حدود الأردن الشمالية «خاصرة» قلقة تقترب من الحرب المفتوحة

على خلفيتي تطوّرات الجنوب السوري وتهريب المخدرات والسلاح

رصد أمني وعسكري  (خاص بالشرق الأوسط)
رصد أمني وعسكري (خاص بالشرق الأوسط)
TT

حدود الأردن الشمالية «خاصرة» قلقة تقترب من الحرب المفتوحة

رصد أمني وعسكري  (خاص بالشرق الأوسط)
رصد أمني وعسكري (خاص بالشرق الأوسط)

بهدوء وحذر، وبعيداً عن الاستعراض ووسط شح من المعلومات، تخوض القوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي) حرباً مفتوحة ضد ميليشيات تهريب السلاح والمخدرات الآتية من الأراضي السورية، وذلك وسط مخاوف من ارتفاع وتيرة عملياتها مع اقتراب فصل الشتاء، الذي تنشط خلاله الميليشيات مختبئة تحت جناح الظروف الجوية الصعبة للمنطقة المضطربة. وعلى طول الحدود الأردنية المشتركة الممتدة لنحو 370 كلم، ومنذ اندلاع الأزمة الأخيرة في الجنوب السوري، تصاعد القلق من الخطر الآتي من الشمال بعد تمركز ميليشيات تابعة لإيران وحزب الله، والتي بعثت رسائل قلق في أكثر من مناسبة، ما دفع الجيش الأردني لخوض حرب على أكثر من جبهة ضد تلك الميليشيات المحسوبة على النظام السوري من جهة، وضد عصابات تنظيم «داعش» الإرهابي من جهة أخرى.

نُخَب أردنية دعت لضرورة فك الارتباط بين المسارين الأمني والسياسي في التعامل مع الأزمة السورية لقد دفعت تطورات الجنوب السوري، بما فيها تهريب المخدرات والسلاح، الأجهزة العسكرية والأمنية في الأردن إلى دعم جماعات من العشائر والقوى المحليّة المعتدلة في الجنوب السوري المقرّبة من الأردن. ولم يعُد سرّاً أن عمّان أرخت لهم مساعدات في غير مناسبة لمواجهة الخطر المتمثّل في وجود قوى متناحرة داخل سوريا وإيران وجماعاتها و«داعش» وعصاباته، وهما الخصمان اللذان جمعهما مشترك واحد وهو ضرب استقرار الأردن. وحقاً، ذهبت المساعدة الأردنية من خلال وسطاء موثوقين، وكان لهم دور أصيل في تشكيل خطوط دفاع متقدمة. ما يحصل اليوم أخذ أبعاداً جديدة من الحرب على عصابات المخدرات، فعمليات التهريب أخذت طابعاً متطوّراً بعد دخول الطائرات المسيّرة (الدّرون). وإذا كان المعتاد أن تحمل تلك الطائرات مواد مخدّرة، فإن الجديد حملها لمتفجرات الـ«تي إن تي» TNT أسقطتها الدفاعات العسكرية التي تتعامل مع تحرّكات مستمرة واستفزازات قريبة من الحدود، طامعة تلك التحرّكات في الوصول إلى أهداف متقدّمة لتنفيذ مخطّطات إرهابية.

وهنا، يأتي الحديث عن بثّ أخبار مختصرة لحالة الحدود وطبيعة المواجهات مع ميليشيات المخدرات، «ليس كل ما يقوم به الجيش على الحدود الشمالية قابلاً للتداول إعلامياً». ومن هنا يأتي الحذر من التناول الأمني للقضية، حتى وإن أسهب السياسيون في تحليل المشهد وتطوراته.

أجواء تعبئة

لحرب محتملةتقود نخب سياسية وإعلامية جهداً تعبوياً للرأي العام تجاه التطورات في الجنوب السوري. فالكتّاب الصحافيون المقرّبون من دوائر القرار كثّفوا في الآونة الأخيرة من كلامهم حول خطورة الأحداث على الحدود، واحتمالات ارتفاع حدة الحرب على المخدرات لتتضمن مباغتات ومفاجآت. ومن ثم ضمّنوا آراءهم باتهامات ناعمة نحو «لا جدية» النظام السوري في تنفيذ التزاماته الأمنية تجاه ضبط الحدود من جهته، وردع الميليشيات المحسوبة على حلفاء سوريا التي صنعت اقتصاداً متكاملاً من تجارة المخدرات والسلاح، وأصبحت قوى ذات نفوذ واسع.

