أحمد الحشاني... رئيس الحكومة التونسية الخامس في عهد قيس سعيّد

أولوياته اقتصادية مالية ولم ينخرط في المعارك السياسية

أحمد الحشاني... رئيس الحكومة التونسية الخامس في عهد قيس سعيّد
TT

أحمد الحشاني... رئيس الحكومة التونسية الخامس في عهد قيس سعيّد

أحمد الحشاني... رئيس الحكومة التونسية الخامس في عهد قيس سعيّد

فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيّد التونسيين المصطافين والسياسيين، الذين دخلوا موسم الإجازات الصيفية والعطلة البرلمانية السنوية، بالإعلان عن تعيين أحمد الحشاني، المسؤول السابق في البنك المركزي التونسي، رئيساً جديداً للحكومة خلفاً لنجلاء بودن التي كان قد اختارها لتولي هذا المنصب قبل سنتين. وبذا يكون الحشاني خامس رئيس حكومة منذ انتخابات 2019، إلا أن الاختيار وقع هذه المرة على شخصية قانونية اقتصادية مصرفية لم تنخرط في المعارك السياسية التي شهدتها البلاد منذ يناير (كانون الثاني) 2011، إذ تعاقب على قصر الحكومة بالقصبة كل من رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد حتى أواخر فبراير (شباط) 2020، وخلفه وزير المالية الأسبق إلياس الفخفاخ حتى صيف العام ذاته، ثم وزير الداخلية الأسبق هشام المشيشي من سبتمبر (أيلول) 2020 حتى 25 يوليو (تموز) 2021 تاريخ القرارات الرئاسية التي اتخذها سعيّد، وبينها حل البرلمان وتغيير الحكومة واعتماد خريطة سياسية جديدة. وكانت نجلاء بودن رئيسة الحكومة الرابعة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2021.

خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال أحمد كرم، الرئيس السابق لعدد من المصارف (البنوك) وللجمعية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية، إنه عرف أحمد الحشاني، زميله السابق في الإدارة العامة للبنك المركزي، منذ توظيفه منذ أكثر من 35 سنة.

ووصف شخصية رئيس الحكومة الجديد بـ«الهادئة»، وأردف أنه «خبير كبير» في القوانين، وأيضاً في المعاملات مع كل المؤسسات البنكية والمالية والاقتصادية التونسية والدولية، لا سيما تلك التي تحتاج إلى بحث ملفاتها مع القسم القانوني في البنك المركزي والحصول على موافقته.

أسرة تونسية - فرنسية

ولد أحمد بن صالح الحشاني عام 1957 لأم فرنسية من إقليم البريتاني (أقصى شمال غربي فرنسا) وأب تونسي عسكري كان من بين الضباط الشبان الذين تخرّجوا في فرنسا وبنوا المؤسسة العسكرية التونسية. وكان كثيرون من هؤلاء - مثل والده – قد تزوّجوا بأوروبيات قبل العودة إلى تونس على غرار الزعيم الحبيب بورقيبة وثلة من المقربين منه.

كان الطفل أحمد الحشاني في الخامسة من عمره عندما أوقفت في ديسمبر (كانون الأول) 1962 قوات الأمن التونسية والده الرائد صالح الحشاني، قائد الوحدات العسكرية في محافظة قفصة الجنوبية على الحدود الجزائرية - التونسية، وذلك بتهمة المشاركة في المحاولة الانقلابية الفاشلة 1962 ضد الرئيس الحبيب بورقيبة، التي نظمها ضباط عسكريون وأمنيون ومسؤولون في الدولة والإدارة بقيادة الأزهر الشرايطي، مدير عام الأمن الرئاسي والزعيم السابق للمجموعات المسلحة التي قاومت الاستعمار الفرنسي. وبالمناسبة، كانت الزوجة الثانية للشرايطي بدورها أوروبية من أصل سويسري.

وهنا نذكر أن الأب العسكري لرئيس الحكومة الجديد كان قد بدأ مسيرته ضابطاً برتبة ملازم في جيش آخر ملوك تونس، محمد الأمين باي، ثم انضم إلى الجيش الجمهوري إثر إلغاء الملكية في 25 يوليو (تموز) 1957. ومن ثم رقّي لاحقاً إلى رتبة «رائد».

