روسيا وأفريقيا... طريق «الشراكة الاستراتيجية» مليئة بالمطبات

كره «الهيمنة الاستعمارية» يجمع الطرفين وتباين الأولويات يعوق العلاقة

من القمة الروسية - الأفريقية في سان بطرسبورغ (رويترز)
من القمة الروسية - الأفريقية في سان بطرسبورغ (رويترز)
TT

روسيا وأفريقيا... طريق «الشراكة الاستراتيجية» مليئة بالمطبات

من القمة الروسية - الأفريقية في سان بطرسبورغ (رويترز)
من القمة الروسية - الأفريقية في سان بطرسبورغ (رويترز)

من القمة الروسية - الأفريقية في سان بطرسبورغ (رويترز)

عكست الأجواء الودية، التي سادت خلال أعمال القمة الروسية - الأفريقية الثانية في عاصمة الشمال الروسي سان بطرسبورغ، مستوى مهماً من التقارب، يسهم هذا النجاح في تسريع وتائر زيادة حجم التبادل التجاري الاقتصادي بين روسيا وبلدان القارة خلال الأشهر الأخيرة، فضلاً عن بروز تطابق في المواقف حول غالبية القضايا المطروحة، وعلى رأسها الموقف من الحضور الغربي في «القارة السمراء».

لقد حرص غالبية الزعماء الحاضرين على التذكير بإسهامات الاتحاد السوفياتي السابق في تحرير بلدانهم من الاستعمار الغربي، والتأكيد على أن العلاقة مع روسيا تعد امتداداً للإرث التاريخي من الصداقة والتعاون. وهكذا، شكلت القمة نجاحاً سياسياً مهماً للكرملين، بعد تزايد المخاوف من نجاح الضغوط الغربية في عرقلة انعقادها، لكن هذا لم يخف التباين في أجندة الأولويات لدى الطرفين.

في ظل توافق روسي أفريقي على رفض «الهيمنة الغربية»، والدعوة إلى «عالم متعدد الأقطاب» تشغل فيه القارة الأفريقية مكانة مرموقة، لم تُخفِ العبارات البروتوكولية للزعماء الأفارقة قلق بلدانهم بسبب احتدام المواجهة الروسية مع الغرب واستمرار الحرب الأوكرانية التي تهدد الأمن الغذائي وأمن واستقرار العالم.

وفي حين انصب تركيز الكرملين على التوجه «الاستراتيجي» للشراكة بين روسيا وبلدان القارة، وضرورات إيجاد آليات لزيادة تنسيق السياسات المالية والاقتصادية في مواجهة العقوبات الغربية، ركز الجانب الأفريقي أكثر على متطلبات التنمية وبناء البُنى التحتية وملفات الأمن ومكافحة الإرهاب ومواجهة التهديدات المعاصرة.

وعود كبيرة...

حضر القمة الثانية من نوعها، بعدما كان القادة الروس والأفارقة قد التقوا في أول قمة من هذا النوع قبل 4 سنوات، زعماء ومسؤولون من 49 بلداً أفريقياً. ولم يخفِ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتياحه لانعقاد القمة في توقيتها رغم «الضغوط» الغربية الواسعة التي مورست لحمل بلدان القارة على مقاطعة الاجتماع في روسيا.

إلا أنه لا يمكن في المقابل تجاهل حقيقة أن مستوى تمثيل الوفود الأفريقية في القمة خيب إلى حد ما آمال الكرملين. وللمقارنة، مقابل حضور 43 زعيماً أفريقياً «قمة سوتشي» (القمة الأولى) عام 2019، جاء إلى سان بطرسبورغ في القمة الثانية 17 رئيس دولة فقط، ومُثل الجزء الأكبر من البلدان الأفريقية على مستوى رؤساء الوزارات أو مبعوثين رئاسيين.

