السيناتور تيم سكوت... المرشح الأسود الوحيد المحافظ في التنافس على البيت الأبيض

السيناتور تيم سكوت... المرشح الأسود الوحيد المحافظ في التنافس على البيت الأبيض
TT

السيناتور تيم سكوت... المرشح الأسود الوحيد المحافظ في التنافس على البيت الأبيض

السيناتور تيم سكوت... المرشح الأسود الوحيد المحافظ في التنافس على البيت الأبيض

لا يوجد مرشح بين كوكبة المرشحين الرئاسيين الأميركيين عن الحزب الجمهوري مثل تيم سكوت (57 سنة)، السيناتور الأسود عن ولاية ساوث كارولينا، والمرشح الأسود الوحيد الحالي في حلبة انتخابات 2024، التي يَبرز فيها الرئيس السابق دونالد ترمب. سكوت سليل أسرة من العبيد المحرَّرين، والابن الثاني لأم مطلقة، عزَبٌ، ولا يعاقر الكحول. وقد بدأ مشواره العملي بائع تأمين، وعاش حياة صعبة قبل نجاحه الفريد في اقتحام عالم السياسة، ثم إنه شهد في المتاجر، وعلى الطرق، والإنترنت، وحتى في مبنى «الكابيتول» بالولايات المتحدة نفسها، التفرقة العنصرية، لكنه مع ذلك كان دائماً راضياً ومتفائلاً، بل ربما يكون السياسي البارز الوحيد الذي لا يرى في البلاد عنصرية، ولا يعدّ نفسه ضحية لها. ومن أقواله «أميركا ليست دولة عنصرية... في أميركا فقط يمكن لقصتي أن تستمر بالطريقة التي ظهرت بها». هذه رسالة قد تفيد الآن محاولته الرئاسية، لكن مع استبعاد أن تنجح في إقناع الناخبين الجمهوريين في اختياره، لعلّه يراهن على تغيرٍ ما في المدى البعيد.

تيم سكوت هو، اليوم، السيناتور الجمهوري الأسود الوحيد في «مجلس الشيوخ الأميركي»، والشخص الأسود الوحيد الذي خدم على الإطلاق في مجلسي «الكونغرس»، هو واحد من 11 شخصاً أسود فقط في تاريخ البلاد، نالوا عضوية «مجلس الشيوخ»، وواحد من ثلاثة فقط (إلى جانب الديمقراطييْن كوري بوكر ورافائيل وارنوك) أعضاء حالياً في هذا المجلس.

الجدير بالذكر أن سكوت هو أيضاً أول جمهوري أسود يُنتخب لمنصب سياسي في ولاية ساوث كارولينا. وكان عام 1996، قد تحدّى عضو مجلس شيوخ الولاية؛ وهو الديمقراطي روبرت فورد، الذي كان يعمل لدى مارتن لوثر كينغ «الابن»، واعتُقل 73 مرة خلال حركة الحقوق المدنية، لكنه خسر أمامه بفارق كبير (35 في المائة مقابل 65 في المائة)، وكان قريباً من السيناتور التاريخي الراحل ستروم ثورموند؛ أحد دعاة الفصل العنصري، في «مجلس الشيوخ» عام 1996. وحول علاقته السياسية بثورموند أوضح سكوت، ذات مرة: «إن الناس يغيّرون رأيهم».

خطواته السياسية

بعد ذلك تقلّب سكوت في عدد من المواقع السياسية الصغيرة على مستوى مدينته تشارلستون (حتى عام 2009)، أو على مستوى الولاية؛ حيث انتُخب عضواً في مجلس نوابها (بين 2009 و2011). وللعلم، في دورة عام 2010 التي حدّدها «حزب الشاي» - الجناح المحافظ في «الحزب الجمهوري» - في منطقة ثلاثةُ أرباع سكانها من البيض، ترشّح سكوت وتغلّب على بول ثورموند (أصغر أبناء ستروم ثورموند في الانتخابات التمهيدية). وبدعم من سارة بالين وكيفن مكارثي وإريك كانتور، أصبح سكوت رسمياً عام 2011 أول جمهوري أسود يُنتخب لعضوية «مجلس النواب الأميركي» منذ عام 1897.

