ألمانيا تنشط أوروبياً للتعامل مع ملف اللجوء والهجرة

في ضوء التزايد الكبير لأعداد المهاجرين الوافدين على القارة

ألمانيا تنشط أوروبياً للتعامل مع ملف اللجوء والهجرة
TT

ألمانيا تنشط أوروبياً للتعامل مع ملف اللجوء والهجرة

ألمانيا تنشط أوروبياً للتعامل مع ملف اللجوء والهجرة

أمام مركز الاستقبال الأول للاجئين في برلين، يتجمع عدد من الشبان في حلقة صغيرة، حاملين أوراقاً ومغلفات، يتبادلون قصصهم والتعب بادٍ عليهم. يقول أحدهم إنه قد تسجل للتو مع السلطات كلاجئ وحصل على موعد بعد 10 أيام للعودة والحصول على تفاصيل مكان إقامته المؤقتة. بات محمد الآتي من سوريا، ليلته في غرفة داخل المركز، تَشارَكها مع قرابة 20 شاباً آخر. وفي الخامسة فجراً أيقظوهم وطلبوا منهم المغادرة والعودة ليلاً للمبيت. يقول محمد إنه منذ وصوله قبل أسبوعين، لم يتمكن من الاستحمام بعد؛ لأن الحمامات خارج الغرف، غير مجهزة لذلك. والغرف غير متوافرة ومليئة بطالبي لجوء آخرين. ورغم ذلك، يبدو هذا الشاب أكبر حظاً من غيره. آخرون أبلغونا أنهم باتوا ليلتهم في خيّم مؤقتة وُضعت في الغابة خارج المركز لنقص الأسرة لإيواء جميع الواصلين. وغيرهم لم يتمكنوا أصلاً من المبيت في الداخل، ففضّلوا المغادرة والبقاء مع معارف لهم إلى حين «فرزهم» إلى أماكن سكن أخرى، وهي عملية قد تستغرق أسابيع.

على المدخل الأساسي لمركز استقبال اللاجئين في منطقة راينيكندورف شمال غرب العاصمة برلين، يقف حارسان يمنعان دخول من لا عمل له في الداخل.

الصحافيون لا يسمح لهم بالتصوير أو الاطلاع على الأوضاع أبعد من البوابات الرئيسية. ويزيد من الأمر سوءاً حجز أكثر من 600 طالب لجوء في أحد المباني داخل المركز لانتشار مرض الحصبة بينهم. ولكن أمام البوابة الرئيسية، العشرات من طالبي اللجوء يدخلون ويخرجون في كل الأوقات.

كثيرون جاءوا من تركيا وجورجيا وأفغانستان، لكن الغالبية منهم من دول عربية، خاصة سوريا، إلى جانب العراق وفلسطين وحتى لبنان. ومعظم هؤلاء، وصلوا بطرق غير شرعية: عبر البحر، ثم في الغابات وصولاً إلى هنا.

مشاهد تذكّر بـ2015

في الحقيقة، تبدو برلين هذه الأيام مُثقلة باللاجئين من جديد، في مشاهد ذكّرت الكثيرين بموجة اللجوء عام 2015 عندما أعلنت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل فتح الأبواب أمام عشرات آلاف السوريين الفارين من القتال. لكنها، في المقابل، لا تعيش هذه الأيام أزمة مع اللاجئين الأوكرانيين الذين يجري التعامل معهم عبر قنوات مختلفة ولا يدخلون في الإحصاءات الأخيرة لأعداد طالبي اللجوء الواصلين إلى ألمانيا.

للعلم، منذ بداية عام 2023 زاد أعداد طالبي اللجوء إلى ألمانيا بشكل كبير. وخلال الأشهر الـ6 الأولى منه سجلت ألمانيا أكثر من 160 ألف طالب لجوء، مع توقع أن تصل الأعداد بنهاية 2023 إلى قرابة الـ300 ألف، جزء كبير منهم من سوريا.

أيضاً، شهدت برلين وحدها زيادة في أعداد طالبي اللجوء بنسبة 40 في المائة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي مقارنة بسابقه. وسجلت ما يزيد على الـ20 ألف لاجئ، نصفهم من أوكرانيا والباقي من سوريا بشكل أساسي. ثم أنه خلال شهر أغسطس (آب) وحده، وصل إلى مركز التسجيل الأول في برلين ما يقارب الألفي طالب لجوء من غير الأوكرانيين. وتتوقع حكومة ولاية برلين وصول 10 آلاف طالب لجوء إضافي قبل نهاية العام الحالي.

