«الجنائية الدولية»... محكمة «الملاذ الأخير» في مرمى نيران الشرق والغرب

طوال 20 سنة اقتصرت على الأفارقة... وبوتين والبشير أبرز مطلوبيها

مقرّ المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي
مقرّ المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي
TT

«الجنائية الدولية»... محكمة «الملاذ الأخير» في مرمى نيران الشرق والغرب

مقرّ المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي
مقرّ المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي

تردّد اسم «المحكمة الجنائية الدولية» بكثافة عقب قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاكتفاء بمشاركة «افتراضية عن بُعد» في قمة تجمع دول «بريكس»، التي استضافتها جنوب أفريقيا، أغسطس (آب) الحالي، وبهذا أعفى السلطات هناك من الوقوع في أزمة إلقاء القبض عليه، حال دخوله أراضيها، وتسليمه إلى المحكمة بموجب مذكرة الاعتقال الصادرة بحقّه، على خلفية اتهامه بترحيل آلاف الأطفال الأوكران قسرياً.

أزمة بوتين أعادت إلى الواجهة الكلام عن «المحكمة الجنائية الدولية»، وأحْيت اتهامات تحاصرها شرقاً وغرباً بـ«التسييس» تارة، وبـ«ازدواجية المعايير» تارة أخرى، ذلك أن المحكمة، التي نظرت على مدى عقدين من تأسيسها، في 31 قضية، أصدر قضاتها عشرة أحكام بالإدانة، وأربعة أحكام بالتبرئة، وجاءت الإدانات جميعها ضد متمردين أو متطرفين أفارقة، ما كان بينهم أي رئيس حكومة أو مسؤول بارز. «المحكمة الجنائية الدولية»، عجزت طيلة 20 سنة عن إحداث اختراقات جادة في ملفات لجرائمَ إنسانية معقدة ارتُكبت في دول، مثل أفغانستان وفلسطين والعراق، وهو ما دفع كثيرين إلى إعادة طرح تساؤلات حول دور تلك المحكمة، التي تبلغ ميزانيتها السنوية نحو 150 مليون يورو، ما يجعل أحكامها ربما هي «الأغلى في التاريخ».

وحقاً، لم يكن ميلاد «المحكمة الجنائية الدولية» بالأمر الهيّن، فالسوابق المتعلقة بالمحاكم الدولية ارتبطت بتحولات سياسية عميقة، ولقد تلقّت الحركة الساعية لإنشاء محكمة دولية للنظر في الجرائم ضد الإنسانية، دفعة قوية بعد محكمتي نورنبرغ وطوكيو اللتين أُسستا لمعاقبة الجرائم التي اتهمت بها الأطراف التي خسرت الحرب العالمية الثانية.

وقامت لجنة خاصة، بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتقديم مسوَّدتين لنظام «المحكمة الجنائية»، في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، لكن المشروع لم يجد دعماً يدفعه كي يرى النور؛ نتيجة غياب الظروف الدولية المواتية تحت وطأة الحرب الباردة التي «جمّدت»، ولو مؤقتاً، تأسيس المحكمة.

ومع التحولات الجوهرية التي عاشتها الساحة السياسية العالمية في عام 1989، مع اقتراب الاتحاد السوفياتي من أمتاره الأخيرة، وهدم جدار برلين، وغيرها من التحولات الدراماتيكية في السياسة الدولية، سعت دولة صغيرة هي ترينيداد وتوباغو إلى إحياء المشروع، عندما اقترحت إنشاء محكمة دائمة للنظر في تجارة المخدرات.

وأثناء ذلك شُكّلت المحكمة الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب في يوغوسلافيا عام 1993، وأخرى خاصة بمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا عام 1994. ودفعت هاتان الخطوتان عدداً من الحقوقيين والمختصين بالقانون الدولي إلى التفكير بإنشاء محكمة دولية ذات اختصاص دائم، بمقدورها محاسبة الأفراد، وليس الدول أو الجماعات، فكان إنشاء «المحكمة الجنائية الدولية».

في عام 1998 أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع القرار بغالبية 130 صوتاً، مقابل 7، وامتناع 21 عن التصويت. وكانت الدول السبع التي عارضت المشروع: الولايات المتحدة، وإسرائيل، والصين، والعراق، وقطر، وليبيا، واليمن، إلا أن هذه المعارضة لم تمنع تحوّل القرار إلى معاهدة مُلزمة مع توقيع الدولة الرقم 60 ومصادقتها عليه. ومن ثم دخل «قانون روما الأساسي»، المنشئ للمحكمة، حيز التنفيذ بعد 4 سنوات، وهو الحدث الذي احتُفل به يوم 11 أبريل (نيسان) 2002.