مصادرة أملاك العائلة

وكان أحمد في السادسة من عمره عندما جرت محاكمة والده وحكم عليه بالإعدام. وحقاً نفذ الحكم فيه مع غالبية المتهمين العسكريين والمدنيين، في حين أحيل رفاقهم الذين حوكموا بالسجن والأشغال الشاقة إلى السجون.

هذا، وكشف المحامي والحقوقي اليساري عبد الرؤوف العيادي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن أن شقيقة لأحمد الحشأني وشقيقه - وهو ضابط في الجيش الفرنسي - نظما تحركات بعد أحداث 2011 في تونس من أجل «التعريف بالمظالم التي تعرّضت لها الأسرة بعد إعدام الوالد، من بينها مصادرة أملاكها والتشهير بها».

كذلك شارك الشقيق والشقيقة مع الحقوقيين والمعارضين السابقين في اعتصامات ومظاهرات من أجل معرفة مكان دفن ذويهم بعد إعدامهم، وإعادة الاعتبار لهم ولعائلاتهم. وبالفعل، استجابت السلطات في عام 2013، وحصل الأهل على رفات ذويهم، ومُكنوا بالتالي من إعادة دفنهم في مقابر عادية، بينما أحيلت الملفات الباقية إلى المحاكم المختصة في «قضايا العدالة الانتقالية».

ولكن، من جهة أخرى، لم يعرف عن أحمد الحشاني نفسه أنه شارك لا في التحركات ولا في جلسات المحاكم التي كانت تنظر منذ عشر سنوات في القضايا التي رفعتها عائلات ضحايا المحاكمات السياسية ما بين 1955 و2011. وأيضا، لم يعرف عنه انحياز واضح لأي تيار سياسي، بما في ذلك التيار «القومي العروبي»، الذي قيل إن غالبية المشاركين في المحاولة الانقلابية لعام 1962 كانوا ينتمون إليه أو يتعاطفون معه.

حملات إعلامية

عرف عن رئيس الوزراء الجديد تفرّغه للدراسة في المدارس العمومية ثم في كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بجامعة تونس، التي تخرج فيها عام 1983، خلال الفترة ذاتها تقريباً التي درس فيها في الكلية رئيس الجمهورية قيس سعيّد، ثم شقيقه المحامي والأكاديمي نوفل سعيّد ونخبة من زملائه لاحقاً، في الدولة وفي البنك المركزي، بينهم الجامعي والخبير الاقتصادي فتحي زهير النوري، عضو مجلس إدارة البنك المركزي سابقاً.

وبعد التخرّج، لم ينخرط أحمد الحشاني مباشرة في الحياة السياسية والحزبية بل تفرّغ لوظيفته في البنك المركزي، ثم في أنشطة اجتماعية ثقافية اقتصادية ضمن جمعية قدماء البنك ومتقاعدي المؤسسة.

بيد أن مصادر في حزب «نداء تونس»، الذي أسّسه وتزعّمه الرئيس الراحل محمد الباجي قائد السبسي، أوردت أن الحشاني انخرط في الحزب الذي فاز في انتخابات 2014 الرئاسية والبرلمانية: «لكنه كان في الصف الثاني، ولم يتحمل أي مسؤولية في هيئاتها الوطنية».

شخصية هادئة

في أي حال، شخصية أحمد الحشاني، الطفل والشاب ثم الكهل، قد تكون تأثرت بالظروف التي نشأ فيها وعائلته، ولا سيما، عندما كان بورقيبة ومساعدوه يشنون حملات إعلامية قادها بورقيبة نفسه، واتهم فيها «جهات خارجية» - بينها الجزائر بزعامة الرئيس أحمد بن بلا - بدعم «المعارضين» و«المتآمرين» ضده، ممن عدهم من «اليوسفيين» (مناصرو غريمه الزعيم التونسي صالح بن يوسف) و«القوميين العرب».

ما يستحق الإشارة، أن بورقيبة كان حينذاك في «أزمة مزدوجة»...

