حدود الأردن الشمالية «خاصرة» قلقة تقترب من الحرب المفتوحة

على خلفيتي تطوّرات الجنوب السوري وتهريب المخدرات والسلاح

رصد أمني وعسكري  (خاص بالشرق الأوسط)
رصد أمني وعسكري (خاص بالشرق الأوسط)
TT

حدود الأردن الشمالية «خاصرة» قلقة تقترب من الحرب المفتوحة

رصد أمني وعسكري  (خاص بالشرق الأوسط)
رصد أمني وعسكري (خاص بالشرق الأوسط)

بهدوء وحذر، وبعيداً عن الاستعراض ووسط شح من المعلومات، تخوض القوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي) حرباً مفتوحة ضد ميليشيات تهريب السلاح والمخدرات الآتية من الأراضي السورية، وذلك وسط مخاوف من ارتفاع وتيرة عملياتها مع اقتراب فصل الشتاء، الذي تنشط خلاله الميليشيات مختبئة تحت جناح الظروف الجوية الصعبة للمنطقة المضطربة. وعلى طول الحدود الأردنية المشتركة الممتدة لنحو 370 كلم، ومنذ اندلاع الأزمة الأخيرة في الجنوب السوري، تصاعد القلق من الخطر الآتي من الشمال بعد تمركز ميليشيات تابعة لإيران وحزب الله، والتي بعثت رسائل قلق في أكثر من مناسبة، ما دفع الجيش الأردني لخوض حرب على أكثر من جبهة ضد تلك الميليشيات المحسوبة على النظام السوري من جهة، وضد عصابات تنظيم «داعش» الإرهابي من جهة أخرى.

نُخَب أردنية دعت لضرورة فك الارتباط بين المسارين الأمني والسياسي في التعامل مع الأزمة السورية لقد دفعت تطورات الجنوب السوري، بما فيها تهريب المخدرات والسلاح، الأجهزة العسكرية والأمنية في الأردن إلى دعم جماعات من العشائر والقوى المحليّة المعتدلة في الجنوب السوري المقرّبة من الأردن. ولم يعُد سرّاً أن عمّان أرخت لهم مساعدات في غير مناسبة لمواجهة الخطر المتمثّل في وجود قوى متناحرة داخل سوريا وإيران وجماعاتها و«داعش» وعصاباته، وهما الخصمان اللذان جمعهما مشترك واحد وهو ضرب استقرار الأردن. وحقاً، ذهبت المساعدة الأردنية من خلال وسطاء موثوقين، وكان لهم دور أصيل في تشكيل خطوط دفاع متقدمة. ما يحصل اليوم أخذ أبعاداً جديدة من الحرب على عصابات المخدرات، فعمليات التهريب أخذت طابعاً متطوّراً بعد دخول الطائرات المسيّرة (الدّرون). وإذا كان المعتاد أن تحمل تلك الطائرات مواد مخدّرة، فإن الجديد حملها لمتفجرات الـ«تي إن تي» TNT أسقطتها الدفاعات العسكرية التي تتعامل مع تحرّكات مستمرة واستفزازات قريبة من الحدود، طامعة تلك التحرّكات في الوصول إلى أهداف متقدّمة لتنفيذ مخطّطات إرهابية.

وهنا، يأتي الحديث عن بثّ أخبار مختصرة لحالة الحدود وطبيعة المواجهات مع ميليشيات المخدرات، «ليس كل ما يقوم به الجيش على الحدود الشمالية قابلاً للتداول إعلامياً». ومن هنا يأتي الحذر من التناول الأمني للقضية، حتى وإن أسهب السياسيون في تحليل المشهد وتطوراته.

أجواء تعبئة

لحرب محتملةتقود نخب سياسية وإعلامية جهداً تعبوياً للرأي العام تجاه التطورات في الجنوب السوري. فالكتّاب الصحافيون المقرّبون من دوائر القرار كثّفوا في الآونة الأخيرة من كلامهم حول خطورة الأحداث على الحدود، واحتمالات ارتفاع حدة الحرب على المخدرات لتتضمن مباغتات ومفاجآت. ومن ثم ضمّنوا آراءهم باتهامات ناعمة نحو «لا جدية» النظام السوري في تنفيذ التزاماته الأمنية تجاه ضبط الحدود من جهته، وردع الميليشيات المحسوبة على حلفاء سوريا التي صنعت اقتصاداً متكاملاً من تجارة المخدرات والسلاح، وأصبحت قوى ذات نفوذ واسع.

