بنغلاديش: الشيخة حسينة لانتصار مجهول العواقب

المصالح المشتركة للهند والصين دعمت استمرارية زعيمة «رابطة عوامي» رغم المعارضين

الشيخة حسينة تستقبل مراقبين وصحافيين في مقرها بالعاصمة داكا (رويترز)
الشيخة حسينة تستقبل مراقبين وصحافيين في مقرها بالعاصمة داكا (رويترز)
TT

بنغلاديش: الشيخة حسينة لانتصار مجهول العواقب

الشيخة حسينة تستقبل مراقبين وصحافيين في مقرها بالعاصمة داكا (رويترز)
الشيخة حسينة تستقبل مراقبين وصحافيين في مقرها بالعاصمة داكا (رويترز)

أحرز حزب «رابطة عوامي» الذي تتزعمه رئيسة وزراء بنغلاديش، الشيخة حسينة واجد، فوزاً ساحقاً في الانتخابات البرلمانية الـ12 التي تشهدها البلاد، والتي قاطعتها أحزاب المعارضة. وبهذا الفوز أصبحت الشيخة حسينة، التي تحكم بلا انقطاع منذ 2009، صاحبة أطول فترة قيادة دولة في العالم، كما منح الفوز حزبها فترة رابعة على التوالي في انتخابات من جانب واحد، وشهدت نسبة إقبال ضئيلة بلغت 40 في المائة. أما عن بنغلاديش، التي كانت تُعرف سابقاً بباكستان الشرقية، فإنها بعد نيلها استقلالها عن باكستان عام 1971، وأصبحت ثامن أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان. إذ يبلغ عدد سكانها 174 مليون نسمة (غالبيتهم العظمى من المسلمين). وللعلم، يتألف البرلمان البنغلاديشي من 350 نائباً، منهم 300 يجري انتخابهم بشكل مباشر لفترة خمس سنوات. أما المقاعد الـ50 المتبقية فمخصصة للنساء اللاتي يشكلن ما يقرب من نصف الناخبين المؤهلين البالغ عددهم نحو 120 مليوناً، في حين يبلغ عدد الناخبين لأول مرة قرابة 15 مليوناً. ويتولى النواب الـ300 المنتخبون بدورهم انتخاب 50 نائبة بشكل متناسب للمقاعد المحجوزة. ووفق تقارير إعلامية فإن نسبة المشاركة كانت متدنية بلغت 41.8 في المائة فقط، وفقاً للجنة الانتخابات، مقارنة بأكثر من 80 في المائة في الانتخابات الأخيرة عام 2018.

بينما تبدو بنغلاديش كأنها تشق لنفسها طريقاً نحو الرخاء والتخلص من إرث الانقلابات والاغتيالات، جاءت الانتخابات المفتقرة إلى التنافسية لتكشف كيف تظل السياسة في هذه البلاد رهينة لعقود من العداء بين الحزبين الرئيسيين، «رابطة عوامي» و«الحزب الوطني البنغلاديشي».

وتوافقاً مع ما كانت عليه الحال خلال الجزء الأكبر من العقود الثلاثة الماضية، هيمنت على الساحة السياسية البنغلاديشية حالة من التنافس المرير بين امرأتين: الشيخة حسينة واجد (76 سنة) زعيمة حزب «رابطة عوامي» (يسار الوسط)، والبيغوم خالدة ضياء (78 سنة) زعيمة «الحزب الوطني البنغلاديشي» (يمين الوسط).

حسينة هي ابنة مؤسس لبنغلاديش، الشيخ مجيب الرحمن، الذي قاد حركة استقلال البلاد عن باكستان خلال ديسمبر (كانون الأول) 1971. وفي أغسطس (آب) 1975، اغتيل الشيخ مجيب الرحمن وزوجته (أم حسينة) وإخوتها الثلاثة، إلى جانب الكثير من أفراد الأسرة الآخرين في بنغلاديش في مجزرة مروّعة داخل منزلهم على يد ضباط عسكريين. في حين نجت حسينة وشقيقتها ريحانة من الموت لأنهما كانتا في الخارج.

