بنغلاديش: الشيخة حسينة لانتصار مجهول العواقب

المصالح المشتركة للهند والصين دعمت استمرارية زعيمة «رابطة عوامي» رغم المعارضين

الشيخة حسينة تستقبل مراقبين وصحافيين في مقرها بالعاصمة داكا (رويترز)
الشيخة حسينة تستقبل مراقبين وصحافيين في مقرها بالعاصمة داكا (رويترز)
TT

بنغلاديش: الشيخة حسينة لانتصار مجهول العواقب

الشيخة حسينة تستقبل مراقبين وصحافيين في مقرها بالعاصمة داكا (رويترز)
الشيخة حسينة تستقبل مراقبين وصحافيين في مقرها بالعاصمة داكا (رويترز)

أحرز حزب «رابطة عوامي» الذي تتزعمه رئيسة وزراء بنغلاديش، الشيخة حسينة واجد، فوزاً ساحقاً في الانتخابات البرلمانية الـ12 التي تشهدها البلاد، والتي قاطعتها أحزاب المعارضة. وبهذا الفوز أصبحت الشيخة حسينة، التي تحكم بلا انقطاع منذ 2009، صاحبة أطول فترة قيادة دولة في العالم، كما منح الفوز حزبها فترة رابعة على التوالي في انتخابات من جانب واحد، وشهدت نسبة إقبال ضئيلة بلغت 40 في المائة. أما عن بنغلاديش، التي كانت تُعرف سابقاً بباكستان الشرقية، فإنها بعد نيلها استقلالها عن باكستان عام 1971، وأصبحت ثامن أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان. إذ يبلغ عدد سكانها 174 مليون نسمة (غالبيتهم العظمى من المسلمين). وللعلم، يتألف البرلمان البنغلاديشي من 350 نائباً، منهم 300 يجري انتخابهم بشكل مباشر لفترة خمس سنوات. أما المقاعد الـ50 المتبقية فمخصصة للنساء اللاتي يشكلن ما يقرب من نصف الناخبين المؤهلين البالغ عددهم نحو 120 مليوناً، في حين يبلغ عدد الناخبين لأول مرة قرابة 15 مليوناً. ويتولى النواب الـ300 المنتخبون بدورهم انتخاب 50 نائبة بشكل متناسب للمقاعد المحجوزة. ووفق تقارير إعلامية فإن نسبة المشاركة كانت متدنية بلغت 41.8 في المائة فقط، وفقاً للجنة الانتخابات، مقارنة بأكثر من 80 في المائة في الانتخابات الأخيرة عام 2018.

بينما تبدو بنغلاديش كأنها تشق لنفسها طريقاً نحو الرخاء والتخلص من إرث الانقلابات والاغتيالات، جاءت الانتخابات المفتقرة إلى التنافسية لتكشف كيف تظل السياسة في هذه البلاد رهينة لعقود من العداء بين الحزبين الرئيسيين، «رابطة عوامي» و«الحزب الوطني البنغلاديشي».

وتوافقاً مع ما كانت عليه الحال خلال الجزء الأكبر من العقود الثلاثة الماضية، هيمنت على الساحة السياسية البنغلاديشية حالة من التنافس المرير بين امرأتين: الشيخة حسينة واجد (76 سنة) زعيمة حزب «رابطة عوامي» (يسار الوسط)، والبيغوم خالدة ضياء (78 سنة) زعيمة «الحزب الوطني البنغلاديشي» (يمين الوسط).

حسينة هي ابنة مؤسس لبنغلاديش، الشيخ مجيب الرحمن، الذي قاد حركة استقلال البلاد عن باكستان خلال ديسمبر (كانون الأول) 1971. وفي أغسطس (آب) 1975، اغتيل الشيخ مجيب الرحمن وزوجته (أم حسينة) وإخوتها الثلاثة، إلى جانب الكثير من أفراد الأسرة الآخرين في بنغلاديش في مجزرة مروّعة داخل منزلهم على يد ضباط عسكريين. في حين نجت حسينة وشقيقتها ريحانة من الموت لأنهما كانتا في الخارج.