محكمة «الملاذ الأخير»

يثير اختصاص «المحكمة الجنائية الدولية» كثيراً من اللبس، فهي ليست محكمة دول، بل محكمة أفراد، ثم إنها ليست بديلاً عن المحاكم الوطنية، بل - كما يصفها القانونيون - هي محكمة «الملاذ الأخير»، ولا تتدخل إلا عندما تعجز السلطات الوطنية عن تنظيم المحاكمات، أو لا ترغب بها أساساً. ولـ«المحكمة الجنائية الدولية» اختصاص عالمي؛ أي أنها تستطيع التحقيق في أي قضايا ضمن نطاق اختصاصها بأي مكان في العالم، وكذلك عقد جلساتها خارج نطاق مقرّها الأساسي بمدينة لاهاي الهولندية، وهي ذات اختصاص تلقائي فقط في الجرائم المرتكبة على أراضي دولة صادقت على معاهدة تأسيسها، أو من قِبل مواطن من هذه الدولة، أو عندما يحيل «مجلس الأمن»، التابع لـ«الأمم المتحدة» قضية إليها.

ويمكن للمحكمة مباشرة نظر القضايا التي تتعلق بالجرائم ضد الإنسانية، التي تشمل: القتل والتعذيب والاغتصاب والتجنيد القسري والتهجير القسري، وغيرها من الأعمال الوحشية التي تُرتكب بصورة ممنهجة، وعلى نطاق واسع ضد المدنيين، في إطار هجوم موجَّه ضدهم. وتتولى أيضاً التحقيق في جرائم الإبادة الجماعية، التي تشمل الأعمال التي تهدف إلى تدمير جزء من مجموعة وطنية أو عِرقية أو دينية بصورة كاملة أو جزئية، بما في ذلك القتل الجماعي والتسبب بظروف معيشية تؤدي إلى الإبادة البطيئة والتعذيب الجسدي والنفسي.

وأخيراً، تنظر المحكمة كذلك في جرائم الحرب التي تشمل الأعمال المرتكبة إبان النزاعات المسلَّحة، وتتضمن الهجمات غير المبرَّرة على المدنيين، واستهداف المستشفيات والمدارس والمنشآت الإنسانية، واستخدام الأسلحة المحظورة، مثل الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، والاستعباد الجنسي، والتجنيد القسري للأطفال.

ثغرات وقيود

رغم الاختصاصات الواسعة، تظل المحكمة تعاني من ثغرات وقيود تحدُّ من سلطاتها، فهي لا تستطيع النظر في أي دعاوى خارج حدود الدول الأعضاء بها، بل يجب أن يكون المتهم مواطناً لدولة طرف في «اتفاقية روما» التي أنشأت المحكمة، أو أن يكون الجُرم قد ارتُكب على أراضي دولة طرف، أو أن يكون «مجلس الأمن»، التابع لـ«الأمم المتحدة»، قد أحال القضية إلى المحكمة، بجانب ضرورة أن يكون المتهم قد حُوكم في النظام القضائي الوطني، وأن يكون هناك تعذّر إجراء محاكمة عادلة.

هذا، وبلغ عدد الدول الموقِّعة على بروتوكول المحكمة 123 دولة، ليس بينها دول كبرى (كالولايات المتحدة والصين وروسيا)، الأمر الذي أضعف قدرة المحكمة على النظر في قضايا تتعلق بتلك الدول. وخلال المفاوضات بشأن إقرار بروتوكول المحكمة، جادلت الولايات المتحدة بأن جنودها قد يتعرضون لمحاكمات ذات دوافع سياسية أو محاكمات كيدية، ومع أن الرئيس الأسبق بيل كلينتون وقّع، في النهاية، على المعاهدة، في واحدة من أعماله الأخيرة بصفته رئيساً، فإن «الكونغرس» الأميركي لم يصادق عليها مطلقاً.

من جهة ثانية، حاول «مجلس الأمن الدولي» تقديم ضمانات تعرّضت لاحقاً لانتقادات شديدة، إذ صوّت، في 12 يوليو (تموز) 2002، على حل وسط يمنح القوات الأميركية إعفاءً من الملاحقة القضائية لمدة 12 شهراً، ويُجدَّد سنوياً، إلا أن إدارة الرئيس جورج بوش الابن عارضت المحكمة بشدة، واعتبرته «إضعافاً لسيادة الولايات المتحدة»، وهددت بسحب القوات الأميركية من قوة «الأمم المتحدة» في البوسنة، ما لم يُمنح جنودها حصانة كاملة من المحاكمة أمام «الجنائية الدولية». لكن «مجلس الأمن» - بدفع من الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان - رفض تجديد الإعفاء في يونيو (حزيران) 2004، بعد شهرين من انتشار صور تُظهر اعتداء عسكريين أميركيين على أسرى عراقيين في سجن «أبو غريب».

ومع أن الولايات المتحدة ليست عضواً في المحكمة، لا تبدو العلاقة بين الجانبين مقطوعة تماماً، فعبر التأثير الكبير لواشنطن في «مجلس الأمن»، بمقدورها التداخل مع «الجنائية الدولية»، لكن العلاقة تبدو «انتقائية ومؤقتة» في معظم الأحيان. ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، عدّل «الكونغرس» القيود القانونية، القائمة منذ فترة طويلة على المساعدة الأميركية للمحكمة، مما سمح لواشنطن بالمساعدة في تحقيقاتها، والملاحقات القضائية النهائية المتعلقة بالحرب في أوكرانيا.

