قضاة لبنان يتأهبون للنزوح الجماعي

بحثاً عن العيش الكريم أمام خلفيتي الانسدادات السياسية والظروف الاستثنائية

قصر العدل في بيروت
قصر العدل في بيروت
TT

قضاة لبنان يتأهبون للنزوح الجماعي

قصر العدل في بيروت
قصر العدل في بيروت

لا تخلو البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية، ولا خطاب القسم للرؤساء المتعاقبين على الحكم ولا حتى برامج وزراء العدل، من تخصيص بند أساسي يتعهّد بالعمل على «استقلالية القضاء وتكريسه سلطة مستقلة توازي السلطتين التشريعية والإجرائية». لكن الوعود شيء والواقع شيء آخر، فالقضاء اللبناني يعيش أسوأ مرحلة في تاريخه، لا يكفيه تدخّل السلطة السياسية الفاضح في عمله، ودورها في تعيين المقربين والأزلام في المواقع الحساسة، ليكونوا أبرز أدواتها للحكم ولتنفيذ القانون بصورة استنسابية، بل جاءت الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية لتصدّع المؤسسة وتنذر بانهيار هيكل العدالة على رؤوس الجميع.

لطالما كان المنصب القضائي حلماً يراود كلّ فتاة وشاب لبناني من حملة شهادة الإجازة في الحقوق، لكنه لم يعد كذلك اليوم، إذ يتوق معظم القضاة إلى الاستقالة «والنزوح الجماعي» إلى خارج البلاد، بحثاً عن حياة كريمة لهم ولأسرهم وأبنائهم.

الأسباب التي تحمل هؤلاء على ذلك كثيرة، منها أن القاضي لم يعد صاحب سلطة، بل يكاد بعضهم لا يحكم «باسم الشعب اللبناني» بل باسم المرجعية السياسية التي عيّنته في منصبه.

الأدلة على ذلك لا تعدّ ولا تحصى، يكفي الإشارة إلى تعطيل التحقيق في ملفّ انفجار مرفأ بيروت، وتقويض ملفات المصارف اللبنانية والبنك المركزي والحاكم السابق رياض سلامة، وعرقلة مسار التحقيق بأحداث الطيونة التي وقعت بين مسلحين من «حزب الله» وحركة «أمل» وآخرين من أبناء منطقة عين الرمانة، وقضايا الاغتيال والتصفيات السياسية... وآخرها مقتل المسؤول في حزب «القوات اللبنانية» إلياس الحصروني في بلدة عين إبل الجنوبية، والإعلان الصريح من الأجهزة الأمنية بأنها لم تعد قادرة على التقدّم بالتحقيق.

أزمة بنيوية

يعترف مصدر قضائي لبناني بارز بأن «مشكلة القضاء باتت بنيوية أكثر مما هي معنوية ومالية واقتصادية»، وأطلق صرخة تحذّر من «محاولات حثيثة لتدمير القضاء وهدم بنيان العدالة، بدل تعزيزها وحمايتها».

المصدر الذي طلب إغفال اسمه أبلغ «الشرق الأوسط» أن «الصورة سوداوية جداً، وإذا بقيت الأمور على حالها حتى نهاية العام الحالي سنشهد هجرة جماعية للقضاة ستفاجئ الجميع». وكشف عن أن «كل قاضٍ بدأ يبحث جدياً عن فرصة للمغادرة، والعشرات منهم أرسلوا ملفاتهم وسيَرهم الذاتية إلى مؤسسات حقوقية وجامعية ومحاكم عربية ودولية للالتحاق بها طلباً للعمل والحياة الكريمة، بدل انتظار راتب شهري في لبنان لا يتعدّى الـ500 دولار أميركي حالياً».

تتباين المواقف حيال التصعيد القضائي واللجوء إلى الاعتكاف، وترى مصادر سياسية أن أزمة الانهيار المالي وفقدان القضاة 90 في المائة من قيمة رواتبهم ينسحب أيضاً على النواب والوزراء. إلا أنّ المصدر القضائي رفض هذه المقاربة، وأكد أن «النواب والوزراء بمعظمهم رجال أعمال ومتمولون وأصحاب شركات، لا يتأثرون بالأزمة، بينما ليس لدى القاضي سوى راتبه الشهري». وأردف: «لا يجوز التشبيه بين السياسي الذي يستطيع العمل في التجارة وأي مجال آخر، بينما لا يملك القاضي أي دخل مالي غير الراتب». وشدد على أن «كلّ ما تبلّغه القضاة خلال انعقاد الجمعية العمومية قبل عشرة أيام، عبارة عن وعدٍ بتغطية المساعدات التعليمية لمدة خمسة أشهر كحدٍ أقصى، بالإضافة إلى وعد بالبحث عن شركة تأمين خاصّة للتعاقد معها، لتغطية النفقات الطبية والاستشفائية، لكنّ للأسف لا شيء مؤكد».