بعد اغتيال العائلة، عاشت حسينة لسنوات في المنفى بالهند المجاورة. لكنها، عادت في ما بعد إلى الوطن عام 1981، وانضمت إلى منافستها السياسية المستقبلية خالدة ضياء لقيادة انتفاضة شعبية من أجل الديمقراطية أطاحت الحاكم العسكري الجنرال حسين محمد إرشاد من السلطة عام 1990. بيد أن التحالف مع خالدة (أرملة الرئيس الأسبق الجنرال ضياء الرحمن) لم يطل، بل استمر التنافس المرير والعميق بين المرأتين، مهيمناً على الساحة السياسية بالبلاد لعقود.

الانتصار الأول

قادت حسينة «رابطة عوامي» للمرة الأولى نحو نصر انتخابي عام 1996، وحكمت فترة ولاية مدتها خمس سنوات قبل أن تستعيد السلطة عام 2009، ولم تخسرها بعد ذلك قط. غير أن جماعات حقوق الإنسان والحكومات الغربية تتهم الشيخة الملقبة عادة بـ«المرأة الحديدية»، بقمع «الحزب الوطني البنغلاديشي» المعارض وغيره من المعارضين والمنتقدين عبر حملات قمع عنيفة واختلاق مشاكل قانونية أمامهم. ويُذكر أن الجنرال ضياء الرحمن، زوج البيغوم خالدة كان ضابطاً في الجيش، قبل أن يغدو أول ديكتاتور عسكري يحكم بنغلاديش عندما تولى الرئاسة بين عامي 1977 و1981، قبل أن يقضي اغتيالاً.

لماذا قاطعت المعارضة الانتخابات؟

قاطع «الحزب الوطني البنغلاديشي» وحلفاؤه، إلى جانب بعض الأحزاب الإسلامية الكبرى، الانتخابات بعد مطالبتهم باستقالة الحكومة الحالية خلال فترة الانتخابات لصالح حكومة مؤقتة محايدة. إلا أن حسينة رفضت طلب التنحي إبّان الحملة الانتخابية لكي تُجرى الانتخابات تحت إدارة محايدة. وحقاً، احتشد عشرات الآلاف من أنصار المعارضة في العاصمة دكا في ديسمبر 2022 لمطالبة حكومة حسينة بالاستقالة وتعيين حكومة تصريف أعمال محايدة قبل الانتخابات العامة. وفي سلسلة من المقابلات مع وسائل الإعلام المحلية، أعرب عدد من المحللين والشخصيات المدنية عن مخاوفهم بشأن الانتخابات. ورأوا أنه من دون مشاركة «الحزب الوطني البنغلاديشي» والأحزاب الأخرى، ستفتقر النتائج للصدقية، وسيواجه البرلمان الوطني الـ12 فترة صعبة.

في المقابل، استبعدت حسينة وحزبها طلب المعارضة، مبرّرين ذلك بأن تشكيل حكومة انتقالية يتعارض مع روح دستور البلاد. وهنا نذكر أنه لم تُجر سوى أربع من الانتخابات الوطنية الـ11 السابقة في ظل حكومة تصريف أعمال محايدة: خلال الأعوام 1991، و1996، و2001، و2008. ولاقت هذه الانتخابات قبولاً على نطاق واسع، بكونها حرة ونزيهة نسبياً.

لقد أقرّ مبدأ تكليف حكومات تصريف الأعمال بالإشراف على الانتخابات في دستور عام 1996، لكنه ألغي عام 2011 إبان عهد حسينة عبر تعديل دستوري، بعدما قضت المحكمة العليا بأن هذا النظام يتعارض مع الدستور. وعلى الأثر، قاطع «الحزب الوطني البنغلاديشي» انتخابات عام 2014. وكانت نتائج التصويت عام 2018 محل نزاع بسبب مزاعم حول التزوير لصالح «رابطة عوامي» الذي فاز بأغلبية ساحقة.

