يوآف غالانت... حليف نتنياهو الداعم للاستيطان والتهجير

لاحقته تهم «جرائم الحرب» من «الرصاص المصبوب» إلى «السيوف الحديدية»

عام 2010 كان أحد المرشحين البارزين لتولّي منصب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، بترشيح من إيهود باراك
عام 2010 كان أحد المرشحين البارزين لتولّي منصب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، بترشيح من إيهود باراك
TT

يوآف غالانت... حليف نتنياهو الداعم للاستيطان والتهجير

عام 2010 كان أحد المرشحين البارزين لتولّي منصب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، بترشيح من إيهود باراك
عام 2010 كان أحد المرشحين البارزين لتولّي منصب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، بترشيح من إيهود باراك

عبر مقطع فيديو قصير جابَ منصات التواصل الاجتماعي، عرف كثيرون من رواد تلك المنصات، ربما للمرة الأولى، وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت. شاهدوه وهو يهدّد ويتوعّد ويعلن الحصار على قطاع غزة، يوم 9 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بقوله: «لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق»، قبل أن يضيف: «نحن نحارب حيوانات بشرية، ونتصرف وفقاً لذلك». الجملة الأخيرة تختصر شخصية غالانت بوصفه قائد حرب، في حكومة يمينية متطرفة، لا يتردد في قتل مدنيين وتجويعهم، بداعي أنهم «جنس أقلّ من البشر».

علاقة يوآف غالانت بقطاع غزة لم تبدأ في الحرب الأخيرة، التي انطلقت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، رداً على عملية «طوفان الأقصى» التي نفّذتها حركة «حماس» ضد مستوطنات غلاف غزة، وتسببت في قتل وإصابة إسرائيليين وأَسْر آخرين، بل تعود إلى سنوات مضت قاد فيها غالانت عملية عسكرية في القطاع، وكانت سبباً في بروز اسمه وترشيحه لمناصب سياسية في إسرائيل.

قائد «الرصاص المصبوب»

لقد أشرف الجنرال غالانت، وكان يومذاك رئيس قيادة المنطقة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، على عملية الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005، فيما عُرف حينئذ باسم «فك الارتباط». إلا أن اسمه اقترن بالقطاع بعدها بثلاث سنوات، وتحديداً يوم 27 ديسمبر (كانون الأول) عام 2008، بوصفه قائد عملية «الرصاص المصبوب»، التي شنّتها إسرائيل على غزة، بداعي الرد على الصواريخ التي كانت تطلقها حركة «حماس» باتجاه تل أبيب.

وعلى غرار ما يحدث اليوم، بدأت عملية «الرصاص المصبوب» بقصف جوي، قبل أن تنطلق العملية البرية، يوم 3 يناير (كانون الثاني) عام 2009. وكانت الأهداف المعلَنة لتلك العملية من الجانب الإسرائيلي هي «وضع حد لإطلاق الصواريخ من غزة، وتدمير أنفاق تهريب الأسلحة والسلع الغذائية في منطقة رفح الحدودية». استمرت تلك الحرب حتى 18 يناير؛ أي لنحو ثلاثة أسابيع، قبل أن تعلن إسرائيل وقفاً لإطلاق النار، ويعقب إعلانها إعلان مماثل من «حماس». ولقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، إيهود أولمرت، إن «العملية حققت أهدافها، بل تجاوزتها»، بتدمير نحو 70 في المائة من 500 نفق تقريباً في المنطقة، وفقاً للتقديرات الإسرائيلية.

من جهة ثانية، تسببت تلك العملية في مقتل نحو 1400 فلسطيني، إضافة إلى عشرة من الجنود الإسرائيليين وثلاثة مدنيين. غير أن الأهم في هذا السياق هو أن «نجاح» عملية «الرصاص المصبوب» نُسب لغالانت، الذي بات يحظى بدعم الجنود على الأرض باعتباره «قائداً عسكرياً محترفاً».

أمر آخر لا يقل أهمية عن ارتفاع أسهم غالانت، هو أن تلك المعركة كانت سبباً في اتهام أممي لإسرائيل بـ«ارتكاب جرائم حرب»، فقد أصدرت «منظمة الأمم المتحدة» تقريراً، خلال سبتمبر (أيلول) من عام 2009، ورد فيه أن «هناك أدلة تشير إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الدولي ارتكبتها إسرائيل خلال النزاع في غزة، وأن تلك الجرائم تصل إلى مستوى جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية». وأيضاً حمل التقرير الأممي اتهامات مماثلة للفصائل الفلسطينية بسبب «الإطلاق المتكرر للصواريخ وقذائف الهاون على جنوب إسرائيل».

