كلاوديا شاينباوم تخوض معركة لتصبح أول امرأة ويهودية على رأس المكسيك

بين انقسام حزبها اليساري واتفاق اليمين على جبهة واسعة موحّدة

كلاوديا شاينباوم تخوض معركة لتصبح أول امرأة ويهودية على رأس المكسيك
TT

كلاوديا شاينباوم تخوض معركة لتصبح أول امرأة ويهودية على رأس المكسيك

كلاوديا شاينباوم تخوض معركة لتصبح أول امرأة ويهودية على رأس المكسيك

هذا التحول «الأنثوي» الجذري في المشهد السياسي للمكسيك؛ كبرى الدول الناطقة باللغة الإسبانية في العالم، وثاني كبرى دول العالم اللاتينية، هو ثمرة مَخاض طويل تبوّأت خلاله النساء مناصب بارزة... من رئاسة «المحكمة العليا» إلى المناصفة في الحقائب الوزارية، والمقاعد في البرلمان، وحاكمية الولايات والبلديات الكبرى.

وقد تزامن هذا التحوّل في المكسيك مع تراجع شعبية القيادات السياسية البارزة، غالباً تحت وطأة الفضائح والفساد، وأسهمت في تسريع إيقاعه الإصلاحات التشريعية التي أقرّها البرلمان في السنوات الأخيرة.

غير أن «الذكورية» الجارفة في المجتمع المكسيكي، الذي تشكّل العصابات الإجرامية فيه خامس مصدر لفرص العمل، تُملي الحذر والترقب لمعرفة المآل الأخير لهذا التحوّل الذي تقوده امرأتان على طرفيْ نقيض في كل شيء تقريباً.

صراع المرأتين

عندما صدرت نتائج الاستطلاعات الأولى داخل حزب «مورينا (حزب النهضة الوطنية)» الحاكم، وأظهرت تقدم كلاوديا شاينباوم على منافسيها، أعلنت الرئيسة السابقة لحكومة العاصمة الاتحادية مكسيكو سيتي بأنه لا مجال لتضييع دقيقة واحدة في الحملة الانتخابات الرئاسية المقبلة، قبل أن تتسلّم، في اليوم التالي، من الرئيس لوبيز أوبرادور مقاليد التنظيم السياسي اليساري الذي أسّسه وقاده منذ ثلاثة عقود.

وكانت تحركات شاينباوم الأولى في اتجاه منافسيها داخل الحزب للاستماع إلى مطالبهم، ومحاولة احتوائهم، ورصّ الصفوف وراءها في حملة يُنتظر أن تكون على جانب كبير من القسوة. وحقاً نجحت السياسية الطَّموح في استقطاب معظمهم، باستثناء منافِسها الرئيس، وزير الخارجية السابق مارسيلو إيبرارد الذي حلّ في المرتبة الثانية واتهمها بتزوير الاستطلاع ونتائجه، ليقرر بعد ذلك تشكيل جبهته الخاصة داخل الحزب ويفتح معركة ضدها.

ولكن على الرغم من ذلك، لا يشكُّ أحد، اليوم، بأن كلاوديا شاينباوم أصبحت هي الوريثة الشرعية للحركة السياسية التي أسّسها لوبيز أوبرادور، الذي صرّح أخيراً بأنه سيهجر العمل السياسي في نهاية ولايته، مطلع خريف العام المقبل، ويعتزل في مزرعته، بعدما يكون قد فتح الباب أمام أول امرأة لتتولى رئاسة الجمهورية في المكسيك.

من هي شاينباوم؟

تعرّضت كلاوديا شاينباوم، طوال تولّيها رئاسة حكومة العاصمة - وخصوصاً خلال حملة الانتخابات داخل الحزب الحاكم لاختيار المرشح لرئاسة الجمهورية - إلى انتقادات عدة تشكِّك في استقلاليتها عن لوبيز أوبرادور، وتأخذ عليها العمل والتحرك بتوجيهات مباشرة منه. وفي المقابل، دأبت هي في جميع ردودها على الانتقادات الموجَّهة إليها، على وضعها في خانة «الثقافة الذكورية» التي تَعتبر أن المرأة بحاجة دائماً لرجل يوجّه خطاها، ويُملي عليها القرارات التي يجب أن تتخذها.

إلا أن التحدّي السياسي الأكبر الذي يواجه شاينباوم في هذه المرحلة، ليس التعايش مع الظل الوارف للرئيس الذي ينفرد بـ«كاريزما» لم يعهدها المكسيكيون في العقود الماضية، بقدر ما هو إيجاد موقعها داخل الحركة اليسارية في أعقاب تسلمها القيادة منه.

أمر آخر لافت هو أن شاينباوم، وبخلاف منافسيها داخل الحزب من الذين تدرّجوا في أحزاب أخرى قبل الانضمام إليه، اقتصر انتماؤها السياسي، طوال ربع قرن، على الحزب الذي أسّسه لوبيز أوبرادور، وبعدها تدرّجت في كنفه حتى أصبحت أَشبه ما تكون بامتداد لأفكاره وأسلوب عمله.