الوجه الأول، مع فرنسا بقيادة الجنرال شارل ديغول، بسبب «المذبحة» التي ارتكبها الجيش الفرنسي في مدينة بنزرت (بشمال تونس) في يوليو 1961، عند قمع مظاهرة شعبية ضخمة تطالبه بالجلاء العسكري الكامل، والتململ داخل ثكنات الجيش التونسي.

والوجه الثاني، توتر علاقاته مع مَن تبقى من معارضيه الموالين للزعيم الثاني للحزب الدستوري والحركة الوطنية الوزير صالح بن يوسف - الذي اغتاله مناصرون لبورقيبة في ألمانيا صيف 1961 - بسبب تزعمه تمرّداً منذ 1955. وفي حينه، تحالف بن يوسف مع «القوميين العروبيين» والتيار القومي العربي المصري بزعامة جمال عبد الناصر والجناح القومي العربي في جبهة التحرير الوطني الجزائرية بزعامة بن بلا.

الأولوية للملفات الاقتصادية

في هذا السياق العام يبرز رئيس الحكومة الجديد في موقع «الشخصية التأليفية» التي اختارها الرئيس سعيّد وفريقه عشية الانتخابات العامة للغرفة الثانية للبرلمان المقرّرة لشهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين. إذ إنه شخصية تبعث برسائل «طمأنة» عديدة لأبناء الجهات المُهمّشة والداخلية والضواحي الفقيرة للمدن في مرحلة استفحال الأزمة الاقتصادية الاجتماعية وتجاوز نسب الفقر والبطالة - بصفة رسمية – حد الـ20 في المائة.

وفي الوقت عينه، يبدو أن قصر قرطاج (مقر الرئاسة) أراد أن يستفيد من علاقات الحشاني وفريقه الآتي من داخل البنك المركزي والبنوك التونسية، وذلك للمضي في تنفيذ سياسته التي تعتمد أكثر على «التداين من السوق الداخلية»، وترفض «الإذعان لإملاءات» صندوق النقد الدولي والمؤسسات الأوروبية والعالمية، لا سيما فيما يتعلق برفع الدعم وإغلاق المؤسسات العمومية المفلسة، أو بيعها للقطاع الخاص بما في ذلك شركات النقل العمومية التي تقدر ديونها بنحو 3 مليارات دولار.

«النخبة الجديدة»

في الواقع، تتوفر في الحشاني: «الإنسان» و«الخبير القانوني والاقتصادي والإداري» مزايا «المسؤول المثالي» بالنسبة للرئيس سعيّد وفريقه منذ انتخابات 2019. بل بالأخص منذ منعرج 25 يوليو (تموز) 2021 مع تركّز جل السلطات في قصر قرطاج (مقر رئاسة الجمهورية). فرئيس الحكومة الجديد يشبه عددا من الشخصيات التي سبق أن اعتمد عليها سعيّد ومنحها ثقته، لأنها كانت أساساً «إدارية ومحايدة» ولا تحوم حولها «شبهات مالية وسياسية وحزبية»، فضلاً عن كونها لا يمكن أن تكون عرضة للانتقادات من قبل شخصيات عمومية أو وسائل الإعلام التي قد تطعن في ماضيها.

لذلك فإن معظم الوزراء والمسؤولين الذين عيّنهم سعيد في حكومات ما بعد 2019، ثم ما بعد 25 يوليو 2021، يشبهون أحمد الحشاني من حيث سيَرهم الذاتية القصيرة؛ إذ يشترط ألا تثير هذه السيَر الذاتية «شبهات» أو «حملات إعلامية» قد يوظّفها بعض المعارضين ضد الرئيس. ومن هؤلاء، أولئك الذين قد يشككون في حرص سعيّد على نظافة اليدين والشفافية والنزاهة سواءً بالنسبة له أو لكل كبار المسؤولين في الدولة.

