بريس أوليغي نغيما... «جنرال الظل» الغابوني

احتضنه «الأب» وأطاح «الابنَ» بينما كان يُعد «الحفيد» للرئاسة

بريس أوليغي نغيما... «جنرال الظل» الغابوني
TT

بريس أوليغي نغيما... «جنرال الظل» الغابوني

بريس أوليغي نغيما... «جنرال الظل» الغابوني

عندما استيقظ العالم، صباح 30 أغسطس (آب) الماضي، على بيان يعلن الإطاحة بحكم علي بونغو، رئيس الغابون، لم ير أحدٌ وجه ذلك الجنرال القوي الذي قرّر الإطاحة بالرئيس. ربما كان يقف في الظل يرتّب مصير الرئيس وأسرته، ويصدر الأوامر لأولئك الذين سارعوا بالوقوف أمام الكاميرات، فذلك الجنرال الشاب، الذي عرف العالم بعده أن اسمه بريس أوليغي نغيما، كان واحداً ممن اعتادوا البقاء في الظل. رجل يتكلم بهدوء، ولا ينفعل إلا نادراً، إلا أنه فجأةً قرّر التمرد على كل ذلك، فأنهى، في ليلة واحدة، حياته السابقة، وقرّر أن يتصدر المشهد، في واحدة من أغنى البلدان في أفريقيا، وأفقرها شعوباً.

ليلة الانقلاب في الغابون، ظهر رجل البلاد «القوي» الجديد مُنهياً حكم «أسرة بونغو»، الذي استمر نحو 55 سنة، وللعِلم، يمتُّ الجنرال بريس أوليغي نغيما لهذه الأسرة بصلة قرابة... والأهم أنه يَدين لهم بالولاء، وخصوصاً إلى الرئيس عمر بونغو (الأب)، الذي كان نغيما أحد أقرب رجاله وظلّ مرافقاً له حتى لحظات عمره الأخيرة.

بيد أن علي، الرئيس الابن، لم يُكنّ للضابط الصاعد بسرعة على سُلّم الرتب العسكرية والنفوذ، مشاعر الود نفسها، إذ إنه كان قد أبعده لعقد كامل، ثم أعاده فجأة، لتبدأ العلاقة بين الرجلين فصلها الدرامي الأكثر إثارة.

البداية والنشأة

اسم «الجنرال» الكامل بريس كلوتير أوليغي نغيما، وهو من مواليد عام 1975 في مقاطعة أوت أوغوي، في أقصى جنوب شرقي الغابون، على الحدود مع جمهورية الكونغو (الكونغو - برازافيل)، وهي المقاطعة التي ينحدر منها بونغو.

لم يعانِ بريس الفقر والحاجة مثل كثيرين غيره من أطفال الغابون؛ لكون أسرته ميسورة الحال ومقرَّبة من أسرة بونغو، فأمه هي ابنة عم الرئيس المخلوع علي بونغو، ونشأ بوصفه واحداً من أبناء الأسرة الأقوى في البلاد، وسار على خطى والده، وواصل مسيرته المهنية في الجيش.

وفي سن مبكرة، انضم إلى وحدة الحرس الجمهوري، التي هي التنظيم العسكري الأقوى في الغابون، بعدما درس في الأكاديمية العسكرية الملكية المرموقة في مكناس بالمغرب، مُحاطاً بدعم أسرة الرئيس وثقتهم. وتقدّم بسرعة في مساره العسكري، مرتقياً سُلَّم المناصب، حتى أصبح مساعداً للرئيس (الأب) عمر بونغو، الذي حكم الغابون 41 سنة. وطوال الفترة التي أمضاها نغيما من عام 2005، حتى وفاة الرئيس الأب عام 2009 في أحد مستشفيات مدينة برشلونة الإسبانية، كان الضابط الشاب يُعامَل بوصفه أحد أفراد الأسرة الحاكمة.

