حدود الأردن الشمالية «خاصرة» قلقة تقترب من الحرب المفتوحة

على خلفيتي تطوّرات الجنوب السوري وتهريب المخدرات والسلاح

رصد أمني وعسكري  (خاص بالشرق الأوسط)
رصد أمني وعسكري (خاص بالشرق الأوسط)
TT

حدود الأردن الشمالية «خاصرة» قلقة تقترب من الحرب المفتوحة

رصد أمني وعسكري  (خاص بالشرق الأوسط)
رصد أمني وعسكري (خاص بالشرق الأوسط)

بهدوء وحذر، وبعيداً عن الاستعراض ووسط شح من المعلومات، تخوض القوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي) حرباً مفتوحة ضد ميليشيات تهريب السلاح والمخدرات الآتية من الأراضي السورية، وذلك وسط مخاوف من ارتفاع وتيرة عملياتها مع اقتراب فصل الشتاء، الذي تنشط خلاله الميليشيات مختبئة تحت جناح الظروف الجوية الصعبة للمنطقة المضطربة. وعلى طول الحدود الأردنية المشتركة الممتدة لنحو 370 كلم، ومنذ اندلاع الأزمة الأخيرة في الجنوب السوري، تصاعد القلق من الخطر الآتي من الشمال بعد تمركز ميليشيات تابعة لإيران وحزب الله، والتي بعثت رسائل قلق في أكثر من مناسبة، ما دفع الجيش الأردني لخوض حرب على أكثر من جبهة ضد تلك الميليشيات المحسوبة على النظام السوري من جهة، وضد عصابات تنظيم «داعش» الإرهابي من جهة أخرى.

نُخَب أردنية دعت لضرورة فك الارتباط بين المسارين الأمني والسياسي في التعامل مع الأزمة السورية لقد دفعت تطورات الجنوب السوري، بما فيها تهريب المخدرات والسلاح، الأجهزة العسكرية والأمنية في الأردن إلى دعم جماعات من العشائر والقوى المحليّة المعتدلة في الجنوب السوري المقرّبة من الأردن. ولم يعُد سرّاً أن عمّان أرخت لهم مساعدات في غير مناسبة لمواجهة الخطر المتمثّل في وجود قوى متناحرة داخل سوريا وإيران وجماعاتها و«داعش» وعصاباته، وهما الخصمان اللذان جمعهما مشترك واحد وهو ضرب استقرار الأردن. وحقاً، ذهبت المساعدة الأردنية من خلال وسطاء موثوقين، وكان لهم دور أصيل في تشكيل خطوط دفاع متقدمة. ما يحصل اليوم أخذ أبعاداً جديدة من الحرب على عصابات المخدرات، فعمليات التهريب أخذت طابعاً متطوّراً بعد دخول الطائرات المسيّرة (الدّرون). وإذا كان المعتاد أن تحمل تلك الطائرات مواد مخدّرة، فإن الجديد حملها لمتفجرات الـ«تي إن تي» TNT أسقطتها الدفاعات العسكرية التي تتعامل مع تحرّكات مستمرة واستفزازات قريبة من الحدود، طامعة تلك التحرّكات في الوصول إلى أهداف متقدّمة لتنفيذ مخطّطات إرهابية.

وهنا، يأتي الحديث عن بثّ أخبار مختصرة لحالة الحدود وطبيعة المواجهات مع ميليشيات المخدرات، «ليس كل ما يقوم به الجيش على الحدود الشمالية قابلاً للتداول إعلامياً». ومن هنا يأتي الحذر من التناول الأمني للقضية، حتى وإن أسهب السياسيون في تحليل المشهد وتطوراته.

أجواء تعبئة

لحرب محتملةتقود نخب سياسية وإعلامية جهداً تعبوياً للرأي العام تجاه التطورات في الجنوب السوري. فالكتّاب الصحافيون المقرّبون من دوائر القرار كثّفوا في الآونة الأخيرة من كلامهم حول خطورة الأحداث على الحدود، واحتمالات ارتفاع حدة الحرب على المخدرات لتتضمن مباغتات ومفاجآت. ومن ثم ضمّنوا آراءهم باتهامات ناعمة نحو «لا جدية» النظام السوري في تنفيذ التزاماته الأمنية تجاه ضبط الحدود من جهته، وردع الميليشيات المحسوبة على حلفاء سوريا التي صنعت اقتصاداً متكاملاً من تجارة المخدرات والسلاح، وأصبحت قوى ذات نفوذ واسع.

