زيارة مودي إلى باريس وما تعنيه للعلاقات الثنائية

في خضمّ الأزمات العالمية وتشابك المصالح والأولويات

 مودي "ضيف شرف" في احتفالات "اليوم الوطني الفرنسي" وتبدو معه نظيرته الفرنسية إليزابيث بورن. (آ ب)
مودي "ضيف شرف" في احتفالات "اليوم الوطني الفرنسي" وتبدو معه نظيرته الفرنسية إليزابيث بورن. (آ ب)
TT

زيارة مودي إلى باريس وما تعنيه للعلاقات الثنائية

 مودي "ضيف شرف" في احتفالات "اليوم الوطني الفرنسي" وتبدو معه نظيرته الفرنسية إليزابيث بورن. (آ ب)
مودي "ضيف شرف" في احتفالات "اليوم الوطني الفرنسي" وتبدو معه نظيرته الفرنسية إليزابيث بورن. (آ ب)

زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي الأخيرة لفرنسا، كانت السادسة منذ عام 2015، ثم إنه سبق أن استضافه الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه أربع مرات منذ وصوله إلى السلطة عام 2017. ولقد استغل الزعيمان مودي وماكرون، في الواقع، هذه المناسبة للاحتفال بـ«اليوبيل الفضي» للشراكة الاستراتيجية بين باريس ونيودلهي، فضلاً عن تحديد رؤية جريئة لربع القرن المقبل. كذلك سعى الجانبان إلى تعميق تعاونهما في مجالات الدفاع والأمن والتكنولوجيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

الزعيم الهندي مع الرئيس ماكرون (أ.ب)

يجري كل هذا في خضم تطوير العلاقات بين أوروبا والهند على نطاق أوسع؛ إذ أصدرت الهند وفرنسا «خارطة طريق» بعنوان «أفق 2047» لتعزيز التعاون الثنائي على مدى السنوات الـ25 المقبلة، التي تُؤرخ 100 سنة من استقلال الهند، و50 سنة من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. ولقد عمل أربعة رؤساء فرنسيين وثلاثة رؤساء وزراء هنود، خلال السنوات الـ25 الماضية، على تطوير هذه العلاقة.

الاستقلال الاستراتيجي وتحويل المصالح

في الصورة الأوسع، ترتكز العلاقة الاستراتيجية بين فرنسا والهند على الاحترام المتبادل للاستقلالية الاستراتيجية لكلا الجانبين، وظلت باريس ثابتة على رفضها التعليق على الشؤون الداخلية للهند، أو خيارات نيودلهي في مجال السياسة الخارجية. وفي حين لعبت فرنسا دوراً قيادياً في رد الغرب على حرب روسيا في أوكرانيا، فإنها لم تنضم إلى الدول الغربية الأخرى في حثّ القيادة الهندية علناً على تغيير موقفها.

في الحقيقة، يشهد التاريخ على أن فرنسا حليف وثيق للهند، وبدأت الشراكة الاستراتيجية بين البلدين مباشرة بعد التجارب النووية الهندية. ففي عام 1974، ثم عام 1998، لم تنضم فرنسا إلى الضغوط الغربية لمعاقبة الهند على تجاربها النووية، بل تدخلت بإمدادات اليورانيوم لتشغيل مفاعلات تارابور النووية الهندية بالطاقة، وامتنعت عن إدانة التجارب النووية الهندية. كذلك، انتهزت باريس الفرصة لتعزيز العلاقات الدفاعية والأمنية مع نيودلهي، في بادرة لها صداها لدى مؤسسة السياسة الخارجية الهندية حتى الآن. وبعد فترة وجيزة من منح مجموعة المورّدين النوويين (NSG) إعفاءً خاصاً بالهند في سبتمبر (أيلول) 2008 للمشاركة في التجارة النووية المدنية، كانت فرنسا أول دولة توقع اتفاقية نووية مدنية مع الهند لمشروع جايتابور للطاقة النووية.

وفي حين، كان مثيراً للاهتمام أن البرلمان الأوروبي تبنى - بينما كان مودي يزور فرنسا - قراراً ينتقد الحكومة الهندية بسبب العنف في ولاية مانيبور الهندية، ذات الغالبية المسيحية، والانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان وقضايا حرية الدين، لم تُناقش أي من هذه القضايا أو تُثار بين الزعيمين الفرنسي والهندي. كما لم تُشر الهند أيضاً إلى أعمال العنف في فرنسا بعد مقتل فتى مراهق من أبناء الجالية الجزائرية.