شاينباوم كانت قد توّلت عدة حقائب في حكومة العاصمة التي رأسها لوبيز أوبرادور، في السنوات الخمس الأولى من هذا القرن، وهي التي نظمّت وقادت الإضراب الذي دام 48 يوماً في قلب العاصمة، بعد انتخابات عام 2006 الرئاسية، التي ندّدت المعارِضة اليسارية في حينه بتزويرها من أجل انتزاع الفوز من لوبيز أوبرادور الذي بايعته الحشود المؤيدة «رئيساً شرعياً». وما يُذكر أن الأخير يومذاك أعلن يومها تشكيل «حكومة» تولّت فيها شاينباوم الدفاع عن موارد المكسيك الوطنية، وفي طليعتها النفط؛ وهو أحد المحاور الرئيسة في خطاب لوبيز أوبرادور وحزبه.

في عام 2012، خاض آندريس مانويل لوبيز أوبرادور معركته الرئاسية الثانية، وأعلن، خلال حملتها، تكليف شاينباوم بحقيبة البيئة في حال فوزه، بيد أنه خسر رهانه مجدداً، ومن ثم، في حين عادت هي إلى نشاطها الأكاديمي باحثة في العلوم البيولوجية، انصرف الزعيم الخاسر إلى تأسيس حزب جديد أطلق عليه «حزب النهضة الوطنية» وعُرف بالأحرف الأولى من كلماته «مورينا».

وقد حصل اللقاء الأول بين شاينباوم ولوبيز أوبرادور، بعد فوز الأخير بمنصب رئيس حكومة العاصمة، وخصوصاً عندما اقترح عليه مُعاونوه تكليفها بحقيبة البيئة وخفض نسبة التلوث العالية في المدينة الضخمة (يسكنها أكثر من 10 ملايين نسمة، ويرتفع العدد مع ضواحيها لأكثر من 20 مليوناً)، وحتى ذلك الحين كان نشاطها السياسي مقصوراً على نشاطها ضمن الحركة النضالية الجامعية، في العاصمة المكسيكية أولاً، ثم في جامعة ستانفورد الأميركية الشهيرة في الولايات المتحدة لاحقاً.

مثقفة ويسارية وعالِمة يهودية

تتحدّر كلاوديا شاينباوم من أسرة يهودية ليتوانية هاجرت إلى المكسيك، وكان والداها يعملان في حقل البحوث العلمية والأكاديمية. وقد سارت ابنتهما على خطاهما، فتخصّصت في العلوم الفيزيائية، ونالت شهادة الدكتوراه عن أطروحة حول استخدام مَدافئ الحطب في المناطق الريفية، في جامعة مكسيكو الوطنية الحرة «أونام»، دون أن يؤثر نضالها الطلابي في تحصيلها العلمي، ثم تخصّصت في هندسة الطاقة، وسافرت إلى الولايات المتحدة حيث تابعت تحصيلها العلمي في كاليفورنيا، حيث برزت هناك أيضاً مناضلة في صفوف الحركة الطلابية.

تولّت منصباً استشارياً بارزاً في «الهيئة الوطنية لتوفير الطاقة»، وفي «الهيئة الفيدرالية للكهرباء». وعلى الصعيد العالمي كانت مستشارة للبنك الدولي ولـ«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، ثم إنها في تسعينات القرن الفائت شاركت في وضع المناهج التطبيقية التي قام عليها برنامج مكافحة التلوث في مكسيكو سيتي، ونظام الإنذار المبكر في حال الطوارئ البيئية. وفي عام 2007 انضمت إلى فريق الخبراء الحكوميين الدوليين، الذي شكّلته «الأمم المتحدة» حول تغيّر المناخ، وهو الفريق الذي نال لاحقاً «جائزة نوبل للسلام».

يقول لوبيز أوبرادور، في مذكراته بعنوان «هذا أنا»، إنه بعد الهزيمة التي لحقته في الانتخابات الرئاسية الثانية عام 2012 كان على وشك اعتزال النشاط السياسي، غير أنه عندما شاهد الحشود الغفيرة تُنادي بفوزه في قلب العاصمة طوال الإضراب الاحتجاجي الذي لعبت شاينباوم دوراً بارزاً في تنظيمه، قرّر مواصلة سعيه إلى الرئاسة الأولى، بينما عادت هي إلى التفرغ للبحث الأكاديمي، والابتعاد عن الدائرة الضيقة المحيطة به.

لكن الوضع تغيّر، إذ عندما قرر لوبيز أوبرادور أن يكون الحزب الجديد الذي أسّسه معقلاً للأفكار والطروحات اليسارية الحديثة - التي كانت شاينباوم تنادي بها منذ سنوات - عادت هي في دور القيادية البارزة إلى جانبه، وحصدت أول انتصار بارز لحزبه الجديد، عندما فازت في انتخابات مدينة تلالبان البلدية عام 2015.

مع هذا، لم تستمر في المنصب طويلاً، فقد استقالت منه بعد سنتين لمساعدة لوبيز أوبرادور في حملته الرئاسية الثالثة، وأيضاً لتحضير ترشيحها لحاكمية العاصمة التي فازت بها عام 2018، وأضحت أول امرأة منتخَبة تتولى هذا المنصب المهم.