ولكن، لم يمنع ذلك بوتين من تأكيد أن بلاده منفتحة على تعزيز التعاون في المجالات كافة. وتشير الأرقام إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا بلغ عام 2022 نحو 18 مليار دولار، وزاد في النصف الأول من عام 2023 بنحو 35 في المائة. كذلك، فإن مجالات التعاون الرئيسية بين روسيا والقارة الأفريقية باتت تشمل الطاقة واستخدام التربة والزراعة ومجالات أخرى كثيرة لم تكن تدخل في قطاعات التعاون، التي كانت تقتصر مع بعض بلدان القارة على إمدادات السلاح والتقنيات العسكرية.

- بوتين يتكلم خلال القمة (أ.ف.ب)

في المجالات السياسية، ركز الرئيس الروسي على استعداد بلاده للمساعدة في تعزيز سيادة الدول الأفريقية، بصفتها «شريكاً مهماً وأساسياً»، متعهداً بدعم مطلب مهم للمجموعة الأفريقية يتمثل في الانضمام إلى «مجموعة الدول العشرين» في قمتها المقبلة بالهند.

وشن بوتين هجوماً قوياً على الغرب، وربط كل مصائب أفريقيا بالماضي الاستعماري في القارة. ومن ثم، رأى أن «النزاعات العرقية والإثنية لا تزال مستمرة ولم تُحل في الكثير من المناطق الأفريقية، والأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحادة لا تزال باقية ومتفاقمة».

من جهة أخرى، ما كان ممكناً خلال الحوار، تجاهل أزمة إمدادات الغذاء بسبب تعطل «صفقة الحبوب». وهنا، مع دفاعه عن صواب قرار موسكو بالانسحاب من الصفقة لأنها «لم تُنفَّذ بالكامل» تعمد بوتين إظهار «انفتاح» بلاده على «تسويات جزئية» لتخفيف معاناة بعض البلدان الأفريقية، متعهداً بتوفير ما بين 25 و50 ألف طن من الحبوب مجاناً لبوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا خلال الأشهر المقبلة.

وكان الأبرز، أن موسكو، في مقابل تبرير انسحابها من الصفقة، وعدت بمساعدة الدول الأفريقية في مجالات عدة لتطوير قدراتها على صعيد ضمان الأمن الغذائي. وقال بوتين إن موسكو «ستعمل لكي تتمكن أفريقيا في المستقبل، من خلال تطبيق التقنيات الزراعية المناسبة والتنظيم المناسب للإنتاج الزراعي، ليس فقط من إطعام نفسها وضمان أمنها الغذائي، بل أيضاً من أن تصبح كذلك مصدِّرة لأنواع مختلفة من الغذاء، ولن تلاقي في ذلك سوى كل الدعم من جانب روسيا».

تعزيز تدريس اللغة الروسية

وفي إطار الوعود الروسية أيضاً، جرى التطرق إلى رُزمة واسعة من المساعدات التي تنوي موسكو تقديمها إلى بلدان القارة، بينها «دعم أفريقيا ليس فقط فيما يتعلق بالتعليم العالي، بل كذلك في مؤسسات التعليم العام والثانوي وإعداد كوادر المعلمين، وتعزيز تدريس اللغة الروسية في بعض الدول».

وأما في قطاع الطاقة، فقال الرئيس الروسي إن صادرات النفط الخام والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي المسال من بلاده إلى أفريقيا زادت بمقدار 2.6 مرة، ويوجد الآن أكثر من 30 مشروعاً واعداً للطاقة بمشاركة روسية في 16 دولة أفريقية بدرجات متفاوتة من التنمية. وفي سياق موازٍ، حث البلدان الأفريقية على توسيع تعاونها مع موسكو في مجال مواجهة تداعيات العقوبات الغربية، قائلاً: «من الضروري التحرك بنشاط أكبر في مجال التحول إلى التسويات المالية للمعاملات التجارية بالعملات الوطنية، بما في ذلك الروبل، من أجل زيادة توسيع النطاق الكامل للعلاقات التجارية والاقتصادية».

