ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة «القارة السمراء»

انتعل أول حذاء في الـ 15 من عمره... وخطابه أغرى ملايين الشباب

ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة 
«القارة السمراء»
TT

ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة «القارة السمراء»

ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة 
«القارة السمراء»

تمثل كينيا واحدة من الدول الأفريقية القليلة التي تُصنف من جانب العديد من القوى الدولية «نموذجاً جيداً للتطبيق التدريجي للديمقراطية»، وهذا رغم ما تواجهه من تهديدات عرقية وقبلية.

ولكن بالنظر إلى تجاوز كينيا العديد من موجات الاضطراب التي تجتاح منطقة القرن الأفريقي، وشرق أفريقيا عموماً، تبدو كينيا بالفعل صاحبة تجربة لافتة، ولقد مر مسار التجربة السياسية في كينيا بالعديد من المحطات، من أبرزها:

- ظلت كينيا تحت الاحتلال البريطاني لثمانية عقود، من عام 1895 قبل أن تنال استقلالها عام 1963 بعد ثورة شعبية، وقيادة من حركة التحرير التي عُرفت باسم حركة «الماو ماو» في خمسينات القرن الماضي.

أوهورو كينياتا

- في 12 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1963، أصبح جومو كينياتا أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال. وكان أبرز مساعديه وأركان حكمه أوغينغا أودينغا.

- في عام 1964 أصبحت كينيا دولة جمهورية.

- في عام 2007، شهدت كينيا مصادمات واسعة عقب اتهام مرشح الحركة الديمقراطية البرتقالية (يسار معتدل) رايلا أودينغا (ابن أوغينغا أودينغا)، المرشح الفائز بمنصب الرئيس مواي كيباكي بالتزوير، الأمر الذي تسبب في اندلاع مواجهات بين الطرفين استمرت لمدة شهرين، راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص.

- في أواخر فبراير (شباط) 2008، رعت الأمم المتحدة مفاوضات سلام بين الطرفين، بقيادة الأمين العام السابق كوفي عنان، نتج عنها اتفاق لتقاسم السلطة، شغل بموجبه أودينغا منصب رئيس الوزراء، الذي استحدث بغرض تسوية النزاع، كما تضمن اتفاق تقاسم السلطة أجندة إصلاحات واسعة، كان جوهرها الإصلاح الدستوري.

- في أغسطس (آب) 2010، نظّم استفتاء وطني على الدستور الجديد، ووافق عليه غالبية الكينيين، وقد أقر إقامة نظام رئاسي للحكم، لتحقيق مبدأ الفصل والتوازن في توزيع السلطات، وقُسّمت كينيا بموجبه إلى 47 محافظة، يتمتع كل منها بسلطة وموارد كبيرة، ويحكم كل إقليم حاكم منتخب.

- بموجب الدستور الجديد أيضاً، أُلغي منصب رئيس الوزراء، وبات رئيس الجمهورية يشغل منصبي رئيس الدولة ورئيس الحكومة، ويجري انتخابه بالاقتراع الشعبي لفترة رئاسية مدتها خمس سنوات، يحق للرئيس الترشح لفترة ثانية.

- طبقت التعديلات الجديدة اعتباراً من الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 4 مارس 2013، وفاز بها أوهورو كينياتا، نجل الرئيس المؤسس جومو كينياتا، في الجولة الأولى وبفارق قليل، وأعيد انتخابه في 2017.

- في عام 2018، تصالح كينياتا بشكل مفاجئ وغير متوقع مع خصمه السابق أودينغا، وسعيا طوال سنة كاملة لتغيير الدستور من أجل تمرير ترشح كينياتا لفترة رئاسية ثالثة، وهو ما رفضه ويليام روتو نائب الرئيس، وعقب الحكم بلا أحقية الرئيس في تعديل الدستور، ارتفعت أسهم روتو في الانتخابات التالية.

- في 5 سبتمبر (أيلول)، وبعد نحو شهر من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 9 أغسطس، أيّدت المحكمة العليا بالإجماع فوز روتو على رايلا أودينغا (77 سنة) ليصبح الرئيس الخامس في تاريخ كينيا بعد الاستقلال.

