النيجر... انقلاب نحو الجحيم

هل يخسرُ الغربُ آخر معارك النفوذ في الساحل الأفريقي؟

جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)
جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)
TT

النيجر... انقلاب نحو الجحيم

جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)
جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)

جنود انقلابيون على الأرض (أ.ف.ب)

قبلَ أسبوعين وقف محمد بازوم، بصفته رئيساً للنيجر، وسط حشود كبيرة كانت تستقبله في إقليم طاوة، بوسط البلاد، وألقى خطاباً لم تكن تنقصه الكاريزما ولا قوة الشخصية، فالرجلُ خريج فلسفة وبدأ مساره السياسي من العمل النقابي، قبل أن يتدرجَ في المناصب السامية، وصولاً إلى رئاسة البلاد قبل سنتين. تكلّم بازوم، وهو السياسي المدني المتحدر من الأقلية العربية في النيجر، بصراحة غير معهودة عن المؤسسة العسكرية. وقال إن على الجنرالات أن يخرجوا من مكاتبهم المكيّفة، ليقفوا في الصفوف الأمامية مع الجنود في مواجهة التحديات الأمنية التي تهدّد البلاد، وخاصة خطر الإرهاب. ولكن، بعد أسبوعٍ احتجز جنرال غاضب الرئيس بازوم داخل القصر الرئاسي، وأعلن قلب نظام الحكم، ليدخل البلد الأفريقي الفقير في نفقٍ مظلم، سبقته إليه مالي وبوركينا فاسو المجاورتان. بيد أن الوضعَ في النيجر سيكون مختلفاً، ذلك أن هذا البلد يعد أحد آخر معاقل قوى الغرب في منطقة الصحراء الكبرى، ومن المرجّح أن تدور فيه «المعركة الأخيرة» في حرب النفوذ المستعرة - من دون إعلان - في أفريقيا ما بين الغرب وروسيا.

الانقلابات العسكرية ليست أمراً غريباً

على غرار غالبية بلدان غرب أفريقيا، الانقلابات العسكرية ليست أمراً غريباً في النيجر؛ إذ يكادُ لا يمر عقد من دون وقوع انقلاب أو اثنين، أو على الأقل محاولات تفشل في اللحظات الأخيرة. ويكفي أن نعرف أنه منذ انتخاب محمد بازوم رئيساً للنيجر عام 2021، وقعت محاولة انقلابية جدية قبل يومين من تنصيبه، ومحاولة أخرى جرى التعتيم عليها العام الماضي.

هذا ما يدفع إلى القول إن الانقلابات غدت جزءاً من تناقضات الديمقراطية الأفريقية، فحين تفشلُ يُعد ذلك دليلاً على صلابة التجربة الديمقراطية ونضجها، وحين تنجح تُصنَّف على أنها تصحيح للمسار الديمقراطي وتعزيز له... أي أنها في النهاية دوماً تُقدم على أنها جزء من العملية الديمقراطية، على الرغم مما يُقال عنها خلال لحظات الشك في أيام التأرجح ما بين الفشل والنجاح.

في هذا السياق، يقول عبد الصمد امبارك، رئيس «مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية» في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن الانقلاب الذي وقع في النيجر «يدخل في مسلسل الانقلابات التي دأبت عليها القارة السمراء منذ حقبة ما بعد الاستقلال».

أما فيما يتعلقُ برؤية الانقلاب من السياق الداخلي للنيجر، فيعتقدُ امبارك أنه «من الطبيعي أن يكونَ إجهاضاً للشرعية الدستورية، وإجهاضاً لشرعية الحكم في النيجر، سيما وأنه عندما خرجت النيجر من انتخابات عام 2021 الرئاسية شكل ذلك نموذجاً للتناوب السلمي على السلطة، وكان يعتبر مصدر فخرٍ في غرب أفريقيا. لكن اليوم تنقلب الصورة في مسعى عسكري قديم متجدّد، هدفه الاستيلاء على السلطة إثر خلاف بين أقطاب المعادلة السياسية».