وأبدى الكرملين أيضا استعداداً للعمل مع البلدان الأفريقية لتطوير بنيتها التحتية المالية، وربط المؤسسات المصرفية بالنظام الذي أنشئ في روسيا لنقل الرسائل المالية، التي تسمح بالدفع عبر الحدود، «بعيداً من بُعد الأنظمة الغربية الحالية المقيدة».

تطلّعات أفريقية: لا نقف ممدودي الأيدي!

في المقابل، برز تباين واضح في أولويات القارة، رغم تطابق المواقف حيال بعض القضايا؛ إذ أشاد رئيس الاتحاد الأفريقي عثمان غزالي، بـ«التعاون الروسي مع بلدان القارة لمكافحة المشكلات الزراعية».

وحيال التعويل الأفريقي على دعم تطلعات القارة الأفريقية في إطار تعزيز «المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات الدولية، وأن يكون للاتحاد الأفريقي مكان في مجلس الأمن»، فضلاً عن ترسيخ الوجود الأفريقي في «مجموعة العشرين»، ركزت كلمات أخرى للقادة الأفارقة على أهمية تصحيح «خطأ تاريخي» حرم القارة السمراء من التمثيل العادل في المؤسسات الدولية. بل، وطالب بعضهم روسيا بأن تؤدي دوراً لتصحيح هذا الخطأ.

أيضاً، مع تأكيد كل الوفود الأفريقية رفض «التركة الاستعمارية»، تفاوتت الكلمات في الجلسة الموسعة بين أطراف ركزت فقط على الهيمنة الغربية، وأطراف شددت على «ضرورات التعاون مع روسيا» لمواجهة «الاستعمار الجديد»، كما قال رئيس بوركينا فاسو والقائم بأعمال الرئاسة في مالي، وهما بلدان لعبت فيهما روسيا دوراً عسكرياً مباشراً لمواجهة الوجود الفرنسي. وحض الطرفان البوركيني والمالي بقية الدول الأفريقية على تبني مواقفهما، وأنه «يجب على قادة الدول الأفريقية ألا يكونوا دمية في أيدي الإمبرياليين والمستعمرين».

أما رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فحدد مطالب القارة من روسيا، قائلاً إن البلدان الأفريقية تمتلك ثروات هائلة لا يُصار إلى استغلالها جيداً. وحث بالتالي روسيا على المساعدة في تطوير بناها التحتية.

هذا أمر أثاره كذلك رئيس الكونغو في مداخلته، التي شددت على أن «هدفنا هو التنمية. لقد حاربنا الاستعمار في الماضي، واليوم علينا أن نواجه تحديات معاصرة، وأن نعمل من أجل رفاهية ما يصل إلى ملياري أفريقي بحلول عام 2050». وتابع الرئيس الكونغولي أن القارة الأفريقية تحتاج إلى الكهرباء، وأن نحو 600 مليون أفريقي يعيشون في الظلام. وأردف: «نحتاج إلى الكهرباء من أجل تدشين الصناعات، وعلينا بناء سكك الحديد والبنى التحتية للتجارة والنقل»، مذكراً بأن القارة الأفريقية «لا تتوقع السخاء من أحد، ولا نقف ممدودي اليدين، بل نرى أن للتعاون بين روسيا وأفريقيا مستقبلاً مشرقاً». وحقاً، بدا هذا المدخل موحداً تقريباً لأجندة غالبية البلدان الأفريقية، في مقابل التطلعات الروسية من القمة.

- الرئيس الجنوب أفريقي رامافوزا (جي سي آي إس)

أما رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، فسعى إلى إيجاد عناصر للربط بين الأجندتين، من خلال الدعوة إلى تعزيز تعاون البلدان الأفريقية مع مجموعة «بريكس». وقال إن «الشركاء في (بريكس) يشاركون في الدعم الاقتصادي لأفريقيا». وزاد أن «على الدول الأفريقية تقرير مصيرها بنفسها كشعوب وككيان مشترك. لدينا مصادر وموارد علينا أن نستفيد بها من أجل مصلحة أفريقيا». ثم أضاف أن بلدان القارة تريد أن تصدّر المنتجات الجاهزة ذات القيمة المضافة، و«لا بد أن يكون هناك احترام لما نقوم به على المستوى الوطني. يجب علينا أن نوقف البلدان التي تستغل مواردنا الطبيعية عند حدها».