تطورات العقد الماضي

اكتسبت الشراكة الفرنسية - الهندية ثقلاً واضحاً خلال العقد الماضي، مع بدء التعاون الوثيق، ثم تعزيزه، في مجموعة واسعة من القضايا، تشمل مجالات حساسة وسيادية، مدعوماً بالتعاون التجاري الدفاعي المزدهر الذي جعل فرنسا ثاني أكبر مورِّد للأسلحة إلى الهند بعد روسيا. وعلّق الصحافي والبروفسور الهندي راجا موهان بأن «عند البلدين ما يمكن وصفه بالتطابق في سعيهما المشترك إلى الاستقلال الاستراتيجي وسط ديناميكيات القوة العالمية». وأردف شارحاً أن شعار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «متحالفون غير منحازين» يعكس إصرار وزير الخارجية الهندي الدكتور س. جايشانكار على أن الهند «مؤهلة لأن يكون لها موقفها الخاص». ويتجسّد هذا الموقف بصورة أفضل في مفهومٍ كانت العاصمتان تستخدمانه بانتظام، ألا وهو «الاستقلال الاستراتيجي»، الذي يُعرّفُ بأنه القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة عن الضغوط الخارجية، لا سيما من القوى العظمى، في مجالات السياسة الرئيسية.

ويتابع موهان: «سواءً كان رفض معاقبة نيودلهي في أعقاب التجارب النووية عام 1998، أو منع الصين من إدراج مسألة كشمير على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي بعدما غيّرت الهند الوضع الإقليمي الراهن في الإقليم في أغسطس (آب) 2019، أثبتت باريس أنها الحليف الأكثر قيمة وثباتاً للهند»، ويستطرد: «يفيد تحليل حديث أن مودي وماكرون، مثل أسلافهما، عزّزا صلات قوية مع القوى الكبرى من دون أن يصبحا معتمدين بشكل مفرط على أي منها، وبالتالي، فهما محافظان على مسافة من المنافسة بين مختلف الكتل على غرار الحرب الباردة». وبينما تشير التطورات إلى أن «الهند بزعامة مودي لا تزال تعارض رسمياً الانضمام إلى تحالف عسكري، فإن ماكرون ينتقد بانتظام حلف شمال الأطلسي (ناتو) بطريقة ديغولية للغاية».

النظام العالمي

من جهة أخرى، اعتبر خبراء هنود أن زيارة مودي لفرنسا مهمة من حيث تغيير النظام العالمي وكذلك العلاقات الثنائية بين البلدين؛ إذ اعتبر الدكتور شيتال شارما، عضو هيئة التدريس بمركز الدراسات الأوروبية بجامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي، أن الزيارة كانت حاسمة فيما يتعلق بثلاثة مجالات رئيسة، وأوضح: «لقد جاءت في وقتها، وهي مهمة في العديد من الجوانب، وعلينا أن نفهم أهميتها من زاوية ثلاثة مجالات بالذات هي: تغيير النظام العالمي، والعلاقات الثنائية بين الهند وفرنسا، والحرب الأوكرانية». ثم تابع أن انتقاد الهند في فرنسا أمر نادر الحدوث. وقبل أقل من سنة، انتقد الرئيس ماكرون الدول التي تقف على الحياد بشأن حرب أوكرانيا في خطابه في الأمم المتحدة، معتبراً «أن الذين يصمتون اليوم يخدمون، سواءً ضد إرادتهم أو سراً بتواطؤ معيّن، حالة إمبريالية جديدة».

وأضاف شارما: «لقد جاء ذكر مودي في خطاب ماكرون. ولكن لم يكن الهدف معاقبة الزعيم الهندي على حياد نيودلهي في حرب أوكرانيا، ولا زيادة وارداتها من النفط الروسي الرخيص في ظل سقف للأسعار فرضته العقوبات العالمية، بل بدلاً من ذلك، أشاد الزعيم الفرنسي بنظيره الهندي لإبلاغه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن «عصر اليوم ليس وقتاً للحرب» خلال «القمة» المنعقدة في أوزبكستان. ثم إن فرنسا أيضاً عضو دائم في مجلس الأمن الدولي. وتأكيداً لتناغم القوى المتوسطة، يتوجب على نيودلهي الشروع في استكشاف إمكانيات الدعم الفرنسي الثابت للهند في مجلس الأمن الدولي.