بعد اغتيال العائلة، عاشت حسينة لسنوات في المنفى بالهند المجاورة. لكنها، عادت في ما بعد إلى الوطن عام 1981، وانضمت إلى منافستها السياسية المستقبلية خالدة ضياء لقيادة انتفاضة شعبية من أجل الديمقراطية أطاحت الحاكم العسكري الجنرال حسين محمد إرشاد من السلطة عام 1990. بيد أن التحالف مع خالدة (أرملة الرئيس الأسبق الجنرال ضياء الرحمن) لم يطل، بل استمر التنافس المرير والعميق بين المرأتين، مهيمناً على الساحة السياسية بالبلاد لعقود.

الانتصار الأول

قادت حسينة «رابطة عوامي» للمرة الأولى نحو نصر انتخابي عام 1996، وحكمت فترة ولاية مدتها خمس سنوات قبل أن تستعيد السلطة عام 2009، ولم تخسرها بعد ذلك قط. غير أن جماعات حقوق الإنسان والحكومات الغربية تتهم الشيخة الملقبة عادة بـ«المرأة الحديدية»، بقمع «الحزب الوطني البنغلاديشي» المعارض وغيره من المعارضين والمنتقدين عبر حملات قمع عنيفة واختلاق مشاكل قانونية أمامهم. ويُذكر أن الجنرال ضياء الرحمن، زوج البيغوم خالدة كان ضابطاً في الجيش، قبل أن يغدو أول ديكتاتور عسكري يحكم بنغلاديش عندما تولى الرئاسة بين عامي 1977 و1981، قبل أن يقضي اغتيالاً.

لماذا قاطعت المعارضة الانتخابات؟

قاطع «الحزب الوطني البنغلاديشي» وحلفاؤه، إلى جانب بعض الأحزاب الإسلامية الكبرى، الانتخابات بعد مطالبتهم باستقالة الحكومة الحالية خلال فترة الانتخابات لصالح حكومة مؤقتة محايدة. إلا أن حسينة رفضت طلب التنحي إبّان الحملة الانتخابية لكي تُجرى الانتخابات تحت إدارة محايدة. وحقاً، احتشد عشرات الآلاف من أنصار المعارضة في العاصمة دكا في ديسمبر 2022 لمطالبة حكومة حسينة بالاستقالة وتعيين حكومة تصريف أعمال محايدة قبل الانتخابات العامة. وفي سلسلة من المقابلات مع وسائل الإعلام المحلية، أعرب عدد من المحللين والشخصيات المدنية عن مخاوفهم بشأن الانتخابات. ورأوا أنه من دون مشاركة «الحزب الوطني البنغلاديشي» والأحزاب الأخرى، ستفتقر النتائج للصدقية، وسيواجه البرلمان الوطني الـ12 فترة صعبة.

في المقابل، استبعدت حسينة وحزبها طلب المعارضة، مبرّرين ذلك بأن تشكيل حكومة انتقالية يتعارض مع روح دستور البلاد. وهنا نذكر أنه لم تُجر سوى أربع من الانتخابات الوطنية الـ11 السابقة في ظل حكومة تصريف أعمال محايدة: خلال الأعوام 1991، و1996، و2001، و2008. ولاقت هذه الانتخابات قبولاً على نطاق واسع، بكونها حرة ونزيهة نسبياً.

لقد أقرّ مبدأ تكليف حكومات تصريف الأعمال بالإشراف على الانتخابات في دستور عام 1996، لكنه ألغي عام 2011 إبان عهد حسينة عبر تعديل دستوري، بعدما قضت المحكمة العليا بأن هذا النظام يتعارض مع الدستور. وعلى الأثر، قاطع «الحزب الوطني البنغلاديشي» انتخابات عام 2014. وكانت نتائج التصويت عام 2018 محل نزاع بسبب مزاعم حول التزوير لصالح «رابطة عوامي» الذي فاز بأغلبية ساحقة.