بعدها، صادقت نيكي هيلي - التي كانت آنذاك حاكمة الولاية والمرشحة الرئاسية الحالية - على تعيين سكوت، بعد انتخابات خاصة، عضواً في «مجلس الشيوخ الأميركي» عام 2014؛ وذلك لملء مقعد السيناتور جيم ديمينت، الذي استقال لتولّي رئاسة مركز «هيريتيدج فاونديشن»؛ أحد أبرز مراكز أبحاث اليمين المحافظ الأميركية. ولاحقاً، انتُخب عام 2016 لولاية كاملة، وأُعيد انتخابه عام 2022، غير أن أبرز تجليات طموحه السياسي كانت، في 12 أبريل (نيسان) الماضي 2023، عندما شكَّل سكوت لجنة استكشافية تشكل الإعلان الفعلي عن ترشحه للانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري لعام 2024. وحقاً، قدَّم أوراق ترشحه إلى «لجنة الانتخابات الفيدرالية»، يوم 19 مايو (أيار)، وأعلن ترشحه رسمياً بعد 3 أيام.

النشأة والمسيرة

بعد نحو 150 سنة من جلب أسلافه المستعبَدين إلى ساوث كارولينا، وُلد تيموثي يوجين سكوت، في الضاحية الشمالية من مدينة تشارلستون يوم 19 سبتمبر (أيلول) 1965. وكان في السابعة من عمره عندما وقع الطلاق بين والديه، وانتقل في سن السابعة للعيش مع أمه - التي كانت تعمل مساعِدة ممرضة - وشقيقه الأكبر في بيت جدّه لأمه في بيئة فقيرة متواضعة. وفي ذلك البيت تقاسم مع أمه وشقيقه، الذي أصبح فيما بعد رقيباً أول في الجيش، غرفة بسرير واحد. أما الجد فما كان يجيد القراءة والكتابة؛ لكونه ترك المدرسة في الصف الثالث، ليعمل في جمع القطن مقابل 50 سنتاً في اليوم، لكنه مع ذلك كان متابعاً نهماً لما يُنشَر في الصحف اليومية.

معجزة الأسود على بطاقة الاقتراع

أيضاً، كان تيم الصغير وجدّه شغوفين بالمصارعة المحترفة في منتصف السبعينيات، وشجّعا هيوستن هاريس، الذي كان يحمل اسم «بوبو برازيل»، وهو أول رجل أسود في «تحالف المصارعة الوطني». وكتب سكوت، حينها: «لقد ساعدَنا نجاحه على رؤية العالم الذي كان جدّي يسعى من أجله، وأنه يمكننا فعل المزيد. يمكننا أن نتقدم أكثر».

وفي عام 2008، عندما ترشّح وفاز بمقعد في مجلس الولاية المحلي، كان قد اصطحب جده للتصويت في الانتخابات الرئاسية، ذلك العام. غير أن الجد لم يتمكن من قراءة بطاقة الاقتراع، فأشار إلى اسم باراك أوباما. وبينما كان يقوده إلى المنزل، نظر إلى جده، الذي كانت الدموع تنهمر على وجهه. وقال جده: «تيمي، المعجزة ليست في فوزه أم لا... المعجزة هي أنه على ورقة الاقتراع!... تيمي، لأكثر من نصف حياتي، لم يكن يُسمَح لي بالتصويت».

وبضفته طالباً جديداً في مدرسة «آر بي ستال» الثانوية، في شمال تشارلستون، فشل تيم سكوت في مواد اللغة الإنجليزية واللغة الإسبانية والجغرافيا والتربية المدنية، وهو ما فرض على أمه إرساله إلى مدرسة صيفية، كما فرض عليه البحث عن عمل ليدفع مصاريفها.

وقبل سنته الأخيرة الدراسية، في أواخر أغسطس (آب) من عام 1982، غفا سكوت أثناء قيادته سيارة أمه، فانقلب بالسيارة وكُسر كاحله، وتعرَّض لإصابة في ظهره، ما قلّل من اهتمام الجامعات الكبرى به بوصفه لاعب كرة قدم، ومن ثم كانت وظيفته الأولى في دار سينما محلية، ليفرقع الفشار «البوب كورن». وفي فترات الاستراحة كان يذهب إلى محل الوجبات السريعة «شيك- فيل-إيه» القريب، ويطلب دائماً الوجبة نفسها، بطاطا مقلية وماء؛ لأنه كان الشيء الوحيد الذي يمكنه تحمُّل تكلفته.