عندما استقبل الرئيس الكيني ويليام روتو عدداً من القادة الأفارقة المشاركين في قمة منتصف العام للاتحاد الأفريقي، التي استضافتها كينيا، لم يتردد في شن هجوم قوي على المؤسسات المالية الدولية. وفيه حمّل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مسؤولية أزمة الديون في القارة الأفريقية، وطالب بـ«نظام مالي عادل» للقارة التي تتكبد أعباء الفوائد أكثر من غيرها.

روتو الذي كان يتكلم بحماسة شديدة مستخدماً قدراته الخطابية التي ضمنت له فوزاً صعباً في انتخابات رئاسية احتشدت فيها ضده عائلات سياسية عتيدة، لم يكن يمثل في تلك اللحظات فقط ذلك المرشح الرئاسي الذي اجتذب بخطابه عن «الإصلاح من القاعدة إلى القمة» أصوات الشباب... بل ربما بدا أقرب ما يكون إلى ذلك الشاب الذي كان يبيع الدجاج على طرقات كينيا الفقيرة، حالماً بتغيير واقعه.

أكثر من هذا، لعل الرئيس رأى أن الوقت قد حان ليمدّ حلمه إلى نطاق أوسع في قارة سمراء، تعج بعشرات الملايين من الشباب الذين يحملون الحلم ذاته الذي سكن قلب الشاب ويليام روتو قبل أربعة عقود.

النشأة وبداية المسيرة

من رحم الطفولة الصعبة، بدأت أحلام الشاب الكيني الفقير ويليام روتو، المولود في عام 1966 لأسرة كينية بسيطة من شعب الكالينجين، أكبر الشعوب النيلية في منطقة «الانهدام الكبير» بغرب كينيا.

في تلك الأيام ما كانت الأسرة قادرة على تأمين قوت أطفالها بسهولة، فكان الصغير ويليام يذهب إلى مدرسته حافي القدمين؛ إذ إنه لم يعرف انتعال الحذاء إلا عندما بلغ سن الـ15.

أيضاً اضطر ويليام، في صغره، إلى البحث عن أي وسيلة لتوفير بضعة «شلنات» كينية؛ كي يعين أسرته على تحمّل تكلفة الحياة، فباع الدجاج والفول السوداني على الطرقات المقفرة في المناطق الريفية. وعانى ويليام روتو مبكراً من قسوة الحياة، وأدرك أن تحقيق أحلامه الكبيرة يتطلب كفاحاً أكبر، ومن ثم، كان العمل السياسي هو السبيل الذي اختاره ليحقق أحلام طفولته في السلطة والثروة. كذلك، أتيح له الاهتمام بالدراسة، فتخرّج في جامعة نيروبي، وتابع فيها دراساته العليا.

من ناحية ثانية، في عام 1992، بينما كان روتو في منتصف عقده الثالث، وجد فرصة لاقتحام المعترك السياسي، فانضم إلى الجناح الشبابي لحزب «كانو» الذي يتزعمه رئيس البلاد (آنذاك) دانيال أراب موي، الذي يتشارك مع روتو الانتماء إلى شعب الكالينجين، الذي يشكل ثالث أكبر مجموعة عرقية - قبلية في كينيا.

وبسرعة اكتشف رجال «كانو» القدرات الخطابية الواعدة لذلك الشاب الآتي من الريف، وقدرته على حشد الجماهير، وبخاصة الفقراء الذين جاء من صفوفهم، وهو العالِم بأحلامهم البسيطة، والقادر على دغدغة مشاعرهم بما يريدون سماعه، وتحريكهم في الاتجاه الذي يريد.

«تلميذ» آراب موي

ولم يطل الوقت حتى وقع على روتو الاختيار ليكون أحد الذين عُهدت إليهم مهمة تعبئة الناخبين للمشاركة في أول انتخابات متعددة الأحزاب تشهدها كينيا، ولقد أجريت بالفعل في العام ذاته. ويبدو أن صيته وصل إلى الرئيس آراب موي شخصياً، فقرّبه منه، ليغدو - كما وصفه روتو - «أول أساتذة السياسة» الذين تعلّم منهم كيف يسير بثبات ويشق طريقه في دهاليز السياسة الكينية المعقدة.