ولكن داخل إدارة بايدن، ما زال الخلاف السياسي قائماً حول التعاون مع المحكمة، إذ منع «البنتاغون»، في مارس (آذار) 2023، الإدارة الأميركية من تشارك الأدلة التي جمعتها وكالات الاستخبارات بشأن «الجرائم الروسية في أوكرانيا» مع المحكمة. وكانت الذريعة ألا يكون ذلك سابقة قد تساعد في تمهيد الطريق لاحقاً لمحاكمة أميركيين، أو تقديم أدلة ضد حلفاء واشنطن، ومنهم من كان شريكاً لها في حروب سابقة، كغزو أفغانستان والعراق.

وللعلم، سبق أن هدَّد جون بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي دونالد ترمب، بأن واشنطن ستفرض عقوبات على القضاة والمدَّعين العامّين في «المحكمة الجنائية الدولية» إذا شرعوا في التحقيق في جرائم حرب يُزعم أن الأميركيين ارتكبوها في أفغانستان. ولا يقتصر الإصرار على رفض الخضوع للاختصاص القضائي للمحكمة على الولايات المتحدة، بل ثمة عدد من الدول لم توقِّع على المعاهدة الخاصة بالمحكمة، مثل الصين وروسيا والهند وباكستان وإندونيسيا وتركيا وإيران وإسرائيل. ومن الدول الموقِّعة على بروتوكول المحكمة باللون الأخضر، تبدو المنطقة العربية خالية إلا من الأردن وجيبوتي وتونس وفلسطين، وقد انضمت الأخيرة للمحكمة عام 2015، رغم الضغوط الأميركية والإسرائيلية لمنع إتمام تلك الخطوة.

من ناحية ثانية، تفتقر المحكمة لـ«شرطة ضبط» خاصة بها، وهو ما يعطّل قدرتها على توقيف المطلوبين أمامها، إذ لا بد لمباشرة إجراءات المحاكمة من أن يكون المتهم قد سُلّم إلى المحكمة، أو أن يكون هناك تعاون كافٍ من الدول الأعضاء لتسليمه. فبروتوكول المحكمة يُلزِم أي دولة عضو بتوقيف أي مطلوب للمحكمة حال دخوله أراضيها بأي صورة. وتكشف قضية الرئيس السوداني السابق عمر البشير حجم القصور الذي تطرحه هذه الإشكالية، حين رفضت عدة دول موقِّعة على بروتوكول المحكمة، بينها تشاد وكينيا، التعاون في اعتقاله. ومع أن محكمة في جنوب أفريقيا أمرت، في يونيو 2015، بمنعه من مغادرة البلاد، إبّان مشاركته في مؤتمر القمة الأفريقية، الذي عُقد بمدينة جوهانسبرغ، لم تنفّذ السلطات هناك الحكم، لذا تعرضت لانتقادات داخلية وخارجية على حد سواء.

«مستعمرة غربية»

هذه الثغرات كانت سبباً في توجيه انتقادات لتقصير «المحكمة الجنائية الدولية» بتحقيق التطلعات العالمية لإقرار العدالة الجنائية في كثير من القضايا الخطيرة. ويعتقد مات كيلينغزورث، المُحاضر في العلاقات الدولية بجامعة تسمانيا الأسترالية، أيضاً بصحته، إذ يشير إلى أن أداء المحكمة على مدى 20 سنة «بدَّد التفاؤل الكبير الذي صاحَب تأسيسها، ولا سيما من دول كانت تعاني جرّاء جرائم الحرب والانتهاكات ضد الإنسانية».

وأوضح كيلينغزورث، لـ«الشرق الأوسط»، أن المحكمة استغرقت 4 سنوات لتبدأ أول محاكمة لها، و6 سنوات أخرى لإعلان أول إدانة، وخلال 20 سنة من العمل، بميزانية إجمالية تتجاوز عدة مليارات من الدولارات، أصدرت 10 إدانات فقط، و4 أحكام بالبراءة. وأردف المُحاضر أن عجز المحكمة حتى عام 2016 عن فتح تحقيق خارج أفريقيا أسهم في تعزيز الرأي القائل بأنها «مستعمرة جديدة ومتأثرة بالغرب». وأرجع كيلينغزورث ما يبدو أنه «ضعف واضح» في أداء المحكمة، إلى عاملين «خارجين عن سيطرتها»؛ الأول يتعلق برفض بعض الدول التوقيع على «قانون روما الأساسي»، بينما يرتبط الثاني بارتفاع سقف التوقعات التي صاحبت إنشاء المحكمة.

استهداف الأفارقة

غباغبو داخل قاعة المحكمة (أ.ب) من محاكمة رئيس كوت ديفوار السابق لوران غباغبو (أ.ب)

إشارة كيلينغزورث تكشف وجهاً آخر من الانتقادات الموجهة إلى «الجنائية الدولية»، التي أمضت نحو ثلثي عمرها (14 سنة) فقط داخل النطاق الأفريقي، ولا تزال ملفات قضايا القارة السمراء تتصدر لائحة المحكمة... فهل حُددت مهمة المحكمة باصطياد الأفارقة، دون أن تستطيع المساس بمتهمين خارج القارة؟

هذا «الاستفهام الاستنكاري» بات شائعاً لدرجة أن المحكمة نفسها أدرجته للرد عليه، ضمن كتيب تعريفيّ بعنوان «فهم المحكمة الجنائية الدولية»، نشرته بعدة لغات؛ منها العربية عام 2020. وعبْره سعت إلى نفي ذلك الاتهام، مؤكدة أنه «لولا الدعم الأفريقي، لَما اعتمد نظام روما الأساسي». وشرح الكتيب أن أفريقيا هي «المنطقة الأكثر تمثيلاً في عضوية المحكمة، وقد فُتحت غالبية تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية بناءً على طلب الحكومات الأفريقية، أو بعد التشاور معها»، كما أن مكتب المدَّعي العام للمحكمة يُجري تحقيقات أولية، بالإضافة إلى التحقيقات الرسمية، في عدد من البلدان عبر 4 قارات.