ومن جهته، يقول البروفسور غولشان ساتشديفا، من مركز الدراسات الأوروبية بجامعة جواهر لال نهرو، معلقاً: «بعيداً عن عروض الصداقة الاحتفالية، تتشارك الهند وفرنسا في نظرة مماثلة إلى الشؤون الدولية... فالدولتان تفضلان نظاماً متعدد الأقطاب يمكِّنهما من لعب دور فعال في الساحة العالمية. والدولتان تتمتعان بهويات وطنية قوية، وتسعيان إلى الحصول على الاستقلال الاستراتيجي، وإعطاء الأولوية لحرية اتخاذ القرار في مجال السياسة الخارجية، والنظر إلى العالم من خلال عدسة من الاعتزاز العميق».

المواقف من أوكرانيا وروسيا والصين

في جانب موازٍ، في حين تحافظ فرنسا والهند على التزامهما بالتعددية القطبية، فإن حرب أوكرانيا تشكل تحدياً لبعض الضرورات غير المعلنة، لكنها تشكل ضرورة أساسية لشراكتهما الاستراتيجية.

إذ ما زالت الفوارق قائمة بين فرنسا والهند فيما يتصل بوجهات نظرهما حيال الحرب في أوكرانيا، وراهناً تحافظ نيودلهي على توازن دبلوماسي بين موسكو والدول الغربية، بعدما أحجمت عن إدانة التدخل العسكري لفلاديمير بوتين في أوكرانيا، فضلاً عن ذلك، برزت الهند باعتبارها مستورداً بارزاً للنفط الروسي بأسعار مخفّضة أثناء أضخم صراع أوروبي منذ الحرب العالمية الثانية. ولقد خضع حياد الهند لتدقيق متكرّر، مع امتناعها مراراً وتكراراً عن التصويت في الأمم المتحدة على إدانة العدوان الروسي في أوكرانيا.

وهنا يقول ساتشديفا: «يكمن الاختبار الحقيقي للتماسك الاستراتيجي بين فرنسا والهند في تقييم كل منهما لكيفية إشراك قوى كبرى أخرى مثيرة للمشاكل، مثل الصين وروسيا، فلطالما تطلعت نيودلهي تاريخياً إلى موسكو لاحتواء النزعة التوسعية لبكين في فنائها الخلفي الآسيوي. لكن أزمة أوكرانيا تسببت في إطلاق شرارة تحولات جيوسياسية هائلة، وهذا يشمل تغيراً في ميزان القوى بين موسكو وبكين، ما يجعل روسيا التي تُفرض عليها عقوبات وتُهمش بشكل متزايد تعتمد على الصين الناشئة... الأمر الذي يضرّ بالهند».

ثم يضيف: «لدى فرنسا تقدير أفضل من البلدان الأوروبية الأخرى لموقف نيودلهي من تلك الحرب». وأيضاً، كانت باريس من المؤيدين الدائمين للحصول على مقعد دائم للهند في مجلس الأمن، ولقد دعمت بقوة مواقف الهند بشأن كشمير والإرهاب في الأمم المتحدة، وكذا لدى هيئات مثل فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية».

ماكرون والصين

وهنا تجدر الإشارة، إلى أن الهند، التي دخلت في مواجهات عسكرية مع بكين في جبال الهيمالايا منذ أبريل (نيسان) 2020، تقرّ بأن علاقاتها مع الصين «غير طبيعية». وفي أبريل أثار الرئيس ماكرون جدلاً كبيراً في العواصم الغربية، لكنه حاز على الثناء من بكين عندما أعاد طرح فكرة الاستقلال الاستراتيجي بعد زيارة الدولة الرسمية لبكين.

كذلك أظهر ماكرون انفتاحاً على توسيع العلاقات التجارية مع الصين، وسعى إلى دور الصين بوصفها وسيطاً في الصراع الأوكراني. وصُورت هذه الزيارة على أنها شكل من أشكال التساهل الفرنسي تجاه بكين. ولكن بخلاف الولايات المتحدة، فإن فرنسا لا تستهدف الصين في علاقاتها بالهند، ولا تعلّق على التوترات الحدودية علناً.