هذا، وكانت «الشرق الأوسط» خلال الأسبوع الماضي، قد نقلت جانباً من الانطباعات السياسية المنقولة عن مراكز القرار على صفحات قادة الرأي المحليين الذين تكلّموا عن «حالة من عدم الاكتراث السورية لكل حسابات الأردن، ما ولّد استياءً أردنياً رسمياً، من تصرّفات دمشق الرسمية»... وأنه على الرغم من «كل المحاولات لحضّ السوريين على وقف محاولات تهريب السلاح، والمخدّرات، وتموضع تنظيمات وميليشيات قرب الحدود مع الأردن، فإن شيئاً لم يتغير بشكل جذري».

حرب حقيقية...

ومعاقبة للجيران

وخلُص بعض الساسة وقادة الرأي إلى أن هناك «حرباً حقيقية بكامل التعبئة العسكرية يخوضها الأردن وقواته المسلحة بإسناد أجهزته الأمنية على طول الحدود الشمالية والشرقية»، وأن ما يجري على الحدود الشمالية هو «حرب كاملة الأهلية عسكرياً، هي خط دفاع أول وأخير، عن عمق إقليمي يتجاوز النقاط الحدودية الأردنية».

وعلى المنوال ذاته، كتب آخرون ما اعتبروه بـ«البعد السياسي والأمني» لانخراط الحرس الثوري والميليشيات التي تتبعه في عمليات التهريب في محاولة لإزعاج الأردن أمنياً، إضافة إلى «قناعات لدى بعض الأوساط في الحكم في سوريا أن تهريب المُخدّرات إلى الأردن ودول أخرى مُعاقبةً لها على موقفها من النظام السوري في فترة الحرب»، كما اعتبروها «قناعة سورية وإيرانية بأن ملف تهريب المخدّرات ورقة سياسية للطرفين سواءً للضغط السوري في ملف المساعدات من الخليج أو إعادة الإعمار أو إيرانياً للتفاوض حول مصالحها».

هذا الكلام، وإن صدر عن وزير إعلام أردني أسبق هو سميح المعايطة، فإنه شدّد على أن شبكات التهريب ليست «نشاطاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً لسوريا وإيران وميليشيات وحسب، بل هو ورقة للضغط والابتزاز السياسي، ما يؤشّر على أن عمليات التهريب لن تتوقّف في المدى المنظور».

وفي سياق متصل، نُخَب أردنية دعت صراحة على أكثر من منبر لضرورة فك الارتباط بين المسارين الأمني والسياسي في التعامل مع الأزمة السورية؛ لأن كلام دمشق المعتدل سياسياً لا ينعكس على جنوبها أمنياً. وهنا يقول اللواء المتقاعد عودة شديفات إن السياسة لا تتعارض مع أولوية حفظ أمن الأردن وحماية حدوده، حتى لو استدعى الأمر «توجيه ضربات داخل الأراضي السورية وإنهاء الخطر قبل وصوله الحدود».

بالعودة لكلام السياسيين، فقد كان الأكثر تقدّماً في نقده وهجومه لارتخاء النظام السوري ولا جديته في مواجهة نشاط ميليشيات المخدرات في الجنوب السوري، مقال نُشر على حلقتين لعضو مجلس الأعيان (مجلس الملك) محمد داودية. داودية وصف الجنوب السوري بـ«تورا بورا الجديدة»، بعدما أصبحت مركزاً للمخدرات الآتية من إيران عبر العراق إلى سوريا، كما أن سوريا ولبنان يشكلان مركزاً إقليمياً لتصنيع وتوزيع الحبوب المخدّرة بحسب «تقرير الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات».

كذلك، أشار عضو مجلس الأعيان إلى أن مهرّبي المخدّرات والسلاح، يشكلّون رأس الحربة وطليعة حواضن المنظومة الإقليمية للشرّ والإرهاب، التي تعمل في الجنوب السوري منتهزة انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا التي كانت ضامنة لـ«اتفاقية درعا» عام 2018، التي أطرافها الأردن وروسيا وأميركا، وهي الاتفاقية التي أتاحت للنظام السوري بسط سيطرته على المدن والقرى في محافظة درعا.

ويُذكّر أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تنبّه مبكراً إلى تأثير انصراف روسيا إلى حربها مع أوكرانيا على منطقتنا. وقد تحقق تحذير الملك من «تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا»، فـ«الفراغ الذي نجم عن خروج روسيا من سوريا سيملؤه، الإيرانيون ووكلاؤهم».