أبرز مقاييس الاختيار «من خارج المنظومات»

وفعلاً، تذكّر شخصية الحشاني بشخصيات عديدة سبق لقصر قرطاج أن قرّبها أو أمر بتعيينها على رأس مؤسسات سيادية في الدولة، لأن الشرط الرئيسي الذي توافر فيها هو «الولاء للوطن ولرئيس الدولة» والاستعداد لتنفيذ «المشروع السياسي لرئيس الجمهورية والتوجهات التي يرسمها للحكومة»، كما أورد زياد كريشان، رئيس تحرير صحيفة «المغرب» اليومية والمعلق السياسي لإذاعة «موزاييك» الخاصة.

إذ جاء تعيين الحشاني بعد مسار انطلق منذ 2019، بادر فيه سعيّد إلى تعيين شخصيات «من خارج كل منظومات الحكم والمعارضة السابقة». ومعلوم، أن الرئيس التونسي يعد كل تلك «المنظومات التي تحكّمت بالدولة» إبان عهدي بورقيبة (1955 - 1987) وبن علي (1987 - 2011) ثم بعد ذلك، كانت فاشلة وتحوم حولها شبهات «الفساد والتبعية للخارج». ولهذا اختار رئيس الحكومة الجديد مثلما اختار من قبل عدداً من المسؤولين السابقين من خارج «النخب المزيفة» والمتورطة بـ«الانقلاب على نضالات الشباب» المهمش الذي ثار من أجل الشغل والخبز والكرامة في المناطق الفقيرة في 2008 و2010 ومطلع 2011.

وعلى سبيل المثال، عندما عين إلياس الفخفاخ رئيساً للحكومة مطلع 2020 كان في طليعة أسباب التعيين اتفاقه معه على ضرورة «إقصاء الفاسدين» ورفض «المصالحة المغشوشة» مع حزب «قلب تونس» وزعيمه نبيل القروي، ومع رموز المنظومات التي حكمت تونس في عهد زين العابدين بن علي.

وفي السياق ذاته وللاعتبارات ذاتها، قرّب سعيّد إليه هشام المشيشي، الموظف السابق في الهيئة العليا لمكافحة الفساد، فعينه وزيراً للداخلية ثم رئيساً للحكومة في سبتمبر (أيلول) 2020 قبل أن يبعده في يوليو 2021. ووفق تلك المقاييس - أي عبر استبعاد «مَن تحملوا مسؤوليات عليا في الحقبات السابقة» وقع الاختيار على نجلاء بودن وفريقها وعدد من كبار المسؤولين.

في هذا الإطار، يجدر التذكير بأن سعيّد أعلن بوضوح منذ 2013 - أي قبل وصوله إلى الحكم بسنوات -، ثم بعد انتخابه رئيساً، أنه يريد إبعاد «النخب القديمة» بمختلف ألوانها وآيديولوجياتها وأحزابها. ومن جهة ثانية، أكد أنه يراهن على «نخبة جديدة غير متورطة في غلطات السياسيين ورجال الأعمال الفاسدين» وقادة الأحزاب الذين هيمنوا على أوضاع تونس خلال السنوات السبعين الماضية عموماً، وخصوصاً بعد 2011 أي في «عشرية الخراب». وهذه التسمية يطلقها سعيّد على كل «النخب» السياسية و«اللوبيات» القريبة منها و«المافيات» و«الكارتيلات» الاقتصادية والمالية خلال مرحلة ما بعد ثورة 2011.

ولقد سبق لسعيّد أن خاطب الشباب والأوساط الشعبية متكلماً عن كل السياسيين والمثقفين الذين ينتمون إلى «عقود الخراب» منذ الخمسينات إلى اليوم. إذ قال: «فليرحلوا... فليرحلوا جميعاً»... في إشارة إلى الأحزاب التي فازت في انتخابات 2011 وحكمت البلاد حتى 2013. وكذلك إلى «جبهات المعارضة» التي تشكلت لإسقاطها بزعامة الباجي قائد السبسي وقيادات حزب «نداء تونس» و«التحالف من أجل تونس» والأطراف السياسية والنقابية التي تنتسب إلى عهدي بورقيبة وبن علي.