فترة حكم خالدة

من جهتها، تولّت البيغوم خالدة ضياء رئاسة الحكومة مرتين بين عامي 1991 و1996 وعامي 2001 و2006، وعاون خالدة ولداها طارق الرحمن وعرفات الرحمن (المتوفى الآن). وراهناً، يعيش طارق - الوريث السياسي لخالدة - في المنفى منذ عام 2008، بعدما غادر بنغلاديش لأول مرة لتلقي العلاج الطبي، وهو يدير حزبه اليوم من لندن.

خالدة كانت اتُّهمت بسرقة 252.000 دولار من صندوق أسس أصلاً لدار أيتام. وحكم القضاء على ابنها طارق أيضاً بالسجن لمدة تسع سنوات بتهم الفساد في قضية رفعتها حكومة حسينة عام 2007. ويزعم أنصار «الحزب الوطني البنغلاديشي» أن وراء الحكم دوافع سياسية، أبرزها إبعاد طارق عن السياسة، حيث يقولون إنه إذا عاد إلى بنغلاديش سيُعتقَل، ويُزَج به في السجن.

أما خالدة فتعيش قيد الإقامة الجبرية، وما زال حزبها يواجه تحديات متزايدة من جانب حكومة حسينة، بينها منعها من مغادرة البلاد لتلقي العلاج الطبي. وبالفعل، انتقد «الحزب الوطني البنغلاديشي» وعدّها عملاً من أعمال «الانتقام السياسي».

أيضاً برّرت الشيخة حسينة موقفها بأن على خالدة تمضية عقوبة السجن قبل الحصول على الإذن بالمغادرة؛ إذ قالت لوسائل الإعلام: «عليها العودة إلى السجن أولاً إذا أرادت السفر إلى الخارج لتلقي العلاج، وإذا أراد حزبها نقلها للخارج يتوجب عليه الذهاب إلى المحكمة والتقدم بطلب للحصول على ذلك، وإذا سمحت يمكنها السفر».

انتخابات «صوَرية»

في أي حال، زعم «الحزب الوطني البنغلاديشي» أن «رابطة عوامي» دعمت مرشحين «صوريين» كمستقلين لمحاولة جعل الانتخابات تبدو ديمقراطية. كذلك وصف الجنرال المتقاعد سخاوت حسين، مفوض الانتخابات السابق، انتخابات الأحد الفائت بأنها «صورية». وفعلاً، بقاء خالدة قيد الإقامة الجبرية واستمرار غياب حزبها عن المشهد السياسي، يهددان النفوذ السياسي الذي يتمتع به الحزب، في حين تبدو حسينة في طريقها لأن تغدو أقوى وأكثر نفوذاً، على غرار مثلها الأعلى أنديرا غاندي، حسبما يضيف تقرير نشرته صحيفة «إنديان إكسبريس».

صناديق الاقتراع داخل أحد مراكز الفرز (رويترز)

الهند والصين تدعمان الشيخة حسينة

يقدر حجم اقتصاد بنغلاديش بـ400 مليار دولار، ونما بنسبة 7.1 في المائة عام 2022. وفي الوقت ذاته، لدى كل من الهند والصين مصالح كبيرة في نتيجة العملية الانتخابية ومصداقيتها، ليس فقط بفضل علاقاتهما الاقتصادية القوية مع بنغلاديش، بل أيضاً في ضوء التنافس الأوسع بينهما على مستوى المنطقة. ورغم تفضيل الولايات المتحدة والدول الأوروبية تشكيل حكومة محايدة قبل الانتخابات الأخيرة، وقف الغريمان الآسيويان، الهند والصين، صفاً واحداً خلف الشيخة حسينة. إذ كانت واشنطن قد اعتمدت سياسة تأشيرات جديدة لبنغلاديش في العام الماضي بهدف «دعم الانتخابات الحرة والنزيهة» في البلاد، وهي تتيح للسلطات الأميركية رفض منح التأشيرات لأي فرد أو كيان يعرقل العملية الانتخابية في بنغلاديش. لكن لدى كل من الهند والصين رغبة ومصلحة كبرى في بقاء «رابطة عوامي» بزعامة حسينة في سدة الحكم.