انعدام النضج والتخطيط

قائد الانقلاب الجنرال عبد الرحمن تياني (رويترز)

من جانبه، يذهب ياسين عبد القادر الزوي، وهو باحث في الشؤون الأفريقية، خلال حديث مع «الشرق الأوسط» إلى الغوص أكثر في أسباب الانقلاب، مشيراً إلى أن الأمور لم تكن بذلك «النضج والتخطيط». ثم يوضح فيقول: «إن المتابع لبداية الأحداث سيدركُ أنه لم يكن هناك تخطيط للانقلاب، بل بدا الأمر وكأنه نوع من الضغط على الرئيس كي يتراجع عن بعض القرارات».

وأردف الباحث في الشأن الأفريقي أن المعلومات المتداولة تشير إلى أن بازوم «كان ينوي إجراء تغييرات ستصدر عن اجتماع لمجلس وزراء سيُعقد الخميس، لكن الانقلاب وقع الأربعاء... وكان ضمن هذه التغييرات إقالة قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تياني»، وهو الرجلُ الذي قاد الانقلاب، ويحاول جاهداً تثبيت أركان حكمه رغم كل الضغوط.

ومن ثم، يذكّر الزوي بمضمون كلام الرئيس بازوم في إقليم طاوة، حين قال صراحة إن «القادة العسكريين لا يجوز أن يبقوا في المكاتب وتحت المكيفات، وإنما مكانهم الحقيقي هو في صدارة الجنود، وفي الصفوف الأمامية لمواجهة التحديات الأمنية». وكان ذلك إشارة ضمنية إلى الجنرال الموجود في قيادة الحرس الرئاسي منذ قرابة 10 سنوات.

الرئيس الرهينة

حقاً، لطالما كانت الانقلابات العسكرية في النيجر، وفي غرب أفريقيا عموماً، تقوم على مخطط ونموذج ثابت لا يكاد يخرج عنه أي انقلاب؛ إذ تقف وراء الانقلاب مجموعة من الضباط في مختلف التشكيلات العسكرية، ولديهم جناح مدني صلب، وربما جهة خارجية توفر لهم الدعم الدبلوماسي المطلوب.

ولكن خلال السنوات الأخيرة ظهر نموذج جديد من الانقلابات العسكرية. هذا النموذج بدأ في مالي عام 2020، وتكرّر في بوركينا فاسو ثم في غينيا، وها هو يحدث في النيجر، بالتفاصيل نفسها حتى لكأن الجهة التي خططت له هي نفسها.

ويعتمدُ هذا النموذج المُـبسَّط جداً على أخذ الرئيس «رهينة»، وإرغامه على تقديم استقالته، ورفض الاستجابة لأي ضغوط إقليمية أو دولية، في استغلال واضح للوضع الدولي المضطرب، معززاً باستغلالٍ لحالة الغضب الشعبي من الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، وربط كل تلك الأزمات بشخص الرئيس وسياساته «الفاشلة».

وهكذا تصبحُ استقالة الرئيس هي المخرج «الدستوري» الوحيد الذي يراهن عليه الانقلابيون، وسبيلهم الوحيد نحو فرض الأمر الواقع. هذا بالضبط ما حدث في دولة مالي قبل ثلاث سنوات، حين نجح الانقلابيون في إرغام الرئيس الراحل إبراهيم بابكر كيتا على تقديم استقالته في بث عبر التلفزيون، واعتبر ذلك إذلالاً لواحد من أعتى السياسيين في غرب أفريقيا، وضربة موجعة للديمقراطية.

ولكن مراقبي الوضع في النيجر، يتساءلون عمّا إذا كان النقابي العتيد محمد بازوم سيرضخ لرغبات الانقلابيين، ويقدم استقالته ليقطع بذلك الطريق على كل التحركات الإقليمية والدولية لإعادته إلى كرسي الحكم أم لا.

