آدم موصيري رئيس «إنستغرام» ومطلق «ثريدز»... سلاح «ميتا» القوي في مواجهة «تويتر»

هاجر والده اليهودي من مصر إلى الولايات المتحدة بعد ثورة 1952

آدم موصيري رئيس «إنستغرام» ومطلق «ثريدز»... سلاح «ميتا» القوي في مواجهة «تويتر»
TT

آدم موصيري رئيس «إنستغرام» ومطلق «ثريدز»... سلاح «ميتا» القوي في مواجهة «تويتر»

آدم موصيري رئيس «إنستغرام» ومطلق «ثريدز»... سلاح «ميتا» القوي في مواجهة «تويتر»

قد يكون اسم آدم موصيري، رئيس تطبيق «إنستغرام» منذ 2018، معروفاً لدى مستخدمي التطبيق، البالغ عددهم أكثر من ملياري مستخدم، خصوصاً أن لديه أكثر من مليوني متابع على التطبيق نفسه. بيد أنه مع تعيينه الآن قائداً فعلياً للتطبيق الجديد «ثريدز»، الذي صعقت انطلاقته الصاروخية، تطبيق «تويتر»، تهافتت وسائل الإعلام، وكذلك الرأي العام، على محاولة التعرّف أكثر على شخصية هذا الرجل. بعض التحليلات أشارت إلى أن موصيري، قد يلعب دوراً حاسماً في تحويل منصة «ثريدز»، إلى منافس «قاتل» لتطبيق «تويتر»، وطموحات مالكه المثير للجدل، إيلون ماسك، خصوصاً أن بصمات موصيري السابقة على منتجات شركة «ميتا»، التي كانت تُدعى «فيسبوك» سابقاً، حاسمة في إظهار النجاحات التي حققها عملاق وسائل التواصل الاجتماعي، منذ نحو أكثر من عقد. ثم، على الرغم من أن مارك زوكربيرغ، هو الوجه الأبرز لشركة «ميتا»، فإن تطبيق «ثريدز» الذي يشبه «تويتر» ويقوم على خلفية تطبيق «إنستغرام»، أصبح التطبيق الأسرع نمواً في تاريخ الشركة، وهو يقع ضمن اختصاص رجل مختلف. فمَن هو آدم موصيري، البالغ 40 سنة؟ وكيف حقق هذا الصعود في مسيرته المهنية؟



وُلد آدم موصيري يوم 23 يناير (كانون الثاني) 1983، في ضاحية تشاباكوا بشمال مدينة نيويورك من عائلة يهودية. وهو الأخ الأكبر للملحن الموسيقي والممثل، إميل موصيري، الذي اعتنق مع شقيقه المسيحية، وهما يحتفلان بأعيادها أيضاً، بحسب عديد من المراجع والمقالات الصحفية الأميركية.

التحق آدم بمدرسة غالاتين للدراسات الفردية، بجامعة نيويورك لدراسة تصميم الإعلام والمعلومات، وتخرج بدرجة البكالوريوس في تصميم المعلومات في عام 2005. وفي عام 2003، أثناء دراسته في جامعة نيويورك، أسس موصيري شركة استشارات التصميم الخاصة به المسماة «بلانك موصيري»، التي ركزت على تصميم الغرافيك والتفاعل والمعارض. وكانت لشركته مكاتب في نيويورك وسان فرنسيسكو.

وفي عام 2007، انضم موصيري إلى شركة «نوك بوكس» بوصفه أول مصمم للشركة. ثم في عام 2008، انضم إلى «فيسبوك»، بوصفه مصمم منتج. وفي عام 2009، أصبح مديراً لتصميم المنتجات، وعام 2012 أصبح مدير التصميم لتطبيقات الأجهزة المحمولة الخاصة بالشركة. وبين عام 2012 و2016، أشرف على قسم موجز الأخبار على «فيسبوك»، ومن 2016 إلى منتصف 2018، شغل منصب نائب رئيس منتجات الشركة.

تقدر ثروة موصيري الشخصية اليوم بفضل وظائفه وأنشطته المتعددة، بأكثر من 120 مليون دولار أميركي، إذ كان راتبه الشخصي عن كل منصب، يتخطى 120 ألف دولار شهرياً. وإبان فترة عمله في «فيسبوك»، أشرف أيضاً على «فيسبوك هوم»، لكنها كانت محاولة فاشلة لإحضار الشركة شاشة رئيسية متنقلة إلى أجهزة «آندرويد».