مرحلة اللاعودة

من جهته، يحاذر وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال القاضي هنري الخوري، وصول الأزمة القضائية إلى مرحلة اللاعودة، ويضع في أولوياته معالجة الأسباب التي أوصلت القضاة إلى هذه المرحلة من الاحتقان والتصعيد.

ويجزم مصدر بارز في وزارة العدل بأن الوزير «يفعّل لقاءاته واتصالاته برئيس الحكومة (نجيب ميقاتي) وبالمراجع القضائية لتبديد الهواجس التي تعتري الجسم القضائي». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: إن الوزير الخوري «يتحسّس صعوبة ما يعانيه زملاؤه القضاة، يأخذ مطالبهم على محمل الجدّ ويبذل كل جهد لوصول القضاة إلى حقوقهم دون منّة من أحد».

ثم يشير إلى أن الخوري «توصل مع المعنيين إلى اتفاق إنجاز عدد من الأمور التي تريح القضاة، سواءً بما خصّ التقديمات الاجتماعية من استشفاء وتعليم، أو بما يخص التقديمات المنح المالية من صندوق تعاضد القضاة»، كاشفاً عن أن «الأزمة سمحت بالبحث عن مداخيل مالية لصندوق القضاة، وبالفعل، بدأت تحصيل هذه الإيرادات التي سيلمس القضاة نتائجها في وقت قريب».

وعود تنتظر التنفيذ

اليوم، لا أحد يحسد رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود، على منصبه. إذ إن الرجل الذي سعى لأشهر طويلة على إنهاء الاعتكاف السابق بتلبية جزء يسير من حقوق القضاة، عاد ليواجه أزمة مستجدّة برزت مع إعلان مفاجئ لأكثر من 100 قاضٍ توقفهم الفوري عن العمل حتى تتوفر مقومات الحياة الكريمة لهم. ويبدو أن القاضي عبّود لن يقبل هذه المرّة بالعودة إلى شلّ القضاء وتعطيله، فرسالته كانت واضحة للقضاة خلال الجمعية العمومية التي انعقدت في 18 سبتمبر (أيلول) الحالي؛ إذ كشف قاضٍ شارك في الاجتماع المغلق لـ«الشرق الأوسط» عن أن رئيس مجلس القضاء «بدا مقتنعاً جداً بأحقية مطالب القضاة المعنوية والمادية والاجتماعية وحتى اللوجيستية». وأشار القاضي (أيضاً طلب إغفال اسمه) إلى أن عبود «ذهب أبعد للقول إن وضع قصور العدل صعب ولا يحتمل، وإنه متفهّم لعمل القضاة بظروف صعبة جداً، بلا كهرباء ولا ماء ولا قرطاسيّة. ولكن من غير المقبول العودة إلى إقفال قصور العدل والمحاكم والدوائر القضائية وتعطيل مسار العدالة، فحقوق الناس مقدسة وهي أمانة في عنق كلّ قاضٍ».

ولفت القاضي إلى أن عبود «تمنّى على القضاة الذين توقفوا عن العمل التراجع عن قرارهم وتجنب توسيع دائرة الاعتكاف، ودعا القضاة ليكونوا على قدر قسمهم لأنهم وحدهم الضمانة الحقيقية لبقاء البلد».

تقويض القانون

ما يستحق الذكر، أنه لم يسبق لقضاة لبنان أن استنكفوا عن أداء رسالتهم ولا تخلّفوا عن إصدار الأحكام والقرارات القضائية. إلا أن الأزمة الراهنة قلبت الأمور رأساً على عقب، وبات الإضراب والاعتكاف السلاح الأخير الذي لا بدّ من اللجوء إليه. وهنا يرى القاضي غالب غانم، رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق، أن «وضع القضاء اللبناني يتأثر سلباً بالوضع السائد في البلاد، وفي غياب أركان دولة القانون، فإن العاصفة التي تضرب لبنان تهدّد بتقويض القضاء حتى لو كانت إرادة القضاة حديدية».

غانم أعرب لـ«الشرق الأوسط» عن أسفه لـ«تمادي تدخلات السياسية بالسلطة القضائية، وكأنهم (السياسيون) يعتقدون أنهم يحققون مكاسب على أرض القضاء، إلّا أن أي تدخل في القضاء سيرتدّ سلباً على البلد ككل». وأضاف: «في السابق كانت التدخلات السياسية سريّة أو غير منظورة، أما اليوم فغدت حدود التدخل مباحة».