لكن هذا الدفاع لا ينفي أن من يقرأ سجل المحاكمات يلاحظ، دون جهد، الحضور الأفريقي الطاغي على لائحة المتهمين والمحاكمات، فأول حكم للمحكمة، في مارس 2012، كان ضد توماس لوبانغا، زعيم إحدى الميليشيات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وحُكم عليه بالسجن لمدة 14 سنة. وأشهر الشخصيات التي حاكمتها، رئيس كوت ديفوار السابق لوران غباغبو، الذي اتُّهم في عام 2011 بالقتل والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي والاضطهاد. وشملت القضايا البارزة الأخرى اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضد الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، الذي أُدين في عام 2011، ثم أسقطت المحكمة التهم الموجهة إليه وإلى نائبه (الرئيس الحالي ويليام روتو) في ديسمبر 2014.

أيضاً من المطلوبين لدى المحكمة قادة حركة التمرد الأوغندية «جيش الرب للمقاومة»، وزعيمها جوزيف كوني المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بما في ذلك اختطاف آلاف الأطفال. ولدى المحكمة مذكرة توقيف معلَّقة بحق الرئيس السوداني عمر البشير - هي الأولى التي صدرت ضد رئيس دولة كان لا يزال في منصبه - ويواجه البشير 3 تهم بالإبادة الجماعية، وتهمتين بارتكاب جرائم حرب، و5 تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وثمة كذلك 9 تحقيقات للمحكمة الجنائية الدولية تخص عدة دول أفريقية هي أوغندا، وأفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو، وساحل العاج، والسودان، ومالي، وكينيا، وليبيا، وهو ما يكفل لأفريقيا المرتبة الأولى عددياً على لائحة تحقيقات المحكمة حتى الآن.

هذه الانتقادات للمحكمة يراها الدكتور أيمن سلامة، الخبير المصري بالقانون الدولي «في غير محلها»، لافتاً إلى أن معظم القضايا التي نظرتها «المحكمة الجنائية الدولية» كانت بطلب أو بتنسيق مع الدول الأفريقية. وأضاف سلامة، لـ«الشرق الأوسط»، أن عدداً من الدول الأفريقية «قد يواجه صعوبات في الوفاء بمتطلبات محاكمات في قضايا خطيرة كجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، التي تتطلب مستوى مرتفعاً من التقصي وتحقيق الأدلة، وهو ما قد لا يتوافر لدى عدد من الدول الأفريقية»... لذا تلجأ إلى الاستعانة بـ«المحكمة الجنائية»، خصوصاً أن نصف عدد دول القارة تقريباً أعضاء بالمحكمة. وتابع أن ثمة أسباباً أخرى ربما تعطي الانطباع بتركيز المحكمة على القارة الأفريقية، منها أن القارة بالفعل تشهد أكبر عدد من النزاعات المسلَّحة والحروب الأهلية التي تكون ميداناً لجرائم تدخل في اختصاص المحكمة. واختتم سلامة بالقول إن المحكمة تًباشر حالياً تحقيقات في دول خارج أفريقيا، منها جورجيا، وأفريقيا، وأفغانستان، وكذلك فتحت تحقيقاً أولياً يتعلق بجرائم حرب في غزة، «لكن هذه النوعية من التحقيقات تحتاج إلى وقت، وتصطدم كذلك بعقبات تتعلق بتوافر الأدلة وإثباتها وتوفير الشهود، وغير ذلك من متطلبات المحاكمة العادلة».

3 مدّعين لـ«الجنائية الدولية» على مدى عقدين

لويس مورينو أوكامبو (غيتي)

فاتو بنسودة (أ.ف.ب)

*يخضع اختيار القضاة والمدّعين العامّين لـ«المحكمة الجنائية الدولية»، لنظام دقيق، إذ يحق لكل بلد من البلدان الموقِّعة على بروتوكول المحكمة تقديم مرشح واحد لانتخابه قاضياً، وتنتخب جمعية الدول الأطراف القضاة على أساس كفاءاتهم في مجال القانون الجنائي، والقانون الدولي، وحقوق الإنسان. ويراعي انتخاب القضاة ضرورة تمثيل النظم القانونية الرئيسة في العالم، والتمثيل العادل للرجال والنساء، وكذلك التوزيع الجغرافي العادل. ومنذ تأسيس المحكمة عام 2002، شغل 3 شخصيات من قارات مختلفة منصب المدعي العام للمحكمة، مدة ولاية كل منهم 9 سنوات، هم:

 لويس مورينو أوكامبو

أرجنتيني الجنسية، شغل منصب المدعي العام لـ«المحكمة الجنائية الدولية»، في عام 2003 باقتراح أكثر من 70 دولة، ونُصّب يوم 16 يونيو 2003. حقق شهرته في مجال المحاكمات الجنائية عبر مشاركته نائباً للمحقق الرئيس في قضية من سمّاهم «الطغمة العسكرية في الأرجنتين» فترات الحكومات العسكرية من 1976 إلى 1980، خصوصاً من كانوا في مواقع المسؤولية إبّان أزمة جزر الفوكلاند مع بريطانيا. ثم استدعته حكومة تشيلي لمحاكمة قادة مخابراتها الذين اتُّهموا بارتكاب عمليات تعذيب بحق الآلاف من المدنيين، وأسهمت تحقيقاته في إدانتهم.