فترة حكم خالدة

من جهتها، تولّت البيغوم خالدة ضياء رئاسة الحكومة مرتين بين عامي 1991 و1996 وعامي 2001 و2006، وعاون خالدة ولداها طارق الرحمن وعرفات الرحمن (المتوفى الآن). وراهناً، يعيش طارق - الوريث السياسي لخالدة - في المنفى منذ عام 2008، بعدما غادر بنغلاديش لأول مرة لتلقي العلاج الطبي، وهو يدير حزبه اليوم من لندن.

خالدة كانت اتُّهمت بسرقة 252.000 دولار من صندوق أسس أصلاً لدار أيتام. وحكم القضاء على ابنها طارق أيضاً بالسجن لمدة تسع سنوات بتهم الفساد في قضية رفعتها حكومة حسينة عام 2007. ويزعم أنصار «الحزب الوطني البنغلاديشي» أن وراء الحكم دوافع سياسية، أبرزها إبعاد طارق عن السياسة، حيث يقولون إنه إذا عاد إلى بنغلاديش سيُعتقَل، ويُزَج به في السجن.

أما خالدة فتعيش قيد الإقامة الجبرية، وما زال حزبها يواجه تحديات متزايدة من جانب حكومة حسينة، بينها منعها من مغادرة البلاد لتلقي العلاج الطبي. وبالفعل، انتقد «الحزب الوطني البنغلاديشي» وعدّها عملاً من أعمال «الانتقام السياسي».

أيضاً برّرت الشيخة حسينة موقفها بأن على خالدة تمضية عقوبة السجن قبل الحصول على الإذن بالمغادرة؛ إذ قالت لوسائل الإعلام: «عليها العودة إلى السجن أولاً إذا أرادت السفر إلى الخارج لتلقي العلاج، وإذا أراد حزبها نقلها للخارج يتوجب عليه الذهاب إلى المحكمة والتقدم بطلب للحصول على ذلك، وإذا سمحت يمكنها السفر».

انتخابات «صوَرية»

في أي حال، زعم «الحزب الوطني البنغلاديشي» أن «رابطة عوامي» دعمت مرشحين «صوريين» كمستقلين لمحاولة جعل الانتخابات تبدو ديمقراطية. كذلك وصف الجنرال المتقاعد سخاوت حسين، مفوض الانتخابات السابق، انتخابات الأحد الفائت بأنها «صورية». وفعلاً، بقاء خالدة قيد الإقامة الجبرية واستمرار غياب حزبها عن المشهد السياسي، يهددان النفوذ السياسي الذي يتمتع به الحزب، في حين تبدو حسينة في طريقها لأن تغدو أقوى وأكثر نفوذاً، على غرار مثلها الأعلى أنديرا غاندي، حسبما يضيف تقرير نشرته صحيفة «إنديان إكسبريس».

صناديق الاقتراع داخل أحد مراكز الفرز (رويترز)

الهند والصين تدعمان الشيخة حسينة

يقدر حجم اقتصاد بنغلاديش بـ400 مليار دولار، ونما بنسبة 7.1 في المائة عام 2022. وفي الوقت ذاته، لدى كل من الهند والصين مصالح كبيرة في نتيجة العملية الانتخابية ومصداقيتها، ليس فقط بفضل علاقاتهما الاقتصادية القوية مع بنغلاديش، بل أيضاً في ضوء التنافس الأوسع بينهما على مستوى المنطقة. ورغم تفضيل الولايات المتحدة والدول الأوروبية تشكيل حكومة محايدة قبل الانتخابات الأخيرة، وقف الغريمان الآسيويان، الهند والصين، صفاً واحداً خلف الشيخة حسينة. إذ كانت واشنطن قد اعتمدت سياسة تأشيرات جديدة لبنغلاديش في العام الماضي بهدف «دعم الانتخابات الحرة والنزيهة» في البلاد، وهي تتيح للسلطات الأميركية رفض منح التأشيرات لأي فرد أو كيان يعرقل العملية الانتخابية في بنغلاديش. لكن لدى كل من الهند والصين رغبة ومصلحة كبرى في بقاء «رابطة عوامي» بزعامة حسينة في سدة الحكم.