هُنا يقول ياسين عبد القادر الزوي، الذي يدّعي معرفة شخصية بالرئيس بازوم: «حسب معرفتي به، فهو شخصية صلبة وشجاعة وعنيدة وعصامية، ما يعني أن مسألة تقديم الاستقالة والتنازل مستبعدة جداً. وفي تقديري أن أكبر تنازل يمكن أن يقدّمه هو أن يتفاوض معهم على حلٍّ يناسب الجميع، كأن يمنحهم مناصب دبلوماسية مع إبعادهم عن المواقع العسكرية الحسّاسة».

تداعيات الانقلاب

في المقابل، على الرغم من أن الزوي يبدو جازماً إزاء صمود بازوم، ما قد يساهم في فشل الانقلاب العسكري، فإن التجربة في أفريقيا - وحتى في النيجر ذاتها - تثبتُ أن أي محاولة انقلابية وصلت إلى هذه المرحلة، من الصعب أن تعود الأمور بعدها إلى ما كانت عليه. والسبب أن قادة الانقلاب، وإن كانوا ليسوا بالقوة الكافية للمضي قُدما، فإن الرئيس بدوره يكون قد فقد قوة الاستمرار في الحكم، وبالتالي قد يبرزُ طرف ثالث يُخرِج الطرفين من المعادلة.

وهُنا يقول الباحث في الشأن الأفريقي إن الانقلاب حتى وإن فشل «ستكون له تأثيرات كبيرة على المشهد السياسي في النيجر، خاصة على مستوى الحزب الحاكم... فبغض النظر عما ستؤول إليه الأمور، لا شك، ستتغير المواقع في الخارطة السياسية، وخاصة وضع الرئيس السابق محمدو يوسفو، الذي كان موقفه غير واضح من الانقلاب خلال الأيام الأولى، وهو الذي كان في السنوات الأخيرة صاحب الكلمة الأولى في الحزب الحاكم».

أما عبد الصمد امبارك، رئيس «مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية»، فيقولُ إن الانقلاب بغض النظر عن نتيجته «يضع النيجر أمام مرحلة استثنائية من المفروض أنها قد تتطلب بعض الوقت... ولكن تداعياتها وخيمة على الأمن والتنمية في هذا البلد الذي يعاني أصلاً مضاعفات مؤثرة على الاستقرار، نتيجة تنامي مخاطر الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية، زيادة على تراجع معدلات التنمية مع انتشار الفقر والجهل والتخلف».

ويضعُ امبارك هذا الانقلاب في سياق ما قال إنه «دوامة اللا استقرار السياسي، التي شملت كلاً من مالي وبوركينا فاسو وتشاد، ما يولّد حلقة جديدة من التداعيات في شبه المنطقة قد تمتد نحو نطاق أوسع، وتنتشر العدوى إثر اشتعال النار في هذه البلدان الهشّة والمعروفة بضعف الولاء للدولة المركزية. وهذا، ناهيك عن هشاشة نظام الحكم في هذه الدول، وهو حكم حديث العهد بالتعددية السياسية وبالديمقراطية».

إطفاء الحريق

الرئيس محمد بازوم (أ.ف.ب)

من جانب آخر، تعدّدت محاولة إطفاء حريق النيجر، وفي حين جاء الموقف الغربي صارماً ضد الانقلاب، ذهبت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) إلى فرض عقوبات مع التلويح بخيار التدخل العسكري ضد الانقلابيين، وهو ما دفع مالي وبوركينا فاسو وغينيا إلى اعتبار أي تدخل عسكري في النيجر اعتداءً وإعلان حرب عليها.

ووسط كل هذه الجلبة، برز موقف مختلف تبنّته تشاد المجاورة للنيجر، حين هرع رئيسها الجنرال الشاب محمد إدريس ديبي إلى عاصمة النيجر نيامي، والتقى بأطراف الأزمة بمن فيهم الرئيس المحتجز بازوم وقادة الانقلاب، فيما بدا أنه مبادرة للوساطة من أجل حلحلة الوضع والخروج بحل سلمي.

وفعلاً، ثمة مبررات كثيرة لتحرك تشاد دون غيرها، فهي ليست عضواً في مجموعة «إيكواس»، وبالتالي فهي غير ملزمة بالعقوبات المفروضة على النيجر، بل هي أقرب لموقف الحياد بين كل الأطراف. ثم إن شريطاً حدودياً طويلاً يربطها بالنيجر، وهو من أخطر المناطق، حيث تنشط جماعات مسلحة وشبكات تهريب.