وفي عام 2008 اتهم أوكامبو، الرئيس السوداني عمر البشير بتدبير حملة لارتكاب أعمال قتل جماعي في دارفور أدت إلى مقتل 35 ألف شخص، واستخدام الاغتصاب سلاحاً في الحرب، وأصدر بحقِّه مذكرة توقيف.

 فاتو بنسودة

وُلدت وعاشت في غامبيا، ودرست القانون في لاغوس بنيجيريا، وواصلت دراستها لتصبح أول متخصصة في القانون الدولي ببلادها. شغلت منصب نائب المدعي العام للمحكمة منذ عام 2004، وفي ديسمبر 2011 اختيرت لمنصب المدعي العام.

من أبرز إنجازاتها طلبها الرأي القانوني للمحكمة حول اختصاصها في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، بعد إعلانها، في ديسمبر 2020، رغبتها في فتح تحقيق كامل ضدها. وفي مطلع 2021، أعلنت «المحكمة الجنائية الدولية» أن الأراضي الفلسطينية تقع ضمن اختصاصها القضائي، مما يمهّد لفتح تحقيقات بشأن ارتكاب جرائم حرب محتملة فيها. ودعت بنسودة إلى تحقيق كامل عقب 5 سنوات من التحقيق الأولي منذ حرب 2014 في غزة، وفرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عقوبات عليها في سبتمبر 2020، بعد فشل حظر التأشيرات السابق على بنسودة ومسؤولين آخرين في منع تحقيق المحكمة في جرائم حرب ضد عسكريين أميركيين في أفغانستان.

 كريم أحمد خان

محامٍ بريطاني شارك، على امتداد مسيرته القضائية، في معظم محاكمات «الجنائية الدولية»، إلى جانب محاكمات محلية، في مواقع تباينت بين ممثل للادعاء، وممثل للدفاع، ومستشار قانوني للضحايا. وبين القضايا التي نظرها في «المحكمة الجنائية الدولية» محاكمات دولية في يوغوسلافيا السابقة، وسيراليون، ورواندا، والدوائر الاستثنائية في المحاكم الكمبودية، والمحكمة الخاصة بلبنان. وأيضاً، مثّل الدفاع عن عدد من المسؤولين المتهمين أمام «الجنائية الدولية»، منهم ويليام روتو رئيس كينيا الحالي، وعبد الله باندا، وبهار إدريس أبو غردا، وصالح محمد جربو جاموس (قضية دارفور)، كما كان محاميَ سيف الإسلام القذافي (قضية ليبيا)، وجان بيير بيمبا غومبو (قضية أفريقيا الوسطى)، وتولَّى رئاسة فريق التحقيق، التابع للأمم المتحدة، الخاص بجرائم «داعش» في العراق.


مقالات ذات صلة

العالم بيتر نيغارد الرجل الثمانيني مسجون منذ ديسمبر 2020 وهو متهم بعشرات جرائم الاغتصاب والاعتداءات الجنسية في كندا والولايات المتحدة على مدى عقود (رويترز)

السجن 11 عاماً لقطب الموضة بيتر نيغارد بتهمة الاعتداء الجنسي

حُكم على قطب الموضة السابق بيتر نيغارد، الاثنين، في تورونتو بالسجن 11 عاماً لإدانته بالاعتداء الجنسي على 4 نساء.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
الولايات المتحدة​ صورة تجمع دونالد ترمب وستورمي دانيالز (رويترز)

إرجاء الحكم على ترمب في قضية ستورمي دانيالز إلى ما بعد الانتخابات

أرجأ القاضي المشرف على الدعوى المقامة ضد دونالد ترمب بتهمة شراء صمت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز، الحكم (الجمعة) إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا مهاجرون ينتظرون في مطار بنما باسيفيك قبل ترحيلهم إلى الهند، الجمعة 6 سبتمبر 2024 (أسوشيتد برس - صورة تعبيرية)

10 سنوات سجناً لسائق حافلة سوري بتهمة الاتجار بالبشر في بريطانيا

قضت محكمة بريطانية اليوم الجمعة بسجن سائق حافلة من أصل سوري 10 سنوات بتهمة تهريب مهاجرين عثر عليهم في مقصورة سرية وهم يصرخون طلبا للمساعدة ومحرومون من الأكسجين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا متظاهرون يشتبكون مع ضباط الشرطة خلال احتجاج مناهض للهجرة في روذرهام ببريطانيا 4 أغسطس 2024 (رويترز)