كل هذه الأعداد فتحت نقاشاً طارئاً حول أماكن إيواء اللاجئين، ودفعت بالحكومة للبدء ببناء وتوسيع مساكن مؤقتة عاجلة داخل مساحات مطارات دولية سابقة في العاصمة، مثل مطار تمبلهوف الذي أُخرج عن الخدمة عام 2008، ومطار تيغيل الذي أغلق العام الماضي.

عودة خطاب اليمين المتطرف

من جهة أخرى، تسبّبت أعداد اللاجئين المرتفعة بعودة الخطاب اليميني المتطرف وارتفاع الأصوات المطالبة بوقف قبول المزيد من اللاجئين، وحتى تقليص المساعدات المالية ومنحهم مساعدات عينية عوضاً عنها بعدما عدّ البعض أن المساعدات المالية «حافزاً» يدفع كثيرين للمجيء إلى ألمانيا. ومع أن المستشار الألماني أولاف شولتز لم يبدِ اعتراضاً على الاستعاضة عن المساعدات المالية بالعينية أو قسائم من متاجر تجزئة، فإنه شدد على أن تطبيق الأمر يعود إلى الولايات، ويبدو أنه معقّد ويتطلب الكثير من البيروقراطية. وبالفعل، لا يبدو الخيار عملياً بالنسبة للولايات الألمانية التي تعاني نقصاً دائماً في الموظفين مقابل طلبات أصلاً تفوق قدرتها.

ولكن، أمام تزايد الضغوط من الأحزاب اليمينية، بينهم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (الحاكم سابقاً بقيادة أنجيلا ميركل)، لوقف استقدام المزيد من اللاجئين وتشديد القوانين، اضطرت الحكومة الألمانية اليسارية إلى الاعتراف بأن ألمانيا ما عادت قادرة على استيعاب أعداد إضافية من اللاجئين. وأعلن المستشار الاشتراكي شولتز أنه من الضروري مكافحة الهجرة غير الشرعية والتصدّي للمهربين.

كذلك، في ضوء تزايد الشكاوى من عدد من الولايات التي لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من طالبي اللجوء، وجدت وزيرة الداخلية نانسي فايزر نفسها مضطرة إلى الإعلان بأن الحكومة الألمانية ستوقف مؤقتاً العمل بمبدأ القبول الطوعي للاجئين يصلون إلى دول أوروبية أخرى، بموجب اتفاق كان قد أُبرم بين دول الاتحاد الأوروبي لإزاحة العبء عن الدول الأولى التي يبلغها المهاجرون، مثل إيطاليا واليونان.

اتفاق مع تونسكل هذا الجدل في ألمانيا كان قائماً، بينما كانت جزيرة لامبيدوزا الإيطالية الصغيرة قبالة صقلية تشهد وصول أعداد قياسية من طالبي اللجوء آتين بقوارب من سواحل تونس. ولقد تسبّبت الأعداد الكبيرة للواصلين إلى لامبيدوزا، في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، بموجة من الذعر في أوروبا؛ الأمر الذي دفع برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين للتوجه إلى الجزيرة مع رئيسة الحكومة الايطالية جورجيا ميلوني والتعهّد علناً بمواجهة الهجرة غير الشرعية.

وحقاً، يوم 12 سبتمبر الماضي، وصل خلال 24 ساعة فقط ما يزيد على 6 آلاف طالب لجوء وهجرة إلى لامبيدوزا بينهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال. وهذا، في حين ليس لدى الجزيرة الصغيرة البالغ عدد سكانها الاعتيادي 6 آلاف، قدرة على استيعاب أكثر من 400 لاجئ ومهاجر فقط. وبالتالي، أدى وصول الأعداد الضخمة من اللاجئين والمهاجرين إليها في الأسابيع الماضية - 90 في المائة منهم على متن بواخر وقوارب من تونس - إلى ارتفاع عدد سكانها إلى 18 ألف نسمة قبل أن يصار على عجل إلى نقل الواصلين إليها لمناطق أخرى في إيطاليا.

يومها، وجدت الحكومة الإيطالية اليمينية المتطرفة - التي كانت تعهّدت في حملتها الانتخابية وقف الهجرة غير الشرعية - نفسها عاجزة عن التصدّي للبواخر والقوارب التي كانت تنطلق بمعظمها من شواطئ تونس، على الرغم من الاتفاق الذي كانت أبرمته مع السلطات التونسية قبل أسابيع فقط.