في مواجهة «السلالات الحاكمة»، لم يتنكر روتو يوماً لأصوله الفقيرة، بل كثيراً ما تباهى بها، وبما حققه من نجاح في عالمي السياسة والمال، ليصبح واحداً من أكثر الكينيين ثراء. ولاحقاً، يصل في أغسطس (آب) من العام الماضي إلى قيادة البلاد بعد فوزه بمنصب الرئاسة. مع هذا، فإن روتو يدرك أكثر من غيره كم كانت تلك الرحلة صعبة ومليئة بأشواك في طريق غير معبدة، على الأقل بالنسبة لرجل لا تقف وراءه عائلة سياسية قوية، كتلك التي جاء منها حلفاؤه وخصومه على حد سواء.

مع أودينغا... ثم كينياتا

في انتخابات عام 2007، برز اسم روتو بوصفه واحداً من أبرز مناصري مرشح المعارضة (في ذلك الوقت) رايلا أودينغا، في حين كان أوهورو كينياتا يدعم رئيس الجمهورية مواي كيباكي، الذي كان يسعى إلى الحصول على فترة رئاسية ثانية.

بعدها، ستمضي الأيام وتتبدّل أشكال العلاقة بين أضلاع ذلك «المثلث» (روتو - أودينغا - كينياتا) ما بين منافسة وتحالف وعداء. لكن نجم روتو ظل في صعود وتولي عدة مناصب وزارية، بما فيها وزارتا التعليم والزراعة.

وفي عام 2013، انتخب روتو نائباً للرئيس عندما خاض المنافسة إلى جانب الرئيس أوهورو كينياتا، الأمر الذي أذهل كثرة من الكينيين؛ لأن الرجلين كانا على طرفي نقيض سياسياً إبّان الانتخابات السابقة، وبدت العلاقة بين الرجلين تطبيقاً للمقولة الشهيرة: «في السياسة لا صداقات أو عداوات دائمة، بل مصالح دائمة».

ما حصل، وفق كثيرين «تحالف منفعة»؛ إذ كانت المحكمة الجنائية الدولية قد وجّهت إلى كينياتا وروتو تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تتعلّق بمزاعم تأجيجهما أعمال العنف السياسية - القبلية (بالذات بين شعبي الكيكويو، الذي ينتمي إليهم كينياتا، واللوو الذين ينتمي إليهم أودينغا والرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما). هذا، واندلعت أعمال العنف عام 2007 إثر المعركة الانتخابية الشرسة، وأسفرت يومذاك عن مقتل نحو 1500 شخص. وبالنتيجة، أفلح التحالف في توصيل الرجلين إلى السلطة، بعد الإفلات من اتهامات «الجنائية الدولية»، حين أسقطت المحكمة الاتهامات عن الرئيس كينياتا ونائبه روتو عام 2014.

في سدة الرئاسة

الأمر اختلف في انتخابات العام الماضي، التي اختار روتو الترشح فيها للمرة الأولى إلى مقعد الرئيس، بعد 10 سنوات أمضاها نائباً لكينياتا. غير أن الأخير، نتيجة للخلافات التي عصفت بعلاقته مع نائبه روتو، ولا سيما في سنوات حكمه الأخيرة - بسبب رغبته في تعديل الدستور لتمديد حكمه لفترة ثالثة ورفض روتو ذلك - اختار أن يقف مع «غريمه القديم» أودينغا.

وبالفعل، شكّك كينياتا، الذي هو ابن جومو كينياتا أول رئيس استقلالي لكينيا، علناً في قدرة نائبه وجدارته في تولي الرئاسة، ولم يتردد في مهاجمة روتو شخصياً ووصفه بأنه «لا يستحق» قيادة البلاد.