هذا، وكانت «الشرق الأوسط» خلال الأسبوع الماضي، قد نقلت جانباً من الانطباعات السياسية المنقولة عن مراكز القرار على صفحات قادة الرأي المحليين الذين تكلّموا عن «حالة من عدم الاكتراث السورية لكل حسابات الأردن، ما ولّد استياءً أردنياً رسمياً، من تصرّفات دمشق الرسمية»... وأنه على الرغم من «كل المحاولات لحضّ السوريين على وقف محاولات تهريب السلاح، والمخدّرات، وتموضع تنظيمات وميليشيات قرب الحدود مع الأردن، فإن شيئاً لم يتغير بشكل جذري».

حرب حقيقية...

ومعاقبة للجيران

وخلُص بعض الساسة وقادة الرأي إلى أن هناك «حرباً حقيقية بكامل التعبئة العسكرية يخوضها الأردن وقواته المسلحة بإسناد أجهزته الأمنية على طول الحدود الشمالية والشرقية»، وأن ما يجري على الحدود الشمالية هو «حرب كاملة الأهلية عسكرياً، هي خط دفاع أول وأخير، عن عمق إقليمي يتجاوز النقاط الحدودية الأردنية».

وعلى المنوال ذاته، كتب آخرون ما اعتبروه بـ«البعد السياسي والأمني» لانخراط الحرس الثوري والميليشيات التي تتبعه في عمليات التهريب في محاولة لإزعاج الأردن أمنياً، إضافة إلى «قناعات لدى بعض الأوساط في الحكم في سوريا أن تهريب المُخدّرات إلى الأردن ودول أخرى مُعاقبةً لها على موقفها من النظام السوري في فترة الحرب»، كما اعتبروها «قناعة سورية وإيرانية بأن ملف تهريب المخدّرات ورقة سياسية للطرفين سواءً للضغط السوري في ملف المساعدات من الخليج أو إعادة الإعمار أو إيرانياً للتفاوض حول مصالحها».

هذا الكلام، وإن صدر عن وزير إعلام أردني أسبق هو سميح المعايطة، فإنه شدّد على أن شبكات التهريب ليست «نشاطاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً لسوريا وإيران وميليشيات وحسب، بل هو ورقة للضغط والابتزاز السياسي، ما يؤشّر على أن عمليات التهريب لن تتوقّف في المدى المنظور».

وفي سياق متصل، نُخَب أردنية دعت صراحة على أكثر من منبر لضرورة فك الارتباط بين المسارين الأمني والسياسي في التعامل مع الأزمة السورية؛ لأن كلام دمشق المعتدل سياسياً لا ينعكس على جنوبها أمنياً. وهنا يقول اللواء المتقاعد عودة شديفات إن السياسة لا تتعارض مع أولوية حفظ أمن الأردن وحماية حدوده، حتى لو استدعى الأمر «توجيه ضربات داخل الأراضي السورية وإنهاء الخطر قبل وصوله الحدود».

بالعودة لكلام السياسيين، فقد كان الأكثر تقدّماً في نقده وهجومه لارتخاء النظام السوري ولا جديته في مواجهة نشاط ميليشيات المخدرات في الجنوب السوري، مقال نُشر على حلقتين لعضو مجلس الأعيان (مجلس الملك) محمد داودية. داودية وصف الجنوب السوري بـ«تورا بورا الجديدة»، بعدما أصبحت مركزاً للمخدرات الآتية من إيران عبر العراق إلى سوريا، كما أن سوريا ولبنان يشكلان مركزاً إقليمياً لتصنيع وتوزيع الحبوب المخدّرة بحسب «تقرير الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات».

كذلك، أشار عضو مجلس الأعيان إلى أن مهرّبي المخدّرات والسلاح، يشكلّون رأس الحربة وطليعة حواضن المنظومة الإقليمية للشرّ والإرهاب، التي تعمل في الجنوب السوري منتهزة انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا التي كانت ضامنة لـ«اتفاقية درعا» عام 2018، التي أطرافها الأردن وروسيا وأميركا، وهي الاتفاقية التي أتاحت للنظام السوري بسط سيطرته على المدن والقرى في محافظة درعا.

ويُذكّر أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تنبّه مبكراً إلى تأثير انصراف روسيا إلى حربها مع أوكرانيا على منطقتنا. وقد تحقق تحذير الملك من «تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا»، فـ«الفراغ الذي نجم عن خروج روسيا من سوريا سيملؤه، الإيرانيون ووكلاؤهم».