ثم إن نيودلهي أحجمت عن انتقاد ماكرون لزيارته بكين هذا العام. وبدلاً من ذلك، كانت ردود الفعل الهندية معتدلة، عبر عمل نيودلهي وباريس معاً بشكل وثيق في الممارسة العملية على تحقيق التوازن بين منافستهم المشتركة، الصين، في المنطقة. ويشير تحليل نشرته شبكة «فرانس 24» الإخبارية، بقلم ليلى جانكتو، إلى أنه «نظراً لوجود العديد من المصالح المشتركة على المحك، يستطيع مودي الاعتماد على صديقه ماكرون لتفهم موقف نيودلهي من أوكرانيا... وسيطلب مودي من باريس تجنب ضغط على الهند للانضمام إلى الكتلة الغربية، وأن تكون بدلاً من ذلك أكثر حضوراً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في مجموعة «كواد» (التجمع الذي يضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة). ويمضي التحليل: «إن موقف الهند التقليدي هو أن الولايات المتحدة ليست شريكاً موثوقاً به، وتتيح مساحة كبيرة لصديقٍ (أي فرنسا) تحتاج إليه. وتدرك الهند أنه إذا كان ثمة تقارب بين أوروبا وروسيا، فإن فرنسا هي التي ستقوده».

التعاون في مجالات الدفاع والطاقة والفضاء

من جانب آخر، لئن كان العامل الصيني سبباً رئيساً لتوثيق العلاقات بين الهند والدول الغربية ومغازلتها للهند، فقد جاءت الحرب الأوكرانية بمثابة جرس إنذار للدول الأوروبية لجهة اعتمادها الاقتصادي الشديد على الصين. وفي المقابل، برزت الهند بوصفها سوقاً حاسمة لتجارة الأسلحة بالنسبة لفرنسا أيضاً. وفي هذه الشراكة المتعددة الأوجه، يمتد التعاون عبر مجموعة واسعة من القطاعات، بما فيها الدفاع، والمناخ، وانتقال الطاقة، والتعاون في مجال الفضاء، والاقتصاد الأزرق، والتعددية، بل حتى مكافحة الإرهاب. وعليه ليس من المستغرب أن تحتل صفقات الدفاع مركز الصدارة؛ نظراً لأن الدفاع كان تقليدياً، والركيزة الأقوى للشراكة بين الهند وفرنسا، وأن فرنسا - كما سبق - هي ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى الهند بعد روسيا بنصيب كبير يبلغ 30 في المائة.

مع هذا، فإن الخطط التوسعية للتعاون الدفاعي التي أعلنها مودي وماكرون، تؤكد بُعداً جديداً مهماً لعلاقتهما الثنائية. وهو أن فرنسا تحل محل روسيا باعتبارها ركيزة «الاستقلال الاستراتيجي» للهند. وخلال زيارة مودي الأخيرة، توصل الطرفان بنجاح إلى اتفاقات تتعلق بشراء الهند 26 طائرة مقاتلة من طراز «رافال - مارين» لقواتها البحرية، فضلاً عن البناء المحلي لثلاث غواصات إضافية من طراز «سكوربين» تبلغ قيمتها نحو 10 مليارات دولار. بيد أنه من المهم ملاحظة أن هذه الشراكات لا تنطوي على إدماج القوات أو وضع خطط حربية مشتركة. كذلك يشهد التعاون في مجال انتقال الطاقة تقدماً كاملاً؛ إذ أطلق البلدان عام 2015 التحالف الدولي للطاقة الشمسية الذي تطور ليشمل 100 دولة مختلفة.

العلاقة مع واشنطن

في الوقت نفسه، تربط كل من باريس ونيودلهي علاقات معقدة كثيراً ما يُساء فهمها مع الولايات المتحدة. فالعاصمتان تطمحان إلى درجة من الاستقلال عن سياسات واشنطن، مع إدراكهما أهمية اعتمادهما على القوة الأميركية في دفاعهما وأمنهما. ووفقاً للرئيس الفرنسي، على أوروبا ألا تتورّط في مواجهة أميركا مع الصين بل تحافظ على «استقلالها الاستراتيجي»، بينما هو يحذّر من أن اعتماد أوروبا الأمني على الولايات المتحدة قد يحوّل الدول الأوروبية إلى «تابعين» لواشنطن إذا ما تصاعدت المواجهة بين أميركا والصين. ولذا عمل ويعمل على دفع فكرة أن تكون أوروبا «قوة عظمى ثالثة» مع فرنسا في الصدارة.

الحسابات المشتركة في حوضي المحيطين الهندي والهادئ

> تملك كل من الهند وفرنسا مصالح استراتيجية كبيرة في المحيط الهندي، وتتشاركان المخاوف المتعلقة بتزايد عدوانية الصين في المنطقة. ولقد تفاقم التنافس بين الصين والهند نتيجة للنزاعات الدائرة على طول الحدود في جبال الهيمالايا، الأمر الذي يدفع نيودلهي إلى تحديث قواتها المسلحة بسرعة.