هذا، وكانت «الشرق الأوسط» خلال الأسبوع الماضي، قد نقلت جانباً من الانطباعات السياسية المنقولة عن مراكز القرار على صفحات قادة الرأي المحليين الذين تكلّموا عن «حالة من عدم الاكتراث السورية لكل حسابات الأردن، ما ولّد استياءً أردنياً رسمياً، من تصرّفات دمشق الرسمية»... وأنه على الرغم من «كل المحاولات لحضّ السوريين على وقف محاولات تهريب السلاح، والمخدّرات، وتموضع تنظيمات وميليشيات قرب الحدود مع الأردن، فإن شيئاً لم يتغير بشكل جذري».

حرب حقيقية...

ومعاقبة للجيران

وخلُص بعض الساسة وقادة الرأي إلى أن هناك «حرباً حقيقية بكامل التعبئة العسكرية يخوضها الأردن وقواته المسلحة بإسناد أجهزته الأمنية على طول الحدود الشمالية والشرقية»، وأن ما يجري على الحدود الشمالية هو «حرب كاملة الأهلية عسكرياً، هي خط دفاع أول وأخير، عن عمق إقليمي يتجاوز النقاط الحدودية الأردنية».

وعلى المنوال ذاته، كتب آخرون ما اعتبروه بـ«البعد السياسي والأمني» لانخراط الحرس الثوري والميليشيات التي تتبعه في عمليات التهريب في محاولة لإزعاج الأردن أمنياً، إضافة إلى «قناعات لدى بعض الأوساط في الحكم في سوريا أن تهريب المُخدّرات إلى الأردن ودول أخرى مُعاقبةً لها على موقفها من النظام السوري في فترة الحرب»، كما اعتبروها «قناعة سورية وإيرانية بأن ملف تهريب المخدّرات ورقة سياسية للطرفين سواءً للضغط السوري في ملف المساعدات من الخليج أو إعادة الإعمار أو إيرانياً للتفاوض حول مصالحها».

هذا الكلام، وإن صدر عن وزير إعلام أردني أسبق هو سميح المعايطة، فإنه شدّد على أن شبكات التهريب ليست «نشاطاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً لسوريا وإيران وميليشيات وحسب، بل هو ورقة للضغط والابتزاز السياسي، ما يؤشّر على أن عمليات التهريب لن تتوقّف في المدى المنظور».

وفي سياق متصل، نُخَب أردنية دعت صراحة على أكثر من منبر لضرورة فك الارتباط بين المسارين الأمني والسياسي في التعامل مع الأزمة السورية؛ لأن كلام دمشق المعتدل سياسياً لا ينعكس على جنوبها أمنياً. وهنا يقول اللواء المتقاعد عودة شديفات إن السياسة لا تتعارض مع أولوية حفظ أمن الأردن وحماية حدوده، حتى لو استدعى الأمر «توجيه ضربات داخل الأراضي السورية وإنهاء الخطر قبل وصوله الحدود».

بالعودة لكلام السياسيين، فقد كان الأكثر تقدّماً في نقده وهجومه لارتخاء النظام السوري ولا جديته في مواجهة نشاط ميليشيات المخدرات في الجنوب السوري، مقال نُشر على حلقتين لعضو مجلس الأعيان (مجلس الملك) محمد داودية. داودية وصف الجنوب السوري بـ«تورا بورا الجديدة»، بعدما أصبحت مركزاً للمخدرات الآتية من إيران عبر العراق إلى سوريا، كما أن سوريا ولبنان يشكلان مركزاً إقليمياً لتصنيع وتوزيع الحبوب المخدّرة بحسب «تقرير الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات».

كذلك، أشار عضو مجلس الأعيان إلى أن مهرّبي المخدّرات والسلاح، يشكلّون رأس الحربة وطليعة حواضن المنظومة الإقليمية للشرّ والإرهاب، التي تعمل في الجنوب السوري منتهزة انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا التي كانت ضامنة لـ«اتفاقية درعا» عام 2018، التي أطرافها الأردن وروسيا وأميركا، وهي الاتفاقية التي أتاحت للنظام السوري بسط سيطرته على المدن والقرى في محافظة درعا.

ويُذكّر أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تنبّه مبكراً إلى تأثير انصراف روسيا إلى حربها مع أوكرانيا على منطقتنا. وقد تحقق تحذير الملك من «تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا»، فـ«الفراغ الذي نجم عن خروج روسيا من سوريا سيملؤه، الإيرانيون ووكلاؤهم».