يومذاك، قطفت كلاوديا شاينباوم أولى ثمار نضالها الاجتماعي والسياسي الطويل إلى جناب «راعيها» وحليفها لوبيز أوبرادور، الذي كان قد رسّخ النهج اليساري في حزبه حول ثلاثة محاور أساسية هي: مكافحة الفساد، والتقشّف في الإنفاق العام، وإحياء «المذهب الإنساني المكسيكي» الذي يعطي الأولوية للفقراء.

انتصار هذا النهج رسّخ موقع شاينباوم في واجهة المشهد السياسي اليساري المكسيكي الذي كان قد تعاقب على حاكمية العاصمة منذ أواخر القرن الماضي، حيث ترك بصماته لوبيز أوبرادور، ثم مارسيلو إيبرارد، وزير الخارجية السابق، ومنافِس شاينباوم أخيراً على ترشيح الحزب لانتخابات العام المقبل الرئاسية.

العاصمة... مهد اليسار المكسيكيفي

الحقيقة، تُعدّ العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي مهد اليسار المكسيكي الحديث، حيث تلاقت فيها الحركات الاحتجاجية، من جامعية وعمالية وزراعية، وتفاعلت وانصهرت، لتصبح الأساس الذي بنى عليه لوبيز أوبرادور مشروعه السياسي الذي أصبح اليوم في عهدة شاينباوم.

وبالنسبة لشاينباوم شخصياً، تميّزت فترة تولّيها حاكميتها للعاصمة الضخمة المترامية الأطراف، بإنجازات مشهودة في وسائل النقل العام، وآلاف المِنح الدراسية للطلاب الفقراء، وشبكة واسعة من الخدمات لحماية الأقليات ومراكز تعليمية في المناطق المهمَّشة والمحرومة. وكان لوبيز أوبرادور يردد أن وجود شاينباوم على رأس حكومة العاصمة «يبعث على الارتياح»، ويسمح له بالتفرّغ لإطفاء الحرائق في أماكن أخرى. لكن اللافت أن الملف الذي غاب حتى الآن عن العناوين الرئيسة لخطاب شاينباوم هو الإجرام المنظّم، الذي تضمّ عصاباته المسلَّحة ما يزيد عن 200 ألف عنصر متفرّغ لتهريب المخدرات والخطف والقتل والابتزاز، يهددون سلطة الدولة في معظم الولايات، وينشرون الرعب بين المواطنين، الذين يرى كثيرون منهم في هذه المنظمات فرصاً بديلة للعمالة التي يفتقدونها في السوق الشرعية.

وما تجدر الإشارة إليه، هنا، أنه مع بداية انحسار جائحة «كوفيد-19» في عام 2021، انهار أحد خطوط شبكة مترو الأنفاق في العاصمة، وأسفر الحادث عن مقتل 27 من العمال، وإصابة المئات. وحقاً كانت له تداعيات سياسية فورية دفعت شاينباوم ثمنها باستقالتها، إلى جانب إيبرارد الذي كان خط الشبكة قد دُشّن خلال فترة ولايته.

ذلك الحادث شكّل بداية معركة شرسة بين الاثنين داخل الحزب، حيث حاول كل منهما إلقاء اللوم على الآخر، وتحميله مسؤولية تلك الكارثة. وبعد ذلك تعرَّض الحزب لسلسلة من الهزائم على الصعيدين المحلي والوطني، ثم خسر الغالبية التي كان يتمتع بها في البرلمان، الأمر الذي حالَ دون المُضي في التعديلات الدستورية التي كان قد بدأها تنفيذاً لبرنامجه الانتخابي، بينما كان اللوم يلقى على شاينباوم، الوجه الأبرز للحزب (آنذاك) بعد الرئيس.

وبالفعل، تعرّضت شاينباوم، داخل الحزب وخارجه، لسيلٍ من الانتقادات المشكِّكة في قدراتها القيادية واستقلاليتها، بعدما كانت توصف بأنها «المفضَّلة» لدى الرئيس، لأنها تتماهى مع مواقفه، وأنه سيكون هو الحاكم الفعلي، في حال وصولها إلى الرئاسة. غير أنها كانت تصرّ دائماً على رفض تلك الاتهامات، بانيةً حملتها للفوز بترشيح الحزب لرئاسة الجمهورية على خطاب عنوانه الرئيس «إن الوقت قد أزف كي تصل المرأة إلى قمة الهرم السياسي في المكسيك».

ورغم المساعي التي أطلقتها لتعميق السياسات التي نهجها لوبيز أوبرادور، مثل الاهتمام المحوري بالفقراء، وتوسيع الخدمات الاجتماعية لهم، والرهان على تنمية المناطق المهمَّشة، والتقشف في الإنفاق العام، فإنها طرحت عناوين جديدة في برنامجها الانتخابي غابت عن سياسة الرئيس الحالي، مثل الانتقال إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، وتنمية البحوث العلمية والتكنولوجية.

حقائق

بخلاف منافسيها داخل الحزب من الذين تدرّجوا في أحزاب أخرى، اقتصر انتماؤها السياسي على الحزب الذي أسّسه لوبيز أوبرادور.