من منظور جغرافي استراتيجي، أثبت مفهوم منطقة المحيطين الهندي والهادئ أنه إطار قيّم للعلاقات المزدهرة بين فرنسا والهند. وتضم هذه المنطقة أيضا 1.5 مليون مواطن فرنسي، إضافة إلى 8000 جندي متمركزين في المنطقة، بحسب وزارة الخارجية الفرنسية.

وحسب الكاتبة الصحافية أيشواريا سانجوكتا روي بروما: «تعد فرنسا، باعتبارها الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي لديها أراض في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، شريكاً مثالياً لتعزيز الوعي بالمجال البحري الهندي في المنطقة. وإلى جانب تعزيز مشاركة الهند في «كواد»، من شأن الشراكة الهندية الفرنسية المساعدة على مراقبة الأنشطة الصينية في المنطقة عن كثب. ومع أن فرنسا قد لا تتمكن من إزالة المخاطر أو الانفصال عن الصين بسبب المصالح التجارية، فإنها ساعدت الهند في تعزيز دفاعها البحري على أساس المعاملات. تماماً كما حدث عام 2021، حين تحوّل الخلاف بين فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا حول الغواصات إلى أزمة دبلوماسية شاملة، ويومها اتصل الرئيس إيمانويل ماكرون برئيس الوزراء ناريندرا مودي هاتفياً.

قوات هندية تشارك في العرض العسكري بجادة الشانزيليزيه (آ ف.ب)

إقرار فرنسي بالمصالح الاقتصادية والجيو ــ ستراتيجية

عدَّ كيه. سي. سينغ، السكرتير السابق في الخارجية الهندية، الاستقبال الفائق لرئيس الوزراء الهندي خلال احتفالات اليوم الوطني الفرنسي، أخيراً، إقراراً بالمصالح الاقتصادية والجيو-ستراتيجية العميقة التي تربط باريس ونيودلهي.

سينغ ذكر أن العلاقة تعود إلى ستينات القرن الماضي، عندما تدخلت فرنسا لمساعدة الهند في مجال الفضاء، وعرضت اليورانيوم المخصّب على مفاعل نووي، ولم يسبق لها أن أملت نصائحها بشأن البرنامج النووي الهندي على عكس الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.

كانت باريس ونيودلهي على مسار تعاوني هادئ لسنوات، استناداً إلى حس تجاري سليم وتقدير لرفض الآخرين اللعب بسياسات المعسكر. ولذا، على غرار زيارة مودي إلى الولايات المتحدة، كانت رحلته إلى فرنسا أيضاً بشأن توسيع طموح للتعاون الاستراتيجي، والبعث بإشارات مهمة في أوقات دولية عصيبة.


مقالات ذات صلة

روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

حصاد الأسبوع من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)

روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

مطلع الشهر الماضي ذهب الأوروبيون إلى صناديق الاقتراع لتجديد عضوية البرلمان الأوروبي، فيما أجمعت الآراء على وصفها بأنها أهمّ انتخابات في تاريخ الاتحاد،

شوقي الريّس (بروكسل)
حصاد الأسبوع أكثر ما يثير قلق الخائفين على إرث «الريغانية» من فانس مواقفه في السياسة الخارجية

ترمب اختار فانس للدفع بـ«الترمبية» قدماً... وتغيير هوية حزب ريغان

لسنوات عدة، كان الحزب الجمهوري الأميركي يمرّ بتغيير جذري، حيث يتبنى بشكل متزايد الشعبوية الاقتصادية في الداخل والانعزالية في الخارج، ويغيّر مواقفه في العديد من

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع الرئيس ترمب وزوجته ميلانيا وجي دي فانس وزوجته أوشا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)

«حزب ترمب الجمهوري»... جديد الأولويات ومتعدد الأعراق

> أورين كاس، المستشار الاقتصادي السابق لحملة المرشح الجمهوري الرئاسي السابق السيناتور ميت رومني الرئاسية، توقّع في سنوات سابقة «نشوء تيار محافظ متعدّد الأعراق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)

الأردن على طريق الانتخابات النيابية المقبلة

يتوجه الأردنيون في العاشر من سبتمبر (أيلول) المقبل لاختيار مجلسهم النيابي العشرين، الذي خصص من مقاعده 41 مقعداً للأحزاب من أصل 138 مقعداً، في تجربة هي الأولى من