وتطرّق غانم إلى «إهمال متعمّد للمرفق القضائي»، وقال: «صحيح أن البلد منهار اقتصادياً ومن واجب القاضي أن يضحّي كغيره، لكن هناك حدّاً أدنى من الحقوق. نحن لا نطلب أن يكون وضع القاضي كما كان قبل الأزمة، إلا أننا نرى وجوب تأمين الحدّ الأدنى أقلّه في التقديمات الاستشفائية والتعليمية حتى يصمد القاضي ويواصل أداء رسالته»، داعياً السلطة السياسية إلى «النظر في وضع القضاء من زاوية خاصّة، حتى تبقى الإنتاجية القضائية قائمة».

استهداف القضاء

بموازاة الأزمة الاقتصادية، يعاني القضاء أزمة معنوية، عبر حملات تطاله عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً في الفترة التي رافقت مرحلة الاعتكاف الأخيرة وما تلاها. وهنا يلاحظ القاضي غانم «وجود نظرة عدائية من المجتمع تجاه القضاء، وهذا أمر خطير جداً... وحتى إذ كان هناك اعوجاج لدى بعض القضاة القلائل جداً، لماذا استهداف مؤسسة القضاء بشكل عام؟... لماذا التعاطي الإعلامي مع القضاء بشيء من السخرية والتهكّم، بما يرتدّ سلباً على الناس وملفاتهم؟».

الرئيس السابق للسلطة القضائية لا ينكر تأثر بعض القضاة بالتدخلات السياسية. ويوضح: «للأسف، بدل أن يأتي السياسيون إلى القضاء، ثمة قضاة يذهبون إلى أهل السياسة للتقرّب منهم، وهذا غير جائز... فبمجرد لمس السياسيين رفض القضاة لمطالبهم سيتوقف التدخل بعمل السلطة القضائية»، وبالتالي لا تتحوّل بعض الدوائر القضائية إلى دوائر سياسية».

وبينما لا يخفي غانم أن «عدم إقرار القوانين التي تكرّس استقلالية السلطة القضائية تؤثر سلباً على الواقع القضائي» فهو يأمل بأن «تحصر التشكيلات القضائية بيد مجلس القضاء الأعلى وحده، من دون الحاجة إلى مرسوم، فالقضاء قادر لوحده تولّي هذه المهمّة».

مرحلة سوداوية

على صعيد متصل، يعاني مرفق العدالة في لبنان من تدّني عدد القضاة بسبب إحالة العشرات منهم في السنوات الأخيرة على التقاعد، واستقالة البعض الآخر وتقديم بعضهم طلبات استيداع (العمل في الخارج مؤقتاً)، وإقفال الباب أمام امتحانات اختيار قضاة جدداً لمعهد الدروس القضائية.

أيضاً يعزو القاضي غانم أسباب النزف القضائي إلى «تحطّم المعنويات لدى الكثير من القضاة؛ ما دفع بأعداد منهم إلى طلب الاستيداع، والبعض إلى الاستقالة ومغادرة البلاد، وهذا يهدد وضع القضاء». ثم يختم: «إذا لم نذهب إلى حلول سريعة لأزمة القضاء سنكون أمام مرحلة سوداوية... انهيار القضاء له تداعيات خطيرة على الدولة والمؤسسات وعلى الشعب اللبناني ككل؛ ولذا لا بد من تحرّك سريع واجتراح الحلول حتى لا نصل إلى الأسوأ».

شرعة أخلاقية

من جانب آخر، لا يفصل المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية، بين أزمة القضاء والتفكك الذي يصيب مؤسسات الدولة في لبنان. ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «لا يمكن الحديث عن القضاء بمعزل عن حال البلد المترهلة أخلاقياً واقتصادياً ومالياً، إلا أنه يقتضي إيلاء فساد بعض القضاء اهتماماً خاصاً لأهمية موقعهم للفصل في الحقوق والحريات».

وفي انتقاد حاد للدولة «التي تخلّت عن حقوق القضاة»، يقول مرقص: «ما دامت رقاب الناس وحقوقهم في أيديهم (القضاة) لا يجوز تركهم عرضة للعوز والضغط السياسي عليهم». ويتابع: «الإصلاح يبدأ باعتماد القضاة شرعة أخلاقية يلتزمون بها افرادياً عند تبوء مناصب سياسية بعد تركهم القضاء، وذلك كي لا يسعوا إليها فيأتمروا بالسياسيين إبان عملهم القضائي، مروراً بتعديل مجلس النواب المادة الخامسة من قانون القضاء العدلي لجعل التشكيلات القضائية نافذة دون تدخل الحكومة، على اعتبار أن اقتراح قانون استقلال السلطة القضائية المطروح حالياً بصياغته الحالية هو معقد وغير قابل للإقرار».