وهنا يقول ياسين عبد القادر الزوي إنه بالإضافة إلى ما سبق «لدى تشاد وجود عسكري كبير في النيجر، وخصوصاً في إقليم ديفا المحاذي للأراضي التشادية، في إطار تعاون مهم جداً قائم منذ سنواتٍ بين البلدين لمكافحة الإرهاب ومحاربة الجماعات المسلحة. وأول زيارة خارجية للرئيس محمد إدريس ديبي عقب توليه السلطة مكان والده الراحل إدريس ديبي، كانت إلى النيجر، وهو يرتبط بعلاقة إنسانية جيدة مع الرئيس محمد بازوم الذي هو من إقليم ديفا».

أيضاً تجمع البلدين الجارين عدة أطر إقليمية، مثل «مجموعة دول الخمس في الساحل»، و«التحالف العسكري الإقليمي لمحاربة بوكو حرام» الذي يضم معهما نيجيريا والكاميرون. ووفق كلام الزوي، فإن «تشاد تحاول أن تستعيد مكانتها ودورها في المنطقة، بعد سنواتٍ من الانكفاء على النفس، ولا شك أن محمد إدريس ديبي يسعى إلى لعب دور محوري في هذه الأزمة، وتقديم نفسه كلاعب كبير في أزمات المنطقة، على غرار ما كان يفعلُ والده». ويضيف الزوي أن «الوساطة التشادية تبقى في النهاية مبادرة شجاعة، وتُحسب للجنرال ديبي، لكن الوضع لا يزالُ غير واضح المعالم، ومن غير الممكن التكهن بنتائجها، لكن الأكيد أنها تحظى بدعم من مجموعة (إيكواس) وفرنسا».

في أي حال، تشاد تحاولُ جاهدة أن تطفئ حريق النيجر؛ كي لا تجد نفسها محاصرة بالنيران، في ظل الحرب المستعرة في دولة السودان، جارتها الشرقية. وفي مقابل موقف تشاد الساعي للوساطة والتهدئة، يبرزُ موقف نيجيريا الحازم تجاه الانقلاب العسكري في النيجر. وهذا موقف له تأثيره الكبير على سير الأمور؛ لأن نيجيريا هي الدولة الأكبر والأهم في غرب أفريقيا، وصاحبة القرار المؤثر في مجموعة «إيكواس»، وهي ترى أن أي انزلاق في النيجر يشكل تهديداً جدياً لأمنها القومي، بسبب التداخل العرقي والاجتماعي والثقافي بين البلدين.

الحل العسكري

هنا، من الواضح أن رئيس نيجيريا الجديد بولا تينوبو، يدفعُ نحو تدخل عسكري تقوم به «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إيكواس)، وهي المنظمة الإقليمية التي تضم 15 بلداً من ضمنها النيجر، وقعت كلها على ميثاق يرفض الانقلابات ويسمح بعقوبات ضد مرتكبيها، قد تصل إلى التدخل العسكري.

وفيما يبدو أن الخيار العسكري سيكون «الحل الأخير» - إلا أنه يبقى مطروحاً - يعرب عبد الصمد امبارك عن اعتقاده بأن هذا الخيار «غير ممكن لبضعة أسباب منها: أولاً فقدان القدرة الميدانية على القيام به. وثانياً الموقف الموحّد الذي أعلن عنه التحالف القائم بين بوركينا فاسو ومالي (ومعهما غينيا) في مواجهة أي تدخل عسكري محتمل في النيجر. وثالثاً لأن التدخل العسكري من شأنه أن يُعقد الأمور ويدفع بها في اتجاه المجهول، وبالتالي، حدوث ما لا تُحمَد عقباه في منطقة الساحل عموماً».