ولقد أشار داودية إلى ما يوحي بأنها معلومات أمنية بقوله «تتكوّن في جنوب سوريا بالقرب من حدودنا الشمالية، في «ولاية حوران»، بؤرة شر إرهابية قوامها تنظيم «داعش» الذي يأخذ اسمَ تمويهٍ مُضلِلاً هو الغرباء، بدعم من نظام الملالي الإيراني». وأردف أن «النظام السوري فقد السيطرة على إنتاج وتصدير المخدّرات والسلاح والإرهاب؛ لأنه مستفيدٌ من مليارات الدولارات التي تدرّها عمليات الشرّ التي تديرها على الأراضي السورية»؛ إما تهريباً من إيران عبر العراق وإما إنتاجاً في مصانع ومنشآت لا يمكن إخفاؤها، وميليشيات مسلحة تسخّر أبناء الجنوب السوري مقابل الأجر ليقوموا بعمليات التهريب.

عمليات نوعية...

وتطوّر الموقف

لم يعُد خافياً بأن هناك جهداً استخبارياً أردنياً مكّن من تنفيذ طلعتين جويتين أسفرتا عن ضرب مصانع للمخدّرات، وقتل أحد كبار التجار والمهرّبين، وجاء ذلك في وقت بعثت فيه عمّان رسائل جادّة للسوريين بأن التقصير من جانبهم لن يوقف جهود المملكة في مكافحة المخدرات، كما لم يوقف حالة الانفلات التي تشهدها مناطق الجنوب السوري.

صحيح أن المصادر الأردنية لم تعلّق على الأنباء التي تحدّثت عن ضربة جوية من جانبها استهدفت تجمّعاً لمهرّبي المخدّرات المنتشرين في الجنوب السوري، حيث تنشط تجارة وتهريب الكبتاغون الأسبوع الماضي. إلا أن المصادر التي تحدثت إلى «الشرق الأوسط» أكدت «مضي الأردن قدماً في حربه على ميليشيات تهريب المخدرات والسلاح من الأراضي السورية»، مضيفةً أن هناك «قصوراً رسمياً سورياً في مكافحة تصنيع وتجارة المخدرات على أرضه».

وعن الضربة الأخيرة، كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن أن الطلعة الأخيرة جرى «تنفيذها بطائرة مسيرة عن بُعد»، وقد ضربت مزرعة يُعتقد بأنها تضم مصنعاً لإنتاج المخدرات وتخزينها لأحد كبار المهربين، ولكن لم يتسرّب عن تلك العملية معلومات كافية تكشف عن عمق الضربة وأثرها على حركة تهريب المخدرات. وللعلم، تتبّعت «الشرق الأوسط» على موقع (X) للتواصل الاجتماعي بعض الصفحات التي أشارت إلى أن الضربة كانت متوقعة للموقع قبل تنفيذها بأسبوع، وأن تحذيراً تلقاه مَن فيها، ويُعتقد بأن جهات محسوبة على النظام نقلت هذا التحذير عن النظام نفسه.

دور المسيرات (خاص بالشرق الأوسط)

لا جدّية إزاء تنفيذ الالتزامات

لقد غابت الجدية عن السوريين في المضي قدماً في تنفيذ الالتزامات التي أبرمت في اجتماعات اللجنة الوزارية المعنية بالأزمة السورية في اجتماعاتها التي انعقدت في الرياض وعمّان والقاهرة بحضور وزير الخارجية السوري فيصل المقداد.

هذا الأمر أوقع عمّان فيما يمكن وصفه بـ«خيبة أمل» أمام استمرار إدارة الأزمة السورية، ما يؤدي إلى طول أمد معاناة السوريين أمنياً وإنسانياً وسياسياً. وفي تقدير المصادر الأردنية أن السوريين بدأوا التراجع عن تنفيذ الالتزامات المطلوبة بموجب المبادرة الأردنية «خطوة مقابل خطوة»، وترك لقاء الرئيس السوري بشار الأسد مع فضائية «سكاي نيوز» الشهر الماضي، ظلالاً سلبية على مستقبل الالتزام السوري بعد «نفض يده» من المسؤولية عن أزمة المخدّرات والسيطرة عليها.

ما يُذكر أنه في الثامن من مايو (أيار) الماضي، كان الأردن قد نفّذ غارة جوية نادرة، داخل الجنوب السوري وأسفرت عن مقتل أحد زعماء عصابات تهريب المخدرات، وتدمير منشأة مخدرات مهجورة في محافظة درعا (جنوبي سوريا) مرتبطة بـ«حزب الله» اللبناني المدعوم من إيران.