محمد خير الرواشدة (عمّان)
حصاد الأسبوع ميلونشون يحيي مناصريه اليساريين (آ ف ب /غيتي)

«صراع الأضداد» في فرنسا يحمى وطيسه

فرنسا غارقة اليوم في أزمة سياسية - مؤسساتية لم تعرف مثيلاً لها منذ ستينات القرن الماضي التي أفضت وقتها وتحديداً يوم 28 أبريل (نيسان) 1969 إلى استقالة رئيس الجمهورية، الجنرال شارل ديغول، مؤسس «الجمهورية الخامسة» الذي كان في السلطة في عامه الحادي عشر. وما بين ذلك التاريخ واليوم، تَعاقب على السلطة سبعة رؤساء: جورج بومبيدو وفاليري جيسكار ديستان وفرنسوا ميتران وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا ميتران والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون الذي انتُخب لولاية أولى ربيع عام 2017. وخلال هذه العهود، استقر في قصر الأليزيه رؤساء من اليمين ومن اليسار وعرفت فرنسا ثلاث مراحل مما يسمى «التعايش» أو «المساكنة» بين رئيس للجمهورية ينتمي إلى معسكر سياسي ورئيس حكومة من معسكر آخر.


روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)
من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)
TT

روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)
من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)

مطلع الشهر الماضي ذهب الأوروبيون إلى صناديق الاقتراع لتجديد عضوية البرلمان الأوروبي، فيما أجمعت الآراء على وصفها بأنها أهمّ انتخابات في تاريخ الاتحاد، الذي منذ أكثر من سنتين تشتعل حرب على تخومه وتهدد باتساع دائرتها وإيقاظ أشباح الماضي الذي قام المشروع الأوروبي بهدف وأده، وهذا بينما تتنامى داخل حدوده القوى التي منذ ثمانية عقود أفرزت أقسى الحروب التي شهدتها القارة في الأزمنة الحديثة. ولقد جاءت النتائج لتؤكد الصعود المطّرد للموجة اليمينية المتطرفة التي كانت قد أمسكت بزمام الحكم منذ سنتين في إحدى الدول الأعضاء الكبرى المؤسسة، إيطاليا، وأصبحت قاب قوسين من الوصول إلى سدّة الرئاسة الفرنسية... فيما بدت جذورها راسخة في العديد من البلدان الأعضاء الأخرى. ولكن، على الرغم من الصاعقة التي ضربت الصرح السياسي الفرنسي، ظل صعود هذه الموجة دون منسوب الطوفان الذي كانت تنذر به الاستطلاعات ويهدد - وفقاً لأفضل الاحتمالات - بجنوح المركب الأوروبي عن مساره التأسيسي. أمام هذا المشهد المعقد، كان القرار الأول الذي اتخذه البرلمان الجديد في جلسته الافتتاحية يوم الثلاثاء الفائت بعد انتخاب رئيسة له، تأكيد الدعم لأوكرانيا وترسيخ الانقسام الحاد بين الكتل السياسية الذي لم يشهد له مثيلاً منذ تأسيسه في عام 1979.

صور بارديلا مرفوعة خلال حملة الانتخابات الفرنسية (إيبا/شاترستوك)

يتّسم البرلمان الأوروبي الجديد الذي افتتح ولايته الاشتراعية العاشرة هذا الأسبوع في العاصمة البلجيكية بروكسل بكونه الأكثر تشرذماً، على صعيد الكتل التي تشكلت داخله بعد انتخابات التاسع من الشهر الماضي، والأكثر جنوحاً نحو اليمين. إذ أصبح أكثر من نصف أعضائه ينضوون تحت الرايات اليمينية المحافظة واليمينية المتطرفة. بيد أن عجز القوى المتطرفة عن الانصهار ضمن كتلة واحدة، أدّى إلى تشكيل 8 كتل سياسية، للمرة الأولى منذ عشرين سنة، تتصدرها كتلة الحزب الشعبي الأوروبي الذي يضمّ 26 في المائة من الأعضاء. وحقاً، ينذر هذا التشرذم بولاية يتخلّلها المزيد من النقاش الحاد، يصعب فيها التوازن عند الاستحقاقات الحسّاسة ويتعذّر الاتفاق، ذلك أن القوى المعتدلة التي كانت تشكل مجتمعة 70 في المائة من أعضاء البرلمان الأول عام 1979، ما عادت تمثّل اليوم أكثر من 45 في المائة فقط.