ولقد أشار داودية إلى ما يوحي بأنها معلومات أمنية بقوله «تتكوّن في جنوب سوريا بالقرب من حدودنا الشمالية، في «ولاية حوران»، بؤرة شر إرهابية قوامها تنظيم «داعش» الذي يأخذ اسمَ تمويهٍ مُضلِلاً هو الغرباء، بدعم من نظام الملالي الإيراني». وأردف أن «النظام السوري فقد السيطرة على إنتاج وتصدير المخدّرات والسلاح والإرهاب؛ لأنه مستفيدٌ من مليارات الدولارات التي تدرّها عمليات الشرّ التي تديرها على الأراضي السورية»؛ إما تهريباً من إيران عبر العراق وإما إنتاجاً في مصانع ومنشآت لا يمكن إخفاؤها، وميليشيات مسلحة تسخّر أبناء الجنوب السوري مقابل الأجر ليقوموا بعمليات التهريب.

عمليات نوعية...

وتطوّر الموقف

لم يعُد خافياً بأن هناك جهداً استخبارياً أردنياً مكّن من تنفيذ طلعتين جويتين أسفرتا عن ضرب مصانع للمخدّرات، وقتل أحد كبار التجار والمهرّبين، وجاء ذلك في وقت بعثت فيه عمّان رسائل جادّة للسوريين بأن التقصير من جانبهم لن يوقف جهود المملكة في مكافحة المخدرات، كما لم يوقف حالة الانفلات التي تشهدها مناطق الجنوب السوري.

صحيح أن المصادر الأردنية لم تعلّق على الأنباء التي تحدّثت عن ضربة جوية من جانبها استهدفت تجمّعاً لمهرّبي المخدّرات المنتشرين في الجنوب السوري، حيث تنشط تجارة وتهريب الكبتاغون الأسبوع الماضي. إلا أن المصادر التي تحدثت إلى «الشرق الأوسط» أكدت «مضي الأردن قدماً في حربه على ميليشيات تهريب المخدرات والسلاح من الأراضي السورية»، مضيفةً أن هناك «قصوراً رسمياً سورياً في مكافحة تصنيع وتجارة المخدرات على أرضه».

وعن الضربة الأخيرة، كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن أن الطلعة الأخيرة جرى «تنفيذها بطائرة مسيرة عن بُعد»، وقد ضربت مزرعة يُعتقد بأنها تضم مصنعاً لإنتاج المخدرات وتخزينها لأحد كبار المهربين، ولكن لم يتسرّب عن تلك العملية معلومات كافية تكشف عن عمق الضربة وأثرها على حركة تهريب المخدرات. وللعلم، تتبّعت «الشرق الأوسط» على موقع (X) للتواصل الاجتماعي بعض الصفحات التي أشارت إلى أن الضربة كانت متوقعة للموقع قبل تنفيذها بأسبوع، وأن تحذيراً تلقاه مَن فيها، ويُعتقد بأن جهات محسوبة على النظام نقلت هذا التحذير عن النظام نفسه.

دور المسيرات (خاص بالشرق الأوسط)

لا جدّية إزاء تنفيذ الالتزامات

لقد غابت الجدية عن السوريين في المضي قدماً في تنفيذ الالتزامات التي أبرمت في اجتماعات اللجنة الوزارية المعنية بالأزمة السورية في اجتماعاتها التي انعقدت في الرياض وعمّان والقاهرة بحضور وزير الخارجية السوري فيصل المقداد.

هذا الأمر أوقع عمّان فيما يمكن وصفه بـ«خيبة أمل» أمام استمرار إدارة الأزمة السورية، ما يؤدي إلى طول أمد معاناة السوريين أمنياً وإنسانياً وسياسياً. وفي تقدير المصادر الأردنية أن السوريين بدأوا التراجع عن تنفيذ الالتزامات المطلوبة بموجب المبادرة الأردنية «خطوة مقابل خطوة»، وترك لقاء الرئيس السوري بشار الأسد مع فضائية «سكاي نيوز» الشهر الماضي، ظلالاً سلبية على مستقبل الالتزام السوري بعد «نفض يده» من المسؤولية عن أزمة المخدّرات والسيطرة عليها.

ما يُذكر أنه في الثامن من مايو (أيار) الماضي، كان الأردن قد نفّذ غارة جوية نادرة، داخل الجنوب السوري وأسفرت عن مقتل أحد زعماء عصابات تهريب المخدرات، وتدمير منشأة مخدرات مهجورة في محافظة درعا (جنوبي سوريا) مرتبطة بـ«حزب الله» اللبناني المدعوم من إيران.