العملية الجوية التي نفّذها سلاح الجو الأردني، ولم تعلق عليها المصادر الرسمية الأردنية بالتأكيد أو النفي وقتها، تزامنت في اليوم ذاته مع تصريح لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قال فيه إن الأردن سيُعلن في الوقت المناسب عن أي خطوة سيتم اتخاذها لحماية الأمن الوطني للمملكة»، وذلك في سياق إجابته عن سؤال في مؤتمر صحافي حول مواجهة قضية تهريب المخدرات من سوريا التي تشكّل تهديداً كبيراً للأردن والمنطقة.

لقد أضحت سلسلة الأخبار عن إحباط عمليات تهريب أسلحة ومخدرات ومتفجرات، إلى جانب إحباط محاولات تسلّل لمجموعات من المسلحين إلى داخل الأراضي الأردنية بعد تطبيق قواعد الاشتباك، واعتقال عدد منهم وفرار آخرين إلى الداخل السوري، خبراً روتينياً يكشف عن حجم القلق الآتي من الحدود، والمخاوف من تطور الأحداث. وبالتالي، تطور الحالة الأمنية العسكرية وما يصاحبها من مخاطر وتداعيات مفتوحة.

التحديات تتزامن مع المباحثات

وفي هذا، يؤكد اللواء المتقاعد عودة شديفات أن التحدّيات المتزايدة على الحدود الشمالية جاءت في وقت تشهد المباحثات السياسية بين البلدين حديثاً صريحاً عن تداعيات أزمة الجنوب السوري وخطر مصانع المخدرات المنتشرة على نطاق واسع، واصفاً التحديات الأمنية في الداخل السوري بأنها عبءٌ ثقيل ومسؤولية كبيرة تتحملها المملكة وحدها، خصوصاً في ظل حالة الفوضى وضعف سيطرة النظام السوري على مناطقه.

المخاوف التي يتحدث عنها اللواء شديفات تدفعه للتعليق على حجم الفوضى الذي قد يستدعي عودة نشاط تنظيم «داعش» الإرهابي لتحقيق أهدافه في ضرب الحدود الأردنية وتنفيذ عمليات انتقامية، معتبراً أن زيادة عمليات التهريب للمخدّرات والسلاح خلال الأسابيع القليلة الماضية يفاقم من مخاوف عودة النشاط الإرهابي بصوره التقليدية. وهذا ما استدعى تغيير قواعد الاشتباك مع خطر الحدود، مع تقدّم واضح في جهود العمليات الاستخبارية التي وفّرت قاعدة بيانات واسعة عن طبيعة نشاط الميليشيات ومصانع المخدّرات المنتشرة، والتي باتت تغطي أكلاف تمويل جماعات محسوبة على إيران و«حزب الله» في إطار خطة إدامة الحرب وحالة اللا استقرار».

من ثم، فإن «غياب الاهتمام السوري الرسمي قد يضع الأردن في خيارات سياسية عسكرية مفتوحة»، بحسب اللواء المتقاعد محمد الرقاد، الذي أضاف أن ذلك سينعكس سلباً على الأمن السياسي والعسكري في المنطقة.

ويؤكد الرقاد أن أمام الجيش العربي الأردني خيارات متعدّدة لحماية الحدود، وقد طور قواعد الاشتباك لمواجهة «حرب المخدرات» التي تجاوزت تهريبها باستخدام تقنيات عسكرية متطورة ضد الطائرات المسيرة التي تهرّب المخدرات والأسلحة والقنابل والمتفجرات، الأمر الذي يترك باب تطور المواجهات العسكرية الميدانية على احتمالات أكثر خطورة.

لقطة من المنطقة الحدودية الأردنية (خاص بالشرق الأوسط

ملف اللاجئين السوريين... وعجز الحكومة عن الاستمرار في الوضع الحالي

> أكد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، الخميس الماضي، أن الأردن يواجه تحدياً كبيراً في تهريب المخدرات من سوريا، وهو مستمر في مواجهته بكل إمكانياته. وخلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الآيرلندي ميهال مارتن في عمّان، قال الصفدي: «إن الأردن سيقوم بكل ما يلزم لدحر هذا الخطر وحماية المجتمع الأردني منه».

بتفكيك بسيط للعبارة الرسمية، فإن ذلك يشي برغبة تعقب واستهدافٍ محتملين قد يطول نشاط العصابات الآتية لاختراق الحدود وحتى المتمركزة في مواقعها في العمق السوري، فالدحر الأردني مفردة يختلف مفادها عن الصدّ.