في الواقع، الشيخة حسينة كانت دائماً تضع في حسبانها المصالح الهندية، رغم توسع نطاق الوجود الصيني بقطاع البنية التحتية. وتكشف الأرقام عن أن التجارة الثنائية بين الهند وبنغلاديش تجاوزت 15 مليار دولار في 2021-2022. كذلك، ترى الهند بنغلاديش «منطقة عازلة» شرقية حيوية، وتؤمّن دعماً محورياً لها على مستوى الموانئ والوصول إلى شبكة الكهرباء، ثم أن الروابط التاريخية والتلاصق الجغرافي يعززان العلاقات التجارية التكافلية بين الجانبين.

وبالتوازي، تجاوزت التجارة الثنائية بين بنغلاديش والصين 25 مليار دولار عام 2022. وتتوافق بنغلاديش استراتيجياً مع الصين، التي تساعد في تحويل المشهد العام بها من خلال مشروعات ضخمة. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في مشروعات البنية التحتية الممولة عبر «مبادرة الحزام والطريق» 10 مليارات دولار.

حول الحسابات السياسية لعلاقات نيودلهي وبكين مع مَن يحكم في دكا، يقول المعلق السياسي سي. رجا موهان: «جرت مراقبة الانتخابات البنغلاديشية باهتمام كبير في الهند، لجملة من الأسباب، أبرزها:

- تشارك بنغلاديش مع الهند في حدود يبلغ طولها 4096 كلم، هي الأطول للهند مع أي من جيرانها.

- العلاقات التاريخية والثقافية والاقتصادية عميقة التي تعني أن بنغلاديش مستقرة ومزدهرة وصديقة يصبّ في مصلحة الهند؛ ولذا تقف بقوة خلف الشيخة حسينة.

- لطالما كان المنافس الرئيسي لحسينة، أي «الحزب الوطني البنغلاديشي»، يتمتع دائماً بعلاقات وثيقة مع «الجماعة الإسلامية» ويرتبط الحزب بتحالف تقليدي مع باكستان. وحقاً، إبان حكم «الحزب الوطني البنغلاديشي»، وقعت هجمات إرهابية عدة ضد الهند من داخل بنغلاديش. وبالتالي، تخشى نيودلهي أنه إذا عاد إلى السلطة، قد يتحول الإرهاب هاجساً كبيراً.

أما بالنسبة لبكين، فقد نما الحضور الصيني في بنغلاديش بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. وبعد عام 2016، انضمت بنغلاديش، مثل دول أخرى بالمنطقة، إلى «مبادرة الحزام والطريق» الصينية. ومنذ ذلك الحين، أنجزت الصين الكثير من مشروعات البنية التحتية في البلاد. وخلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أنجز بناء وصلة السكك الحديدية «جسر بادما»، بجانب مشاركة بكين في الكثير من المشروعات الأخرى داخل بنغلاديش. وبالتالي، يهم بكين الاستمرارية والاستقرار داخل بنغلاديش؛ لضمان نجاح خطط «مبادرة الحزام والطريق»، وترى أن قوة «رابطة عوامي» الخيار الأفضل لتحقيق هذا النجاح.

التحديات أمام حسينة

على صعيد آخر، ستواجه حكم الشيخة حسينة تحديات عدة. وهنا يرى الصحافي صلاح الدين شعيب شودري، المقيم في بنغلاديش، أن «أحد أكبر التحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجه حسينة سيكون إدارة مخاطر الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات، لا سيما وأن الانتخابات تسببت في تفاقم الاستقطاب السياسي الخطير في البلاد. وبينما طمّعت النتيجة «رابطة عوامي» يشعر «الحزب الوطني البنغلاديشي» بالغضب والظلم... وسيكون من الحكمة رصد ردة الفعل التالية التي سيتخذها «الحزب»، فهل سيبقى مبتعداً عن دائرة الضوء أم سيحاول تعزيز جهود المقاومة من جانبه؟».

