«إيكواس»... حلم أفريقي تهزّه كوابيسُ الانقلابات

أُسست لتحقيق الاندماج الاقتصادي وسط تهديد الأزمات السياسية

مؤيدون للانقلاب يتظاهرون في نيامي عاصمة النيجر (آ ف ب)
مؤيدون للانقلاب يتظاهرون في نيامي عاصمة النيجر (آ ف ب)
TT

«إيكواس»... حلم أفريقي تهزّه كوابيسُ الانقلابات

مؤيدون للانقلاب يتظاهرون في نيامي عاصمة النيجر (آ ف ب)
مؤيدون للانقلاب يتظاهرون في نيامي عاصمة النيجر (آ ف ب)

منذ سيطر العسكريون على الحكم في النيجر، يوم الأربعاء 26 يوليو (تموز) الماضي، و«المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا»، المعروفة اختصاراً باسم «إيكواس ECOWAS»، تفرضُ العقوبات وتتوعد بشن عملية عسكرية للإطاحة بالمجلس العسكري الحاكم، وإعادة الرئيس المنتخب محمد بازوم المحتجز لدى العسكريين. إلا أن كل هذه التهديدات ذهبت - حتى الآن - أدراج الرياح، ويبدو أن هذه المنظمة الإقليمية التي أسست قبل قرابة 5 عقود بدأت تفقدُ أنيابها، ولم يبقَ منها سوى الريش المنفوخ... ولعل انقلاب الغابون الأخير أوضح دليل على ذلك. «إيكواس» كانت قبل سنوات نموذجاً ناجحاً للاندماج الاقتصادي والتجاري، وبدأت تتحول إلى سوق كبيرة يتطلعُ نحوها الجميع، حتى إنها في عام 2017 تلقت طلباً من المغرب بالانضمام إليها، ثم وقعت معها موريتانيا عقد شراكة، لكنها انسحبت منها عام 2000. واليوم نرى أن هذا النموذج مهدّد وجودياً بموجة انقلابات عسكرية تكاد تعصف به. فهل تنجح المنظمة في تجاوز واحد من أصعب الامتحانات في تاريخها، وهي التي كانت قد غيّرت استراتيجيتها غير مرة؟... إذ إنها بعدما أسست لأغراض اقتصادية وتجارية، صارت مع الوقت تهتم بالأمن والاستقرار والديمقراطية في دولها الأعضاء، وشكّلت قوة احتياط عسكرية سبق أن تدخلت عدة مرات لإنهاء انقلابات أو حروب، أو من أجلِ حفظ الأمن والسلم.

تعود فكرة إنشاء «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إيكواس) إلى عام 1972، حين اقترحها اثنان من أشهر القادة العسكريين في غرب أفريقيا هما يعقوبو غوون وغناسينغبي إياديما.

في البداية راودت الفكرة الجنرال يعقوبو غوون، الذي تولّى حكم نيجيريا عام 1966 إثر انقلاب عسكري واحتفظ بالسلطة حتى أسقطه انقلاب عسكري آخر عام 1975، ولقد شهد حكمه إنهاء واحدة من أكثر الحروب بشاعة في تاريخ غرب أفريقيا، ألا وهي حرب إقليم بيافرا الغني بالنفط في جنوب شرق نيجيريا.

والواقع أن غوون الذي طالما وصفُه خصومه بأنه «ديكتاتور»، كان يحلم رغم الأزمات التي تحاصره في الداخل، بإنشاء تكتل إقليمي لدول غرب القارة السمراء، يمكّنها من تحقيق حلم «الاندماج الإقليمي»، وكان هدفه الأبرز تسهيل نقل الأفراد والبضائع بين هذه الدول. وحقاً سارع الجنرال النيجيري - البالغ من العمر اليوم 88 سنة، والذي تحوّل إلى شخصية أكاديمية - إلى طرح الفكرة على عسكري آخر هو الجنرال غيناسينبي إياديما، الذي حكم التوغو لقرابة أربعة عقود وانتهى حكمه حين توفي عام 2005 على متن طائرة خاصة كانت تنقله للعلاج في فرنسا. ويومها وافق إياديما المتهم بدوره بالديكتاتورية، بسرعة على فكرة غوون ودافع عنها بشدة.