القاضي غالب غانم - حسابه على إكي كوم تويت على إكس كوم - تويتر)

الأيادي النظيفة

ختاماً، لا جدوى من الرهان على أهل السلطة لإصلاح الوضع القائم، ما دام أن الكارثة التي يعيشها لبنان هي نتاج السياسات التي اتبعوها على مدى العقود السابقة. ويشدد المحامي مرقص على أن «الحل في لبنان يكمن في القضاء على طريقة حملة الأيادي النظيفة في إيطاليا التي حاربت طبقة سياسية أكثر فساداً من لبنان ونجحت في ذلك». ويرى مرقص أن «الحل الثاني هو في تسلّم الجيش اللبناني للحكم، وهذا أمر غير ديمقراطي ولا يستقيم في بلد كلبنان». ثم يضيف: «المطلوب للوصول إلى ذلك تدعيم وضعية القضاة اجتماعياً، مقابل تقديمهم تضحيات تمليها عليهم رسالتهم أصلاً... والسؤال: من سواهم (القضاة) تقع عليهم مسؤولية مكافحة الفساد؟ من سواهم بإمكانه إخضاع السياسيين لحكم القانون؟ من سواهم يعطي الإشارات للأجهزة الأمنية؟... الحل يبدأ بالقضاء وينتهي بمعاقبة الفاسدين واسترداد أموال الفساد».

يحاذر وزير العدل هنري الخوري وصول الأزمة القضائية إلى مرحلة اللاعودة ويضع في أولوياته معالجة الأسباب

الاعتكاف القضائي: معالجات لا تبدّد الهواجس

> شهد القضاء اللبناني ثلاث مراحل من الاعتكاف الذي تعدّدت أسبابه:

الاعتكاف الأول تلى أول التشكيلات القضائية في السنة الأولى من عهد الرئيس ميشال عون؛ إذ أثارت تلك التشكيلات غضباً واسعاً في الأوساط القضائية؛ لكونها لم تراع الكفاءة والأقدمية للمعينين في المراكز الحساسة. وهذا الأمر حمل القضاة على إطلاق الصرخة والمطالبة بإقرار قانون استقلالية القضاء، ومنع التدخل السياسي في أداء القضاة، قبل أن تقع الكارثة الاقتصادية والمالية التي عصفت بالجسم القضائي وأثر سلباً على أدائه وإنتاجيته.

ذلك الاعتكاف بدأ في أواخر عام 2017، وعمّق الخلاف يومها بين السلطة القضائية ممثلة بمجلس القضاء الأعلى، وبين وزير العدل (آنذاك) سليم جريصاتي (المحسوب على الرئيس ميشال عون). وبلغ الخلاف ذروته بين الطرفين على خلفية قرار اعتكاف التزم به عدد كبير من القضاة، الذين توقفوا عن ممارسة مهامهم؛ احتجاجاً على ما أسموه «إمعان السلطة السياسية في ضرب استقلالية القضاء، ومحاولة إخضاعه عبر التدخل في عمله، والتضييق عليه مادياً ومعنوياً، وحرمان القضاة من بعض المكتسبات التي توفر لهم أماناً اجتماعياً».

يومذاك تسبب الاعتكاف بمواجهة غير مسبوقة بين جريصاتي ومجلس القضاء الأعلى؛ إذ اعتبر الوزير أن الاعتكاف يشكل تحدياً له ولعهد عون في بدايته. ووجّه حينها كتاباً إلى مجلس القضاء الأعلى دعاه فيه إلى «تنبيه القضاة من الاستمرار في الاعتكاف، وتحميلهم مسؤولية أجواء غير صحية تسود أروقة قصور العدل». واستدعى كتاب وزير العدل ردّاً سريعاً من مجلس القضاء، أعلن فيه الأخير أنه «لا يحق للوزير توجيه تعاميم وكتب إلى القضاة». وذكّر بأن «مجلس القضاء الأعلى لا يعدّ جهة تنفيذية لقرارات وزير العدل عملاً بمبدأ استقلالية السلطة القضائية، ومبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، وبالتالي لا يجوز لأي سلطة أن تطغى بعملها على أي سلطة أخرى».

القاضي سهيل عبود

الاعتكاف الثاني كان منتصف العام الماضي. فمع تسارع وتيرة الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، أعلن قضاة لبنان على أثر انعقاد الجمعية العمومية، الدخول في اعتكاف شامل خالٍ من الاستثناءات، احتجاجاً على تدني رواتبهم التي فقدت 95 في المائة من قيمتها، وكذلك غياب التقديمات الطبيّة والاستشفائية والمنح المدرسية والجامعية.

وألحق هذا الاعتكاف ضرراً كبيراً بحقوق المتقاضين؛ إذ استعصى على آلاف الأشخاص التقدم بالشكاوى بسبب الإضراب ورفض أي مراجعة، كما تسبب الإضراب بتراكم آلاف الدعوى التي لم يبت فيها، وانسحبت أضراره على السجون ومراكز التوقيف التي غصّت بالسجناء في ظل التأخر بالبت بإخلاءات سبيلهم».