أهمية الاستقرار السياسي

تعدّ هذه الولاية على جانب كبير من الأهمية بالنسبة للاستقرار السياسي داخل الاتحاد، خاصةً بعد صعود اليمين المتطرف والزلزال الذي نجم عن الانتخابات الأخيرة في فرنسا، حيث لا يزال المخاض مستمراً لتشكيل حكومة جديدة. وفي حين تجهد القوى المعتدلة للتأكيد بأنها تمكّنت من صدّ الموجة اليمينية المتطرفة - مع خشية كثيرين من أن تكون هذه آخر فرصة لقطع الطريق أمام الانقلاب السياسي الكبير - تكثّف هذه القوى مساعيها لفرض حظر على التعامل مع بعض القوى اليمينية المتطرفة التي تصنّفها قريبة من روسيا، وتعمل على منعها من تولّي مناصب حساسة في المؤسسات الأوروبية.

كتلة الحزب الشعبي الأوروبي تضم اليوم في البرلمان الجديد 188 عضواً، تليها كتلة الحزب الاشتراكي التي تتكوّن من 136 عضواً لا يتجاوزون نسبة 20 في المائة من المجموع للمرة الأولى منذ انطلاق البرلمان. وتأتي في المرتبة الثالثة كتلة «وطنيون من أجل أوروبا» اليمينية المتطرفة بـ84 عضواً، التي يقودها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان وزعيمة «التجمّع الوطني» الفرنسي مارين لوبان، ثم تأتي في المرتبة الرابعة الكتلة اليمينية الأخرى التي تتزعمها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وتضمّ 87 عضواً تحت شعار «المحافظون والديمقراطيون من أجل أوروبا»... التي فشلت حتى الآن كل محاولات ضمّها إلى كتلة الحزب الشعبي الأوروبي. أما الكتلة الأخيرة التي تتجاوز بقليل 10 في المائة من مجموع أعضاء البرلمان، فهي الكتلة الليبرالية الوسطية، التي كانت أكبر الخاسرين في الانتخابات الأخيرة بعدما فقدت المرتبة الثالثة التي كانت تحتلها عادةً بين الكتل السياسية في البرلمان الأوروبي.

"تشكّك أوساط برلمانية أوروبية في قدرة الكتلة اليمينية المتطرفة الجديدة على التأثير داخل البرلمان"

البرلمان الأكثر جنوحاً نحو اليمين

بذلك يكون هذا البرلمان الجديد الأكثر جنوحاً نحو اليمين في تاريخ الاتحاد الأوروبي. ويبقى الذكور يشكلون فيه أكثرية الأعضاء (60 في المائة)، مع أن بعض البلدان، مثل قبرص، لم تنتخب أي رجل للبرلمان الجديد، بينما تشكّل النساء ثلث الأعضاء المنتخبين في كلٍ من ألمانيا وإيطاليا.

من ناحية أخرى، كان التطور اللافت والمفاجئ في المعسكر اليميني المتطرف نجاح رئيس الوزراء المجري أوربان في لمّ شمل القوى اليمينية المتطرفة القريبة من موسكو ضمن كتلة برلمانية جديدة «وطنيون من أجل أوروبا». ولقد قامت هذه الكتلة على أنقاض كتلة «الهوية والديمقراطية»، وتضمّ كلاً من الحزب الليبرالي النمساوي و«التحالف المدني» الذي يقوده رئيس الوزراء التشيكي السابق أندريه بابيس، إلى جانب حزب «فوكس» الإسباني، وحزب «الرابطة» الإيطالي بزعامة ماتّيو سالفيني، واليمين الهولندي المتطرف، وحزب «التجمع الوطني» الفرنسي بزعامة مارين لوبان.

ويعود الفضل في تشكيل هذه الكتلة الجديدة، التي تعمّدت تهميش رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، إلى أوربان وحلفائه في أوروبا الشرقية. ويهدف هذا التجمع الجديد إلى التأثير في سياسات البرلمان الأوروبي وعرقلة مشروع الاندماج الذي يتجه نحو توسعة جديدة للاتحاد تشمل دول البلقان وبعض بلدان القوقاز، إلى جانب أوكرانيا.

رئيس الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني (رويترز)

دور فيكتور أوربان

وتأتي هذه الخطوة أيضاً، وسط تزايد القلق بين الشركاء الأوروبيين من الدور الذي يلعبه فيكتور أوربان في الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد، وجولاته على كييف وموسكو وبكين في «مهمة سلام» لم تكلفه بها الدول الأعضاء التي وجهت إليه انتقادات شديدة واتهمته بخدمة مصالح الكرملين، وبدأت أخيراً بمقاطعة الاجتماعات الوزارية التي تنظمها الرئاسة المجرية.