اتسعت الدائرة بعد ذلك، ووصلت الفكرة عام 1973 إلى موافقة 12 دولة في غرب أفريقيا. وهكذا أسّس كيان المنظمة بشكل رسمي عام 1975، وهو العام نفسه الذي سقط فيه غوون، صاحب الفكرة و«الأب المؤسس»، واتجه على الأثر إلى بريطانيا حيث تابع دراسته العليا وحصل على الدكتوراه من جامعة ووريك المرموقة. ولكن، ثمة مَن يقول إن غوون لم يأت بالفكرة من فراغ، بل استمدها من «الاتحاد الجمركي في غرب أفريقيا»، الذي أسس عام 1959، وضم خمس دول لم تكن حينها قد حصلت على الاستقلال التام عن فرنسا، هي: مالي وبوركينا فاسو (أعالي الفولتا في حينه)، والنيجر، وبنين (الداهومي في حينه)، وكوت ديفوار. قبل أن تلتحق بها التوغو عام 1961.

كانت روح الاستعمار حاضرة في مختلف التكتلات الإقليمية التي شكّلت في غرب أفريقيا، خلال منتصف القرن العشرين. فالفرنسيون كانوا حاضرين بقوة في رسم معالم هذه الهيئات الإقليمية، بل إنهم كانوا أصحاب القرار الحقيقي؛ لأن شخصية «الدولة» في كيانات غرب أفريقيا آنذاك كانت «صورية»... لا تتمتع بالكثير من الصلابة المؤسسية والوعي البيروقراطي. وهُنا يبني معارضو «إيكواس» حجّتهم للكلام عن موت المنظمة، ويطلقون دعواتهم لإعادة التأسيس، وبالتالي يعارضون جميع قرارات المنظمة. ومن ضمن هؤلاء الدبلوماسي والسفير السابق سوغايو كيغيو، الذي يعتبر أن «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لم تعد موجودة؛ لأن التكتل الإقليمي الذي تركه لنا الآباء المؤسسون مات. الموجود الآن هو مجموعة من الدُّمى التي تتملّق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهذا أمر لا يهمّ شعوب غرب أفريقيا».

الرئيس الانقلابي النيجري عبد الرحمن تشياني (أ.ف.ب)

الحلم الكبير

الحقيقة أنه رغم تنامي الأصوات المعارضة لمواقف «إيكواس»، خاصة في السنوات الأخيرة حين فرضت عقوبات ضد دول أعضاء بسبب الانقلابات العسكرية، لا يزالُ حلم الاندماج الإقليمي حاضراً. وبالذات في وثيقة «رؤية 2050» التي وضعتها المنظمة عام 2020، تحت شعار «إيكواس الشعوب: السلام والتنمية للجميع»، ولكن هذه الطموحات تواجه تحديات كبيرة. لقد سبق لـ«إيكواس» أن وضعت وثيقة مشابهة عام 2007، وأطلقت عليها يومذاك اسم «رؤية 2020». وكان شعار المرحلة آنذاك إنشاء «منطقة بلا حدود، مستقرة، ومزدهرة، ومتناغمة، يسودها الحكم الرشيد». إلا أنه حين حل الموعد ما كانت غالبية المشاريع الكبرى قد تحققت، بل إن موجة انقلابات عسكرية عصفت بكل ذلك، مع تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

مع ذلك، لا تزالُ المنطقة تتمتعُ بإمكانيات كبيرة؛ إذ تصلُ مساحة دولها الخمس عشرة إلى أكثر من خمسة ملايين كيلومتر مربع، بينما يزيد عدد السكان على 400 مليون نسمة، تستحوذ نيجيريا وحدها على النصف (206 ملايين نسمة). ثم إن أكثر من 60 في المائة من هؤلاء السكان شباب، فمتوسط العمر في غرب أفريقيا 18 سنة فقط، و65 في المائة من السكان لم يبلغوا بعد 25 سنة.

