ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة «القارة السمراء»

انتعل أول حذاء في الـ 15 من عمره... وخطابه أغرى ملايين الشباب

ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة 
«القارة السمراء»
TT

ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة «القارة السمراء»

ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة 
«القارة السمراء»

تمثل كينيا واحدة من الدول الأفريقية القليلة التي تُصنف من جانب العديد من القوى الدولية «نموذجاً جيداً للتطبيق التدريجي للديمقراطية»، وهذا رغم ما تواجهه من تهديدات عرقية وقبلية.

ولكن بالنظر إلى تجاوز كينيا العديد من موجات الاضطراب التي تجتاح منطقة القرن الأفريقي، وشرق أفريقيا عموماً، تبدو كينيا بالفعل صاحبة تجربة لافتة، ولقد مر مسار التجربة السياسية في كينيا بالعديد من المحطات، من أبرزها:

- ظلت كينيا تحت الاحتلال البريطاني لثمانية عقود، من عام 1895 قبل أن تنال استقلالها عام 1963 بعد ثورة شعبية، وقيادة من حركة التحرير التي عُرفت باسم حركة «الماو ماو» في خمسينات القرن الماضي.

أوهورو كينياتا

- في 12 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1963، أصبح جومو كينياتا أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال. وكان أبرز مساعديه وأركان حكمه أوغينغا أودينغا.

- في عام 1964 أصبحت كينيا دولة جمهورية.

- في عام 2007، شهدت كينيا مصادمات واسعة عقب اتهام مرشح الحركة الديمقراطية البرتقالية (يسار معتدل) رايلا أودينغا (ابن أوغينغا أودينغا)، المرشح الفائز بمنصب الرئيس مواي كيباكي بالتزوير، الأمر الذي تسبب في اندلاع مواجهات بين الطرفين استمرت لمدة شهرين، راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص.

- في أواخر فبراير (شباط) 2008، رعت الأمم المتحدة مفاوضات سلام بين الطرفين، بقيادة الأمين العام السابق كوفي عنان، نتج عنها اتفاق لتقاسم السلطة، شغل بموجبه أودينغا منصب رئيس الوزراء، الذي استحدث بغرض تسوية النزاع، كما تضمن اتفاق تقاسم السلطة أجندة إصلاحات واسعة، كان جوهرها الإصلاح الدستوري.

- في أغسطس (آب) 2010، نظّم استفتاء وطني على الدستور الجديد، ووافق عليه غالبية الكينيين، وقد أقر إقامة نظام رئاسي للحكم، لتحقيق مبدأ الفصل والتوازن في توزيع السلطات، وقُسّمت كينيا بموجبه إلى 47 محافظة، يتمتع كل منها بسلطة وموارد كبيرة، ويحكم كل إقليم حاكم منتخب.

- بموجب الدستور الجديد أيضاً، أُلغي منصب رئيس الوزراء، وبات رئيس الجمهورية يشغل منصبي رئيس الدولة ورئيس الحكومة، ويجري انتخابه بالاقتراع الشعبي لفترة رئاسية مدتها خمس سنوات، يحق للرئيس الترشح لفترة ثانية.

- طبقت التعديلات الجديدة اعتباراً من الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 4 مارس 2013، وفاز بها أوهورو كينياتا، نجل الرئيس المؤسس جومو كينياتا، في الجولة الأولى وبفارق قليل، وأعيد انتخابه في 2017.

- في عام 2018، تصالح كينياتا بشكل مفاجئ وغير متوقع مع خصمه السابق أودينغا، وسعيا طوال سنة كاملة لتغيير الدستور من أجل تمرير ترشح كينياتا لفترة رئاسية ثالثة، وهو ما رفضه ويليام روتو نائب الرئيس، وعقب الحكم بلا أحقية الرئيس في تعديل الدستور، ارتفعت أسهم روتو في الانتخابات التالية.

- في 5 سبتمبر (أيلول)، وبعد نحو شهر من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 9 أغسطس، أيّدت المحكمة العليا بالإجماع فوز روتو على رايلا أودينغا (77 سنة) ليصبح الرئيس الخامس في تاريخ كينيا بعد الاستقلال.