العملية الجوية التي نفّذها سلاح الجو الأردني، ولم تعلق عليها المصادر الرسمية الأردنية بالتأكيد أو النفي وقتها، تزامنت في اليوم ذاته مع تصريح لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قال فيه إن الأردن سيُعلن في الوقت المناسب عن أي خطوة سيتم اتخاذها لحماية الأمن الوطني للمملكة»، وذلك في سياق إجابته عن سؤال في مؤتمر صحافي حول مواجهة قضية تهريب المخدرات من سوريا التي تشكّل تهديداً كبيراً للأردن والمنطقة.

لقد أضحت سلسلة الأخبار عن إحباط عمليات تهريب أسلحة ومخدرات ومتفجرات، إلى جانب إحباط محاولات تسلّل لمجموعات من المسلحين إلى داخل الأراضي الأردنية بعد تطبيق قواعد الاشتباك، واعتقال عدد منهم وفرار آخرين إلى الداخل السوري، خبراً روتينياً يكشف عن حجم القلق الآتي من الحدود، والمخاوف من تطور الأحداث. وبالتالي، تطور الحالة الأمنية العسكرية وما يصاحبها من مخاطر وتداعيات مفتوحة.

التحديات تتزامن مع المباحثات

وفي هذا، يؤكد اللواء المتقاعد عودة شديفات أن التحدّيات المتزايدة على الحدود الشمالية جاءت في وقت تشهد المباحثات السياسية بين البلدين حديثاً صريحاً عن تداعيات أزمة الجنوب السوري وخطر مصانع المخدرات المنتشرة على نطاق واسع، واصفاً التحديات الأمنية في الداخل السوري بأنها عبءٌ ثقيل ومسؤولية كبيرة تتحملها المملكة وحدها، خصوصاً في ظل حالة الفوضى وضعف سيطرة النظام السوري على مناطقه.

المخاوف التي يتحدث عنها اللواء شديفات تدفعه للتعليق على حجم الفوضى الذي قد يستدعي عودة نشاط تنظيم «داعش» الإرهابي لتحقيق أهدافه في ضرب الحدود الأردنية وتنفيذ عمليات انتقامية، معتبراً أن زيادة عمليات التهريب للمخدّرات والسلاح خلال الأسابيع القليلة الماضية يفاقم من مخاوف عودة النشاط الإرهابي بصوره التقليدية. وهذا ما استدعى تغيير قواعد الاشتباك مع خطر الحدود، مع تقدّم واضح في جهود العمليات الاستخبارية التي وفّرت قاعدة بيانات واسعة عن طبيعة نشاط الميليشيات ومصانع المخدّرات المنتشرة، والتي باتت تغطي أكلاف تمويل جماعات محسوبة على إيران و«حزب الله» في إطار خطة إدامة الحرب وحالة اللا استقرار».

من ثم، فإن «غياب الاهتمام السوري الرسمي قد يضع الأردن في خيارات سياسية عسكرية مفتوحة»، بحسب اللواء المتقاعد محمد الرقاد، الذي أضاف أن ذلك سينعكس سلباً على الأمن السياسي والعسكري في المنطقة.

ويؤكد الرقاد أن أمام الجيش العربي الأردني خيارات متعدّدة لحماية الحدود، وقد طور قواعد الاشتباك لمواجهة «حرب المخدرات» التي تجاوزت تهريبها باستخدام تقنيات عسكرية متطورة ضد الطائرات المسيرة التي تهرّب المخدرات والأسلحة والقنابل والمتفجرات، الأمر الذي يترك باب تطور المواجهات العسكرية الميدانية على احتمالات أكثر خطورة.

لقطة من المنطقة الحدودية الأردنية (خاص بالشرق الأوسط

ملف اللاجئين السوريين... وعجز الحكومة عن الاستمرار في الوضع الحالي

> أكد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، الخميس الماضي، أن الأردن يواجه تحدياً كبيراً في تهريب المخدرات من سوريا، وهو مستمر في مواجهته بكل إمكانياته. وخلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الآيرلندي ميهال مارتن في عمّان، قال الصفدي: «إن الأردن سيقوم بكل ما يلزم لدحر هذا الخطر وحماية المجتمع الأردني منه».

بتفكيك بسيط للعبارة الرسمية، فإن ذلك يشي برغبة تعقب واستهدافٍ محتملين قد يطول نشاط العصابات الآتية لاختراق الحدود وحتى المتمركزة في مواقعها في العمق السوري، فالدحر الأردني مفردة يختلف مفادها عن الصدّ.