وبعد الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، أخذ موصيري على عاتقه أن يصبح الناطق الرسمي لشركة «فيسبوك» عن «الأخبار المزيفة». ثم في مايو (أيار) 2018، عُيّن نائباً لرئيس تطبيق «إنستغرام»، ليتولى في 1 أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، منصب الرئيس المباشر للتطبيق، بعد استقالة مؤسسَي تطبيق مشاركة الصور، كيفن سيستروم ومايك كريغر، خلال سبتمبر (أيلول) 2018. وللعلم، يختلف لقب موصيري بوصفه رئيساً لـ«إنستغرام»، عن لقب الرئيس التنفيذي، إذ يحتفظ مارك زوكربيرغ، باللقب على كل منتجات شركة «ميتا».

الشبكة الاجتماعية

في أولى مشاركاته على «ثريدز» قال آدم موصيري: «ها نحن ذا»، ما يوحي بثقته في نجاح التطبيق. وحقاً، في غضون 5 أيام فقط، حصد «ثريدز» أكثر من 100 مليون مستخدم، ما أدى إلى إخراج معظم منافسيه المباشرين مثل «بلوسكاي» و«ماستودون» من السباق.

بالنسبة لموصيري - الذي يعمل مع زوكربيرغ منذ 2008 - فإن الانطلاقة السريعة للتطبيق، تمثل «أكثر أسبوع جنوني في العمل منذ سنوات عديدة»، بحسب ما نشره على التطبيق، في الأيام الأولى لانطلاقته. ومع أن «فيسبوك»، لا يزال يحتفظ برؤية زوكربيرغ الأصلية للشبكة الاجتماعية، فإنه كان قبل انضمام موصيري إلى الشركة، مجرد مكان لمشاركة الصور ونشر تحديثات باهتة، وكتابة رسائل أعياد الميلاد والتعازي... على صفحات الأصدقاء. ولكن في السنوات التي تلت ذلك، تحوّل موقع «فيسبوك» من مكان للحصول على التحديثات من الأصدقاء والأقارب، إلى مكان يمكنك فيه قراءة المقالات الإخبارية والتقارير المصورة، ويصار إلى ربطك بالحجج السياسية مع أشخاص لم تكن تعرفهم حتى.

وحقاً، كان لموصيري دور محوري في مثل هذه التغييرات، بعدما تولى منصب مدير تصميم المنتجات في عام 2009. ولاحقاً، مع تحول الهواتف إلى «ذكية»، منذ نجاح ستيف جوبز بإطلاق هاتف «آيفون»، تسلم موصيري إدارة التطبيقات على «فيسبوك». وبينما كان التطبيق يدور على إغراء المشتركين بتمضية أكبر قدر ممكن من الوقت على المنصة، ومتابعة تفاعلاتهم للحصول على عائدات الإعلانات، أشرف موصيري على موجز الأخبار المحوري على «فيسبوك»، بين عامي 2012 و2016، وهي الفترة التي شهدت تركيزاً متزايداً على جذب انتباه المستخدمين إلى السياسة والأخبار.

معالجة الأخبار المزيفة

ثم في السنوات التي تلت ذلك، اعترف مارك زوكربيرغ، بأنه كان يجب أن يأخذ المخاوف بشأن انتشار الأخبار المزيفة على المنصة بجدية أكبر قبل الانتخابات الأميركية 2016. وإثر صدور نتائجها وفوز دونالد ترمب، بالسباق الرئاسي متغلباً على هيلاري كلينتون، كان موصيري هو مَن كتب مدونة للشركة تتناول «الخداع والأخبار الكاذبة» على «فيسبوك». بل، لقد اعترف بأنه «عانى من الأرق» بسبب الدور الذي ربما لعبه موقع «فيسبوك» في انتشار العنف في ميانمار، إثر تقرير للأمم المتحدة يزعم أن المنصة، غذت الكراهية لمسلمي الروهينغا في تلك البلاد. وأيضاً، اعترف في عام 2018، عندما أصبح نائب رئيس المنتجات في الشركة، بأن «ربط العالم لن يكون دائماً أمراً جيداً». ويرى بعض المحللين، أنه ربما يكون هذا هو سبب رفض موصيري فكرة أن الأخبار والسياسة، يجب أن تكونا هما محور تركيز الموضوعات.

عام 2018، وبعد 6 سنوات على شراء زوكربيرغ تطبيق «إنستغرام» مقابل مليار دولار، واستقالة مؤسسيه السابقين، عيّن آدم موصيري، رئيساً له، وهو الآن لديه أكثر من ملياري مستخدم. غير أن فترة عمله لم تكن خالية من الجدل. إذ كان على «إنستغرام» أن يدافع بانتظام عن موقفه من الاعتدال، ومن نشر المواد التي يمكن أن تكون لديها تأثيرات مميتة، لا سيما العام الماضي، بعدما كشفت التحقيقات أن المراهقة البريطانية مولي راسل - التي شاهدت محتوى مؤذياً على المنصة - انتحرت لاحقاً بسببه.