الحكم الأطول... السجن 9 سنوات لرجل أضرم النار بفندق في بريطانيا

حكمت محكمة بريطانية على رجل بالسجن 9 سنوات، الجمعة، لتعمده إضرام حريق بفندق يؤوي طالبي لجوء خلال أعمال شغب معادية للمسلمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
TT

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى الشوارع كل يوم جمعة للمطالبة بالتغيير الجذري للنظام. سيصوت الناخبون لأحد المرشحين الثلاثة، وهم: الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبّون، والمرشح المعارض يوسف أوشيش من حزب «جبهة القوى الاشتراكية»، وهو أقدم حزب معارض في الجزائر، أسّسه حسين آيت أحمد، أحد زعماء الثورة الجزائرية، وهو ذو توجه علماني، إضافة إلى المرشح عبد العالي حساني شريف، وهو رئيس «حزب مجتمع السلم» الإسلامي المعروف بـ«حمس» الذي يعّد من أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، وهو ذو توجه «إخواني» محافظ. ووفق الأرقام التي قدّمتها السلطة الجزائرية المستقلة للانتخابات، التي تتولى عملية الإشراف على سير العملية الانتخابية، تصل الكتلة التصويتية للجزائريين في الداخل إلى 42 مليون ناخب، معظمهم من الشباب. أما في الخارج فيقدر عددهم بـ865 ألفاً و490 ناخباً، 45 في المائة نساء و55 في المائة رجال، بينما بلغت نسبة الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة 15.43 في المائة. ويشمل العدد الإجمالي للجان الانتخابية في الخارج 117 لجنة، موزعة كالتالي: 18 لجنة في فرنسا، و30 لجنة في باقي الدول الأوروبية، و22 لجنة في الدول العربية، و21 في الدول الأفريقية، و26 في كل من آسيا وأميركا.

مع كل استحقاق انتخابي تنظمه الجزائر، تطفو إلى السطح عبارة «الكتلة الصامتة»، أو مشكلة المشاركة الضعيفة التي أخذت حيّزاً مهمّاً لدى المرشحين، إذ يدعو الجميع هذه الفئة إلى المشاركة في الانتخابات والذهاب إلى صناديق الاقتراع. وكانت انتخابات 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019 قد سجلّت نسبة مشاركة قدّرت بـ39.93 في المائة ، في حين بلغت في رئاسيات 2014 نحو 51.7 في المائة.

النائب البرلماني علي محمد ربيج كان قد قال في تصريح صحافي أخيراً إن «الكتلة الصامتة التي تُعد بالملايين تقرّر في كل مرة بصورة إرادية أو غير إرادية ألا تشارك في العملية الانتخابية». وأردف أن «هذه الكتلة براغماتية نفعية، وربما تشارك وفق مجموعة من الشروط»، مشيراً إلى أنها تتساءل عند كل استحقاق حول قدرة الانتخابات على تغيير الحياة اليومية للمواطن، وتحسين ظروفه المعيشية، وما إذا كانت العملية الانتخابية محسومة مسبقاً أم لا، وغيرها من الأسئلة التي تطرحها هذه الكتلة الصامتة في كل مرة. وتابع من ثم: «لذا حرص كل من المرشحين الثلاثة في حملاتهم الانتخابية على استقطاب هذه الشريحة ببرامج تعبّر عن تطلعاتهم، فكانت الأولوية للملفات الاجتماعية والاقتصادية لإيقاظ هذه الفئة».

تبّون: دعم سياسي ... وحظوظ أوفر

يُعد الرئيس الحالي عبد المجيد تبّون، الذي كان قد فاز بولاية رئاسية أولى عام 2019 خلفاً للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، المرشح الأوفر حظاً. وكان تبّون قد أعلن في مارس (آذار) الماضي عن إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة في 7 سبتمبر (أيلول) أي قبل 3 أشهر من موعدها المقرّر مسبقاً. ورغم انتمائه لحزب «جبهة التحرير الوطني»، فإنه يترشح اليوم بصفته «مستقلاً»، وذلك حسب تصريحاته: «نزولاً عند رغبة أحزاب سياسية ومنظمات وطنية مختلفة».

وحقاً، أعلن أبرز الأحزاب السياسية في الجزائر، ومنها «جبهة التحرير الوطني» و«جبهة المستقبل» و«التجمع الوطني الديمقراطي» و«صوت الشعب» و«حركة البناء الوطني»، خلال يونيو (حزيران) الفائت، دعمها ترشيح الرئيس تبّون لولاية رئاسية ثانية. إذ أكد رئيس «جبهة المستقبل» فاتح بوطبيق في تجمع نظّم بقاعة الأطلس بالعاصمة أن «المرشح» عبد المجيد تبّون يعّد رجل «المرحلة المقبلة»، معتبراً أن برنامجه الانتخابي يحمل نظرة شاملة للتكفل بمختلف انشغالات المواطن. أما رئيس «حركة البناء الوطني» عبد القادر بن قرينة فوصف تبّون بأنه يملك «نظرة استشرافية تسمح بالتوزيع العادل للثروات وخلق أقطاب اقتصادية في جميع ربوع الوطن». إلا أن دعم «جبهة التحرير الوطني» يبقى العنصر الأهم، ذلك أنها تاريخياً «القوة السياسية الأولى في البلاد»، ثم إن «جبهة التحرير» تحظى بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، وهو 98 مقعداً.