وباقتضاب، أضاف الصفدي «أن الأردن لن يكون قادراً على استقبال المزيد من اللاجئين». وهنا تأتي قضية اللاجئين على رأس المخاوف الأردنية من خطر تدفق أفواج جديدة من اللجوء السوري مدفوعة بأسباب الحرب وانعدام الاستقرار، لا سيما في ظل التطورات الأخيرة في بعض المناطق السورية، منها السويداء ودير الزور.

وكان الأردن الرسمي قد رفع في الآونة الأخيرة من وتيرة مطالباته في وضع حد للأزمة السورية وتداعياتها على دول الجوار، مصارحاً بأنه تجاوز قدراته في استضافته للاجئين السوريين على أرضه، وأن على المجتمع الدولي، بالتالي، التعامل مع الواقع الإنساني للسوريين. ومن ثم بدأت التصريحات الرسمية تُكثف من دعوتها إلى ضرورة ضمان «عودة طوعية وآمنة للاجئين السوريين»، أمام تفاقم أزمتهم أردنياً على إثر تراجع المساعدات المقدمة لهم وزيادة الضغط على الاقتصاد الأردني.

في هذه المسألة جدال آخر نشأ بين نخب تقليدية ومسؤولين رسميين، فنائب رئيس الوزراء الأسبق ممدوح العبادي طالب بـ«العودة الفورية» للاجئين السورين، وكان النائب السابق نبيل غيشان تمنى كذلك أن تسقط مفردة «طوعية» من القاموس الرسمي الأردني، وذلك في معرض تعليقيهما على تصريحات نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني الصفدي حول ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفورية لإيجاد الظروف «اللازمة لعودة اللاجئين السوريين الطوعية إلى وطنهم، وأن مستقبل اللاجئين السوريين هو في بلدهم وليس في الأردن، ما يوجب تركيز الجهود على توفير متطلبات العودة والعيش الكريم للاجئين في سوريا».

جدير بالذكر، أن الأردن يستضيف أكثر من 1.3 مليون سوري، 10 في المائة منهم يعيشون في المخيمات، بينما هناك أكثر من 150 ألف طالب سوري، مسجلّون في النظام التعليمي الرسمي، ما أدى لعمل أكثر من 200 مدرسة وفق نظام الفترتين.

أيضاً، يتمتع السوريون بإمكانية الوصول للخدمات الصحية؛ إذ تمكن أكثر من 320 ألفاً العام الماضي وحده، من الوصول إلى النظام الصحي. وعلى الرغم من ارتفاع معدل البطالة الذي يصل لـ24 في المائة في الأردن، «قدم الأردن أكثر من 370 ألف تصريح عمل للسوريين، مع وجود أرقام مضاعفة من السوريين الذين يعملون من دون تصاريح.


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تشكّل فرقة جديدة عند الحدود مع الأردن

المشرق العربي جنود إسرائيليون يراقبون الحدود مع الأردن (أرشيفية - الجيش الإسرائيلي)

تقرير: إسرائيل تشكّل فرقة جديدة عند الحدود مع الأردن

قالت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» إن الجيش الإسرائيلي أعلن الأربعاء تشكيل فرقة جديدة ستُكلف بالدفاع عن الحدود الشرقية للبلاد مع الأردن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جلسة مجلس الشعب السوري الأربعاء (سانا)

دمشق ترفع الغطاء عن «دوائر الظل المالية»

في مفاجأة أخرى من العيار الثقيل، كشفت وسائل الإعلام المحلية عن تصويت مجلس الشعب السوري، الأربعاء، على منح الإذن بالملاحقة القضائية بحق عضوين في المجلس.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الخليج الأمير محمد بن سلمان لدى اجتماعه مع الملك عبد الله الثاني في الرياض أمس (واس)

السعودية والأردن: وقوف كامل مع فلسطين ولبنان

شدد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أمس، على «الوقوف الكامل إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج ولي العهد السعودي يستقبل العاهل الأردني وولي عهده في الرياض (واس) play-circle 00:35

ولي العهد السعودي يستقبل العاهل الأردني في الرياض

استقبل الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، اليوم الثلاثاء، العاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين، وولي عهده الأمير الحسين بن عبد الله.

