الملكة مارغريته الثانية... حقبة فاصلة في تاريخ الدنمارك امتدت 52 سنة

تنحيها يعني أنْ لا نساء على عروش أوروبا حالياً

الملكة مارغريته الثانية
الملكة مارغريته الثانية
TT

الملكة مارغريته الثانية... حقبة فاصلة في تاريخ الدنمارك امتدت 52 سنة

الملكة مارغريته الثانية
الملكة مارغريته الثانية

عام 2016 وقبيل زيارة لها لألمانيا، سُئلت ملكة الدنمارك مارغريته الثانية، خلال مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» عمّا إذا كانت لديها خطط للتخلي عن العرش لصالح ابنها الأمير فريدريك، وكان ردها آنذاك أنه «سيصبح ملكاً عندما لا أعود موجودة». ثم إن رفض الملكة مارغريته التنحي عن العرش قبل مماتها كررته أكثر من مرة منذ تنصيبها في مطلع عام 1972، ولهذا كان إعلانها في خطاب ليلة رأس السنة الماضية أنها قرّرت التخلى عن العرش لصالح ابنها، مفاجئاً لكثيرين وتبعته حملة تخمينات حول الأسباب التي دفعتها إلى هذا القرار. ذلك أنها ما زالت بصحة جيدة نسبياً لسيدة في عمرها البالغ 83 سنة. وواقع الأمر أنها لا تزال نشيطة في تلبية التزامات رسمية، ولقد أعلنت أنها ستبقى تؤديها حتى بعد تنحيها عن العرش. كثيرون قالوا إن المخاوف من انفصال وشيك بين ولي العهد فريدريك، وزوجته الأميرة ماري، الأسترالية الأصل، كان السبب الأساسي الذي دفع الملكة إلى التنحي. وما يجدر ذكره هنا، أن شائعات الخيانة تلاحق الأمير منذ أشهر، وبالأخص بعدما التُقطت صورٌ له مع الممثلة المكسيكية جينوفيفا كازانوفا. وعلى الرغم من نفي الممثلة وجود علاقة بينها وبين الأمير، ورفض القصر الملكي التعليق على «الشائعات»، ازدادت المخاوف من قرب نهاية زواجه ومغادرة الأميرة ماري عائدةً إلى أستراليا... حتى جاء إعلان الملكة مارغريت المفاجئ تنحيها عن العرش لصالحه. ولقد فسّر كثيرون الخطوة بأنها جاءت لإنقاذ زواجه.

أياً تكن الأسباب التي دفعت مارغريته الثانية إلى إعلان اعتزامها التنحّي عن العرش في آخر أيام العام المنصرم، فإنها ستكون آخر ملكة تحكم حالياً في أوروبا، فبمغادرتها موقعها لن يتبقى في «القارة العجوز» إلا الملوك، وإن كانت ولاية العهد في السويد، «جارة» الدنمارك، تشغلها الأميرة فيكتوريا، بكر أبناء الملك كارل الـ16 غوستاف، وفي هولندا للأميرة كاترينا آماليا، بكر بنات الملك فيلهلم ألكسندر.

52 سنة على العرش

تغادر الملكة مارغريته موقعها بعد 52 سنة أمضتها على العرش الدنماركي، وهي ما زالت محبوبة من الدنماركيين الذين يعدّونها «والدة الأمة». ومع أن العائلة المالكة في الدنمارك لا تتدخل في السياسة، مثلها في ذلك مثل كل العائلات المالكة في أوروبا، فإن مارغريته الثانية لم تتردّد في الانضمام إلى النقاش الدائر منذ سنوات في الدنمارك حول الهجرة، الذي تحول إلى مادة سياسية أساسية توصل الأحزاب أو تُسقطها.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه حتى الحزب الاشتراكي الحاكم تبنّى سياسات يمينية متطرفة مناوئة للهجرة منذ وصوله إلى السلطة عام 2019، على الرغم من أن أحزاب يسار الوسط –مثله- تعتمد تاريخياً سياسات منفتحة ومتعاطفة تجاه المهاجرين واللاجئين. ففي ظل حكومة ميته فريدريكسون الاشتراكية تحوّلت الدنمارك إلى إحدى أكثر دول أوروبا تشدداً فيما يتعلق بالهجرة، إذ تبنت قوانين صارمة مثل سحب الإقامات من السوريين وإعادة ترحيلهم إلى بلادهم.