سباق 2024 الرئاسي المكسيكي «اختبار» سياسي وثقافي

 

عندما استقالت كلاوديا شاينباوم من رئاسة حكومة العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي، بعد حادثة شبكة مترو الأنفاق، كانت شعبيتها في أعلى مستوياتها. بَيْد أن المعركة التي تنتظرها راهناً داخل حزبها «مورينا» اليساري قد تكون أشرس من تلك التي تستعدّ لها ضد منافِستها مرشحة المعارضة اليمينية، إذ رفض خصمها ومنافِسها وزير الخارجية السابق مارسيلو إيبرارد نتائج الاستطلاع الداخلي، وقرّر تأسيس تيّاره الذاتي داخل الحزب، ومواصلة سعيه للترشح إلى الرئاسة، في مواجهة مفتوحة مع شاينباوم قد تشق صفوف اليسار.

لوبيز اوبرادور (غيتي)

وردّاً على ذلك، لإدراك شاينباوم أهمية وحدة الصف في الاستحقاق الرئاسي الذي من المنتظر أن تكون المنافسة فيه على أشُدّها بعد إعلان الأحزاب اليمينية المعارضة خوضه ضمن تحالف واسع موحّد، تعهّدت شاينباوم بإعطاء جميع منافسيها داخل الحزب مناصب في الحكومة، إذا فازت في انتخابات العام المقبل، بل إنها تركت الباب مفتوحاً، حتى أمام إيبرارد في حال قرر البقاء داخل «مورينا» بجانبها، إذ قالت، عند إعلان النتائج: «وحدة الصف أساسية، وأبواب الحزب لن توصَد أبداً».

ايبرارد (تويتر)

مع هذا، ورغم أن إيبرارد، الذي يتمتع بتأييد لا يُستهان به داخل الحزب أعطاه 26 في المائة من الأصوات، لم يعلن خروجه من الحزب حتى الآن، بات من شِبه المؤكّد على أثر قراره تشكيل تياره الذاتي داخل الحركة، أن خطوته التالية ستكون الانفصال، وهو، بهذا الانفصال، يمهد، على الأرجح، لتحديد موقعه في المشهد السياسي؛ تأهباً لبداية حملة الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

غالفيز (آ ف ب)

وفي حين يرى بعض المراقبين أنه ليس مستبعَداً انضمام إيبرارد إلى التحالف اليميني المعارض، مقابل «ضمانات» بمستوى طموحاته، يرجّح آخرون أن يخوض المعركة الرئاسية بصفته مرشحاً ثالثاً في مواجهة شاينباوم، ومرشحة المعارضة اليمينية كسوتشيل غالفيز. وكان لوبيز أوبرادور قد علّق على هذا الاحتمال الأخير بقوله «إذا حصل ذلك، فستكون المعارضة هي الخاسر الأكبر»؛ إدراكاً منه أن إيبرارد يتمتع بشعبية واسعة بين الطبقة الوسطى.

من جهة ثانية، حرص لوبيز أوبرادور، منذ إعلان نتائج الاستطلاع الداخلي لاختيار مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، على حسم موقفه بشكل واضح، موصِداً بذلك الباب أمام محاولات الالتفاف على النتائج، وتكرار الاستطلاع، كما يطالب وزير خارجيته السابق، بل إنه قال صراحةً: «لقد أنهيت مهمتي، وسلّمت قيادة الحركة إلى شاينباوم الاستثنائية، صاحبة القناعات الراسخة والمبادئ النزيهة».

ولكن إذا كان الرئيس المودّع يعتبر أن مهمته انتهت بتسليمه القيادة إلى وريثته السياسية، فإن مهمة شاينباوم ما زالت في بدايتها لتسجل سابقة في التاريخ المكسيكي، وتصبح أول امرأة تصل إلى الرئاسة الأولى، وهي في حال وصولها - الذي ترجِّحه كل الاستطلاعات الحالية ما لم تحصل مفاجآت على الطريق الطويلة - سيكون تتويجاً لمرحلة مفصلية شهدت «اجتياحاً» نسائياً للمناصب العليا في المؤسسات السياسية والإدارية المكسيكية، داخل القطاعين العام والخاص. والواقع أن وصول المرأة إلى المناصب العليا في المكسيك بلغ حداً دفع كثيرين إلى التساؤل: متى سيَحين الوقت ليسلم الرجال هذه المناصب... كما تساءل أخيراً قائد الشرطة الوطنية عمر حرفوش، المرشح لرئاسة حكومة العاصمة.