ويذكر أن هذه هي التهمة نفسها التي وُجّهت إلى تطبيق «تيك توك» الصيني، الذي دفع موصيري «إنستغرام» للتشبه به، بعدما التقى عدداً من كبار المؤثرين والنجوم على التطبيق، أمثال كيم كارداشيان وكايلي جينر، للترويج للمنصة عبر نشر ما يسمى «ريلز» - أو بَكَرات الصور - على «إنستغرام». ولقد سعى هؤلاء إلى «مطالبة المشتركين بالكف عن أن يكونوا من جماعة «تيك توك»، والاكتفاء فقط بالصور الجميلة واللطيفة للأصدقاء»! وعلى الرغم من دفاعه عن تلك التغييرات، فإن موصيري اعترف لاحقاً بأن المنصة «ركزت بشكل زائد» على الفيديو في عام 2022.

«ثريدز» تطبيقه الشخصي

إلا أن إطلاق تطبيق «ثريدز»، يعد - بلا شك - أكبر وأهم لحظة في فترة تولي موصيري رئاسة «إنستغرام». مع الإشارة إلى أن هذا الأخير، بخلاف كل منتجات شركة «ميتا» التي حاولت تقليد تطبيقات سابقة - مثل قصص «سناب شات» و«ريلز» من «تيك توك» - كان التطبيق الخاص بموصيري شخصياً.

ومع بناء موصيري على خلفية «إنستغرام»، ضَمن ترحيل حسابات المشتركين، ما يساعده بسرعة على تجميع قاعدة مستخدمين ضخمة، تضم ممثلين ورياضيين ومشاهير وعلامات تجارية وملصقات عادية. ولقد علّق موصيري، الذي يعيش الآن في العاصمة البريطانية (لندن) مع زوجته مونيكا وأطفاله الثلاثة، عن شعبية «ثريدز» خلال الأسبوع الأول من إطلاقه بالقول: «إنه جنون، لا أستطيع أن أفهمه».

ومع ذلك، بدا أنه على أتم الاستعداد لتلبية طلبات تحديث التطبيق، وانفتاحه على الأمكنة التي يحتاج فيها إلى التحسينات في أيامه الأولى، بدءاً من الافتقار إلى القدرة على البحث عن موضوعات ومصطلحات محددة، إلى غياب خيار لتخصيص جدول المشتركين الزمني للأشخاص الذين تُجرى متابعتهم فقط. ولمّح موصيري إلى الإضافات المستقبلية ذات الأولوية الأقل، مثل علامات التصنيف، والموضوعات الشائعة، وعرض المنشورات المفضلة، وتحسين تطبيق سطح المكتب. ووفق الخبراء فإن رؤيته، تبدو منبثقة من تجربته في العمل على صفحة «فيسبوك». ذلك أنه كتب على «ثريدز» ما يلي: «لن نحبط أو نخفّض من شأن الأخبار أو السياسة»... «لن نحاكمهم كما فعلنا في الماضي».

وهنا يقول البعض، إن موصيري الذي ربما تطارده الخلافات التي دارت في السنوات الماضية، حول «أنه لا توجد أخبار أفضل من الأخبار السيئة»، قد يكون مضطراً للقبول بها، خصوصاً إذا استمر نمو «ثريدز» بهذا الشكل.

والده هاجر من مصر

عاش آدم موصيري الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، طفولته بين إسرائيل وأميركا، وذلك بعدما هاجر والداه من مصر عام 1957، إثر «ثورة الضباط الأحرار» يوم 23 يوليو (تموز) 1952. والطريف أن آدم يرفض الكشف عن اسم والديه، ويتبع نهجاً محافظاً جداً في الكشف عن حياته الشخصية. إلا أنه قال لصحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية، إنه يحب أكلة «الملوخية» على الطريقة المصرية القديمة.