في الوقت ذاته، برزت دعوات بعض القادة إلى وضع استراتيجية واضحة للتعاون المستقبلي بين روسيا وبلدان القارة، تقوم على «خريطة طريق» مدروسة وتضع سقفاً زمنياً لتنفيذ مشاريع حيوية مهمة.

وشكلت هذه نقطة بارزة لم تتطرق إليها القيادة الروسية خلال الحوار، تضاف إلى مسألة القلق المتزايد على متطلبات الأمن الغذائي للقارة رغم التطمينات الروسية حول زيادة الصادرات من الحبوب. وهذا أمر برز من خلال تركيز غالبية القادة الأفارقة على أهمية التعامل بشكل إيجابي مع «المبادرة الأفريقية للسلام» (بين روسيا وأوكرانيا) التي كانت بلدان القارة قد اقترحتها في وقت سابق. وهو ما تجنب الرئيس الروسي الرد عليه في الجلسة المفتوحة، مكتفياً بالإشارة إلى أن هذا الموضوع سيكون محور نقاش خلال جلسات مغلقة.

 

البيان الختامي... لقاء في منتصف الطريق

* عكس البيان الختامي للقمة أن الطرفين سعيا إلى إيجاد صياغات عامة تلبي مصالح روسيا والقارة الأفريقية، لكن الحصيلة لم تصل إلى مستوى توقعات بعض القادة الأفارقة الذين كانوا يدفعون نحو وضع آليات واضحة لتطوير التعاون.

 

لقد شملت الوثيقة بنوداً كثيرة تنطلق من رؤية مشتركة لمواجهة «التركة الاستعمارية»، بما في ذلك المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن السياسة الاستعمارية، وتعزيز إعادة الممتلكات الثقافية، والعمل في مجلس الأمن الدولي لتخفيف ورفع العقوبات المفروضة على الدول الأفريقية. وكذلك، معارضة العقوبات أحادية الجانب - بما في ذلك العقوبات الثانوية - وتجميد احتياطيات الذهب والنقد الأجنبي السيادية.

وأكد البيان على دعم انضمام المجموعة الأفريقية إلى «مجموعة العشرين»، والسعي المشترك لإصلاح منظمة التجارة العالمية، والمساهمة في تعميق الشراكة بين «بريكس» وأفريقيا وإطلاق حوار بين منظمة «معاهدة الأمن الجماعي» والاتحاد الأفريقي، وبين «منظمة شنغهاي للتعاون» والاتحاد الأفريقي. ولفت إلى تعاون مستقبلي في عقد اجتماع إقليمي حول الأمن في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومواصلة التعاون الوثيق الهادف إلى تسوية ومنع النزاعات في القارة الأفريقية، ومعارضة إيجاد بدائل للقانون الدولي، ومحاربة انتشار «الأفكار الراديكالية بين الشباب».

وأيضاً شدد على معارضة التمييز على أساس الجنسية والعرق، بما في ذلك التمييز ضد الأفروفوبيا ورهاب روسيا. ونص كذلك، على بذل جهود مشتركة لضمان الأمن الغذائي وأمن الطاقة على المدى الطويل في أفريقيا، وعلى التعاون في الوقاية من الكوارث الطبيعية والأوبئة، وتحفيز انتقال عادل لمصادر الطاقة. وتكلم عن تنفيذ مشاريع إعلامية مشتركة، وتنمية التعاون في مجال حماية القيم الثقافية وتنظيم رحلات متبادلة للشخصيات الثقافية، وإدخال اللغات الأفريقية والروسية في المناهج الدراسية.