وعلى الصعيد الاقتصادي، يُقدّر الناتج المحلي الخام لدول «إيكواس» بنحو 700 مليار دولار أميركي، إلا أن 36 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، أي بأقل من دولارين في اليوم الواحد، وفق إحصائيات 2019. وهذا، في وقت تتوافر فيه المنطقة على موارد معدنية هائلة جداً من الذهب واليورانيوم والألماس والنفط والغاز والفوسفات، ومعظمها ما زال في باطن الأرض ويُسيل لعاب قوى العالم.

من جهة ثانية، تسعى «إيكواس» في خططها إلى أن تصبح دولها سوقاً واحدة، عبر إلغاء الحدود وتوحيد التعرفة الجمركية، وسكّ عملة موحّدة اختير لها اسم «إيكو»، وتنفيذ مشاريع بنية تحتية تكاملية، من شأنها أن تسهل حركة الأفراد والبضائع. بيد أنه بسبب موجة انقلابات عصفت بالمنطقة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، راجعت خططها مطلع التسعينات، وأضافت إلى أهدافها ضمان الأمن والسلم، وتعزيز الديمقراطية، انطلاقاً من فكرة الارتباط العضوي بين التنمية والأمن... وها هي تجد نفسها بعد مرور ثلاثة عقود أمام موجة جديدة من الانقلابات.

الرئيس النيجيري السابق يعقوبو غوون (أ ف ب)

أزمة الديمقراطية

يقول سيد أعمر ولد شيخنا، وهو باحث موريتاني مختص في العلوم السياسية والتاريخ ومدير المركز الإقليمي للدراسات والاستشارات، إن «الديمقراطية في منطقة الإيكواس، وفي عموم أفريقيا، تعيش في المنطقة الرمادية... فلا هي ديمقراطية راسخة، ولا هي تسلطية خالصة، بل بقيت دائماً هجينة. ومع أنها راكمت بعض التقاليد الديمقراطية، فإنها تعيش تهديداً مستمراً بالانتكاسة إلى مربع الانقلابات والحروب الأهلية، بسبب ضعف الدولة، وهشاشة الأوضاع الاقتصادية، والعجز عن إدارة الاختلاف والتنوعات العرقية، إلى جانب تحديات الإرهاب والتدخلات الدولية». ويضيف ولد شيخنا، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن المنظمة «عانت من الانقلابات العسكرية لعقود، وبالتالي، فهي تحاولُ تشجيع الديمقراطية، باعتبار ذلك هو الطريق إلى الاستقرار والتنمية. وهذا دور معروف في أدبيات الانتقال الديمقراطي بالمشروطية السياسية والاقتصادية، وكان في السابق تقوم به منظمات دولية، وأصبح - لحسن الحظ - تقليداً لدى بعض المنظمات الإقليمية». وفي السياق ذاته، يقول الصحافي السنغالي داود صاو، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن أزمة الديمقراطية في غرب أفريقيا «تتجلى في أن الشعوب لا تجد ذاتها في حُكّامها، كما أن مواطني هذه الدول لا يرون أن البرلمانات تمثلهم أو تدافع عن مصالحهم... فهناك بالفعل أزمة ثقة واضحة بين المواطن والحكومة».

ويتابع الصحافي السنغالي: «من السهل أن نعيد الانقلابات إلى التدخل الخارجي، إلا أنني لستُ متفقاً مع هذه النظرية؛ لأنه بدل إلقاء اللوم على الآخرين، يجبُ علينا البحث عن الخلل في سياساتنا؛ إذ حين نرجع إلى الدول التي وقعت فيها انقلابات سنجد أنها تعاني من أزمة حكم، فهي دول غنية بالموارد الطبيعية مثل الذهب واليورانيوم والنفط، ولكن معظم سكانها يعيشون تحت خط الفقر، وهم محرومون من الماء والكهرباء وأبسط مقومات الحياة الكريمة... وفي المقابل هناك ثلة تزداد ثراءً يوماً بعد يوم. هذا يوضح أننا فشلنا في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، وأنه ليس هنالك توزيع عادل للثروة، مثل هذه المشاكل تقود إلى وضعيات تمهد بدورها للانقلابات العسكرية».