استبعادات بالجملة

وبعد إسقاط البرلمان والحكومة الائتلافية التي كانت تشارك فيها قيادات من أحزاب العقد الماضي، استبعد سعيّد جلّ «النخب السابقة»، بما في ذلك النخب «الحداثية» التي كان يتزعمها يوسف الشاهد، رئيس الحكومة الأسبق وزعيم حزب «تحيا تونس»، أو محسن مرزوق الوزير السابق وزعيم حزب «مشروع تونس»، وإلياس الفخفاخ زعيم حزب «التكتل الديمقراطي»، والأحزاب الاجتماعية الديمقراطية بزعامة عصام الشابي وخليل الزاوية وغازي الشواشي وحمة الهمامي.

أيضاً، بعد منعرج يوليو 2021، استبعد الرئيس حتى النخب والشخصيات البرلمانية والنقابية والسياسية التي كانت تعد نفسها «مقربة جداً» من قصر قرطاج، ومنها نور الدين الطبوبي وقيادات «الاتحاد العام التونسي للشغل» ومحمد عبو وغازي الشواشي وزهير المغزاوي وهيكل المكي وبقية قيادات الكتلة القومية العربية واليسارية في البرلمان السابق.المعركة المقبلةهذا، وفي حين تحفظت المعارضة وقيادات من «جبهة الخلاص الوطني»، بزعامة أحمد نجيب الشابي، على صيغة هذا التعديل الحكومي الجديد، صرّح المحامي والناشط السياسي عماد بن حليمة بأنه يتوقع أن تفسّر «الأجندات الانتخابية القادمة» الاختيار الذي وقع على «شخصية من دون ماض سياسي» مثل أحمد الحشاني وتسليمه رئاسة الحكومة الجديدة. ويعتقد بن حليمة أن رئيس الحكومة الجديد جاء من قطاع البنوك وعالم المال والأعمال والقانون في سياق «استعدادات الرئيس سعيّد وفريقه لانتخابات الغرفة الثانية للبرلمان المقررة لشهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) المقبلة والانتخابات الرئاسية المقرّرة في الربع الأخير من العام المقبل».

رئيس حكومة ما بعد «الخريطة السياسية»وحسب المواقع الاجتماعية التابعة للشخصيات والأطراف السياسية المحسوبة على قصر قرطاج فإن الرئيس سعيّد يعد نفسه نجح في إنجاز «الخريطة السياسية»، وسيبدأ مع رئيس الحكومة الجديد معاركه الاقتصادية مع «مافيات التحايل والاحتكار والفساد». وهذا، بعدما عاد إلى توجيه نيرانه إليها خلال موكب تنصيب رئيس الحكومة الجديد، عندما حملها مسؤولية نقص المواد الغذائية والأساسية من الأسواق، بما في ذلك الخبز والعجين ومشتقاته.

ختاماً، في كل الحالات، يبدو أن مستقبل أحمد الحشاني السياسي رهين بضعة عوامل؛ من بينها أنه سيُسمح له بلعب دور رئيس حكومة اقتصادية سياسية بصلاحيات واسعة... كيلا يظل مجرد «وزير أول» و«منسق عمل الفريق الحكومي» على غرار نجلاء بودن.


مقالات ذات صلة

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

شمال افريقيا رئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي (أرشيفية - الإعلام التونسي)

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

هيئة الدفاع عن موسي: «التحقيقات في مرحلة أولى كانت قد انتهت إلى عدم وجود جريمة... وقرار القضاة كان مفاجئاً».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أرشيفية - إ.ب.أ)

20 منظمة حقوقية في تونس تنتقد توقيفات لنشطاء ونقابيين

شملت توقيفات جديدة بتونس نشطاء وصحافيين وعمالاً ونقابيين شاركوا في احتجاجات ضد طرد 28 عاملاً، بينهم نساء، من مصنع للأحذية والجلود لمستثمر أجنبي بمدينة السبيخة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح لرئاسية تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أحكام إضافية بسجن مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في تونس

مجموع الأحكام الصادرة في حق الزمال «ارتفعت إلى 35 عاماً» وهو يلاحق في 37 قضية منفصلة في كل المحافظات لأسباب مماثلة.

«الشرق الأوسط» (تونس)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.