وهنا يعود إلى أذهان صنّاع القرار في المنطقة، تدخل حلف شمال الأطلسي «ناتو» في ليبيا عام 2011، الذي عارضته مجموعة دول الساحل بحجة خطره على الأمن في المنطقة، ولكن لا أحد سمع صوتها آنذاك. هذه الدول لن تكون مستعدة لتكرار الخطأ نفسه، وفي هذا السياق يشير امبارك إلى أن الوضع بات أكثر تعقيداً في ظل ما قال إنه «صراع دولي على النفوذ في المنطقة... من جهة محاور باريس وواشنطن وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ومحوَر روسيا الصاعد بقوة من جهة أخرى، خاصة بعد انتشار قوات (فاغنر) الخاصة الروسية (في جل بلدان الساحل الأفريقي)». ويضيف رئيس «مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية» أن «هذه الأوضاع من شأنها تعقيد حسابات الخروج من الأزمة الدستورية في النيجر».

ولكن الزوي، في رأي مخالف، يعتقد أن الحل العسكري «غير مستبعد». ويشير في هذا السياق إلى أن «الوضع الإقليمي والدولي الملتهب يجعلُ الحل العسكري مسألة متوقعة جداً، ولو أنه يبقى الخيار الأخير». ويضيف: «كل المؤشرات تقول إنه في حالة رفض القادة العسكريين التراجع عما قاموا به، فلا مفر من الحل العسكري».

هل هي حقاً «صفعة» لنفوذ فرنسا الإقليمي؟

*لا يشك مراقبون للوضع الإقليمي أن فرنسا خسرت كثيراً من قوتها في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، لكنها رغم ذلك لطالما اعتبرت النيجر آخر معاقل ومراكز القوة الفرنسية، بسبب تمركز أكثر من 1500 جندي فرنسي فيها.

غير أنه، بعد الانقلاب الأخير، يرى هؤلاء أن الأمور تتجه نحو توجيه «صفعة» جديدة للنفوذ الفرنسي، خاصة في ظل التقارب الواضح بين الانقلابيين في النيجر وأقرانهم في مالي وبوركينا فاسو.

هنا يقول ياسين عبد القادر الزوي إن «الوجود العسكري الفرنسي في النيجر مهم جداً، وله رمزية معنوية لدى باريس. وبالتالي، فإن نجاح الانقلاب سيضعه أمام مخاطر كبيرة، رغم تطمينات قادة الانقلاب، وذلك أمر تدركه فرنسا... التي لن ترضى بأقل من عودة الرئيس المنتخب إلى منصبه، مع تقديم تنازلات سياسية محدودة».

ويضيف الباحث في الشأن الأفريقي أن الرسائل الداعمة للانقلاب التي جاءت من مالي وبوركينا فاسو لها دلالتها؛ إذ إنها «تنطلق من خلافات كانت قائمة مع السلطات السابقة في النيجر، التي ظلت تعارض الانقلاب في البلدين. وعليه، يشكل انقلاب النيجر فرصة أمام كل من مالي وبوركينا فاسو لـ(جرّ) النيجر نحو معسكرهما المناهض لفرنسا والموالي لروسيا».

في المقابل، الموقف الروسي من انقلاب النيجر، وإن كان رافضاً للانقلاب، فهو لم يكن بنفس مستوى الحدة التي جاءت بها مواقف المجموعة الدولية، بل إن رئيس «فاغنر» عبّر عن استعداده لدعم قادة النيجر الجدد.

أكثر من هذا، فإن النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، ظهر في اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أسبوع، وهو يتحدث عن ضرورة دعم الجيش في النيجر. وقال أيضاً إن ثمة اتهامات توجه إلى مالي وبوركينا فاسو بالتورط في انقلاب النيجر، الأمر ينطوي على اتهام مبطن لروسيا بالتورط في الانقلاب بطريقة غير مباشرة، ومع أنه لم ينف ذلك ولم يؤكده، فإن تراوري اعتبر أنه «يفرض اتخاذ موقف تجاه ما يجري».