وباقتضاب، أضاف الصفدي «أن الأردن لن يكون قادراً على استقبال المزيد من اللاجئين». وهنا تأتي قضية اللاجئين على رأس المخاوف الأردنية من خطر تدفق أفواج جديدة من اللجوء السوري مدفوعة بأسباب الحرب وانعدام الاستقرار، لا سيما في ظل التطورات الأخيرة في بعض المناطق السورية، منها السويداء ودير الزور.

وكان الأردن الرسمي قد رفع في الآونة الأخيرة من وتيرة مطالباته في وضع حد للأزمة السورية وتداعياتها على دول الجوار، مصارحاً بأنه تجاوز قدراته في استضافته للاجئين السوريين على أرضه، وأن على المجتمع الدولي، بالتالي، التعامل مع الواقع الإنساني للسوريين. ومن ثم بدأت التصريحات الرسمية تُكثف من دعوتها إلى ضرورة ضمان «عودة طوعية وآمنة للاجئين السوريين»، أمام تفاقم أزمتهم أردنياً على إثر تراجع المساعدات المقدمة لهم وزيادة الضغط على الاقتصاد الأردني.

في هذه المسألة جدال آخر نشأ بين نخب تقليدية ومسؤولين رسميين، فنائب رئيس الوزراء الأسبق ممدوح العبادي طالب بـ«العودة الفورية» للاجئين السورين، وكان النائب السابق نبيل غيشان تمنى كذلك أن تسقط مفردة «طوعية» من القاموس الرسمي الأردني، وذلك في معرض تعليقيهما على تصريحات نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني الصفدي حول ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفورية لإيجاد الظروف «اللازمة لعودة اللاجئين السوريين الطوعية إلى وطنهم، وأن مستقبل اللاجئين السوريين هو في بلدهم وليس في الأردن، ما يوجب تركيز الجهود على توفير متطلبات العودة والعيش الكريم للاجئين في سوريا».

جدير بالذكر، أن الأردن يستضيف أكثر من 1.3 مليون سوري، 10 في المائة منهم يعيشون في المخيمات، بينما هناك أكثر من 150 ألف طالب سوري، مسجلّون في النظام التعليمي الرسمي، ما أدى لعمل أكثر من 200 مدرسة وفق نظام الفترتين.

أيضاً، يتمتع السوريون بإمكانية الوصول للخدمات الصحية؛ إذ تمكن أكثر من 320 ألفاً العام الماضي وحده، من الوصول إلى النظام الصحي. وعلى الرغم من ارتفاع معدل البطالة الذي يصل لـ24 في المائة في الأردن، «قدم الأردن أكثر من 370 ألف تصريح عمل للسوريين، مع وجود أرقام مضاعفة من السوريين الذين يعملون من دون تصاريح.


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تشكّل فرقة جديدة عند الحدود مع الأردن

المشرق العربي جنود إسرائيليون يراقبون الحدود مع الأردن (أرشيفية - الجيش الإسرائيلي)

تقرير: إسرائيل تشكّل فرقة جديدة عند الحدود مع الأردن

قالت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» إن الجيش الإسرائيلي أعلن الأربعاء تشكيل فرقة جديدة ستُكلف بالدفاع عن الحدود الشرقية للبلاد مع الأردن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جلسة مجلس الشعب السوري الأربعاء (سانا)

دمشق ترفع الغطاء عن «دوائر الظل المالية»

في مفاجأة أخرى من العيار الثقيل، كشفت وسائل الإعلام المحلية عن تصويت مجلس الشعب السوري، الأربعاء، على منح الإذن بالملاحقة القضائية بحق عضوين في المجلس.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الخليج الأمير محمد بن سلمان لدى اجتماعه مع الملك عبد الله الثاني في الرياض أمس (واس)

السعودية والأردن: وقوف كامل مع فلسطين ولبنان

شدد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أمس، على «الوقوف الكامل إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج ولي العهد السعودي يستقبل العاهل الأردني وولي عهده في الرياض (واس) play-circle 00:35

ولي العهد السعودي يستقبل العاهل الأردني في الرياض

استقبل الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، اليوم الثلاثاء، العاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين، وولي عهده الأمير الحسين بن عبد الله.

المشرق العربي جنود إسرائيليون يقومون بعملية تمشيط قرب منتجع على البحر الميت اليوم الجمعة (أ.ف.ب)

تسلّل «إخواني» يزيد التوتر بين إسرائيل والأردن

رفعت عملية تسلّل لمسلّحَين اثنين جنوب البحر الميت، ومحاولة استهداف جنود إسرائيليين، منسوب التوتر في العلاقات الأردنية - الإسرائيلية، المتأزمة أصلاً على خلفية.