مرحلة الاعتكاف تلك، التي كانت الأطول والأقسى، انتهت بإقرار زيادة الرواتب بثلاثة أضعاف كما ورد في الموازنة العامة، ومساهمة صندوق تعاضد القضاة بدفع مساعدة مالية بـ(الفريش دولار) تراوحت بين 500 و1200 دولار للقاضي، بالإضافة إلى مساهمة الصندوق بإعطاء الأولوية للمساعدة المرضية.

أما الاعتكاف الثالث (الحالي) فبدأ يوم 1 سبتمبر (أيلول) الحالي مع إعلان 111 قاضياً في القضاء العدلي والإداري والمالي، توقفهم فجأة عن العمل احتجاجاً على أوضاعهم المالية والاجتماعية. وقال هؤلاء في بيان أصدروه: «في ظل عجز الدولة عن تغطية الاستشفاء والطبابة والتعليم، الخاص بالقضاة وعائلاتهم، وفي ظل انعدام ظروف العمل اللائقة بالكرامة البشرية في قصور العدل، وفي ظل ما وصل إليه وضع القضاء على جميع الصعد، نعلن التوقّف القسري عن العمل، وذلك الى حين توافر مقومات العيش والعمل بكرامة».

هذا القرار المفاجئ قابله هنري الخوري، وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال، بتحرك سريع؛ إذ دعا القضاة إلى الاجتماع به، وأكد أنه «بصدد تنفيذ مطالبهم أو أغلبها عبر اتصالات يجريها مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف الخليل والمراجع القضائية». أما رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود الذي بدا مستاءً من العودة إلى شلّ مرفق العدالة، فدعا القضاة إلى جمعية عمومية مغلقة عقدت في قصر العدل في بيروت، وطرح فيها القضاة مطالبهم وهواجسهم، وتعهّد عبود ببذل أقصى جهده بتبديد قلق القضاة وتحصيل حقوقهم، وتمنى عليهم الاستمرار في عملهم والتضحية من أجل الحفاظ على القضاء وهيبته. غير أن قضاة شاركوا في الجمعية العمومية، أكدوا لـ«الشرق الأوسط»، أن «المعتكفين ما زالوا على اعتكافهم»، وأن باقي القضاة «يراقبون ما ستؤول إليه مساعي وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى وبعدها يبنى على الشيء مقتضاه».


مقالات ذات صلة

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

حصاد الأسبوع تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات...

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة…

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)

الأردن... رئيس لا يجامل في مواجهة مجلس نواب برؤوس حامية

تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)
تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)
TT

الأردن... رئيس لا يجامل في مواجهة مجلس نواب برؤوس حامية

تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)
تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)

لم يُفسّر أحد «قلة اكتراث» الشارع الأردني أمام حدثين مهمين على المستوى المحلي: إذ بعد نتائج الانتخابات النيابية التي أُجريت في العاشر من سبتمبر (أيلول) الحالي وجاءت نتائجها بعكس جميع التوقعات الرسمية، تشكلت حكومة جديدة مُشبعة بمفارقات عدة، بدءاً من اختيار الرئيس، وليس انتهاءً بخريطة التشكيل سياسياً وديموغرافياً وجغرافياً. وحقاً، لم ينشغل أحد سوى الإعلام ونخبه السياسية ببث تحليلات متناقضة بين التبشير ونقص التفاؤل بالمرحلة. إذ يُعتقد وسط النخب أن جبهة المواجهة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية مقبلة، لا سيما وأن اختيار الفريق الوزاري سبق انعقاد مجلس الأمة ليصادر معه طموحات النواب الحزبيين بأن يكون لهم تأثير في اختيار الوزراء من بوابة «المشاورات» - التي درجت أحياناً ويعتبرها البعض «شكلية»، - الأمر الذي قلّص مساحات نفوذ الأحزاب الطامحة أمام منتسبيها والرأي العام.

اختيار جعفر حسّان رئيساً للحكومة الأردنية الجديدة كان مفاجأة لم تتوقعها الأوساط السياسية؛ كونه «رجل ظل مؤثراً» في صناعة القرارات السياسية والاقتصادية خلف الكواليس، وذلك من خلال خدمته في فترتين مديراً للمكتب الخاص للعاهل الأردني (الفترة الأولى من 2014 - 2018، والفترة الثانية من عام (2021 - 2024)، بل، حتى وهو وزير في 6 حكومات، عُرف عنه زهده الإعلامي.

المقربون من حسّان يصفونه بأنه حاد الطباع، وإن خفتت هذه الصفة إبّان خدمته الأخيرة بالقصر الملكي. وهو منتظم بالعمل لساعات طويلة لدرجة يرهق معها مَن حوله، ثم أنه محسوب على نخب الاقتصاد أكثر من نخب السياسة، وقريب من تيار ينتمي إلى فكرة الإصلاحات الشاملة في البلاد، وهو التيار الذي أثّر بحسّان خلال فترته الثانية في خدمة الملك عبد الله الثاني.