عندما استقبل الرئيس الكيني ويليام روتو عدداً من القادة الأفارقة المشاركين في قمة منتصف العام للاتحاد الأفريقي، التي استضافتها كينيا، لم يتردد في شن هجوم قوي على المؤسسات المالية الدولية. وفيه حمّل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مسؤولية أزمة الديون في القارة الأفريقية، وطالب بـ«نظام مالي عادل» للقارة التي تتكبد أعباء الفوائد أكثر من غيرها.

روتو الذي كان يتكلم بحماسة شديدة مستخدماً قدراته الخطابية التي ضمنت له فوزاً صعباً في انتخابات رئاسية احتشدت فيها ضده عائلات سياسية عتيدة، لم يكن يمثل في تلك اللحظات فقط ذلك المرشح الرئاسي الذي اجتذب بخطابه عن «الإصلاح من القاعدة إلى القمة» أصوات الشباب... بل ربما بدا أقرب ما يكون إلى ذلك الشاب الذي كان يبيع الدجاج على طرقات كينيا الفقيرة، حالماً بتغيير واقعه.

أكثر من هذا، لعل الرئيس رأى أن الوقت قد حان ليمدّ حلمه إلى نطاق أوسع في قارة سمراء، تعج بعشرات الملايين من الشباب الذين يحملون الحلم ذاته الذي سكن قلب الشاب ويليام روتو قبل أربعة عقود.

النشأة وبداية المسيرة

من رحم الطفولة الصعبة، بدأت أحلام الشاب الكيني الفقير ويليام روتو، المولود في عام 1966 لأسرة كينية بسيطة من شعب الكالينجين، أكبر الشعوب النيلية في منطقة «الانهدام الكبير» بغرب كينيا.

في تلك الأيام ما كانت الأسرة قادرة على تأمين قوت أطفالها بسهولة، فكان الصغير ويليام يذهب إلى مدرسته حافي القدمين؛ إذ إنه لم يعرف انتعال الحذاء إلا عندما بلغ سن الـ15.

أيضاً اضطر ويليام، في صغره، إلى البحث عن أي وسيلة لتوفير بضعة «شلنات» كينية؛ كي يعين أسرته على تحمّل تكلفة الحياة، فباع الدجاج والفول السوداني على الطرقات المقفرة في المناطق الريفية. وعانى ويليام روتو مبكراً من قسوة الحياة، وأدرك أن تحقيق أحلامه الكبيرة يتطلب كفاحاً أكبر، ومن ثم، كان العمل السياسي هو السبيل الذي اختاره ليحقق أحلام طفولته في السلطة والثروة. كذلك، أتيح له الاهتمام بالدراسة، فتخرّج في جامعة نيروبي، وتابع فيها دراساته العليا.

من ناحية ثانية، في عام 1992، بينما كان روتو في منتصف عقده الثالث، وجد فرصة لاقتحام المعترك السياسي، فانضم إلى الجناح الشبابي لحزب «كانو» الذي يتزعمه رئيس البلاد (آنذاك) دانيال أراب موي، الذي يتشارك مع روتو الانتماء إلى شعب الكالينجين، الذي يشكل ثالث أكبر مجموعة عرقية - قبلية في كينيا.

وبسرعة اكتشف رجال «كانو» القدرات الخطابية الواعدة لذلك الشاب الآتي من الريف، وقدرته على حشد الجماهير، وبخاصة الفقراء الذين جاء من صفوفهم، وهو العالِم بأحلامهم البسيطة، والقادر على دغدغة مشاعرهم بما يريدون سماعه، وتحريكهم في الاتجاه الذي يريد.

«تلميذ» آراب موي

ولم يطل الوقت حتى وقع على روتو الاختيار ليكون أحد الذين عُهدت إليهم مهمة تعبئة الناخبين للمشاركة في أول انتخابات متعددة الأحزاب تشهدها كينيا، ولقد أجريت بالفعل في العام ذاته. ويبدو أن صيته وصل إلى الرئيس آراب موي شخصياً، فقرّبه منه، ليغدو - كما وصفه روتو - «أول أساتذة السياسة» الذين تعلّم منهم كيف يسير بثبات ويشق طريقه في دهاليز السياسة الكينية المعقدة.