يومذاك، لاحظه مالك المحل، وهو رجل أبيض محافظ يُدعى جون مونيز. وسرعان ما صار مونيز مرشداً له وقدوة غيّر مسار حياته، وكان ينقل له «مبادئ الأعمال المحافظة»... وحول هذه المحطة من مسيرته يقول سكوت: «لقد مكّنني من أن أفكر في طريقي للخروج من هذا الفقر». وحقاً، رغم العوز واضطراره للعمل من أجل الإنفاق على ضرورات الحياة، بدأ مسيرته مع التعليم العالي، فالتحق، عام 1988، بالكلية المعمدانية في تشارلستون، مستفيداً من منحة رياضية، إلا أنه لم يبق في الكلية سوى سنة واحدة انتقل بعدها إلى جامعة تشارلستون سوذرن (وهي أيضاً تتبع الكنيسة المعمدانية البروتستانتية، حيث تخرَّج بدرجة البكالوريوس في العلوم السياسية.

بعد ذلك، بدأ سكوت بيع التأمين، وبرزت قدراته بوصفه رجل أعمال، بعدما أسّس شركة عقارية، لديها اليوم 3 آلاف عميل، كما أنه لم ينس - وهو العزَب حتى هذه اللحظة - شراء منزل لوالدته. ولكن، عودةً إلى السياسة، فإنه يقول، في كتاب نشره عام 2022، إنه همس لنفسه، ذات ليلة، وهو في السرير: «الرئيس تيم سكوت»، ثم قال لصديق له: «أنا سأفعل ذلك... سأترشح للرئاسة».

وتابع: «في بعض الأحيان كنت أتلقى رسائل مليئة بالكراهية مع إهانات عنصرية، هي معلّقة الآن على خزانتي». ويضيف: «وأحياناً شعرت بمزيد من العنصرية... حتى من أصدقائي السود»، الذين أطلقوا عليه اسم «أوريو» (على اسم البسكويت الشهير الأسود المحشو بكِريما بيضاء). وتفسيره لذلك «لأنني لم أكن أحقق توقعات التفكير الجماعي داخل المدرسة».

أيضاً كتب سكوت عن تعرضه للتوقيف من قِبل رجال الشرطة، أكثر من 20 مرة، خلال 20 سنة، شارحاً «لم يُوقفوني لأنني تجاوزت الحد الأقصى للسرعة، بل لكوني أسود». وفي السياق نفسه ذكر أن شرطة «الكابيتول»، بدورها، أوقفته 5 مرات بينما كان في طريقه إلى مبنى «الكابيتول» للإدلاء بصوته... «وفي كل مرة، بعد أن أُظهِر للضابط أوراق اعتمادي، كانوا يعتقلونني. وفي كل مرة، كان عليّ أن أطلب من زملائي البيض التعريف عني».

لا يرى عنصرية في أميركا ولا يعدّ نفسه ضحية

ترمب ليس عنصرياً

بعد إطلاق النار على كنيسة الأم إيمانويل، في مدينته تشارلستون عام 2015، انضمّ سكوت إلى نيكي هيلي في دعم إزالة علم الكونفدرالية من مبنى «الكابيتول» بالولاية. وقال يومذاك، في بيان: «لا أعتقد أن الغالبية العظمى من أولئك الذين يدعمون العلم، لديهم كراهية في قلوبهم، لكن من الواضح أن هذه هي الخطوة الصحيحة إلى الأمام، بالنسبة لولايتنا».

أيضاً إبان الأحداث التي أعقبت تجمّع العنصريين البيض في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فيرجينيا، صيف 2017، انزعج من تعليق للرئيس السابق دونالد ترمب، بأنه «كان هناك أشخاص طيبون على كلا الجانبين»، فقال «أعتقد أن الرئيس قد تخلّى هنا عن سلطته الأخلاقية للقيادة». إلا أنه حين سئل، فيما بعد، عمّا إذا كان يؤمن بأن ترمب عنصري، أجاب «لا أعتقد، هل هو غير حساس عنصرياً؟ نعم... لكن هل هو عنصري؟ لا». ثم، في مقابلة مع الإعلامي اليميني شون هانيتي، على محطة «فوكس نيوز»، قال: «ربما لا توجد خلافات كثيرة معه على الإطلاق. أنا ممتنّ جداً لوجود ترمب في منصبه».