مقالات ذات صلة

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

حصاد الأسبوع كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

هل نجح انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من سباق الرئاسة في تجنيب الديمقراطيين هزيمة... كانت تتجمع نُذُرها حتى من قبل «مناظرته الكارثية» مع منافسه الجمهوري

حصاد الأسبوع ديفيد لامي

ديفيد لامي... وجه الدبلوماسية البريطانية الجديد يواجه قضايا عالمية شائكة

انتهت 14 سنة من حكم حزب المحافظين باتجاه بريطانيا يساراً مع تحقيق حزب العمال تحت زعامة السير كير ستارمر فوزاً ساحقاً منحه غالبية ضخمة بلغت 172 مقعداً. وفي حين توقف المحللون طويلاً عند حقيقة أن هذا الفوز الساحق لم يأت نتيجة زيادة كبرى في نسبة التأييد عما حصل عليه العمال في الانتخابات السابقة قبل 4 سنوات، بل بسبب انهيار الأحزاب والقوى المنافسة للحزب في عموم المناطق البريطانية التي كان يسعى إلى كسبها. وحقاً أدى تحدّي حزب الإصلاح الانعزالي اليميني المناوئ للهجرة وللتكامل الأوروبي إلى قضمه نسبة عالية وقاتلة من أصوات المحافظين ما أدى إلى انهيارهم في معاقلهم التقليدية. كذلك انهار الحزب القومي الأسكوتلندي في أسكوتلندا، وكانت الحصيلة إعادة العمال هيمنتهم عليها. ومن جهة ثانية، بينما كانت القضايا الداخلية - والاقتصادية بالذات - في اهتمامات الناخبين، فإن أنظار المتابعين الدوليين اتجهت إلى معالم السياسة الخارجية للحكومة العمالية الجديدة، أما الوجه الجديد الذي سيقود الدبلوماسية البريطانية للسنوات القليلة المقبلة فهو وزير الخارجية الجديد ديفيد لامي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع جيريمي كوربن (رويترز)

سنوات المحافظين الـ14 الأخيرة غيّرت الكثير في بريطانيا

> شهدت السنوات الـ14 الأخيرة تغيّرات مهمة على مشهد الساحة السياسية البريطانية أثّرت في كيميائها داخلياً وبدلت الكثير من الأولويات والمقاربات لمعظم القضايا .

حصاد الأسبوع الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)

تونس... على أبواب انتخاباتها الرئاسية الجديدة

تعيش تونس هذه المدة أجواء ما قبل الانتخابات الرئاسية الثالثة منذ إطاحة حكم الرئيس زين العابدين بن علي في يناير (كانون الثاني) 2011. إذ أعلنت السلطات و«الهيئة العليا للانتخابات» عن انطلاق العملية الانتخابية رسمياً يوم 14 يوليو (تموز) الحالي. ومن المقرر الكشف عن القائمة النهائية للمرشحين المقبولين في آخر الأسبوع الأول من أغسطس (آب) المقبل، في حين تنطلق الحملات الانتخابية الرسمية خلال سبتمبر (أيلول) تأهباً ليوم الاقتراع العام وهو 6 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. بيد أن هذه الانتخابات تنظم في «مناخ استثنائي جداً» وفق معظم المراقبين، وسط استفحال مظاهر أزمة اقتصادية اجتماعية سياسية أثرت في خطب غالبية المرشحين والسياسيين وأولوياتهم. وبالتالي، تكثر التساؤلات حول مدى انعكاس الملفات الاقتصادية الاجتماعية «الحارقة» على العملية الانتخابية الجديدة وعلى المشهد السياسي... وهل سيستفيد من هذه الملفات ممثلو المعارضة والنقابات أم الرئيس قيس سعيّد، الذي أعلن رسمياً ترشحه لدورة ثانية، وعاد إلى اتهام «المتآمرين على الأمن القومي للبلاد» بتأزيم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وقطع الكهرباء والماء ومواد الاستهلاك عن المواطنين لأسباب سياسية وانتخابية أو «خدمة لأجندات أجنبية».

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)

روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

مطلع الشهر الماضي ذهب الأوروبيون إلى صناديق الاقتراع لتجديد عضوية البرلمان الأوروبي، فيما أجمعت الآراء على وصفها بأنها أهمّ انتخابات في تاريخ الاتحاد،

شوقي الريّس (بروكسل)

الأردن على طريق الانتخابات النيابية المقبلة

صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
TT

الأردن على طريق الانتخابات النيابية المقبلة

صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)

يتوجه الأردنيون في العاشر من سبتمبر (أيلول) المقبل لاختيار مجلسهم النيابي العشرين، الذي خصص من مقاعده 41 مقعداً للأحزاب من أصل 138 مقعداً، في تجربة هي الأولى من نوعها سيشهدها الأردن تحت شعار «تحديث المنظومة السياسية» في المملكة. ويذكر أنه على مدى العامين السابقين دخلت المملكة في حالة جدال نخبوي حاد، حول مدى مساهمة قانون الانتخاب الجديد في تجويد الأداء البرلماني، ولا سيما، بعد تراجع اقتناع الرأي العام بأداء المجالس النيابية التي سجلت نسباً متدنية من الثقة عند الرأي العام بعد استطلاعات رأي تحدث بعضها عن ما نسبته 17 في المائة فقط يثقون بمجلس النواب. وبالتالي، من المرجح أن يصدر العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، خلال الأيام القليلة المقبلة مرسوماً يقضي بحل مجلس النواب التاسع عشر؛ تمهيداً لفتح باب الترشح للانتخابات النيابية، وبهذا القرار يتوقع أن يبدأ الحراك الانتخابي ويزداد سخونة مع قرب موعد يوم الاقتراع، لكن تبقى جملة من المحددات قد تؤثر على تحقيق أهداف التحديث البرلماني المنشود. إذ ستبدأ مرحلة الترشح للانتخابات المقبلة في الثلاثين من الشهر الحالي، وسط حراك حزبي يسعى لإثبات وجوده في السلطة التشريعية، التي هي ركن أساسي في معادلة الحكم، لكن الكلام عن استخدام المال لجذب القواعد الانتخابية فتح باب التخوف من إحباط التجربة الحزبية البرلمانية في نسختها الأولى، فعلى ثلاثة مواسم انتخابية سترتفع نسبة التمثيل الحزبي في البرلمان من 30 في المائة إلى 65 في المائة في انتخابات عام 2032.