محمد خير الرواشدة (عمّان ) «الشرق الأوسط» (غزة - تل أبيب - واشنطن)

تايي أتسكي سيلاسي... دبلوماسي مخضرم عضد موقف إثيوبيا دولياً في أزمة التيغراي

 تايي أتسكي سيلاسي
تايي أتسكي سيلاسي
TT

تايي أتسكي سيلاسي... دبلوماسي مخضرم عضد موقف إثيوبيا دولياً في أزمة التيغراي

 تايي أتسكي سيلاسي
تايي أتسكي سيلاسي

منصب رئيس الجمهورية في إثيوبيا شرفي، لا يتمتع شاغله بأي صلاحيات تنفيذية، وفقاً للدستور، الذي يعدّه رمزاً لوحدة الدولة وسيادتها. لكن مع ذلك، يرى مراقبون ومحلّلون أن خبرات تايي أتسكي سيلاسي، التي تمتد لما يزيد على 4 عقود في العلاقات الدولية، وتوافقه مع آبي أحمد رئيس الوزراء و«رجل إثيوبيا» القوي، من المزايا التي تؤهله للعب دور مؤثر في المشهد السياسي، لا سيما في مجالات حلِّ النزاعات الداخلية وتحقيق الوحدة الوطنية. وهذا، دون شك، تَوقُّع مبرّر لدى النظر إلى دوره في تعضيد موقف بلاده في الأمم المتحدة خلال أزمة إقليم التيغراي، ودعوته أخيراً لحوار مع مصر بشأن ملف «سد النهضة» المعقّد.

مسيرة دبلوماسية

وُلد تايي أتسكي سيلاسي يوم 13 يناير (كانون الثاني) 1956 في بلدة ديبارك، الواقعة في منطقة شمال غُندر بإقليم الأمهرة، الذي يُعَدَّ القلب السياسي والتاريخي لإثيوبيا، ويضم أبرز المجموعات العرقية النافذة في البلاد. وتلقَّى تعليمه العالي متخصصاً بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتخرَّج في جامعة أديس أبابا، ثم تابع دراسته الأكاديمية بالحصول على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة لانكستر البريطانية.

خدم تايي أتسكي سيلاسي بلاده في عدد من المحافل الدولية بصفته دبلوماسياً، وبدأ مسيرته العملية فور تخرجه بالعمل في وزارة الخارجية الإثيوبية، إذ شغل مناصب عدة من بينها مستشار إدارة أوروبا الغربية، ثم أصبح رئيساً لتلك الإدارة. وشملت أولى مهامه الدبلوماسية العمل في سفارتَي بلاده في استوكهولم وواشنطن.

كذلك، عمل تايي قنصلاً عاماً لإثيوبيا في مدينة لوس أنجليس بالولايات المتحدة، ثم مديراً لشؤون أوروبا والأميركتين. وشغل منصب سفير فوق العادة في سفارة إثيوبيا لدى مصر في الفترة ما بين عامَي 2017 و2018، وهو المنصب الذي يجعل البعض يتوقَّع منه لعب دور بارز في الفترة المقبلة، لا سيما مع ظل النزاع بين القاهرة وأديس أبابا بشأن «سد النهضة».

بعد ذلك، وفي عام 2018 مثَّل الرجل إثيوبيا في الأمم المتحدة بصفته ممثلها الدائم في نيويورك، إبّان فترة من أكثر الفترات اضطراباً في تاريخ إثيوبيا، وحينذاك لعب دوراً محورياً في الرد على الانتقادات الدولية لأديس أبابا خلال الصراع في إقليم التيغراي.

في عام 2023، عمل رئيس الجمهورية الجديد (68 سنة) مستشاراً للسياسة الخارجية لرئيس الوزراء آبي أحمد، ما قرّبه أكثر من دوائر الحكم والسلطة. وبالفعل، خلال الأشهر الأخيرة، وتحديداً منذ فبراير (شباط) الماضي، أدار تايي ملف السياسة والعلاقات الخارجية لبلاده بصفته وزيراً للخارجيّة، وبرز اسمه عبر تصريحات إعلامية في مختلف الملفات، قبل أن ينتخبه البرلمان رئيساً لإثيوبيا خلفاً لسهلي ورق زودي التي غدت عام 2018 أول امرأة تتولى هذا المنصب.