أكثر من هذا، أصبحت الدنمارك أول دولة أوروبية ترحّل إلى سوريا، رغم المخاطر هناك، وشملت أوامر الترحيل نحو 100 لاجئ كانوا قد حصلوا على إقامات في الدنمارك. وأيضاً، تبنى البرلمان قوانين جديدة أدت إلى وقف العمل باتفاقيات الأمم المتحدة الخاصة بقبول عدد معين من اللاجئين. وجرى تشديد قوانين لمّ الشمل للاجئين، و«شرعنة» سحب ممتلكات مثل الذهب والأموال من المتقدّمين للحصول على طلبات لجوء لدفع نفقاتهم.

موجة رفض الهجرة

في هذا الصدد، لا بد من القول، إنه حتى قبل وصول الاشتراكيين إلى السلطة وإدخالهم هذه التغييرات الجذرية، كان المزاج الشعبي العام في الدنمارك قد تحوّل إلى عداء واضح تجاه المهاجرين طالبي اللجوء. ولقد ركبت الملكة مارغريته الثانية نفسها الموجة لتنضم في التعبير عن المزاج السلبي تجاه المهاجرين وتتبناه علانية.

إذ أعلنت الملكة في عام 2016 خلال مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية أن «الدنمارك ليس بلداً متعدد الثقافات، بل هو بلد يعيش فيه أشخاص لديهم جذور وخلفيات وديانات مختلفة، منذ أكثر من 30 سنة».

وجاء هذا الكلام تعليقاً على سؤال حول ما إذا كانت ترى بلادها بالشكل نفسه الذي يرى ملك النرويج هارالد بلاده، كما وصفه في خطاب قبل فترة بأنه «حديث» ويضم مَن «يؤمن بالرّب ومَن يؤمن بالله» في إشارة إلى المسلمين.

مقابلة صريحة جداً

وتبع ذلك بأيام كتاب نشره الصحافي توماس لارسن، استناداً إلى مقابلات مع الملكة انتقدت فيها إخفاق بعض اللاجئين والمهاجرين في الاندماج في المجتمع الدنماركي. إذ قالت: «ليس قانون الطبيعة أن يصبح المرء دنماركياً بمجرد العيش في الدنمارك». وأردت القول إن «بعض الجماعات» أفضل من غيرها على صعيد الاندماج، وعدّدت على سبيل المثال المهاجرين الوافدين من جنوب شرقيّ آسيا، بينما «نجد آخرين يجدون صعوبة أكبر في التأقلم وإيجاد إيقاعهم في الدنمارك».

ومن ثمّ وصفت الملكة الدنماركيين بأنهم كانوا «سذّجاً» عندما توهموا أن «الاندماج ليس صعباً على الطرفين... لقد اعتقدنا أن هذه الأمور تحصل بشكل تلقائي، وأنه إذا سار المرء في شوارع كوبنهاغن وشرب من مياه البلدية وركب الحافلة، فإنه سيصبح دنماركياً. لقد كان الأمر بدهياً بالنسبة إلينا واعتقدنا أنه سيكون أيضاً بدهياً للوافدين إلينا من أجل العيش هنا، لكنّ الأمر لم يكن كذلك».

وفيما يمكن عدّه تحريضاً ضد المهاجرين، تابعت مارغريته الثانية كلامها، حسب الكتاب، قائلةً إنه «لا يجوز للمرء الاستسلام للمبالغة في الآداب، بل يجب أحياناً التجرؤ على إبداء ملاحظات إرشادية... ويجب من وقت إلى آخر أن تضع الأشخاص جانب الحائط وتقول: إنَّ هذا غير مقبول!». واستطردت: «عندما تصل أعداد كبيرة من الأشخاص بخلفيات مختلفة وديانة معينة، فإنهم يخاطرون بأن يعزلوا أنفسهم بغضّ النظر عن الإرادة».