- قوات «فاغنر» في أفريقيا (آ ب)

تحديات تواجه تطوير التعاون الروسي الأفريقي

* لا شك في أن القمة الروسية - الأفريقية الثانية عكست شكلاً من تداعيات الأزمة الدولية المتصاعدة، بسبب المواجهة بين روسيا والغرب. ولكن في مقابل الحرص على إبداء قدر كبير من التفاهم والرغبة في الانتقال إلى علاقات استراتيجية فاعلة، برزت تحديات جدية أمام هذا التوجه... ليس أصعبها التباين في أجندة الأولويات بين الطرفين.

روسيا أبدت جاهزيتها «لتوسيع حضورها العسكري والأمني في القارة»، وفاخر الرئيس بوتين بأن بلاده تقدم مساعدات إلى نحو 40 دولة أفريقية بالأسلحة لجيوشها في إطار اتفاقيات ثنائية.

هذا أمر مهم لبلدان القارة لكنه لا يخفي الحاجة الماسة، قبل أي شيء، لتطوير البنى التحتية، وهو ما لا تستطيع موسكو وحدها تخصيص موازنات ضخمة للوفاء به، كما أنها تواجه منافسة شديدة من جانب «القوة الناعمة» الصينية، والحضور القوي للغرب في عدد من بلدان القارة.

اللافت أن موسكو ربطت تنشيط تحركاتها لدعم المشاريع التحديثية في القارة، وتقديم العون في مسائل إعداد الكوادر المؤهلة، مع متطلباتها لتعزيز مواقفها في المواجهة مع الغرب... وذلك عبر ضرورة الانتقال نحو التعامل بالعملات الوطنية لتجاوز العقوبات الغربية وتحسين قدرات الأطراف على توسيع التعاون.

وصحيح أن موسكو تتبع نهجاً مختلفاً عن النهج الغربي مع القارة الأفريقية، من خلال تقديم مساعدات في شكل إعفاءات من الديون ومساعدات وقت الأزمات، كما أنها تركز في استثماراتها على الموارد والطاقة، لكن العلاقات التجارية بين روسيا وأفريقيا ظلَّت متواضعة للغاية رغم جهود الطرفين لتطويرها. ذلك أن حجم التبادل التجاري مع القارة لا يزيد على 18 مليار دولار، وهذا رقم أقل بـ16 مرة تقريباً من حجم التبادل مع الصين، ويشكل نحو خُمس حجم التبادل مع الولايات المتحدة.

أيضاً نسبة الاستثمارات الروسية من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أفريقيا لا تزيد على واحد في المائة، ونسبة الصادرات الأفريقية إلى روسيا أقل من نصف في المائة من إجمالي الصادرات الأفريقية. ولا يزيد عدد المنشآت الروسية في القارة الأفريقية على 330 منشأة، بين بنية تحتية ومصنع. فضلاً عن أن نحو 70 في المائة من تجارة روسيا مع أفريقيا تنحصر في 4 دول، هي: مصر والمغرب والجزائر وجنوب أفريقيا. وتشكل مصر وحدها نحو ثلث التجارة بين روسيا وأفريقيا، بنحو 6 مليارات دولار عام 2022.

التحدي الثاني المهم يتمثل في غياب وحدة المواقف الأفريقية من الحضور العسكري الروسي في القارة. وبالفعل أظهرت دراسة نشرها أخيراً «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» أن روسيا «حاولت تقويض الديمقراطية في أكثر من 20 دولة أفريقية من خلال التدخل السياسي وحملات تضليل معلوماتية ونشر مرتزقة من مجموعة (فاغنر) الروسية».

ولكن، رغم ذلك، دلَّت الدراسة إلى أن آراء مواطني القارة السمراء ما زالت منقسمة حيال السياسة الروسية في أوكرانيا؛ إذ أظهر استطلاع للرأي أجري خلال يونيو (حزيران) في كل من جنوب أفريقيا وكينيا ونيجيريا والسنغال وأوغندا وزامبيا أن غالبية المستفتين تعتقد أن الغزو الروسي لأوكرانيا كان مخالفاً لمبادئ القانون الدولي.