ثم إنه، فضلاً عن هذا الدعم الحزبي، يتمتع تبّون بتأييد مؤسسة الجيش، إذ تميزت علاقته برئيس الأركان الحالي السعيد شنقريحة بكثير من الاستقرار، وثمة إشارات متعددة إلى أن مؤسسة الجيش تراه مناسباً للاستمرار في المنصب، خصوصاً بعد مقال نشرته مجلة «الجيش» بداية هذا العام، تحدث عن «الإنجازات التي تجسّدت إلى الآن، وصواب نهج الرئيس الإصلاحي».

مسيرة سياسية حافلة

ولد الرئيس عبد المجيد تبّون في ولاية النعامة، الواقعة بشمال غربي الجزائر، يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1945 لعائلة محافظة، وكان والده الحاج أحمد تبّون إماماً وعضواً في جمعية العلماء المسلمين.

تخرّج الشاب عبد المجيد في المدرسة الوطنية للإدارة عام 1969، متخصصاً في الاقتصاد والشؤون المالية. وشغل على الإثر عدة وظائف سامية في المؤسسات الإدارية للدولة. وواصل مسيرته المهنية ليصار إلى ترقيته في منصب الأمين العام، ثم عُيّن والياً في عدة محافظات. وفي عام 1991، التحق تبّون بحكومة سيد أحمد غزالي كوزير منتدب مكلّف بالجماعات المحلية. ثم في عام 1999 شغل منصب وزير الاتصال والثقافة، وفي عام 2001 منصب وزير السكن والعمران إلى 2002.

بعدها، عاد تبّون في 2012 ليشغل من جديد منصب وزير السكن والعمران، وفي 2017 جرى تعيينه وزيراً أول ثم رئيساً للجمهورية في الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر 2019 بنسبة 58.13 في المائة.

برنامج من أجل «جزائر جديدة»

يخوض الرئيس تبّون الانتخابات اليوم ببرنامج طموح يحمل شعار «الجزائر الجديدة»، مؤكداً على أنه يريد استكمال العمل الذي بدأه عام 2019. على الصعيد الاقتصادي، وعد الرئيس بمحاربة الفساد والقضاء على ما يطلق عليه عملية «تضخيم الفواتير» التي استنزفت الأموال الجزائرية بالعملة الصعبة. وفي برنامج وثائقي بثّه التلفزيون الجزائري بعنوان «الجزائر الجديدة... الرؤية والتجسيد»، جرى إبراز الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي عرفتها البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة، أهمها الشروع في سياسة جديدة لتشجيع الاستثمار من أجل «تنويع المداخيل والتقليل من التبعية للمحروقات». وللعلم، يعتمد اقتصاد الجزائر على صادرات الغاز، وكانت البلاد قد استفادت من الغزو الروسي لأوكرانيا لتجديد العلاقات مع الدول الأوروبية في مجال إمدادات الطاقة، وأثمرت الخطوة أن أصبحت «واحدة من 4 دول فقط في العالم، تجاوزت العتبة من تصنيف الدخل المتوسط الأدنى إلى المتوسط الأعلى»، وفقاً لأحدث تقرير سنوي لتصنيف الدخل من البنك الدولي. وعلى ضوء المعلومات التي تفيد بأن سعر الغاز الطبيعي قد قفز 4 أضعاف ما كان عليه قبل بداية الحرب في أوكرانيا.

ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، وضع الرئيس تبّون ما سُمّي بـ«قانون الاستثمار الجديد» الذي تضّمن تسهيلات كبيرة للمستثمرين الوطنيين والأجانب، ووضع منصة رقمية للمستثمر، كما أعلِن عن تسجيل «أزيد من 7 آلاف مشروع استثماري جديد لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار». وتوقف المصدر نفسه أيضاً عند أهم المشاريع الاستثمارية الكبرى التي أطلقتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، كمركّب بلارة للحديد والصلب بولاية جيجل (شرق الجزائر)، الذي يتربع على مساحة تقدر بـ216 هكتاراً، ومجمّع توسيالي - الجزائر للحديد والصلب، وهو استثمار اقتصادي ناتج عن شراكة استراتيجية جزائرية تركية، ومنجم الحديد بغار جبيلات (جنوب الجزائر) الذي يعّد أكبر استثمار منجمي بالجزائر منذ الاستقلال، إضافة إلى مشروع خطوط السكك الحديدية، التي ستربط مدن الجنوب بعضها ببعض، وأخرى مع دول الجوار كتونس وموريتانيا.

ولقد وعد الرئيس الجزائري أيضاً بمواصلة سياسة الدعم الاجتماعي التي تشمل مختلف الفئات، وأهمها البرامج السكنية لذوي الدخل الضعيف، إلى جانب رفع المنح الموجهة للمرأة الماكثة بالبيت وذوي الاحتياجات الخاصة والمتقاعدين وأجور الموظفين، وذلك بعد الإعلان عن خلق نحو 450 ألف منصب شغل لاستيعاب مشكلة البطالة، التي تصل إلى 12 في المائة، حسب الأرقام التي نشرتها منظمة العمل الدولية.