في الواقع، الشيخة حسينة كانت دائماً تضع في حسبانها المصالح الهندية، رغم توسع نطاق الوجود الصيني بقطاع البنية التحتية. وتكشف الأرقام عن أن التجارة الثنائية بين الهند وبنغلاديش تجاوزت 15 مليار دولار في 2021-2022. كذلك، ترى الهند بنغلاديش «منطقة عازلة» شرقية حيوية، وتؤمّن دعماً محورياً لها على مستوى الموانئ والوصول إلى شبكة الكهرباء، ثم أن الروابط التاريخية والتلاصق الجغرافي يعززان العلاقات التجارية التكافلية بين الجانبين.

وبالتوازي، تجاوزت التجارة الثنائية بين بنغلاديش والصين 25 مليار دولار عام 2022. وتتوافق بنغلاديش استراتيجياً مع الصين، التي تساعد في تحويل المشهد العام بها من خلال مشروعات ضخمة. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في مشروعات البنية التحتية الممولة عبر «مبادرة الحزام والطريق» 10 مليارات دولار.

حول الحسابات السياسية لعلاقات نيودلهي وبكين مع مَن يحكم في دكا، يقول المعلق السياسي سي. رجا موهان: «جرت مراقبة الانتخابات البنغلاديشية باهتمام كبير في الهند، لجملة من الأسباب، أبرزها:

- تشارك بنغلاديش مع الهند في حدود يبلغ طولها 4096 كلم، هي الأطول للهند مع أي من جيرانها.

- العلاقات التاريخية والثقافية والاقتصادية عميقة التي تعني أن بنغلاديش مستقرة ومزدهرة وصديقة يصبّ في مصلحة الهند؛ ولذا تقف بقوة خلف الشيخة حسينة.

- لطالما كان المنافس الرئيسي لحسينة، أي «الحزب الوطني البنغلاديشي»، يتمتع دائماً بعلاقات وثيقة مع «الجماعة الإسلامية» ويرتبط الحزب بتحالف تقليدي مع باكستان. وحقاً، إبان حكم «الحزب الوطني البنغلاديشي»، وقعت هجمات إرهابية عدة ضد الهند من داخل بنغلاديش. وبالتالي، تخشى نيودلهي أنه إذا عاد إلى السلطة، قد يتحول الإرهاب هاجساً كبيراً.

أما بالنسبة لبكين، فقد نما الحضور الصيني في بنغلاديش بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. وبعد عام 2016، انضمت بنغلاديش، مثل دول أخرى بالمنطقة، إلى «مبادرة الحزام والطريق» الصينية. ومنذ ذلك الحين، أنجزت الصين الكثير من مشروعات البنية التحتية في البلاد. وخلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أنجز بناء وصلة السكك الحديدية «جسر بادما»، بجانب مشاركة بكين في الكثير من المشروعات الأخرى داخل بنغلاديش. وبالتالي، يهم بكين الاستمرارية والاستقرار داخل بنغلاديش؛ لضمان نجاح خطط «مبادرة الحزام والطريق»، وترى أن قوة «رابطة عوامي» الخيار الأفضل لتحقيق هذا النجاح.

التحديات أمام حسينة

على صعيد آخر، ستواجه حكم الشيخة حسينة تحديات عدة. وهنا يرى الصحافي صلاح الدين شعيب شودري، المقيم في بنغلاديش، أن «أحد أكبر التحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجه حسينة سيكون إدارة مخاطر الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات، لا سيما وأن الانتخابات تسببت في تفاقم الاستقطاب السياسي الخطير في البلاد. وبينما طمّعت النتيجة «رابطة عوامي» يشعر «الحزب الوطني البنغلاديشي» بالغضب والظلم... وسيكون من الحكمة رصد ردة الفعل التالية التي سيتخذها «الحزب»، فهل سيبقى مبتعداً عن دائرة الضوء أم سيحاول تعزيز جهود المقاومة من جانبه؟».