من هو غالانت؟

في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1958، وُلد يوآف غالانت في يافا، تلك المدينة الفلسطينية العريقة المُطلة على البحر المتوسط التي تحوّلت بعد 1948 إلى ضاحية من ضواحي تل أبيب. وهو يتحدّر من أصول بولندية، وكانت والدته فروما إحدى الناجيات من «الهولوكوست». وكذلك والده مايكل، الذي كان عسكرياً أيضاً، وخدم في لواء «جعفاتي» إبّان حرب 1948. وخلال فترته خدمته العسكرية، شارك في عملية «يوآف» العسكرية في صحراء النقب، وهي العملية التي سمّى مايكل ابنه نسبةً لها.

ارتدى غالانت الابن الزي العسكري طوال حياته تقريباً، باستثناء فترة قصيرة بين عامي 1982 و1984 حصل خلالها على إجازة من الجيش، وسافر إلى ولاية ألاسكا الأميركية، حيث عمل حطّاباً.

وعلى الصعيد الأكاديمي، حصل غالانت على بكالوريوس إدارة الأعمال من جامعة حيفا، وبدأ حياته العسكرية عام 1977 بالانضمام إلى سلاح مشاة البحرية، وعُرف عنه أنه كان «ضابطاً بارعاً» في وحدة النخبة البحرية «شيطت 13»، وهي الوحدة التي نفذت عدداً من العمليات العسكرية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة وخارجها. بعد عودته من ألاسكا، انضم غالانت إلى البحرية من جديد، وخدم على متن قارب صواريخ، وتحمّل مسؤولية قيادة عدد من العمليات. وفي عام 1986 عُيّن قائد سريّة ورُقّي إلى رتبة «مقدم».

وعلى الأثر، تدرّج الضابط الطَّموح سريعاً في المناصب العسكرية، ليعيَّن قائداً لوحدة الكوماندوز البحرية «شيطت 13» في عام 1992. وفي العام التالي انتقل إلى القوات البرية ليتولى قيادة لواء جنين في الضفة الغربية. ثم في عام 1997 تولى قيادة قطاع غزة، وتدرّجت مسؤولياته صعوداً فيما بعد حتى حصل على رتبة جنرال عام 2002، وشغل منصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون.

حياته العائلية

خلال مسيرته العسكرية تزوّج يوآف غالانت من كلودين، وهي، اليوم، ضابط جيش متقاعد برتبة «مقدم»، كان قد تعرَّف عليها خلال عمله العسكري، ولديه ولد التحق أخيراً بالجيش أيضاً، وابنتان إحداهما مجنّدة عسكرية.

في قلب الأحداث داخل أروقة وزارة الدفاع الإسرائيلية، اشتهر غالانت بـ«معرفته الواسعة بهيئة الأركان والمؤسسة الأمنية بشكل عام»، ويعود ذلك إلى الفترة التي شغل فيها منصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء، وفق مراقبين.

من ناحية أخرى، اعتاد غالانت زيارة الوحدات العسكرية المختلفة، قبيل تعيينه، وبعد تعيينه وزيراً للدفاع؛ وذلك «ليس بسبب قلة إحاطته بتلك الوحدات، بل لأنه يريد الاستماع لعناصرها ومعرفة الوضع على الأرض»، وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية عن مصدر مقرَّب من غالانت، قال إنه «يحب أن يكون دائماً في قلب الحدث، ويستمع من الناس مباشرة».

ربما كان هذا التواصل على الأرض، إضافة إلى قيادة عدد من العمليات العسكرية، ما جعل غالانت يُعرَف بين أصدقائه بأنه «قائد عسكري بارع، يعرف كيف يقرأ ساحة المعركة، ويحدد خريطة التهديدات، والأهم يضع حلولاً مبتكرة لمواجهتها»، على حد تعبيرهم.

«فضائح» ولغط... ونكسات

ولكن، على نقيض حياة يوآف غالانت العسكرية، شابَ حياته السياسية بعض الفضائح والصعوبات، ففي عام 2010 وعلى خلفية «نجاحه» في عملية «الرصاص المصبوب» في غزة، كان غالانت أحد المرشحين البارزين لتولّي منصب رئيس «هيئة أركان الجيش الإسرائيلي»، وهو المنصب الذي رشّحه له وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت، إيهود باراك. بيد أن منظمة إسرائيلية غير حكومية تحمل اسم «يش جفول» رفعت دعوى ضد تعيينه في هذا المنصب؛ لـ«الاشتباه في ارتكابه انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، إبّان عملية الرصاص المصبوب». ثم إن ترشيح باراك لغالانت أثار جدلاً آخر لكونه جاء معاكساً لرغبة رئيس الأركان حينذاك، غابي أشكينازي.