المشرق العربي جنود إسرائيليون يقومون بعملية تمشيط قرب منتجع على البحر الميت اليوم الجمعة (أ.ف.ب)

تسلّل «إخواني» يزيد التوتر بين إسرائيل والأردن

رفعت عملية تسلّل لمسلّحَين اثنين جنوب البحر الميت، ومحاولة استهداف جنود إسرائيليين، منسوب التوتر في العلاقات الأردنية - الإسرائيلية، المتأزمة أصلاً على خلفية.

محمد خير الرواشدة (عمّان ) «الشرق الأوسط» (غزة - تل أبيب - واشنطن)

جان نويل بارو: اقتصادي من عائلة سياسية مرموقة... على رأس الدبلوماسية الفرنسية

بارو
بارو
TT

جان نويل بارو: اقتصادي من عائلة سياسية مرموقة... على رأس الدبلوماسية الفرنسية

بارو
بارو

فور تولي بارو مهام منصبه، باشر وزير الخارجية الفرنسي تنظيم زيارة للشرق الأوسط تهدف إلى بحث النزاع مع مختلف الأطراف، ومحاولة حلحلة الوضع المتأزم، معلناً: «لقد حان وقت الدبلوماسية».

وُلد جان نويل بارو يوم 13 مايو (أيار) 1983 في العاصمة الفرنسية باريس، وهو يتحدّر من عائلة سياسية معروفة، إذ كان والده جاك بارو، الذي تُوفي عام 2014 سياسياً بارزاً من كتلة الوسط المسيحي، وكان قد شغل عدة حقائب وزارية، إضافة لمنصب نائب رئيس اللجنة الأوروبية وعضو «المجلس الدستوري»، وهو منصب مرموق لا يشغله سوى الساسة المحنَّكين في فرنسا.

ثم إن جدّه نويل بارو كان مناضلاً في الجيش السّري، ومقاوماً لـ«نظام فيشي» المتعاون مع النازية إبّان الحرب العالمية الثانية، وكان مكلفاً بتهريب الأدوية إلى أفراد المقاومة الشعبية بحكم عمله صيدلياً. وبعد انتهاء الحرب شغل منصب نائب في البرلمان، وعمدة لمدينة إيسنجو الصغيرة (بجنوب شرقي فرنسا).

جذور عائلية سياسية

الجذور السياسية لعائلة بارو ضاربة إذن بقوة في منطقة الأوت لوار، بجنوب شرقي فرنسا. والواقع أن التمثيل النيابي للمنطقة - القريبة من مدينة ليون - ظل داخل هذه العائلة من عام 1945 حتى عام 2004 دون انقطاع، منتقلاً من الجَد إلى الأب، قبل أن يلحق بهما الحفيد جان نويل (41 سنة). وهذا الحفيد، الذي بات، اليوم، وزيرخارجية فرنسا، فاز بأول مقعد نيابي له عام 2017. ثم إن جان نويل لم يرِث من والده وجَدّه المنصب فحسب، بل ورث منهما أيضاً القناعات السياسية والالتزام بتيار يمين الوسط. فعائلته محسوبة على خط يمين الوسط المعتدل أباً عن جَدّ، فالجدّ نويل كان رئيساً لحزب الوسط الديمقراطي لسنوات، والوالد جاك كان السكرتير العام لكتلة الوسط (أو دي إف)، أما ابنه جان نويل بارو فعضو في «الحركة الديمقراطية (مودام)»، التي تمثل، اليوم، تيار الوسط في فرنسا، وكان ناطقاً وطنياً باسمها (في 2018)، ثم أميناً عاماً (بين 2018 و2022)، قبل أن يغدو نائباً لرئيس هذه الكتلة السياسي البارز فرنسوا بايرو، وأحد أقرب المقرّبين منه (منذ يوليو/ تموز 2022).

خبير في الاقتصاد وإدارة الأعمال

تلقّى جان نويل بارو تعليمه العالي في مجال الاقتصاد وإدارة الأعمال، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه من المعهد العالي للتجارة «آش أو سيه»، وعلى شهادة الماجستير من معهد باريس للعلوم السياسية «سيانس بو» المرموق. ولقد عمل زميلاً بحثياً في مدرسة سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «إم آي تي»، إحدى أرقى جامعات العالم والولايات المتحدة، بين 2013 و2017.

وفي 2018 عُيّن وزير الخارجية الجديد، في فرنسا، أستاذاً محاضراً بالمعهد العالي للتجارة «آش أو سيه». وتناولت أبحاثه مجال الشؤون المالية، وشبكات الإنتاج، وتقييم السياسات العامّة لدعم المنشآت وتمويل الشركات، وسياسات دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة. ونُشرت أعماله في مجلات دولية رائدة مثل المجلة الفصلية للاقتصاد، ومجلة الاقتصاد المالي، وعلوم الإدارة.