ويرى شودري، أنه رغم الاتهامات الغربية بانحسار الديمقراطية، فإن ما تسعى إليه «رابطة عوامي» الحاكمة لنفسها هو سياساتها وأدائها، ومن المتوقع أن تصبح بنغلاديش دولة متوسطة الدخل بحلول عام 2041. كما أنها في طريقها للخروج من فئة أقل البلدان نمواً، تبعاً لتصنيف الأمم المتحدة بحلول عام 2026. وبالمقارنة مع بلدان جنوب آسيا الأخرى، تجد بنغلاديش نفسها أعلى من المتوسط في معايير مؤشر التنمية البشرية. وأفاد تقرير للبنك الدولي صدر في أكتوبر (تشرين الأول) بأن معدل الفقر المدقع انخفض من 9 في المائة عام 2016 إلى 5 في المائة عام 2022. وقد يشكّل هذا الوضع تحدياً لبعض علاقات دكا الدبلوماسية، خاصة مع واشنطن.

أما سيما غوها، الصحافية المعنية بشؤون بنغلاديش، فتعلّق: «ثمة إجماع واسع في الولايات المتحدة وأوروبا على أن هذه لم تكن انتخابات ديمقراطية. وكمثال، لم يرسل الاتحاد الأوروبي بعثة لمراقبة الانتخابات بسبب انعدام الظروف المواتية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وكذلك ضمان عمل البعثة نفسها بحرية. إن قمع المعارضة البنغلاديشية أمر معروف ومرفوض بشكل عام داخل الولايات المتحدة والعواصم الأوروبية».

على هذا، يرد أنصار حسينة وحزبها «رابطة عوامي» بالقول إن الرئيسة والحزب شيّدا دولة تتمتع بصناعة متنامية ومشروعات تنموية مزدهرة. وكذلك أسهم الاستقرار في تجنيب بنغلاديش الانقلابات العسكرية.

وعلى الساحة الدولية، نجحت في تعزيز العلاقات مع الدول القوية، وتحقيق توازن بعلاقات بلدها مع قوى متنافسة. ثم أنها مدعومة بقوة من كل من الهند والصين، حتى عندما تواجه العملاقان الآسيويان عسكرياً في المناطق الحدودية المتنازع عليها، ناهيك من تمويلهما عدداً كبيراً من مشروعات البنية التحتية البنغلاديشية.

أيضاً في عهد حسينة، بنت دكا علاقات مهمة مع روسيا، حتى عندما كانت تضغط لوقف القتال في أوكرانيا، وتتودّد على نحو متزايد إلى الزعماء الغربيين.

ثم أنه يُنسب إلى حسينة الفضل في تغيير مسار الاقتصاد البالغ حجمه 416 مليار دولار وصناعة الملابس الضخمة، في حين نالت كذلك إشادة دولية لإيواء ما يقرب من مليون مسلم من الروهينغا الفارين من الاضطهاد في ميانمار المجاورة. ورغم، الهزة الاقتصادية خلال الأشهر الأخيرة، إثر اشتعال احتجاجات عنيفة على القفزة في تكاليف المعيشة، وافق صندوق النقد الدولي على المراجعة الأولى لخطة إنقاذ بنغلاديش البالغة 4.7 مليار دولار في ديسمبر الماضي؛ ما أتاح الوصول الفوري إلى نحو 468.3 مليون دولار وأتاح 221.5 مليون دولار لأجندة مكافحة التغييرات المناخية.