يذكر أن عائلة موصيري معروفة بين أبرز عائلات يهود مصر. وهي عائلة يهودية سفارادية (أي إسبانية الجذور) عاشت في إيطاليا. ثم استقرت في مصر خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وبحسب المؤرخ والباحث اللبناني المولد شاهين مكاريوس (1853 – 1910م)، فقد احتفظت العائلة بالجنسية الإيطالية، وحقَّق يوسف نسيم موصيري، الجد الأكبر للعائلة، ثروته من التجارة. وكان للعائلة، عديد من النجاحات في مصر، بعد انتقال نسيم موصيري، إليها عام 1750؛ وعلى سبيل المثال، أسست عائلة موصيري شركة فنادق مصر الكبرى، وبنت فنادق مصرية شهيرة، مثل: «مينا هاوس» و«سان ستيفانو» و«سافوي وكونتيننتال». وأيضاً أسس أبناء نسيم بك موصيري (إيلي، ويوسف، وجاك، وموريس) «بنك موصيري» في مصر، وكان نسيم بك يشغل موقعاً مميزاً ضمن الطائفة اليهودية في مصر. وفي عام 1915، أسس جوزيف موصيري شركة رائدة في صناعة السينما هي شركة «جوزي فيلم»، التي أسست وأدارت دور السينما واستوديو للإنتاج السينمائي، وكانت واحدة من أكبر الشركات الرائدة في صناعة السينما المصرية. وبعد وفاته عام 1876، أسَّس أبناؤه الأربعة «مؤسسة يوسف نسيم موصيري وأولاده». وتزوج الابن الأكبر نسيم بك موصيري (1848 - 1897) من ابنة يعقوب قطاوي، الذي تولى رئاسة الطائفة اليهودية في القاهرة، وكانت تسمى «الطائفة الإسرائيلية» حينذاك. وأصبح نسيم موصيري، نائب رئيس الطائفة، وهو منصب توارثته العائلة من بعده.

ولكن لم تحقِّق عائلة موصيري انطلاقتها الحقيقية إلا في أوائل القرن العشرين (1904) عندما أسَّس إيلي موصيري (1879 - 1940)، ابن نسيم (بك)، بالتعاون مع إخوته الثلاثة يوسف (1869 - 1934)، وجاك (1884 - 1934) وموريس، «بنك موصيري». وحقَّق إيلي مكانة مرموقة في عالم المال والأعمال في مصر، وكان قد درس الاقتصاد في بريطانيا وتزوج من ابنة فيليكس سوارس، أحد كبار الأغنياء المصريين اليهود. وكانت تربطه علاقات وثيقة بإسماعيل باشا صدقي، رئيس الوزراء المصري الأسبق، كما كانت له مصالح عديدة في فرنسا وعلاقات وثيقة ببيوت المال الأوروبية اليهودية مثل «روتشيلد» و«لازار» و«سليغمان»، كما كان يمثل المصالح الإيطالية في مصر.

أميركي ــ إسرائيلي يعيش في بريطانيا مع زوجته وأطفاله الثلاثة... ويحب «الملوخية» المصرية


مقالات ذات صلة

عام على إطلاق «ثريدز»... هل تمكّن من منافسة «إكس»؟

تكنولوجيا على الرغم من أنها لم تتفوق على «X» فإن «ثريدز» نجحت في بناء أساس متين ومجتمع إيجابي (شاترستوك)

عام على إطلاق «ثريدز»... هل تمكّن من منافسة «إكس»؟

يحتفل «ثريدز» بالذكرى السنوية لإطلاقه مع أكثر من 175 مليون مستخدم نشط شهرياً، فيما تبقى منافسته لـ«X» مثار جدل.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا شعار تطبيق «ثريدز» (رويترز)

منافس «إكس»... «ثريدز» يمتلك 130 مليون مستخدم شهرياً

تمتلك خدمة «ثريدز» للرسائل القصيرة المملوكة لشركة «ميتا» البديلة لتطبيق «إكس» («تويتر» سابقاً) الآن 130 مليون مستخدم نشط شهرياً

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا تتيح الميزة الجديدة للمستخدمين إدارة إعدادات كل حساب من خلال لوحة التحكم مثل الإعدادات المتعلقة بالخصوصية والأمان (رويترز)

«ثردز» تقدم ميزة جديدة لأصحاب الحسابات المتعددة

«ثردز» تطلق رسمياً طريقة للتبديل بين الحسابات المتعددة، دون الحاجة لتسجيل خروج المستخدم.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تطبيق «ثريدز» (أ.ب)

«تيك توك» هو المنافس الحقيقي لـ«ثريدز» وليس «تويتر»

أطلقت شركة «ميتا» المالكة لـ«فيسبوك» منصة «ثريدز»، وهي شبكة اجتماعية بسيطة تعتمد على النصوص بالأساس في أسبوع «صعب جداً» لمنافستها المعروفة سابقاً باسم «تويتر».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا «ميتا» تعلن أن نصف عدد المستخدمين هجروا التطبيق (شاترستوك)

«ميتا» تعترف: أكثر من نصف مستخدمي «ثريدز» هجروا التطبيق

أعلنت «ميتا» تراجع عدد مستخدمي «ثريدز» إلى النصف، واصفة هذا الانخفاض بـ«الأمر الطبيعي».

نسيم رمضان (لندن)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».