هذه التصريحات غير الاعتيادية للملكة أثارت انتقادات وتساؤلات حول ما إذا كانت قد بدأت تتدخل في السياسة، وهو ما يشكّل خروجاً عن العُرف بل حتى عن الدستور. وفي حينه، صرّح لارس هوفباكي سورنسن، أستاذ التاريخ المتخصص في العائلة الملكية الدنماركية، في تصريحات تلفزيونية، بأن «الملكة أصبحت حادة أكثر فأكثر في تعليقاتها»، وباتت «تتحرك مباشرة نحو حافة التدخل السياسي، وأنها تشير بالإصبع إلى بُعد المشكلات الاجتماعية وتدفعنا إلى التفكير بها بطرق جديدة من دون أن تتكلّم عن حلول لهذه المشكلات. وإذا بدأت ذلك فعلاً، فإنها ستكون قد تجاوزت الخط نحو التدخل السياسي الصريح».

في المقابل، ثمة جهات ودوائر أيّدت كلام الملكة، ورأت فيه تعبيراً عن توجهات الدنماركيين. فقد كتبت صحيفة «برلينسكه» اليمينية افتتاحية تساءلت فيها عما إذا كانت الملكة «تتشارك الآراء حول الاندماج مع حزب الشعب الدنماركي (وهو حزب يميني متطرف)». وتابعت الصحيفة لترد على سؤالها بالقول: «على الأرجح لا، غير أن الملكة تعبّر عن صوت معظم الدنماركيين... وآراؤها تدلّ على موهبة متميزة لجهة قياس درجة الحرارة السياسية».

عائلة متنوعة الأصول

والمفارقة في مواقف الملكة مارغريته من الهجرة أن عائلتها المالكة نفسها -مثل سائر العائلات المالكة الأوروبية - متنوعة الأصول بشكل كبير. ذلك أن زوجها الملك هنريك (توفي عام 2018) مواطناً فرنسياً، وغيّر اسمه من هنري إلى هنريك ليصبح أكثر «دنماركية»، والأميرة ماري زوجة ابنها فريدريك، ولي العهد، أسترالية، والزوجة الأولى لابنها الثاني يواكيم، من هونغ كونغ، وزوجته الثانية والحالية فرنسية. ثم إن الملكة نفسها تتحدر من عائلة كلوغسبورغ المتفرعة من عائلة أولدنبورغ الألمانية التي تنتمي إليها معظم العائلات الملكية في أوروبا ومنها العائلات المالكة في بريطانيا والنرويج والسويد واليونان.

ومع أن زوج الملكة مارغريته تعلّم اللغة الدنماركية بسرعة نسبياً، فإن الدنماركيين لطالما سخروا من لكنته وانتقدوه بسبب قلة إتقانه اللغة الدنماركية كما يجب بنظرهم، والحال أن الملك هنريك كان يتكلمها بلكنة فرنسية ثقيلة.

تعارُف الزوجين

عندما تعرّفت مارغريته على زوجها عام 1965، كان هنري دو لابورد دو مونبيزا -وهذا اسمه الأصلي- دبلوماسياً يعمل في السفارة الفرنسية بالعاصمة البريطانية لندن. وكانت مارغريته يومذاك تبلغ من العمر 25 سنة وتدرس العلوم السياسية في «معهد لندن للاقتصاد والعلوم السياسية»، وكانت قبلاً قد درست في جامعتَي كمبريدج والسوربون.

وبعد سنتين من لقائهما، تزوّجا وانتقل هنري إلى الدنمارك متخلياً عن مهنته ومتفرغاً لتمضية بقية حياته إلى جانب ولية العهد آنذاك. وخلال هذه الفترة تعلم اللغة الدنماركية وغيّر اسمه إلى هنريك واعتنق مذهب العائلة الملكية، وهو البروتستانتية اللوثرية، متخلياً عن مذهبه الكاثوليكي. وأنجب الزوجان ولدَين هما فريدريك (المولود عام 1968) ويواكيم (عام 1969).

... مارغريته ملكة

جرى تنصيب مارغريته ملكة وهي في سن الـ31، بعد وفاة أبيها الملك فريدريك التاسع في يناير (كانون الثاني) 1972، لتغدو أول ملكة للدنمارك. ولكن، ما يجدر ذكره أنه عندما وُلدت مارغريته ما كان من المفترض أن تَخْلُف أباها، إذ إن القوانين آنذاك لم تكن تسمح للإناث بتولي العرش. بل كان من المفترض أن يعتلي العرش عمُّها (شقيق الملك). لكنَّ فريديريك عوضاً عن ذلك، عمل مع الحكومة على تغيير القوانين وهو ما استغرق موافقة من برلمانَين متتاليين ثم استفتاءً شعبياً. وبعد تغيير القانون تمكن فريديك من أن يورِّث ابنته العرش، لتصبح أول امرأة تحكم الدنمارك، ويصير هنري أول أمير من دون مهام واضحة، وهو ما عقّد عليه تقبّله دوره زوجاً للملكة من دون لقب ملك ولا وظائف واضحة ومحدّدة.