إنجازاته في الحكومة

أما سياسياً، فقد شغل بارو منصب الوزير المنتدب للشؤون الأوروبية بحكومة غبريال أتال بين فبراير (شباط) وسبتمبر (أيلول) 2024. وقبلها كان الوزير المنتدب للشؤون الرقمية في حكومة إليزابيث بورن من 2022 إلى 2024، وكانت له عدة إنجازات في هذا المجال أشادت بها وسائل الإعلام، إذ كتبت صحيفة «شالنج» الفرنسية، في موضوع تحت عنوان «الصعود الخارق لجان نويل بارو»، ما يلي: «في مجال الرقمنة، كانت حماية الطفولة في الشبكة العنكبوتية من أهم اهتمامات السيد بارو، حيث اقترح حجب المواقع الإباحية ومكافحة ظاهرة التنمّر الإلكتروني. كذلك بذل مجهوداً كبيراً للتنبيه إلى خطر التدخل الأجنبي بغرض التأثير، وبالأخص التدخل الروسي في مواقع التواصل إبّان الانتخابات الأوروبية الأخيرة».

وشرحت الصحيفة الفرنسية كيف أن الوزير كان في غاية الجرأة والشجاعة، واستطاع الوقوف في وجه عمالقة التواصل الاجتماعي حين هدّد بحظر منصّة «إكس (تويتر سابقاً)»، ما لم تحترم قواعد الاعتدال المعتمَدة في دول المجموعة الأوروبية. وعقب الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها فرنسا عام 2023 ضد غلاء المعيشة، أقدم بارو على إجراء استثنائي تمثَّل بحظر كل المحتويات التي تُحرّض على العنف في منصّتي «تيك توك» و«إكس».

المشاركة السياسية

على صعيد آخر، بدأت المشاركة الفعلية لجان نويل بارو في المجال السياسي عام 2015، حين انتُخب مستشاراً جهوياً (عضو المجلس المحلي) عن محافظة إيسنجو، وهو المنصب الذي شغله جدّه، ثم والده لسنوات قبل وفاته بسكتة قلبية عام 2014. وعلى الأثر، قرّر الانخراط في «الحركة الديمقراطية» إلى جانب إيمانويل ماكرون، وبالفعل انتُخب نائباً برلمانياً عن الدائرة الثانية في محافظة الإيفلين الباريسية (عاصمتها فرساي) من 2017 إلى 2022، حيث شغل فيها منصب نائب رئيس اللجنة المالية، وكان مسؤولاً عن تقديم تقارير الهجرة والميزانية واللجوء. وفي 4 يناير (كانون الثاني) 2021، كلّفه رئيس الوزراء السابق، جان كاستيكس، بمهمة لمدة 6 أشهر للعمل مع برونو لومير، وزير الاقتصاد والمالية حينذاك، لمساعدة المناطق على الخروج من الأزمة والتعافي الاقتصادي. وبعدها أعيد انتخاب بارو نائباً بنسبة 72.69 في المائة من الأصوات يوم 9 يوليو 2024، بعدما حلّ رئيس الجمهورية البرلمان، حيث ترأّس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، ابتداءً من 20 يوليو 2024، قبل أن يُعيَّن أخيراً وزيراً للشؤون الخارجية.

حديث العهد بالدبلوماسية

يتولى بارو منصبه «رئيساً» للدبلوماسية الفرنسية، اليوم، في مناخ سياسي دولي متوتر... من أخطر ملامحه الحرب الأوكرانية الروسية، وانفجار الأوضاع في الشرق الأوسط. واللافت أنه فور الإعلان عن تعيين الوزير الشاب، قدّمته الصحافة الفرنسية على أنه «حديث العهد بالدبلوماسية»، بل، على الرغم من أن نشاطه وزيراً للشؤون الأوروبية وخبرته في مجال إدارة الاعمال والاقتصاد شكّلا «نقاط قوة» كبيرة له في منصبه الجديد، فإن قلّة التجربة الدبلوماسية لفتت الانتباه، وفتحت باب النقاش في مصير الدبلوماسية الفرنسية التي تراجعت فاعليتها خلال السنوات الأخيرة، بعدما قادتها شخصيات لم تترك بصمات قوية.