وكتب، في كتابه: «لا يهمُّني لمَن صوَّتَّ أو ما رأيك في انتخابات 2020، لكن ما حدث في 6 يناير (كانون الثاني) كان خطأ». ومع ذلك فهو لم يلُم ترمب، على وجه التحديد، واكتفى بوصف ذلك التمرد بـ«أن هذا اليوم المأساوي - على حد تعبيره - كان تتويجاً لداء أفراد اتخذوا خيارات سيئة».

مواقف مختلفة

اجتماعياً، يصف تيم سكوت نفسه بأنه «مؤيد للحياة، ومعارض صريح للإجهاض». وخلال مقابلة عام 2023، قال إنه سيوقّع على قانون حظر الإجهاض الفيدرالي لمدة 20 أسبوعاً، إذا ما انتُخب رئيساً. بيد أنه تهرَّب من الأسئلة حول ما إذا كان يؤيد حظر الإجهاض لمدة 6 أسابيع، وهي القضية التي تقسِّم المرشحين الجمهوريين وتُحرجهم في مواجهة تنامي الرفض الوطني لتقييد الإجهاض، حتى في الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون.

أيضاً يعارض سكوت زواج المثليين، وكان قد صوّتَ ضد قانون احترام الزواج لعام 2022، الذي ينصّ على الاعتراف القانوني الفيدرالي بزواج المثليين. وفي المناظرة الجمهورية الأولى، التي أُجريت الشهر الماضي، قال «إذا جعلك الله رجلاً، فأنت تلعب الرياضة ضد الرجال».

وفي موضوع الهجرة، يدعم سكوت تشديد العقوبات على أصحاب العمل الذين يشغِّلون مهاجرين غير شرعيين عن علم. ويدعم تعزيز «الاستيعاب الثقافي»، من خلال جعل اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية، وتعليمها للمهاجرين الجدد.

واستراتيجياً، دعا سكوت، الذي عارض التدخل العسكري في ليبيا عام 2011، إلى استمرار الوجود العسكري في أفغانستان، وهو يبرر فيقول «لأن الانسحاب المبكر سيفيد تنظيم القاعدة»، ثم إنه ينظر إلى إيران باعتبارها «أخطر دولة في العالم»، ويعتقد أن على الولايات المتحدة مساعدة الجماعات الإيرانية المؤيِّدة للديمقراطية هناك.

وأخيراً، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، وردّاً على جهود الصين لشراء شركات التكنولوجيا الأميركية، كان سكوت واحداً من 9 رعاة لمشروع قانون مِن شأنه توسيع قدرة الحكومة الفيدرالية على منع المشتريات الأجنبية للشركات الأميركية، وذلك من خلال تعزيز لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، والسماح لها بمراجعة، وربما رفض الاستثمارات الصغيرة، وإضافة عوامل الأمن القومي.

شرطة «الكابيتول» أوقفته 5 مرات وفي كل مرة كان يطلب من زملائه البيض التعريف عنه


مقالات ذات صلة

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

حصاد الأسبوع تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات...

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة…

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)
تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)
TT

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)
تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات البرلمان المحلي. واصطف الناخبون في طوابير طويلة، خارج مراكز الاقتراع، للإدلاء بأصواتهم. وأفادت لجنة الانتخابات الهندية بأن نسبة المشاركة في التصويت تجاوزت 61 في المائة، ما يشكل أعلى نسبة منذ 35 سنة. ويذكر أن الصراع في كشمير، الذي يعود بجذوره إلى تقسيم الهند وباكستان عام 1947، مستعر منذ أكثر من سبعة عقود. ولذا بدا مشهد طابور المقترعين عَصياً على التصديق، بالنظر إلى تاريخ منطقة كشمير الطبيعية العنيف لأكثر عن ثلاثة عقود. ويُذكر أن كلاً من الهند وباكستان تدعي أحقيتها بالسيادة الكاملة على كشمير الطبيعية، إلا أن كلاً منهما تسيطر على جزء من الإقليم، في عداء مستحكم زاد عمره على 75 سنة شهد توتراً ومجابهات عسكرية بين الجارتين النوويتين، منذ استقلالهما عن الحكم الاستعماري البريطاني عام 1947.