هذا، وكان «التجمّع الوطني» الفرنسي الذي تقوده لوبان، والذي يشكّل القوة الرئيسية في هذه الكتلة الجديدة بعد حصوله على 30 مقعداً في انتخابات الشهر الماضي، قد تريّث في الإعلان عن انضمامه إلى الكتلة في انتظار نتائج الدورة الثانية من الانتخابات الاشتراعية الفرنسية التي كان يأمل أن يحصل فيها على الغالبية المطلقة ويكلّف نجمه الصاعد الشاب جوردان بارديلا تشكيل الحكومة الجديدة. إلا أنه بعد ظهور النتائج النهائية للانتخابات الفرنسية وتراجع «التجمع الوطني» إلى المرتبة الثالثة، صرّح بارديلا - الذي كان قد انتُخب عضواً في البرلمان الأوروبي – بـ«أن أعضاء (التجمع الوطني) في البرلمان الأوروبي الجديد سيلعبون دورهم كاملاً ضمن كتلة كبيرة سيكون لها تأثير واضح على موازين السلطة ومعادلاتها في أوروبا». وتعهّد بارديلا، بالتالي، مواصلة العمل من أجل «منع إغراق بلدان الاتحاد بالمهاجرين، ورفض السياسات البيئية المتطرفة، ومصادرة السيادة الوطنية».

وما يُذكر أنه على الرغم من تغيّب بارديلا عن الاجتماع التأسيسي للكتلة الجديدة، فإنه انتُخب رئيساً لها بالإجماع، يعاونه ستة نواب للرئيس، تبرز من بينهم المجرية كينغا غال كنائبة أولى.

تشكيك بإمكانية توحيد اليمين

في أي حال، تشكّك أوساط برلمانية أوروبية في قدرة هذه الكتلة اليمينية المتطرفة الجديدة على التأثير داخل البرلمان الجديد، وتستبعد نجاحها في العمل بتوجيهات موحدة في ضوء اختلاف مصالحها وأهدافها الخاصة. وكانت الكتلة السابقة «الهوية والديمقراطية»، التي قامت على أنقاضها الكتلة الجديدة، وكان ينتمي إليها حزب «البديل من أجل ألمانيا» - الذي طُرد منها بسبب التصريحات النازية لزعيمه - دائماً معزولة من القوى البرلمانية الأخرى، بما فيها الكتلة التي تتزعمها ميلوني. وهنا نشير إلى أنه رغم الانسجام العريض بين مواقف ميلوني ومواقف أوربان من معظم الملفات الأوروبية، فإن الزعيمين يختلفان بوضوح حول الحرب الدائرة في أوكرانيا؛ إذ تصطف ميلوني ضمن الموقف الرسمي للاتحاد، بعكس حليفها اللدود في الائتلاف الحكومي الذي ينافسها على زعامة المعسكر اليميني المتطرف في إيطاليا، زعيم حزب «الرابطة» ماتيو سالفيني.

جدير بالذكر، أن البرلمان الأوروبي الجديد انتخب في جلسته الافتتاحية يوم الثلاثاء الماضي المالطية روبرتا متسولا، من الحزب الشعبي، رئيسة لنصف الولاية الاشتراعية حتى مطلع عام 2027. ونالت متسولا، التي كانت ترأس البرلمان السابق منذ وفاة الإيطالي دافيد ساسولي، 562 صوتاً من أصل 720، وهذا رقم قياسي لم يحصل عليه أي من الرؤساء السابقين؛ الأمر الذي يدلّ على أنها حصلت أيضاً على تأييد عدد من نواب اليمين المتطرف بجانب تأييد الكتلتين الكبريين اللتين تتوافقان عادة على توزيع المناصب القيادية في مؤسسات الاتحاد.

ولقد قالت متسولا في كلمتها قبل البدء بالاقتراع السري: «أدعوكم إلى التمسك والالتزام بمبادئنا وقيمنا التأسيسية، والدفاع عن سيادة القانون، وعن الإنسانية في الشرق الأوسط ورفض اجتياح أوكرانيا». وشددت، كما فعلت عند انتخابها للمرة الأولى، على إعطاء البرلمان الأوروبي صلاحية اقتراح التشريعات المقصورة حالياً على المفوضية.