ولكن في حين كان نغيما ينتظر مكافأة إخلاصه وتفانيه في خدمة الرئيس الأب، فيحقق مزيداً من الصعود في عهد «الوريث الابن» علي، لم يجد الضابط الشاب من الأخير سوى الفتور والإبعاد، ذلك أن الرئيس الجديد أقصاه عن الدائرة الداخلية المقرَّبة منه، وإن اتخذ ذلك الإقصاء شكل الترقية ليصبح ملحقاً عسكرياً في سفارتي الغابون بالمغرب والسنغال. غير أن الرحلة التي طالت لنحو 10 سنوات كانت كافية لأن ينسى الغابونيون - أو على الأقل النخبة الحاكمة فيها - وجه ذلك الضابط الذي اعتاد الجميع رؤيته قريباً من الرئيس التاريخي للبلاد.

لقد بقي الضابط نغيما متنقلاً بين الرباط وداكار، ينعم بسنوات دون أحداث تُذكَر؛ لا في حياته، ولا في تاريخ بلاده، بينما كان الرئيس علي بونغو ينتقل من فترة حكم إلى أخرى، ولا شيء تقريباً يتغير، إلى أن جاءت لحظة العودة مجدداً إلى المشهد، وكان ذلك عام 2018.

العودة إلى الأضواء

في أكتوبر (تشرين الثاني) 2018، استُدعي نغيما إلى الغابون، ليحلّ محل العقيد فريديريك بونغو (الأخ غير الشقيق للرئيس) على رأس «جهاز استخبارات الحرس الجمهوري»، التي تُعرَف رسمياً باسم «المديرية العامة للخدمات الخاصة (DGSS)».

ربما لا يعرف أحد تفاصيل الخلاف الذي وقع بين علي بونغو وأخيه غير الشقيق، لكن المؤكَّد أن الرئيس، الذي تعرَّض، في ذلك العام، لجلطة دماغية عجّلت بنقله إلى المستشفى العسكري في العاصمة المغربية لتلقّي العلاج، بحث في دفاتره القديمة عمّن يمكن الوثوق به في ذلك الموقع الخطير، فبرز اسم بريس نغيما.

من جهة ثانية، لعلَّ الرئيس ظنّ أن 10 سنوات من الابتعاد كافية لأن يدرك الضابط الشاب كثيراً من الحقائق، وقد يشعر بالامتنان للرئيس الذي أعاده مجدداً إلى الأضواء. وحقاً، عاد نيغما جنرالاً متحمساً للعمل، فكرّس حياته للحفاظ على نظام الرئيس علي بونغو، مستعيداً ثقته سريعاً، ومرتقياً بالسرعة نفسها إلى أعلى المواقع العسكرية.

إذ بعد أشهر معدودة على عودة نغيما إلى الغابون، عُيّن رئيساً للحرس الجمهوري، وما إنْ تسلَّم مهامّه حتى عزّز نظام الحماية الخاص بعلي بونغو، إلا أن الإصلاح الأكثر أهمية الذي قام به، كان تطوير «قسم التدخلات الخاصة» (وحدة خاصة وُضعت تحت السلطة المباشرة للرئيس)، التي رفع عدد أفرادها من نحو ثلاثين إلى أكثر من 300 عنصر. ووصل به الأمر إلى أن ألّف نشيداً لهذه الوحدة، يكرِّر الجنود فقراته بحماس، وخصوصاً البيت الذي يقول «سأدافع عن رئيسي بشرف وإخلاص».

مرحلة اتساع النفوذ

في تلك الفترة، اتسع نطاق نفوذ الجنرال القوي، ولم يقتصر على قوات الحرس الجمهوري التي زاد من قوتها وتسليحها، بل عمل - وفق شهادات قدَّمها مقرَّبون من نغيما، لوسائل إعلام غربية؛ منها وكالة «أ.ف.ب» الفرنسية - على مدّ نفوذه إلى بقية قطاعات الجيش، فازدادت شعبيته في صفوف القوات المسلَّحة، بعدما أقنع الرئيس بونغو بتحسين الأحوال المعيشية وظروف العمل للجنود، وذلك بتطوير المنشآت وتمويل مدارس لأبناء الجنود.