كانت أول انتخابات برلمانية في جامو وكشمير قد أجريت مارس (آذار) ويونيو (حزيران) 1957، ودار التنافس حينذاك على 75 مقعداً، بموجب الدستور الخاص بالإقليم. أما الانتخابات التشريعية الحالية، فتُعدّ الأولى منذ إلغاء حكومة ناريندرا مودي، الهندية اليمينية المتشددة، المادة 370 عام 2019، وخفض الوضع القانوني لما كان ولاية جامو وكشمير – وهو أعلى التقسيمات الإدارية في الهند – إلى مجرد «إقليم اتحادي» ووضعه تحت الحكم المباشر من العاصمة دلهي. ومعروف أن وضع «الولاية» أعطى جامو وكشمير دستورها وقوانينها وخدماتها الإدارية الخاصة... لكن اليمين القوي الهندوسي لا يريد ذلك.

تحوّل عند المقاطعين؟

تفيد جهات محسوبة على حكومة مودي بأن الناخبين الذين قاطعوا الانتخابات طوال السنوات الـ34 الماضية، أظهروا «تحولاً لافتاً» نحو الديمقراطية التشاركية، وتوجّهوا إلى صناديق الاقتراع لخوض تجربة التصويت الأولى لهم، ولم يكن هناك خوف من العنف المسلح أو الإكراه من أي جانب.

وتاريخياً، لطالما كانت مشاركة الناخبين في كشمير ضعيفة بسبب قوة النزعة الاستقلالية. إلا أنه للمرة الأولى منذ 30 سنة، لم تسجل هذه المرة دعوة لمقاطعة الانتخابات من قِبل الاستقلاليين، الذين أقبل بعضهم على الترشح للانتخابات بالوكالة. وبينما بدا التغيير واضحاً للبعض، فإن هذا لا يعني أن الإقليم تحوّل فردوس سلام، وأن القلق تلاشى إلى الأبد؛ إذ لا تزال الأرضية السياسية مضطربة جراء التغييرات الحاسمة التي شهدها العقد الماضي.

في هذا الصدد، علق المحلل السياسي والصحافي الكشميري المخضرم زاهور مالك، قائلاً: «لحسن الحظ، يجري نقل الجدال إلى صناديق الاقتراع وسط مشاركة جماهيرية. وما سيخرج من هذا التفويض يحمل أهم ختم داخل دولة ديمقراطية: إرادة الشعب». وأردف: «تشكل هذه الانتخابات الاختبار الرئيسي للتحولات السياسية بالمنطقة بعد انتهاء الوضع الخاص لجامو وكشمير، وهي ستكون مؤشراً رئيسياً على المزاج السياسي في منطقة شهدت تغييرات جذرية على امتداد العقد الماضي».

الاستقلاليون والانتخابات

كما سبقت الإشارة، لأول مرة، شارك عدد كبير من الاستقلاليين السابقين إلى الانتخابات، بما في ذلك أعضاء سابقون في جماعات محظورة. من بين هذه الشخصيات سرجان أحمد واغاي، وهو رجل دين بارز كانت له مواقف معادية للهند. لكن واغاي يترشح اليوم، من داخل السجن في دائرتين انتخابيتين بوسط كشمير، هما غاندربال وبيرواه.

وهناك أيضاً حافظ محمد سكندر مالك، القيادي المتمرد، الذي كان أول من تقدّم بأوراق ترشحه مرشحاً مستقلاً، مع أنه لا يزال مصفّداً بجهاز تتّبع في رجليه يعمل بتكنولوجيا «جي بي إس». وكان مالك قد اعتقل عام 2019، وجرى احتجازه مرتين بموجب قانون السلامة العامة.

كذلك، سيار أحمد ريشي (42 سنة) زعيم «الجماعة الإسلامية» المحظورة السابق والمرشح المستقل اليوم، الذي كان يروّج لآيديولوجية انفصالية، ارتأى على ما يبدو أن الاقتراع أفضل من الرصاص لمواجهة الظلم، وهو يتولى تنظيم حملته الانتخابية عبر التنقّل والتفاعل مع الناخبين من باب إلى باب. وللعلم، كانت «الجماعة الإسلامية» من مكوّنات «مؤتمر الحريات»، الذي هو مزيج من الأحزاب السياسية الاستقلالية في كشمير، وقد سبق له دعم دعوات مقاطعة الانتخابات بعد عام 1987.

