأن أمن أوروبا هو أيضاً من أمن شمال الأطلسي، ونرفض ترك حلفائنا أمام مصيرهم».

أما على صعيد العلاقة مع بريطانيا، التي غادرت الاتحاد الأوروبي لكنها لم تغادر جغرافيا القارة، بل شهدت العلاقات الدفاعية طفرة جديدة بعد التوتّرات الطويلة التي أعقبت «بريكست». ففي مارس (آذار) 2025، أعلنت كل من لندن وبروكسل عن تأسيس «مجلس أوروبي - بريطاني للأمن والدفاع» لتنسيق السياسات الأمنية بشكل منتظم. وأكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر: «قد نكون غادرنا الاتحاد، لكننا لم نغادر أوروبا. التحديات الأمنية الراهنة تُحتّم علينا الوقوف معاً... بريطانيا ستظل قوة موازنة في القارة».