في مواجهة «السلالات الحاكمة»، لم يتنكر روتو يوماً لأصوله الفقيرة، بل كثيراً ما تباهى بها، وبما حققه من نجاح في عالمي السياسة والمال، ليصبح واحداً من أكثر الكينيين ثراء. ولاحقاً، يصل في أغسطس (آب) من العام الماضي إلى قيادة البلاد بعد فوزه بمنصب الرئاسة. مع هذا، فإن روتو يدرك أكثر من غيره كم كانت تلك الرحلة صعبة ومليئة بأشواك في طريق غير معبدة، على الأقل بالنسبة لرجل لا تقف وراءه عائلة سياسية قوية، كتلك التي جاء منها حلفاؤه وخصومه على حد سواء.

مع أودينغا... ثم كينياتا

في انتخابات عام 2007، برز اسم روتو بوصفه واحداً من أبرز مناصري مرشح المعارضة (في ذلك الوقت) رايلا أودينغا، في حين كان أوهورو كينياتا يدعم رئيس الجمهورية مواي كيباكي، الذي كان يسعى إلى الحصول على فترة رئاسية ثانية.

بعدها، ستمضي الأيام وتتبدّل أشكال العلاقة بين أضلاع ذلك «المثلث» (روتو - أودينغا - كينياتا) ما بين منافسة وتحالف وعداء. لكن نجم روتو ظل في صعود وتولي عدة مناصب وزارية، بما فيها وزارتا التعليم والزراعة.

وفي عام 2013، انتخب روتو نائباً للرئيس عندما خاض المنافسة إلى جانب الرئيس أوهورو كينياتا، الأمر الذي أذهل كثرة من الكينيين؛ لأن الرجلين كانا على طرفي نقيض سياسياً إبّان الانتخابات السابقة، وبدت العلاقة بين الرجلين تطبيقاً للمقولة الشهيرة: «في السياسة لا صداقات أو عداوات دائمة، بل مصالح دائمة».

ما حصل، وفق كثيرين «تحالف منفعة»؛ إذ كانت المحكمة الجنائية الدولية قد وجّهت إلى كينياتا وروتو تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تتعلّق بمزاعم تأجيجهما أعمال العنف السياسية - القبلية (بالذات بين شعبي الكيكويو، الذي ينتمي إليهم كينياتا، واللوو الذين ينتمي إليهم أودينغا والرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما). هذا، واندلعت أعمال العنف عام 2007 إثر المعركة الانتخابية الشرسة، وأسفرت يومذاك عن مقتل نحو 1500 شخص. وبالنتيجة، أفلح التحالف في توصيل الرجلين إلى السلطة، بعد الإفلات من اتهامات «الجنائية الدولية»، حين أسقطت المحكمة الاتهامات عن الرئيس كينياتا ونائبه روتو عام 2014.

في سدة الرئاسة

الأمر اختلف في انتخابات العام الماضي، التي اختار روتو الترشح فيها للمرة الأولى إلى مقعد الرئيس، بعد 10 سنوات أمضاها نائباً لكينياتا. غير أن الأخير، نتيجة للخلافات التي عصفت بعلاقته مع نائبه روتو، ولا سيما في سنوات حكمه الأخيرة - بسبب رغبته في تعديل الدستور لتمديد حكمه لفترة ثالثة ورفض روتو ذلك - اختار أن يقف مع «غريمه القديم» أودينغا.

وبالفعل، شكّك كينياتا، الذي هو ابن جومو كينياتا أول رئيس استقلالي لكينيا، علناً في قدرة نائبه وجدارته في تولي الرئاسة، ولم يتردد في مهاجمة روتو شخصياً ووصفه بأنه «لا يستحق» قيادة البلاد.