في هذه التجربة «الدرامية»، لم يكن الفوز سهلاً وسط تبدل مواقع الحلفاء والخصوم. وهنا استعان روتو بقدراته الخطابية القديمة وقدرته على حشد الفقراء والشباب، ولم يتردد في أن يبني حملته الانتخابية على كونه مرشحاً من خارج «المؤسسة الحاكمة»، رغم شغله منصب نائب الرئيس 10 سنوات. ولم يتردّد كذلك في مبادلة كينياتا الهجوم بأقوى منه، قائلاً إن الأخير يريد أن يخلفه أودينغا لأنه يرغب في «رئيس دمية».

ومن ثم، صاغ روتو شعارات حملته لتبدو الانتخابات في إطار صراع بين «الكادحين»، في إشارة إلى الكينيين الفقراء، و«السلالات الحاكمة»، في إشارة إلى العائلات «المتنفذة» مثل عائلتي كينياتا (التي جاء منها رئيسا جمهورية) وأودينغا (التي جاء منها رئيسا وزراء)، اللتين كانتا أبرز اللاعبين المؤثرين في سياسة كينيا منذ الاستقلال.

الشباب... والتغيير

لعب روتو على أوتار التغيير، مداعباً أحلام الشباب والفقراء من أجل مستقبل مغاير لما عاشوه عبر عقود تحت مظلة العائلات التي تتبادل الحكم فيما بينها. ورغم ثروته الشخصية الطائلة، وجّه خطاباته القوية إلى «أمة المكافحين»، متعهداً بأن تركز سياساته الاقتصادية على تحسين أوضاع الفئات الأكثر فقراً أولاً، «لأنها كانت الأكثر تحملاً للأعباء»، إبان أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة التي ضربت العالم بأسره في أعقاب جائحة «كوفيد - 19» والحرب في أوكرانيا.

واستخدم روتو سيرته الشخصية مصدرَ إلهام لملايين الشباب، معرباً عن رغبته بتوفير الفرص للجميع ليكونوا مثله، عندما استطاع التحوّل من شاب فقير إلى أحد أكبر ملاك الأراضي في كينيا، بعدما استثمر في زراعة الذرة وإنتاج الألبان وتربية الدواجن. وللعلم، يملك روتو اليوم مساحات شاسعة من الأراضي في مناطق الغرب ومناطق الساحل الكيني، وكذلك لديه استثمارات في قطاع الضيافة.

لقد وضع روتو تلك الانتخابات في إطار تغيير الأجيال الذي «حان وقته»، مروّجاً لرسالته من خلال استخدامه لغته البليغة وشعاراته الرنانة، وهو ما منحه المصداقية والقبول في أوساط العديد من المواطنين الكينيين.

بل حتى اختلافه الديني استخدمه كنقطة قوة له. فويليام روتو هو أول رئيس مسيحي إينفانجيلي (المسيحيون المولودون من جديد) لكينيا، التي تحظى بتنوّع ديني إضافة إلى تنوّعها العرقي. والجدير بالذكر، أنه رغم كون نحو 85 في المائة من الكينيين مسيحيين وفقاً لآخر تعداد سكاني أجري عام 2019، فإنهم يتوزعون بين الطوائف (33 في المائة بروتستانت، و21 في المائة كاثوليك، و20 في المائة إيفانجيليون و7 في المائة يتبعون الكنائس الأفريقية)، بينما نحو 11 في المائة من السكان. وتضاف إلى هذا الخليط أعداد من الوثنيين والملحدين. وكان «التسامح الديني» من الشعارات التي ركز عليها روتو لكسب المتعاطفين من طوائف وديانات مختلفة، جاعلاً نداء حملته «كينيا كوانزا»، الذي يعني «كينيا أولاً» باللغة السواحلية.

في أي حال، كسب روتو الانتخابات بنسبة 50.5 في المائة من أصوات الناخبين. ورغم الارتباك الذي سعى خصومه إلى إثارته نتيجة هامش الفوز الضئيل للتشكيك في نزاهة الانتخابات، فإن اعتماد المحكمة العليا النتيجة حسم الأمر لصالح «صبي من القرية أصبح رئيساً لكينيا»، على حد تعبير روتو خلال احتفاله بالفوز وسط أنصاره.