سمير الرفاعي

يبلغ متوسط نسب الاقتراع في الانتخابات النيابية الأردنية للمواسم الانتخابية الثلاثة الماضية نحو 32 في المائة. وإذا كانت هذه النسبة متدنية، ففي أفضل الحالات لم تتخطَّ نسب المشاركة حاجز الـ40 في المائة طوال السنوات الـ25 الماضية، أضف إلى ذلك أن الحافز العشائري يُعدّ من أهم روافع المشاركة والإقبال، في وقت تتراجع نسب الاقتراع في العاصمة عمّان ومراكز الثقل السكاني في محافظتي إربد والزرقاء.

وعلى الرغم من الجهود المؤسسية المبذولة لتحفيز المواطنين على المشاركة، يظل المزاج العام شديد التأثر بالسلبية عند مراجعة أداء البرلمانات في السنوات الأخيرة. وكل الضجيج الذي يسمعه الناس في خطابات النواب لم يأتِ بأي قرار يخالف التوجّهات الحكومية، بل عادة ما يجيء التصويت بعكس الموقف الذي يعلنه نائب أو كتلة نيابية.

مشاجرات وفصل نوابمن جهة ثانية، مشاهد المشاجرات والعنف، بالإضافة إلى تسجيل مجلس النواب الحالي عدداً من حالات الفصل وتجميد العضوية لعدد من النواب سوابق لم تحدث في مجالس نيابية سابقة. فلقد قرّر المجلس الحالي فصل نائبين وتجميد عضوية نائبين آخرين، ورُفعت الحصانة على نائب ما زال يَمثُل أمام محكمة أمن الدولة (قضاء عسكري) بتهمة تهريب السلاح إلى إسرائيل، وهذا بلا شك ساهم في العزوف عن متابعة أداء السلطة التشريعية.

وثمة مشاهد كثيرة أخرى ربما أدت أيضاً إلى صرف الناخبين عن المشاركة، منها ممارسات حزبية وُلدت من رحم برنامج التحديث السياسي وسبّبت حالة إحباط لدى الرأي العام، وبخاصة، أن تلك الأحزاب قدّمت نفسها على أنها «أحزاب الدولة»، ولكن مارس بعضها سلوكيات ساهمت في التشويه والتشويش على التجربة الحزبية الجديدة في البلاد. وكان آخرها إحالة أمين عام أحد الأحزاب إلى النائب العام بتهمة طلبه مبلغاً مالياً من مرشح مفترض أن يكون في صدارة قائمته للانتخابات المقبلة.

وطبعاً، يضاف إلى كل ذلك أن الضغوط الاقتصادية المعيشية المُصاحبة لحالة المواطن الأردني ساهمت بـ«حالة من قلة الاكتراث» - وفق مراقبين - بمجمل المشهد السياسي، ومنه الانتخابي على وجه الخصوص؛ بسبب الاقتناع المتجذر بعجز البرلمانات عن حل الأزمة الاقتصادية المتراكمة منذ أزمة جائحة «كوفيد - 19» التي شلّت وأغلقت قطاعات خدمية حيوية وصناعية؛ ما تسبب في تسريح عاملين يقفون اليوم في طوابير البطالة التي يختلف المتخصصون على نسبتها.

تأثير الحرب على غزة

وعلى صعيد موازٍ، هناك أسباب تتعلق بالتخوف الرسمي من نسب المشاركة في الانتخابات. فاستمرار الحرب على قطاع غزة، تركت انسحابات على الشارع الأردني المتصل بالقضية الفلسطينية جغرافياً وديموغرافياً. وهذه الانسحابات أدخلت الرأي العام في حالة من الإحباط بعد غياب آفاق وقف الحرب في المدى المنظور، وبالتلازم مع هذا الإحباط توجد مخاوف رسمية من استفراد الحركة الإسلامية في الأردن بحصة الأسد من أصوات المقترعين، المشحونين بعاطفة الانتصار للمقاومة الإسلامية في غزة. واستطراداً، يبقى لغز ضعف نسب المشاركة في الأوساط الأردنية من أصول فلسطينية، حالة محيرة لمركز القرار، الذي نفّذ دراسة اجتماعية مسكوت عنها لم تصل إلى نتائج حاسمة في تعريف المشكلة على طريق صناعة الحلول.