لكن نغيما حافظ، حتى ذلك الحين، على موقعه بوصفه «رجل الظل»، الذي يستشعر الجميع سطوته، دون أن يسمعوا صوته. وبعكس الوتيرة التي كانت تسير بها حياة الجنرال نغيما على مدى السنوات العشر التي أمضاها خارج بلاده، سارت السنوات الأخيرة حافلة بالأحداث. وباعتباره حجر الزاوية في جهاز أمن نظام الرئيس بونغو، أخذ يراقب عن كثب ما يجري في نهر السياسة، الذي لا يبعد كثيراً في دولة مثل الغابون عن أعين الجيش والمؤسسات الأمنية.

كان الرئيس علي بونغو، الذي تركت الأزمة الصحية التي واجهها قبل سنوات آثاراً واضحة على قدرته على الكلام والحركة، يواجه معارضة متنامية، سواء من الأحزاب أم في الشارع. وتمنَّى كثيرون - ربما بينهم الجنرال نغيما - ألا يترشح لفترة رئاسية ثالثة، وكانوا يأملون أن يوافق على أن يلعب دوراً في تأهيل «وريث» جديد من أسرة بونغو. ووفق موقع «موند أفريك» الفرنسي، جرى تكليف نغيما بمساعدة نجل علي بونغو؛ نور الدين بونغو فالنتان، من أجل الاستعداد لخلافة والده، لكن الرئيس اتخذ قراره بخوض الانتخابات المثيرة للجدل، رغم كل المحاذير، وكان هذا الفصل الأخطر من علاقته الدرامية مع الجنرال الطامح.

محطة مصيرية

أُجريت الانتخابات يوم 26 أغسطس (آب) المنصرم، وأُعلن فوز الرئيس بفترة رئاسية ثالثة ليلة الـ30 من ذلك الشهر. في حينه ربما كان الرئيس يفكر في استدعاء جنراله القوي ورئيس حرسه الجمهوري، ليناقش معه خطط التحضير لحفل تنصيب كبير يغطي به على احتجاجات المعارضة وغضب الشارع والاتهامات بتزوير الانتخابات.

ولكن بعد ساعات من إعلان نتيجة الانتخابات، جاء الجنرال نغيما بلا دعوة، وبوجه غير الذي اعتاد بونغو أن يراه.

في تلك اللحظة لم يكن الجنرالُ الحارسَ المؤتمَن على أمن الرئيس والنظام برُمّته، بل الرجل الذي قرر أن يُنهي 55 سنة من حكم الأسرة التي عاش في كنفها كل سنوات عمره، وحكمت بلاده لأكثر من نصف قرن.

في صباح الأربعاء الباكر، الموافق 30 أغسطس، أعلنت مجموعة من ضباط الجيش الغابوني، عبر التلفزيون الرسمي، الاستيلاء على السلطة، وإلغاء الانتخابات، وإغلاق الحدود حتى إشعار آخر... بعدها بساعات أعلنوا عن إخضاع الرئيس علي بونغو لـ«الإقامة الجبرية»، ثم إحالته لـ«التقاعد».

رغم كل الانتقادات وحملات الهجوم ضد الخطوة التي اتخذها «جنرال الظل الغابوني»، فإنه لم يتراجع. وبعدما ظهر الرئيس في فيديو مسرَّب وهو يستغيث بـ«أصدقاء الغابون» للتحرّك وإنقاذه، كان تحرك الجنرال أسرع، فتوارى الرئيس تماماً عن الأنظار، بينما ظهر رجل بزيٍّ عسكري وقبعة خضراء، وجنود يرفعونه في الهواء وهم يهتفون له.