أيضاً، نُشر تسريب، عبر القناة الثانية الإسرائيلية، في ذلك الوقت، أشار إلى أن غالانت حاول تشويه سُمعة مُنافسه على المنصب، بيني غانتس، فيما عُرف بـ«وثيقة غالانت». وهذه تهمة أَنكر صحتها غالانت، وبرّأته منها الشرطة، في وقت لاحق، وبعدها قال غالانت إنه لا ينوي متابعة الموضوع. وفي هذا الشأن، نقلت «يديعوت أحرونوت» عن مقرّبين منه أنه «ظلّ هادئاً طوال فترة التحقيقات، وواثقاً من أن هذه القضية لن تضرّ ترشيحه، لذلك لم يغير أياً من نشاطه اليومي المعتاد».

وبالفعل، في سبتمبر (أيلول) 2010 وافق «مجلس الوزراء الإسرائيلي»، الذي كان يرأسه بنيامين نتنياهو، على تعيين غالانت. وقال نتنياهو، وقتها، إن «غالانت أثبت على امتداد 33 سنة في الخدمة العسكرية أنه مقاتل شجاع، وضابط ممتاز، وقائد معارك مسؤول وجادّ». لكن سرعان ما ألغى نتنياهو تعيين غالانت في هذا المنصب، خلال فبراير (شباط) 2011، عقب فضيحة أخرى اتهم فيها غالانت بـ«مصادرة أرض ملكية عامة لبناء منزله»، وأسفرت نتائج التحقيق «عن صعوبات قانونية كبيرة» أمام تعيينه، وفقاً للنائب العام في ذلك الوقت. ومع أنه لم تُوجَّه إلى غالانت اتهامات جنائية في هذه القضية، فإن غبار تلك «الفضيحة» حالَ دون تعيينه في المنصب، الذي ذهب على الأثر إلى بيني غانتس.

بعد ذلك قرّر يوآف غالانت البقاء في قيادة المنطقة الجنوبية، رافضاً منصب قيادة القوات البرّية الذي عُرض عليه في حينه. وقال مراقبون، وقتها، إنه «كان يعتقد أن فرصه في الوصول لهيئة الأركان لا تزال جيدة، حتى وإن لم ينجح هذه المرة».

نهاية الانتظار... أخيراً

وبالفعل، جاءت فرصة أكبر بعد أكثر من عشر سنوات، وتحديداً في ديسمبر 2022، عندما أصدر بنيامين نتنياهو، أيضاً، قراراً بتعيين غالانت وزيراً للدفاع، خلفاً لبيني غانتس، وهو القرار الذي علّقت عليه القناة الثانية في «التلفزيون الإسرائيلي» بقولها إن «غالانت يصفّي حساباته مع غانتس»، في إشارة إلى الصراعين القديمين بين أشكينازي وغانتس من جهة، ونتنياهو وغالانت من جهة أخرى، وكانا قد دفعا نتنياهو، في فترة من الفترات، إلى اتهام أشكينازي وباراك بـ«التآمر على غالانت».

ومع هذا، سرعان ما انفضّ التحالف بين نتنياهو وغالانت، ليعلن الأول، يوم 26 مارس (آذار) الماضي، إقالة غالانت من منصبه وزيراً للدفاع؛ على خلفية تصريحات أدلى بها الأخير بشأن قضية تعديل النظام القضائي المثيرة للجدل، إذ طالب غالانت بـ«تجميد» آلية تعديلات النظام القضائي التي كانت (ولا تزال) تسعى لها الحكومة في وجه اعتراضات شعبية واسعة، وذلك «خشيةً من أن يؤدي الانقسام الشعبي حول الملف إلى تهديد أمن إسرائيل».

وردّاً على إقالة غالانت، أعلن القنصل الإسرائيلي العام في نيويورك، آساف زمير، تقديم استقالته، وقال، على تطبيق «إكس»، إنه «لم يعد بإمكانه الاستمرار في تمثيل هذه الحكومة، وإن من واجبه ضمان بقاء إسرائيل منارة للديمقراطية والحرية في العالم». ومع إعلان الإقالة، توجه آلاف المتظاهرين إلى شارع كابلان، وسط تل أبيب، حيث مركز الاحتجاجات التي كانت مستمرة طوال الأسبوع ضد مشروع القرار، كما سجلت تجمعات عفوية أخرى أمام مقر إقامة رئيس الوزراء، وفي عدة مدن أخرى. وهكذا، تحت الضغط المتنامي، تراجع نتيناهو عن قرار الإقالة، ليعود غالانت - الذي يُعدّ أحد المؤيدين المخلصين لنتنياهو - إلى منصبه في 11 أبريل (نيسان) الماضي.