ويرى شودري، أنه رغم الاتهامات الغربية بانحسار الديمقراطية، فإن ما تسعى إليه «رابطة عوامي» الحاكمة لنفسها هو سياساتها وأدائها، ومن المتوقع أن تصبح بنغلاديش دولة متوسطة الدخل بحلول عام 2041. كما أنها في طريقها للخروج من فئة أقل البلدان نمواً، تبعاً لتصنيف الأمم المتحدة بحلول عام 2026. وبالمقارنة مع بلدان جنوب آسيا الأخرى، تجد بنغلاديش نفسها أعلى من المتوسط في معايير مؤشر التنمية البشرية. وأفاد تقرير للبنك الدولي صدر في أكتوبر (تشرين الأول) بأن معدل الفقر المدقع انخفض من 9 في المائة عام 2016 إلى 5 في المائة عام 2022. وقد يشكّل هذا الوضع تحدياً لبعض علاقات دكا الدبلوماسية، خاصة مع واشنطن.

أما سيما غوها، الصحافية المعنية بشؤون بنغلاديش، فتعلّق: «ثمة إجماع واسع في الولايات المتحدة وأوروبا على أن هذه لم تكن انتخابات ديمقراطية. وكمثال، لم يرسل الاتحاد الأوروبي بعثة لمراقبة الانتخابات بسبب انعدام الظروف المواتية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وكذلك ضمان عمل البعثة نفسها بحرية. إن قمع المعارضة البنغلاديشية أمر معروف ومرفوض بشكل عام داخل الولايات المتحدة والعواصم الأوروبية».

على هذا، يرد أنصار حسينة وحزبها «رابطة عوامي» بالقول إن الرئيسة والحزب شيّدا دولة تتمتع بصناعة متنامية ومشروعات تنموية مزدهرة. وكذلك أسهم الاستقرار في تجنيب بنغلاديش الانقلابات العسكرية.

وعلى الساحة الدولية، نجحت في تعزيز العلاقات مع الدول القوية، وتحقيق توازن بعلاقات بلدها مع قوى متنافسة. ثم أنها مدعومة بقوة من كل من الهند والصين، حتى عندما تواجه العملاقان الآسيويان عسكرياً في المناطق الحدودية المتنازع عليها، ناهيك من تمويلهما عدداً كبيراً من مشروعات البنية التحتية البنغلاديشية.

أيضاً في عهد حسينة، بنت دكا علاقات مهمة مع روسيا، حتى عندما كانت تضغط لوقف القتال في أوكرانيا، وتتودّد على نحو متزايد إلى الزعماء الغربيين.

ثم أنه يُنسب إلى حسينة الفضل في تغيير مسار الاقتصاد البالغ حجمه 416 مليار دولار وصناعة الملابس الضخمة، في حين نالت كذلك إشادة دولية لإيواء ما يقرب من مليون مسلم من الروهينغا الفارين من الاضطهاد في ميانمار المجاورة. ورغم، الهزة الاقتصادية خلال الأشهر الأخيرة، إثر اشتعال احتجاجات عنيفة على القفزة في تكاليف المعيشة، وافق صندوق النقد الدولي على المراجعة الأولى لخطة إنقاذ بنغلاديش البالغة 4.7 مليار دولار في ديسمبر الماضي؛ ما أتاح الوصول الفوري إلى نحو 468.3 مليون دولار وأتاح 221.5 مليون دولار لأجندة مكافحة التغييرات المناخية.