الجنرال نغيما، الذي اختاره قادة الأجهزة العسكرية والأمنية في الغابون ليكون رئيساً للفترة الانتقالية التي لم تتحدد في البلاد، أكد، في مقابلة مع صحيفة «لوموند» الفرنسية، أن الرئيس بونغو «متقاعد ويتمتع بجميع حقوقه، مثل أي شخص آخر». وعند سؤاله «هل ترى نفسك رئيساً جديداً لدولة الغابون؟» أجاب «لم أعلن نفسي بعدُ، ولا أفكّر في أي شيء في الوقت الراهن». وحول الإعداد لهذا الانقلاب، وما إذا كان قد بدأ قبل فترة طويلة... أم أن نتائج انتخابات 26 أغسطس، وإعلان فوز الرئيس بونغو، هما ما دفع ضباط الجيش للتحرك، قال نغيما «أنتم تعلمون أنه يوجد استياء في الغابون، وبعيداً عن هذا الاستياء، هناك مسألة مرض رئيس الدولة... الجميع يتكلّم عن ذلك الأمر، لكن لا أحد يتحمل المسؤولية... وليس لديه (أي الرئيس) الحق بالبقاء في منصبه لولاية ثالثة. لقد حدث تجاهل للدستور. وطريقة الانتخابات بحد ذاتها لم تكن جيدة، لذا قرّر الجيش طيَّ الصفحة، وأن يرتقي إلى مستوى مسؤولياته».

الوجه الآخر

اللافت أن الجنرال نغيما ورفاقه من قادة الانقلاب لم يبنوا تبريرهم الإطاحة بحكم بونغو، على قضية الانتخابات وحدها، بل سعوا إلى مغازلة الشارع عبر اعتقال عدد من الشخصيات والمسؤولين المتنفّذين في النظام، الذين وُجّه إليهم عدد من التهم؛ من بينها «الخيانة العظمى»، و«اختلاس أموال الدولة».

كانت هناك انتقادات طالت بونغو بسبب اقتصاد البلاد المتهالك، رغم الثروات التي تزخر بها، فالغابون واحدة من أغنى الدول في أفريقيا من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى عائدات النفط، وقلة عدد السكان البالغ 2.3 مليون نسمة. النفط يشكل 60 في المائة من إيرادات البلاد، وبهذا تُعدّ سابع أكبر منتج له في أفريقيا، كما أنها عضو بمنظمة «أوبك».

في المقابل، يعيش فرد واحد، من أصل كل 3، تحت خط الفقر، وما يقرب من 40 في المائة من الغابونيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة عاطلون عن العمل، وفقاً لـ«البنك الدولي».

هذه ما كانت المرة الأولى التي يستخدم فيها نغيما قضايا الفساد وسيلة لكسب الشعبية، بل بعد فترة قصيرة من تولّيه رئاسة الحرس الجمهوري، أطلق عملية «الأيدي النظيفة»، الهادفة إلى تعقُّب الفاسدين والمختلسين، ولقيت هذه الحملة ترحيباً شعبياً، ولم يتصور أحد أن الجنرال القويّ الداعي إلى اجتثاث الفساد والفاسدين من الدولة، كان يواجه شخصياً اتهامات جدية باختلاس المال العام. فوفقاً لتحقيق مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد «OCCRP» لعام 2020، فإن الجنرال يمتلك عدداً من العقارات في الولايات المتحدة، وكان قد اشترى نقداً، بين عامي 2015 و2018، 3 منازل في ضواحي العاصمة الأميركية واشنطن بمبلغ يفوق المليون دولار، كما ساعد أيضاً في توسيع أعمال بونغو الخارجية. وعندما سُئل عن هذه التعاملات، قال إنها «شأن خاص».

حجارة «الدومينو»

اليوم، لم يعد بريس أوليغي نغيما مجرد «جنرال ظل» يتكلّم بصوت هادئ، ويسعى دائماً إلى التوافق - كما يصفه مقرَّبون منه - بل غدا واحداً من جنرالات أفريقيا الأقوياء، الذين لم يكتفوا بإثارة عاصفة من التغيير في دولهم، بل سيَّروا موجة أقرب إلى سقوط أحجار «الدومينو» على رقعة النفوذ الدولي في القارة السمراء.

الغابون أضحت الدولة السادسة الناطقة بالفرنسية، التي تقع تحت الحكم العسكري، في السنوات الثلاث الماضية. وبينما يكافح المستعمرون القدامى لتلك الأراضي الشاسعة من أجل الحفاظ على بقايا نفوذ تلتهمه تحركات منافسيهم المتسارعة، تحترق أوراق «أفريقيا الفرنسية» بأيدي جنرالات الحرس الجمهوري.