ما يجدر ذكره أيضاً، أن ميلوني نفسها كانت قد توجّهت إلى تونس، برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين ورئيس الحكومة الهولندي مارك روته، في بداية شهر يونيو (حزيران) الماضي، حيث التقوا الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيسة الحكومة نجلا بودن.

وفي حينه، عرض المسؤولون الأوروبيون الزائرون استثمارات تزيد على مليار يورو في تونس تشمل قطاعات الاقتصاد ومشروعات بقيمة 100 مليون يورو لمواجهة المهربين ووقف قوارب المهاجرين من الوصول إلى أوروبا. ثم عاد الزعماء الأوروبيون الثلاث في يوليو (تموز) إلى تونس للتوقيع على مذكرة تفاهم بالمساعدات المالية التي حملوها. ونشير هنا إلى أنه ارتبط الكثير من هذه المساعدات المالية بـ«إصلاحات» يطلبها صندوق النقد الدولي من تونس، مثل رفع الدعم عن البترول والطحين، وتقليص الإنفاق في القطاع العام، إلا أن هذه من الشروط التي ترفض الحكومة التونسية تطبيقها خوفاً من زيادة النقمة الشعبية.

انقسام أوروبي

أيضاً، تسبّب العرض الأوروبي على تونس بانقسامات داخل أوروبا، كما ووجه المسؤولون الثلاثة بانتقادات من منظمات إنسانية أعربت عن قلقها من وضع طالبي اللجوء والهجرة في تونس. وسرّبت صحيفة «الغارديان» البريطانية رسالة كتبها جوزيف بوريل، مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، إلى فون دير لاين عبّر فيها عن «استغراب وعدم فهم» الدول الأوروبية لمذكرة التفاهم التي تم توقيعها مع تونس من دون استشارة دول الاتحاد.

ومما كتبه بوريل: إن عدداً من الدول الأوروبية كانت في يوليو في الماضي قد قالت إنها «لا تفهم التحرك الأحادي للمفوضية في توقيعها مذكرة التفاهم، وهي قلقة مما تتضمنه هذه المذكرة». وتابع بوريل فقال أن المذكرة التي جرى توقيعها بين تونس من جهة وفون دير لاين وميلوني وروته من جهة أخرى، لم تضع في الحسبان الإجراءات القانونية داخل الاتحاد الأوروبي، ولا يمكن بالتالي، عدّها سنداً قانونياً يمكن البناء عليه في اتفاقات مستقبلية.

في اي حال، منذ توقيع مذكرة التفاهم تلك، ارتفع عدد البواخر والقوارب التي انطلقت من شواطئ تونس إلى إيطاليا بنسبة 70 في المائة. وأيضاً، ازداد التوتر بين تونس والاتحاد الأوروبي، ودفع السلطات التونسية إلى رفض استقبال مجموعة من النواب الأوروبيين الذين طلبوا زيارة البلاد بهدف الاطلاع على أوضع طالبي اللجوء والهجرة.

وقبل أيام فقط، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد رسمياً رفض المساعدات المالية التي سبق أن أعلنت عنها فون دير لاين لمكافحة الهجرة غير الشرعية، والتي تبلغ قيمتها قرابة الـ100 مليون يورو. وقال سعيّد: إن سبب الرفض ليس ضآلة المبلغ، بل لمناقضته مذكرة التفاهم التي كانت قد وُقّعت في يوليو الماضي، والتي تضمنت استثمارات أوسع بكثير لم يُطبّق شيء منها حتى الآن.

تسبّبت أعداد اللاجئين المرتفعة بعودة خطاب اليمين الألماني المتطرف وارتفاع الأصوات المطالبة بوقف قبول المزيد من اللاجئين

رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين (رويترز)

خطط محلية في ألمانيا

في سياق موازٍ، بينما يستمر الجدل بين دول الاتحاد الأوروبي حول الطريقة الأفضل لمواجهة الهجرة غير الشرعية، بدأت ألمانيا - التي تُعد الوجهة المفضلة للكثير من المهاجرين غير الشرعيين - تنفيذ خطط محلية للحد من تدفقهم إلى أراضيها بعدما كانت سجلت زيادة بنسبة 80 في المائة في أعداد طالبي اللجوء منذ مطلع 2023 مقارنة بعام 2022. وضمن هذه الخطوات، بوشر بتشديد المراقبة على حدودها مع بولندا وتشيكيا لوقف المهرّبين، مع أن الحدود بين «دول شينغن» مفتوحة عادةً من دون أي حواجز. وبرّرت وزيرة الداخلية الألمانية، هذه الإجراءات لدى إعلانها، بأن «هذه الخطوة ضرورية... لأن ربع المهاجرين الآتين إلى ألمانيا ينقلهم مهرّبون من هذه الطرق».