في المجال السياسي

أما في المجال السياسي، فقد اهتم الرئيس تبّون بتكثيف التعاون الدولي، فزار روسيا وتركيا والبرتغال والصين ودولاً عديدة. وأكّد على موقف الجزائر في مناصرة القضايا العادلة، كالقضية الفلسطينية التي يعدّها الرئيس الجزائري «القضية المقدسة». ودبلوماسياً، اتسمت الفترة الأخيرة ببعض الأزمات والتوترات، مع الإشارة إلى أن الرئيس الجزائري حاول إعادة هيكلة العلاقات الدبلوماسية والتاريخية بين فرنسا والجزائر، غير أن العلاقة بين البلدين تعكرت من جديد، إلى درجة أن هناك تساؤلات بشأن جدوى الزيارة التي كان من المفروض أن يقوم بها إلى باريس في الخريف المقبل، في حال فاز بالانتخابات الرئاسية.

يوسف اوشيش (الإذاعة الجزائرية)

يوسف أوشيش.. الوجه الشاب في الانتخابات

يوسف أوشيش يعدّ الوجه الشاب في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، إذ ولد يوم 29 يناير (كانون الثاني) 1983 في بوغني، بمنطقة القبائل شمال الجزائر، وفيها درس حتى حصوله على البكالوريا عام 2003. وفي العام نفسه التحق بجامعة الجزائر حيث تابع دراسته على مستوى كلية العلوم السياسية، وحصل منها على شهادة في العلوم السياسية، تخصّص العلاقات الدولية. في الجامعة، تميّز أوشيش بالتزامه النقابي والسياسي. وبعد التخرج عمل صحافياً خلال الفترة من 2008 إلى 2012 وانخرط في صفوف حزب «جبهة القوى الاشتراكية» قبل تجاوز سن الـ19 سنة. وسياسياً، مارس عدة مسؤوليات داخل الحزب، حيث شغل منصب رئيس «المجلس الشعبي الولائي» بولاية تيزي وزو في 2017، وكان آنذالك أصغر رئيس في هذا الجهاز السياسي. وضع أوشيش برنامجه السياسي تحت شعار «رؤية الغد»، معلناً في لقاء صحافي مع جريدة «لكسبرسيون» أن ترشحه جاء من «أجل فرض نظرة جديدة وإصلاح الوضع العام، سواء أكان سياسياً أم مؤسساتياً»، وهو يدافع عن منهج الاشتراكية، والنظام شبه الرئاسي ذي التوجه البرلماني. ثم إنه التزم في حال فوزه بتقديم منحة للنساء الماكثات في البيت، ورفع الحد الأدنى للأجور، إضافة إلى إعادة النظر في اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.

 

عبد العالي حساني شريف (الإذاعة الجزائرية)

عبد العالي حساني شريف... عودة التيار الإسلامي

بعد سنوات من الغياب عن الانتخابات الرئاسية، قرر «حزب مجتمع السلم» (حمس) خوض غمار الرئاسيات، ورشح عبد العالي حساني شريف ممثلاً له، تحت شعار «فرصة». وللعلم، «حزب مجتمع السلم» يعدّ حالياً أكبر تنظيم إسلامي سياسي في الجزائر، كما يعدّ أكبر قوة معارضة داخل البرلمان (المجلس الشعبي الوطني)، إذ يملك 65 مقعداً من أصل 407.ولد عبد العالي حساني شريف عام 1966 بولاية المسيلة، بجنوب شرقي الجزائر. وزاول دراسات في الهندسة، وكان مسؤولاً في التنظيم والرقمنة داخل المؤسسة الحزبية، قبل أن يرأسها عام 2023. اقتصادياً، يدافع مرشح التيار الإسلامي عن السوق الحرة، وتأسيس ما يسميه «بالصرافة الإسلامية» مع فتح بنوك إسلامية في جميع مناطق الوطن. ويرتكز برنامجه الاقتصادي على المنافسة والمبادرات الحرة، مع حماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وسياسياً، يؤيد إصلاحاً دستورياً وقانونياً لبيئة الحكم، إضافة إلى دعم إصلاح مؤسساتي يعمق دولة الحق والقانون. ولقد وعد حساني في حال فوزه بكرسي الحكم، بمراجعة التقسيم الإداري، بهدف إنعاش التنمية بالمناطق الشاسعة. وهو يرى أن الهدف من إعادة التقسيم الإداري يتمثل في تعمير المساحات الشاسعة غير المأهولة، وتحقيق التنمية فيها، مع إعطاء الفرصة للمنتخبين لطرح مبادراتهم، لينتقل بذلك التخطيط التنموي من المركزية إلى المحلية. أيضاً يرى حساني أن جهود السلطات لمحاربة الفساد غير كافية. وانتقد معالجة البطالة، معتبراً أن الحكومات المتعاقبة لم تستطع بسبب القرارات الظرفية، وانعدام الرؤية الاستراتيجية المتكاملة، لذلك يقدم برنامجه «نظرة جديدة» للملف. كذلك، تعهد بتوسيع البنية التحتية لتجارة العبور الدولي، مع ترقية التبادلات التجارية المغاربية والأفريقية، وبعث المنطقة العربية للتبادل الحر. وفي جانب العلاقات الدوليّة، يمنح برنامج حساني شريف الأفضلية لتحسين العلاقات مع دول الجوار ومعالجة الخلافات وتقليص أثرها.