وأيضاً التحق القيادي الاستقلالي السابق سليم جيلاني بركب المشاركين بعد 35 سنة من العمل الدؤوب في جبهة الاستقلاليين. وبرّر الرجل تغييره موقفه برغبته «في إنجاز التنمية الاقتصادية لكشمير، وحلّ وضع كشمير داخل الهند... ثم كيف يمكنني أن أنكر حقيقة أنني أحمل جواز سفر هندياً وأستخدم العملة الهندية؟».

سرّ التحول المفاجئ

المحلل السياسي مزمّل مقبول، يرى أن كثيرين ممّن عارضوا لفترة طويلة اندماج كشمير مع الهند غيّروا مواقفهم منذ إلغاء صفة الحكم الذاتي الخاص بالإقليم عام 2019. وبالمثل، قال الصحافي إشفاق سلام، الذي عمل على الأرض في كشمير على مدى العقدين الماضيين: «إن نجاح الزعيم الاستقلالي الشيخ عبد الرشيد، الذي فاز بمقعد في البرلمان أثناء الانتخابات الوطنية في وقت سابق من العام، بينما هو يقبع داخل سجن تيهار في نيودلهي، أعاد ثقة الناس في نزاهة الانتخابات. وجاء نجاحه بمثابة تعبير عن إحباط الناخبين تجاه الأحزاب السياسية القائمة، علاوة على كون ذلك بمثابة تصويت ضد نيودلهي». ويُذكر أن عبد الرشيد خرج من السجن بكفالة مؤقتة، وهو يتولّى حالياً تنظيم حملة قوية لصالح مرشحي حزبه السياسي البالغ عددهم 34 مرشحاً. وقد ألهم العديد من الاستقلاليين للانضمام إلى المعركة؛ ما أدى إلى زيادة المشاركة العامة في المؤتمرات الانتخابية.

انزعاج الأحزاب الرئيسية

من جهة ثانية، أثار العدد الكبير من المرشحين الذين خاضوا هذه الانتخابات من المرتبطين سابقاً بالتيارات الاستقلالية، القلق والشكوك في صفوف أقوى حزبين سياسيين تقليديين في كشمير، أي «المؤتمر الوطني» و«حزب الشعب الديمقراطي».

وفي هذا السياق، تساءل عمر عبد الله، رئيس وزراء جامو وكشمير السابق، الذي تعرّض للهزيمة أمام عبد الرشيد، عن مصدر الأموال التي يحصل عليها هؤلاء المرشحون - الذين صنّفتهم نيودلهي فيما مضى باعتبارهم «مسلحين» - ما مكّنهم من خوض الانتخابات، وأيضاً «السر» وراء التغيير المفاجئ في آرائهم. واتهم عمر هؤلاء بأنهم «فريق مرشحي الاحتياط» لحزب «بهاراتيا جاناتا» اليميني الحاكم بزعامة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

وهنا نشير إلى أنه من الناحية الرسمية ليس لحزب «بهاراتيا جاناتا» (هندوسي قومي متشدد) أي وجود يذكر في إقليم كشمير ذي الغالبية المسلمة. فنظراً لتوقعه الخسارة، لم يدفع الحزب الحاكم في الهند تحت اسمه بأي مرشح في الانتخابات الوطنية بالإقليم في وقت سابق من 2024، وهذا رغم ادعائه أنه عزّز هيكله ورفع عضويته إلى 700 ألف داخل الإقليم، على امتداد العقد الماضي.

أهمية الانتخابات

يقول مراقبون إن انتخابات كشمير هذه ذات أهمية خاصة لأكثر من سبب، أبرزها أنها أول انتخابات تشريعية بعد إلغاء حكومة مودي المادة 370. وبجانب ذلك، يظهر أن لحكومة مودي وحزبه «بهاراتيا جاناتا»، مع هذه الانتخابات ما يشكّل «لحظة حساب». وحقاً، يُعد إلغاء المادة 370، التي منحت وضعاً خاصاً لجامو وكشمير، أخطر خطوة اتخذتها أي حكومة هندية منذ عام 1952. وترى الحكومة الهندية أن تغيير الوضع السابق يساعدها في تشكيل الحكومة بمفردها داخل جامو وكشمير، وأن هذا سيكون كافياً لمحو جميع أخطائها السابق. للمرة الأولى منذ 30 سنة لم تسجل هذه المرة دعوة لمقاطعة الانتخابات من قِبل الاستقلاليين الذين أقبل بعضهم على الترشح للانتخابات بالوكالة