أشبه بـ«تعديل موسّع»

لم تأتِ حكومة جعفر حسّان التي أدت اليمين الدستورية يوم 18 سبتمبر (أيلول) الحالي بأسماء من خارج صندوق الخيارات التقليدية؛ ما دفع بعض النقاد إلى اعتبار التشكيل أشبه بـ«تعديل موسع» على حكومة بشر الخصاونة، التي استقالت غداة إعلان النتائج النهائية لانتخابات أعضاء مجلس النواب في الجريدة الرسمية. ويأتي ذلك انسجاماً من أعراف أردنية تتعلق بمشاورات مراكز القرار المدنية والأمنية، وحسابات الجغرافيا والمحاصصة.

ولقد تحصّنت حكومة حسّان في تشكيلتها الجديدة بخبرات بيروقراطية وخبرات نيابية ونقابيّة سابقة تأهباً لـ«المواجهة المرتقبة» مع مجلس النواب الذي سيتعامل مع استحقاقين دستوريين في مطلع عهده، هما: مناقشة البيان الحكومي والتصويت على الثقة، واستحقاق مناقشة وإقرار قانون الموازنة العامة المُثقل بأرقام العجز وارتفاع سقوف خدمة المديونية الخارجية والداخلية. وكذلك سيتعامل مع مطالبات نيابية موسمية تُطالب بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، ومطالب اقتصادية لم يعد بإمكان الحكومات الاستجابة لها في ظل تنامي أرقام المديونية العامة وعجز الموازنة. وفضلاً عن هذا وذاك، فإن الرئيس الجديد المعروف عنه اقتصاده في المجاملة سيواجه بنواب عُرف عنهم الإسراف في المطالبات الخدمية.

من جهة ثانية، جاء احتفاظ حسّان بحقائب لعدد من الأصدقاء المقربين منه - وهو واقع استقرت عليه الأعراف السياسية في البلاد من حيث الاستعانة بالمعارف والثقات في اختيار الوزراء - فإنه لم يستطع تجاوز أسماء خلال الـ48 ساعة الماضية التي سبقت إعلان تشكيلة فريقه الوزاري، ولقد خصّ في تشكيلته ثلاثة أحزاب فقط من التي نجحت في الانتخابات الأخيرة.

قراءات أولية يصعب التنبؤ بنتائجها

استدعى جعفر حسّان من الخبرات النيابية السابقة كلاً من: المحامي عبد المنعم العودات، رئيس مجلس النواب الأسبق ورئيس اللجنة القانونية لدورات عدة، ليكون وزيراً للشؤون السياسية والبرلمانية، وخالد البكار، النائب السابق لدورات عدة وعضو مجلس الأعيان وزيراً للعمل، وخير أبو صعيليك، النائب السابق لدورات عدة ورئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب لدورات عدة وزير دولة لتطوير القطاع العام. كذلك استعان حسّان بمصطفى الرواشدة، عضو مجلس الأعيان وأول نقيب لنقابة المعلمين (المُعطل عملها بموجب قرار قضائي) في البلاد وزيراً للثقافة، والنائب السابق يزن شديفات وزيراً للشباب.

جرى استدعاء هؤلاء في مواجهة مجلس النواب الجديد، بكتله الحزبية الوازنة التي تتقدّمها كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي»، كتلة «المعارضة الحرجة» الممثلة بـ31 مقعداً، إلا أن ما ينقصهم في خبرة العمل الحكومي، قد يعوّضه الوزير العائد والمحسوب على تيار البيروقراط الرسمي المهندس وليد المصري الذي عيّن وزيراً للإدارة المحلية. وكان المصري قد خدم رئيساً لبلدية إربد الكبرى، ثاني أكبر بلديات المملكة، ثم وزيراً في حكومات متعاقبة، ولقد نجح في تفريق جبهات المعارضة النيابية في ملفات عدة أيام مشاركته في حكومات عبد الله النسور، وهاني الملقي وعمر الرزاز خلال السنوات بين 2013 و2019.

وبين الخطوات المهمة كان الإبقاء على أيمن الصفدي، الوزير الأكثر شعبية في الحكومة السابقة بسبب تصريحاته القاسية تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة وموقفه المعادي لحكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، نائباً للرئيس ووزيراً للخارجية، وأيضاً الاستعانة بعضو مجلس الأعيان محمد المومني صاحب لقب «أطول وزراء الإعلام بقاءً»؛ إذ عمل وزيراً خلال السنوات (2013 - 2018) مسجلاً حضوراً لافتاً في عدد من الأحداث الأمنية والسياسية التي عاشتها البلاد، ومعروف عنه دقة تصريحاته، ودبلوماسيته العالية في الإجابة عن أسئلة الصحافيين.