انتخابه رئيساً

وحقاً، أعلن رئيس البرلمان الإثيوبي تاغيس شافو، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، «انتخاب تايي أتسكي سيلاسي رئيساً جديداً لجمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية، مع امتناع 5 نواب فقط عن التصويت». وأدى الرئيس المنتخب اليمين الدستورية بحضور رئيس الوزراء آبي أحمد، قبل أن تسلمه الرئيسة المنتهية ولايتها الدستور.

تايي أتسكي سيلاسي... دبلوماسي مخضرم

عضد موقف إثيوبيا دولياً في أزمة التيغراي، ودعم هذه التكهنات منشور «مُبهم» للرئيسة المنتهية ولايتها عبر حسابها على «إكس»، أشارت فيه إلى «التزامها الصمت طوال سنة كاملة». وقد نقلت الـ«بي بي سي الأمهرية» (خدمة هيئة الإذاعة البريطانية باللغة الأمهرية) عن مصادر قريبة من زودي قولها إنها «لم تكن سعيدة... بل كانت تنتظر بفارغ الصبر نهاية فترة ولايتها».

انتقادات للرئيسة السابقة

ويشار إلى أن المرأة التي ترأست إثيوبيا بعد أشهر من تولي آبي أحمد رئاسة الوزراء، وجّهت خلال فترة رئاستها دعوات عدة للسلام في جميع أنحاء البلاد، بيد أنها تعرّضت لانتقادات بحجة أنها «لم تتكلّم أكثر عن العنف القائم على النوع الاجتماعي طوال الحرب التي استمرّت سنتين في التيغراي».

مقابل ذلك، في خطابه الأول بصفته رئيساً منتخباً، دعا تايي إلى بناء «سلام شامل مستدام»، والحفاظ على النظام الدستوري، و«سيادة القانون». وقال: «إن عملية الحوار الوطني في إثيوبيا تظهر التزام البلاد بضمان السلام في جميع الجوانب».

ثم عبر استغلال خبراته الدبلوماسية، أشار الرئيس الجديد إلى «بذل جهود لتعزيز علاقات بلاده مع دول الجوار لزيادة المصالح الوطنية»، متعهداً بـ«الاهتمام بالعمل ذي المنفعة المتبادلة فيما يتعلق بالسلام والأمن والقضايا الاقتصادية من خلال التعاون الإقليمي». وأيضاً، أكد أن بلاده «ستواصل تعزيز جهودها لتحقيق رغبتها في التطور والنمو معاً في المنطقة».

أوضاع القرن الأفريقي

لم يغفل تايي أتسكي سيلاسي في خطابه ذاك منطقة القرن الأفريقي، التي شهدت توتراً في الفترة الأخيرة، وتكلّم عمّا وصفها بـ«دبلوماسية إثيوبية مفتوحة ومتسقة لإحلال السلام في القرن الأفريقي... بما في ذلك حل الصراع في السودان». وذهب أبعد، متعهداً بأن «تلعب أديس أبابا دوراً مهماً في ضمان السلام والأمن في القرن الأفريقي». وأردف قائلاً: «سنعمل على زيادة نفوذ إثيوبيا وتأثيرها الإيجابي في (منظمة) بريكس، وسنعزز التعاون مع الاتحاد الأفريقي والمؤسسات الدولية».

هذه التصريحات شجَّعت المراقبين على اعتبار انتخابه «فصلاً جديداً في تاريخ البلاد»، وبالأخص، في ظل ما تواجهه إثيوبيا من انقسامات داخلية وتحدّيات اقتصادية وصراعات سياسية مع دول الجوار.

مُدافع شرس عن الحكومة

لقد دافع تايي بقوة عن موقف حكومته إبّان الصراع بين قوات الحكومة الاتحادية من جهة، ومقاتلي «الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي»، من جهة أخرى.

وأيضاً قال، أمام مجلس الأمن الدولي في منتصف عام 2021، وكان حينذاك سفيراً لبلاده لدى الأمم المتحدة، إن «طريقنا إلى الحوار والحل السياسي لن تكون مباشرة أو سهلة»، مضيفاً: «نركز في الوقت الحالي على كبح جبهة تحرير التيغراي، وعلى عمليات الإنقاذ، والوصول إلى مواطنينا الذين يعانون بشدة». وتحدّى الأمم المتحدة عندما أعلن رفض أديس أبابا أن يبحث المجلس النزاع في التيغراي، متذرّعاً بأنه «شأن داخليّ».