والعنصر الثالث اللافت الذي يشكل تحدياً للعلاقة، يتمثل في التباين الكبير حيال ملف الأمن الغذائي. صحيح أن موسكو سعت إلى تبرير موقفها من تقويض «صفقة الحبوب»، وتعهَّدت في المقابل بحلول جزئية تقوم على تقديم «هبات» من القمح للدول الأكثر حاجة، لكن برز الخلاف على الموضوع بوضوح في غياب موقف مشترك معلن حيال الأزمة الأوكرانية كلها في البيان الختامي.

اللافت هنا أن الرئيس الروسي أعلن في ختام القمة أن الطرفين أعدا وثيقة مشتركة حول أوكرانيا، لكن هذه الوثيقة غابت عن الوثائق الختامية للقمة. وبرر الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف لاحقاً ذلك بالقول إن روسيا «أعدَّت مسودتها بعد مناقشة الوضع في أوكرانيا في القمة الروسية - الأفريقية وسلمتها إلى وفد جنوب أفريقيا بصفته منظم مبادرة الوساطة الأفريقية». وأضاف بيسكوف: «بمجرد الاتفاق على النص النهائي فإن الجانب الجنوب أفريقي سينشر الوثيقة». لكن تلك الوثيقة لم تبصر النور حتى الآن.


مقالات ذات صلة

السعودية تدعو إلى تبني نهج متوازن وشامل في خطط التحول بـ«قطاع الطاقة»

الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمته في الجلسة الثالثة لقمة دول مجموعة العشرين (واس)

السعودية تدعو إلى تبني نهج متوازن وشامل في خطط التحول بـ«قطاع الطاقة»

أكدت السعودية، الثلاثاء، أن أمن الطاقة يمثل تحدياً عالمياً وعائقاً أمام التنمية والقضاء على الفقر، مشددة على أهمية مراعاة الظروف الخاصة لكل دولة.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (آبيك) في ليما - بيرو 15 نوفمبر 2024 (رويترز)

بايدن: العالم يواجه لحظة تغيير سياسي كبير

حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم (الجمعة)، من مدة، من التغيير السياسي في أثناء عقده اجتماعاً مع زعيمي اليابان وكوريا الجنوبية في قمة آسيا والمحيط الهادئ.

«الشرق الأوسط» (ليما)
العالم عناصر شرطة حاملين الأعلام الوطنية يتوجهون إلى وزارة الثقافة في البيرو مكان انعقاد قمة منتدى «آبيك» في ليما 15 نوفمبر 2024 (أ.ب)

عدم اليقين يخيّم على افتتاح قمة آسيا والمحيط الهادئ بعد فوز ترمب

خيّم جوّ من عدم اليقين على قمة «منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ» (آبيك) المقامة في البيرو، بعد فوز دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية.

«الشرق الأوسط» (ليما)
تكنولوجيا خلال جلسة في «قمة الويب» 2024 في لشبونة عاصمة البرتغال 12 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

«ثورة الذكاء الاصطناعي» تطغى على «قمة الويب» في لشبونة

يطغى الذكاء الاصطناعي والتحوّلات الناتجة عنه على المناقشات خلال «قمة الويب» التي تُعقَد في لشبونة هذا الأسبوع على خلفية إعادة انتخاب ترمب رئيساً لأميركا.

«الشرق الأوسط» (لشبونة)
الخليج صورة جماعية للقادة المشاركين في القمة العربية - الإسلامية في الرياض العام الماضي (واس) play-circle 00:38

قمة الرياض: تشديد على وقف الجرائم الإسرائيلية (تغطية حية)

تشهد الرياض «القمة العربية الإسلامية» غير العادية، بحضور قادة وممثلي أكثر من 50 دولة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».