ولقد أشار داودية إلى ما يوحي بأنها معلومات أمنية بقوله «تتكوّن في جنوب سوريا بالقرب من حدودنا الشمالية، في «ولاية حوران»، بؤرة شر إرهابية قوامها تنظيم «داعش» الذي يأخذ اسمَ تمويهٍ مُضلِلاً هو الغرباء، بدعم من نظام الملالي الإيراني». وأردف أن «النظام السوري فقد السيطرة على إنتاج وتصدير المخدّرات والسلاح والإرهاب؛ لأنه مستفيدٌ من مليارات الدولارات التي تدرّها عمليات الشرّ التي تديرها على الأراضي السورية»؛ إما تهريباً من إيران عبر العراق وإما إنتاجاً في مصانع ومنشآت لا يمكن إخفاؤها، وميليشيات مسلحة تسخّر أبناء الجنوب السوري مقابل الأجر ليقوموا بعمليات التهريب.

عمليات نوعية...

وتطوّر الموقف

لم يعُد خافياً بأن هناك جهداً استخبارياً أردنياً مكّن من تنفيذ طلعتين جويتين أسفرتا عن ضرب مصانع للمخدّرات، وقتل أحد كبار التجار والمهرّبين، وجاء ذلك في وقت بعثت فيه عمّان رسائل جادّة للسوريين بأن التقصير من جانبهم لن يوقف جهود المملكة في مكافحة المخدرات، كما لم يوقف حالة الانفلات التي تشهدها مناطق الجنوب السوري.

صحيح أن المصادر الأردنية لم تعلّق على الأنباء التي تحدّثت عن ضربة جوية من جانبها استهدفت تجمّعاً لمهرّبي المخدّرات المنتشرين في الجنوب السوري، حيث تنشط تجارة وتهريب الكبتاغون الأسبوع الماضي. إلا أن المصادر التي تحدثت إلى «الشرق الأوسط» أكدت «مضي الأردن قدماً في حربه على ميليشيات تهريب المخدرات والسلاح من الأراضي السورية»، مضيفةً أن هناك «قصوراً رسمياً سورياً في مكافحة تصنيع وتجارة المخدرات على أرضه».

وعن الضربة الأخيرة، كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن أن الطلعة الأخيرة جرى «تنفيذها بطائرة مسيرة عن بُعد»، وقد ضربت مزرعة يُعتقد بأنها تضم مصنعاً لإنتاج المخدرات وتخزينها لأحد كبار المهربين، ولكن لم يتسرّب عن تلك العملية معلومات كافية تكشف عن عمق الضربة وأثرها على حركة تهريب المخدرات. وللعلم، تتبّعت «الشرق الأوسط» على موقع (X) للتواصل الاجتماعي بعض الصفحات التي أشارت إلى أن الضربة كانت متوقعة للموقع قبل تنفيذها بأسبوع، وأن تحذيراً تلقاه مَن فيها، ويُعتقد بأن جهات محسوبة على النظام نقلت هذا التحذير عن النظام نفسه.

دور المسيرات (خاص بالشرق الأوسط)

لا جدّية إزاء تنفيذ الالتزامات

لقد غابت الجدية عن السوريين في المضي قدماً في تنفيذ الالتزامات التي أبرمت في اجتماعات اللجنة الوزارية المعنية بالأزمة السورية في اجتماعاتها التي انعقدت في الرياض وعمّان والقاهرة بحضور وزير الخارجية السوري فيصل المقداد.

هذا الأمر أوقع عمّان فيما يمكن وصفه بـ«خيبة أمل» أمام استمرار إدارة الأزمة السورية، ما يؤدي إلى طول أمد معاناة السوريين أمنياً وإنسانياً وسياسياً. وفي تقدير المصادر الأردنية أن السوريين بدأوا التراجع عن تنفيذ الالتزامات المطلوبة بموجب المبادرة الأردنية «خطوة مقابل خطوة»، وترك لقاء الرئيس السوري بشار الأسد مع فضائية «سكاي نيوز» الشهر الماضي، ظلالاً سلبية على مستقبل الالتزام السوري بعد «نفض يده» من المسؤولية عن أزمة المخدّرات والسيطرة عليها.

ما يُذكر أنه في الثامن من مايو (أيار) الماضي، كان الأردن قد نفّذ غارة جوية نادرة، داخل الجنوب السوري وأسفرت عن مقتل أحد زعماء عصابات تهريب المخدرات، وتدمير منشأة مخدرات مهجورة في محافظة درعا (جنوبي سوريا) مرتبطة بـ«حزب الله» اللبناني المدعوم من إيران.