نخب تقليدية بمواجهة طامحين

في هذه الأثناء ظهرت مساحات من الصراع بين تيارين: التيار الأول، تيار النخب التقليدية الذي يحمل موقفاً سلبياً من القفزات التي جاءت في قانوني الأحزاب والانتخاب، وأساس سلبيته شعوره بـ«تغييبه» عن مراكز القرار كواعظين وناصحين، بعد فترة ازدحمت بإطلاق الأوصاف بحقهم كـ«الحرس القديم» و«النخب المحافظة» و«قوى الشد العكسي» و«قوى الوضع القائم». والتيار الآخر يتمثل بأعضاء من اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، الذين بشّروا بانطلاق مرحلة التحول الديمقراطي بالتزامن مع دخول المملكة مئويتها الثانية... والصراع هنا كان وقوده الرأي العام الذي انقسم بين التيارين المتعارضين، في حالة عزّزت من مشاعر «قلة الاكتراث» بالانتخابات النيابية في نسختها الحالية.

وعلى مدى السنتين الماضيتين أنتجت مرحلة التحديث السياسي - بعد إقرار قانوني الأحزاب والانتخاب، والتعديلات على الدستور - 38 حزباً، بعدما كان عدد الأحزاب 56 حزباً. إلا أن هذا المشهد لم يختصر الكم الحزبي، كما لم يأتِ بالنوع المتفرد. إذ انقسم المشهد على ثلاثة تيارات تقليدية، هي:

- تيار اليسار والقوميين، الذي يعاني أزمة انتشار بسبب التشبث بخطابه التقليدي ويعاني تراجع دعم المؤازرين له.

- التيار الوسطي الذي يحاول إعادة إنتاج نفسه متمسكاً بأدبياته نفسها، ومكتفياً بتغيير قياداته التي جاءت بدعم من مراكز قرار.

- التيار الثالث... وهو اليمين الإسلامي، الذي احتكر تمثيله حزب «جبهة العمل الإسلامي» الذراع الحزبية لجماعة «الإخوان المسلمين» غير المرخصة في الأردن.

تحدٍ رسمي يراهن على نسب مشاركة كبيرة رغم الإحباطات الكثيرة

 المشهد السابق دفع برئيس اللجنة الملكية، رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، إلى ممارسة النقد الذاتي لتجربة التوافق على مخرجات لجنته. لكنه لم ينتقد التوافق في حد ذاته، بل بعض الممارسات الحزبية التي اختطفت التجربة لتعيدها وتختصرها في شخوص من أسسوا أحزاباً جديدة، تاركين الفكرة في مهب التشكيك والتشويه. وهنا برز عدد من المريدين لإلقاء المسؤولية بعيداً عنهم، وتحميل تخبّط النسخة الأولى من التجربة لمؤسسات وجهات مدنية وأمنية. وأيضاً، هاجم بعض هؤلاء الهيئة المستقلة للانتخاب التي حمّلوها مسؤولية التقصير في دورها ومتابعة شؤون الأحزاب ومدى تطبيقها شروط القانون وأحكامه. لكن «المستقلة للانتخاب» ردّت بإجراءات على الأرض أسفرت عن إحالات للادعاء العام بشبهة استخدام المال في ارتكاب جرائم انتخابية بقصد التأثير على إرادة الناخبين من جهة، وطلب مبالغ مالية من مرشحين من جهة أخرى لحملهم نحو مقاعد مجلس النواب الجديد.

في هذه الأثناء، الطامحون بخوض التجربة الحزبية في الانتخابات المقبلة يعتقدون أن ولادة الحكومة البرلمانية اقتربت، إلا أن الرفاعي في محاضرته الأخيرة أكد أن خريطة التحديث لم تقلّ عن إنتاج حكومات حزبية بالمعنى التقليدي في المدى المنظور، لكن من شأن تراكم الحضور الحزبي أن يوصل إلى حكومات برلمانية تقابلها معارضة حزبية في سباق لكسب تأييد الناخب الأردني ضمن مفاهيم التعددية السياسية وتداول السلطة.

كذلك، بدا سمير الرفاعي وكأنه يُذكّر بأن الجمع بين مقعدي النيابة والوزارة أمر بات منتهياً في ظل حظر الدستور، بموجب التعديلات الأخيرة مطلع عام 2022، الجمع بين الموقعين تكريساً لمبدأ الفصل بين السلطتين، وتأكيداً بأن الثقة البرلمانية بالحكومات ستأتي حتماً بشخصيات حزبية ليست من أعضاء مجلس النواب. وهكذا، حرّك كلام الرفاعي المياه الراكدة، وأيقظ طامحين منبهاً إياهم بضرورة الكف عن الترويج لمفاهيم غير موجودة على خريطة الإصلاح البرلماني التي جاءت في وثيقة التحديث الملكي لمئوية جديدة، تحاكي المستقبل وتغادر الحاضر المشبع بتحديات الثقة والسلبية السائدة - وخصوصاً خلال السنوات الخمس عشرة الماضية.