في هذه التجربة «الدرامية»، لم يكن الفوز سهلاً وسط تبدل مواقع الحلفاء والخصوم. وهنا استعان روتو بقدراته الخطابية القديمة وقدرته على حشد الفقراء والشباب، ولم يتردد في أن يبني حملته الانتخابية على كونه مرشحاً من خارج «المؤسسة الحاكمة»، رغم شغله منصب نائب الرئيس 10 سنوات. ولم يتردّد كذلك في مبادلة كينياتا الهجوم بأقوى منه، قائلاً إن الأخير يريد أن يخلفه أودينغا لأنه يرغب في «رئيس دمية».

ومن ثم، صاغ روتو شعارات حملته لتبدو الانتخابات في إطار صراع بين «الكادحين»، في إشارة إلى الكينيين الفقراء، و«السلالات الحاكمة»، في إشارة إلى العائلات «المتنفذة» مثل عائلتي كينياتا (التي جاء منها رئيسا جمهورية) وأودينغا (التي جاء منها رئيسا وزراء)، اللتين كانتا أبرز اللاعبين المؤثرين في سياسة كينيا منذ الاستقلال.

الشباب... والتغيير

لعب روتو على أوتار التغيير، مداعباً أحلام الشباب والفقراء من أجل مستقبل مغاير لما عاشوه عبر عقود تحت مظلة العائلات التي تتبادل الحكم فيما بينها. ورغم ثروته الشخصية الطائلة، وجّه خطاباته القوية إلى «أمة المكافحين»، متعهداً بأن تركز سياساته الاقتصادية على تحسين أوضاع الفئات الأكثر فقراً أولاً، «لأنها كانت الأكثر تحملاً للأعباء»، إبان أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة التي ضربت العالم بأسره في أعقاب جائحة «كوفيد - 19» والحرب في أوكرانيا.

واستخدم روتو سيرته الشخصية مصدرَ إلهام لملايين الشباب، معرباً عن رغبته بتوفير الفرص للجميع ليكونوا مثله، عندما استطاع التحوّل من شاب فقير إلى أحد أكبر ملاك الأراضي في كينيا، بعدما استثمر في زراعة الذرة وإنتاج الألبان وتربية الدواجن. وللعلم، يملك روتو اليوم مساحات شاسعة من الأراضي في مناطق الغرب ومناطق الساحل الكيني، وكذلك لديه استثمارات في قطاع الضيافة.

لقد وضع روتو تلك الانتخابات في إطار تغيير الأجيال الذي «حان وقته»، مروّجاً لرسالته من خلال استخدامه لغته البليغة وشعاراته الرنانة، وهو ما منحه المصداقية والقبول في أوساط العديد من المواطنين الكينيين.

بل حتى اختلافه الديني استخدمه كنقطة قوة له. فويليام روتو هو أول رئيس مسيحي إينفانجيلي (المسيحيون المولودون من جديد) لكينيا، التي تحظى بتنوّع ديني إضافة إلى تنوّعها العرقي. والجدير بالذكر، أنه رغم كون نحو 85 في المائة من الكينيين مسيحيين وفقاً لآخر تعداد سكاني أجري عام 2019، فإنهم يتوزعون بين الطوائف (33 في المائة بروتستانت، و21 في المائة كاثوليك، و20 في المائة إيفانجيليون و7 في المائة يتبعون الكنائس الأفريقية)، بينما نحو 11 في المائة من السكان. وتضاف إلى هذا الخليط أعداد من الوثنيين والملحدين. وكان «التسامح الديني» من الشعارات التي ركز عليها روتو لكسب المتعاطفين من طوائف وديانات مختلفة، جاعلاً نداء حملته «كينيا كوانزا»، الذي يعني «كينيا أولاً» باللغة السواحلية.

في أي حال، كسب روتو الانتخابات بنسبة 50.5 في المائة من أصوات الناخبين. ورغم الارتباك الذي سعى خصومه إلى إثارته نتيجة هامش الفوز الضئيل للتشكيك في نزاهة الانتخابات، فإن اعتماد المحكمة العليا النتيجة حسم الأمر لصالح «صبي من القرية أصبح رئيساً لكينيا»، على حد تعبير روتو خلال احتفاله بالفوز وسط أنصاره.