العملية الجوية التي نفّذها سلاح الجو الأردني، ولم تعلق عليها المصادر الرسمية الأردنية بالتأكيد أو النفي وقتها، تزامنت في اليوم ذاته مع تصريح لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قال فيه إن الأردن سيُعلن في الوقت المناسب عن أي خطوة سيتم اتخاذها لحماية الأمن الوطني للمملكة»، وذلك في سياق إجابته عن سؤال في مؤتمر صحافي حول مواجهة قضية تهريب المخدرات من سوريا التي تشكّل تهديداً كبيراً للأردن والمنطقة.

لقد أضحت سلسلة الأخبار عن إحباط عمليات تهريب أسلحة ومخدرات ومتفجرات، إلى جانب إحباط محاولات تسلّل لمجموعات من المسلحين إلى داخل الأراضي الأردنية بعد تطبيق قواعد الاشتباك، واعتقال عدد منهم وفرار آخرين إلى الداخل السوري، خبراً روتينياً يكشف عن حجم القلق الآتي من الحدود، والمخاوف من تطور الأحداث. وبالتالي، تطور الحالة الأمنية العسكرية وما يصاحبها من مخاطر وتداعيات مفتوحة.

التحديات تتزامن مع المباحثات

وفي هذا، يؤكد اللواء المتقاعد عودة شديفات أن التحدّيات المتزايدة على الحدود الشمالية جاءت في وقت تشهد المباحثات السياسية بين البلدين حديثاً صريحاً عن تداعيات أزمة الجنوب السوري وخطر مصانع المخدرات المنتشرة على نطاق واسع، واصفاً التحديات الأمنية في الداخل السوري بأنها عبءٌ ثقيل ومسؤولية كبيرة تتحملها المملكة وحدها، خصوصاً في ظل حالة الفوضى وضعف سيطرة النظام السوري على مناطقه.

المخاوف التي يتحدث عنها اللواء شديفات تدفعه للتعليق على حجم الفوضى الذي قد يستدعي عودة نشاط تنظيم «داعش» الإرهابي لتحقيق أهدافه في ضرب الحدود الأردنية وتنفيذ عمليات انتقامية، معتبراً أن زيادة عمليات التهريب للمخدّرات والسلاح خلال الأسابيع القليلة الماضية يفاقم من مخاوف عودة النشاط الإرهابي بصوره التقليدية. وهذا ما استدعى تغيير قواعد الاشتباك مع خطر الحدود، مع تقدّم واضح في جهود العمليات الاستخبارية التي وفّرت قاعدة بيانات واسعة عن طبيعة نشاط الميليشيات ومصانع المخدّرات المنتشرة، والتي باتت تغطي أكلاف تمويل جماعات محسوبة على إيران و«حزب الله» في إطار خطة إدامة الحرب وحالة اللا استقرار».

من ثم، فإن «غياب الاهتمام السوري الرسمي قد يضع الأردن في خيارات سياسية عسكرية مفتوحة»، بحسب اللواء المتقاعد محمد الرقاد، الذي أضاف أن ذلك سينعكس سلباً على الأمن السياسي والعسكري في المنطقة.

ويؤكد الرقاد أن أمام الجيش العربي الأردني خيارات متعدّدة لحماية الحدود، وقد طور قواعد الاشتباك لمواجهة «حرب المخدرات» التي تجاوزت تهريبها باستخدام تقنيات عسكرية متطورة ضد الطائرات المسيرة التي تهرّب المخدرات والأسلحة والقنابل والمتفجرات، الأمر الذي يترك باب تطور المواجهات العسكرية الميدانية على احتمالات أكثر خطورة.

لقطة من المنطقة الحدودية الأردنية (خاص بالشرق الأوسط

ملف اللاجئين السوريين... وعجز الحكومة عن الاستمرار في الوضع الحالي

> أكد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، الخميس الماضي، أن الأردن يواجه تحدياً كبيراً في تهريب المخدرات من سوريا، وهو مستمر في مواجهته بكل إمكانياته. وخلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الآيرلندي ميهال مارتن في عمّان، قال الصفدي: «إن الأردن سيقوم بكل ما يلزم لدحر هذا الخطر وحماية المجتمع الأردني منه».

بتفكيك بسيط للعبارة الرسمية، فإن ذلك يشي برغبة تعقب واستهدافٍ محتملين قد يطول نشاط العصابات الآتية لاختراق الحدود وحتى المتمركزة في مواقعها في العمق السوري، فالدحر الأردني مفردة يختلف مفادها عن الصدّ.