أما الكاتب الصحافي الموريتاني سيدي المختار ولد سيدي، فيرى في حديث مع «الشرق الأوسط» أن «الانقلابات الأخيرة لم تكن تستهدف تقويض التجارب الديمقراطية، بل انطلقت من معطيات تتعلق بمشروعية الانتخابات والظروف التي وصل فيها الرؤساء للحكم، بالإضافة لعوامل أخرى مرتبطة بالتحديات الأمنية والتحالفات الجيوستراتيجية، بالإضافة إلى الطموح الذاتي لبعض العسكريين».

تجاهل الأسباب

في أي حال، الاتفاقيات الموقعة بين الدول الأعضاء في «إيكواس»، تمنح المنظمة الحق في فرض عقوبات قد تصل للتدخل العسكري من أجل منع أي استيلاء على السلطة بالقوة، لكنها رغم ذلك لم تنجح في إفشال انقلابات مالي وبوركينا فاسو وغينيا، وها هي اليوم في موقف صعب تجاه النيجر. وهنا، يرجع سيدي المختار ولد سيدي هذا الفشل إلى أن المنظمة «لا تهتم بما يحدث في دولها قبل وقوع الانقلابات، فهي لا تتكلّم عن أوضاع حقوق الإنسان، ولا عن تعزيز الديمقراطية ومحاربة الفساد... وبالتالي فهي تتدخل كردة فعل على حدوث الانقلابات، بدل العمل من أجل تحصين الديمقراطية».

وجهة النظر ذاتها يعرضها الصحافي السنغالي داود صاو، ملاحظاً أن «إيكواس بدلاً من أن تفكر في الأسباب ظلت تركّز على مواجهة النتائج، أي الانقلابات العسكرية... وهذا موقف مفهوم لأنه يتماشى مع مبادئ المنظمة الإقليمية التي ظلت وفية لمنطقها، وهي تصارع أشكالاً مختلفة من السيطرة على الحكم بطريقة غير دستورية». غير أنه يستطرد مضيفاً أن «الخطأ الذي ترتكبه (إيكواس) هو أنها تتجاهل الأسباب التي هيأت الظرفية للانقلاب، وتتجه مباشرة نحو العقوبات بدل البحث عن أسباب لجوء العسكريين للانقلاب... هذا المنطق هو الذي أدخل المنطقة في موجة من الانقلابات؛ لأن التجربة أثبتت أن العقوبات لم تضعف عزيمة العسكريين». غير أن ولد سيدي يشدد على أنه «لا يجوز التعويل كثيراً على (إيكواس) وتحميلها ما لا طاقة لها به، فهي في النهاية لا تمتلك الكثير من الأدوات الفعالة والمستقلة عن الحكومات والقادرة على الضغط عليها عند الضرورة».

التنافس الدولي

في خضم كل ما سبق، من العبث تجاهل التنافس الدولي المحتدم في غرب أفريقيا، ما بين الكتلة الدولية الغربية من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى. وهو تنافس له تأثيره المباشر على الوضعية الصعبة التي تمرُّ بها مجموعة «إيكواس». وهو ما يؤكده سيد أعمر ولد شيخنا، في تصريحه لـ«الشرق الأوسط»؛ إذ يوضح أن «إيكواس فضاء اقتصادي وبشري مهم وكبير، وموضع تنافس القوى الدولية.