تحديات ما بعد الوعود

التحديات الآن صعبة، وإذا كانت القدرات والوعود قد أمنت لروتو الفوز بالرئاسة، فإنها لم تستطع أن تضمن له الهدوء طويلاً على الجبهة الداخلية؛ إذ سرعان ما حاول غريماه أودينغا وكينياتا الرد على الهزيمة القاسية التي مُنيا بها حتى في معاقلهما الانتخابية التاريخية، مستغلَّيْن استمرار الأزمات الاقتصادية الداخلية، ومتهمَين «الرئيس» بالتنكر لتعهداته.

وبعد بضعة أشهر من تولي روتو السلطة، اندلعت صراعات سياسية ومظاهرات دموية في الساحات والشوارع ضد سياساته. ولقد تفجرت الاحتجاجات منذ العشرين من مارس (آذار) الماضي، عندما دعت قيادات معارضة (يتصدرها أودينغا وكينياتا)، إلى التظاهر للتنديد بتردي الأوضاع الاقتصادية. ومن ثم، أخذت تتصاعد على مدار الأسابيع الماضية، ليرتفع سقف المطالب من خفض الضرائب وتكاليف المعيشة وإعادة الدعم، إلى المطالبة باستقالة الرئيس وفتح تحقيق في انتخابات الرئاسة التي جاءت به رئيساً، وتأجيل إعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات.

التدهور السريع للأوضاع الأمنية بسبب الاشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين، وسقوط عشرات القتلى والجرحى سواء من المتظاهرين أو من رجال الأمن، إضافة إلى طلاب وصحافيين، أعاد المخاوف من أن تنتقل حالة الاحتقان من مستوياتها السياسية بين الحكومة والمعارضة لتصل إلى حالة من الاقتتال الأهلي، في دولة لم تزل جراح الحروب العرقية والأهلية فيها لم تندمل بعد.

روتو يدرك أكثر من غيره أن أمامه جملة من التحديات الصعبة، وأن التحدي الاقتصادي يبدو الأكثر ضغطاً في ظل الأوضاع الراهنة. وبالتالي، فإن فشله الاقتصادي يعني مزيداً من الطعنات السياسية من جانب خصومه المتحفزين، لكن حل معضلات التضخم خاصة في أسعار الوقود والمواد الغذائية والأسمدة والبذور، لا تبدو ميسورة في ظل أزمة تجتاح العالم. كما سيكون تحقيق الرئيس الكيني وعوده للشباب مهمة صعبة، فالمعدل الرسمي للبطالة بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 سنة يقارب الـ40 في المائة، والاقتصاد المحلي لا يخلق وظائف كافية لاستيعاب 800 ألف شاب ينضمون إلى القوى العاملة كل سنة.

كذلك، تواجهه مشاكل تمويل خططه لنقل العاصمة نيروبي بشكل كامل إلى الاعتماد على الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية بحلول عام 2030، وخاصة، في ظل انخفاض قيمة العملة الوطنية لمستويات قياسية في مواجهة الدولار الأميركي.

وإذا ما أضيفت مشاكل مثل المخاطر الأمنية كالإرهاب، الذي ينخرط الجيش الكيني في محاربته في الصومال المجاور، والتهديدات البيئية، كالجفاف والتصحر، التي تجتاح العديد من المناطق الأفريقية، ومنها كينيا، علاوة على تفاقم أعباء الديون، التي تصل إلى سبعين في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، فإن الخيارات لا تبدو سهلة، وهو ما يدفع روتو إلى البحث عن حلول إقليمية لمواجهة الضغوط المحلية المتصاعدة.

من هنا يمكن فهم رغبة الرئيس الكيني في لعب دور إقليمي أكبر، سواء من خلال الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا «الإيغاد»، والدخول كلاعب رئيس في الأزمة السودانية، رغم ما يعترض ذلك من توتر مع مجلس السيادة الحاكم في السودان.

لعب روتو على أوتار التغيير، مداعباً أحلام الشباب والفقراء

من أجل مستقبل مغاير لما عاشوه عبر عقود تحت مظلة العائلات التي تتبادل الحكم فيما بينها


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.