تحديات ما بعد الوعود

التحديات الآن صعبة، وإذا كانت القدرات والوعود قد أمنت لروتو الفوز بالرئاسة، فإنها لم تستطع أن تضمن له الهدوء طويلاً على الجبهة الداخلية؛ إذ سرعان ما حاول غريماه أودينغا وكينياتا الرد على الهزيمة القاسية التي مُنيا بها حتى في معاقلهما الانتخابية التاريخية، مستغلَّيْن استمرار الأزمات الاقتصادية الداخلية، ومتهمَين «الرئيس» بالتنكر لتعهداته.

وبعد بضعة أشهر من تولي روتو السلطة، اندلعت صراعات سياسية ومظاهرات دموية في الساحات والشوارع ضد سياساته. ولقد تفجرت الاحتجاجات منذ العشرين من مارس (آذار) الماضي، عندما دعت قيادات معارضة (يتصدرها أودينغا وكينياتا)، إلى التظاهر للتنديد بتردي الأوضاع الاقتصادية. ومن ثم، أخذت تتصاعد على مدار الأسابيع الماضية، ليرتفع سقف المطالب من خفض الضرائب وتكاليف المعيشة وإعادة الدعم، إلى المطالبة باستقالة الرئيس وفتح تحقيق في انتخابات الرئاسة التي جاءت به رئيساً، وتأجيل إعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات.

التدهور السريع للأوضاع الأمنية بسبب الاشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين، وسقوط عشرات القتلى والجرحى سواء من المتظاهرين أو من رجال الأمن، إضافة إلى طلاب وصحافيين، أعاد المخاوف من أن تنتقل حالة الاحتقان من مستوياتها السياسية بين الحكومة والمعارضة لتصل إلى حالة من الاقتتال الأهلي، في دولة لم تزل جراح الحروب العرقية والأهلية فيها لم تندمل بعد.

روتو يدرك أكثر من غيره أن أمامه جملة من التحديات الصعبة، وأن التحدي الاقتصادي يبدو الأكثر ضغطاً في ظل الأوضاع الراهنة. وبالتالي، فإن فشله الاقتصادي يعني مزيداً من الطعنات السياسية من جانب خصومه المتحفزين، لكن حل معضلات التضخم خاصة في أسعار الوقود والمواد الغذائية والأسمدة والبذور، لا تبدو ميسورة في ظل أزمة تجتاح العالم. كما سيكون تحقيق الرئيس الكيني وعوده للشباب مهمة صعبة، فالمعدل الرسمي للبطالة بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 سنة يقارب الـ40 في المائة، والاقتصاد المحلي لا يخلق وظائف كافية لاستيعاب 800 ألف شاب ينضمون إلى القوى العاملة كل سنة.

كذلك، تواجهه مشاكل تمويل خططه لنقل العاصمة نيروبي بشكل كامل إلى الاعتماد على الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية بحلول عام 2030، وخاصة، في ظل انخفاض قيمة العملة الوطنية لمستويات قياسية في مواجهة الدولار الأميركي.

وإذا ما أضيفت مشاكل مثل المخاطر الأمنية كالإرهاب، الذي ينخرط الجيش الكيني في محاربته في الصومال المجاور، والتهديدات البيئية، كالجفاف والتصحر، التي تجتاح العديد من المناطق الأفريقية، ومنها كينيا، علاوة على تفاقم أعباء الديون، التي تصل إلى سبعين في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، فإن الخيارات لا تبدو سهلة، وهو ما يدفع روتو إلى البحث عن حلول إقليمية لمواجهة الضغوط المحلية المتصاعدة.

من هنا يمكن فهم رغبة الرئيس الكيني في لعب دور إقليمي أكبر، سواء من خلال الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا «الإيغاد»، والدخول كلاعب رئيس في الأزمة السودانية، رغم ما يعترض ذلك من توتر مع مجلس السيادة الحاكم في السودان.

لعب روتو على أوتار التغيير، مداعباً أحلام الشباب والفقراء

من أجل مستقبل مغاير لما عاشوه عبر عقود تحت مظلة العائلات التي تتبادل الحكم فيما بينها


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.