وصحيحٌ أن فرنسا لها تأثير وصلات قوية، وصحيحٌ أيضاً أن إيكواس تدفع نسبياً ثمن الموقف الشعبي المتصاعد ضد فرنسا، لكن فرنسا تبقى في النهاية شريكاً موثوقاً لدول المنظمة، وليس هناك أي استعداد للخضوع للابتزاز الروسي عبر الانقلابات، أو الاستجارة من الرمضاء بالنار». ويتابع ولد شيخنا أن التنافس يحتدم بشكل غير مسبوق، مشيراً إلى أن «ثمة استراتيجية الصين الناعمة القائمة على التعاون الاقتصادي، عبر القروض والمقاولات ومشاريع البنية التحتية مع تحاشي التدخل في الشؤون الداخلية، بل التعامل مع الأوضاع القائمة بغض النظر عن الديمقراطية والشرعية الانتخابية. وفي المقابل هناك مشروع روسي يعتمد القوة الخشنة، عبر الانقلابات العسكرية وشركة (فاغنر) والدعم العسكري، وهو يحاول طرد النفوذ الفرنسي ووراثته، ولذلك يوجد ارتباط بالحرب الأوكرانية ومشاريع الغاز الأفريقي البديل للغاز الروسي». أما من جانب الغرب، فيقول الباحث إن «الاستراتيجية الأميركية تترجم في التعاون الاقتصادي والعسكري والأمني لمحاربة الإرهاب، والاستفادة من الموارد، ورفض ترك المجال للقوى الأوراسية، أي الصين وروسيا، مع إدراك التراجع الفرنسي. ومن ثم، تبقى الاستراتيجية الفرنسية تقليدية، وتخضع حالياً لامتحان عسير، وهي مرغمة على انتهاج خيارات بديلة».

في هذه الأثناء، يقول الصحافي السنغالي صاو إن «السياسات الفرنسية تجاه غرب أفريقيا ظلت جامدة ولم تتغير، في حين نجد أن طبقة من الشباب الأفريقي لم تعد تقبل هذا الوضع، بل ترى في السياسات الفرنسية تجاه بلدانهم نوعاً من الاستعمار الجديد... إنها ليست طبقة معادية لفرنسا أو للثقافة الفرنسية، لكنا ترى أن فرنسا ذات عقلية أبوية، وتمارس الوصاية تجاه دولهم».

«حزام انقلابي» ناري قسم «إيكواس» إلى قسمين

لدى إلقاء نظرة على خارطة "إيكواس"، يتضح أنه في غضون ثلاث سنوات فقط، تشكل "حزام ناري" يقسم المنظمة الإقليمية إلى جزئين منفصلين. إنه "الحزام الانقلابي" الذي يضم مالي وبوركينا فاسو وغينيا والنيجر، وهي أربع دول جمّدت المنظمة عضويتها وفرضت عليها حصارًا اقتصاديًا، فكانت خنجرًا مغروسًا في خاصرة المنظمة التي أسست من أجل "الاندماج".

الكاتب الصحافي الموريتاني سيدي المختار ولد سيدي يعتقد أن المنظمة "مهدّدة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتشظي والانقسام"، في حين يذهبُ الصحافي السنغالي داوود صاو إلى أن على المنظمة "مراجعة أهدافها، لكي تضع في صدارتها الاستجابة لتطلعات شعوب المنطقة... يكفي أن نعرف أن الشعوب اليوم تصف المنظمة بأنها نادي الرؤساء، كونهم يرونها مجرّد تجمّع هدفه الوحيد هو حماية الرؤساء الموجودين في الحكم". ويضيف صاو أن "إيكواس بحاجة إلى الكثير من الحكمة لتجاوز هذه المرحلة الصعبة"، ويشير إلى أن تعامل "إيكواس انقلاب النيجر كان مفتقراً إلى الحكمة حين لوّحت منذ الوهلة الأولى بالتدخل العسكري، ثم تراجعت عنه لتمنح الأولوية للحل الدبلوماسي، ثم عادت بعد ذلك وأكدت أن الخيار العسكري ما يزال مطروحاً... كل هذا التذبذب كان سببه غياب الحكمة".

بيد ان الصحافي السنغالي يخلص إلى القول أن الكلام عن إمكانية تشرذم المنظمة الإقليمية "لا يخلو من مبالغة وتشاؤم"، متابعاً أن "موقف المنظمة الإقليمية الصارم تجاه الانقلابات العسكرية مطلوب وجيد، وتنصّ عليه قوانين ومواثيق وقعّت عليها جميع الدول الأعضاء، إنها مواقف من صميم اختصاص المنظمة".

واختتم "لا خلاف على مبدأ رفض الانقلابات وضرورة مواجهتها، ولكن يتوجب ايضاً على قادة المنظمة أن يكونوا أكثر حكمة، وأن تتوافر لديهم القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية، والبحث عن حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية... حلول نابعة من صميم ثقافتنا المحلية".



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».