الأحزاب في البرلمان

وكما سبقت الإشارة، جاءت تشكيلة حكومة الرئيس حسّان كـ«أمر واقع» وفق موعد تكليفه، لتتجاوز فكرة المشاورات النيابية الحزبية غير المُلزمة؛ الأمر الذي ترك ظلالاً على فرص تشكيل حكومة «توافقات حزبية». وهذا ما يؤيده مناصرو فكرة منع «حرق المراحل»؛ إذ من المبكّر الذهاب لهذا الخيار في ظل غياب غالبية حزبية مؤثرة نيابياً. وبين المفارقات الرقمية والمحاصصات التقليدية ما يلي:

أولاً- توزّعت جغرافيا اختيار الفريق الحكومي تبعاً للتقاليد المحلية، فحظي شمال المملكة بحصة وازنة من الحقائب، وتمثل الجنوب بخمس حقائب وزارية، وكان للوسط حصة أعلى في الحقائب مما كان له في الحكومة السابقة، وذلك لصالح محافظتي العاصمة والبلقاء، في حين بقيت أرقام «كوتات» الشركس والمسيحيين من دون ارتفاع. وتَسقط هذه الحسابات إلا من جلسات النميمة السياسية في البلاد، بيد أنها لن تؤثر في ارتفاع منسوب النقاش المجتمعي بسبب ابتعاد الأردنيين عن سجالات المحاصصة والجهوية إذا كان أداء الفريق الوزاري جاداً في حل الأزمات الاقتصادية المتراكمة.

ثانياً - انخفض عدد النساء في الحكومة الجديدة إلى 5 سيدات، ولقد توزّعن على وزارات السياحة التي أسندت إلى لينا عناب، والتخطيط والتعاون الدولي لزينة طوقان، والتنمية الاجتماعية لوفاء بني مصطفى، والنقل لوسام التهتموني. وبقيت نانسي نمروقة في الحكومة الجديدة، لكن كوزيرة الدولة للشؤون الخارجية بعدما كانت تشغل حقيبة وزارة الدولة للشؤون القانونية في الحكومة السابقة. وفي المقابل، خرجت من الحكومة وزيرة الاستثمار خلود السقّاف، ووزيرة العمل ناديا الروابدة، ووزيرة الثقافة هيفاء النجار.

ثالثاً - أبقت الحكومة الجديدة على وزراء الخارجية أيمن الصفدي، والتربية والتعليم والتعليم العالي عزمي محافظة، ووزير الداخلية مازن الفراية، ووزير الأشغال ماهر أبو السمن، ووزير المياه رائد أبو السعود، والزراعة خالد حنيفات، والطاقة صالح الخرابشة، والأوقاف محمد الخلايلة، والصحة فراس الهواري، والبيئة خالد الردايدة، إضافة إلى الوزيرات الخمس. في حين انتقلت وزارة الإدارة المحلية من الوزير المخضرم توفيق كريشان إلى وليد المصري، والاتصال الحكومي من مهند مبيّضين إلى محمد المومني، ووزارة المالية من محمد العسعس لأمينها العام عبد الحكيم الشبلي، ووزارة الدولة للشؤون القانونية من نانسي نمروقة إلى فياض القضاة رئيس ديوان التشريع والرأي، ووزارة الدولة لشؤون رئاسة الوزراء من إبراهيم الجازي إلى عبد الله العدوان، ووزارة الدولة من وجيه عزايزة إلى أحمد العبادي، ووزارة الدولة للشؤون الاقتصادية من ناصر شريدة إلى مهند شحادة، ووزارة الاقتصاد الرقمي والريادة من أحمد الهناندة إلى سامي سميرات، والشؤون البرلمانية من حديثة الخريشا إلى عبد المنعم العودات، والعمل من ناديا الروابدة إلى خالد البكار، ووزارة الثقافة من هيفاء النجار إلى مصطفى الرواشدة، ووزارة الصناعة والتجارة من يوسف الشمالي إلى يعرب القضاة.

هذا، وبدلاً من وزير العدل أحمد زيادات دخل الفريق الحكومي بسام التلهوني - وهو الذي غادر ومعه وزير الداخلية السابق سمير مبيضين بتعديل طارئ من حكومة بشر الخصاونة بسبب مخالفتهما شروط وقواعد السلامة العامة المتبعة أثناء انتشار فيروس «كوفيد - 19» -، كما عاد إلى الحكومة وزيراً للاستثمار مثنّى الغرايبة بعد مغادرة خلود السقاف، وللعلم سبق للغرايبة العمل في حكومة عمر الرزاز (2018 - 2020)، وكان قبلها حراكياً نشطاً خلال سنوات الربيع الأردني. ولقد عادت السفيرة الأردنية لدى اليابان لينا عناب إلى موقعها وزيرة للسياحة بدلاً من مكرم القيسي، ويذكر أنها كانت قد استقالت من حكومة الرزاز، ومعها وزير التربية والتعليم عزمي محافظة، بعد فاجعة وفاة 22 طالباً وطالبة في البحر الميت بسبب الظروف الجوية ومخالفة تعليمات الرحلات المدرسية شتاء عام 2019.