كذلك انتقد تايي تقارير الأمم المتحدة التي تحدَّثت عن «مجاعة تهدد الإقليم»، قائلاً: «نحن نختلف بشكل قاطع مع تقييم المنظمة الدولية بشأن المجاعة»، وإن الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية «لم تجمع هذه البيانات بطريقة شفافة وشاملة». وأضاف أن أديس أبابا «أتاحت الوصول إلى التيغراي من دون قيود، وهي ممتنة لوصول المساعدات الإنسانية الدولية، إلا أن الوضع في الإقليم لا يستدعي اهتمام مجلس الأمن».

وهنا، يشار إلى أن رئيس الوزراء آبي أحمد، كان قد أمر بشنّ هجوم عسكري واسع على إقليم التيغراي (شمال إثيوبيا) لنزع سلاح قادة «الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي»، الحزب الحاكم في الإقليم، في حين أدّت أعمال العنف إلى قتل آلاف المدنيين وإجبار أكثر من مليونَي شخص على ترك منازلهم.

قضية «سد النهضة»

ملف آخر برز فيه اسم الرئيس الجديد أخيراً، لا سيما أنه سبق له شغل منصب وزير الخارجية، إذ بدأ يلعب دوراً لافتاً في أزمة «سد النهضة» الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وتخشى مصر أن يؤثر في حصتها من المياه.

والمعروف أن هذه الأزمة ما زالت تراوح في مكانها بعد عقد من المفاوضات التي انتهت دون نتيجة، وقد دفعت مصر للجوء لمجلس الأمن الدولي غير مرة.

في أغسطس (آب) الماضي، دعا تايي أتسكي سيلاسي، الذي كان وقتها وزيراً للخارجيّة الإثيوبية، مصر إلى «تجاوز الخلافات». وأعلن أن «أبواب بلاده مفتوحة للحوار والتفاوض معها؛ لإنهاء ملف الخلافات بشأن سد النهضة».

الدعوة هذه جاءت بعد تفاقم الخلافات مع الصومال على خلفية توقيع أديس أبابا «مذكرة تفاهم» مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، خلال يناير الماضي، وتعترف بموجبها أديس أبابا باستقلال الإقليم مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

هذه الاتفاقية رفضها الصومال ودول عربية عدة. وأعلنت مصر دعمها للصومال، وأرسلت مساعدات عسكرية لمقديشو، كما أنها تعتزم المشارَكة في قوات حفظ السلام في الصومال.

وعلى غرار دعوة تايي للحوار مع مصر بشأن أزمة «سد النهضة»، فإنه استخدم نهجاً مماثلاً حيال الأزمة مع الصومال عبر تشديده على أن «الخلافات يجب أن تحل عبر المفاوضات». لكن خطابه حمل، في الوقت ذاته، إشارات عدائية تجاه القاهرة عبر مطالبته بـ«الإحجام عن الاستعانة بقوى خارجية لتهديد أمن بلاده».

والحال، أن إثيوبيا عدّت تقديم مصر مساعدات عسكرية للصومال أمراً «يرقى إلى مستوى تدخل خارجي»، بحسب بيان لوزارة الخارجية في أغسطس الماضي.

من ناحية ثانية، ما كان اهتمام تايي أتسكي سيلاسي بملف «سد النهضة» مرتبطاً بشغله حقيبة الخارجية، لكنه كان محوراً من محاور كلمته الأولى أمام البرلمان عقب أدائه اليمين الدستورية رئيساً لإثيوبيا. وهو في أي حال أكد «اكتمال بناء السد وجولته الخامسة من الملء»، وتابع: «السد يمثل معلماً رئيسياً في رحلة التنمية في البلاد». ختاماً، لكون تايي دبلوماسياً محترفاً ومحنكاً، فهو يشدد باستمرار على أهمية دور إثيوبيا في تحقيق السلام والأمن الإقليميَّين، ويعوّل مراقبون على خبرته سفيراً سابقاً لدى مصر، وممثلاً لبلاده لدى الأمم المتحدة «لتعزيز مصالح أديس أبابا على الساحة الدولية». غير أنهم يتساءلون، في الوقت عينه، عمّا إذا كان سيتجاوز صلاحيات منصبه الشرفية، ويسهم في الحل العملي للنزاعات الداخلية والإقليمية، عبر التزام شعارات الوحدة والحوار، وفي خضم تحديات عدة تواجهها بلاده اقتصادياً وسياسياً. يتولى تايي رئاسة إثيوبيا بعد فترة سادت فيها تكهنات عدة بشأن خلاف

بين رئيسة الجمهورية سهلي ورق زودي ورئيس الحكومة آبي أحمد