وفي حوار مع يومية «لوباريزيان»، شرح برتران بادي، الأستاذ في معهد «سيانس بو»، أنه «ما كان غريباً اتجاه الرئيس ماكرون إلى تعيين شخصية لا تتمتع بتجربة سياسية، فهو يريد أن يفرض رأيه ويسيطر على زمام السياسة الداخلية والخارجية، كما فعل مع كاترين كولونا، وستيفان سيجورنيه، اللذين لم يتركا أي بصّمة على الدبلوماسية الفرنسية».

وفي مقال بعنوان «أوروبي في الخارجية»، نقلت «لوباريزيان» شهادة أورليان تاشي، نائب كتلة «فرنسا الأبيّة» (اليسار)، الذي صرَّح بأن «وزير الخارجية الجديد شخصية سياسية معتدلة، فهو مستعد للحوار مع أي طرف»، وهو - كما يقول نائب اليسار - من أحسن الخصوم السياسيين احتراماً للمعارضة، «لكنني أشكّ بأن يكون لديه هامش من الحرية، بحيث يَسلم من تدخُّل ماكرون وسيطرته...».

وفي مقال آخر بعنوان «جان نويل بارو: مبتدئ على رأس الخارجية»، شرحت صحيفة «اللوموند» بأن وزير الخارجية الجديد «يفتقر إلى الخبرة لكنه مجتهد، أثبت كفاءته فيما يخّص الملفات الأوروبية التي يعرفها عن ظهر قلب». وتابعت أنه «أولاً، قبل كل شيء أوروبي عن اقتناع، ويؤمن بجوهرية العلاقات الفرنسية الألمانية لبناء أوروبا قوية، إذ كانت آخِر مباحثاته في باريس مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك. ولقد لقي خبر تعيين جان نويل بارو ترحيباً في إيطاليا، حيث تربطه علاقات جيدة مع رافاييلي فيتو وزير الشؤون الأوروبية في حكومة جورجيا ميلوني، وسبق لهما التعاون في ملفات الهجرة بنجاح (الذي عُيّن منذ فترة نائباً لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين)».

وتابعت «اللوموند» بأنه سيتوجب على الوزير الجديد العمل على كثير من الملفات في وقت قياسي، وعليه أيضاً أن يفرض نفسه لأنه «خفيف الوزن في غابة العلاقات الدولية».

قضايا ساخنة... ومناخ دولي متوتر

وحقاً، تنتظر وزير الخارجية الجديد قضايا دولية ساخنة جداً، فالحرب في أوكرانيا مستمرة منذ أكثر من سنتين ونصف السنة، دون الوصول إلى حلّ. ثم هناك بين القضايا الدولية الحسّاسة الأخرى الحرب في السودان، والقضية النووية الإيرانية، وقبل كل شيء انفجار الأوضاع في الشرق الأوسط، مع استعار الحرب في قطاع غزة والعدوان الإسرائيلي على لبنان.

وهنا نشير إلى أنه فور تولي بارو مهام منصبه، باشر وزير الخارجية الفرنسي تنظيم زيارة للشرق الأوسط تهدف إلى بحث النزاع مع مختلف الأطراف، ومحاولة حلحلة الوضع المتأزم، معلناً: «لقد حان وقت الدبلوماسية». وبالفعل، ندّد بارو بموجة التفجيرات القاتلة التي وقعت في لبنان، خلال الفترة القصيرة الماضية، عبر أجهزة اللاسلكي، قائلاً، لإحدى وسائل الإعلام: «حتى وإن كنا نعترف بحق إسرائيل في ضمان أمنها، فهناك هجمات أصابت المدنيين بشكل عشوائي، وتسببت في إصابة الآلاف من الجرحى وقتل الأطفال». وفي المقابل، أدلى بتصريحات داعمة لإسرائيل، بعد اجتماع مع نظيره يسرائيل كاتس، قال فيها إن «حزب الله» اللبناني «يتحمل مسؤولية كبيرة على صعيد اتساع نطاق الحرب في لبنان، بعدما جرَّ لبنان إلى حربٍ لم يخترها». وأردف أن فرنسا «ملتزمة التزاماً لا يتزعزع بأمن إسرائيل...»، علماً بأن التصريحات الأخيرة للرئيس ماكرون جاءت متعارضة مع كلام وزير خارجيته حين قال إن «الأولوية، اليوم، هي العودة إلى حلّ سياسي، والكفّ عن تسليم الأسلحة لخوض المعارك في غزة». وذكر أن فرنسا «لا تُسلّم أسلحة»، ما أغضب الأطراف الإسرائيلية، وأكد التوقعات بأن ماكرون سيفسد مساعي بارو بتدخلاته وتصريحاته المتعارضة.