ناشطو المعارضة في تظاهرة تدعو إلى مقاطعة الانتخابات (رويترز)

أحداث وعنف وانتخابات في بنغلاديش

1971: ولادة بنغلاديش، بعد حرب مزَّقت باكستان، بقيادة «رابطة عوامي» وزعيمها الشيخ مجيب الرحمن. 1973: أول انتخابات انتهت بانتصار ساحق لـ«رابطة عوامي»، وسط مزاعم بوقوع تزوير في بعض الأماكن. 1974: مجيب يحظر أحزاب المعارضة، ويحول بنغلاديش فعلياً إلى نظام الحزب الواحد. 1975: قتل مجيب إثر انقلاب عسكري مع معظم أفراد عائلته. ولم ينجُ سوى ابنتيه الشيخة حسينة والشيخة ريحانة، اللتين كانتا في الخارج ذلك الوقت. الجنرال ضياء الرحمن تولى المسؤولية فعلياً. 1979: «الحزب الوطني البنغلاديشي» يفوز بالانتخابات، بقيادة ضياء الرحمن، و«رابطة عوامي» تزعم حدوث عمليات تزوير واسعة وترفض النتائج. 1981: اغتيال ضياء الرحمن، وتولي نائبه عبد الستار السلطة، وفوزه بالانتخابات العامة. 1982: قائد الجيش الجنرال حسين إرشاد يقود انقلاباً آخر. 1986: حزب «غاتيا» بزعامة إرشاد يفوز بالانتخابات، وسط إقبال ضعيف. «الحزب الوطني البنغلاديشي»، الذي تترأسه الآن خالدة ضياء، أرملة ضياء الرحمن، يقاطع، بينما يشارك حزب «رابطة عوامي» بقيادة حسينة. الغالبية ترى أن النتائج غير مشروعة. 1988: انتخابات أخرى وسط دعوات لإقالة إرشاد، قاطعها كل من «رابطة عوامي» و«الحزب الوطني البنغلاديشي»، وقادت خالدة وحسينة الاحتجاجات معاً. 1990: استقالة إرشاد وسط احتجاجات حاشدة، وتولي حكومة تصريف الأعمال السلطة. 1991: «الحزب الوطني البنغلاديشي» يفوز بغالبية ضئيلة فيما عُدَّت الانتخابات الأكثر نزاهة حتى الآن. خالدة تصبح رئيسة للوزراء، و«رابطة عوامي» في المعارضة. 1996: «الحزب الوطني البنغلاديشي» يرفض تعيين حكومة تصريف أعمال، ويفوز في انتخابات مثيرة للجدل مع مقاطعة معظم الأحزاب. تستمر الحكومة 12 يوماً فقط، وتُجرى الانتخابات مرة أخرى، وهذه المرة في ظل حكومة تصريف أعمال. فوز «رابطة عوامي» وتولي حسينة مقاليد السلطة للمرة الأولى. 2001: «الحزب الوطني البنغلاديشي» يفوز في الانتخابات في ظل حكومة تصريف أعمال. ويمنح الحقائب الوزارية للجماعة الإسلامية. عنف انتخابي يستهدف الأقلية الهندوسية في بنغلاديش. 2006: حالة جمود مع عجز «الحزب الوطني البنغلاديشي» و«رابطة عوامي» عن اتخاذ قرار بشأن حكومة تصريف الأعمال، والرئيس عياض الدين أحمد، بدعم من الجيش، يعلن نفسه زعيماً للبلاد. 2007: حكومة تصريف الأعمال المدعومة من الجيش تعتقل خالدة ضياء والشيخة حسينة بتهم الفساد. 2008: إجراء انتخابات في ظل حكومة تصريف الأعمال، وحققت الشيخة حسينة و«التحالف الكبير» بقيادة «رابطة عوامي» فوزاً كاسحاً. 2011: حسينة تلغي الأحكام المتعلقة بحكومة تصريف الأعمال مستشهدة بالخبرة السابقة في الفترة من 2006 إلى 2007. المعارضة تتعرض للقمع. 2014: وضع خالدة قيد الإقامة الجبرية، و«الحزب الوطني البنغلاديشي» وأحزاب المعارضة يقاطعون الانتخابات. وفوز كبير آخر لـ«رابطة عوامي». 2018: «رابطة عوامي» يحقق انتصاراً ساحقاً، حتى مع ظهور تقارير عن العنف وقمع الناخبين وتزوير الانتخابات مرة أخرى. «الحزب الوطني البنغلاديشي» يقاطع الانتخابات من جديد.



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».