داعم للاستيطان والمستوطنات

في يناير عام 2015، بدأ يوآف غالانت نشاطه السياسي، وانضم إلى حزب كولانو الجديد «كلنا»، ومن ثم، احتل المركز الثاني في قائمة الحزب لانتخابات عام 2015، وانتخب عضواً في الكنيست عندما فاز الحزب بعشرة مقاعد، ليعيّن لاحقاً وزيراً للإنشاءات في الحكومة الجديدة. هذا، وجاء التحاقه بالعمل السياسي بعد فترة أمضاها مديراً لشركة حفريات مملوكة لرجل أعمال فرنسي إسرائيلي، قبل أن يستقيل منها عام 2014.

وفي عام 2019، ترك غالانت حزبه لينضم إلى حليفه القديم نتنياهو في حزب «الليكود»، ويخوض معه انتخابات 2022 التي قادته أخيراً إلى تولّي حقيبة الدفاع، في واحدة من أكثر الحكومات اليمنية المتطرفة التي تسلمت السلطة في إسرائيل.

وهنا، يجب الإشارة إلى أن غالانت، طوال تاريخه العسكري والسياسي، عُرف بدعمه سياسة الاستيطان والاهتمام بالمستوطنات الإسرائيلية، وهو ما دفع رئيس مجلس المستوطنات شلومو نئمان إلى الترحيب بتعيينه وزيراً للدفاع، إذ قال، في تصريح نُشر في حينه، إن «غالانت فعل كثيراً من أجل الاستيطان في الضفة الغربية».

«السيوف الحديدية»

اليوم، يدخل غالانت حرباً جديدة ضد قطاع غزة وأهله باسم «السيوف الحديدية»، قال عنها متوعّداً: «يجب أن تكون الأخيرة؛ لأنه لن يكون هناك وجود لحماس بعدها». ولقد أكد هذا القائد العسكري، الذي قاد معارك عدة ضد الفلسطينيين انتهك فيها القوانين الدولية، أن «هذه الحرب ستستغرق هذه المرة شهراً أو ثلاثة أشهر، وفي نهاية المطاف لن يكون هناك وجود لحماس». وأردف: «قبل أن تلاقي حماس مدرعاتنا ستختبر القصف الجوي»... قبل أن يخاطب قواته بقوله: «أنتم تعرفون كيف تفعلون ذلك بطريقة فتّاكة».


مقالات ذات صلة

نتنياهو يُبعد وزراءه عن «أجواء صفقة غزة» خشية إفشالها

المشرق العربي طفل يُطْعم طفلاً آخر بينما هما جالسان في مقبرة لجأت إليها عائلات نازحة في دير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)

نتنياهو يُبعد وزراءه عن «أجواء صفقة غزة» خشية إفشالها

أبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزراءه، عن أجواء المفاوضات الجارية لإبرام «صفقة» بشأن الحرب الدائرة في غزة، خشية إفشالها.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي الأب الفلسطيني تيسير عبيد وأسرته داخل الحفرة في دير البلح (أ.ف.ب)

«أشبه بالقبر»... غزاوي يحفر ملجأ لعائلته للاحتماء من البرد والقصف (صور)

حفر فلسطيني نازح في التربة الطينية بالمخيم، حفرةً مربعةً بعمق مترين تقريباً، غطَّاها بقماش مشمع مشدود فوق إطار خشبى ليحمي عائلته من البرد.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رد فعل فلسطيني على مقتل نازحين في غارة إسرائيلية على مخيم مؤقت للنازحين جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

«هدنة غزة»: زيارة مبعوث ترمب إلى المنطقة دفعة لـ«اتفاق وشيك»

وسط تسريبات إعلامية عن حدوث «تقدم» بمفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، جاءت زيارة مبعوث الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، ستيف ويتكوف، إلى المنطقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي فتاة فلسطينية تقف أمام منزلها في مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة (رويترز)

عائلة فلسطينية تنشد العدالة بعد مقتل أطفالها في غارة إسرائيلية بالضفة الغربية

كانت بتول بشارات تلعب مع شقيقها رضا في قريتهما بالضفة الغربية المحتلة. وخلال لحظات، قتلت غارة إسرائيلية بطائرة مسيّرة الطفل مع اثنين من أبناء عمومتهما.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي نازحون فلسطينيون ينتظرون دورهم للحصول على المياه في دير البلح وسط قطاع غزة (د.ب.أ)

وسط «تحديات كبيرة»... بلدية غزة تكافح لتأمين لتأمين المياه للمواطنين

أعلنت بلدية غزة، اليوم (السبت)، أنها تواصل جهودها لتأمين المياه للمواطنين في ظل انقضاء 463 يوماً من الحرب على القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».