وبالطبع، زاد ذلك من شعور هنري العام بأنه سيبقى دائماً «غريباً» في الدنمارك انتقادات الصحافة الدائمة له، والتركيز المستمر على لكنته. وكان يعبّر عن استيائه بشكل علنيّ بعيد عن الدبلوماسية. وفي عام 2002 غادر إلى فرنسا مستاءً بعد أن كلّفت الملكة ابنها فريدريك بأن يمثّلها في حفل رسمي، الأمر الذي أغضب زوجها الذي قال إنه شعر بـ«الإهانة والإذلال»، وبأنه أصبح «ثالثاً» في العائلة المالكة.

وحقاً، أعلن هنري أنه سيعود إلى فرنسا لـ«التفكير» في دوره ضمن العائلة الملكية. وبقي هناك 3 أسابيع عاد بعدها إلى الدنمارك متغيباً عن حضور حفل زفاف ملكي في هولندا إلى جانب زوجته. وفي عام 2008، أعلنت الملكة «خلق» لقب جديد للذكور في العائلة يأخذ اسم عائلة زوجها هنريك، وهو «كونت مونبيزا»، اعترافاً بجذور زوجها الفرنسية.

مع هذا بقي هنري-هنريك يشكو حرمانه لقب «ملك» لدرجة أنه أعلن في عام 2017 أنه لا يريد أن يُدفَن إلى جانب زوجته في التابوت الزجاجي الذي كلَّفت مارغريته فناناً بتصميمه ليصبح نصباً تذكارياً واستغرق إعداده داخل كاتدرائية روسكيلده 20 سنة. إذ قال في تصريحات لمجلة دنماركية في أغسطس (آب) 2017، إنه لا يريد أن يُدفَن بالقرب من الملكة، «وإذا أرادت أن أُدفن بالقرب منها، عليها أن تمنحني لقب ملك». وبعد شهر من كلامه هذا، أعلن القصر الملكي في سبتمبر (أيلول) أن الأمير هنريك يعاني الخَرَف وأنه سيتوقف عن أداء مهامه الرسمية.

وبعد أشهر قليلة، توفي هنريك في فبراير (شباط) 2018، واحترمت الملكة قراره ألا يُدفن في التابوت الزجاجي، كاسرةً الأعراف الدنماركية السارية بدفن الملك وزوجته متجاورين. وعوضاً عن ذلك، أُحرق جثمانه ونُثر نصف الرماد في البحر ووضع النصف الآخر في مكان خاص داخل حدائق قصر فريدينسبورغ الملكي.

شرخٌ عائليٍّ ثانٍ

أخيراً، لم تُغضب الملكة مارغريته فقط زوجها برفضها منحه لقب ملك طوال حياتها، بل أحدثت أيضا شرخاً مع ابنها الأصغر يواكيم وعائلته عندما أعلنت عام 2022 أن نسل يواكيم، أي أطفاله الثلاثة وأولادهم في المستقبل، لن يتمكنوا من استخدام لقب أمير وأميرة ابتداءً من مطلع عام 2023، وأنه لن يسمح لهم باستخدام إلا لقب «كونت مونبيزا» أو «كونتسية مونبيزا». وبرّرت الملكة قرارها بأنه سيُسمح لأبناء يواكيم بالعيش «حياة طبيعية من دون أن يكونوا مقيّدين باعتبارات وواجبات قد يربطهم بها انتماؤهم للعائلة الملكية». وفي أي حال، تسبب قرار الملكة في غضب يواكيم وعائلته، مما دفع بالملكة إلى إصدار بيان تُعرب فيه عن أسفها لـ«الحزن» الذي تسبب به قرارها، ولكن من دون التراجع عنه. ومن ثمّ، دفع قرار الملكة تجريد أبناء يواكيم من ألقابهم، بيواكيم إلى الإعلان أنه هو وحده الذي سيحضر مراسم تنصيب شقيقه ملكاً، من دون عائلته.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».