وباقتضاب، أضاف الصفدي «أن الأردن لن يكون قادراً على استقبال المزيد من اللاجئين». وهنا تأتي قضية اللاجئين على رأس المخاوف الأردنية من خطر تدفق أفواج جديدة من اللجوء السوري مدفوعة بأسباب الحرب وانعدام الاستقرار، لا سيما في ظل التطورات الأخيرة في بعض المناطق السورية، منها السويداء ودير الزور.

وكان الأردن الرسمي قد رفع في الآونة الأخيرة من وتيرة مطالباته في وضع حد للأزمة السورية وتداعياتها على دول الجوار، مصارحاً بأنه تجاوز قدراته في استضافته للاجئين السوريين على أرضه، وأن على المجتمع الدولي، بالتالي، التعامل مع الواقع الإنساني للسوريين. ومن ثم بدأت التصريحات الرسمية تُكثف من دعوتها إلى ضرورة ضمان «عودة طوعية وآمنة للاجئين السوريين»، أمام تفاقم أزمتهم أردنياً على إثر تراجع المساعدات المقدمة لهم وزيادة الضغط على الاقتصاد الأردني.

في هذه المسألة جدال آخر نشأ بين نخب تقليدية ومسؤولين رسميين، فنائب رئيس الوزراء الأسبق ممدوح العبادي طالب بـ«العودة الفورية» للاجئين السورين، وكان النائب السابق نبيل غيشان تمنى كذلك أن تسقط مفردة «طوعية» من القاموس الرسمي الأردني، وذلك في معرض تعليقيهما على تصريحات نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني الصفدي حول ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفورية لإيجاد الظروف «اللازمة لعودة اللاجئين السوريين الطوعية إلى وطنهم، وأن مستقبل اللاجئين السوريين هو في بلدهم وليس في الأردن، ما يوجب تركيز الجهود على توفير متطلبات العودة والعيش الكريم للاجئين في سوريا».

جدير بالذكر، أن الأردن يستضيف أكثر من 1.3 مليون سوري، 10 في المائة منهم يعيشون في المخيمات، بينما هناك أكثر من 150 ألف طالب سوري، مسجلّون في النظام التعليمي الرسمي، ما أدى لعمل أكثر من 200 مدرسة وفق نظام الفترتين.

أيضاً، يتمتع السوريون بإمكانية الوصول للخدمات الصحية؛ إذ تمكن أكثر من 320 ألفاً العام الماضي وحده، من الوصول إلى النظام الصحي. وعلى الرغم من ارتفاع معدل البطالة الذي يصل لـ24 في المائة في الأردن، «قدم الأردن أكثر من 370 ألف تصريح عمل للسوريين، مع وجود أرقام مضاعفة من السوريين الذين يعملون من دون تصاريح.


مقالات ذات صلة

الأردن يعد الهجوم قرب سفارة إسرائيل «إرهابياً فردياً»

المشرق العربي سيارة لقوات الأمن الأردنية تقف قرب السفارة الإسرائيلية في عمّان (رويترز) play-circle 00:28

الأردن يعد الهجوم قرب سفارة إسرائيل «إرهابياً فردياً»

لم تكشف التحقيقات الأولية الأردنية، بشأن هجوم قرب السفارة الإسرائيلية في عمّان، عن ارتباطات تنظيمية لمُنفذه، ما رجحت معه مصادر أمنية أن يكون «عملاً فردياً»

المشرق العربي أرشيفية لمبنى السفارة الإسرائيلية في عمان

مقتل مسلح وإصابة 3 أفراد أمن بإطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في عمّان

أعلنت قوات الأمن الأردنية، فجر اليوم (الأحد)، مقتل مسلح بعد فتحه النار على عناصر أمن في منطقة السفارة الإسرائيلية بالعاصمة الأردنية عمان.

«الشرق الأوسط» (عمان)
المشرق العربي الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

مع بدء الدورة العشرين لمجلس النواب الأردني، الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

محمد خير الرواشدة (عمّان)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
رياضة عربية منتخب الأردن اكتفى بالتعادل مع الكويت (الاتحاد الأردني)

«تصفيات المونديال»: الكويت تحبط الأردن بالتعادل

فرّط منتخب الأردن في تقدمه بهدف رائع ليزن النعيمات، بعدما سجل محمد دحام في الشوط الثاني ليتعادل 1 - 1 مع مضيفه الكويت.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».