مقالات ذات صلة

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

أفريقيا صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

أعلنت السلطات في دولة بنين اعتقال قائد الحرس الجمهوري ورجل أعمال مُقرّب من رئيس البلاد ووزير سابق في الحكومة، إثر تورّطهم في مخطط لقلب نظام الحكم بالقوة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا المواطن الأميركي بنجامين ريوبين زالمان بولن خلال محاكمته في قضية «محاولة الانقلاب» بالكونغو (إ.ب.أ)

حكم بإعدام 37 شخصاً بينهم 3 أميركيين في «محاولة الانقلاب» بالكونغو الديمقراطية

أصدرت محكمة عسكرية بكينشاسا حكماً بإعدام 37 متهماً، بينهم 3 أميركيين، في قضية «محاولة الانقلاب» التي شهدتها جمهورية الكونغو الديمقراطية.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا)
آسيا الشيخة حسينة (رويترز)

بنغلاديش تلغي حظراً مفروضاً على حزب إسلامي بعد رحيل الشيخة حسينة

ألغت الحكومة المؤقتة في بنغلاديش حظراً على أكبر حزب إسلامي في البلاد، وهو حزب الجماعة الإسلامية، ملغية بذلك قراراً اتخذه نظام رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة

«الشرق الأوسط» (دكا)
آسيا متظاهرون يحتفلون بالقرب من صورة مشوهة لرئيسة وزراء بنغلاديش السابقة الشيخة حسينة بعد أنباء استقالتها في دكا يوم 5 أغسطس 2024 (أسوشييتد برس)

قضاء بنغلاديش يفتح تحقيقاً بتهمة القتل في حق الشيخة حسينة

فتحت محكمة في بنغلاديش تحقيقاً في جريمة قتل، يطول رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة و6 شخصيات بارزة في إدارتها، على خلفية قتل الشرطة رجلاً خلال الاضطرابات.

«الشرق الأوسط» (دكا)
أوروبا أوكرانيات مدنيات لدى حضورهن تدريباً على استخدام الأسلحة القتالية والمعدات الطبية في كييف (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحبط مخططاً لانقلاب مزعوم

أعلنت السلطات الأوكرانية عن إحباط مخطط لانقلاب مزعوم كان يستهدف الاستيلاء على السلطة في العاصمة كييف.

«الشرق الأوسط» (كييف)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)
تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)
TT

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)
تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات البرلمان المحلي. واصطف الناخبون في طوابير طويلة، خارج مراكز الاقتراع، للإدلاء بأصواتهم. وأفادت لجنة الانتخابات الهندية بأن نسبة المشاركة في التصويت تجاوزت 61 في المائة، ما يشكل أعلى نسبة منذ 35 سنة. ويذكر أن الصراع في كشمير، الذي يعود بجذوره إلى تقسيم الهند وباكستان عام 1947، مستعر منذ أكثر من سبعة عقود. ولذا بدا مشهد طابور المقترعين عَصياً على التصديق، بالنظر إلى تاريخ منطقة كشمير الطبيعية العنيف لأكثر عن ثلاثة عقود. ويُذكر أن كلاً من الهند وباكستان تدعي أحقيتها بالسيادة الكاملة على كشمير الطبيعية، إلا أن كلاً منهما تسيطر على جزء من الإقليم، في عداء مستحكم زاد عمره على 75 سنة شهد توتراً ومجابهات عسكرية بين الجارتين النوويتين، منذ استقلالهما عن الحكم الاستعماري البريطاني عام 1947.

كانت أول انتخابات برلمانية في جامو وكشمير قد أجريت مارس (آذار) ويونيو (حزيران) 1957، ودار التنافس حينذاك على 75 مقعداً، بموجب الدستور الخاص بالإقليم. أما الانتخابات التشريعية الحالية، فتُعدّ الأولى منذ إلغاء حكومة ناريندرا مودي، الهندية اليمينية المتشددة، المادة 370 عام 2019، وخفض الوضع القانوني لما كان ولاية جامو وكشمير – وهو أعلى التقسيمات الإدارية في الهند – إلى مجرد «إقليم اتحادي» ووضعه تحت الحكم المباشر من العاصمة دلهي. ومعروف أن وضع «الولاية» أعطى جامو وكشمير دستورها وقوانينها وخدماتها الإدارية الخاصة... لكن اليمين القوي الهندوسي لا يريد ذلك.