جبهات حكومية مزدحمة المعارك

بناءً على ما سبق؛ من المتوقع أن يكون لحزب «جبهة العمل الإسلامي» (الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» غير المرخّصة في البلاد) فرصة لتحقيق مزيد من الشعبية من خلال مقاعده الـ31 في مجلس النواب العشرين؛ إذ يعتقد أن نواب الحزب سيسعون لتسجيل المواقف مسلحين بملَكة الخطابة ومتجهّزين بقراءات سابقة وتحضير جيد لجداول أعمال الجلسات النيابية الرقابية والتشريعية.

وبالفعل، بدأ استثمار الحزب مبكّراً في حصد الإعجاب الشعبي من خلال مطالباته بمواقف تصعيدية ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ودعوته إلى النزول للشارع بهتافات «تزايد» على الموقف الرسمي الذي حظي باحترام النخب السياسية بعد تقدّمه على عدد من المواقف العربية والدولية، ويتوقع أن يواصل نواب الحركة الإسلامية حصد المزيد من الشعبية على حساب موقع الحكومة المحاصرة بمحدّدات لا يمكن تجاوزها. ومن ثم، يتوقّع مراقبون أن تكون «عقدة المواجهة» المنتظرة بين نواب الحركة الإسلامية والحكومة هي مسألة نقابة المعلمين التي جمّد القضاء أعمالها منذ عام 2018، وجرى توقيف نقيبها وأعضاء من مجلسها، وهذا النقيب هو اليوم نائب فاز عن مقاعد الدائرة الحزبية المخصصة للأحزاب، وهو شخصية شاغبت كثيراً في ملف نقابة المعلمين وتعرّضت للتوقيف مرات عدة.

الإسلاميون... ومفاجأة الرسميين

> جاءت نتائج الانتخابات الأخيرة «صادمة» لمراكز القرار السياسي في الأردن، وبالأخص بعد الكشف عن «زيف» بعض الدراسات والاستطلاعات التي أجرتها مؤسسات مجتمع مدني روّجت لقراءات داخلية تتعارض مع الواقع الذي ظهرت عليه النتائج النهائية. وكانت هذه قد أشارت إلى «محدودية» أصوات الحركة الإسلامية، وتنامي فرص أحزاب محسوبة على الخط الرسمي. لكن نتيجة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» جاءت بما لم يتوقعه أحد في أعقاب حصول مرشحيها على أكثر من 450 ألف صوت من أصل 1.65 مليون من المقترعين. ومقابل ذلك، جاءت نتائج أحزاب «الميثاق» 93680 ألف صوت، و«إرادة» 75121، والحزب الوطني الإسلامي 87519، و«تقدم» 61199، وهذه النتائج على مستوى الدائرة العامة المخصصة للأحزاب. من ناحية أخرى، بعيداً عن التلاوم بين «عرّابي العملية الانتخابية»، فإن قانون الانتخاب الذي أجريت بموجبه الانتخابات الأخيرة صعد بالجميع على الشجرة، فأمام حقيقة النتائج، فإن أي تعديل على القانون سيكون بمثابة «رِدة» على برنامج التحديث السياسي. وإذا بقي القانون على حاله، فإنه من المقرّر ارتفاع أرقام المقاعد الحزبية في البرلمان المقبل بنسبة 50 في المائة؛ وهو ما سيعني زيادة ضمنية لمقاعد الإسلاميين في المجلس المقبل، وهذا تحدٍ أمام «الدولة العميقة» التي تبحث عن تعدّدية متقاربة الأثر والدور والتنظيم. والحقيقة أن الإسلاميين كانوا مُدركين لحقيقة أرقامهم. فأي قانون انتخاب بصوتين: واحد لدائرة محلية حدودها الإدارية ضيقة وواحد آخر للدائرة العامة (الوطنية) المخصّصة للأحزاب... يعني مضاعفة حصصهم في عدد المقاعد. وهذا مع الوضع في الحسبان أن «مطبخ» إدارة العملية الانتخابية لدى الحركة الإسلامية، ابتعد تماماً عن مزاحمة مرشحيه في الدوائر المحلية، وركّز على «خزّانه التصويتي» في معاقله التاريخية. وهكذا حصل في الدوائر المحلية على 14 مقعداً في عشر دوائر محلية ترشّحوا عنها، وفي الدائرة العامة حصل على 17 مقعداً، مستفيداً من أصوات مجّانية حصل عليها من المحافظات ودوائر البدو المُغلقة ذات الصبغة العشائرية التي كانت تُحسب تاريخياً على المؤسسة الرسمية.