ناشطو المعارضة في تظاهرة تدعو إلى مقاطعة الانتخابات (رويترز)

أحداث وعنف وانتخابات في بنغلاديش

1971: ولادة بنغلاديش، بعد حرب مزَّقت باكستان، بقيادة «رابطة عوامي» وزعيمها الشيخ مجيب الرحمن. 1973: أول انتخابات انتهت بانتصار ساحق لـ«رابطة عوامي»، وسط مزاعم بوقوع تزوير في بعض الأماكن. 1974: مجيب يحظر أحزاب المعارضة، ويحول بنغلاديش فعلياً إلى نظام الحزب الواحد. 1975: قتل مجيب إثر انقلاب عسكري مع معظم أفراد عائلته. ولم ينجُ سوى ابنتيه الشيخة حسينة والشيخة ريحانة، اللتين كانتا في الخارج ذلك الوقت. الجنرال ضياء الرحمن تولى المسؤولية فعلياً. 1979: «الحزب الوطني البنغلاديشي» يفوز بالانتخابات، بقيادة ضياء الرحمن، و«رابطة عوامي» تزعم حدوث عمليات تزوير واسعة وترفض النتائج. 1981: اغتيال ضياء الرحمن، وتولي نائبه عبد الستار السلطة، وفوزه بالانتخابات العامة. 1982: قائد الجيش الجنرال حسين إرشاد يقود انقلاباً آخر. 1986: حزب «غاتيا» بزعامة إرشاد يفوز بالانتخابات، وسط إقبال ضعيف. «الحزب الوطني البنغلاديشي»، الذي تترأسه الآن خالدة ضياء، أرملة ضياء الرحمن، يقاطع، بينما يشارك حزب «رابطة عوامي» بقيادة حسينة. الغالبية ترى أن النتائج غير مشروعة. 1988: انتخابات أخرى وسط دعوات لإقالة إرشاد، قاطعها كل من «رابطة عوامي» و«الحزب الوطني البنغلاديشي»، وقادت خالدة وحسينة الاحتجاجات معاً. 1990: استقالة إرشاد وسط احتجاجات حاشدة، وتولي حكومة تصريف الأعمال السلطة. 1991: «الحزب الوطني البنغلاديشي» يفوز بغالبية ضئيلة فيما عُدَّت الانتخابات الأكثر نزاهة حتى الآن. خالدة تصبح رئيسة للوزراء، و«رابطة عوامي» في المعارضة. 1996: «الحزب الوطني البنغلاديشي» يرفض تعيين حكومة تصريف أعمال، ويفوز في انتخابات مثيرة للجدل مع مقاطعة معظم الأحزاب. تستمر الحكومة 12 يوماً فقط، وتُجرى الانتخابات مرة أخرى، وهذه المرة في ظل حكومة تصريف أعمال. فوز «رابطة عوامي» وتولي حسينة مقاليد السلطة للمرة الأولى. 2001: «الحزب الوطني البنغلاديشي» يفوز في الانتخابات في ظل حكومة تصريف أعمال. ويمنح الحقائب الوزارية للجماعة الإسلامية. عنف انتخابي يستهدف الأقلية الهندوسية في بنغلاديش. 2006: حالة جمود مع عجز «الحزب الوطني البنغلاديشي» و«رابطة عوامي» عن اتخاذ قرار بشأن حكومة تصريف الأعمال، والرئيس عياض الدين أحمد، بدعم من الجيش، يعلن نفسه زعيماً للبلاد. 2007: حكومة تصريف الأعمال المدعومة من الجيش تعتقل خالدة ضياء والشيخة حسينة بتهم الفساد. 2008: إجراء انتخابات في ظل حكومة تصريف الأعمال، وحققت الشيخة حسينة و«التحالف الكبير» بقيادة «رابطة عوامي» فوزاً كاسحاً. 2011: حسينة تلغي الأحكام المتعلقة بحكومة تصريف الأعمال مستشهدة بالخبرة السابقة في الفترة من 2006 إلى 2007. المعارضة تتعرض للقمع. 2014: وضع خالدة قيد الإقامة الجبرية، و«الحزب الوطني البنغلاديشي» وأحزاب المعارضة يقاطعون الانتخابات. وفوز كبير آخر لـ«رابطة عوامي». 2018: «رابطة عوامي» يحقق انتصاراً ساحقاً، حتى مع ظهور تقارير عن العنف وقمع الناخبين وتزوير الانتخابات مرة أخرى. «الحزب الوطني البنغلاديشي» يقاطع الانتخابات من جديد.



هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.