مقالات ذات صلة

قرضان للمغرب لـ«تحسين الحوكمة الاقتصادية»

شمال افريقيا عزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية (الشرق الأوسط)

قرضان للمغرب لـ«تحسين الحوكمة الاقتصادية»

قال البنك الأفريقي للتنمية، الجمعة، إنه قدّم للمغرب قرضين بقيمة 120 مليون يورو (130 مليون دولار) لكل منهما؛ بهدف تمويل منطقة صناعية.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
يوميات الشرق خبير تونسي يتفقد مزرعة تين شوكي موبوءة بالحشرات القرمزية في صفاقس بتونس في 19 يوليو 2024 (رويترز)

الحشرة القرمزية تصيب محاصيل تونس من التين الشوكي (صور)

الحشرة أصبحت تشكل تهديداً كبيراً لمحصول التين الشوكي لأنها تدمر مساحات واسعة من المزارع وتثير قلقاً اقتصادياً كبيراً منذ اكتشافها في تونس لأول مرة عام 2021.

«الشرق الأوسط» (تونس)
أفريقيا انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

انزلاق التربة في جنوب إثيوبيا يتسبب في مقتل نحو 229 شخصاً

لقي قرابة 150 شخصاً حتفهم جراء انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة في جنوب إثيوبيا، وفق ما أفادت به السلطات المحلية، الثلاثاء، محذّرة من أن العدد مرشح للارتفاع.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
شمال افريقيا المرشح الرئاسي المعارض لطفي المرايحي (موقع حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري)

السجن لمرشح رئاسي ومنعه من الترشح مدى الحياة في تونس

أصدرت محكمة تونسية، اليوم الجمعة، حكماً بسجن المرشح الرئاسي المعارض، لطفي المرايحي، 8 أشهر ومنعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية مدى الحياة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح المعارض بيرام الداه ولد أعبيد (الشرق الأوسط)

مرشح معارض يرفض نتائج انتخابات موريتانيا

دعا المرشح الرئاسي المعارض في موريتانيا، بيرام ولد الداه ولد أعبيد، اليوم الخميس، سلطات البلاد إلى الحوار لنزع فتيل الأزمة السياسية.

«الشرق الأوسط» (نواكشوط)

«حزب ترمب الجمهوري»... جديد الأولويات ومتعدد الأعراق

الرئيس ترمب وزوجته ميلانيا وجي دي فانس وزوجته أوشا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)
الرئيس ترمب وزوجته ميلانيا وجي دي فانس وزوجته أوشا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)
TT

«حزب ترمب الجمهوري»... جديد الأولويات ومتعدد الأعراق

الرئيس ترمب وزوجته ميلانيا وجي دي فانس وزوجته أوشا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)
الرئيس ترمب وزوجته ميلانيا وجي دي فانس وزوجته أوشا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)

> أورين كاس، المستشار الاقتصادي السابق لحملة المرشح الجمهوري الرئاسي السابق السيناتور ميت رومني الرئاسية، توقّع في سنوات سابقة «نشوء تيار محافظ متعدّد الأعراق منسجم مع الطبقة العاملة كأساس لحزب جمهوري فعلي، يمكن أن يحقق غالبية حاكمة دائمة». لكنه قال بالأمس إن ما سمعه مجتمع الأعمال في وول ستريت، في مؤتمر الحزب «ينبغي أن يُشعرهم بالفزع والقلق العميقين».

وحقاً، يرى مراقبون ومحللون أن ما يجري اليوم من تغييرات على بنية الحزب الجمهوري الأميركي وخطابه، هو نتيجة تلاقي التغيّرات الاقتصادية والديموغرافية والثقافية، بما في ذلك الحركة العمالية الصاعدة حديثاً، التي يجد الحزب الجمهوري نفسه منجذباً إليها بشكل متزايد، على الأقل اسمياً. وهذا التطوّر، خاصة، أدى إلى تسريع مغازلته لها، من خلال محاولته تجديد نفسه عبر خطاب شعبوي. وهنا يعلق النائب الجمهوري اليميني جيم جوردان موضحاً: «أعتقد أن الرئيس ترمب جعل حزبنا كما كان ينبغي أن يكون عليه دائماً... حزب شعبوي متجذّر في المبادئ المحافظة».