تحوّل عند المقاطعين؟

تفيد جهات محسوبة على حكومة مودي بأن الناخبين الذين قاطعوا الانتخابات طوال السنوات الـ34 الماضية، أظهروا «تحولاً لافتاً» نحو الديمقراطية التشاركية، وتوجّهوا إلى صناديق الاقتراع لخوض تجربة التصويت الأولى لهم، ولم يكن هناك خوف من العنف المسلح أو الإكراه من أي جانب.

وتاريخياً، لطالما كانت مشاركة الناخبين في كشمير ضعيفة بسبب قوة النزعة الاستقلالية. إلا أنه للمرة الأولى منذ 30 سنة، لم تسجل هذه المرة دعوة لمقاطعة الانتخابات من قِبل الاستقلاليين، الذين أقبل بعضهم على الترشح للانتخابات بالوكالة. وبينما بدا التغيير واضحاً للبعض، فإن هذا لا يعني أن الإقليم تحوّل فردوس سلام، وأن القلق تلاشى إلى الأبد؛ إذ لا تزال الأرضية السياسية مضطربة جراء التغييرات الحاسمة التي شهدها العقد الماضي.

في هذا الصدد، علق المحلل السياسي والصحافي الكشميري المخضرم زاهور مالك، قائلاً: «لحسن الحظ، يجري نقل الجدال إلى صناديق الاقتراع وسط مشاركة جماهيرية. وما سيخرج من هذا التفويض يحمل أهم ختم داخل دولة ديمقراطية: إرادة الشعب». وأردف: «تشكل هذه الانتخابات الاختبار الرئيسي للتحولات السياسية بالمنطقة بعد انتهاء الوضع الخاص لجامو وكشمير، وهي ستكون مؤشراً رئيسياً على المزاج السياسي في منطقة شهدت تغييرات جذرية على امتداد العقد الماضي».

الاستقلاليون والانتخابات

كما سبقت الإشارة، لأول مرة، شارك عدد كبير من الاستقلاليين السابقين إلى الانتخابات، بما في ذلك أعضاء سابقون في جماعات محظورة. من بين هذه الشخصيات سرجان أحمد واغاي، وهو رجل دين بارز كانت له مواقف معادية للهند. لكن واغاي يترشح اليوم، من داخل السجن في دائرتين انتخابيتين بوسط كشمير، هما غاندربال وبيرواه.

وهناك أيضاً حافظ محمد سكندر مالك، القيادي المتمرد، الذي كان أول من تقدّم بأوراق ترشحه مرشحاً مستقلاً، مع أنه لا يزال مصفّداً بجهاز تتّبع في رجليه يعمل بتكنولوجيا «جي بي إس». وكان مالك قد اعتقل عام 2019، وجرى احتجازه مرتين بموجب قانون السلامة العامة.

كذلك، سيار أحمد ريشي (42 سنة) زعيم «الجماعة الإسلامية» المحظورة السابق والمرشح المستقل اليوم، الذي كان يروّج لآيديولوجية انفصالية، ارتأى على ما يبدو أن الاقتراع أفضل من الرصاص لمواجهة الظلم، وهو يتولى تنظيم حملته الانتخابية عبر التنقّل والتفاعل مع الناخبين من باب إلى باب. وللعلم، كانت «الجماعة الإسلامية» من مكوّنات «مؤتمر الحريات»، الذي هو مزيج من الأحزاب السياسية الاستقلالية في كشمير، وقد سبق له دعم دعوات مقاطعة الانتخابات بعد عام 1987.

وأيضاً التحق القيادي الاستقلالي السابق سليم جيلاني بركب المشاركين بعد 35 سنة من العمل الدؤوب في جبهة الاستقلاليين. وبرّر الرجل تغييره موقفه برغبته «في إنجاز التنمية الاقتصادية لكشمير، وحلّ وضع كشمير داخل الهند... ثم كيف يمكنني أن أنكر حقيقة أنني أحمل جواز سفر هندياً وأستخدم العملة الهندية؟».