خروج أقطاب يمهّد لوجوه جديدةمن جهة أخرى، لم يكن من المتوقع من بعض الأقطاب من النواب إعلانهم باكراً العزوف عن الترشح لهذا الموسم الانتخابي. ولكن هذا ما حدث، بعد إعلان المحامي عبد الكريم الدغمي، البرلماني المخضرم الذي لم يغب عن مجالس النواب منذ عام 1989 وحتى اليوم، وترأس المجلس في دورتين متباعدتين، واعتُبر عرَّاب التشريعات. وبعده تبعه النائب خليل عطية الذي قرر العزوف عن خوض الانتخابات التي داوم على حضورها منذ عام 1997، وتلاه أيمن المجالي، ورئيس مجلس النواب الأسبق عبد المنعم العودات، والنائب الاقتصادي خير أبو صعيليك.

وراهناً، تبدو احتمالات عودة نواب حاليين ضعيفة أمام ما ترسخه الأعراف العشائرية في الانتخابات النيابية من عملية (الدور) في الترشح، والقائمة على منح فرص متساوية لأبناء العشائر في التقدم نحو المناصب القيادية. وهذا غالباً ما يحدث في الدوائر الانتخابية البعيدة عن مراكز المدن الرئيسية الثلاث (عمان، وإربد، والزرقاء)، فدوائر الأطراف تُسجل عادة نسباً عالية في المشاركة، ومنافسة ساخنة في بعض المواسم السابقة.

للعلم، تعدّ العشيرة في الأردن حزباً اجتماعياً نافذاً ومتجذراً، ولها في العملية السياسية مساحة فاعلة. وهي عادة ما تمثّل درجة الحسم في كثير من مستويات المشاركة السياسية، وتعتبر من أهم روافع الأمن والاستقرار، نتيجة الاستجابة للمصلحة العامة، من دون أن تقايض بمواقفها في الملفات المهمة. بيد أن ما ذهبت إليه فكرة «الدائرة العامة المخصصة للأحزاب»، وبحصة متصاعدة في ثلاثة مواسم انتخابية، أسهم في كسر الحدود الإدارية بين الدوائر الانتخابية، وصولاً إلى فكرة الدائرة الوطنية الواحدة، التي قد تساهم في تجاوز التمثيل الأضيق على حساب التمثيل الأوسع... وهكذا، يذهب الناخب لاختيار من يمثّله على اتساع الرقعة الجغرافية الكاملة للمملكة؛ ما يساهم في صهر المجتمع، وتجاوز الفوارق التنموية والديموغرافية.

وللتذكير، تُجرى الانتخابات النيابية المقبلة وفق قانون انتخاب جديد أدخل حزمة من الإجراءات الجديدة، على رأسها إنشاء دائرة عامة على مستوى الوطن بـ41 مقعداً مخصصة للأحزاب، و18 دائرة محلية لها 97 مقعداً. ونص القانون أيضاً على «درجة الحسم» (العتبة) شرطاً للتنافس على المقاعد الحزبية بنسبة 2.5 في المائة والمحلية بنسبة 7 في المائة، في حين جاء القانون بفرص زيادة تمثيل المرأة بواقع تخصيص مقعد امرأة لكل دائرة انتخابية، ومقعدين من أول ستة مترشحين في القائمة الحزبية، مع حرية اختيار مسار «التنافس الحصصي» أو «الكوتا». وهي الفرص ذاتها التي مُنحت للشركس والمسيحيين، مع ضمان تمثيل الحد الأدنى لهم ضمن «كوتات» لعضوية المجلس المقبل.

عبدالكريم الدغمي

 

لمحة تاريخية عن المجالس النيابية الأردنية خلال 35 سنة

> دخل الأردن مرحلة التحوّل الديمقراطي عام 1989، بعد أحداث ما عرف بـ«هبّة نيسان» (أبريل)، ولم تنقطع الحياة البرلمانية خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، فأجريت الانتخابات في السنوات 1989 و1993 و1997. وفي مطلع الألفية الجديدة تعطل البرلمان لمدة سنتين بسبب تداعيات «الانتفاضة (الفلسطينية) الثانية»، وما رافقها من تداعيات على الساحة المحلية، وأجريت الانتخابات في عام 2003 بعد ثلاثة أشهر من احتلال بغداد، وعاش ذلك المجلس لمدة أطول من مدته الدستورية. في نهاية عام 2007 أجريت الانتخابات الشهيرة في الأردن، التي شهدت عمليات تزوير اعترف بها الرسميون، وأغضبت العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ليدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة عام 2010. لكن هذه أيضاً شهدت تدخلات رسمية، ساهمت في فقدان الثقة بالعملية الديمقراطية أردنياً. وعلى الأثر، حل البرلمان وتعطلت الحياة البرلمانية لمدة سنة. وكانت جميع تلك الانتخابات قد أجريت وفق أحكام قانون الصوت الواحد الذائع الصيت الذي انتقدته تيارات سياسية عريضة في البلاد. بعد «الربيع الأردني» دُعي إلى انتخابات نيابية بعد إنشاء هيئة مستقلة للانتخاب، وأجريت الانتخابات في مطلع عام 2013. ومنذ ذلك التاريخ لم تنقطع الحياة النيابية ولم يحدث فراغ تشريعي، بعدما أكملت المجالس مدتها الدستورية بواقع أربع سنوات شمسية؛ إذ يُحّل المجلس قبلها بأربعة أشهر لإجراء الانتخابات بموعدها.