جزر القُمُر... ربع قرن من القلاقل والانقلابات

جزر القُمُر... ربع قرن من القلاقل والانقلابات
TT

جزر القُمُر... ربع قرن من القلاقل والانقلابات

جزر القُمُر... ربع قرن من القلاقل والانقلابات

أكثر من 20 انقلاباً أو محاولة انقلاب عاشتها جمهورية جزر القُمُر منذ استقلالها عن فرنسا عام 1975 وحتى 1999، وسط مساعٍ مستمرة من جزر أرخبيل الواقعة في جنوب غربي المحيط الهندي، لتعزيز الاستقرار السياسي، واستخدام إمكاناته السياحية للخروج من الفقر.

يتكون الأرخبيل من أربع جزر رئيسية، استقل ثلاث منها عن فرنسا، هي القُمُر الكبرى (نكازيجا) وأنجوان (حنزوان) وموهيلي (موحيلي)، في حين صوتت الجزيرة الرابعة (مايوت) لصالح البقاء تحت الحكم الفرنسي. ومايوت، في الواقع، أرخبيل صغير مساحته 376 كيلومتراً مربعاً يتألف من جزيرتين رئيستين هما: غراند تير، وبوتيت تير، وأصبحت مستعمرة فرنسية اعتباراً من يونيو (حزيران) 1843، وأُلغيت فيها العبودية عام 1846. ولا تزال مايوت مصدر خلاف بين حكومتي موروني وباريس لم يحل، رغم أكثر من20 قراراً غير ملزم من الأمم المتحدة، بعدما أصبحت مايوت منذ 2011 رسمياً المقاطعة الفرنسية الـ101، ضمن ما يعرف بأراضي «ما وراء البحار». كان رئيس جزر القمر السابق أحمد عبد الله سامبي يقول إن «البقرة ذات الأرجل الأربعة (جزر القُمُر) أضحت «تفتقر لأحد أطرافها، وصارت عاجزة عن السير قدماً».

سكانياً، يتكون سكان جزر القُمُر من مزيج عرقي معقّد يضم أحفاد التجار العرب والمهاجرين الماليزيين والشعوب الأفريقية. أما اقتصادياً، فتعاني الدولة نقصاً في الموارد الطبيعية، وتعد نباتات الفانيليا والقرنفل وخلاصة العطور هي الصادرات الأساسية، ما يجعل اقتصادها عرضة لتقلبات السوق. وبالتالي، تشكل تحويلات مواطنيها في الخارج مصدراً مهماً للدخل.

يعود تاريخ جزر القُمُر إلى القرن الثامن، حيث تم استيطانها لأول مرة، ومنذ ذلك الوقت وحتى القرن الحادي عشر انتشر الإسلام في الجزر، وزادت أهميتها؛ كونها واقعة في طرق التجارة في شرق أفريقيا.

عام 1503 وصل إليها المستكشفون البرتغاليون، وأصبحت الجزر بعدها نقطة تموين للسفن المسافرة إلى الحصن البرتغالي في موزمبيق. ولقد ظلت كذلك حتى أسس الفرنسيون أول حكم استعماري في القُمُر عام 1843، عقب استيلائهم على جزيرة مايوت.

بعدها، عام 1912 أصبحت الجزر مقاطعة تابعة لمستعمرة مدغشقر الفرنسية. وعام 1974 صوت ثلاث جزر لصالح الاستقلال عن فرنسا، لكن مايوت صوتت لصالح البقاء معها. وعام 1975 أعلنت جزر القُمُر استقلالها، وتولي أحمد عبد الله منصب الرئيس، إلا أنه عُزل بسرعة في انقلاب بمساعدة المرتزق الفرنسي بوب دينار، وتولى الأمير سعيد محمد جعفر.

وعام 1976، تولى علي صويلح الحكم بعد انقلاب حاول فيه تحويل البلاد إلى جمهورية علمانية اشتراكية. ولكن عام 1978 قتل صويلح، وعاد الرئيس أحمد عبد الله إلى منصبه في انقلاب مدعوم من فرنسا بقيادة دينار. واتسم نظام عبد الله بالحكم الاستبدادي والتشدد الديني، وبالفعل، جرى تغيير اسم البلاد حينذاك إلى جمهورية جزر القُمُر الإسلامية الاتحادية.

عام 1989، اغتيل أحمد عبد الله على أيدي الحرس الرئاسي بقيادة المرتزق دينار الذي قاد الانقلاب، لكن فرنسا سرعان ما تدخلت لإجلاء دينار. ومن ثم، في عام 1990 انتخب سعيد محمد جوهر رئيساً للبلاد. ولكن مجدداً، أقيل عام 1995 في محاولة انقلابية قادها دينار نفسه، لم تكن مدعومة من فرنسا، ما دفع دينار للاستسلام.

عام 1996، انتخب محمد عبد الكريم تقي رئيساً، ووضع دستوراً يوسع سلطة الرئيس، ويجعل الإسلام أساس القانون. وعام 1997 أعلنت جزيرتا أنجوان وموهيلي استقلالهما. في العام التالي 1998 كانت وفاة الرئيس تقي، إثر نوبة قلبية، فحل محله القائم بأعمال الرئيس تاج الدين بن سعيد ماسوندي. ولقد وقع ماسوندي في أبريل (نيسان) 1999 اتفاق الحكم الذاتي في مدغشقر، لكن مندوبي أنجوان وموهيلي رفضوا، ما أدى إلى اندلاع مظاهرات عنيفة في جزيرة القُمُر الكبرى.

وعام 1999، أطيح بماسوندي في انقلاب قاده رئيس الأركان العامة للجيش العقيد غزالي عثماني. واستمر الصراع بين الجزر الثلاث حتى عام 2001، عندما وافق الناخبون على دستور جديد أقر تناوب السلطة بين الجزر الثلاث.

جانب من مدينة موروني... عاصمة الجمهورية وهي تقع في جزيرة القُمُر الكبرى



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».