سرّ التحول المفاجئ

المحلل السياسي مزمّل مقبول، يرى أن كثيرين ممّن عارضوا لفترة طويلة اندماج كشمير مع الهند غيّروا مواقفهم منذ إلغاء صفة الحكم الذاتي الخاص بالإقليم عام 2019. وبالمثل، قال الصحافي إشفاق سلام، الذي عمل على الأرض في كشمير على مدى العقدين الماضيين: «إن نجاح الزعيم الاستقلالي الشيخ عبد الرشيد، الذي فاز بمقعد في البرلمان أثناء الانتخابات الوطنية في وقت سابق من العام، بينما هو يقبع داخل سجن تيهار في نيودلهي، أعاد ثقة الناس في نزاهة الانتخابات. وجاء نجاحه بمثابة تعبير عن إحباط الناخبين تجاه الأحزاب السياسية القائمة، علاوة على كون ذلك بمثابة تصويت ضد نيودلهي». ويُذكر أن عبد الرشيد خرج من السجن بكفالة مؤقتة، وهو يتولّى حالياً تنظيم حملة قوية لصالح مرشحي حزبه السياسي البالغ عددهم 34 مرشحاً. وقد ألهم العديد من الاستقلاليين للانضمام إلى المعركة؛ ما أدى إلى زيادة المشاركة العامة في المؤتمرات الانتخابية.

انزعاج الأحزاب الرئيسية

من جهة ثانية، أثار العدد الكبير من المرشحين الذين خاضوا هذه الانتخابات من المرتبطين سابقاً بالتيارات الاستقلالية، القلق والشكوك في صفوف أقوى حزبين سياسيين تقليديين في كشمير، أي «المؤتمر الوطني» و«حزب الشعب الديمقراطي».

وفي هذا السياق، تساءل عمر عبد الله، رئيس وزراء جامو وكشمير السابق، الذي تعرّض للهزيمة أمام عبد الرشيد، عن مصدر الأموال التي يحصل عليها هؤلاء المرشحون - الذين صنّفتهم نيودلهي فيما مضى باعتبارهم «مسلحين» - ما مكّنهم من خوض الانتخابات، وأيضاً «السر» وراء التغيير المفاجئ في آرائهم. واتهم عمر هؤلاء بأنهم «فريق مرشحي الاحتياط» لحزب «بهاراتيا جاناتا» اليميني الحاكم بزعامة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

وهنا نشير إلى أنه من الناحية الرسمية ليس لحزب «بهاراتيا جاناتا» (هندوسي قومي متشدد) أي وجود يذكر في إقليم كشمير ذي الغالبية المسلمة. فنظراً لتوقعه الخسارة، لم يدفع الحزب الحاكم في الهند تحت اسمه بأي مرشح في الانتخابات الوطنية بالإقليم في وقت سابق من 2024، وهذا رغم ادعائه أنه عزّز هيكله ورفع عضويته إلى 700 ألف داخل الإقليم، على امتداد العقد الماضي.

أهمية الانتخابات

يقول مراقبون إن انتخابات كشمير هذه ذات أهمية خاصة لأكثر من سبب، أبرزها أنها أول انتخابات تشريعية بعد إلغاء حكومة مودي المادة 370. وبجانب ذلك، يظهر أن لحكومة مودي وحزبه «بهاراتيا جاناتا»، مع هذه الانتخابات ما يشكّل «لحظة حساب». وحقاً، يُعد إلغاء المادة 370، التي منحت وضعاً خاصاً لجامو وكشمير، أخطر خطوة اتخذتها أي حكومة هندية منذ عام 1952. وترى الحكومة الهندية أن تغيير الوضع السابق يساعدها في تشكيل الحكومة بمفردها داخل جامو وكشمير، وأن هذا سيكون كافياً لمحو جميع أخطائها السابق. للمرة الأولى منذ 30 سنة لم تسجل هذه المرة دعوة لمقاطعة الانتخابات من قِبل الاستقلاليين الذين أقبل بعضهم على الترشح للانتخابات بالوكالة