في وضع كهذا، كان جي دي فانس هو الخيار الأكثر تميّزاً الذي يمكن أن يتخذه ترمب، من أجل الدفع بخطابه السياسي ومحاولته توسيع «الترامبية» السياسية على المدى الطويل. وحقاً، بعد ما يقرب من تسع سنوات، تحول ترمب إلى الوجه الوحيد للسياسة الجمهورية والزعيم بلا منازع لحركة «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى».

ومن جهة ثانية، مع اختيار ترمب لفانس، بدا أنه يدفع به ليكون طليعة القيادة السياسية الجديدة والشابة للحزب الجمهوري، رافعاً إياه إلى مكانة بارزة على المستوى الوطني في حركة سياسية كانت تختمر على اليمين منذ عدة سنوات.

تسمية فانس لنيابة الرئيس خلال فعاليات المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الأميركي في ميلووكي (سي إن إن)

ومع تعريف نفسه بأنه عضو في «يمين ما بعد الليبرالية»، بات فانس أول مرشح جمهوري لمثل هذا المنصب الرفيع، يعلن انتماءه لهذا التيار الجديد. وفي حين يشترك أتباع «ما بعد الليبرالية» في الاهتمام ببناء مجتمعات قوية، وبسياسات اقتصادية حمائية قد تساعد في كسب تأييد البيئات العمالية التي مزّقها نقل وظائف التصنيع إلى الخارج، فإنهم يضيفون أيضاً ثقلاً فلسفياً إلى هجوم ترمب على «الدولة العميقة». وفي ظل القيد الدستوري الذي يمنع أي شخص من تولي الرئاسة الأميركية أكثر من فترتين، فرضت هذه الفترة القصيرة أهمية إضافية إلى مسألة ما سيأتي بعد ذلك بالنسبة لـ«الترامبية»، الحركة التي ارتبطت بترمب الذي نجح في تحويل الحزب الجمهوري بشكل كامل. وبالتالي، من المنطقي، أن جي دي فانس، ابن الـ39 سنة، سيكون على الفور المرشح الأوفر حظاً للسباق الرئاسي الجهوري لعام 2028، وقد لا يترك البيت الأبيض إلّا في عام 2037، إذا فاز مرتين بالرئاسة.

في الحقيقة، لا يُنظر الآن إلى فانس بصفته سياسياً فحسب، بل بصفته مثقّفاً قادراً على صياغة فلسفة حكم، إلى الحد الذي وصفه فيه الحركي والمفكر اليميني ستيف بانون - كبير مستشاري ترمب السابق -، بأنه «كما كان القديس بولس بالنسبة ليسوع المسيح، فإن فانس المتحول المتحمس، سينشر إنجيل الترمبية أبعد من ترمب نفسه».

وبالفعل، يأمل الجمهوريون في أن يؤدي اختيار هذا السياسي العصامي الشاب إلى تعزيز التوجهات الديموغرافية الجديدة للحزب لدى الطبقة العاملة، والشباب، وبخاصة، بعدما روى في كتابه «مرثاة هيلبيلي»، الذي حولته منصة «نيتفليكس» إلى فيلم بالاسم نفسه عام 2020، نشأته الصعبة في المناطق الفقيرة في ولايتي أوهايو وكنتاكي. ومن ثم أصبح كتابه الأكثر مبيعاً والأكثر قراءة تقريباً، حتى من قبل الليبراليين، الذين يسعون إلى فهم كيف أخفق الديمقراطيون في الانتخابات التي خرج فيها الناخبون البيض من الطبقة العاملة بأعداد قياسية لانتخاب ترمب... وهذا ما حصل فعلاً يومذاك، ولا سيما، في ولايات «الصدأ» التي أصبحت متأرجحة، وقد تحسم نتيجة السباق الرئاسي هذا العام.