كذلك، باشرت ألمانيا بمناقشة اتفاقيات ثنائية مع مجموعة من الدول لإعادة طالبي لجوء مرفوضة طلباتهم إليها. وعيّنت الحكومة الألمانية قبل أشهر مفوضاً خاصاً لإبرام اتفاقات باتت تعرف بـ«شراكات الهجرة» الغاية منها التفاوض مع الدول بغرض ترحيل مواطنيها إليها. وأعلنت الحكومة أن هذه الدول هي جورجيا، ومولدوفا، وكينيا، وكولومبيا، وأوزبكستان وقيرغيزستان، علماً بأن طالبي اللجوء من هذه الدول يشكّلون أقليّة صغيرة جداً. وكانت وقّعت ألمانيا اتفاقات شبيهة مع أوزبكستان وقيرغيزستان. وتمنع القوانين الألمانية إعادة طالبي لجوء مرفوضة طلباتهم إلى دول غير آمنة أو تعاني من الحروب. وتُصنّف سوريا وأفغانستان حالياً من بين هذه الدول، وفق مراجعة سنوية تجريها الخارجية الألمانية للائحة هذه الدول.

دعوات لمقاربة مختلفةولكن خبراء يشكّكون بأن تحدث هذه الخطط المحلية الكثير من الفرق، ويتحدثون عن ضرورة التوصل لمقاربة أوروبية موحّدة حول مواجهة الهجرة غير الشرعية. وفي المقابل، رغم تسبب الهجرة غير الشرعية بتزايد الخطاب الشعبوي في أوروبا، فإن الحاجة إلى المهاجرين في «القارة العجوز» لم تعُد خافية مع انخفاض نسبة الولادات لدى الأوروبيين مقابل ازدياد عدد المسنّين ونقص العمالة الماهرة. واليوم، تدفع هذه الأسباب بالمنظمات الإنسانية ومنظمة الهجرة العالمية إلى إعلاء أصوات مطالبين الحكومات الأوروبية بتسهيل دخول المهاجرين ما سيؤدي بدوره إلى تقليص أعداد الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا بطرق غير مشروعة في حال وجدوا بدائل.

في هذا الإطار، أصدرت «منظمة الهجرة الدولية» يوم 3 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي - وهو ذكرى مرور 10 سنوات على كارثة غرق باخرة محملة بـ500 مهاجر قبالة شواطئ لامبيدوزا - بياناً دعت فيه إلى «تأسيس مسارات منتظمة وفعالة تلبي الاحتياجات وتدعم حقوق الإنسان».

وذكرت «المنظمة» بأن العام الحالي 2023 هو الأكثر دموية منذ عام 2017 بالنسبة لغرق طالبي اللجوء والهجرة في البحر المتوسط. وأفادت المنظمة بأن أكثر من 2500 طالب لجوء أو هجرة دخلوا في عداد القتلى والمفقودين في البحر المتوسط فقط منذ مطلع العام. ومنذ كارثة لامبيدوزا قبل 10 سنوات، ورغم الدعوات والتعهدات الدوليات بألا يسمح بتكرار كارثة من هذا النوع، قالت المنظمة: إنه «لم يتغير شيء... ولا يمر أسبوع من دون أن نسمع بكارثة في البحر أو البر على طرق العبور إلى أوروبا».

 

 

اتفاق أوربي «تاريخي»...رغم التباين الألماني-الإيطالي

> أمام غموض مصير الاتفاق الأوروبي مع تونس بشأن طالب اللجوء والهجرة، وتزايد ضغوط إيطاليا، خاصةً، على دول الاتحاد الأوروبي من أجل إيجاد حل موحد لأزمة اللجوء والهجرة، توصلت دول الاتحاد الأوروبي أخيراً إلى اتفاق وُصف بـ«التاريخي» على تقاسم أعباء اللجوء الهجرة في حالات الأزمات.

وحقاً، بعد 3 سنوات من الخلافات بين دول الاتحاد، أمكن قبل أيام التوصل إلى الاتفاق على اقتراح كانت طرحته المفوضية عام 2020 على الدول الأعضاء بهدف تقاسم إجباري لا تطوعي - كما هو الحال الآن - للمهاجرين، في أوقات الأزمات. ويهدف هذا الاتفاق لمنع تكرار ما حصل خلال أزمة اللاجئين عام 2015 عندما كان تقاسم اللاجئين بين الدول مجحفاً.

ولكن، حتى القبول به قبل أيام، كانت الدول التي رفضت قبول لاجئين هي المعترضة، مثل: المجر وبولندا وتشيكيا، بالإضافة إلى دول أخرى مثل النمسا وهولندا وسوفاكيا وحتى ألمانيا التي تحمل العبء الأكبر من اللاجئين عام 2015.

كذلك، مع أن الدول التي ترفض استقبال لاجئين اعترضت على المشروع لمعارضتها فكرة استقبال لاجئين بالأساس، كانت معارضة ألمانيا تتعلق بالشروط التي عدّتها قاسية بالنسبة لبعض فئات المهاجرين، وبخاصة الأسر. إلا أن ألمانيا نجحت بالدفع لإدخال تعديلات على الاقتراح الأساسي، يضمن - بحسب ما أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية - إعطاء أولوية للعائلات والأطفال عند وصولهم بشكل غير قانوني إلى دولة من دول الاتحاد الأوروبي والامتناع عن تشديد معايير قبول اللاجئين كما كان الاقتراح سابقاً.

أما إيطاليا التي كانت المحرّك الأساسي للاتفاق الذي تأمل أن يخفّف عنها حمل اللاجئين – لكونها كانت غالباً الدولة الأولى التي يصلون إليها - فإنها رحّبت أيضاً بالاتفاق رغم تسجيل تحفظها عن نقاط تتعلق بحقوق الإنسان دفعت ألمانيا لإدخالها، وتحذيرها من ضرورة إعادة مناقشتها قبل إقرار القانون. وكانت ألمانيا قد طلبت في اللحظات الأخيرة حذف بند يسمح بانتهاك الحد الأدنى من المعايير في مراكز الاحتجاز في حال تزايدت أعداد الوافدين.

كذلك، ما زالت هناك نقاط أخرى تتعلق بدعم ألمانيا لمنظمات الإنقاذ غير الحكومية العاملة في البحر، تثير جدلاً بين حكومتي الدولتين. إذ في حين ترى ألمانيا أن عمليات الإنقاذ ضرورية وجزءاً من العمل الإنساني، تراها إيطاليا «عاملاً مساعداً» للمهاجرين و«مسهلاً لوصولهم إليها»؛ ولذا تريد وقف عمليات الإنقاذ بشكل كامل.


مقالات ذات صلة

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

شمال افريقيا مشاركون في ندوة جامعة أسيوط عن «الهجرة غير المشروعة» تحدثوا عن «البدائل الآمنة» (المحافظة)

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

تشير الحكومة المصرية بشكل متكرر إلى «استمرار جهود مواجهة الهجرة غير المشروعة، وذلك بهدف توفير حياة آمنة للمواطنين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الولايات المتحدة​ تعيينات دونالد ترمب في إدارته الجديدة تثير قلق تركيا (رويترز)

ترمب يؤكد عزمه على استخدام الجيش لتطبيق خطة ترحيل جماعي للمهاجرين

أكد الرئيس المنتخب دونالد ترمب أنه يعتزم إعلان حالة طوارئ وطنية بشأن أمن الحدود واستخدام الجيش الأميركي لتنفيذ عمليات ترحيل جماعية للمهاجرين غير الشرعيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من عملية ضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)

السلطات الليبية تعتقل 90 مهاجراً قبل تهريبهم إلى أوروبا

عثرت السلطات الأمنية في مدينة صبراتة الليبية على «وكر» يضم 90 مهاجراً غير نظامي، تديره إحدى عصابات الاتجار بالبشر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية أحد اليهود الأرثوذكس في القدس القديمة يوم 5 نوفمبر الحالي (إ.ب.أ)

الهجرة إلى إسرائيل ترتفع في عام الحرب

أظهرت أرقام جديدة أن 11700 يهودي أميركي قدموا طلبات من أجل الهجرة إلى إسرائيل بعد بداية الحرب في قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر العام الماضي.

كفاح زبون (رام الله)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.